الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - فصل
.
قال ابن المبارك: من ذا يسلم من الوهم؟.
وقال ابنُ مَعِين: لست أعجب ممن يحدث فيخطئ إنما أعجب ممن يحدث فيصيب.
قلت وهذا أيضًا مما ينبغي أن يتوقف فيه فإذا جرح الرجل بكونه أخطأ في حديث، أو وهم، أو تفرد لا يكون ذلك جرحا مستقرا، وَلا يرد به حديثه.
ومثل هذا إذا ضعف الرجل في سماعه من بعض شيوخه خاصة فلا ينبغي أن يرد حديثه كله لكونه ضعيفا في ذلك الشيخ.
وقال الشافعي: إذا روى الثقة حديثا وإن لم يروه غيره فلا يقال له: شاذ إنما الشاذ أن يروي الثقات حديثا على وجه فيرويه بعضهم فيخالفه فيقال: شذ عنهم وهذا صواب ومع ذلك فلا يخرج الرجل بذلك عن العدالة لأنه ليس بمعصوم من الخطأ والوهم ، إلا إذا بين له خطؤه فأصر.
10 - فصل
.
وقال الشافعي في الرسالة: وَلا تقوم الحجة بخبر الخاصة، يعني بذلك خبر الواحد- إلا أن يكون من حدث ثقة في دينه معروفا بالصدق في حديثه عاقلا لما يحدث به عالما بما يحيل معاني الحديث من الألفاظ.
أو يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه لا يحدث به على المعنى فإنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وَإذا أدى بحروفه لم يبق وجه يخاف منه إحالة الحديث.
حافظا إن حدث بحروفه من حفظه حافظا لكتابه إن حدث من كتابه إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافقهم بريئا من أن يكون مدلسا يحدث عمن لقي بما لم يسمع منه، أو يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يحدث الثقات خلافه.
ويكون كذلك حكم من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي الحديث موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى من انتهى به إليه دونه لأن كل واحد منهم مثبت من حدثه وشاهد على من حدث عنه فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت.
قال: ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه كما يكون من أكثر التخليط في الشهادة لم تقبل شهادته.
وأقبل الحديث ممن قال: حدثني فلان، عن فلان إذا لم يكن مدلسا ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته وتلك العورة ليست بكذب فيرد بها حديثه، وَلا على النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق فقلنا: لا نقبل من مدلس حديثا حتى يقول حدثني، أو سمعت. انتهى كلام الشافعي رحمه الله.
وخرج بقوله: ثقة في دينه من كان مبتدعا بدعة يكفر بها ، وكذلك غير المميز من صبي ومجنون.
وأما قوله عاقلا بما يحدث به ، فقال ابن حبان: العقل بما يحدث من الحديث أن يعقل من اللغة مقدار ما لا يزيل معاني الأخبار عن سننها ويعقل من صناعة الحديث ما لا يرفع موقوفا، وَلا يصل مرسلا، أو يصحف اسما.
قال: والعلم بما يحيل معاني ما يرويه هو أن يعرف هو من الفقه مقدار ما إذا أدى خبرا، أو رواه من حفظه، أو اختصره لم يحله عن المعنى الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معنى آخر.
قلت: وَلا خلاف بين الأئمة في اشتراط هذه الشروط إن جوزنا الرواية بالمعنى.
وقد تضمن هذا الفصل من كلام الشافعي جميع الشروط المتفق عليها بين أهل الحديث في حد من تقبل روايته.
وأما من شرط العدد فهو قول شاذ مخالف لما عليه الجمهور بل تقبل رواية الواحد إذا جمع أوصاف القبول.
وكذا من يشترط أن يكون فقيها عالما فهو خلاف ما عليه الجمهور وحجتهم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَثَبَّتُوا} الآية معناه أن لا يثبت في غير خبر الفاسق ولو لم يكن عالما.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها
…
الحديث أقوى دليل على ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفرق بل صرح بقوله فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
وكذا قول من شرط أن يكون مشهورا بسماع الحديث ومعرفة نسب الراوي وأن لا ينكر راوي الأصل رواية الفرع عنه على وجه النسيان.
فكل هذه الشروط مخالف لما عليه الجمهور والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب إليه المرجع والمآب لا إله إلا هو.