الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ـ[نريد أن نعرف باختصار
منهج يعقوب بن شيبة السدوسي في الجرح والتعديل
وطريقته في نقد الأحاديث والروايات؟ ]ـ
بينت منهج يعقوب بن شيبة في الجرح والتعديل في الرسالة الآنفة الذكر فمما جاء فيها:
خلاصة منهج يعقوب بن شيبة في التَّعديل:
في هذه الخلاصة أذكر أهم ما يلاحظ على كلام يعقوب بن شيبة في التَّعديل، فمن ذلك:
- توثيقه للمبتدعة مطلقاً من غير تفريق بين أنواع البدع؛ فهو يوثق مَنْ رُمِيَ بالقَدَر، ومَنْ رُمِيَ بالتشّيع، ومَنْ رُمِيَ بالإرجاء، ولا يُفرّق أيضاً بين مَنْ كانت بدعته خفيفة أو شديدة، وبين من كان داعية أو غير داعية، فكلهم عنده ثقات إذا توفر فيهم الضبط والحفظ.
- وتقويته بعض الرجال لرواية بعض الأئمة عنهم، ومن الأئمة الذين نصَّ عليهم مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان.
- وتفصيله في أحوال الرجال، فبعض الرواة قد يكون مقبولاً في حالٍ، ومردوداً في حالٍ أخرى، وهذه الأحوال ترجع:
1 -
إمّا إلى المكان الذي حدّث فيه الراوي.
2 -
أو إلى الزمان الذي حدّث فيه الراوي.
3 -
أو إلى شيوخ الراوي.
4 -
أو إلى تلاميذ الراوي.
5 -
أو إلى حال الشيخ عند تحديثه.
- وتأثره في ألفاظه، وأحكامه ببعض الأئمة، منهم: ابن سعد، وابن معين.
- وعنايته بألفاظ الرواية، حتى إنه رجح بعض الراوة على بعض لهذا السبب، فقد قال:«زهير أثبت من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وكان في عبد الله تهاون بالحديث، لم يكن يَفْصِلُ هذه الأشياء - يعني الألفاظ -» (11)، ويلاحظ هذا الاعتناء أيضاً في طريقة يعقوب في الرواية، ودقته المتناهية في ذلك.
- وتأثره أيضاً في ألفاظه، وأحكامه على الرجال بعلم العلل، ويعقوب بن شَيْبَة من المُبَرّزين في علم العلل، ويظهر ذلك جلياً في ألفاظه، وأحكامه على الرجال، لذا يتكرر في كلامه ألفاظ الترجيح بين الرواة كفلان أثبت من فلان، أو أتقن، أو أعلم ونحوها من العبارات الهامة في علم علل الحديث.
- ويلاحظ استعماله بعض العبارات الرفيعة في التَّعديل في وصف رواة لا يبلغونها، من ذلك قوله في عطاء الخراساني: ثقة ثبت، وأقوال النقاد فيه تدور بين ثقة وصدوق وضعيف
ومن خلال ما تقدم في هذا المبحث يتبين أنَّ يعقوب بن شيبة معتدل في التعَّديل، وإن كان لا يخلو من تشددٍ أحياناً، فقد تشدد في:
1 -
عبد السلام بن حرب، حيثُ غَمَزَه والجمهور على توثيقه.
2 -
والوليد بن أبي مالك، لم يتكلم عليه إلاّ يعقوب، وهو متفق على توثيقه.
3 -
وإسرائيل بن يونس السبيعي.
(11) تهذيب الكمال 9: 404.
وهكذا غالب الأئمة المعتدلين، فإنهم قد يتشددون أحياناً، وأحياناً يتساهلون، وما أحسنَ وأدق كلمةَ المعلميّ التي قال فيها:«ما اشتهر أنَّ فلاناً من الأئمة مُسَهِّل، وفلاناً مُشّدِّد، ليس على إطلاقه، فإنَّ منهم من يُسهل تارةً، ويُشدد أُخرى، بحسب أحوال مختلفة، ومعرفةُ هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلَاّ باستقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام» ، والله أعلم.
خلاصة منهج يعقوب بن شيبة في الجرح
في هذه الخلاصة أذكر أهم ما يلاحظ على كلام يعقوب بن شيبة في الجرح، فمن ذلك:
1 -
جمعه في كلامه على الراوي الواحد بين ألفاظ الجرح وألفاظ التعديل في آنٍ واحد، غير أنه يُقَيّد ألفاظ الجرح بالحديث، ويُطلق ألفاظ التعديل، مما يدل على أنَّ التعديل منصبٌ على صلاح الرجل في نفسه ودينه لا في حديثه وضبطه، وتقدم التنبيه على ذلك في التعليق على الألفاظ المركبة.
2 -
أنَّ السّمة الغالبة على ألفاظ يعقوب بن شيبة في جرح الرواة سمةُ الخشيةِ والورعِ، وتجنب الألفاظ القاسية والشديدة؛ كالفظة: كذاب، أو وضّاع، أو زنديق، وغير ذلك من الألفاظ التي استعملها بعض شيوخه، كابن معين، وابن نُمير، وابن المديني.
3 -
أنَّ يعقوب بن شيبة مع اعتداله في جرحه للرواة إلَاّ أنَّه قد يتشدد أحياناً في بعض الرواة، كما تشدد في حكمه على أبي بكر النهشلي حيث قال فيه:«صدوق، ضعيف الحديث» ، مع أنَّ جميع شيوخ يعقوب على توثيقه إلَاّ ما كان من إشارة ابن سعد المذكورة، وكما تشدد أيضاً في حكمه على عبد السلام بن حرب الملائي حيث قال فيه:«ثقة، وفي حديثه لين، وكان عسراً في الحديث .. » ، ونحو هذا الكلام قاله ابن سعد في عبد السلام هذا، وتقدم قول المعلمي:«ما اشتهر أنَّ فلاناً من الأئمة مُسَهِّل، وفلاناً مُشّدِّد، ليس على إطلاقه، فإنَّ منهم من يُسهل تارةً، ويُشدد أُخرى، بحسب أحوال مختلفة، ومعرفةُ هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلَاّ باستقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام» (12)، وكلام المعلمي هذا يدل عليه واقع النقاد ومنهم يعقوب بن شيبة.
4 -
ومما يلاحظ أيضاً أنَّ يعقوب بن شيبة ينقل أقوال النقاد - شيوخه وغيرهم - في الرواة، وتقدم نقله عن عبد الله بن المبارك، ويحيى القطان، والفضل بن موسى، وابن المديني، وابن معين، وابن نُمير وغيرهم من أئمة الجرح والتَّعديل.
6 -
ويلاحظ أيضاً أنَّه لا يكتفي أحياناً بذكر الجرح في الراوي؛ بل يذكر فضلَ الرجل وصلاحَه وعبادتَه وزهدَه، وأمرَه بالمعروف ونهيَه عن المنكر، وفقهه، ومعرفته بأخبار الناس وسيرهم، وغير ذلك من الأمور التي يتصف بها الراوي المجروح؛ كما في قوله في أبي بكر بن عياش:«وأبو بكر بن عياش شيخ قديم معروف بالصلاح البارع، وكان له فقه كثير، وعلم بأخبار الناس، ورواية للحديث يعرف له سنه وفضله، وفي حديثه اضطراب» ، وقوله في الهيثم بن عدي:«كانت له معرفة بأمور الناس وأخبارهم، ولم يكن في الحديث بالقوي، ولا كانت له به معرفة وبعض الناس يحمل عليه في صدقه» ، وغيرهما من الرواة.
(12) مقدمة الفوائد المجموعة ص"ط".
7 -
ويلاحظ أيضاً توثيقه النسبي لبعض المجروحين عنده، إما توثيق في بعض الشيوخ كقوله في مندل بن علي العنزي:«عبيد الله بن موسى، ومحاضر، ومندل، وأبو معاوية، ووكيع، وابن نمير، ويحيى بن عيسى كل هؤلاء ثقة في الأعمش» ، مع قوله:«كان أشهر من أخيه حبان وهو أصغر سناً منه، وأصحابنا يحيى بن معين وعلي ابن المديني وغيرهما من نظرائهم يضعفونه في الحديث، وكان خيراً فاضلاً صدوقاً، وهو ضعيف الحديث، وهو أقوى من أخيه في الحديث» ، أو توثيق بسبب المتابعة كقوله في أبي بكر بن عياش:«وأبو بكر بن عياش شيخ قديم معروف بالصلاح البارع، وكان له فقه كثير، وعلم بأخبار الناس، ورواية للحديث يعرف له سنه وفضله، وفي حديثه اضطراب» ، وقال أيضاً في كلامه على أحد الأحاديث:« .. رواه جماعةٌ عن أبي إسحاق ثقات منهم: زائدة بن قدامة، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وأبو بكر ابن عياش، وسفيان بن عيينة، وإسرائيل بن يونس» .
8 -
ومما يلاحظ أيضاً تنبيهه أحياناً على عقائد الرواة، مع التحرز في ذلك؛ فقد قال في عبد الواحد بن زيد أبي عبيدة:«رجل صالح متعبد، وكان يقص يعرف بالنسك والتزهد وأحسبه كان يقول بالقدر، وليس له بالحديث علم، وهو ضعيف الحديث» .
9 -
ومما يلاحظ أيضاً تصريحه بعدم التحديث عن المتروكين؛ فقد قال في علي بن الحزور الغنوي: «قد تُرِكَ حديثه، وليس ممن أحدثُ عنه» ، وهذا يدل على انتقاءه لشيوخه.
10 -
ومما يلاحظ أيضاً متابعة لبعض النقاد في أحكامهم وألفاظهم؛ كابن سعد، وابن معين، فإنَّ ابن سعد قال في عبد السلام بن حرب:«كان به ضعف في الحديث، وكان عسراً» ، وقال يعقوب فيه:«ثقة وفي حديثه لين، وكان عسراً في الحديث .. » ، وتقدم أنَّ يعقوب استفاد كثيراً من ابن سعد في طبقات الرواة وأخبارهم، وأما ابن معين فقال عن زيد الحواري:«يُضعّفُ» ، وكذلك قال فيه يعقوب كما تقدم.
11 -
ومما يلاحظ أيضاً تنبيهه على أنَّ بعض الضعفاء يزدادون ضعفاً إذا جمعوا في روايتهم بين بعض شيوخهم.
12 -
أنَّ تَرْكَ بعضِ الأئمة لراوٍ وعدمِ الروايةِ عنه دليلٌ على ضعفه عندهم، وقد نقل يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني كلامه على عبد الله بن محمد بن عقيل، وبيَّن يعقوب أنَّ هذا لمن كان ينتقي الرواة كمالك بن أنس ويحيى القطان.
13 -
دقة بعض ألفاظه في الجَرْح. فمن ذلك مثلاً قوله: فيه ضعف، وقوله: في حديثه ضعف، وقوله: في روايته عن فلان بعض الاضطراب.
14 -
تفسيره للجرح أحياناً، فمن ذلك قوله في معمر:«سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب، لأنَّ كتبه لم تكن معه» (13).
15 -
عنايته بالتفصيل في أحوال بعض الرواة.
فمن ذلك قوله في سماك بن حرب: «وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع من سماك قديماً مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيحٌ مستقيم، والذي قاله ابن المبارك إنما يرى أنه فيمن سمع منه بأخرةٍ» (14).
16 -
نقله أقوال كبار النقاد في الرجال واختلافهم فيهم مع المقابلة والترجيح، ونقله ما يجري بينهم من مناظرات في الجَرْح والتَّعديل، من ذلك:
(13) شرح علل الترمذي 2: 767.
(14)
تهذيب الكمال 12: 120.
(15)
تاريخ بغداد 2: 303، تهذيب الكمال 25:635. وانظر: تاريخ بغداد 12: 352، تهذيب الكمال 23: 206، تاريخ بغداد 8: 403، تهذيب الكمال 9: 242 - 244.