الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنوسي
ماذا يريد الأخوان السنوسيون؟
بموت السيد أحمد الشريف السنوسي في المدينة المنورة بعيداً ن وطنه طرابلس - برقة، طويت صفحة لامعة من صفحات تاريخ الإسلام الحديث ستبقى عبرة خالدة وذكرى مقدسة.
قضى هذا البطل كل عمره في خدمة أبناء دينه والدفاع عن وطنه وإعلاء كلمة الإسلام في جميع العالم. إنها حياة كلها جهاد وتضحية وعبادة، حياة ملئت بالمفاخر والمكرمات وأعمال الخير والتقى ثم انقضت، كما هي الحال مع أكثر أبطال التاريخ، في البؤس واليأس والانزواء.
كان السيد أحمد الشريف، لما أغار الطليان في 5 تشرين الأول سنة 1911 على طرابلس - برقة منهمكاً في إدارة الزوايا السنوسية التي كانت قائمة في معظم أنحاء أفريقيا الشمالية وأفريقيا الوسطى واليت ساعدت كثيراً على انتشار الدين الإسلامي بين الزنوج.
وكانت سياسة السيد أحمد الشريف مثل سياسة سلفيه في الإمارة: عمه المهدي وجده محمد السنوسي الكبير، مبنية على مسالمة الحكومات المحيطة بمنطقة نفوذه سواء العثمانيين أو الانكليز أو الفرنسيين. ولما كانت ساحة الحرب الطرابلسية - بادئ الأمر عن الاشتراك بكل قواهم في محاربة الطليان إلى أن كانت الحرب العامة وأرسلت حكومة استانبول نوري باشا أخا أنور باشا للتحرش بالانكليز في مصر وتحريض السنوسيين على ذلك. وقد وفق نوري باشا بعد محاولات طويلة إلى أقناع السيد أمد الشريف بدخول الحرب ضد الانكليز والتجاوز على حدود مصر. ولكن انكسار جيوش نوري باشا أضجر السيد أحمد الشريف للانتقال إلى طرابلس الغرب فتولى إمارة السنوسيين في برقة ابن عمه السيد إدريس السنوسي الذي اعترف به الانكليز وتفاهم مع الطليان على توليته إدارة البلاد. ولم يكن في استطاعة السيد أحمد الشريف، الذي حصلت بينه وبين رمضان الشتيوي زعيم المجاهدين الطرابلسيين في مصراطة اختلافات شديدة، أن يبقى بعد ذلك في طرابلس الغرب فانتقل سنة 1915 إلى استانبول في أحدى الغواصات الألمانية عن طريف النمسا. فانتقل سنة 1915 إلى استانبول في إحدى الغواصات الألمانية عن طريق النمسا.
وبعد انتهاء الحرب العظمى ظل السيد أحمد الشريف يعيش منزوياً في مدينة (بروسة)
بالأناضول تحت مراقبة حكومة السلطان وحيد الدين ودول الحلفاء لاتهامه بالاتصال مع مصطفى كمال باشا الذي قام إذ ذاك يجمع بقايا الجيش العثماني ويعمل لإنقاذ الأناضول من إغارة الأجانب. وفي الحقيقة فإن رئيس السنوسيين قد انضم إلى الكماليين وكان من أكبر العاملين على نشر الدعوة لهم وإثارة الحماسة في سكان الأناضول ودفعهم إلى الجهاد لصد غارات اليونانيين والدول الأوروبية من ورائهم.
وقد أثبت مصطفى كمال باشا كثيراً من الدهاء السياسي في استثمار السيد أحمد الشريف والاستفادة من نفوذه الديني لنيل عطف العالم الإسلامي ومساعدته المادية والمعنوية.
على أنه بعد انتصار الحركة الكمالية وظهور مقاصد الحقيقة في قطع علاقات الأتراك بالإسلام وإلغاء الخلافة والسلطنة العثمانية أصبح من المستحيل على السيد أحمد الشريف البقاء في البلاد التركية فحمل على الانتقال إلى الحجاز وظل منزوياً في المدينة المنورة إلى وفاته في شهر آذار الماضي رحمه الله.
وبهذه المناسبة نرى من المفيد أن نذكر بعض المعلومات عن الطريقة السنوسية فنقول:
أن مؤسس هذه الطريقة هو سيدي محمد بن السنوسي الذي نشأ حوالي سنة 1800 بالقرب من مدينة (مستغانم) بالجزائر ودرس في فاس ثم رحل إلى مختلف البلاد الإسلامية يدقق أحوالها وأقام مدة بالحجاز واتصل بالوهابيين فاقتبس كثيراً من تعاليمهم وأنظمتهم.
وقد عاد في سنة 1843 إلى شمالي أفريقيا وأختار الإقامة في طرابلس - برقة فابتنى له (زاوية) على جبل بالقرب من مدينة (درنة) على شواطئ البحر الأبيض ولكن لما اجتمع الناس حوله وكثر أتباعه وازدد نفوذه ساءت العلاقات بينه وبين الحكومة العثمانية فاضطر لنقل مقامه إلى واحة (جغبوب) في جنوبي صحراء برقة قريباً من الحدود المصرية.
كان سيدي محمد السنوسي من أعاظم رجال الإسلام أشتهر بالدهاء والعلم وحسن الإدارة وكرم الأخلاق فاستطاع ف مدة قصيرة أن يؤسس جماعة كبيرة منتظمة لها كثر من الأتباع ليس في شمالي أفريقيا وحدها بل في جزيرة العرب ومعظم الأقطار الإسلامية الأخرى أيضاً ويمكن أن نعتبر السنوسية التي لم ينقض بعد قرن واحد على تأسيسها من أكثر الطرق انتشاراً. وق أصبحت اليوم من أكبر العوامل في تيار الحركة الإسلامية.
قامت جماعة الأخوان السنوسيين على فكرة الإصلاح الديني والتهذيب النفساني والخلقي
وهي جمعية ذات تشكيلات منتظمة أساسها الأخوة والتعاون وينقسم الأخوان إلى ثلاث طبقات العوام والخواص وخواص الخواص. ثم أن للأعضاء درجات مختلفة مثل الخليفة والنقيب والشيخ والمقدم.
ولجماعة السنوسيين (زوايا) منتشرة في أكثر البلاد الإسلامية يقوم بإدارتها (مقدم) يجتمع الأخوان تحت رياسته ليلة الجمعة والاثنين عدا الليالي الخاصة وهذه الزوايا ليست أماكن للعبادة فقط بل أنها في نفس الوقت مدارس كبرى ونواد لدعاية والبحث.
ورغم ما يظهر من عد تحرض السنوسيين بالحكومات المجاورة فإن الجمعية تسعى وراء غايات سياسية. وتقضي خطتها السرية بإكمال العدة من الوجهة الفكرية والاجتماعية أولاً قبل مباشرة العلم السياسي.
والأخوان السنوسيون مقتنعون بأن تحرير الإسلام السياسي يجب أن يسبقه انتشار التجد الروحاني والدعوة الأخلاقية في المسلمين وتهذيب الرعية وتنشئتها على الفضائل الإسلامية العليا. ثم ينبغي أيضاً من الوجهة الاقتصادية تحسين أسبابا المعاش وتوفير وسائل الكسب، وتدل أعمال السنوسيين على اهتمام زائد بالزراعة والتجارة، وقد كثرت بدعايتهم فلاحة الواحات الخصبة وانتعشت الزراعة واحتفرت الآبار الحديثة في الصحراء كما انتشرت التجارة.
ويمكن القول أن شيوخ السنوسيين يقومون عدا واجباتهم الدينية والسياسية بأعمال مفوضين تجاريين و (سماسرة) ماليين يديرون حركة البضائع ويراقبون تقلبات الأسواق ويقرضون المزارعين والتجار الأموال وهم يدفعون قسماً من أرباحهم إلى صندوق الجمعية.
ومن أعمال جماعة السنوسيين التي لها أهمية عظمى في تطور المسلمين حضهم الناس على العمل وزيادة المكاسب. وهم يساعدون الفقراء ويعتنون بإطعامهم وإسكانهم. ثم أن من أكبر أغراض السنوسية التبشير بالدين الإسلامي وقد دخل بعونهم ملايين من الزنوج في الإسلام بإفريقيا الوسطى. ويعتني السنوسيون، لنشر دعوتهم، بتأسيس فروع لزواياهم في مختلف الأقطار الإسلامية يجعلون رؤساءها من أهل البلاد أنفسهم الذين يعرفون الناس. ومما يدل على الغاية السياسية التي تسعى إليها السنوسية تدريب جميع الأخوان على استعمال السلاح وهي تفرض على كل واحد التأهب، بجميع الوسائل، للحرب وتطلب منه
القيام بكافة الواجبات. بهذه الخطة تسعى جماعة الأخوان السنوسيين لتأسيس حركة سياسية منتظمة غايتها تحقيق الجامعة الإسلامية ليصبح العالم الإسلامي كله مملكة واحدة على رأسها خليفة واحد لا سيطرة للأجانب عليه.
كامل عياد