الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نص شعري
براءة الليل
محمد محمد صديق
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الدهر، فإنّ الله هو
الدهر» [1] .
رحل الهوى وتشتت الفكْرُ
…
والهمُّ ممتلئٌ به الصدْرُ
والكونُ أطفأ نورَ شمعته
…
فأطلّ من إغفائه البدْرُ
صمتٌ سَرى في كل ناحيةٍ
…
لا نَسمةٌ هبّتْ ولا صِرُّ
همٌّ تسرّبَ في وريدِ دمي
…
فغدتْ به الأعماقُ تغترُّ
كُتبَتْ على صفحاتِ ذاكرتي
…
جملُ الكآبةِ، فانْزوى البِشْرُ
وخواطري أمستْ على شفتي
…
لحنَ الأسى ليصوغه الشِعْرُ
لحنٌ تردّد في مخيِّلتي
…
حتّى انقضى من ليلي الشّطْرُ
بالليل أقلامي معي سهِرتْ
…
أرقًا، وملءُ إداوتي حِبْرُ
الهمُّ أغرقَ كل أوديتي
…
وجرى من استغراقه نهْرُ
وَوُرودُ روضي كلُّها ذبلتْ
…
قد زال عنها الحسنُ والعِطْرُ
عصفورتي يا ليلُ ساهمةٌ
…
في العشِّ تقبعُ، حولها الذُّعْرُ
كلُّ الهموم بظلّكَ اجتمعتْ
…
يا ليلُ! فيكَ مشاعري جَمْرُ
هل آخذٌ بيديك ناصيتي؟
…
أم منكَ يأتي النهيُ والأمرُ!
يا ليلُ! فلترحلْ على عجلٍ
…
فعسى يطيب بِبُعدك الدّهْرُ
ما دمتَ بالظّلماءِ متّشِحاً
…
يغتالُ كلَّ خصالكَ الغدْرُ
في حينها هبّتْ نسائمُه
…
ورنا بطرفٍ ملؤه ثأْرُ
في صوته المبحوحِ فَهْفَهةٌ
…
كنواحِ طيرٍ هدّه الأسْرُ
مهلاً! إليكَ الآن أجوبتيْ
…
وإليَّ من ديواننا شِعْرُ
حرُّ الحقيقة لا مداهنةً
…
إن الحقيقةَ طعمُها مُرُّ
صوّبتَ نحوي سْهمَ منتقدٍ
…
وبراءتي في أرضكم جِذْرُ
لغةُ الأسى للفعل ترجمةٌ
…
ولشرحِ ما اقترفتْ يدٌ ثَغْرُ
فدعِ التَّسَخُّطَ دونما أسفٍ
…
ولْيمضِ عن أنفاسك الزّفرُ
أجران إن تنل الصوابَ، وإن
…
أخطأت ينقص منهما أجرُ
أمسى يلاطفني على ثقةٍ
…
أنْ لاح في حسبانه النّصرُ
فطوى بساطَ ظلامه ومضى
…
والنور شعشع وانبرى الفجْرُ
(1) رواه مسلم، ح/ 2246.