الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بم ينهض المسلمون
إنَّ القلب لينفطر وإنَّ الأحشاء لتتمزق أسفاً وحزناً على المسلمين، حيث أمسوا في حال تنتابهم فيه المصائب من كل جانب، وتحدق بهم الأخطار من كل وجهة وهم الذين سادوا فيما غبر على جميع الأمم ودانت لهم كافة الشعوب، وامتد رواق نفوذهم في عامة أنحاء البسيطة. نعم إن التأثر ليبلغ منا مبلغه لما نراهم وقد قطعوا من أطرافهم، وصارت بلادهم مستعمرات لأعدائهم، وقد عبث الأجنبي بدينهم وأخلاقهم، وقسمتهم أيدي سياسته شيعاً وأحزاباً وهم أقوم أمم الأرض ديناً، وأوثقهم روابط، وأحسنهم أخلاقاً وآداباً.
ليس من مفكر لا يهوله أمر أمة يربو عدد نفوسها على الثلاثماية مليون ضاربين في عامة أقطار الأرض تربطهم روابط قوية دينية وسياسية يراهم والعدو آخذ بخطامهم يجرهم إلى حيث يشأ، ويستعملهم فيما يريد وهم مستسلمون له، ومنقادون إليه وقد سامهم أنواع الخسف وأذاقهم آلام الهوان، استولى على ممالكهم، واستنزف ثروتهم وسلبهم أخلاقهم وآدابهم، وصير أحرارهم عبيداً تباع كما تباع الأنعام.
عجيب من أمة دينها أسمح الأديان، وآدابها أحسن الآداب، وماضيها يفوق ماضي الأمم حضارة ومدنية، وقد أتيح لها من أسباب التقدم ملا تحلم به أمة فضلاً عن أن تناله. عجيب منها أن لا تكون هي القابضة على شؤون الأمم. وبيدها مقاليد أمورهم وأعجب منه أن تكون مقهورة لأعدائها.
يلوح لنا بعد إجهاد الفكر، والاسترسال في البحث أن لا مخلص لهذه الأمة مما وقعت فيه إلا بقيام أفرادها في مشارق الأرض ومغاربها يعلمون على استرجاع حقوقهم المغصوبة ويسعون وراء ما يرقي شؤونهم ويرد إليهم ما أفقدوه من قوة ومنعة.
وأول شيء يتحتم عليهم أمام نهضتها هذه أن يعملوا على ضم الدول والإمارات الإسلامية التي لا سلطة لأجنبي عليها إلى دولة الخلافة العظمى وإدخالها حمى حصنها المنيع على أن يُحفظ لتلك الدول والإمارات استقلالها الإداري وتطلق أيديها في عامة شؤونها الداخلية، وأن يمهدوا الطرق للتعارف مع إخوانهم في أنحاء الكرة الأرضية ويجتهدوا في تحسين الصلات فيما بينهم فإذا تمَّ لهم هذان الأمران (ضم الدول والإمارات إلى دولة الخلافة والتعارف مع عموم المسلمين) فليستبشروا بأنهم خطوا خطوة كبرى في سبيل التقدم. وأثروا أثراً تهتز له أعصاب مضطديهم إذ بذلك يجتمع تحت لواء واحد ما يقرب من مائة
مليون من نفوسهم، ويكونون يداً واحدة مع من تعارفوا معهم من بقية إخوانهم إذا دعاهم خطب، أو ألمت بهم ملمة.
إن الأمر الأول من هذين ليس ببعيد الحصول على ساسة العثمانيين والمحنكين منهم بعد ما علم العالم أجمع ما صار إليه أمر دولة المغرب الأقصى من الاضمحلال، وما لاقاه ويلاقيه المصريون من وطأة الاحتلال، وما تهدد به الآن دولة إيران من الأخطار مما هو ناشئ عن ضعف هؤلاء الأمم الثلاثة لقلتهم بالنسبة إلى عدوهم فإذا أحسن العثمانيون سياستهم مع من انشق عنهم من الدول والإمارات وبينوا لهم الأخطار التي تهددهم كل آن وكل لحظة.
وأعلموهم أن ليس المراد من ضمهم إلى دولة الخلافة إلا أن يستفيدوا من قوتها وتستفيد من قوتهم وأنهم يريدونهم على أن يكون استقلالهم الإداري لا يشاركهم فيه غيرهم أمكنهم أن يتوصلوا إلى بغيتهم ألا وهي جمعهم على دولة الخلافة، أكبر دولة إسلامية في الأرض.
والأمر الثاني (وهو التعارف مع عموم المسلمين) اقرب منالاً من الأول ولا يحتاج الحصول عليه إلى زائد مشقة فهو يتحقق فيما نرى بعدة أمور منها ما أشارت به بعض الصحف الإسلامية، وطلبت من عموم المسلمين تحقيقه وهو إنشاء جامعة إسلامية كبرى تؤلف من كبار مفكري المسلمين، وخاصة عقلائهم تسعى وراء تعارفهم، وتوثيق عرى الروابط فيما بينهم يراعى في تلك الجامعة كونها في مكة المكرمة (بيت الله الحرام) ويعين لاجتماع أعضائها أشهر الحج من كل عام على أن لا تتداخل بشؤون دول الإسلام وإماراتهم الخاصة ولا تخوض عباب السياسة الأجنبية بل تقتصر على أداء مهمتها وهي النظر في تعارف المسلمين وجمع شتاتهم، وتنظيم شؤونهم ومنها أن يتبادل ملوك الإسلام وأمراؤهم الزيارة فيما بينهم وليبدأ بذلك صغيرهم كبيرهم وليبدأوا جميعاً بزيارة جلالة الخليفة الأكبر وهو أدامه الله يعطف عليهم ويرد إليهم زيارتهم.
ومنها أن ترسل كل دولة وإمارة من دول المسلمين وإماراتهم وفداً من فضلائهم ليتشرفوا بمقابلة أمير المؤمنين ويعرضوا شؤون أممهم على حضرته وذلك يتحتم أن يكون في كل عام لما يحدث لهم من الأمور ويطرأ عليهم من الأخطار.
ومنها أن تنشئ كل دولة من دول الإسلام على نفقتها صحفاً يقوم بتحريرها عدد من الفضلاء تصدر في عواصم تلك الدول بأمهات اللغات الإسلامية تهدى جميعها بلا مقابل
إلى نبلاء المسلمين وأذكيائهم في عامة الأقطار على أن يكون مبدأ تلك الصحف تنبيه المسلمين إلى ما حاق بهم مما كاد أن يصطلم أمرهم ويذهب بمقوماتهم ومشخصاتهم ودعوتهم إلى توثيق عرى الاتحاد والتآلف بينهم وبين عامة إخوانهم في الكرة الأرضية وحثهم على التمسك بدينهم وأخلاقهم فلا يدعون العدو يعبث بشيء منها وحضهم على تقوية رابطتهم السياسية (الخلافة العظمى) فهي من خير جوامعهم ودعوتهم إلى تغميم التعليم الابتدائي بجعله إجبارياً على كل مسلم في صغره مهما كان حاله ففي ذلك فوائد جلية للمجتمع الإسلامي وحثهم على جمع الإعانات من عامة أفراد المسلمين في سائر الأنحاء لتصرف على بناء الأساطيل وتشييد المعاقل والحصون وإعداد المعدات الحربية التي تستطيع أن تقف أمام الأعداء وترد هجماتهم وذلك يمكن بإنشاء جمعية من غيوري المسلمين وأولي الحمية منهم يكون مركزها العام الأستانة.
ولها فروع في عامة المدن الإسلامية فإن المسلمين على وفرة عددهم إذا دفعوا على نسبة كل فرد منهم عشرة قروش في كل سنة تصبح قوتهم في قليل من الزمن أعظم القوى ويغدو أسطولهم أضخم الأساطيل وتحمى حماهم فلا تستبيحه أمة مهما عظمت قوتها وزادت سيطرتها.
هذا ما خطر لنا الآن من أسباب تعارف المسلمين الذي هو أحد سببي رقيهم واسترجاعهم مجدهم السالف وإنا لنطلب من علماء المسلمين وعقلائهم ممن له معرفة بأسباب الرقي والانحطاط والاطلاع على العلل والأمراض الاجتماعية أن يفكروا في الأسباب التي تنقذ المسلمين من غفلتهم. وتخليصهم مما هم واقعون فيه ونرغب إلى أولئك السادة أن ينشروا آراءهم على صفحات الصحف ليطلع عليه المسلمون في أقطار الأرض. ويأتمروا به. هذه كلمتنا الآن في هذا الموضوع وربما عدنا إليه بأوسع منها والله المستعان.