الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة عماد الدين
جعل الله سبحانه أمة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات، وحثهم سبحانه على إقامة الصلاة والمحافظة عليها وأودعها من الأسرار والآداب ما يحير الألباب ويأخذ بالعقول وجعلها عماداً للدين وهي أول ما يسئل عنه العبد يوم يقوم الناس لرب العلمين، وليست الصلاة مما اختصت بها الأمة المحمدية بل هي مما دعت إليها الشرائع السماوية وجاءت الرسل عليهم الصلاة والسلام بالأمر بها والاعتناء بشأنها وأوصوا أممهم بالمحافظة على أدائها والاهتمام بأمرها لأنها من أعظم أركان الدين، وللدين تأثير عظيم في انتظام شؤون هذه الحياة. وهذا مما لا نريد إلى سوق الأدلة عليه لأنه صار في حكم البديهيات عند جمهور العقلاء وإنما نريد أن نذكر من يتهاونون بالصلاة عملاً بقوله تعالى (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
يا أمة محمد، حافظوا على صلاتكم فهي عماد دينكم وبها انتظام دنياكم وعليها مدار رقيكم وفيها قوام حياتكم وهي الرابطة لسلك اجتماعكم وإصلاح أحوالكم، فاعتبروا بما أصابكم من المصائب وارجعوا إلى الله عز وجل وتداركوا الأمر بالاستغفار وذكروا إخوانكم الذين يتركون الصلاة أو يؤخرونها عن أوقاتها وخوفوهم بما ورد من الوعيد الشديد لتارك الصلاة.
قال رسول اله صلى الله عليه وسلم لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له ولا صلاة لمن لا وضوء له وقال صلى الله عليه وسلم بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة وعن ثوبان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك. والأحاديث التي وردت في مثل ذلك كثيرة وليست على ظاهرها بل هي محمولة على من ترك الصلاة مستحلاً لتركها وأما تركها تهاوناً وكسلاً فهو من الكبائر ويخشى على المتكاسلين عنها أن يعاقبهم الله بعذاب شديد ويتجلى عليهم بالغضب والسخط وكيف لا وهي عماد الدين ونور اليقين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الإيمان وقال صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الدين وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر.
ولسنا بحاجة إلى أنه نكثر من الأحاديث الشريفة الواردة في الحث على شدة الاعتناء بشأن الصلاة والمحافظة على أدائها وإنما نرغب في تنبيه بعض المؤمنين الذين يتهاونون بذلك لعلهم يعتبرون.
أيها المتهاونون بالصلاة، تهيئوا للعرض على الله وتزودوا لهذا السفر الطويل الذي أنتم إليه صائرون وقوا أنفسكم ناراً وقودها الناس والحجارة وحافظوا على آداب دينكم وتبصروا في أسرار شرعكم فإنما جاءكم به رسول عظيم أرسله الله رحمة للعالمين ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بشيء عبث (وما ينطق عن الهوى) بل إنما جاء عليه الصلاة والسلام بشرع محكم تستحسنه الألباب وتقبله العقول.
إنَّ الصلاة من أعظم شعائر الإسلام وهي الروح لآداب هذه الحياة والينبوع الذي تنفجر منه صفات الكمال والأساس المتين لانتظام شؤون العمران ويترتب عليها كثير من المنافع الدنيوية والأخروية ولا سيما إذا أديت مع الجماعة في المساجد حيث يتعرف المسلم بإخوانه، ويطلع على أحوالهم فيسعف ضعيفهم ويأخذ بيد فقيرهم ويتعاون هو وإياهم على البر والتقوى.
وإن المسلم إذا كان محافظاً على صلاته لا ريب أنه يكون ممتثلاً لأوامر الله عز وجل مجتنباً لمناهيه، واقفاً عند حدوده، طامعاً في ثوابه، وجلا من سخطه مراقباً له في حركته وسكونه. وما أجدر من يكون متصفاً بهذه الصفات أن يصرف معارفه في رقي بلاده ويبذل غاية جهده في إصلاحها ويعمل لنفع إخوانه وينصح لهم ويحسن إليهم. وإذا كان الإنسان متهاوناً بأمور الصلاة التي هي أساس دينه مضيعاً لهذه الأمانة التي أمره الله برعايتها فلا يرجى خيره ولا يؤمن شره وإن نال نصيباً وافراً من المعارف والفنون.
ربما يقول قائل إننا نرى بعض المحافظين على الصلاة يخونون في بعض المسائل ويضرون إخوانهم، فنقول له إن هؤلاء على قلتهم لا بد من أن تنهاهم صلاتهم عن ذلك فيتركوا جميع الأمور الضارة ويتزينوا بحلية التقوى قال الله عز وجل (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا. على أنا لو دققنا النظر فيمن يتعمدون الخيانة والضرر لوجدناهم غير محافظين على الصلاة لأن الصلاة لها روح وشروط وأركان
وواجبات وآداب. ونحن نرى الكثير يخلون بذلك بسبب ما استولى على قلوبهم من الغفلة والانهماك في سفاسف الأمور التي لم يخلقوا لأجلها.
إننا نرى أناساً يقومون في الصلاة بأجسامهم وقلوبهم متفرقة لا يلاحظون عظمة الله عز وجل ولا يتذكرون أنه سبحانه ناظر إلى أفئدتهم عالم بما يختلج في صدورهم مطلع على ما تكنه ضمائرهم فهم الغافلون عن ذكر الله عز وجل المخالفون لأمره سبحانه قال تعالى (وأقم الصلاة لذكري) وقال تعالى (ولا تكن من الغافلين) وقال تعالى (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي أوصاه (وإذا صليت فصل صلاة مودع) قال صاحب القوت أي مودع لنفسه مودع لهواه مودع لعمره صائر إلى مولاه عز وجل.
فكيف حالة المصلي إذا كان غير خاشع في صلاته ولا مستحضراً في قلبه عظمة الله تعالى الذي هو المقصود الأعظم والمبتغى المطلوب الأهم وما قيمة ذكره إذا كان من الغافلين وماذا يكون حظه من الصلاة إذا كان في عداد الساهين.
إننا نرى أناساً يصلون ولا يتمون الركوع والسجود ولا يعقلون ما يقولون وهم يحسبون أنهم محافظون على الصلاة مع أن صلاتهم باطلة مردودة عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجزي صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود وعن أبي عبد الله الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو مات هذا على حالته هذه مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي لايتم ركوعه وينقر في سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئاً.
وهنا نستلفت أنظار عامة المؤمنين لينصحوا إخوانهم ويعلموا الجاهلين منهم فإن الصلاة ليست مجرد قيام وقعود بل هي روح لحياة القلوب يقف العبد فيها لمناجاة خالقه ويقبل على مولاه بقلبه وفكره وسائر جوارحه مستحضراً لعظمة من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، متأملاً فيما جاء عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه ثم يتمم العبد الصلاة خاشعاً مطمئناً في ركوعه واعتداله وسجوده فالصلاة إنما هي وصلة بين العبد وبين ربه تعالى يستنزل بها الرحمات، ويستدر بها
الفيوضات، وإليك بعض ما كتبه في هذا الموضوع العالم الاجتماعي محمد فريد بك وجدي قال:
لما كانت الروح مستمدة وجودها من النور الإلهي مباشرة فلا يجوز لصاحبها أن يجعل جسمه الكثيف حجاباً غليظاً بينها وبين محتد حياتها بل يجب عليه أن يعرضها آناً فآناً لفيوضات ذلك النور الأقدس حتى تكتسب نشاطاً جديداً وتقوى على مصارعات مقتضيات الجسد فلا يكون له عليها سلطان كما هو شأنه عند كثير من الناس حتى صاروا إلى الحيوانية النازلة منهم أقرب إلى الإنسانية الكاملة.
ولذلك جاءت الديانة الإسلامية آمرة بالصلاة وهي ليست شيئاً سوى تخلية الفكر من الشواغل المترددة عليه والتوجه بالقلب إلى الله تعالى مباشرة توجهاً صحيحاً بتعطش تام لتتمكن الروح من قبول الإمداد القدسي مباشرة فتكتسب حياة جديدة طيبة تستطيع بها أن تكبح جماح شهوات البدن فترده إلى نقطة الاعتدال وتذوده عن موارد الضلال وإلى هذا يشير الله تعالى بقوله (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وبناءً على هذا فالصلاة بالنسبة للروح يمكن تشبيهها بالغذاء بالنسبة للجسم.
ولما كان لا يجوز للإنسان بوجه من الوجوه أن يحرم جسمه من الغذاء حتى يموت جوعاً كذلك بل بالأولى لا يجوز أن يهمل روحه من غذائها الروحاني حتى تتغلب عليه صفات الحيوانية ويضارع الوحوش في صفاتها البهيمية فلا ينفعه بنطلونه المزركش ولا قميصه الملمع أهـ.
هذا ما نكتبه الآن للعاقل المؤمن فلعل المقصر يتدارك الأمر بالتوبة ويتهيأ ليوم المعاد وفي ذلك بلاغ لقوم يسمعون.