المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المولد النبوي الشريف - مجلة الحقائق - جـ ١٨

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌المولد النبوي الشريف

‌المولد النبوي الشريف

بمناسبة قرب اليوم الموافق لميلاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نبين أن عمل المولد الشريف من السنة المستحسنة الداخلة تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة الحديث خدمة لمقامه الشريف وتنشيطاً لمحبيه صلى الله عليه وسلم على هذا العمل المبرور.

إنَّ عمل المولد الشريف هو تلاوة طرف من سيرته وأخلاقه ومعجزاته صلى الله عليه وسلم ولا مانع من أن يعم الله تعالى الحاضرين ببركة من عنده نظراً لمحبتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وذكرهم أخلاقه وشمائله وطرفاً من معجزاته ليزدادوا إيماناً وقد قال الله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فيجوز أن يشمل الله بلطفه وعنايته التالين لقصة نبيه المؤمنين به كما رفع العذاب عن قوم بسبب وجوده فيهم والعجب من بعض الناس كيف ينكرون على من عمل المولد الشريف وهم عاكفون على قراءة الروايات وأقاصيص اللهو والغرام ويترجمون كتب مشاهير الفرنجة ويعكفون عليها ويزعمون أنها تنور العقل وتوسع دائرة الفكر ولو عقلوا الأمور وتدبروها لعلموا أن في مدنيتهم الغابرة مدنية زمن الرسول والأصحاب ما يغني عن تلك الأضاليل والخزعبلات إذ أن فيها جميع ما تحتاج إليه الأمم في الأزمنة من الفضائل والأخلاق الشريفة بل كل مدنية في العالم هي مأخوذة من شريعته صلى الله عليه وسلم.

وإليك طرفاً من أقوال أئمة الدين الأعلام في استحسان عمل المولد الجليل:

قال الإمام جلال الدين السيوطي في فتاويه في باب الوليمة وقد سئل عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع وهل هو محمود أو مذموم وهل يثاب فاعله أم لا الجواب عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلون منه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف أهـ.

قال الإمام أبو شامة شيخ الإمام النووي رضي الله عنهما ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف

ص: 9

وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع مافيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم في قلب فاعل ذلك وشكر لله على ما منّ به من إيجاد رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين.

قال الإمام السخاوي أن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم أهـ.

قال الإمام ابن الجوزي من خواصه أنه (أي عمل المولد) أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام أهـ باختصار.

قال حافظ الشام شمس الدين محمد بن ناصر وقد جوزي أبو لهب بتخفيف العذاب عنه يوم الاثنين بسبب إعتاقه ثويبة لما بشرته بولادته صلى الله عليه وسلم وأنشد في ذلك وأجاد:

إذا كان هذا كافر جاء ذمه

وتبت يداه في الجحيم مخلدا

أتى أنه في يوم الاثنين دائماً

يخفف عنه للسرور بأحمدا

فما الظن بالعبد الذي كان عمره

بأحمد مسروراً ومات موحدا

قال الجنيد البغدادي إمام الطائفتين رحمه الله تعالى من حضر مولد الرسول الأعظم وعظم قدره فقد فاز بالإيمان أهـ.

وقد نقلنا في المجلد الأول صحيفة (279) عن ابن حجر أنه خرَّج عمل المولد على أصل صحيح ثابت في السنة فليراجع. ويعلم مما ذكره أن قراءة قصة المولد الشريف أمر مشروع لم تزل الناس تعمل به منذ بضعة قرون إلى الآن والعلماء تقرهم على ذلك وتحثهم عليه هذا ما أردنا ذكره في عمل المولد الشريف ليرغب محبوه صلى الله عليه وسلم للقيام بهذا العمل المبرور وينبغي بل يتأكد على الإنسان أن يحسن في هذا اليوم إلى الفقراء ويواسيهم ويظهر الفرح والسرور ويتجمل بالثياب الحسنة ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم محبة به وشكراً لله على ما أنعم به ومنَّ وتفضل على هذا الوجود بظهور هذا النبي الكريم والرسول السند العظيم نبي الرحمة وأنقذنا بواسطته من الضلال إلى الصراط المستقيم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

(تنبيه) ينبغي أن يقتصر في عمل المولد على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره

ص: 10

من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحاً بحيث يتعين للسرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به ومهما كان حراماً أو مكروهاً فيمنع وكذا ما كان خلاف الأولى أهـ سيوطي.

ص: 11