الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دمشق وزعماؤها
أو نظرة فيما تحتاج إليه
لا تئن دمشق من شيء أنينها من بعض خاصتها وزعمائها من أغفلوا شؤونها. واشتغلوا عنها بذاتياتهم وشهواتهم فلا ترى منهم إلا الانكباب على جمع المال، والسعي الحثيث للاستئثار به، ولا تنظر إلا المسابقة لنيل الرتب والأوسمة والمفاخرة بالبذخ والترف، ولا تشهد إلا الرغبة في تولي المناصب، والحصول على الرواتب تراهم ذلك شأنهم. وتلك سنتهم رقي الوطن أو انحط. حسنت الأحوال أو ساءت. عزّ الدين أو ذل. قويت الحكومة أو ضعفت. راجت التجارة أو بارت. تأخرت الزراعة أو تقدمت. نمت الصناعات أو انقرضت. عمرت معاهد العلم أو درست. عاش الفقير أو مات. أكرم الغريب أو أهين. أمر بالمعروف أو لم يؤمر. نهي عن المنكر أو لم ينه.
إن دمشق قاعدة البلاد السورية. مدينة الدين والعلم. مدينة الفضل والنبل. مدينة التجارة والصناعة لم تبلغ ما بلغته من الجهل الفادح. والفقر المدقع إلا بفضل إهمال خاصتها وزعمائها. وفترتهم عن القيام بما يجب لها عليهم.
عهدت دمشق من زمن غير بعيد أن ترى من خاصتها وزعمائها السعي وراء المصلحة العامة. والتفاني في خدمة الوطن ولم تعهد منهم هذا الفتور والإغضاء. ولم يمر بخيالها لأن الأمر يصل بها إلى ما وصل بعد ما سجل لها التاريخ جلائل الأعمال وروى عنها كرائم الخصال.
إن دمشق بحالتها الحاضرة. ومركزها من دولة الخلافة العظمى تحتاج إلى إصلاحات جمة وتنظيمات عدة ليس لها من يقوم بها إلا الخاصة والزعماء ذلك لأن البعض من تلك الإصلاحات والتنظيمات ليس للحكومة مداخلتهم فيه كانتخاب أكفاء للمجلس النيابي وغيره من المجالس الوطنية والبعض الآخر هو بهم ألصق منه بالحكومة كجمع الإعانات للنوازل والفقراء.
تحتاج دمشق إلى تنظيم معاهد العلم فيها سواء الأميرية والأهلية. وتجديد مدارس تفي بما تحتاجه من العلوم سيما الشرعية منها فهي أس النجاح. وعليها مدار التقدم وقد قلت العناية بها في المدارس الأهلية. كما أنها أضحت كأن لم تكن شيئاً في المدارس الأميرية.
تحتاج دمشق إلى أناس من أعاظمها ونزهائها يسعون لترشيح الأكفاء من رجالها للنيابة عن الدمشقيين في مجلس الأمة والمجالس الأهلية. ويعملون على إنالتهم ثقة من الأهلين تمكنهم من تولي تلك المناصب حتى لاتفقد دمشق في مجلس الأمة نواباً يمثلون عظمتها. ويخدمونها خدمة صالحة، وحتى تأمن في مجالسها ضياع الحقوق. وإهمال المصالح.
تحتاج إلى جمع من أذكياء تجارها وفطنتهم يعملون على ترقي تجارتها. وتنظيم شؤونها يؤسسون فيها الشركات الكبيرة. ويجلبون إليها من الغرب ما يساعد على رقي صناعتها من الآلات الحديثة. ويضيقون على الأجانب فيها فلا يدعونهم يستنزفون ثروتها. ويفكرون في الطرق التي توصلهم إلى رواج تجارتهم في الممالك الأجنبية ولو الصغيرة منها.
تحتاج إلى طائفة من كبار مزارعيها ونبلائهم يعملون على تحسين الزراعة ويسعون لترقيتها يجلبون إليها الآلات الحديثة. ويسيرون في حرث الأرض وقلبها على الطرق الجديدة فالزراعة هي الأمر الوحيد الذي يمكن الشرق من أن يكر على الغرب. ويسترجع منه ما سلبه من حضارة ومدنية.
تحتاج إلى فئة من نبهائها ومفكريها يسعون في إصلاح صناعاتها ويبذلون جهدهم في تنميتها يعملون على متانتها ورفع الغش منها. ويستفرغون الوسع في أن تكون مبهرجة مزركشة عساها توقف تيار المصنوعات الأوروبية الذي وصل إلينا وتقف سداً منيعاً في وجهه فقد جرف ثروتنا وأبطل مدنيتنا وأفسد أخلاقنا وآدابنا وغادرنا في الأخسرين.
تحتاج إلى عمدة من عقلائها ودهاتها يبحثون عن أعمال الأجانب فيها. ويراقبونهم في عامة حركاتهم. ليبينوا للأمة مكرهم ودسائسهم وغشهم. ويطلعوها على مطامعهم السياسية والاقتصادية في بلادها فقد استفحل في هذه الأزمنة أمرهم. وعظم خطرهم وكادوا يقضون على أخلاق الأمة. ويفقدونها استقلالها بعد ما أرهقوها في أمرها العسر. وأذاقوها آلام الهوان.
تحتاج إلى جمع من سراتها وأولي الحمية فيها يجمعون الذكوات والصدقات من أغنيائها وموسريها. ويردونها إلى فقرائها ومعوزيها لترحم بها الأرامل والأيتام. وتساعد بها العجزة والمرضى. ويسهل بها على المهاجرين والغرباء وتنال منها عامة أصناف المحاويج والبؤساء على أن يخصص من تلك الأموال مقدار كافٍ يبعث به إلى جمعية الأسطول
العثماني في الأستانة لتستعين به مع ما يرد إليها على إنشاء المدرعات. وسفن المواصلات لتضاهي بقوتها الأمم الراقية. وتأمن من شر الأعداء.
تحتاج إلى عدد من أفاضلها ومقتدريها يسعون في إصلاح أوقافها. وتنظيم مساجدها ومدارسها يردون ما اغتصب منها إلى أهله. وينزعون ما ضيعت حقوقه منها من أيدي من استحوذ عليه. ويساعدون نظار المساجد والتكايا على إعمارها. ويطالبونهم بإنفاق ما يرد إليهم من غلاتها في مصارفه.
تحتاج إلى زمرة من العلماء والوعاظ يرشدون الأمة إلى التمسك بدينها ويربأون بها عن مخالفة أوامره ونواهيه يجيبون إليها الطاعات من صلاة وصيام وزكاة وحج وصلة رحم وحسن معاشرة مع الأهل والأقارب والجيران.
وينفرونها عن الموبقات كالزنا واللواطة وشرب الخمر والربا والحسد والحقد والكبر والظلم والغش والمداهنة. ويغرسون في نفوسها أن لا نجاح لها في دنياها ولا سعادة في آخرتها إلا بتقوى الله سبحانه. ومراقبته في جميع الأحوال.
هذا بعض ما تشير إليه حاجة دمشق من الإصلاحات والتنظيمات وهو منوط بخاصة الدمشقيين وزعمائهم فلا يتعداهم إلى غيرهم وقد مر هذا مفصلاً لكنا نحتاج هنا إلى بيان المنهج الذي يحسن بهؤلاء السادة سلوكه والوسائط التي يجدر بهم أن يتذرعوا بها ليتمكنوا من أداء هذا الواجب ويسهل عليهم القيام به. أقرب طريق للوصول إلى هذا الغرض السامي هو أن يؤسس في هذه المدنية حزب كبير يضم إليه أعاظم العلماء وأعيان الوجهاء ونخبة التجار. وكبار المزارعين من عرف منهم بالغيرة والحمية. وميز بالصدق والاستقامة يجتمعون ليكونوا يداً واحدة تعمل على منفعة هذه المدينة. وسيفاً مسلولاً في وجه من يريد إيقاع الضر بها على أن يخصص كل فرع من فروع الإصلاح المارة وغيرها بفئة منهم تحسن القيام به. ولا تنوء بحمله فإذا تمت لدمشق هذه الأمنية فقد خطت خطوة كبرى في التقدم. وأثرت أثراً عظيماً في الإصلاح يرجع به أيها سالف مجدها. وسامق عزها والله الموفق.