الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طرابلس الغرب والإعانة
من أعظم ما يجب على الأمة الإسلامية بعد الإيمان بالله تعالى ورسوله الأعظم سيدنا محمد بن عبد الله القرشي صلى الله عليه وسلم الجهاد في سبيل الله تعالى لتكون كلمة الله تعالى هي العليا. وما دام هذا الأمر غير تام وهي قادرة على إتمامه لا تزال موصوفة بالقصور، مرتكبة للإثم، مجزية بالهوان والتقهقر.
الجهاد أن تبذل الجهد في نيل القصد وهل يكون قصد يبذل الجهد فيه لينال أشرف وأعلا من قصد إعلاء كلمة الله تعالى.
فإذا أردت الجهاد وأحببته ولم تبذل النفس والمال لا تكون مجاهداً. والمسلم إذا لم تكن نفسه وماله رخيصتين في جانب هذا المقصد لا يكون قائماً بالواجب المأمور فيه بالقرآن العظيم بقوله سبحانه (انفروا خفافاً وثِقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
الأمة الإسلامية مقصرة في هذه الأزمنة المتأخرة بهذا الواجب تمام التقصير لذلك تراها عرضة لتسلط الأعداء عليها وجعلها تحت سيطرتهم وتهديدهم وتمكنهم من انتهاب أملاكها حتى وصل الأمر فتجاسرت (إيطاليا) عليها تلك الدولة التي لا تعد شيئاً في جانب القوة الإسلامية وهي المشهورة بحب الخلاعة والسفالة وعدم المبالاة بشرف العرض والنسب.
فأشهرت حرباً على جزء مهم من البلاد الإسلامية وهو (طرابلس الغرب وتوابعها) وأرسلت عليها قوتها البحرية والبرية على حين غفلة من المسلمين والدولة العثمانية صاحبة الخلافة العظمى. لم يشعر المسلمون القاطنون هناك إلا والعدو دخل عليهم ولما أن وصل قام قومة الوحش الضاري والكلب العقور فأخذ يفتك بالأطفال والشيوخ والنساء ويذيقهم أشد العذاب وأمرّ الهوان مع أن جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضيعة لا تجوز التعرض لمثل هؤلاء الضعفاء المساكين.
هكذا يا أيتها الأمة الإسلامية أفعال أعدائك اللئام والهمج الطغام إذا تمكنوا من المسلمين يذبحون أبنائكم ويهتكون حرمات نسائهم ويمثلون بشيوخهم (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) فأفيقي يا أيتها الأمة المسكينة من هذا السبات العميق وتمسكي بدينك القويم وأدي واجبه العظيم. ارجعي إلى سيرة سلفك الصالح وانظري كيف كان حالهم مع الأعداء وكيف كان عملهم إذا أصيب جزء من المسلمين بضراء. الدين يأمر بالجهاد بالأموال والأنفس. الدين
يأمر بالتعاون والتناصر، الدين يأمر بالشفقة والرحمة.
السلف الصالح قام بأمر الجهاد كما أمر الله تعالى فملك بقليل من الزمن نحواً من ثلث المعمور، السلف الصالح قام بالتعاون والتناصر كما أمر الله فصارت القياصرة العظام لا تجسر على إيذاء فرد واحد من أفراد المسلمين علماً منهم بأن أنصاره وأعوانه المسلمون أجمعون.
السلف الصالح قام بالشفقة والرحمة كما أمر الله فكان الواحد منهم إذا سمع أن أحداً من المسلمين أصابته مصيبة أو نزلت به نازلة فدى إخوانه المسلمين المصابين بنفسه وواساهم بأمواله وآواهم بكنفه شفقة منه وحناناً وهذا التاريخ تعبق صفحاته طيباً عنبرياً من روائح أخبارهم الزكية وسيرتهم الطاهرة الطيبة.
إننا نعلم كلنا أن أولئك السادة (السلف الصالح) لم يكونوا أعظم منا خلقاً، ولا أكبر جثة، ولا أكثر عدداً، ولا أتم عدة، ولا أنظم جيشاً، ولا أوفر مالاً، ولا أرفه عيشاً.
نعم كانوا أطيب منا أخلاقاً، وأكبر نفوساً، وأصدق إيماناً، وأقوى قلوباً، وأعلى همماً، وأرجح أحلاماً، وأشد تمسكاً بدين الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وبذلك دانت لهم رقاب الأمم وعلا كعبهم فوق هام الملوك والقياصرة والأكاسرة.
استعوضنا عن الأخلاق الطيبة الزكية بالأخلاق الحيوانية وعن التمسك بالدين التمسك بالعوائد الضارة المهلكة فرجعنا القهقرى وأصبحنا نهبة للطامعين ومضغة للطامعين. كان السلف رضي الله عنهم يعملون لإرضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويجاهدون لإعلاء دينه فأصبحنا نعمل لأهواءنا ونجتهد لإرضاء نفوسنا وتحصيل شهواتنا.
أصبحنا نسمح بأموالنا الكثيرة نصرفها بحكم العادة على غير طائل وربما تكون على أمور تخالف الشرع والعقل. أصبحنا وهمنا أكل الطعام اللذيذ ولبس الثوب الناعم وسكنى الدار الفسيحة كل ذلك ونحن نسمع عن إخواننا المسلمين ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم ما حل بهم مما يفتت الكبد ويمزق الفؤاد ولا من متأثر ولا من رحيم.
تأتي إلى الأكثر لتذكرهم وتلفت نظرهم نحو هؤلاء البؤساء ليعينوهم بما يستطيعون فتراهم غريقين في لجة أمور دنيئة بالنسبة لما تدعوهم إليه، تشير إليهم فلا يلحظون، تناديهم فلا يسمعون، تذكرهم فلا يفطنون، فإلى متى يا قومنا ونحن في هذه الغفلة نتدهور في هوة
الخمول والعدو دخل دارنا ونزل أرضنا فأهلك الحرث والنسل. نحن في حاجة إلى الجهاد بالأموال والأنفس والألسن والأقلام. نحن في حاجة إلى التناصر والتعاون ونبذ المراء وترك الجدال والخصام. نحن في حاجة إلى لين القلوب والشفقة والحنان. نحن في حاجة إلى الرجوع عن هذه السفاسف والنظر في اتباع ما يأمرنا به الشارع واجتناب ما ينهانا عنه. نحن في حاجة إلى اتباع سنن سلفنا الصالح وتقليدنا إياه في جميع الأعمال لنرد ما فقدناه ونخطو خطوة التقدم إلى الأمام وإن لم نعمل بمقتضى ذلك فعلى مجد الإسلام والمسلمين السلام.
الإعانة على رفع ما حلّ بنا الآن والاستعداد لما عساه يحل من ألزم الأمور شرعاً وعقلاً. جسَّر إيطاليا على عملها بطرابلس الغرب قوتها البحرية وأوقفها في موقفها الحاضر إلى هذا اليوم إزاء قوة المسلمين. قوة المسلمين مساعدة أساطيلها التي لو كان للمسلمين نصفها لما استطاعت تلك الدولة الغاشمة أن تقف أمامنا قليلاً من الزمن.
كل الدول الأجنبية حتى الدول الصغيرة آخذة بالتقدم ناهضة نحو الرقي عاملة على الاستعداد وتعزيز قوتها البحرية والبرية في كل لحظة وآن ونحن ساهون لاهون وعن كل ذلك معرضون.
جاء في مجلة الهلال في العدد الثالث من سنة 911 تحت عنوان (الأخبار العلمية) ما نصه (القوات البحرية الأوروبية).
دول أوروبا تتسابق في تقوية أساطيلها والمناظرة مشتدة الآن بين إنكلترة وألمانيا في هذا السبيل وكل منهما تبني الدوارع في معاملها وقد استخرج بعضهم إحصاء لما سيصير عند هاتين الدولتين من الدوارع الكبرى المعروفة باسم دريدنوط إلى سنة 1914 وأضاف إليها قوات الدول الأخرى للمقابلة فكانت النتيجة على هذه الصورة:
سنة 1911سنة 1912سنة 1913سنة 1914عند إنكلترا12202732ألمانيا591519أميركا46810فرنسا0668اليابان1346روسيا0004إيطاليا0024النمسا0013هذا استعدادهم وتسابقهم في القوة البحرية وترى نحوه في القوة البرية فالله عليك هل سمعت لدولتنا ذكراً في هذه المسابقة أو غيرها؟ هنا يقف العثماني المسلم وغيره حزناً آسفاً ينحي باللائمة على الحكومة وقصورها ولا يفكر أن اللوم على الشعب أيضاً إذ الحكومة بالشعب
وتقصيرها من تقصيره (كما تكونوا يولى عليكم) إذا لم ترزق الحكومة شعباً ذا صدق في القول والعمل ذا أخلاق عالية ونفوس تأبى الضيم وأيد سمحى في جانب تعزيز قوته واسترجاع شرفه التالد فلا لوم عليها إذا قصرت في كل شيء.
لو دققت النظر وشرحت أحوال شعبنا لرأيته يرضى بالضيم والصغار ولا يسمح بدريهم في سبيل استعداد القوة. يرضى بالجهل والهوان ولايصرف من عمره سويعات يتعلم فيها الأخلاق الفاضلة أو شيئاً يرقي به أمته وشعبه ولو سئلت كثيراً من أفراده عن سبب تقصيره لقال لك دعنا من هذا الحديث وهيا بنا نذهب لمسرح رقص وجلس لهو لنفرج عن القلب الهموم فإن حكومتنا ضعيفة وشعبنا ليس راقياً هذا جوابه يأتي به وينسى أن ضعف حكومته وعدم ترقي شعبه إنما هو من وجوده ووجود أمثاله. لو كنا شعباً نجيباً وأمة راقية تخشى العواقب وتغار على شرفها وتسعى وراء تعزيز قوتها وتحافظ على آداب دينها لما نظرنا إلى تقصير الحاكم بل إلى نشطنا همته وعملنا على مصلحته التي هي مصلحتنا بالحقيقة وسعينا في تأليف الجمعيات لجمع الإعانات وتوسيع نطاق المعارف واخترنا رجالاً صادقي اللهجة والنية أمناء نزهاء لا شغف لهم بحب الذات والفخفخة الفارغة وأسندنا إليهم أمورنا العامة وعملنا على ترك الشقاق والنفاق والتخاذل والتحزب واعتقدنا أننا جسم واحد كلمتنا واحدة فإن وجدنا كلمة حق سمعناها من أي حزب كان وإن وجدنا كلمة باطل نبذناها وراء ظهورنا ولو كانت من أكبر رجال قومنا. إن عملنا على ذلك لا يمضي زمن قليل إلا ونحن أمام الدول ارتقاء وأعلى الأمم نجابة وهناءً فنسألك اللهم أن توفقنا لما فيه صلاحنا ورضاك وأنت بالإجابة جدير وعلى كل شيء قدير (يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجرحكم من عذاب أليم).