الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدارس الأجنبية
ما اعتصمت أمة بدينها وحافظت على أوامره، وانتهت عن زواجره وتعصبت لأخلاقها الدينية، وآدابها الاجتماعية، وعادتها القومية، إلا كتب الله لها النصر والفلج، والحياة الطيبة، وعزّ الاستقلال، وسعادة المآل. وما تركت أمة سلوك هذا المنهج الأقوم، والصراط الأعدل، فتهاونت بدينها وأمراه ونواهيه، ونبذت أخلاقها وآدابها ظهرياً، إلا استخف بها الأغيار، وطمع بها الأعداء، وكتب الله عليها ذل الاستعباد، وشر الاستبدْاد وفقد الاستقلال وانحلال الروابط، والموت الأدبي الأبدي، وما أبطنت لأمة شراً واردات محو استقلالها وإدماجها تحت سلطتها إلا حببت لها الانسلاخ عن عوائدها ونبذ أخلاقها واتباع الهوى وزينت لها من الأخلاق والعادات ما لا يلتئم مع شرف دينها وآدابه الاجتماعية وأعدت من الزخارف والبهرجة ما تروج به تلك السلعة على السذج وضعاف الأحلام وتستعين على ذلك بمن ترى في طبعه استعداداً لمقاومة الخير ومعاضدة الشر وتسلطه على ناشئة الأمة والسذج منها ليعيث في أخلاقها فساداً، وليحسن لها ما اعتاده من المفاسد باسم المدنية ولا تزال تستفيد منهم أعواناً وتزجهم في مجتمع الأمة لبذر بذور الشقاق والفساد حتى يتسنى لها الغلب والظفر؛ ويصبح صوت الحق ضائعاً في وسط هذا المعترك. هذه القاعدة جرى عليها دول الاستعمار منذ خطر لهم الاستيلاء على دول الشرق وبالأخص الدول الإسلامية منها.
علموا أن الاستيلاء على الشرق ليس بالأمر السهل إذا قصد من وجهة المقاومة وأن سلب الشعوب سلطتها واستقلالها وأخلاقها وثروتها قد لا تفيد فيه القوة مهما عظمت إلا بمئات من السنين وملايين من الليرات وربما حصلت النتيجة على عكس المطلوب فيما إذا كان الاعتماد على القوة بأن تتحد دول الشرق يداً واحدة على دفع هذا الخطر المهاجم فصمموا على الاستيلاء عليه بالطرق السلمية فعمدوا إلى العلم الذي هو ضالة جميع الشعوب على اختلاف منازعها وأميالها فتستروا بإرادته وحب تعميمه في جميع ما يطمح إليه نظرهم وترمي إليه أفكارهم من الاستيلاء على ممالك الشرق وسلبها استقلالها واستنزاف ثروتها فأنشئوا مدارسهم في البلاد الإسلامية بحجة نشر أنوار العلم وتمدين الشعوب الشرقية خدمة للإنسانية وما خدموا في الحقيقة إلا مبادئهم ومطامعهم وجشعهم للاستعمار.
تدعي دول أوروبا أو دول الغرب أن الشرق وصل إلى أقصى حالة في الهمجية والنهم فهم
فيما يقومون به من فتح مدائنه واستعمار أرضه وسلبه استقلاله يعملون عملاً إنسانياً جليلاً لذلك لا يفتئون يتفننون في اختراع الطرق المؤدية إلى هذه النتيجة.
ولذهول الشرقيين عن نوايا الغرب بازائهم وانخداعهم بتلك الزخارف التي يسمونها مدنية وحضارة واستخذائهم لهم لما يرون من رقيهم المادي أصبح بعض السذج منا وبعض من سرى سم الغربيين في نفوسهم يعتقدون أن عمل أوربا إن هو إلا لمحض خير الإنسانية وتمدين الشعوب المتأخرة وتحضيرهم كما يدعون هم أنفسهم.
وكان هذا الاعتقاد مساعداً لأولئك الأعداء على نيل مطامعهم ومن أعظم ما منيت به هذه الأمة الإسلامية حيث استسلمت لعدوها يعيث بكل شيء من آدابها وأخلاقها وهي تظن نفسها أنها مغبوطة على ما نالت من نعمة المدنية والرقي.
أنشئت المدارس الأجنبية في البلاد الإسلامية لأغراض في نفس مؤسسيها تختلف باختلاف لغاتهم وقوميتهم ومذاهبهم ولكن تتفق في وجهة واحدة وهو حل الرابطة الدينية الإسلامية. فالإنكليز والأميركان يقصدون نشر اللغة الإنكليزية والتبشير بالديانة البروستانتية والفرنساويون يعمدون إلى تعميم اللغة الفرنساوية والتبشير بالديانة الكاثوليكية وقسم من الفرنساويين لا دينيون مقصدهم رفع الأديان من الأرض ودعوة الناس لذلك وهكذا كل يسعى لنشر لغته ومذهبه.
ربما يقول بعض البسطاء أن في ذلك مبالغة وأنه إن حصل شيء مما ذكر فبالعرض والمقصد الحقيقي نشر العلم واللغات ومن اطلع على ما ننقله هنا من كتاب (تربية المرأة) تأليف محمد طلعت حرب سهل عليه أن يذعن لما قلناه ويعتقد أنه حقيقة لا مبالغة فيها.
نقل المؤلف عن مجلة العالمين الفرنساوية مقالاً للكاتب الفرنساوي الشهير موسيو أتين لامي قال فيه أن من الواجب على الأمم المسيحية أن تعاكس الإسلام في كل طريق وتحارب أهله بكل سلاح ، أن مقاومة الإسلام بالقوة لا يزيده إلا انتشاراً فالواسطة الفعالة لهدم أركان الإسلام وتقويض بنيانه هي تربية بنيه في المدارس المسيحية وإلقاء بذور الشك في نفوسهم من عهد النشأة فتفسد عقائدهم الإسلامية من حيث لا يشعرون وإن لم يتنَصَّر منهم أحد فإنهم يصيرون لا مسلمين ولا مسيحيين مذبذبين بين ذلك. قال وأمثال هؤلاء يكونون بلا ارتياب أضر على الإسلام وبلاده مما إذا اعتنقوا الديانة المسيحية وتظاهروا
بها إلى أن قال إن طريقة تربية أولاد المسلمين في المدارس المسيحية وإن كان لها من التأثير ما بيناه فإن تربية البنات في مدارس الراهبات أدعى لحصولنا على حقيقة القصد ووصولنا إلى نفس الغاية التي وراءها نسعى بل أقول أن تربية البنات بهذه الكيفية هي التربية الوحيدة للقضاء على الإسلام عن يد أهله. وقال في موضع آخر أن التربية المسيحية أو تربية الراهبات لبنات المسلمين توجب للإسلام في داخل حصنه المنيع عدوة الدَّاء لا يمكن الرجل قهرها لأن المسلمة التي تربيها يد مسيحية تعرف ولا شك درجة اعتبار المرأة في المجتمع الإنساني وتكتسب من المعارف ما يبرر أطماعها في الاستقلال ويقوي آمالها في الارتقاء فتعرف كيف تتغلب على الرجل حيث تقوى رغبتها في الاستزادة من المعارف وتطلب علم ما لم تكن تعلم فتكثر من مطالعة الكتب جدها وهزلها حتى تظهر لها وظيفة المرأة ممثلة في مرآة الصور فلا تكتفي بأن تكون هي الزوجة المفضلة بل تحتم أن تكون الزوجة الوحيدة وتصبح وحدة الزوجة بتأثير المرأة من الأمور الاعتبارية في الطبقات العالية كما هي الآن لدى أغلب الأتراك بتأثير الفقر ومتى تغلبت المرأة هكذا تغير نظام العائلة بالمرة وأصبح في قبضة تصرفها وهنا تظهر له تربية الراهبات لأنه سهل على المرأة والحالة هذه أن تؤثر على إحساس زوجها وعقيدته فتبعده عن الإسلام وتربي أولادها على غير دين أبيهم وفي اليوم الذي تغذي الأم فيه أولادها بلبان هذه التربية وتطلعهم على هذه الأفكار تكون المرأة قد تغلبت على الإسلام نفسه.
تلك هي أقرب الطرق وأنجح الوسائط لمحاربة الإسلام بأهله بدون جلبة ولا ضوضاء وهي لا شك أدعى لنوال المآرب وبلوغ المرام فليس لنا إلا اتباعها أما السعي جهاراً في محاجة المسلم وإقناعه بما هو عليه من الضلال فإنه يوقظ عوامل التعصب الكامنة في نفسه الساكنة بين جوانحه فلا يمكن تذليله وهذا ليس من الحزم في شيء أهـ.
فهل بعد نقل ما قاله فيلسوف الغربيين وكاتب من مشاهير كتابهم يرتاب ذو مسكة من الفهم في سوء نواياهم نحو الإسلام والمسلمين.
يتشدق الغربيون بحب التمدن وخدمة الإنسانية وحرية الاعتقاد واحترام الأديان وهو كلام يريدون به ذر الرماد في العيون وتخدير أعصاب المسلمين كيلا تحس بشيء مما يحيط بها من المخاطر والمهالك بسبب تداخلهم في شؤونهم وعملهم على محو سلطتهم واستقلالهم
وأخلاقهم الدينية.
أما وقد ظهر ما تكن ضمائرهم من البغض للإسلام وأهله والعمل على تلاشيه على لسان فلاسفتهم وكتابهم فليس لحسن الظن فيهم وانتحال الأعذار لهم وجه من الحسن.
هذا وقدمني الإسلام بزمرة من المتفرنجين تربوا في مدارس الفرنجة واغتروا بزخرف مدنيتها يحسنون للعامة دخول تلك المدارس وينسبون المتشائمين منها والمنفرين عنها إلى التعصب الديني ويعدونه علة لكل بلاء ومصدراً لكل عناء وسداً منيعاً بين المتصفين به وبين الفوز بالنجاح. تلك فكرة أوربية دسها المبشرون بالمسيحية لقضاء مآربهم لما علموا أن أقوى رابطة للمسلمين إنما هي الرابطة الدينية وأن قوتهم لا تكون إلا بالعصبية الاعتقادية وأنهم ما داموا مستمسكين بدينهم متعصبين لعقائدهم يصعب امتلاكهم وتعسر ملا شاتهم فرأوا بث هذا الفكر الساقط بين السذج من المسلمين على لسان متفرنجيهم لينقضوا بذلك بناء الملة الإسلامية (لا سمح الله) ومن غريب أحوال الغربيين أنهم يرمون التعصب الديني بأشد عبارات التقبيح والازدراء وهم أشد الناس تعصباً لدينهم وأحرصهم على القيام بدواعيه ولا يزالون يلزمون حكوماتهم حماية دعاة الدين والقائمين بنشره وينفقون النفقات الباهظة للمبشرين وأتباعهم ولتغرير عقول بعض البله ليردوهم عن دينهم وإذا تسنى لأحد المبشرين أن فاز ببغيته وتمكن من الاستيلاء على فكر أحد المخالفين له بالعقيدة عدوا ذلك حسنة لذلك المبشر وأعطوه من الألقاب ما يعطونه لقائد الحروب وفاتح الثغور. وقد آن أن نبين مضار دخول المسلمين مدارس الأجانب وتعليمهم فيها. لها بقية