المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الصدق والكذب عود لسانك قول الصدق تحظ به … إن اللسان - مجلة الحقائق - جـ ١٩

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌الصدق والكذب عود لسانك قول الصدق تحظ به … إن اللسان

‌الصدق والكذب

عود لسانك قول الصدق تحظ به

إن اللسان لما عودت معتاد

موكل بتقاضي ماسننت له

في الخير والشر فانظر كيف ترتاد

الصدق فضيلة الفضائل. ومعدن الكمالات. والخلق الذي يرفع المتلبس به إلى معارج الأملاك. ويهبط العاري عنه إلى مصاف العجماوات. ذلك الخلق الذي حث عليه القرآن العظيم. وأمرتن بالمحافظة عليه الأحاديث الشريفة. لا جرم أن الكذب آية من آيات النفاق وهو هو الخلق الذي يبغضه الله ورسوله. ولا يليق بالمؤمن ذي الهمة الشماء أن يكون متصفاً به. قال تعالى (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون). وقال صلى الله عليه وسلم إن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد عنه الملك مسيرة ميل من نتن ما جاء به. وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة. وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لأن يضعني الصدق وقلما يفعل أحب إليّ من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل. وقال بزر جمهر. الكاذب والميت سواء فإنه إذا لم يوثق بكلامه بطلت حياته. وقال أبو حيان التوحيدي. الكذب شعار خلق وأدب سيء وعادة فاحشة وقل من استرسل معه إلا ألفه ومن ألفه إلا أذله. وقال بعض الشعراء:

وما شيء إذا فكرت فيه

بأذهب للمروءة والجمال

من الكذب الذي لا خير فيه

وأبعد بالبهاء من الرجال

كل الناس يعرفون أن الصدق خير من الكذب. وأن الفضيلة خير من الرذيلة ولكن للصدق بواعث وللكذب بواعث فمن غلبت عليه بواعث الصدق كان صادقاً ومن غلبت عليه بواعث الكذب كان من الكاذبين لذلك يجمل بنا أن نورد هذه البواعث ليتخلق الإنسان بالنافع منها ويجاهد نفسه على مجانبة الضار.

بواعث الصدق

منها خوف الله والائتمار بأوامره والحذر من وعيده والرغبة في وعده (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم). ومنها المروءة فإنها مانعة من الكذب باعثة على الصدق لأنها قد تمنع من فعل ما كان مستكرهاً فأولى من فعل ما كان مستقبحاً.

ص: 8

ومنها العقل لأنه موجب لقبح الكذب لا سيما إذا لم يجلب نفعاً ولم يدفع ضرراً والعقل يدعو إلى فعل ما كان مستحسناً ونبذ ما كان مستنكراً. ومنها حب النجاح في العمل فإن الإنسان إذا صدق في أقواله ركنت إليه الناس وجعلوه موضع ثقتهم وكان عاملاً كبيراً على تقدمه وفلاحه. ومنا حب الثناء والاشتهار بالصدق حتى لا يرد عليه قول ولا يلحقه ذم.

بواعث الكذب

منها أن يقصد الكاذب بالكذب التشفي من عدوه فيسمه بقبائح يخترعها عليه ويصفه بفضائح ينسبها إليه ولذلك ورد الشرع المطهر برد شهادة العدو على عدوه ومنها أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذباً وكلامه مستظرفاً فلا يجد صدقاً يعذب ولا حديثاً يستظرف فيستحلي الكذب وهذا النوع أسوء حالاً مما قبله لأنه يصدر عن مهانة في النفس ودناءة في الهمة ومنها استجلاب النفع واستدفاعه فيرى أن الكذب أسلم وأغنم فيرخص لنفسه فيه اغتراراً بالخدع واستشفافاً للطمع وربما كان الكذب أبعد لما يؤمل وأقرب لما يخاف لأن القبيح لا يكون حسناً والشر لا يصير خيراً وليس يجنى من الشوك العنب ولا من الكرم الحنظل ولو فكر الإنسان لوجد أن الصدق خير وأبقى وأنه خير له أن يلاقي الصعاب ويحتمل المشاق وأذى الناس وبلاءهم في سبيل الصدق من أن يوصف بالكذب والفجور. وماذا على الإنسان لو صدق بعمله؟ وماذا يستطيع أن يصنع معه الناس؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك الخ).

ولكن هو الجهل الفادح الذي أنسانا آداب ديننا وأخلاق سلفنا الصالح وأوقعنا بكل ما نئن منه من الأخلاق الفاسدة التي جعلتنا في آخريات الأمم.

لو صدق المتوظفون في أقوالهم لعم الخير وانتظمت أعمال العباد ولما تردد أصحاب الحاجات وأرباب المصالح يقضون الأيام والشهور غادين رائحين يترقبون وفاء وعد المأمور الذي يمهل عمل كل يوم إلى الغد وقد يحول الحول ولا يصدق بقوله.

لو صدق الباعة لأمن الناس الغبن والغرور ولانتفع البائع والمشتري وآب كل منهما بصفقة رابحة وعمل مبرور.

ص: 9

لو صدق المؤرخون لما ضاع كثير من الحقائق التاريخية وأصبحت مشوشة لا يهتدي الباحث إليها بعد جهد النفس لما يعتورها من أكاذيب بعض المؤرخين.

لو صدق الكتاب في أقوالهم وزفوا الحقائق إلى القراء عارية من النفاق والأغراض والدسائس لصدقهم الناس فيما يقولون ولأخذوا أقوالهم وانتفعوا بها وحصل المر الذي وضعت الصحف لأجله ولما وصل المر بكثير من الصحف إلى اعتقاد الناس بأنها جعاب الكذب ومسرح الأغراض.

لو صدق المتظلمون إلى الحكومة في دعاويهم على خصومهم لما غصت المحاكم بهؤلاء المزورين الذين يفترون على الناس الكذب ولما ضاع على الحاكم العادل معرفة الظالم من المظلوم ولكن ما الحيلة والآباء والأمهات يرضعون أولادهم الكذب مع اللبن ويظنون بجهلهم أن ذلك من قبيل اللعب والمداعبة ولم يدروا أنهم بذلك يجعلون الكذب طبيعة من طبائع أولادهم ويغرسونه في جبلتهم ويجنون من وراء ذلك الحنظل والموت الأدبي.

هنا لعلنا نسمع قائلاً يقول قد اعتاد أكثر الناس هذا الخلق الذميم وصار من أخلاقهم التي يصعب استئصالها فماذا عسى تفيد النصائح والمواعظ ومن شي على شيء شاب عليه قلنا أن التذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات التي لا يسوغ تركها لوهم أنها لا تفيد على أن هذا الوهم لا حقيقة له ولا ظل بل إن التذكير قد يفعل في قلب المؤمن ما لا يفعله غيره من المؤثرات قال تعالى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) ولنا هنا كلمة نوجهها إلى معلمي المدارس والقائمين بأمورها وهي ملاحظة التلامذة وترغيبهم في الصدق وتنفيرهم من الكذب والدأب على الفحص على من يكذب حتى يصير طبيعة ومجازاته أشد الجزاء وإكرام الصادق وترغيبه في الصدق حتى يصير طبيعة من طبائع التلامذة وبذلك يكونون قد خدموا الأمة أحسن خدمة وقاموا بما يجب عليهم تجاه مركزهم في المجتمع وعملهم هذا يغلب عليه النجاح أكثر من تذكير من اعتاد هذا الأمر وكبر عليه. ذلك لأن الأطفال وعاء نظيف قابلون لزرع الأخلاق الصالحة التي تعود عليهم وعلى أمتهم بالخير. وعلى الآباء أن يساعدوا على ذلك لا أن يعمل الأستاذ عملاً ويعمل الوالد ما يخالفه فيفسد الطفل بذلك وتضيع التربية والاعتناء بأخلاقه وفق الله الأمة لما فيه فلاحها.

ص: 10