المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌رابطة الخلافة ورابطة الدين أطلعنا في بعض المجلات العربية على كتابين الأول - مجلة الحقائق - جـ ٢١

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌رابطة الخلافة ورابطة الدين أطلعنا في بعض المجلات العربية على كتابين الأول

‌رابطة الخلافة

ورابطة الدين

أطلعنا في بعض المجلات العربية على كتابين الأول بإمضاء الجنرال الطلياني بريكولا قومندان الفرقة الثانية أرسل به إلى العرب المجاهدين في طرابلس وبني غازي وملحقاتها يدعوهم فيه إلى ترك الحرب ونبذ التابعية العثمانية والإخلاد لطاعة الطليان والثاني بإمضاء إسلام عربان إفريقية الإسلامية سكان البوادي والبلدان وهو رد لمفتريات ذلك القومندان وتسفيه لرأي عامة الطليان ووصف لحال المجاهدين مع أعدائهم وتوضيح لشأنهم وقد نشرنا هذين الكتابين بنصهما ليقف القراء على بعض ما جبل عليه الطليان من الكذب والخديعة والغش والغدر وسخافة الرأي مما يفصح بأوضح عبارة عن سوء منقلبهم في هذه الحرب وما آل معهم الأمر بها من الفشل والتقهقر والخسارة ونتن الأحدوثة الأمر الذي لا ينساه الدهر والعار الذي لا يمحيه كر الأيام وليعلموا بل ليعلم الناس أجمع بعض ما فطر عليه أولئك العرب الكرام المجاهدون من الصبر والثبات والحمية والشجاعة والأنفة والشمم والإباء وقوة الرابطة الدينية وشدة التعلق بعرش الخلافة الإسلامية وبيع النفس والنفيس في سبيل المحاماة عن الوطن والإعراض عن لذة هذه الحياة وعدم الاغترار بتلك الوعود الكاذبة التي جاءت في كتاب الطليان مما سيبقى لهم مسطراً بأسطر ذهبية ما بقي الدهر وعاش النسر بل لا يفنى بفناء الأيام ولا ينقضي بانقضاء الأعوام وسيكون لهم برهاناً على صدق نياتهم يوم يقفون أمام الله تعالى ويعرضون عليه مع الصديقين والشهداء والصالحين (وحسن أولئك ريقاً) ذلك لأن مقصدهم إعلاء كلمة الله تعالى وحماية دينهم والذَب عن حريمهم وبلادهم من جور أولئك الكفرة اللئام. والالتفاف حول عرش الخلافة الإسلامية التي هي جماع المسلمين في مشرق الأرض ومغربها وبعبارة ثانية التي ليس بعدها للمسلمين حول ولا طول.

نعم من يقرأ كتاب هؤلاء المجاهدين ويتأمل معانيهُ يتجلى له شأن رابطة الدين وعظم قوتها. وعجيب منعتها وفائدتها من يتأمل هذا الكتاب يتحقق لديه أن أقواماً يحاربون قصد إرضاء إله واحد. ينادون جميعهم باسمه. ويجأرون بالدعاء له. لا فرق بينهم في العقيدة. ولاخلاف بينهم في الدين. نبيهم واحد وشريعتهم واحدة. وصلاتهم واحدة. وغايتهم واحدة

ص: 25

وباعثهم واحد من يتأمل هذا كله يتحقق لديه أنهم لا يُغلبون ولن يغلبوا تصديقاً لقوله عز اسمه (يا أيها الذين آمنوا إن تنصُروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) من يفكر في الطليان وانتظامهم وعددهم وعُددهم وبوارجهم ومدافعهم وما لديهم من القوى الهائلة ثم يتأمل في أولئك العرب المجاهدين وتفرقهم وعدم انتظامهم وحاجاتهم إلى الأدوات الحربية و. و. و. يحكم في بادئ الأمر بأنهم سيكونون هدفاً لسهام الطليان. ومرمى لقذائفهم وأن الحال سيضطرهم إلى أن يعلنوا السمع والطاعة ويقبلوا بالتابعية الطليانية وهم صاغرون. ولو دقق المتأمل النظر لعلم أنه خبط خبط عشواء لما أنه قد غاب عنه أن الباعث لهؤلاء العرب على الحرب أمر ديني وشعور إيماني لم يثره إلا الذب عن العرض والوطن وأن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى بخلاف الطليان فإنهم وإن كانوا ذوو قوة بالنسبة إلى أهل طرابلس كما سبق ولكن يستحيل أن تقاوم قوتهم الظاهرية تلك القوة المعنوية التي من ألذ لذاتها الموت والتي تجعل الأرض على سعتها ضيقة في وجه صاحبها فيرى أن لا منقذ له من هذا المضيق إلا المقاومة ما استطاع هذا مع ظهور أن الباعث للطليان على هذا الحرب إنما هو الجشع والطمع والتعدي. الرابطة الدينية هي بنفسها رابطة الخلافة والعرب في حربهم مع الطليان مرتبطون بهذه الرابطة فدفاعهم عن الخلافة الإسلامية هو دفاع عن الدين لا محالة. فإلى أولئك المتفرنجين اليوم نقدم كلمتنا هذه عساها تكون مفيدة لهم في تعظيم أمر الدين ورابطته ولعلهم يرون أن العدد الظاهرية على ضخامتها وشدة بأسها لاتقاوم تلك العدد المعنوية على لطافتها وقلة مؤنتها. وإليك نص الكتابين:

بسم الله الرحمن الرحيم

اصغوا ياعربان بلا بنغازي وملحقاتها

حالة الحرب التي نحن موجودون بها الآن قد ألزمتنا أن نقطع أي علاقات كانت فيما بين البلدة والبر فلهذا صوتنا لم يمكنه أن يصل إليكم وأنتم صرتم ضحية للأكاذيب التي يحدثونكم بها الأتراك. نحن نرغب أن نقول أيضاً لكم الحق مرة واحدة لأجل صالحكم ولفائدتكم حتى يتوفر عنكم فظاعة الحرب الذي هو بتمامه ضرر عليكم والذي يطفئ باطلاً حياة أناس التي هي عزيزة عند الله تعالى. فلهذا نأمر الطيارات بالهواء أن ترتفع ومن

ص: 26

أعلى الجو أن تسقط عليكم جوابنا هذا الذي به يجلب لكم كلمتنا التي هي الحق والعدل. نحن قلنا لكم سابقاً والآن نكرره أيضاً بأن حكومة جلالة ملك إيطاليا العظيم القوي حفظه الله تعالى ما أتت لمحاربة العربان بل هي حضرة لهذه البلاد بإرادة الله سبحانه وتعالى حتى تطرد من هذه الديار حكومة الأتراك القاحلة وعديمة الكفاية التي هي قد أقحلت أراضيكم وتركتها مهملة لجملة سنين وأحرمتها من فضائل التمدن والترقي. نحن سبق وقلنا لكم ونقسم لكم أيضاً بسم الله العظيم إله جميعنا الذي هو حامينا ومنور عقولنا بأننا سنحترم قطعياً ديانتكم وعوايدكم ونظاماتكم ونساءكم وأملاككم ولا نلمكم لخدمة القرعة العسكرية ولا نضع عليكم ضرائب بغير الحق وأيضاً سننظر إذا أمكن الحال أن نجعل تلك الضرائب التي كنتم تدفعونها لحكومة الأتراك أن تكون أكثر تخفيفاً عن قبل وعلى سائر الأحوال كافة الدراهم التي تدخل من هذه الديار على خزاين دولتنا سيصير صرفها لمنفعة تمدن هذه البلاد بفتح طرقات وسكك حديدية وإصلاح المراسي لإدخال عدد كثير من الوابورات الكبيرة الذي ستأتي شاحنة البضائع وعمار مدن التي سيكون بها أسواق عظيمة حتى يتسهل للجميع مشترى لوازم المعيشة بسعر متهاود على قدر الإمكان نحن سنحترم الزوايا (تعلقكم) وسنبقي لهن كافة الامتيازات التي هي متمتعة بها وسننظر أيضاً إذا كان يمكنا الحال أن نزيد تلك الامتيازات وسنساعدها عند اللزوم حيث هذه الزوايا يمكن أن يصبر إقبالهن ونجاحهن أكثر من قبل حتى وأنهن يكن أعظم مساعدة لفقراء البلدة والبر. نحن سنعطي لمشايخ القبائل المهمين كافة السلطة التي تلزم أن تكون لهم وسنعطي أيضاً مكافأة لهم معاشات شهرية متساوية للمساعدة التي يقدرونها لحكومتنا الإيطالية بحفظ النظام والتهذيب في البر. إن شاء الله تعالى في مدة قليلة بلادكم هذه مع وجود الأمن والراحة تزداد بعونه تعالى بالإقبال والثروة وهكذا الجميع يمكنهم بواسطة شغل الحقول والمرعى والطرق والسكك الحديدية والمدن والتجارة والصناعة الحصول على لوازم معيشة كل واحد مع عائلته بحسب لياقة الرجال الأفاضل والأحرار وهذا بموجب الشرائع المرسومة لنا بحكمة وعظمة الله تعالى الدائمة فلهذا أنتم لا يجب عليكم محاربتنا أنتم لا يلزم عليكم أن تصدقوا الأتراك لأن المذكورين قد هربوا دائماً وما تجاسروا أبداً أن يحاربوا البلد بل أرسلوكم أنتم ضد مدافعنا الهائلة حتى يصير قتلكم.

ص: 27

الأتراك ما عندهم قوة حتى يحاربونا هم دائماً يقولون لكم بأن الإيطاليان هم أعداؤكم وهذا كله لأجل صوالح الأتراك الخصوصية بحيث أنهم منتظرون أن يحصل الصلح وثم يتركونكم بمفردكم ضدنا ومدافعنا ماذا فعلوا لكم الأتراك من الخير أثناء حكمهم في هذه البلاد مدة ثمانين عاماً المذكورين قد أضعفوكم دائماً وهم اليوم مستخدمين ذاتكم ودمكم بدلاً من أن يحاربوا برجالهم ومدافعهم ترفعوا عن محاربتنا ونحن لا نحاربكم. حكومة جلالة ملم إيطاليا العظيم الله تعالى يحفظه عندها كلمة واحدة فقط وليس اثنين. اتركوا الأتراك وهم يصيرون مغلوبين لطلب الصلح فحينئذ نفتح لكم أبواب الذهب التي هي أبواب البحر ونبتدي في أعمالنا بالعدل والمحبة الذي يجعل أراضيكم بعظمة وإقبال تحت سلطة جلالة ملك إيطاليا العظيم أدام الله جلالته ويخفق فوقها العلم المثلث اللون الأبيض والأحمر والأصفر تمهيداً للإيمان والرجاء والمحبة اذكروا بأن الله قد قال في الكتاب الكريم (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) واذكروا أيضاً بأنه قد كتب في الكتاب الكريم (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله).

بنغازي في 12 فبراير سنة 1912

قومندان الفرقة الثانية

الجنرال بريكولا

الجواب

نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

لجنرال بريكولا النصراني قومندان الفرقة الطليانية. السلام على من اتبع الهدى أما بعد فقد اطلعنا على كتابك المرسل لنا على أجنحة الطيارات الهوائية الملقى من الجو خوف الفضيحة والرزية المؤرخ في 24 صفر سنة 1330 هجرية الموافق 12 فبراير سنة 1912 أفرنكيه فرأيناه قد اشتمل على أنواع الغش والخديعة والزور والمفتريات الشنيعة خصوصاً ما تضمن من الطعن في الحكومة السنية العثمانية أدامها الله رب البرية والحط من شأن المجاهدين من إخواننا العثمانيين الذين شهدت لهم الأعداء قبل الأصدقاء بالنجدة والشجاعة والغيرة والبراعة والصبر والطاعة والثبات والقناعة الذين فتحوا البلاد ودوخوا

ص: 28

العباد وقمعوا أهل الشرك والبغي والفساد الممتازين بأسنى المزايا الفاضلة وأسمى السجايا الكاملة الذين تجمعنا بهم الأخوة الإسلامية في سلسلة نورانية تبهر من أشعتها الأبصار وتستنير بنور عدلها الأفاق والأمصار بالصورة التي تسيء الحساد وتغيظ الكفار وقد تناهت هذه السلسلة المباركة التي هي عروة وثقى لا انفصام لها عامة الإسلام لطفاً واستمكنت قوة ووصفاً ولقد ساءنا وأيم الله جرأتك على الإدعاء بأن إيطاليا ما تجشمت الخسائر ولا تكبدت المشقات إلا شفقة منها علينا وسعياً في انتشالنا من ظلم الأتراك على زعمكم وأنه متى أعلنت السيادة (والعياذ بالله تعالى) لدولتكم وتركنا الحرب والطعان ونفضنا الأكف من طاعة دولة بني عثمان (لا سمح الله تعالى) نصبح في جنات ونعيم ومقام كريم إلى غير ذلك من الهذيان والله يعلم والناس يشهدون وأنت في مقدمتهم أنكم لكاذبون. وأنا لا نلومك أيها الجنرال على ما ألقى الشيطان في أمنيتك من الأماني الكاذبة والوساوس الخائبة إن هي إلا أضغاث أحلام وخيالات وأوهام وأما الحقيقة الواضحة الظاهرة للعيان بالدليل والبرهان فهي أنكم أعدى الأعداء وألد الخصام وأهل البغي والعدوان وقد منعنا القرآن عن موالاتكم بقوله جل وعلا (ولا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يتولهم منكم ف، هـ منهم)(إن الله بريء من المشركين) فاعلم أيها الجنرال أننا لنا بحمد الله ديناً لا نبتغي عنه بدلاً ولا نحيد عنه حولاً وإيماناً ويقيناً بما جاءت به شريعتنا الغراء فعلى صاحب اليقين أن لا يرضى بالذل والمسكنة والطاعة للكافرين وكيف نرضى بالطاعة لمن لا يذهب مذهبنا ولا يرد مشربنا ولا يدين بديننا ولا يحترم شريعتنا ولا يراعي حرمتنا ولا يرى فينا إلَاّ ولا ذمة كما شهد بذلك القرآن الكريم بقوله عز وجل خطاباً لنبيه المرسل (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) صدق الله العلي العظيم فكيف نصدق ما أتيت به من الأكاذيب ونخدع بما افتريت من الأساليب ونحن نعلم علم اليقين أكبر همكم وغاية أمانيكم سحق ديننا والتغلب على أوطاننا واسترقاق أرقابنا والقضاء على كياننا في عالم الوجود حسب ما يشهد بذلك التاريخ والأعمال فجدير بنا تلقاء ما نعلم من اعتدائكم أن نلبي داعي الله تعالى ونبذل الأموال والأرواح في الذود عن الوطن ونجاهد في سبيل الله فالحق داع والله حاكم والضرورة قاضية فأين المفر؟ ولتعلم أيها الجنرال أن وراء اعتداء إيطاليا على أوطاننا أهوال ترتعش

ص: 29

منها الأبدان وتشيب من هولها الولدان وأن ما تتبجح به من الاستشهاد في مرسومك بآيات الله تعالى لم يكن قصدك منه إلا التغرير والخديعة والمكيدة والوقيعة كما يشهد بذلك القرآن في قوله جل علاه في أمثالكم (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) فكيف يحترم الطليان ما لا يعتقدونه من الكتب المقدسة أليست الطليان هي التي ارتكبت دنأة القرصان وشناعة اللص الجبان باعتدائها على أملاك دولة الخلافة الإسلامية؟ أليس هي التي غررت رجال الحكومة العثمانية بزخرف القول ودعاوي الصداقة الكاذبة حتى أخلت الديار ومنعت ورود الجيوش والمهمات ليخلو لها الجو وكانت كما قال الشاعر:

وإذا ما خلا الجبان بأرض

طلب الطعن وحده والنزالا)

فالدولة التي لم تحترم العقود ولا المعاهدات هل تحترم الدين والآيات فمهلاً مهلاً معاشر الطليان فإننا لم نكن أقل حمية وشجاعة من أولئك الحبش الذين ساموكم سوء العذاب ورجعتم من بلادهم بخفي حنين راضين من الغنيمة بالآيات نحن نفتخر دائماً بأننا أولاد ولاية الدولة العلية قد جدعوا أنوف المعتدين وسحقوا رؤوسهم تحت سنابك الخيل وقضوا على دولتكم الخاسرة بعد أن عصروها عصراً وأروها النجوم ظهراً فأصبحت خزائنها المالية أنقى من هامة الأصلع وبواخرها الحربية والتجارية تجاري في سرعتها الضفدع، فهي عبارة عن مجموعة أخشاب قد رتع السوس فباض وفرخ واعتراها الدمار وكتب وأرخ، وقد أفلست معاهدها التجارية، وتلاشت تجارتها العمومية وغدا شعبها في أشد حالات الفقر المفضي إلى حدوث ثورة مدهشة ستمتد في جميع أرجاء إيطاليا فأين ذلك مما نحن عليه من القوة والسطوة والثبات والنخوة وتوفر أسباب المعيشة فضلاً عن المؤن المخزونة وكنوز القناعة المكنونة سيما وقد أخذت الأرض زخرفها وازينت وأنبتت من كل زوج بهيج ولدينا بحمد الله من المهمات والمعدات ما تكفينا عشرات السنين مع أن العرب لا تهتم بمسائل المأكل والمشرب ولا تتأنق في الملبس ولن يروقنا إلا ما نشأنا عليه من التقشف والبداوة بخلافكم معاشر السنانير فإنه يعز عليكم أن يجرح النسيم أيديكم الناعمة ويأكل الثرى ملابسكم الزاهية وتستعيضوا عن البالونات والتياترات بهذه الصواعق المزعجات ثم أليس من الحماقة أن توهمنا أيها الجنرال بعدل إيطاليا بعد الذي تناقلته صحف الكائنات عن فظائعها الوحشية في جميع القارة الإفريقية خصوصاً ما وقع منكم في

ص: 30

طرابلس الغرب فضلاً عما يقع منكم كل يوم ببني غازي من قتل الأنفس وهتك الأعراض واتخاذ المساجد حانات أو مواخير للموبقات فهل هذا العمل يعد من العدل والرأفة بالمسلمين أم من جملة احترامكم للدين الذي تستشهدون بآياته أم هو عمل الظالمين المعتدين ثم أردتم بزعمكم الفاسد أن تموهوا على سخفاء العقول بما أوردتم من النصوص والنقول ومنها جرأتكم على ذكر الآيات الكريمة وهي قوله عز وجل (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الآية فيا أيها الجنرال إن هذه الآيات هي دلائل وبنيان وبراهين ومعجزات على وجوب قتالكم على آخر رمق من الحياة فكيف تستدل علينا بها وأنتم الذين اعتديتم علينا وزحفتم بخيلكم ورجلكم وأساطيلكم تقاتلونا لتخرجونا من ديارنا فقتلتم أبناءنا واستحببتم نساءنا ألستم أنتم الذين استوليتم على بلادنا ظلماً وعدواناً وقتلتم منا ألوفاً من النفوس البريئة والنساء المخدرات والأطفال المعصومات حتى ملأتم بجثثهم مساجد طرابلس وجوامعها وهاهي خمسة أشهر وأنتم تصوبون سهامكم وبنادقكم ومدافعكم لحربنا وقتالنا وإفناء أرواحنا فمن الذي يلزم أن نقاتلهم غيركم ومن الذي اعتدى علينا سواكم فهل نحن زحفنا على بلادكم واعتدينا عليكم أم أنتم الظالمون المفترون ثم لا يخفى على علمك أن الدولة العلية أيدها رب البرية هي دولة الخلافة الإسلامية هي تلك الدولة التي وقفت بين عشرين دولة مسيحية وقابلت الحروب الصليبية مدة تزيد عن ستمائة عام وهي التي حاربت أعظم الدول نحواً من سبع وأربعين مرة ولم تنكسر لها راية وهي المحافظة على الحرمين الشريفين وهي التي لم تستعن في جميع حروبها إلا بسواعد أبطالها وعزماتهم المعقودة الأطراف وهي التي زلزلت صروح الكرة بشدة بأسها وهي هي التي لم تزل حافظة لكيانها رغم أنفك أيها الجنرال وإن النفوس مهما تدحرجت في دركات الإدراك فإنها تشعر باحترام هذه الدولة العلية سواك ولا نستغرب إنكارك لهذه الحقائق التاريخية بما أسدله الحقد والحسد على بصرك من الحجب المغشية كما قيل:

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد

وينكر الفم كعم الماء من سقم)

فهلا يندهش الناس وتفيض صدورهم بالغيظ وتتساقط من أفواههم اللعنات على أم ناصيتك حينما تقع الأعين على قولك أيها الجنرال عن أبطال الأتراك بأنهم هربوا من القتال

ص: 31

وهاهي جيوشهم المنصورة على قلة عددهم وعددهم لكم بالمرصاد وأمام عيونكم متهيئين لقتالكم بقلوب تزول من ثباتها الجبال وتزلزل من هيبتها أفئدة الأبطال. وهاهم أناة الليل وأطراف النهار في انتظار ظهوركم من وراء الحصون والجدران فإن كنتم رجالاً أكفاء لقتالهم فهموا إلى النزال حتى ترى أيها الجنرال (إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار)(ويعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) وإن كنتم قادرين على حرب أبطال الجيوش العثمانية حسبما زعمت فهذه بحمد الله جنودها وجيوشها المظفرة وقد أحاطت بقارة أوروبا إحاطة السوار بالمعصم ومنها دولتكم الضئيلة الكئيبة ومن لم يستطع مكافحة شرذمة من جنودها وهي على مقربة ساعة منه كيف يتجارى على حروب الملايين من تلك الأسود الضارية التي شهدت بنجدتها الآفاق وملأت شهرتها السبع الطباق وإن كنتم عالمين بعجزكم وعدم قدرتكم فارجعوا بخفي حنين واقنعوا من الغنيمة بالإياب وصفوة القول أننا نعلم أن لكم بلاداً واسعة وشعوباً جائعة وكلاهما في حاجة إلى التهذيب والإصلاح وسد الرمق بالشرور والسفاح فالواجب عليكم أن تصرفوا همتكم في إصلاح قومكم واستثمار أراضيكم وافتحوا لهم أبواب خزائن الذهب الذي توعدوننا بفتحها من البحران ذلك أولى بكم من تعديكم على حقوق الغير وإن كنتم لم تصلحوا قومكم وهم من جنسكم ودينكم فكيف يتأتى لكم إصلاح قوم لا تجمعكم بهم صفة من الصفات ولا جامعة من الجامعات وهب أن الطلياني خلق من الذهب ونحن خلقنا من التراب وأنه يمشي على رأسه في السماء ونحن نمشي على أرجلنا في الأرض فماذا يريد منا إذا رفضنا معاملته وقمنا بطرده كما نطرد الهوام ولم لم يصرف مواهبه في بلاده ويجعل براكينها تقذف ذهباً وأرضها تنبت تبراً وسماءها تمطر درّاً بدلاً من أن يجوب القفار ويجوس خلال الديار الأبلغ ملك إيطاليا بأن الزوايا السنوسية هي أكبر معضد للدولة العلية لارتباطها بمقام الخلافة الإسلامية وأن مشايخها هم قادة الجيوش وهم القائمون بنصرة الدين وجمع أفئدة المجاهدين وأنهم ليسوا في حاجة إلى معاونتكم وما العشائر والقبائل إلا مهتدية بهديهم ومستنيرة بنورهم ومرتبطة بهم فالزوايا هي مهبط التجليات الإلهية ومحط رحال وفود الأمة الإسلامية ومدارس مكارم الأخلاق الدينية والآداب الفطرية ومجمع الشعوب البدوية فهم يغشونها بالعشي والبكور كما تغشى ملائكة الله البيت المعمور فليخسأ علم الطليان المثلث الألوان الذي هو علامة الشرك

ص: 32

والكفر والطغيان ولتسقط إيطاليا دولة اللصوص والقرصان ولتحي الدولة العلية مدى الزمان دولة آل عثمان.

تحريراً في يوم الجمعة 12 ربيع الأول سنة 1330 هجرية الموافق 12 مارت سنة 1912 إفرنكيه.

عموم عربان إفريقية الإسلامية

سكان البوادي والبلدان

ص: 33