الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاريخ
ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فتح بغداد
بعد أن غنم المثنى من الكفرة ما غنم وفتح تلك الأمكنة الحصينة استخلف بشير بن الخصاصية على الحيرة وسار يقصد بغداد فأغار أولاً على سوق الخنافس وكان بها تجار مدائن كسرة وغيرهم فاستولى على الجميع وأخذهم أخذة لم تكن بحسبانهم ثم توجه إلى بغداد تحت جنح الليل وصبح أهلها في أسواقهم فما شعروا إلا وسيوف المسلمين قد شربت من دمائهم ونالت من رقابهم وأمر المثنى أصحابه أن يحملوا من تلك السوق الذهب والفضة والجيد والنفيس من كل شيء ثم رجع بأصحابه حتى نزل بنهر السالحين بالأنبار ورأى أصحابه يخافون لحوق العدو بهم فخطبهم وقال: أحمد الله وسله العافية وتناجوا بالبر والتقوى ولا تتناجوا بالإثم والعدوان ولو أن القوم علموا بمكانكم لحال الرعب بينهم وبين طلبكم ولو أدركوكم لقاتلتهم ملتمساً للأجر وراجياً من الله النصر فثقوا بالله وأحسنوا الظن به فقد نصركم في مواطن كثيرة.
خطبة ألقاها هذا القائد على جنده وكانوا نفراً قليلاً من المؤمنين فثبتت قلوبهم وقوي بأسهم واشتد عزمهم ولم يبالوا بتلك الجيوش التي اجتمعت من الكفرة ولا فزعوا من قوتهم بل وقفوا بحزم وعزم متوكلين على من بيده مقاليد السماوات والأرض وهذه حالة قواد الإسلام في كل عصر يثبتون أمام العدو بكل حماسة ولا يفزعون من كثرة عدد أو قوة عدد ويزحفون للحرب بقلوب ثباتها باليقين واتحادها بالدين وعمادها التوكل على الله وحده وقانون انتظامهم قول الله جل وعلا (ن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص).
ولم يزل المثنى وأصحابه يشنون الغارة في كل ناحية على أهل تلك البلاد ويغنمون منهم
في أكثر الأوقات حتى تحير أهل فارس مما فعل المسلمون بسواد العراق وخافوا من اضمحلال ملكهم وتلاشي أمرهم فطلبوا من ملكهم رستم أن يولي زمام الملك إلى يزدجرد كسرى فأجاب طلبهم. ودعي بابن كسرى فتوجوه وجعلوه ملكاً عليهم فانقادت له أهل فارس ونظم الجيوش وبعث بهم إلى كل ناحية وهيأ لقتال المسلمين وبلغ ذلك المثنى فكتب إلى عمر بن الخطاب يخبره بالأمر.
أخبار القادسية
فلما وصل كتاب المثنى إلى سيدنا عمر رضي الله عنه قال والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب ثم جمع وجوه الناس وأشرافهم وكتب إلى المثنى ومن معه يأمرهم بالخروج من بين العجم وأن يتفرقوا في المياه التي تليهم وينتظروا وصول المدد إليهم من المسلمين.
وخرج عمر بالناس إلى الحج وأرسل عماله على العرب أن يأمروا فرسان العرب وشجعانهم بالزحف على المشركين فبادرت العرب إلى إجابته ولحق بالمثنى من كان أقرب إلى العراق من المدينة وأما من كانت المدينة أقرب إليه من العراق أو على السواء قصدوا المدينة فوافوا عمر رضي الله عنه بها وقد عاد من الحج.
هكذا رجال الإسلام في كل زمن إذا دعاهم أمير المؤمنين إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل وافوه من جميع جوانب الأرض وأتوا مسرعين بأموالهم وأنفسهم وظهروا بقوة معنوية دينية تأتي على الأعداء فلا تبقي ولا تذر وتمر بهم مرور السيل الجارف فإذا هم هالكون وكم مرة في التاريخ حصل هذا الانفجار الإسلامي فبدد جموع الكفرة وأذل فراعنة الجبابرة وأدهش فلاسفة العالم فاحتارت الحكماء من حكمته وماجت الأرض من سطوته تأييداً لشريعة لم تزال ثابتة الدعائم مرعية معظمة ظاهرة على جميع أديان الأرض حتى تقوم الساعة ولو كره المشركون ومهما قاسى المسلمون من الضعف والهوان فلا بد من حفظ مقامهم وانتظار أمورهم وانتشار نفوذهم ويا ويل الأعداء إذا ثارت هذه العاطفة حولهم وأحاطت بهم من كل جانب فصيرتهم سكارى وما هم بسكارى ولكن أمة إسلامية اشتد الضغط عليها فنهضت بصوت ملأ أنحاء الأرض وفضاء الجو تنادي لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
توليه سعد بن مالك إمارة جيش العراق
لما جتمع الناس إلى سيدنا عمر رضي الله عنه خرج بهم من المدينة حتى نزل على ماء يقال له ضرار فعسكر به والناس لا يعلمون ماذا يريد فأحضر الناس وأعلمهم بالخبر وعزم على أن يسير بهم إلى الأعداء فشاور وجوه الصحابة رضي الله عنهم فأشاروا عليه أن يبعث رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدعى بسعد بن مالك وجعله أميراً على حرب العراق وأوصاه بالصبر والرفق وقال له لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه فالناس في ذات الله سواء الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويذكرون ما عنده بالطاعة فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزمه فالزمه.
كلمات ألقاها أمير المؤمنين سينا عمر رضي الله عنه على ذلك القائد أعلمه فيها أن النصر والظفر لا يحصل للمؤمنين إلا بالمحافظة على آداب الشريعة الطاهرة التي لا يضل عنها إلا خاسر أو هالك.
ثم أوصى عمر رضي الله عنه من أرسلهم مع سعد بالسمع والطاعة ووعظهم وأمر سعداً بالمسير فخرج معه أربعة آلاف من المسلمين ثم أمده عمر رضي الله عنه بألفين من أهل اليمن وألفين من أهل نجد والمثنى لم يزل يومئذ مقيماً في أرض العراق وقد اجتمع عنده ثمانية آلاف ينتظرون وصول سعد ومن معه من أخوانهم المسلمين فمات المثنى قبل قدوم سعد من جراحة انتفضت عليه واستخلف على الناس بشير بن الخصاصية وسعد يومئذ بزرود وقد اجتمع مع ثمانية آلاف أيضاً ولحقهم بنو أسد في ثلاثة آلاف وكذا غيرهم من العرب بأمر سيدنا عمر ووصل سعد إلى شراف فأقام بها ودعى من كان بالعراق من عسكر المثنى فاجتمعوا إليه فكان جميع من شهد القادسية بضعة وثلاثين ألفاً.