المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذنوب المسلمين سبب انحطاطهم - مجلة الحقائق - جـ ٢٩

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ذنوب المسلمين سبب انحطاطهم

‌ذنوب المسلمين سبب انحطاطهم

ماذا دهى المسلمين فأوقعهم في المهالك وأذاقهم آلام الهوان؟ ماذا فاجأهم ففرق جمعهم، ومزق شملهم، وحل رباطهم وخالف بين كلمتهم؟ ماذا حل بهم فزلزل أركان عقائد كثير منهم وأدخل عليهم فيها الشكوك والأوهام؟ ماذا نزل بهم فبدل عظيم أخلاقهم بسيء الأخلاق وسلبهم جميل الأدب؟ ماذا طرأ عليهم فسلبهم أكثر بلادهم وهددهم بفقدهم الاستقلال؟ ماذا باكرهم فصرفهم عن العلوم التي شيد لها أسلافهم صروحاً عالية فأصبحت من بعدهم قاعاً صفصفاً ويباباً خالياً؟ مصاب عظيم لسنا ندري لمن نعزوه، وخطب جسيم لا نعرف بمن نلصقه أنلصقه بأولياء الأمور ومن بيدهم الحل والعقد لتركهم الجهاد والاستعداد الذين أوجبهما الدين وتهاونهم بنشر العلوم بين عامة المسلمين؟ أم بالأمة التي سلمت زمام أمرها لمن يعبث بمصالحها ولا يحسن القيام بشؤونها؟ أم بالطائفتين معاً بتركهم أوامر الدين وانغماسهم في محضوراته فكانت العاقبة أن انتقم الله جلت قدرته من الأمة حاكمها ومحكومها فهي أسباب خرابها ودمارها؟ ليس ببعيد أن يكون الأمر الأخير سبب هذا الانحطاط وزداعية هذا الهوان إذ من المقرر أن الأمة لا يحفظ كيانها وتستقيم شؤونها حتى يتولى قيادتها المصلحون ولا يتسنى لها ذلك حتى تكون بنفسها بعيدة عن الرذائل متحلية بكرائم الصفات سالكة منهج التقدم آخذة بأسباب الرقي (كما تكونوا يولى عليكم) حديث شريف أخرجه الديلمي في مسند الفردوس يا ويح المسلمين انغمس أكثرهم في الآثام واقترفوا كبائر الذنوب ونبذوا أوامر الله سبحانة وأحلوا شعائره واسترسلوا في التخاذل والتدابر والتحاسد والتشاحن وأسرفوا في العسف والظلم والجور والاستهانة بحقوق الأمثال وارتكبوا الموبقات من الزنا واللواطة وشرب الخمر وقذف المحصنات واستهانوا بالغيبة والنميمة والكذب والافتراء ولبسوا ثياب الكبر والعجب واستلانوا موطئهما ومالوا إلى السرف والبذخ واللهو والخلاعة وركنوا إلى الدنيا فانغمروا في شهواتها وراقتهم زخارفها وقعدوا عن أداء ملاا افترضه عليهم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وتركوا جهاد العدو والاستعداد له والرباط على حدوده وأغفلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين المسلمين وأهملوا تعلم العلوم الدينية والدنيوية وتعليمها وقصروا في بر الوالدين وصلة الرحم ومارعوا حق الجيران والأخوان وصرفوا النظر عن الدقة والمواساة والحلم والصفح وأغضوا عن العفة والاستقامة والزهد والورع فسلط عليهم من عبث بمصالحهم ولم يرع

ص: 5

حقوق الله سبحانه فيهم فسلبت منهم العلوم التي نشرت أعلامها في زمن اسلافهم على الخافقين ووهنت قواهم الحسية والمعنوية التي ذلك لها في الأعصر السالفة الملوك الجبابرة وحرموا العدل الذي هو روح التقدم والرقي وحيل بينهم وبين موارد الثروة التي لا بقاء للأمم إلا ببقائها وهي التجارة والزراعة والصناعة وخلى بينهم وبين أعدائهم يسومونهم الذل والخسف ويوسعونهم المهانة والعسف فأفسدوا عليهم دينهم وانتزعوا منهم أخلاقهم وآدابهم وقبضوا زمامهم ليقودهم إلى مجامع الفسق ومواطن الفجور وتداخلوا في عامة شؤونهم فسلبوهم أكثر بلادهم وكادوا يفقدونهم عزيز استقلالهم كل ذلك جره والله الاجتراء على حدود الله وانتهاك محارمه ومخالفة أوامر الله سبحانه وهتك شعائره قال تعالى في كتابه العزيز (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) وقال جل ذكر (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم) وقال عز من قائل: (إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون) وقال عليه الصلاة والسلام من حديث رواه البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (ولا نقضوا) أي ولا نقض قوم من الأقوام كما يدل عليه أول الحديث عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم فالتمسك التمسك بالدين قبل أن يتلاشى أمر المسلمين والتدارك التدارك قبل أن تعظم المصيبة ويستفحل الخطب تالله لئن لم ندع الكبائر التي اقترفناها ونؤد الواجبات التي أهملناها ليرميننا الله بخطوب يعود الحليم منها حيران أو ليعمنا بعقاب من عنده فالواجب على كل منا أن يحاسب نفسه فيدع المنكر ويوقوم بالواجب والواجب علينا جميعاً أن نسعى بتمام الجهد وغاية الوسع لإزالة المنكرات العامة فإن عجزنا عن إزالتها فلنرفع الأمر إلى أولياء الأمر ولنلح عليهم في ذلك ففي وسعهم إزالتها وما قامت إلا بتغاضيهم عنها.

فإذا أحسنا القيام بهذا فلنستبشر بمستقبل زاهر ينير لنا ظلم المشاكل السياسية التي لا زلنا نخبط في دياجيها ويحفظ لنا كياننا وقد أوشكنا أن نفقده ويعيد لنا قوتنا التي علا كعبنا بها على جميع الأمم ويشرق في ربوعنا شمس المدنية الإسلامية بعلومها وفنونها ورونقها ونضارتها ومن الله التوفيق.

ص: 6