المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شهيد الطوى وقتيل الكظة - مجلة الحقائق - جـ ٢٩

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌شهيد الطوى وقتيل الكظة

‌شهيد الطوى وقتيل الكظة

رحمة بالإنسانية

ما بال عينك لا تذوق رقادا

ولمن عيون ما عرفن سهادا

نام الخلي وبات همك ساهراً

قلقاً يذود النوم عنك ذيادا

أذكى ضلوعاً واستشف حشاشة

وأسال عينا واستطار فؤادا

تمسي فتفترش الأذى لك مضجعا

وتنص سارية الهموم وسادا

جالدت نازلة النهار مهولة

وحملت داهية الظلام نآدا

عبأت لك الأيام بأس مناجز

يردي الكماة ويصرع الأنجادا

عرمت عليك فروعتك خطوبها

زحفاً وهدت جانبيك جلادا

ويح النفوس المستهان بوجدها

أيخالها القوم الجمود جمادا

ينأى بها الجد العثور وتدني

فتزيد عنهم الدنو بعادا

ضاقت بها سبل الحياة فما ترى

للعيش منتجعاً ولا مرتادا

تبكي وما علم الغني ولو رأى

عبرات عينك لا نثني يتهادى

ألوى الأسى بمعين دمعك فاستعر

دمعاً يكون لمقلتيك عتادا

هيهات نلفى من يعيرك ذخر

للنائبات إذا طرقن شدادا

قد كان لي دمع يعين على الأسى

فاغتاله طول البكا أو كادا

أفنيته في الصالحات فكان لي

كدم الذي أفنى الحياة جهادا

يبكي الحزين فيستهل ويشتكي

فيغيثه متدفقاً جوادا

لو كان قلبي في جوانح أوطف

أربى جواه إذن عليه وزادا

ولو أن أحزاني عصفن بشامخ

لانهار من رجفاتهن ومادا

تشكو الطوى وتبيت ليلك طاوياً

غرثان تطلب عند جارك زادا

ربيت مثلك شاكياًَ من كظة

ما يستلين لها الحرير مهادا

قلقت مضاجعه فبات كأنما

يلقى بهن أسنة وصعادا

ودنا الطبيب فجس من نبضاته

وأجال فيه لحاظه وأعادا

فلوت يديه يد المنية وانثنى

يلقى النعاة ولا يرى العوادا

ص: 9

أكل الطوى كبد الفقير فهده

ومن الطوى ما يأكل الأكبادا

ومن الحياة مضرة ومن الردى

ما ينفع الأرواح والأجسادا

الموت أروح للنفوس عوانيا

حسرى يطاردها الشقاء طرادا

طاف الحمام به فطاح ببائس

صحب النحوس وحالف الأنكادا

حملا على نعشيهما فتزاحما

فانسل ذا وارتد ذا يتفادى

سبق الغني تموج حول سريره

زمر تهول الحاسبين عدادا

لفوه في الأكفان من استبرق

غال وعالوا فوق الأبرادا

وبكوا عليه مرجعين وسيروا

من حوله الحكام والأجنادا

قالوا فقدناه وكان ذخيرة

وهوى الحمام به وكان عمادا

كذبوا فما كشف الأذى يوماًُ ولا

نفع العشيرة مرة وأفادا

ملأ الحياة مآثماً حتى إذا

لقي الردى ملأ الربوع حدادا

فمتى أرى الزمان كياسة

ومتى أرى غي النفوس رشادا

ومتى تريع إلى المحجة أمة

تضع الكرام وترفع الأوغادا

ساروا بأعواد (الشهيد) فبوركوا

من سائرين وبوركت أعوادا

ساورا به لم يفزعوا بنعيه

أحداً ولا ضربوا له ميعادا

طابت بموكبه المعظم نفسه

وزكا الثرى إذ حل فيه وجادا

وتفتحت خضر الجنان بقبره

فأصاب منها ما اشتهى وارادا

قذف الغني إلى الجحيم فأبرقت

لما رأته وأرعدت غرعادا

ماجت فأشبهت البحار طواميا

وعلت فراحت تشبه الأطوادا

تتلاطم الأهوال في حافاتها

وتتابع الأرغاء والإزبادا

فترى عيون الظالمين شواخصاً

وترى قلوب الجاحدين بدادا

مكروهة الألوان تسطع حمرةً

آناً وأونة تموج سوادا

جاءت ملائكة العذاب فأنشبت

في جسمه الأغلال والأصفادا

يلقى العذاب قريته أنى ثوى

ويعالج الإعدام والإيجادا

عكفت عليه فذاق من أنكالها

ما شق محمله عليه وآدا

ص: 10

ما بين أغوال تدافع فوقه

أو جنة من حولة تتعادى

المرء أجهل كائن وأشده

ظلماً وأكثره أذى وفسادا

نظر اليقين فما أراد تيقناً

ورأى السبيل فزاغ عنه وحادا

لم يدر قيمة نفسه فأهانها

بذنوبه وأذلها استعبادا

شمخ الغني تصلفاً وغلاظة

وطغى القوي تجبراً وعنادا

قست القلوب فما يرى ذو فاقة

عطفاً ولا يجد الضعيف مصادا

قوم يعدون الرشاد عماية

والدين كفراً والتقى إلحادا

جنبوا النفوس إلى الهوى واسترسلوا

فيه فطال هويها وتمادى

صم إذا بلغ الطوى من مقتر

فدعا يناجي الراحمين ونادى

أخذوا الحياة عداوة وقطيعة

وأرى الحياة محبة وودادا

يشكون بادرة الحقود وما دورا

أن الإساءة تنبت الأحقادا

قسموا الحياة فأرهقوه ببؤسها

واستأثروا بنعيمها استبدادا

تستن في سبل الشقاء نفوسنا

وسبيلها أن تنشد الإسعادا

تبقى السعادة ما بقينا أخوة

وتزول إن زال الإخاء وبادا

ما بالنا تلوي الوجوه إذا دعا

داعي الإخاء وم لنا نتعادى

أودى التناكر بالشعوب وإنما

خلق الجميع لآدم أولادا

الخير أطيب ما صنعت مغبة

والشر أخبث ما زرعت حصادا

أسدد بفضل المال خلة معوز

يرجو لها بندى يديك سدادا

المال ينفذ والثواب لذى تقى

باقٍ فما يخشى عليه نفادا

والبر أنفع ما تعد وتقتني

نفس تراوح بالردى وتغادى

طوبى لمن نظر المحجة فاقتفى

ورأى السبيل معبداً فانقادا

النفس تصدأ والفضائل صيقل

يأوي القلوب ويسكن الأخلادا

يأتي وقد صدئت وغاض فرندها

فيعيدها بيض المتون حدادا

إني أرى هذي النفوس قواضباً

جعلت لها أجسادنا أغمادا

من مبلغ القوم الجفاة وصية

أخذ اللبيب بها فغر وسادا

ص: 11

أوفوا بعهد الله في أموالكم

إن جاءكم بعياله قصادا

أدوا مطالبهم ديوناً تقتضي

لا أنعماً تسدى ولا إرفادا

لولا الأناة ورحمة من ربكم

لم يمض جاهلكم على ما اعتادا

ولما استبد بمالكم شح ولا

كنتم له من دونه عبادا

داووا كلوم البائسين بمالكم

وكفى بمنزور العطاء ضمادا

من لي بمن أن يدعه داعي الهدى

لبى وإن سئل المعونة جادا

ومتى أهز لبذل عارفة فتى

سمحاً لألوية الندى عقادا

أزجى العظات لعلها تجلو العمى

وتقوم المعوم المنآدا

وأجيل في وصف الشقاء ونعته

قلما بني صرح البيان وشادا

فترى قلوب البائسين صحيفة

وترى دموع المعوزين مدادا

صوت يهز الخافقين دويه

ويزحزح الأحقاب والآبادا

مصر

(أحمد محرم)

ص: 12