المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌نحن وأوروبا من مقالة نشرت في جريدة (الحق يعلو) بإمضاء الكاتب - مجلة الحقائق - جـ ٢٩

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌نحن وأوروبا من مقالة نشرت في جريدة (الحق يعلو) بإمضاء الكاتب

‌نحن وأوروبا

من مقالة نشرت في جريدة (الحق يعلو) بإمضاء الكاتب الشهير عبد العزيز الجاويش

قال: تعصبت علينا أوروبا المسيحية قرناً كاملاً أفقدتنا فيه بفرط تعصبها نحو نصف ملكنا.

أفسحت صدور حواضرها للجمعيات والعصابات ولانضم كبار رجالها في لندن وباريس إلى هؤلاء الأشقياء ثم جعلوا يمدونهم بالمال ويزودونهم بالسلاح ويؤيدونهم بالقول والكتابة.

انتظمت العصابات البلقانية وكان لها من أساطين المسيحية وأركان السياسية في أوروبا أكبر معوان وأشد ساعد.

كانت تلك العصابات الأثيمة تدبر المذابح في البلقان وتلقي القنابل على المسلمين استفزازاً لغضبهم وإثارة لمطمئن نفوسهم. فكانوا بما يلقون عليهم من تلك القنابل يصيبون المسلمين في ذراريهم ونسائهم وسائر ضعفائهم كما كانوا يدمرون مساجدهم وبيت أشرافهم حتى يندفع هؤلاء بدوافع الحنق والغيظ إلى شيء من الانتقام والثأر فماذا كانت تفعل إذ ذاك أوروبا المتمدنة الراقية؟.

لا يكاد يقتل أولئك المصابون في أنفسهم وأموالهم واحداً من أولئك الأشرار حتى تقوم القيامة وتصيح الصحف ويخطب الخطباء في البرلمانات ويصور السلمون في المحلات سفاكين للدماء ذباحين للأبرياء سلابين نهابين للأموال والأسباب ثم تللو ذلك أصوات الاستصراخ إلى محاسبة الحكومة العثمانية وتحرير الأمم البلقانية.

كذكل كان يفعل سياسيو أروبا وكتابها من كل الطبقات وهم المدبرون لتلك المكايد العالمون بما تفعل العصابات البلقانية الطماحون إلى تحقيق أمنيتهم العظمى وغايتهم الأخيرة وإن هي إلا محاربة الإسلام ومحو معالمه عن الأرض.

ولقد اقتطفت أيدي الصليبيين اليوم ثمرات ما كادوا ودبروا منذ جيلين تقريباً فانسلخت عنا ألبانيا ومقدونيا فخرجنا بذلك عن قارة أوروبا خاسرين ثلث ما بقي من ملكنا.

ولم يكد يستقر الصلح حتى قامت صحف أوروبا تستأنف حملاتها التي تعودناها في سبيل البلقان منذ أزمان فهي اليوم تخوض في أمر أرمينيا ونقص من مفتريات أحاديثها ما تريد من ورائه إتمام حل المسألة الشرقية قبل أن يمضي صك المصالحة وتقفل جنودنا عن ميادين القتال في شتالجة وغليبولي.

قام منذ أيام خطيب من أعضاء الجمعية المقدونية في البرلمان الإنكليزي فجعل يحض

ص: 17

حكومته باسم الصليب والعدل والإنسانية (كما يقول) على التداخل في تأمين سكان ما حول شتالجه من الصليبيين على أموالهم وأنفسهم ومصالحهم وراحتهم وقد جاء فيما اقترحه من الطرق الواقية لتلك الشرذمة القليلة الباقية تحت حكمنا أن تقيم أوروبا عليها حاكماً مسيحياً يختم بقيامه تاريخ وجودنا السياسي بل والحيوي في تلك القارة المسيحية ولكن لم يكن ذلك هو البادرة الفريدة والمقدمة الوحيدة التي بوغتنا بها اليوم فإن المتصفح لجرائد أوروبا الكبرى يجدها فتحت للفتنة أبواباً أخرى. فمن هذا ما نشرته جريدة التيمس في عددها الصادر في 12 أبريل الجاري إذ أخذت تخوض في أمر الأرمن وتسرد حوادث قبضت فيها الحكومة المحلية هناك على عدة أفراد في سبيل تحقيق القنلبلة التي انفجرت في تبليس.

إن حادثة تبليس ليست فيما نعتقد من الحوادث العرضية البسيطة ولكنها إحدى مقدمات دبرت لإقامة ثورة في تلك البقاع ترمي إلى تمكين روسيا من احتلالها. على أن من شأن أمثال هذه الحادثة أن يتهم فيها أفراد قد يكون بينهم المجرم كما يكون منهم البريء فالذي يميز المجرم عن غيره إنما هو التحقيق القضائي والبحث الإداري فهل من الآثام والجرائم أن تلقي الحكومة المحلية القبض على من مسهم الاشتباه وحامت حولهم الشكوك؟.

لم تستطع التيمس المسيحية المتعصبة أن تخفي أن رجال الإدارة في تبليس قد سرحوا كثيراً ممن قبضوا عليهم لظهور براءتهم ثم م تستطع أن تكتم ما عومل به أولئك المقبوض عليهم من اللين والرحمة ولكنها لم تستطع مع ذلك أن تستر نيران حقدها على الإسلام وتحجب ما تضمره هي والعالم المسيحي لنا من المكايد والأذى فقد ختمت كلامها في هذا الموضع بقولها وعلى كل حال لا ينتظر أن يكون الحكم التركي المستقبل خيراً من الحكم العتيق الاستبدادي في شيء.

كذلك تقول التيمس في أحدث أعداها متناسية (أن القنبلة قد تحقق انفجارها وعرفت آثار ضررها) ومستقلة ما أتى به رجال الإدارة العثمانيون من اللين والإحسان في تحقيق قضيتها ومعاملة من اشتبه في أمرهم من أهل تلك الجهة.

وتؤكد التيمس منذ الآن أن الحكم هناك لا يرجى تغييره ومغايرته لطراز الحكم الحميدي وهي تعلم أن قانون الولايات قد صدر الأمر بتطبيقه وأن الأمر في سائر الولايات العثمانية

ص: 18

سيكون كله قريباً بيد أهاليها فأرمينيا والكردستان وبلاد العرب والأناضول كل تلك البقاع ستسقل بتدبير سياستها الداخلية تدبيراً قطعياً غائياً لا يتوقف على الحكومة المركزية في شيء.

فإذا بديء بالانتخابات وتألفت المجالس المحلية التي نص عليها القانون انتقلت السياسة الداخلية من الحكومة المركزية إلى أهالي الولايات فإذا لم تنتظم إذ ذاك شؤون الولايات وأمرها بيدها فما هي إذاً جريرة الحكومة العثمانية وهل يجوز أن يقال بعد أن تقرر قانون الولايات أنه لا فرق بين الحكم في المستقبل والحكم في الماضي؟ اللهم إن الأمر واضح جلي ولكن التعصب المسيحي المرذول قد أعمى بصر التيمس التي ستجر من ورائها قطاراً من مقلديها السياسييين لا منتهى لامتداده.

ومن غريب أمر التيمس أنها خاضت في أمر مظهر بك والي كوسوفو قبل الثورة الألبانية سنة 1910 وهو اليوم الوالي الجديد لتبليس ثم وعدت أن تعيينه لا يغني فتيلاً مع أن الرجل معروف بالذكاء مشهود له بالكفاءة الإدارية والقدرة السياسية ولا عجب فإن التيمس تعلم علم اليقين ما يدبر هناك من المكايد وما صممن عليه الجمعية الأرمنية في أنجلترا وأمريقا من المفاسد والشرور. تعلم ذلك جريدة التيمس جد العلم فهي فيما قررت من توقع فشل التدبير والنظام اللذين يراد تطبيقهما في أرمينيا لم تكن هارفة بما لا تعرف أو منبئة بما لا تعلم ولكنها تذكر لنا نتيجة هي أعلم بمقدماتها الموضوعة وخططها المرسومة.

ص: 19