المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الوحي المحمدي - مجلة المنار - جـ ٣٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (34)

- ‌المحرم - 1353ه

- ‌فاتحة المجلد الرابع والثلاثين من المنار

- ‌كتمان القرآن عن أهل الكتابوسورة يوسف عن النساء

- ‌جزيرة العرب والوحدة العربية

- ‌تقريظ الأستاذ الشيخعبد الحميد السائح النابلسي [*]

- ‌تقريظ أمير البيان شكيب أرسلان

- ‌كتاب الوحي المحمدينقد وتحليل نظرة عصرية في إعجاز القرآن [*]

- ‌حركة النازي اللادينيةوشجاعة الفاتيكان وصراحته

- ‌المعارك الدينية في ألمانيابين طوائف البروتستانت

- ‌نتيجة حرب الجزيرةوما تجب مراعاته في الصلح

- ‌صفر - 1353ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الحرب في جزيرة العرب

- ‌تقريظ كتاب الوحي المحمدي وانتقاده

- ‌انتقاد مسألة الرق والجواب عنها(1)

- ‌التنازع والتخاصم

- ‌ربيع الأول - 1353ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌معاهدة الطائفبينالمملكة العربية السعودية والمملكة اليمانية [*]

- ‌الإصلاح والتجديد الإسلاميفي المعاهدة الإسلامية العربية بين الدولتينالسعودية واليمانية

- ‌كلمة خالصة لوجه الله

- ‌كشف بقية شبهات العَالِم النجديفي كلمات من كتاب الوحي المحمدي

- ‌جوامع كلم في شؤون الدول والأمم

- ‌وفد الصلح والسلام

- ‌المطبوعات الحديثة

- ‌أحمد زكي باشا شيخ العروبة

- ‌تحسين الأغاني والأناشيد العربيةلترقية الشعور القومي والخلقي

- ‌ربيع الآخر - 1353ه

- ‌اتهام ابن تيميةبأنه قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي

- ‌تفسير المنار لعلامة الدهر ومصلح العصر

- ‌مقدمة كتاب مفتاح كنوز السنة

- ‌جوامع كلم في شؤون الدول والأمم

- ‌التعريف بكتاب مسائل الإمام أحمد

- ‌عهد التحكيمبين المملكة العربية السعودية وبين مملكة اليمن

- ‌جمادى الآخرة - 1353ه

- ‌من صاحب الإمضاء في بيروت

- ‌مباحث الربا والأحكام المالية

- ‌كتاب الوحي المحمدي

- ‌الرد على من أفتى بكتمان بعض القرآنثم حرَّف بعضه استدلالاً على فتواه

- ‌دائرة المعارف الإسلامية ومفاسدها

- ‌المطبوعات الحديثة

- ‌شعبان - 1353ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌تصدير طبع كتاب المنار والأزهر

- ‌مباحث الربا والأحكام المالية

- ‌شهر رمضانموسم العبادة الروحية البدنية الاجتماعية

- ‌الرزيئة القومية الوطنيةبالشيخ محمد الجسر

- ‌غاية مصطفى كمال من مراحله

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌رمضان - 1353ه

- ‌التربية الإسلامية والتعليم الإسلامي

- ‌المولد النبوي

- ‌ترجمة الشيخ محمد الجسر

- ‌كلمات في الوحي المحمدي

- ‌الحج في طوره المدني المترف

- ‌ذو القعدة - 1353ه

- ‌أسئلة من صاحب الإمضاء في بيروتفي الجن

- ‌محاضرتي في جمعية الشبان المسلمين

- ‌فتوى واقتراح على قارئي هذا الإنذار

- ‌قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث

- ‌كتاب الإمام ورأيه في تفسير المنار

- ‌ذو الحجة - 1353ه

- ‌أسئلة من بيروتبعد مقدمة في الإصلاح

- ‌خطبة الإمام الملك ابن السعود الموسميةفي وفود الحاج سنة 1353

- ‌الخطب الأكبر بانتهاك حرمات الله

- ‌محاريب المساجد ومذابح الكنائس

- ‌تأبين أحمد زكي باشا

- ‌ثورة الأزهر ومنتهى علاجها

- ‌كُريم أميركاني ينشر الوحي المحمدي في الشرقوكريم مصري نشره في الغرب

- ‌مقدمة التفسير المختصر المفيد

- ‌الكلمة الأخيرة لمشتركي المنار المطل

- ‌المحرم - 1354ه

- ‌أسئلة من صاحب الإمضاء ببيروت

- ‌الأزهر الأزهرالانقلاب الأكبر

- ‌تأثير تولية المراغي لرياسة الأزهر

- ‌خليج العقبة الحجازي وطمع الإنكليز فيه

- ‌الشقاق بين العرب المسلمينشر ما آل إليه في فلسطين

- ‌منار المجلد الخامس والثلاثين

الفصل: ‌كتاب الوحي المحمدي

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌كتاب الوحي المحمدي

دعوتي إلى انتقاده، وذات بيني وبين صديقي الأستاذ الشيخ عبد الله اليابس

تعودت من سن الشباب وعهد طلب العلم أن أسأل خاصة أصدقائي عما

ينتقدون مني؛ لأستعين به على تربية نفسي وأن أنتقدهم كذلك بحرية وإخلاص، ثم

جريت على هذه العادة في مجلة المنار، فأنا أقترح على قرائها في كل عام أن يكتبوا

إليّ ما ينتقدون فيها، وأذكر في أثناء العام، أو في آخره ما يرد إليّ من ذلك وأبين

رأيي فيه.

ولما جمعت بحثي المطول في (الوحي المحمدي) في كتاب مستقل، وختمته

بدعوة شعوب الحضارة العصرية إلى الإسلام، سألت خواص العلماء من أصدقائي

وأذكياء تلاميذي عن رأيهم فيه، وما ينتقدونه منه؛ لاعتقادي أنه لا بد أن يعاد

طبعه فأكون على بصيرة فيما ينبغي له من تنقيح أو إيضاح أو زيادة أو نقصان،

وأول من سألتهم ذلك بالمكاتبة جلالة أمير المؤمنين الإمام يحيى حميد الدين صاحب

اليمن فقرَّظه بما نشرته في أول التقاريظ ولم ينتقد شيئًا منه، وأول من سألتهم ذلك

بالمشافهة أكبر علماء مصر العلامة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي

شيخ الأزهر والمعاهد الدينية بالأمس، ثم العلامة الأستاذ الفاضل الشيخ عبد المجيد

سليم مفتي الديار المصرية، فأما الأول فلم ينتقد شيئًا من مسائله، بل سألته: أترى

بحث الآيات وخوارق العادات طويلاً يحسن اختصاره؟ قال: كله ضروري لا

يُحْذَف منه شيء. وبيَّن رأيه في جملته بكتابه الوجيز البليغ الذي كتبه إليّ عقب

مطالعة الكتاب، ونشرته فيما اخترته من التقاريظ للطبعة الثانية، وأما الثاني فكان

بيني وبينه محاورة طويلة في مسألة وجوب تعلم اللغة العربية على جميع المسلمين

ووجوب تدبر القرآن؛ فإنه أنكر إطلاقي الكلام في هذا الموضوع بما يُفْهَم منه جعله

ذلك واجبًا عينيًّا، ووافقه فيه صديقنا العلامة الأستاذ الشيخ علي سرور الزنكلوني،

وقد اقتنعا بعد طول البحث بأن أقل الواجب وجوبًا عينيًّا على أفراد الأعاجم هو ما

يتلى في الصلاة، وأن ما فوق ذلك من العلم بالقرآن ولغته، فهو من فروض الكفاية

التي يجب على أولي الأمر نشرها والسعي لتعميمها، وكذا من قدر عليه من الأفراد

والجمعيات.

وكان صديقي العلامة الأستاذ الشيخ عبد الله بن علي بن اليابس ممن أهديتهم

الكتاب وسألتهم إبداء رأيهم لي فيه بعد مطالعته، وكنت أحرص على الوقوف على

رأيه؛ لأنه تلقى العلم أولاً في نجد وحذق طريقتهم السلفية المأثورة عن مشايخهم في

اتباع الآثار، ثم عرف طريقة علماء مصر في التدريس والبحث والاستدلال،

وألف أسلوب المنار ونهجه في تأييد السلف تجاه الماديين، ودعاة النصرانية

والمتكلمين والمبتدعين، فصار أعرف بالحاجة إلى هذا من علماء بلاده المقيمين

فيها، وأرى من المفيد له أن يتمرن على الانتقاد، ويتعود سماع الرد الحر عليه مع

حسن النية من الجانبين، وقد قصدت هذا، فقرأ الكتاب بقصد البحث فيه عما يسهل

انتقاده، ثم جاءني وذكر لي ما أحصاه منه، فأجبته عنه أجوبة مختصرة لم يقتنع

بها، قلت له مرغبًا في الكتابة: لعلك لو كتبت هذه المسائل، وعُنيت بإقامة الدليل

عليها يتجلى لك الصواب، والتمييز بين الغث والسمين؛ لأن الاستدلال بالكتابة

يخرج الكاتب من حيز الإجمال إلى حيز التفصيل، فكتب فأطال كأنه يناظر خصمًا

ليقنعه أو يفند مذهبه.

جاءني بما كتب فلم أملك من الفراغ ما أقرؤه، وأبين له رأيي فيه، وهو كل

ما كنت أريده، ورأيته يبغي نشره، فألقيته إلى المطبعة، ولم أقرأه، فجمع لينشر

في باب الانتقاد على المنار المفتوح على الدوام، وفهمت من رغبته في نشره أنه

واسع الحرية لا يسوءه أن يرد عليه ويدان كما يدين، وأنا أظن أنني من أوسع أهل

هذا العصر صدرًا لمثل هذا؛ لأنني ألفته من أول النشأة ورسخ معي في مصر،

وأهلها أوسع أهل الشرق حرية.

ثم إنني قرأت ما كتبه مجموعًا بحروف المطبعة عندما جاء وقت نشره بحسب

الترتيب الذي جريت عليه، ورأيت أنني مضطر للرد على كل ما قاله من المسائل

وأدلتها، فندمت أن وعدت بنشره، كارهًا أن يظهر في المنار هذا الخلاف بيني

وبين صديق كريم، وأخ وديد من قوم أحبهم ويحبونني، وقد علمت منه أنه مثلي

يكره أن نظهر بمظهر الخلاف، وكان مقتضاه أن يختصر في بيان المسائل التي

انتقدها، وفي مطالبتي بالدليل عليها، وإذًا لذكرتها مع دليلي عليها بالإيجاز كما

فعلت في كل انتقاد؛ ولكنه أطال وأكثر السؤال، فصار تطويل الرد حتمًا لا مناص

منه فكان.

وقد ساءني أن رأيت الرد ساءه، ونزغ الشيطان بيني وبينه، وكان ذنبي أن

دعوته إلى النقد ونشرته له، وكان ذنبه أن أسرف فيه فخرج به عن المطلوب وهو

التنبيه لما يحتاج إلى تصحيح أو تنقيح، إلى التفنيد ومناظرة الخصوم، ونحمد الله

أن كنا ببركة الإخلاص وحسن النية فيما أخطأنا فيه ممن قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ

الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (الأعراف:

201) .

زارني فبثني الشكوى من ثقل وطأة الرد، وحمله إياه على تزوير مقال طويل

في الرد عليه، فتفكيره بأن هذا لا يليق بمثلنا في صداقتنا وحسن نيتنا، فترجيحه

لاطلاعي على رأيه الأخير فيه، وتفويضه إلى أمر تلافيه، فشكرت له ذلك وقبلته

فأقول:

إن بعض انتقاد الأستاذ كان من سوء الفهم لا سوء القصد، أو عن اختلاف

في الاجتهاد والرأي، وبعضه كان من ناحية البيان والتعبير عنه، وكل منا في هذا

سواء.

فأما اعتراضه على مسألة الرق والسبي فقد أورده على عبارة الطبعة الأولى

من كتاب الوحي وكانت مختصرة مجملة قابلة للاعتراض؛ لأنها غير مؤدية للمراد

وكان ينبغي أن يطلع على عبارة الطبعة الثانية إذ كانت صدرت قبل أن يكتب؛

ولكنه قال: إنه لم يكن قد اطلع عليها. وهو صادق.

وكذلك مسألة كلام الله قد بسطتها في الطبعة الثانية بسطًا لا شبهة عليه عنده

كما قال، على أنني كنت بسطتها في مواضع من التفسير بما هو أوسع مما في

الطبعة الثانية أيضًا؛ ولكنه لم يره أو لم يتذكره.

وأما مسألة القتال وآية الأمر به مع النهي عن الاعتداء، وكون غزوات النبي

صلى الله عليه وسلم كلها كانت دفاعًا، فقد كان أكبر أسباب الخلاف بيننا في أصلها

دون بعض فروعها اختلاف فهم المراد من الدفاع والاعتداء، وما كانت عليه الحال

في عهد ظهور الإسلام، وفي هذا العصر أيضًا؛ فإنني رأيت الكثيرين من العلماء

- دع العامة - يفهمون أن الاعتداء أو الابتداء بالحرب يعتبر بالهجوم في كل واقعة

أو معركة أو أخذ غنيمة، ومن ثم يعدون بعض الغزوات والسرايا في صدر الإسلام

دفاعًا، وبعضها اعتداءً أو هجومًا، وهذا خطأ مخالف لعرف العرب وسائر الأمم

وللواقع، والحق أن المعتدية من الأمتين أو الدولتين هي المبتدئة بالعدوان المنشئة

لحالة الحرب، والمدافعة هي المقابلة لها، وإن كانت في أثناء حالة الحرب تغنم

وتهاجم ما استطاعت، ومن المعلوم بالقطع أن قريشًا وسائر قبائل العرب قد عادوا

النبي صلى الله عليه وسلم واعتدوا عليه وعلى من آمن معه منذ أعلن دعوتهم إلى

الإسلام، ومن المعلوم أيضًا أن حالة الحرب بين فريقين لا تزول إلا بمعاهدة، وما

عقدت المعاهدة بين المؤمنين والمشركين إلا في الحديبية أو آخر سنة ست للهجرة،

ولم يلبث المشركون أن نقضوها فعادت حالة الحرب فأباحت للنبي صلى الله عليه

وسلم فتح مكة سنة ثمان، وما تلاها من غزوة حنين والطائف، ونزل في ذلك ما

نزل من الآيات في أول سورة التوبة التي منها ما يسمونه آية السيف، ومن حججها

قوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ

أَوَّلَ مَرَّةٍ} (التوبة: 13) ولم يحط الأستاذ الشيخ عبد الله اليابس فهمًا بمرادي

هذا إلا بالمشافهة الأخيرة، فزال الخلاف في الأصل، ولم يبق حاجة إلى البحث

في فروعه والتعبير عنه.

وأما آية {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} (البقرة:

190) فقد بينا في تفسيرها من جزء التفسير الثاني أنها وما بعدها نزلت في القتال

في الشهر الحرام، وسببها معروف فصلناه هنالك.

وأما مسألة اشتراط المرأة في عقد نكاحها حق عصمتها؛ أي: تطليق نفسها فهو

لا يزال يرى أنه لا يصح، وهو يخالفنا ويخالف من سبقنا إلى تقرير أن الأصل في

العقود والشروط الصحة فيما لم يخالف حكم الله؛ عملاً بإطلاق قوله تعالى: {أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1) وأقواهم حجة وبيانًا فيه شيخا الإسلام ابن تيمية وابن

القيم، ويقول: إنه خلاف في الاجتهاد: له اجتهاده وإن لنا اجتهادهم واجتهادنا.

وأما مطالبته إيانا بحديث، أو بخبر صحيح على تعيين يوم مولد النبي صلى

الله عليه وسلم، فيقول: إنه يعني به الخبر التاريخي، لا الخبر المرفوع إلى النبي

صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم بمراده سواء وافق ما فهمناه من عبارته أو خالفه.

وجملة القول أننا قد تعارفنا بعد تناكر عارض ضعيف لم يلبث أن زال ولله

الحمد، ولولا حرصي على دوام صداقته ومودته وإعلام من قرأ نقده، وردي عليه

أنه لم يحدث بيننا أقل هجر ولا تقاطع، لما كتبت هذا.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 372

الكاتب: محمد رشيد رضا

تفنيد كاتب مجلة المشرق اليسوعية

في الاعتراض على كتاب الوحي المحمدي

(تابع لما قبله في ج 4)

(الوجه الثالث النقلي المسيحي) أن الإنجيليين نقلوا عن المسيح عليه السلام

أنه أنبأ بظهور أنبياء كذبة من بعده، ووضع قاعدة كلية للتمييز بين الصادقين

والكذبة، وهي قوله: من ثمارهم تعرفونهم.

فليخبرنا كاتب مجلة المشرق وآباؤها عن نبي له من ثمار الخير والبر التي

اعترفوا بها عرضًا، وهو قليل من كثير، ونقطة من بحر كبير من ثمار محمد

صلى الله عليه وسلم التي اهتدى بها الملايين من البشر.

ويؤيد هذه القاعدة كثير من الدلائل الخارجية على نبوته صلى الله عليه وسلم،

منها شهادات كتب العهدين العتيق والجديد له بما فصلناه في تفسير المنار،

وبسطه غيرنا بتفصيل أوسع كالشيخ رحمة الله الهندي في كتابه إظهار الحق،

ومنها شهادة من آمن به من علماء اليهود والنصارى، وغير ذلك مما لا محل لإيراد

الشواهد عليه هنا.

بعد هذا نقول لهم: إنه ليس لكم أدلة خارجية على كون هذه الرسائل التي

تسمونها اليوم بالأناجيل كتبت بوحي ولا إلهام؛ وإنما رأينا في كتبكم أنكم تستدلون

على صدقها بدليل داخلي لا يدل عليه، وهو أنها لو لم تكن صادقة لكان كاتبوها من

الكذبة الأشرار؛ وهذا لا يعقل، وخصومكم لا يسلمون هذا لكم؛ إذ يمكن أن يقال

أيضًا: إنه يجوز أن يكونوا غير متعمدين للكذب ولا متحرين للصدق، ويجوز أن

يكون قد دس حزب قسطنطين وغيره شيئًا في كتبهم؛ إذ ليس عندكم نقل متواتر

بالأسانيد المتصلة إليهم كما سيأتي، على أنه لو صح هذا الدليل لكنا أولى به منكم،

وإن كنا لا نحتاج إليه مثلكم؛ لأن عندنا ما هو أصح منه وأقوى.

***

الشبهة الثالثة

في الشهادة الخارجية على وحي القرآن

نحن لم نقتصر في كتاب الوحي المحمدي على الأدلة الباطنية والشهادات

الداخلية على كون القرآن كلام الله تعالى كما زعم معترض مجلة المشرق، بل

أوردنا كثيرًا من الشهادات الخارجية، والأدلة العقلية والعلمية في الطبعة الأولى،

ولما رأيت مثل هذه الشبهات الكاثوليكية الجزوتية زدتها بيانًا في الطبعة الثانية

أكثرها في فاتحتها، وفي الفصل الأول الذي زدته فيها، ومنها أنني أوردت على

النصارى ما نقلوه عن المسيح عليه السلام من الشهادة لنفسه، وشهادة غيره له، فقد

نقل عنه يوحنا أنه قال: (5: 31 إن كنت أشهد لنفسي فليست شهادتي حقًّا 32 الذي

يشهد لي هو آخر وأنا أعلم أن شهادته التي يشهدها لي هي حق 33 أنتم أرسلتم إلى

يوحنا فشهد للحق) ثم روى عنه (8: 13 فقال له الفريسيون: أنت تشهد لنفسك

شهادتك ليست حقًّا 14 فأجاب يسوع وقال لهم: (وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي

حق) نقلت هذا في سياق شهادة الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله:

{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (النساء: 166) .

ومن شهادة الله تعالى له ما أيده من المعجزات، وأظهرها بعد القرآن وما فيه،

منها أنباؤه عن المستقبل الذي يسمونه بالنبوات، كاستيلاء أتباعه على ملك كسرى

وقيصر وهم في أشد أوقات الفقر والضعف كوقت غزوة الخندق؛ إذ تألبت عليهم

قبائل المشركين مع اليهود، وهجموا عليهم في مدينتهم يريدون استئصالها فأيد الله

المؤمنين بريح وجنود من الملائكة لم يروها، وقذف في قلوبهم الرعب، وردهم

بغيظهم لم ينالوا خيرًا {وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ} (الأحزاب: 25) كما هو

مفصل في أول سورة الأحزاب.

***

مطاعن النصارى على القرآن

قال كاتب مجلة المشرق بعد إيراد تلك الشبهات النحيفة السخيفة: (هذا وإذا

كان الكلام على كتاب فيه ما فيه من العيوب رغم ما يحويه من محاسن الجمال

وأساليب البيان، فلا بد من القول: إن ذلك الكتاب لا يمكن أن يُنْسَب إلى الله)

وأيد هذه الدعوى بما نقله عن أشهر كتاب عندهم في الطعن على القرآن، ولخص

ذلك بما نذكره ونفنده ونبين بطلانه هنا بالإيجاز، وقد سبق الرد عليه بالتفصيل في

كتابنا (شبهات النصارى وحجج الإسلام) وسنعيده في الجزء الثاني من كتاب

الوحي المحمدي كما وعدنا في تصدير الطبعة الثانية للجزء الأول فنقول:

رد زعمهم ضياع شيء من القرآن

(الطعن الأول) زعم ذلك الطاعن أن القرآن قد ضاع منه شيء، فلم يُكْتَب

كله، وأن الذي ضاع؛ منه ما نسيه النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه ما نسيه

الصحابة رضوان الله عليهم، ومنه ما لم يُحْفَظ، قال: (وكثير من آياته لم يكن لها

قيد إلا في ذاكرة الصحابة؛ فضاع منها الكثير)

وجوابنا عن هذا أنه دعوى مفتراة ليس عليها أدنى دليل، فمن المعلوم

بالتواتر أن كل ما كان ينزل من القرآن كان يكتب ويحفظه الكثيرون من الصحابة،

يعبدون الله تعالى به في الصلاة وغيرها، وكانت ملكة الحفظ في العرب أقوى منها

في غيرهم لاعتمادهم عليها في حفظ أشعارهم وأنسابهم ووقائعهم.

من العجيب أن يفتري النصارى على القرآن هذه الفرية، وهو الكتاب الذي

حفظه الألوف من العرب في عصر نزوله وكتبوه متفرقًا، ثم مجموعًا، وما زال

يحفظه مئات الألوف في كل عصر، وهم أهل دين لم يكتبوا من إنجيل مسيحهم

شيئًا من لفظه بلغته، وهذه الرسائل الأربع التي يسمونها في الزمن الأخير

بالأناجيل لم تكن معروفة لمن يسمونهم رسله في العصر الأول؛ إذ لم يذكرها أحد

منهم في رسائلهم، وهذا رابعهم يوحنا يقول في آخر إنجيله: (21: 24 هذا هو

التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ونعلم أن شهادته حق 25 وأشياء أخرى كثيرة

صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة

آمين! ! !) فلماذا لم يكتب هو ولا أحد من تلاميذه وأتباعه عُشْر معشارها؟

كذلك ليس عندهم أصل مكتوب من سائر كتب العهدين في زمن أصحابها

بلغاتهم، ولا يدعون هم ولا اليهود أنهم حفظوا كتابًا منها بنصه وحروفه التي جاء

بها موسى ولا غيره من أنبيائهم كما فعل المسلمون.

رد زعمهم وجود المناقضات فيه

(الطعن الثاني) ما سماه المناقضات وضعف البيان في المتشابهات المحتاجة

إلى التأويل، وفي الناسخ والمنسوخ، فأما الأول فشبهته في اختلاف المفسرين في

المتشابه وتأويله كما فصلته في تفسير سورة آل عمران، ثم في سورة يونس أخيرًا،

ولا تناقض فيه ولا ضعف بيان؛ ولكن الأذهان تتفاوت بطبعها في فهم بعض

المسائل بطبيعة موضوعها، ولا سيما الوحي وكلام الأنبياء في عالم الغيب.

وقد حققنا أن الراسخين في العلم يعرفون معاني المتشابهات، وأما تأويلها

الذي لا يعلمه إلا الله، فهو حقيقة صفات الله تعالى، وما تؤول إليه أخبار الوعد

والوعيد في الآخرة؛ لأنها من عالم الغيب، ويرى القراء في الجزء الماضي (ج

4) كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة.

على أن أكثر كلام المسيح عليه السلام كان رموزًا لا يفهم تلاميذه المراد منها،

وهم أولى الناس بفهمها حتى المسائل التي تدعي هذه الرسائل الأربع أنها أساس

العقيدة كهدم الهيكل وإقامته في ثلاثة أيام، ومنه ما حكاه يوحنا في آخر رسالته من

أقواله عليه السلام لسمعان بطرس في محبته له ومستقبله، وقوله للتلميذ الذي كان

يحبه: (21: 22 إذا كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء، فماذا لك؟ (قال يوحنا)

23 فذاع هذا القول بين الإخوة: إن ذلك التلميذ لا يموت، ولكن لم يقل يسوع: إنه

لا يموت

إلخ) ، فالتلاميذ كلهم لم يفهموا هذه الكلمة بشهادة يوحنا الذي شهد لنفسه

أن شهادته حق، ومن يوحنا هذا؟ وهو غير معروف بالتحقيق، والأرجح أنه من

تلاميذ بولص (راجع دائرة المعارف الفرنسية) فإن عادت المشرق إلى مثل هذا

البهتان أتيناها بالشواهد الكثيرة على تصريحهم بغموض كلام المسيح عليه السلام،

وعدم فهمهم له، فكيف يعيبون غيرهم بالكحل في أعينهم، ولا يرون الجذع في

أعينهم؟

وأما الناسخ والمنسوخ فقد بينا في تفسير الآية الوحيدة الصريحة فيه، وهي

قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (البقرة:

106) أن المراد بالآيات فيها ما يؤيد الله به رسله بدليل قوله تعالى بعدها: {أَمْ

تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ} (البقرة: 108) وبيانه أنه

تعالى أيد موسى ببعض الآيات الكونية ونسخها بتأييد عيسى بمثلها في الأدلة على

صدقه، ثم نسخ هذه وأيد محمدًا بما هو خير منها، والمقصد من إرسالهم واحد

عليهم الصلاة والسلام، وأما نسخ الأحكام، فأنكر بعض علمائنا وجوده في القرآن،

وقال بعضهم: فيه عشرون آية، وبعضهم: بضع آيات، وكل ما عدوه منها فهو

فصيح بليغ، وفائدة الناسخ فيه ظاهرة، كنسخ الإرث بالإسلام والهجرة عند قلة

المسلمين بإرث القرابة الزوجية بعد كثرتهم، ونسخ القبلة إلى بيت المقدس لبيت

الله الحرام، على أن قبلة بيت المقدس لم تكن بنص في القرآن.

مخالفة القرآن لكتب العهد العتيق هو الحق:

(الطعن الثالث) مخالفة القرآن لكتب العهد القديم في بعض المسائل

التاريخية؛ وجوابنا عن هذا أن تواريخ العهد القديم لا يقوم دليل على صدقها كما بيناه

بالتفصيل في تفسير المنار، وأما القرآن فقد قامت البراهين الكثيرة على أنه كلام

الله تعالى، فما بينهما من خلاف فقول القرآن فيه هو الفصل، وحكمه فهو الحكم

بالحق والعدل، كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ

مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (المائدة: 48) وقال: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن

قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ

الكِتَابَ إِلَاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: 63-

64) .

قصة يوسف في القرآن والعهد العتيق:

(الطعن الرابع) زعمه أن يوسف بن يعقوب تبين قصته في القرآن أنه قد

تراخى للشهوة من ذاته، وقصته في التوراة تبين براءته، يعني أن هذا الفرق يدل

على أن التوراة وحي من الله دون القرآن، والجواب عن هذا أن القرآن أثبت لنا أن

يوسف عليه السلام قد ابتلاه الله تعالى بتجارب محصه بها تمحيصًا، فكان من عباده

المخلصين (منها) مراودة امرأة عزيز مصر له في سن شبابه، فاستعصم ولم يقع

في الفتنة، وآثر عليها السجن، وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن

رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} (يوسف: 24) ففيه وجهان: أحدهما، وهو المتبادر من اللغة

أن كلاًّ منهما هم بمواثبة الآخر والبطش به كما شرحناه في الجزء الأول من المنار

أخيرًا، والثاني أنهما هما بالفاحشة، ولكن رؤيته برهان ربه صرف عنه السوء

والفحشاء، وهذه منقبة عظيمة له، وهي أدل على اعتصامه وعدم تراخيه للشهوة

مع قوة الداعية الطبيعية لها.

ولكن ما بال الطاعن يستدل بهذه الفضيلة السلبية للتوراة، وينسى ما قذفت به

لوطًا عليه السلام من الزنا ببناته، وداود عليه السلام من أقبح الزنا العمد بامرأة

أوريا الحثي، ثم تعريضه للقتل، مع نزاهة القرآن عن مثل هذا وما يقرب منه؟ دع

ما يرمون به سليمان عليه السلام من الشرك والوثنية لأجل النساء.

(الطعن الرابع) زعمه أن القرآن ذكر إسكندر ذي القرنين بما لا يوافق

أخبار التاريخ المحققة، وجوابه أن ذا القرنين المذكور في القرآن ليس بإسكندر

المقدوني، وإنما هو أحد أذواء اليمن، ولو خالف أخبار التاريخ لكان ما خالفها فيه

هو الحق.

(الطعن الخامس) اعتراضه على الإسراء إلى المسجد الأقصى بأن المراد

به هيكل سليمان قال: (مع أن الهيكل في أيام محمد كان خرابًا) والجواب عن ذلك

أن المراد بالمسجد الأقصى هذا المكان، وسماه بهذا الاسم للإنباء بأنه سيكون مسجدًا

للمسلمين يقابل المسجد الحرام الذي كان هيكل أصنام أيضًا (وقد كان) والمسجد

محل السجود والصلاة فإن كان عامرًا أو خُرِّب فخرابه لا يسلبه اسم المسجد، ولا

حرمته في شرعنا.

(الطعن السادس) نسبة مريم والدة المسيح عليهما السلام إلى عمران

(وجوابه) من وجهين أحدهما: أن ليس عندهم تاريخ قطعي لنسبها، والثاني أنه

يصح جعله من باب نسبة المرء إلى العظيم أو الرئيس من أجداده قريبًا كان أو بعيدًا،

كقولهم في المسيح: (ابن داود) وإطلاقهم لقب إسرائيل على ذريته، وقول نبينا

صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن عبد المطلب) ، وتسمية جميع الناس ملك العربية

عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل (ابن سعود) .

(الطعن السابع) ما حكاه القرآن عن نداء قوم مريم لها {يَا أُخْتَ هَارُونَ} (مريم: 28) وهذا نحو مما قبله في التجوز المشهور كقولهم: يا أخا الهيجاء.

للشجاع. وهارون عليه السلام كان رئيس الكهنة، ومريم ألحقت بالكهنة في

انقطاعها لعبادة الله تعالى، فقالوا لها: يا أخت هارون تهكمًا بها، إذ اتهموها

بالفاحشة، وقد برأها الله تعالى في كتابه العزيز من بهتانهم، ومن كذب بعض

النصارى أيضًا بقولهم: إن ولدها عيسى من يوسف النجار. ومن كنودهم وبهتانهم

عليه هذه المطاعن المفتعلة، وموعدنا بالرد التفصيلي قريب إن شاء الله.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 376