المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشقاق بين العرب المسلمينشر ما آل إليه في فلسطين - مجلة المنار - جـ ٣٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (34)

- ‌المحرم - 1353ه

- ‌فاتحة المجلد الرابع والثلاثين من المنار

- ‌كتمان القرآن عن أهل الكتابوسورة يوسف عن النساء

- ‌جزيرة العرب والوحدة العربية

- ‌تقريظ الأستاذ الشيخعبد الحميد السائح النابلسي [*]

- ‌تقريظ أمير البيان شكيب أرسلان

- ‌كتاب الوحي المحمدينقد وتحليل نظرة عصرية في إعجاز القرآن [*]

- ‌حركة النازي اللادينيةوشجاعة الفاتيكان وصراحته

- ‌المعارك الدينية في ألمانيابين طوائف البروتستانت

- ‌نتيجة حرب الجزيرةوما تجب مراعاته في الصلح

- ‌صفر - 1353ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الحرب في جزيرة العرب

- ‌تقريظ كتاب الوحي المحمدي وانتقاده

- ‌انتقاد مسألة الرق والجواب عنها(1)

- ‌التنازع والتخاصم

- ‌ربيع الأول - 1353ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌معاهدة الطائفبينالمملكة العربية السعودية والمملكة اليمانية [*]

- ‌الإصلاح والتجديد الإسلاميفي المعاهدة الإسلامية العربية بين الدولتينالسعودية واليمانية

- ‌كلمة خالصة لوجه الله

- ‌كشف بقية شبهات العَالِم النجديفي كلمات من كتاب الوحي المحمدي

- ‌جوامع كلم في شؤون الدول والأمم

- ‌وفد الصلح والسلام

- ‌المطبوعات الحديثة

- ‌أحمد زكي باشا شيخ العروبة

- ‌تحسين الأغاني والأناشيد العربيةلترقية الشعور القومي والخلقي

- ‌ربيع الآخر - 1353ه

- ‌اتهام ابن تيميةبأنه قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي

- ‌تفسير المنار لعلامة الدهر ومصلح العصر

- ‌مقدمة كتاب مفتاح كنوز السنة

- ‌جوامع كلم في شؤون الدول والأمم

- ‌التعريف بكتاب مسائل الإمام أحمد

- ‌عهد التحكيمبين المملكة العربية السعودية وبين مملكة اليمن

- ‌جمادى الآخرة - 1353ه

- ‌من صاحب الإمضاء في بيروت

- ‌مباحث الربا والأحكام المالية

- ‌كتاب الوحي المحمدي

- ‌الرد على من أفتى بكتمان بعض القرآنثم حرَّف بعضه استدلالاً على فتواه

- ‌دائرة المعارف الإسلامية ومفاسدها

- ‌المطبوعات الحديثة

- ‌شعبان - 1353ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌تصدير طبع كتاب المنار والأزهر

- ‌مباحث الربا والأحكام المالية

- ‌شهر رمضانموسم العبادة الروحية البدنية الاجتماعية

- ‌الرزيئة القومية الوطنيةبالشيخ محمد الجسر

- ‌غاية مصطفى كمال من مراحله

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌رمضان - 1353ه

- ‌التربية الإسلامية والتعليم الإسلامي

- ‌المولد النبوي

- ‌ترجمة الشيخ محمد الجسر

- ‌كلمات في الوحي المحمدي

- ‌الحج في طوره المدني المترف

- ‌ذو القعدة - 1353ه

- ‌أسئلة من صاحب الإمضاء في بيروتفي الجن

- ‌محاضرتي في جمعية الشبان المسلمين

- ‌فتوى واقتراح على قارئي هذا الإنذار

- ‌قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث

- ‌كتاب الإمام ورأيه في تفسير المنار

- ‌ذو الحجة - 1353ه

- ‌أسئلة من بيروتبعد مقدمة في الإصلاح

- ‌خطبة الإمام الملك ابن السعود الموسميةفي وفود الحاج سنة 1353

- ‌الخطب الأكبر بانتهاك حرمات الله

- ‌محاريب المساجد ومذابح الكنائس

- ‌تأبين أحمد زكي باشا

- ‌ثورة الأزهر ومنتهى علاجها

- ‌كُريم أميركاني ينشر الوحي المحمدي في الشرقوكريم مصري نشره في الغرب

- ‌مقدمة التفسير المختصر المفيد

- ‌الكلمة الأخيرة لمشتركي المنار المطل

- ‌المحرم - 1354ه

- ‌أسئلة من صاحب الإمضاء ببيروت

- ‌الأزهر الأزهرالانقلاب الأكبر

- ‌تأثير تولية المراغي لرياسة الأزهر

- ‌خليج العقبة الحجازي وطمع الإنكليز فيه

- ‌الشقاق بين العرب المسلمينشر ما آل إليه في فلسطين

- ‌منار المجلد الخامس والثلاثين

الفصل: ‌الشقاق بين العرب المسلمينشر ما آل إليه في فلسطين

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌الشقاق بين العرب المسلمين

شر ما آل إليه في فلسطين

العرب أقدم الأمم لغة وحضارة وعمرانًا فلهم العرق الواشج في حضارة قدماء

المصريين والكلدانيين والفينيقيين، ووثبتهم الإسلامية قضت على ملك الفرس

وإمبراطورية الروم في الشرق في ثلث قرن، ثم امتد سلطانها قبل انقضاء القرن من

المحيط الغربي إلى الصين، وطفق يناوش شعوب أوربة في الشمال، ثم لم يكن

سبب تمزيق هذا الملك العظيم إلا الشقاق والتنازع على الرياسة من أكبر مجتمعاته،

وهو الخلافة فالملك إلى أصغرها وهي المناصب الدولية والعلمية والدينية فرياسة

القبيلة والقرية، فرياسة العشيرة والأسرة، وقد آل بهم هذا الشقاق إلى زوال

سلطانهم عن الشعوب الأعجمية وضعف لغتهم فيها والجامعة الإسلامية التي تربطهم

بها، ثم إلى زوال استقلالهم في شعوبهم المحافظة على جامعتها العربية الممتدة من

سلطنة مراكش في المغرب إلى سلطنة مسقط، وعمان في المشرق، وقعت كل

هذه الكوارث كلها والعرب كلهم غافلون عن أسبابها وعللها، ومقدماتها ونتائجها،

وكلها ترجع إلى الشقاق والتنازع في الرياسة.

وقد بدءوا يستيقظون رويدًا رويدًا لما حل بهم فرأوا بعين بصيرتهم، ثم

بأبصارهم أن أكبر الكوارث الطارئة وأشدها خطرًا كارثة تواطؤ أكبر دول الأرض

قوة وسلطانًا، وهي الدولة البريطانية وأقوى شعوب الأرض عصبية وثروة وكيدًا

ومكرًا وهو الشعب اليهودي - وتوجيه قواهما إلى انتزاع وطن عربي كامل من أهله

وطردهم منه وإعطائه لليهود ليؤسسوا فيه ملكًا جديدًا بالرغم من ملتي عيسى،

ومحمد عليهما الصلاة والسلام يكون فاصلاً بين الشطر الأفريقي والشطر الأسيوي

من الأمة العربية قبل أن ينجح دعاة وحدتها العامة في سعيهم، فيحول دون اتحاد

مصر أو اتصالها بفلسطين وما وراءها - إلى غير ذلك من المقاصد التي لا محل

لشرحها وأهمها مسألة الحجاز وجزيرة العرب.

الواجب على الشعوب العربية كلها تجاه هذا الخطر الذي يهددها في فلسطين

أن تهب كلها لدرئه ودفعه، بل يجب على الشعوب الإسلامية غير العربية أن

تساعدها على ذلك أيضًا لمكانة المسجد الأقصى الذي لُقب بحق (أولى القبلتين

وثالث الحرمين) فيه، ولما في وجود دولة يهودية تكفلها الدولة البريطانية من

الخطر على الحجاز ونجد أو وقوة المملكة العربية السعودية الحامية للحجاز، وحافظة

الأمن فيه، وكان المعقول أن تسمع الدعوة إلى هذا من فلسطين.

ونحمد الله أن وُجد في فلسطين عقل مفكر، ورأي مدبر سعى له سعيه، ولم

يقدر عليه غيره، ألا وهو السيد محمد أمين الحسيني المفتي الأكبر للبلاد، ورئيس

المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى فيها، سعى إلى تأسيس مؤتمر إسلامي عام يُعقد

في المسجد الأقصى في ليلة ذكرى الإسراء والمعراج ففاز، وجعل المسألة

الفلسطينية ركنًا من أركان المسألة العربية الإسلامية العامة، فصار زعيمًا إسلاميًّا

عامًّا بعد ما كان زعيمًا فلسطينيًّا خاصًّا.

اضطرب لدعوة هذا المؤتمر دول الاستعمار وخاطبوا زعيمتهم إنكلترة

بوجوب منعه، أو تضييق الحرية على أعضائه، واضطربت له دولة الترك

اللادينية لما قيل من أنه سيقرر إحياء منصب الخلافة الإسلامية التي ألغت صورتها

الرسمية، وكل ما له صلة شرعية بها من بلادها، وتكره أن يتجدد لها ذكر في أي

قطر من العالم الإسلامي، واضطربت له الحكومة المصرية السابقة لما لا يعقل له

سبب إلا مثل الوهم الشيطاني، فكانت فئتها فيه هي التي تولت الكيد له، والسعي

لخيبة مؤسسه والداعي إليه الزعيم الحسيني بإغراء بعض أعضائها بما ظهر أثره

منذ الليلة الأولى لعقده، ثم في الجلسة التي اختاره فيه المؤتمر رئيسًا له، ثم في

جلسات أخرى، ثم اختلافهم إلى زعيم الحزب الفلسطيني المناوئ لرئيسه السيد

الحسيني، وهو راغب بك النشاشيبي الذي كان رئيس بلدية القدس للتشاور والسعي

لتخذيله، ولقد كنت في مقدمة أنصاره لأجل المصلحة على أنه كان مقصر معي

هنالك وأنا أستاذه.

كان من أعضاء هذا المؤتمر، وكنت أشعر بالدسائس التي كانت تدبر للكيد

وتدار من حوله فأتجاهلها، ودعيت إلى حفلة الشاي التي أدبها النشاشيبى لأعضاء

المؤتمر فلم أستجب لها؛ ولكنني كلمت بعض عقلاء فلسطين وأحرارها في السعي

للصلح بين النشاشيبي والحسيني، فقيل لي: إنه لا سبيل إليه الآن أو مطلقًا،

فأمسكت عن الكلام فيه، ثم كلمني بعض المخلصين في مصر بالسعي لذلك، فلم

أجد له مجالاً ولا منفذًا، وإن أكره شيء إليّ في العالم النفاق والشقاق للتنازع على

الرياسة وحب الأهواء.

آل أمر هذا التنازع بين النشاشبية والحسينية - وهو قديم - أن سقط راغب

بك في انتخاب رياسة بلدية القدس، وفاز عليه الدكتور حسين بك الخالدي من

الأسرة الخالدية بمساعدة الحسينية، فاتفقت هاتان الأسرتان الشريفتان وكانتا

متنازعتين، فسر محبو الاتفاق وجمع الكلمة، وانحصرت معارضة الإصلاح في

أسرة النشاشيبي والمنكرين على السيد أمين الحسيني والمجلس الإسلامي الأعلى

للاختلاف في الرأي أو لأغراض شخصية، وحزب الحسيني أقوى من كل هؤلاء

في فلسطين نفسها، ويؤيده أهل الرأي والمكانة في سائر البلاد العربية، وفي

الشعوب الإسلامية غير العربية، ولا يعرف النشاشيبي ولا حزبه أحد في هذه البلاد

والشعوب إلا أفراد في مصر ممن كانوا شايعوه على إسقاط السيد الحسيني من

رياسة المؤتمر الإسلامي لغرض عارض، وكلهم يوافقونه على مقاومة اليهود وعلى

جمع كلمة المسلمين على هذا العمل وغيره، وإذًا لا يجد المعارضون له الآن في

مصر ولا غيرها وليًا ولا نصيرًا.

على أن هذه العاقبة السوءى لم تفل من حد حزبهم، بل زادته مضاء وتهورًا

حتى كان من عقابيل هذه الحمى كتاب نُشر في جريدة الجامعة الإسلامية الفلسطينية

طُبعت صورته بالزنك، وقيل إنه من خط الأمير شكيب أرسلان بإمضائه إلى السيد

أمين الحسيني يدعوه به إلى نشر الدعاية في البلاد لدولة إيطالية، وقد رأينا كل من

اطلع على هذا الكتاب في هذه الجريدة ممن يعرفون خط الأمير شكيب، وممن

يعرفون إنشاءه وممن يعرفون مذهبه ومشربه السياسي في خدمة الأمة العربية،

والملة الإسلامية من سن الصبا إلى سن الشيخوخة، أنه مزوَّر عليه، والظاهر أن

المزورين له ظنوا أن القارئين له يصدقون فحواه المراد منه بشبهة ما كتبه الأمير

من تنفيس السنيور موسوليني بسعيه عن مسلمي طرابلس وبرقة برد المبعدين

منهم عن دورهم إليها، وفتح أبواب الرزق لهم بعد أن دب الفناء إليهم، ومن منع

دعاة الكنيسة من الطعن في دينهم ومحاولة تنصيرهم، وغير ذلك مما قد اشتهر ولم

يقدر على تكذيبه أحد، إلا أن بعض الناس كرهوا هذا التصريح من الأمير المجاهد

في سبيل العرب بعدما كان من شدة جهاده لإيطالية تنكيلها بهؤلاء من قبل، فقال

بعضهم: إنه، أي: التصريح يجوز أن يكتبه غيره ولا يجوز أن يكتبه هو، وإن

كان يعلم أنه حق وطعن آخرون به عليه عن رأي أو وجدان، أو هوى وشنآن.

ونحن لا ندخل في هذا ولا نجادل فيه بما نعلم - ومنه وتودد إيطالية للدولة

العربية السعودية، مع بقاء التودد إلى دولة الإمام اليمانية - لأنه ليس من

موضوعنا لا مجاراة لمن يرون أنه لا يجوز الاعتراف للمستعمر بحسنة، ولا

بالرجوع عن سيئة؛ وإنما نقول عن هذا الكتاب المتفق على أنه مزور قد أريد به

هدم زعامة السيد أمين الحسيني بالذات، وهدم زعامة الأمير شكيب بالعرض أو

الوسيلة، وكل منهما حصن حصين للعرب وللإسلام، أحكمت بناءه سنن الله في

الاجتماع بما أوتي كل منهما من استعداد عقلي وخلقي، وعمل سياسي أو قلمي،

ومواتاة لحوادث الزمان، وما أتيح له من ثقة الناس به، فبات خصوم البلاد العربية

والملة الإسلامية من اليهود ودول الاستعمار يحسبون لهما كل حساب، فهدم كل

منهما جناية على الأمة والملة والأوطان العربية، وخدمة للصهيونية والدول

الاستعمارية، لا يفكر أحد أن يدعي أن محاولي هدمها يستطيعون إيجاد أحد يغني

غناءهما، ويبلي بلاءهما، أو يوجدوا في فلسطين زعيمًا يحل مكان أمين الحسيني

في عقله وتدبيره وتأثيره في مجاهدة الصهيونية، دع مكانته في الشعوب الإسلامية،

ولا كاتبًا بليغًا سياسيًّا مؤرخًا يقوم مقام الأمير شكيب في بلاغة قلمه، وقوة حجته،

وثقة الأمة العربية والشعوب الإسلامية برأيه وإخلاصه، ولا أبرأهما في هذا من

الخطأ في بعض الرأي أو القول، وسبحان المنزه عن كل عيب.

وإنما الأمر الثابت بادي الرأي أن هذا الطعن فيهما بالباطل، ومحاولة التشكيك

في إخلاصهما هو خدمة لليهود وللإنكليز، وعون لهما على طرد العرب من هذا

الوطن العربي، وما فيه من الخطر على الشعوب العربية كلها، وعلى مصلحة

الدين الإسلامي، وهو أخس مظاهر الشقاق الذي افتتحنا هذا المقال بالتذكير

بمضاره، وأنا أعتقد أن الظفر المعنوي فيه سيكون - بل هو كائن - للزعيمين

المجاهدين ليس للحزب المالي المناوئ لهما منه شيء، وحسبك من زيادة الشقاق

تعديه من الأفراد إلى الجرائد العربية التي يجب اتفاقها في هذا العهد على مصلحة

البلاد، وقد بلغني أن خصومها قد افترصوه وشرعوا في تأليف حزب جديد لهدم

دعامة الحسيني وأنصاره، إذ علموا أن حزب النشاشيبي سيقتل نفسه بمناوئته، ولا

بد لحزب الحسيني من حزب آخر يجهز عليه أو يحاول إسقاطه.

فأنا بما فطرت وربيت عليه من مقت الشقاق، ومن كراهة العصبية للأفراد

والأحزاب، ومن التدين بالدعوة إلى الإصلاح، أدعو عقلاء الفلسطينيين إلى جمع

الكلمة وإصلاح ذات البين، معتقدًا أن أشرف ما يفعله حزب النشاشيبي ورئيسه

راغب بك والأستاذ الفاروقي صاحب جريدة الجامعة الإسلامية أن يبدؤوا

باستنكار الكتاب المزور والبراءة منه واستهجان مضمونه، وأن يكف الفريقان عن

الطعن في أنفسهما هجومًا ودفاعًا، وما طعن الإنسان بأخيه إلا طعن بنفسه، كما

قيل في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (النساء: 29) وقد بلغني ممن

لا أتهمه أن الأستاذ الفاروقي ما نشر الكتاب المزور إلا بعد أن شهدت له لجنة اعتمد

عليها بأنه صحيح، ولو صحت شهادتها لما كان له أن ينشره، وهو صار مفرق

للكلمة، وقد بالغ الأمير شكيب في تفنيده دفاعًا عن نفسه بالحق؛ ولكنني كرهت من

هذه المبالغة أنها كانت ضرامًا في نار الشقاق وتخريب العرب بيوتهم بأيديهم كما

وصف الله اليهود في عصر التنزيل بقوله: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي

المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} (الحشر: 2)، وقوله بعده: {تَحْسَبُهُمْ

جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَعْقِلُونَ} (الحشر: 14) بل صرنا اليوم وقد

اجتمعت كلمتهم علينا شرًّا مما كانوا يومئذ، فعلى الفريقين أن يكفوا عن هذه

المطاعن، وأن يفوضوا لأهل الرأي المخلصين وضع أساس للصلح المعقول الذي

يحفظ كرامة كل منهم على قاعدة قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا

تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} (المائدة: 2)

وليسابق كل إلى الجاه والمجد فيما لا يضر الأمة كما شاء، وإلا كان الجميع على

الناعي المزور، وكاتب هذا أول من يستجيب لذلك ويسعى إليه سعيه مع الساعين

{إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88) .

_________

ص: 782

الكاتب: محمد رشيد رضا

كتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم

الحكم بين المختلفين فيه

(1)

ألَّف بعض كتاب الأوربيين مصنفات في تاريخ سيدنا محمد رسول الله وخاتم

النبيين صلى الله عليه وسلم، أو ترجمة حياته، عُرف غير واحد منها باسم (حياة

محمد) كان آخرها فيما علمنا للكاتب الفرنسي البليغ موسيو درمنغام، ويقال: إنه

أقربهم إلى صحة الرواية؛ لأنه اعتمد على المصادر الإسلامية وأوسعها عنده سيرة

ابن هشام، وأجدرهم بحسن النية فيما أخطأ فيه؛ فإنه حاول الجمع بين اعتقاده

واعتقاد المسلمين، والتقريب بينهما بقدر ما تعطيه بلاغته الفرنسية في مدح النبي

صلى الله عليه وسلم وتصوير فضائله.

أعجب بهذا الكتاب الدكتور حسين بك هيكل الكاتب المصري الشهير، ولسان

حزب الأحرار الدستوريين في جريدتهم (السياسة) فطفق يترجمه وينشره في

صحيفة السياسة الأسبوعية الخاصة بالعلم والأدب والفنون متصرفًا في الترجمة

تصرف (عرض ونقد) فكان لما ينشره أحسن تأثير في قلوب قرائها من المسلمين،

سرهم منه أن رأوا هذا الكاتب العصري صار من أنصار الدين ينشر لهم أمثل ما

كتب الإفرنج في النبي صلى الله عليه وسلم وما هو خير منه، بعد أن كان لجريدة

السياسية من المقالات ما أوقع بينها وبين المنار ما لم ينسه قراؤهما، ثم اتفقنا ولله

الحمد، وكانت أشد الصحف تعاونًا معنا على إصلاح الأزهر.

ثم اتفق في أثناء عرض الدكتور هيكل لهذا الكتاب (حياة محمد) أنني كنت

أكتب بحث (الوحي المحمدي) في تفسيري لسورة يونس عليه السلام، وكان

غرضي الأول منه دحض شبهات القائلين من الإفرنج وغيرهم بالوحي النفسي،

يعنون أنه نابع من نفس النبي وصادر عن استعداد عقله الذي يعبرون عنه في هذا

العهد بالعقل الباطن، ونعني نحن به الروح الغيبي المعبر عنه بقول تعالى:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} (الإسراء: 85) ولكن هؤلاء الماديين لا يؤمنون بعالم الغيب، ولا بأن للإنسان

روحًا مستقلاً نُفخ فيه من ذلك العالم، فهم يسندون كل ما ثبت عندهم من مدارك

الإنسان غير الحسية ولا العقلية المنطقية إلى اسم جديد سموه العقل الباطن، ومنه

ما ثبت من إخبار المنومين بالتأثير المغناطيسي بالغيب، وما يسمونه قراءة الأفكار

ومراسلة الأفكار، وقد رأيت أن ما نقله هيكل عن درمنغام من الكلام على بدء

الوحي المحمدي ومقدماته قد جمع فيه جميع الشبهات التي يمكن الاحتجاج بها على

أن هذا الوحي نفسي، وقد لخصته في عشر، رددت عليها أقوى رد، ثم أثبت أن

وحي القرآن من عالم الغيب، بما بسطته من كليات مقاصد القرآن العشر،

واستحالة كونها من عقل محمد واستعداده، واستحالة أن يكون ما دونها من العلم

والفهم والعمل مما وقع أو يقع مثله لأحد من البشر في سن الكهولة.

لم أقرأ كل ما نشره هيكل من هذا الكتاب، ولكن علمت أنه يضع كتابًا مستقلاً

في ذلك فتح بابًا للاشتراك فيه، ثم صدر هذا الكتاب مطبوعًا أحسن طبع، ونُشرت

له دعاية واسعة في الصحف، فكان له تأثير حسن، وتفضل عليَّ المؤلف بنسخة

منه جاءت في وقت حاشد بالشواغل الكثيرة: منها إتمام المجلد 34 من المنار،

والجزء الثاني عشر من التفسير، وما يقتضيانه من خاتمة وفهارس وتصدير،

ومنها الشروع في الطبعة الثالثة لكتاب (الوحي المحمدي) ، والشروع في

(التفسير المختصر المفيد) اختصارًا وطبعًا، وقد اشتد الإلحاح بطلبه، لهذا أرجأت

ما يوجبه عليَّ سروري به من مطالعته وتقريظه إلى فراغ أرى أن انتظاره لا يعدو

شهرين، بيد أنني تصفحت مقدمته وبحث مقدمة بدء الوحي منه، فعجبت لمؤلفه

كيف أقر درمنغام مؤلف الأصل على مزاعمه فيها بعد تفنيدي لها في كتاب الوحي

المحمدي، وقد اطلع عليه وذكره في الكتب التي استمد من مباحثها في مصنفه، فإن

أدري أغفل عن تفنيدي لشبهاتها العشر وإثبات الوحي الإلهي بكليات مقاصد القرآن

العشر أم ماذا؟ فهذه المسألة أنكر المنكرات في أصل الكتاب، ولم يفطن لها

الجمهور فيه، ولا في فرعه، ولا لفروعها المنكرة وهي كثيرة، وقد أنكروا ما هو

دونها.

ثم رأيت من علماء الأزهر وغيرهم من يسألني عن رأيي في هذا الكتاب،

ومنهم من يطالبني بالرد على ما أنكروا عليه منه، ورأيت بعضهم رد عليه في

بعض الصحف فلم أقرأه، ثم جاءتني رسالة بعد رسالة يوجب عليَّ مرسلها الرد

عليه (وإنقاذ الدين مما يثيره من الشك فيه، الفاتن للشباب العصري بتنميقه)

ويرى كغيره أني أولى الناس به وأقدرهم عليه، وهو في حسن ظنه هذا يشير إلى

سوء ظن باحتمال أن أحابي المؤلف بالسكوت عن الإنكار عليه، فصار السكوت

بعد السؤال من كتمان العلم الذي أوجب الله بيانه، وحظر كتمانه ولعن أصحابه.

فأنا أنشر ألطف الرسالتين نقدًا، وأحسنهما أدبًا، وأذكر من الثانية المنكرات

التي أشار إليها بأرقام صفحاتها، وما عدا هذا من طعن في الكاتب والمقرظين

لكتابه فلا يجب نشره، وربما يكره وقد يحرم، ولا يتوقف عليه إنكار المنكر ولا

إحقاق الحق، وأجيب بما أعتقد أنه الحق الواجب بالإيجاز، ولعلي أعود إلى تقريظ

الكتاب ونقده في جملته، من مسائله وأسلوبه ولغته؛ لأنه جدير بذلك بشهرة مؤلفه

وتأثيره، عسى أن يكون النقد العادل عونًا على تنقيحه، فيكون النفع به منقحًا في

طبعة أخرى أتم وأعم.

***

الرسالة الأولى للأستاذ العالم الباحث صاحب الإمضاء

(بسم الله الرحمن الرحيم)

حضرة صاحب الفضيلة العالم الشهير السيد (محمد رشيد رضا) منشئ

المنار الأغر السلام عليكم ورحمة الله، أما بعد فإن كتاب الدكتور هيكل (حياة

محمد) صلى الله عليه وسلم حين كان يُنشر على صفحات جريدة السياسة

الأسبوعية، كان الذين يتحرجون عن وصمة سوء الظن بلا موجب يحسنون الظن

بصاحبه، ويقولون لعله أخذت بيده العناية الإلهية فوضعته في صفوف الذابين عن

الحقائق الدينية، الناشرين لمحاسن الشريعة المحمدية، فأنشأ يبرز للناس مخدرات

عرائس السيرة في ثوب قشيب يلائم ذوق العصر، ويتناسب والثقافة الحاضرة

حيث لم يتح لهم إذ ذاك أن يقفوا على جله فضلاً عن كله، فلما ظهر في عالم

المطبوعات ما عتموا أن تهافتوا على اقتنائه بناء على ذلك الظن، ثم طفقوا يقرءونه

بفضل عناية وكمال تدبر، فما لبثوا أن بدا لهم منه ما لم يكونوا يحتسبون من تشويه

للحقائق القطعية، وتمويه على الضعفاء بالإغراق في إلباس الباطل ثوب الحق،

وصوغ الخيالات في ثوب الحقائق، وإقرار ما ليس بثابت عند أئمة الدين، وإنكار ما

هو معلوم للخاصة والعامة من المسلمين، وحسبنا الآن توجيه ثاقب نظركم إلى

أمر واحد هو أساس لجميع أخطائه أو جلها، ألا وهو إنكاره جميع المعجزات

المحمدية سوى القرآن، ولو أنه اقتصر على مجرد هذا الإنكار لتأولنا لحضرته

وقلنا لعله أراد أن القرآن العظيم هو المعجزة العظمى التي تتضاءل في جنبها سائر

المعجزات؛ ولكنه قد علل الإنكار المذكور بأن تلك المعجزات بأسرها مخالفة لسنن

الله عز شأنه، وأن تجويز شيء منها مناف لما نطق به القرآن من أن تلك السنن لا

تتبدل، وزعم أن أحاديث المعجزات كلها موضوعة إما لمحاولة أن يجعل له صلى

الله عليه وسلم من الآيات مثل ما لموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وإما

لتشكيك من يؤمنون بقوله تعالى: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الأحزاب:62)

فهذا نص لا يحتمل تأويلاً في أنه لا يدين بشيء من المعجزات الكونية؛ فإنه قرر

أن وقوع شيء منها تبديل للسنن الإلهية، وأنه محال، ويا ليت شعري ماذا يصنع

بالآي القرآنية المتضمنة لمعجزات الأنبياء من نحو انقلاب العصا حية، وفلق البحر

لموسى، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى عليهما الصلاة والسلام.

لهذا نلجأ إلى عظيم غيرتكم، وعَلِيِّ همتكم، أن تغيثوا الدين بمثل ما عودتموه

من استئصال شأفة الإلحاد ببواهر البراهين الساطعة، وصوادم الحجج القاطعة،

على وجه يروق للكافة، ويخلب ألباب الخاصة والعامة.

وإلى الحق تعالى نضرع أن يؤيدكم وكل من يقوم لله في نصرة الحق بروح

منه، إنه تعالى نصير المجاهدين المخلصين، والسلام عليكم ورحمة الله.

...

...

...

...

محمد محمد زهران

...

...

...

... منشئ مجلة الإسعاد سابقًا

هذا نص الرسالة الأولى، وأما المنكرات المعينة في الثانية فهذا نصها:

(1)

قصة أبرهة والكعبة في الصفحة 64.

(2)

أسطورة شق الصدر - هكذا عنوانه - ص 72.

(3)

بدء الوحي 95.

(4)

ما نسبه إلى السيدة خديجة.

(5)

ما قال في الإسراء ص 153 وما بعدها.

(6)

ما عقَّب به معجزة الغار.

(7)

تلبيسه في قصة سراقة 179 وما بعدها.

(8)

دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر المنكر 433.

(9)

عزوه إلى عائشة ما لا يليق.

جواب المنار

مقدمة وتمهيد:

إن العدل وإيثار الحق على الخلق يوجب عليَّ قبل النظر في هذه المسائل

لأعلم ما فيها من حق وباطل، أن أقول إنني حسن الظن في خطة الدكتور محمد

حسين هيكل الدينية الجديدة، وأعتقد أنه يريد بها خدمة الإسلام ومناهضة الإلحاد

والإباحة، على أنني كنت بينت فيما نشرته من الرد على المتهمين به في المنار

وفي جريدة كوكب الشرق أنني أعني بالإلحاد معناه المستعمل في القرآن، وهو

الزيغ الذي قد يكون بما دون الكفر المخرج لصاحبه من الملة، وأرى أن هذا

الكتاب يجذب كثيرًا من الزائغين إلى الإيمان بنبوة محمد خاتم النبيين: الذي أكمل

الله ببعثته وبكتابه المنزل عليه الدين، من المفتونين بالأفكار المادية وتقليد أهلها،

وأن من هؤلاء من يعرف له ما أنكره عليه غيرهم، وأن أكبر خطأ رأيته فيه تبعًا

لأصله الفرنسي من شبهات الوحي النفسي يخفى على أكثر قرائه، أو على من لم

تتمكن هذه الشبهات من نفسه قبل قراءته، فإن موسيو درمنغام نفسه ينقل رواية

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لملك الوحي والتلقي عنه، والدكتور هيكل زاد هذه

المسألة بسطًا، وإن أخطأ كل منهما فيما ذكرا من مقدماتها باجتهادهما، وما اعتمد

عليه من رواياتها الباطلة لقلة اطلاعهما، أو عدم اضطلاعهما بالتمييز بين الراجح

والمرجوح منها، وأنى لهما أن يعلما أن ابن هشام وأستاذه ابن إسحاق أخذا بالرواية

المرسلة في حديث بدء الوحي، وأنه كان رؤيا منامية، فخالفا رواية الصحيحين

المسندة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حاول بعض الحفاظ أن

يجمع بين الروايتين فأخطأ؟

وأما ما ادَّعاه الناقد من إنكار المؤلف لجميع معجزات النبي صلى الله عليه

وسلم وتشكيكه في القرآن، وما دون ذلك من المنكرات، فسننظر فيها بعيني الحق

والعدل، ولا أشك في اختلاف وجهة نظر الأستاذ الناقد وأمثاله من واسعي الاطلاع

على كتب المناقب والسير وهو أن الأصل عندهم أخذ كل ما فيها أو جله بالتسليم،

وعدم تمييز أكثرهم بين ما هو صحيح منها وما هو موضوع أو منكر - ووجهة

نظر الدكتور هيكل وأمثاله في قاعدة الأصل في الأشياء الشك، فالتحليل والنقد،

وعدم وقوفهم على قواعد علماء الأصول والمحدثين في ذلك الذي يعبرون عنه

بالتعادل والترجيح، والواجب على مثلي أن يكون وسطًا بين الفريقين، وهو موقف

دقيق؛ فإن من كل منهما مَنْ يعد بعض ما يؤيد به الدين عند الآخر نافيًا له أو مشككًا

فيه؛ وإنما المهم الأعظم التمييز في البحث بين ما هو قطعي في الدين يعد جحوده

خروجًا من ملة الإسلام وما ليس كذلك، وبين ما يعد سنة، وما يعد ابتداعًا، وما

دون ذلك مما لا يجب علمه، ولا يضر جهله، وإن صح أصله.

يعلم أهل الحديث أن أكثر ما روي من الخوارق وما في معناها، لا يثبت

برواية قطعية متواترة يعد حجة على النبوة يجب الإيمان بها، بل لا يصح بحديث

مسند مرفوع يتخذ دليلاً ظنيًّا عليها، وأن المحدثين تساهلوا في رواية الضعاف

والمنكرات منها؛ لأنهم عدوها من باب المناقب التي تنفع أو لا تضر، وأن بعضهم

لم يتحاموا رواية الموضوعات أيضًا، ألم تر أن أشد المتأخرين منهم عناية أو

تساهلاً في تصحيح ما لا يصح أو تقويته كالسيوطي يقول في الروايتين الطويلتين

في المولد النبوي إنهما منكرتان شديدتا النكارة، ولولا أنني رأيت الحافظ أبا نعيم

ذكرهما في كتابه (دلائل النبوة) لما ذكرتهما، يعني في خصائص النبوة، وهاتان

الروايتان عليهما مدار قصص المولد الرائجة بين الناس، ولعل أكثر الذين يسمون

العلماء أو كبار العلماء يجهلون نكارتهما وبطلانهما، ولعل من يتجرأ على هذا

الإنكار عند الجمهور يتُهم بالكفر أو بالتقصير في حب المصطفى على الأقل، وإنه

صلى الله عليه وسلم لغني عن تأييد نبوته أو حبه بالباطل، بل لا يجوز ذلك، وإنا

لنعلم أن كل ما وجهه إليه أعداء الإسلام من الطعن فيه أو أكثره فهو من هذه

الروايات الباطلة، وأكثر علماء عصرنا يجهلون هذا، ويعجزون عن الرد عليه

بالأدلة المقنعة، حتى إن كثيرًا من قراء كتاب الدكتور هيكل يرون أنه من أقوى

المدافعين عن الإسلام حجة، من حيث يراه آخرون أشدهم طعنًا عليه وهدمًا له! !

أفما لهذا التباعد بين المسلمين من حد؟ بلى ولكن من ذا الذي يضع هذا الحد

الفاصل بين الحق والباطل؟

أهم ما ينكره الأزهريون والطرقيون على هيكل، أو أكثره مسألة المعجزات

أو خوارق العادات، وقد حررتها في كتاب الوحي المحمدي من جميع مناحيها

ومطاويها في الفصل الثاني، وفي المقصد الثاني من الفصل الخامس بما أَثْبَتُّ به

أن القرآن وحده هو حجة الله القطعية على ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

بالذات، ونبوة غيره من الأنبياء وآياتهم بشهادته لا يمكن في عصرنا إثبات آية إلا

بها، وأن الخوارق الكونية شبهة عند علمائه لا حجة؛ لأنها موجودة في زماننا ككل

زمان مضى، وأن المفتونين بها هم الخرافيون من جميع الملل، وبَيَّنْتُ سبب هذا

الافتتان، والفروق بين ما يدخل منها في عموم السنن الكونية والروحية وغيره،

فعسى أن يَطَّلِع عليها المختلفون في كتاب هيكل؛ لأن حكمنا بينهم لا يكون فاصلاً

بدونها.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 787

الكاتب: محمد رشيد رضا

استدراك على تفسير ج 9 و 10 في القراءات

ذكرنا في تفسير {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ} (يوسف: 4) تصرف

العرب في هذا النداء، وفاتنا ذكر القراءات فيه، وقد فتح التاء ابن عامر في جميع

القرآن بناء على أن أصلها يا أبتا فحُذفت الألف، وكسرها الآخرون بناء على أنها

عوض من ياء المتكلم وتناسبها الكسرة، وقلبها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب هاء في

حال الوقف، و {غَيَابَةِ الجُبِّ} (يوسف: 10) قرأها نافع في الموضعين

(غيابات) بالجمع، وحذف بعضهم همزة (الذئب) في حال الوقف، و {هَيْتَ

لَكَ} (يوسف: 23) قرأها ابن كثير بالضم كحيث ونافع وابن عامر بكسر الهاء

كَغَيْظِ وهي لغة، والباقون بفتحهما معًا، وغرضنا من ذكر القراءات اللغوية أن

تُعرف فلا تُنكر إذا سُمع من القراء غير المشهور عندهم، ومن المعنوية بيان معانيها

وحكمتها.

ووقع في تفسير هذين الجزئين ما اقتضى بعد طبعه تصحيحًا أو تنقيحًا عند

طبعه على حدته.

***

(الشيخ عبد المحسن الكاظمي) الشاعر العراقي الشهير تُوفي قبيل انتهاء

هذا الشهر (المحرم) وسننشر له ترجمة في الجزء الآتي، رحمه الله تعالى.

_________

ص: 793