الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله: " إن طاوسًا - وهو أحد التابعين - يقول: إن أنين المريض يكتب عليه " فأمسك عن الأنين، فأنين المريض قد يكتب عليه، فما يلفظ الإنسان من قول إلا لديه رقيب عتيد يكتب عمله، وإذا كان يوم القيامة يخرج له كتابه:{يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} .
الركن الثالث: الإيمان بالكتب
الركن الثالث وهو الإيمان بكتب الله عز وجل التي أنزلها على الرسل، وما من رسول إلا أنزل الله معه كتابًا قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} فما من رسول إلا أنزل الله معه كتابًا يهتدي به الناس.
كيف نؤمن بالكتب؟
الإيمان بالكتب: أن نؤمن بما علمنا اسمه باسمه، والذي علمنا اسمه من هذه الكتب: القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى - إن قلنا إنها غير التوراة - وما لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالًا؛ لأن الله تعالى لا يضيع خلقه بل سينزل عليهم الكتب ليبين لهم الحق، هذا من حيث الإيمان بالكتب.
أما من حيث قبول ما جاء فيها من خبر، فيجب أن نقبل كل ما جاء في هذه الكتب من الخبر، ولكن لا يعني أن نقبل كل خبر فيها الآن، لأنها دخلها التحريف والتغيير والتبديل، لكن نقول: إننا نؤمن بكل خبر جاء في التوراة، أو في الإنجيل، أو في الزبور، أو في صحف إبراهيم.
مثال ذلك: في صحف إبراهيم: " لا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " وعلمنا ذلك من قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} وقوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} .
فما صح من هذه الكتب فإنه يجب علينا أن نقبل خبرة بدون تفصيل هذا بالنسبة للأخبار.
أما بالنسبة للأحكام - أي ما في الكتب المنزلة من الأحكام - ففيه تفصيل: فما كان في القرآن فإنه يلزمنا التعبد به، وما كان في الكتب السابقة نظرنا إن كان مخالفًا لشريعتنا فإننا لا نعمل به، لا لأنه باطل، بل هو حق في زمنه، ولكننا لا يلزمنا العمل به؛ لأنه نُسخ بشريعتنا، وإن وافق شريعتنا فإننا نعمل به؛ لأن شريعتنا أقرته وشرعته، وما لم يكن في شرعنا خلافه ولا وفاقه فإن العلماء قد اختلفوا في ذلك فمنهم من قال: هو شرع لنا. ومنهم من قال: ليس بشرع لنا.
فالذين قالوا: إنه شرع لنا استدلوا بمثل قوله تعالى:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} واستدلوا كذلك بأن ما سبق من الشرائع لولا أن فيه فائدة لكان ذكره نوعًا من العبث، والراجح: أننا نعمل به.
مثال ما يخالف شريعتنا كقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} .
فاليهود حرم الله عليهم كل ذي ظفر مثل الإبل، وكذلك كل ذي رجل غير مشقوقة أي ما لها أصابع ولا فرق بعضها من بعض فهو حرام عليهم، ومن البقر والغنم حرم الله عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما، أو الحوايا أو ما اختلط بعظم. فهذا منسوخ بشريعتنا، فإن الله تعالى قد أحل لنا ذلك.
وأما مثال ما وافق شريعتنا فكثير مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ومثل قوله تعالى الذي أشرنا إليه سابقًا: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وأمثلة ذلك كثيرة.
وأما ما لم يرد شرعنا بخلافه فمثاله الأخذ بقرينة الحال: كحكم سليمان بين المرأتين المتنازعتين، حيث دعا بالسكين ليشقه بينهما فوافقت إحداهما وامتنعت الأخرى فحكم به للتي امتنعت مع أنها هي الصغرى؛ لأن امتناعها دليل على أنها أمه، وهذا لم يرد مثله في شرعنا بعينه، وإن كان قد