الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإخفاء، لهذا يثني الله عز وجل على الذين ينفقون أموالهم سرا وعلانية، فإذا كان السر أصلح وأنفع للقلب وأخشع وأشد إنابة إلى الله أسروا، وإذا كان في الإعلان مصلحة للإسلام بظهور شرائعه، وللمسلمين يقتدون بهذا الفاعل وهذا العامل أعلنوه.
والمؤمن ينظر ما هو الأصلح، كلما كان أصلح وأنفع في العبادة فهو أكمل وأفضل.
الساعة وعلامتها:
ثم قال جبريل للنبي، صلى الله عليه وسلم:«أخبرني عن الساعة متى تكون؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل؟» فالمسؤول هو الرسول، صلى الله عليه وسلم، والسائل جبريل عليه السلام، وكلنا يعلم أن هذين الرسولين أفضل الرسل فجبريل أفضل الملائكة، ومحمد أفضل البشر، بل أفضل الخلق على الإطلاق، عليه الصلاة والسلام، وكلاهما لا يدري متى تقوم الساعة؛ لأنه لا يدري متى تقوم الساعة إلا الرب عز وجل قال تعالى:{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} ، وقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} ، فكان النبين صلى الله عليه وسلم، يقول لجبريل: إذا كنت لا تعلمها فأنا أيضا لا أعلمها، وليس المسؤول بأعلم من السائل، وإذا كانت خفية عليك فهي أيضا خفية علي، فلا يعلمها إلا الله، قال:«فأخبرني عن أماراتها» . أي علاماتها وأشراطها، كما قال تعالى:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} .
وأشراط الساعة هي العلامات الدالة على قربها، وقد قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أشراط مضت وانتهت.
القسم الثاني: أشراط لم تزل تتجدد وهي وسط.
القسم الثالث: أشراط كبرى تكون عند قرب قيام الساعة.
فمن الأشراط السابقة المتقدمة: بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، فإن بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكونه خاتم النبيين دليل على قرب الساعة، ولهذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم:«بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى» . أي إنهما متقاربان.
وأما الأشراط التي تتجدد وهي صغيرة، فمثل فتح بيت المقدس وغيرها مما جاءت به السنة عن النبي، صلى الله عليه وسلم.
وأما الأشراط الكبرى التي تنتظر فمثل طلوع الشمس من مغربها، فإن هذه الشمس التي تدور الآن، إذا غابت استأذنت من الله عز وجل أن تستمر في سيرها، فإن أذن الله لها وإلا قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع وتخرج من مغربها، وحينئذ يؤمن الناس إذا رأوها، ولكن:{لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} .
ثم ذكر الرسول، صلى الله عليه وسلم، من أشراطها.
أولا: قال: «أن تلد الأمة ربتها» . وفي رواية «أن تلد الأمة ربها» ، ومعنى هذا أن من أشراط الساعة أن الأمة التي كانت تباع وتشترى تلد من يكونون أسيادا ومالكين، فهي كانت مملوكة في الأول، وتلد من يكونون
أسيادا مالكين.
ويكون معنى قوله: (ربتها) أو (ربها) إضافة إلى الجنس، لا إضافة إلى نفس الوالدة؛ لأن الوالدة لا يمكن أن يملكها ابنها، ولكن المراد الجنس كما في قوله تعالى:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} ، فالضمير في جعلناها يعود إلى الذي يرمي به الشهب، لكن لما كانت هذه الشهب تخرج من النجوم أضيفت إلى ضمير يعود عليها، كذلك (ربها) أو (ربتها) فالمراد الجنس أي إن الأمة تلد من يكون سيدا أو تلد الأمة من تكون سيدة.
ثانيا: «وأن الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» وهذه الأوصاف تنطبق على الفقراء الذين من البادية يرعون الغنم يتطاولون في البنيان، وهذا يلزم أن أهل البادية يرجعون إلى المدن فيتطاولون في البنيان، بعدما كانوا حفاة، عراة، عالة، يرعون الشاء، وهذا وقع من زمان.
وهنا سؤال: هل الرسول، صلى الله عليه وسلم، لما قال له جبريل: أخبرني عن أماراتها؟ قال: «أن تلد الأمة ربها»
…
" إلخ هل أراد الحصر؟ أم أراد التمثيل؟ فالجواب: أنه أراد التمثيل، وفي هذا دليل على أن الشيء قد يفسر ببعض أفراده على سبيل التمثيل، وإلا فهناك أشراط أخرى لم يذكرها النبي، صلى الله عليه وسلم.
(فانطلق) ثم قال النبي، عليه الصلاة والسلام:«أتدرون من السائل؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» .
فجبريل الذي له ستمائة جناح، وقد سد الأفق، أتى على صورة رجل، ثم قال:«يعلمكم دينكم» ومع أن الذي علمنا الدين هو النبي، صلى الله عليه وسلم، لكن النبي، صلى الله عليه وسلم، جعل جبريل معلما؛ لأنه الذي سأل وكان التعليم بسببه، فيستفاد منه أن المتسبب كالمباشر.
وقد أخذ الفقهاء قاعدة من هذا في باب الجنايات قالوا: (المتسبب كالمباشر) ولهذا سمى النبي، صلى الله عليه وسلم، جبريل الذي تسبب لتعليم الرسول، صلى الله عليه وسلم، هذا الدين الذي أجاب به جبريل سماه معلما.
الثاني: أن الإنسان إذا سأل عن مسألة وهو يعلمها، لكن من أجل أن يعرفها الناس صار هو المعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبهذا انتهى شرح حديث جبريل والحمد لله رب العالمين.