المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مؤتمر القمة الإسلامي وعوامل النصر - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٢٧

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ فضل الدعوة إلى الله تعالى

- ‌ الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة

- ‌واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم

- ‌المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة رؤية حقيقية

- ‌من حق الله عليك أن تؤدي الزكاة

- ‌الخلاصة:

- ‌ الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع

- ‌ الدعوة إلى الله وأثرها في المجتمع

- ‌ مراتب الدعوة إلى الله تعالى

- ‌ نصيحة عامة للمسلمين

- ‌وجوب التعاون على البر والتقوى

- ‌نصيحة موجهة إلى الملك فيصل بن عبد العزيزللدعوة إلى الله

- ‌ وصية لبعض الأمراء بمناسبة تعيينه أميراعلى بعض المناطق بالمملكة

- ‌دعوة إلى القيام بالمحاضراتفي الجامعات

- ‌ نصيحة لحضرات المشايخ مقادمة بيت القرزات

- ‌رسالة إلى بعض أمراء الخليج

- ‌نصيحة لقادة الدول العربية

- ‌نصيحة بالدعوة إلى نشر الإسلام وفضائله في أمريكا

- ‌نصيحة موجهةإلى الطلبة المسلمين بباكستان

- ‌نصيحة بالقيام على الدعوة إلى الله والصبر عليها

- ‌نصيحة بالصبر على الاستهزاء والتمسكبالآداب الإسلامية

- ‌نصيحة موجهة إلى طلبة الجامعة الإسلامية

- ‌نصيحة عامة

- ‌مؤتمر القمة الإسلامي وعوامل النصر

- ‌الأقليات الإسلامية. . ظروفها وآمالها

- ‌الحركات الإسلامية ودور الشباب فيها

- ‌ رسالة المسجد

- ‌نصيحة لحكام المسلمين وعلمائهم

- ‌وصية لطلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية

- ‌لقاء مع مجلة تكبير الباكستانية

- ‌حوار فيما يتعلق بالأمة الإسلاميةبعد حرب الخليج

- ‌ الواجب على أهل العلم والإيمان أن ينشروا أسماء الله وصفاته

- ‌كيف نحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي

- ‌العلم الذي يحتاجه الداعي إلى الله تعالى:

- ‌السبيل الأمثل في الدعوة إلى الله:

- ‌معاملة المسلم لغير المسلم

- ‌ وسائل الإعلام سلاح ذو حدين

- ‌مرئيات حول مستقبل الإسلام

- ‌ الاستمرار في النصيحة والتوجيه من باب التعاون على البر والتقوى

- ‌ حضور حلقات العلم الشرعي من أفضل القربات

- ‌ الطريق الأمثل للاستقامة على المنهج القويم

- ‌ الطريق إلى جمع كلمة المسلمين على الحق

- ‌ الأسلوب المناسب للنصيحة والدعوة إلى الله

- ‌ الوصية بالاستمرار في النصيحة

- ‌كلمة في المؤتمر الأول للدعوة والدعاة المنعقد في المدينة النبوية

- ‌كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرهو سبب صلاح المجتمع وسفينة النجاة

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرأصل عظيم به صلاح الأمة ونجاتها

- ‌أوصيكم ونفسي بتقوى الله وخشيته في جميع الأحوال

- ‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب

- ‌ الإسلام قول وعلم وعقيدة

- ‌ الإنكار على من خالف الشرع والتحذير من الاقتداء به

- ‌التحذير من مكائد الأعداء

- ‌تكذيب ونقد لبعض ما نشرته مجلة المصور

- ‌رد على مقال صحفي

- ‌خطر إنكار السنة قولا وفعلا

- ‌استعمال الأطباق الفضائية منكر كبير

- ‌إنكار النظام الاشتراكي في العراق

- ‌كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكروالحكمة المقصودة فيه

- ‌إنكار المنكر حسب الطاقة

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم فرائض الإسلام

- ‌ كيفية النهي عن المنكر بالقلب

- ‌ الطريقة المثلى في إنكار المنكر

- ‌إنكار المنكر بالأسلوب الحسن والكلام الطيب:

- ‌إذا أهمل الجميع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثموا

- ‌ القائم بالمعروف والناهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم

- ‌ نصيحة لمن تعرض لسوء الكلام والتحريض على المعاصي

- ‌الدعوة إلى الله تعالى تكون بالجهر وتكون بالسر

- ‌ التعاون على البر والتقوى في البيت

- ‌ عليكن بالأمر بالمعروف ولو غضب من تأمرونه

- ‌ حكم من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌وجوب نصح المؤمنة لأختها:

- ‌ الواجب على رجال الهيئة أن يوضحوا الحق للجاهل ويرشدوه

- ‌ من أظهر المعاصي وجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر

- ‌ صلة الأرحام. . العصاة

- ‌ الدين النصيحة

- ‌ إنكار البدع والمعاصي بالأدلة الشرعية

- ‌ الدخول في الأسواق التي فيها منكرات

- ‌ من المحرمات تبرج النساء في الأسواق وإظهار الزينة

الفصل: ‌مؤتمر القمة الإسلامي وعوامل النصر

‌مؤتمر القمة الإسلامي وعوامل النصر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد (1) :

فإن من تأمل القرآن الكريم الذي أنزله الله تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين؛ يجد فيه بيانا شافيا لعوامل النصر وأسباب التمكين في الأرض والقضاء على العدو مهما كانت قوته، ويتضح له أن تلك الأسباب والعوامل ترجع كلها إلى عاملين أساسيين.

وهما الإيمان الصادق بالله ورسوله، والجهاد الصادق في سبيله، ومعلوم أن الإيمان الشرعي الذي علق الله به النصر وحسن العاقبة يتضمن الإخلاص لله في العمل والقيام بأوامره وترك نواهيه، كما يتضمن وجوب تحكيم الشريعة في كل أمور المجتمع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يتضمن أيضا وجوب إعداد ما يستطاع من القوة للدفاع عن الدين والحوزة؛ ولجهاد من خرج عن الحق حتى

(1) نشر في مجلة التوحيد المصرية من ص11 - 15، ونشر في ج3 من هذا المجموع ص341.

ص: 246

يرجع إليه.

أما العامل الثاني وهو الجهاد الصادق فهو أيضا من موجبات الإيمان، ولكن الله سبحانه نبه عليه وخصه بالذكر في مواضع كثيرة من كتابه، كذلك رسوله صلى الله عليه وسلم أمر به الأمة ورغبها فيه لعظم شأنه ومسيس الحاجة إليه؛ لأن أكثر الخلق لا يردعه عن باطله مجرد الوعد والوعيد، بل لا بد في حقه من وازع سلطاني يلزمه بالحق ويردعه عن الباطل، ومتى توافر هذان العاملان الأساسيان وهما الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله لأي أمة أو دولة؛ كان النصر حليفها وكتب الله لها التمكين في الأرض، والاستخلاف فيها وعد الله الذي لا يخلف، وسنته التي لا تبدل، وقد وقع لصدر هذه الأمة من العز والتمكين والنصر على الأعداء ما يدل على صحة ما دل عليه القرآن الكريم وجاءت به سنة الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام، وكل من له أدنى إلمام بالتاريخ الإسلامي يعرف صحة ما ذكرناه وأنه أمر واقع لا يمكن تجاهله وليس له سبب سوى ما ذكرنا آنفا من صدق الرعيل الأول في إيمانهم بالله ورسوله والجهاد في سبيله قولا وعملا وعقيدة.

وإليك أيها الأخ الكريم بعض الآيات الدالة على ما ذكرنا لتكون على بينة وبصيرة ولتقوم بما تستطيعه من الدعوة إلى سبيل ربك وتنبيه إخوانك المسلمين على أسباب النصر وعوامل الخذلان «لأن

ص: 247

يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (1) » كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (2) وقد أجمع أهل التفسير على أن نصر الله سبحانه هو نصر دينه بالعمل به والدعوة إليه والجهاد لمن خالفه ويدل على هذا المعنى الآية الأخرى من سورة الحج وهي قوله سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (3){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (4) وقال تعالى {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (5) ولا ريب أن المؤمن هو القائم بأمر الله المصدق بأخباره المنتهي عن نواهيه المحكم لشريعته وقال عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} (6)

وقال عز وجل في بيان صفات المؤمنين والمتقين

(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (2942) ، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406) ، سنن أبو داود العلم (3661) ، مسند أحمد بن حنبل (5/333) .

(2)

سورة محمد الآية 7

(3)

سورة الحج الآية 40

(4)

سورة الحج الآية 41

(5)

سورة الروم الآية 47

(6)

سورة الأنفال الآية 29

ص: 248

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (1)

تأمل يا أخي هذه الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة ثم حاسب نفسك بتطبيقها حتى تكون من المؤمنين الصادقين والمتقين الفائزين، ولا ريب أن الواجب على كل من ينتسب إلى الإسلام من ملك أو زعيم أو أمير أو غيرهم أن يحاسب نفسه وأن يجاهدها على التخلق بهذه الأخلاق الكريمة، والعمل بهذه الأعمال الصالحة، وأن يلزم من تحته من الشعوب بهذه الأخلاق والأعمال التي أوجبها الله على المسلمين، وأن يصدق في ذلك ويستعين بالله عليه وأن يولي الأخيار الذين يعينونه على تنفيذ أمر الله ورسوله حسب الإمكان وأن يبعد ضدهم حسب الإمكان وأن يتعاون مع غيره من الملوك والزعماء والأعيان في هذا الأمر الجليل الذي به عزتهم ونصرهم وتمكينهم في الأرض كما قال عز وجل:

(1) سورة البقرة الآية 177

ص: 249

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1) وقال سبحانه في سورة الأنفال آمرا لعباده بإعداد القوة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (2) وأمرهم بالحذر من الأعداء ومكايدهم فقال تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} (3) وقال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (4)

(1) سورة النور الآية 55

(2)

سورة الأنفال الآية 60

(3)

سورة النساء الآية 71

(4)

سورة النساء الآية 102

ص: 250

فانظر يا أخي هذا التعليم العظيم والتوجيه البليغ من فاطر الأرض والسماوات وعالم السرائر والخفيات الذي بيده تصريف قلوب الجميع وبيده أزمه الأمور وتصريفها يتضح لك من ذلك عناية الإسلام بالأسباب وحثه عليها، وتحذيره من إهمالها والغفلة عنها؛ ويتبين لك من ذلك أنه لا يجوز للمسلم أن يعرض عن الأسباب أو يتهاون بشأنها كما أنه لا يجوز له الاعتماد عليها بل يجب أن يكون اعتماده على الله وحده مؤمنا بأنه سبحانه هو الذي بيده النصر وهذا هو حقيقة التوكل الشرعي وهو الأخذ بالأسباب والعناية بها مع الاعتماد على الله والتوكل عليه وقد نبه الله سبحانه على هذا المعنى في عدة آيات، منها قوله سبحانه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (2) فذكر التقوى أولا وهي أعظم الأسباب لأن حقيقتها طاعة الله ورسوله

(1) سورة الطلاق الآية 2

(2)

سورة الطلاق الآية 3

ص: 251

في كل شيء ومن ذلك الأخذ بالأسباب الحسية والمعنوية والسياسية والعسكرية ثم ذكر التوكل فقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (1) - أي كافيه - وقال عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (2){وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (3)

أما الجهاد الصادق فذكره الله سبحانه في عدة آيات، وذكر ما يترتب عليه من النصر في الدنيا والسعادة في الآخرة وبين صفات المجاهدين الصادقين ليتميزوا من غيرهم فقال تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (5){وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (6){وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (7)

(1) سورة الطلاق الآية 3

(2)

سورة الأنفال الآية 9

(3)

سورة الأنفال الآية 10

(4)

سورة التوبة الآية 41

(5)

سورة الأنفال الآية 45

(6)

سورة الأنفال الآية 46

(7)

سورة الأنفال الآية 47

ص: 252

فتأمل أيها المؤمن هذه الصفات العظيمة للمجاهد الصادق حتى يتضح لك حال المسلمين اليوم وحال المجاهدين السابقين وحتى تعرف سر نجاح أولئك وخذلان من بعدهم، وأنه لا سبيل إلى إدراك النصر في الدنيا والسعادة في الآخرة إلا بالتخلق بالأخلاق التي أمر الله بها ودعا إليها، وعلق بها النصر وقد أوضحها الله سبحانه في كتابه المبين في هذه الآيات التي ذكرناها وغيرها وقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1){تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2){يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3){وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (4)

وقد جمع الله سبحانه في هذه الآيات أسباب النصر وردها سبحانه إلى عاملين أساسيين وهما الإيمان بالله ورسوله والجهاد في

(1) سورة الصف الآية 10

(2)

سورة الصف الآية 11

(3)

سورة الصف الآية 12

(4)

سورة الصف الآية 13

ص: 253

سبيله ورتب على ذلك مغفرة الذنوب والفوز بالجنة في الآخرة والنصر في الدنيا والفتح القريب، وأخبر سبحانه أن المسلمين يحبون النصر والفتح؛ ولهذا قال:{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (1)

فإذا كان ملوكنا وزعماؤنا في مؤتمرهم هذا يرغبون رغبة صادقة في النصر والفتح القريب والسعادة في الدنيا والآخرة، وقد أوضح الله لهم السبيل وأبان لهم العوامل والأسباب المفضية إلى ذلك؛ فما عليهم إلا أن يتوبوا إلى الله توبة صادقة مما سلف من تقصيرهم، وعدم قيامهم بما يجب عليهم من حق الله وحق عباده، وأن يتعاهدوا صادقين على الإيمان بالله ورسوله وتحكيم شريعته والاعتصام بحبله وجهادهم الأعداء صفا واحدا بكل ما أعطاهم الله من قوة وأن ينبذوا المبادئ المخالفة لشريعة الله وحقيقة دينه، وأن يعتمدوا عليه سبحانه لا على غيره من المعسكر الشرقي أو الغربي، وأن يأخذوا بالأسباب ويعدوا ما استطاعوا من القوة بكل وسيلة أباحها الشرع وأن يكونوا مستقلين ومنحازين عن سائر الكتل الكافرة من شرقية وغربية متميزين بإيمانهم بالله ورسوله

(1) سورة الصف الآية 13

ص: 254

واعتصامهم بدينه وتمسكهم بشريعته، وأما السلاح وأصناف العدة فلا بأس بتأمينها من كل طريق وبكل وسيلة لا تخالف الشرع المطهر.

والله المسئول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا المؤتمر مباركا وأن ينفع به عباده وأن يجمع به شمل المسلمين ويصلح به قادتهم ويوفق المجتمعين فيه لما فيه رضاه وعز دينه وذل أعدائه ورد الحق المسلوب إلى مستحقه ونبذ ما خالف الإسلام من مبادئ وأخلاق إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعه بإحسان.

ص: 255