المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأقليات الإسلامية. . ظروفها وآمالها - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٢٧

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ فضل الدعوة إلى الله تعالى

- ‌ الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة

- ‌واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم

- ‌المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة رؤية حقيقية

- ‌من حق الله عليك أن تؤدي الزكاة

- ‌الخلاصة:

- ‌ الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع

- ‌ الدعوة إلى الله وأثرها في المجتمع

- ‌ مراتب الدعوة إلى الله تعالى

- ‌ نصيحة عامة للمسلمين

- ‌وجوب التعاون على البر والتقوى

- ‌نصيحة موجهة إلى الملك فيصل بن عبد العزيزللدعوة إلى الله

- ‌ وصية لبعض الأمراء بمناسبة تعيينه أميراعلى بعض المناطق بالمملكة

- ‌دعوة إلى القيام بالمحاضراتفي الجامعات

- ‌ نصيحة لحضرات المشايخ مقادمة بيت القرزات

- ‌رسالة إلى بعض أمراء الخليج

- ‌نصيحة لقادة الدول العربية

- ‌نصيحة بالدعوة إلى نشر الإسلام وفضائله في أمريكا

- ‌نصيحة موجهةإلى الطلبة المسلمين بباكستان

- ‌نصيحة بالقيام على الدعوة إلى الله والصبر عليها

- ‌نصيحة بالصبر على الاستهزاء والتمسكبالآداب الإسلامية

- ‌نصيحة موجهة إلى طلبة الجامعة الإسلامية

- ‌نصيحة عامة

- ‌مؤتمر القمة الإسلامي وعوامل النصر

- ‌الأقليات الإسلامية. . ظروفها وآمالها

- ‌الحركات الإسلامية ودور الشباب فيها

- ‌ رسالة المسجد

- ‌نصيحة لحكام المسلمين وعلمائهم

- ‌وصية لطلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية

- ‌لقاء مع مجلة تكبير الباكستانية

- ‌حوار فيما يتعلق بالأمة الإسلاميةبعد حرب الخليج

- ‌ الواجب على أهل العلم والإيمان أن ينشروا أسماء الله وصفاته

- ‌كيف نحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي

- ‌العلم الذي يحتاجه الداعي إلى الله تعالى:

- ‌السبيل الأمثل في الدعوة إلى الله:

- ‌معاملة المسلم لغير المسلم

- ‌ وسائل الإعلام سلاح ذو حدين

- ‌مرئيات حول مستقبل الإسلام

- ‌ الاستمرار في النصيحة والتوجيه من باب التعاون على البر والتقوى

- ‌ حضور حلقات العلم الشرعي من أفضل القربات

- ‌ الطريق الأمثل للاستقامة على المنهج القويم

- ‌ الطريق إلى جمع كلمة المسلمين على الحق

- ‌ الأسلوب المناسب للنصيحة والدعوة إلى الله

- ‌ الوصية بالاستمرار في النصيحة

- ‌كلمة في المؤتمر الأول للدعوة والدعاة المنعقد في المدينة النبوية

- ‌كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرهو سبب صلاح المجتمع وسفينة النجاة

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرأصل عظيم به صلاح الأمة ونجاتها

- ‌أوصيكم ونفسي بتقوى الله وخشيته في جميع الأحوال

- ‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب

- ‌ الإسلام قول وعلم وعقيدة

- ‌ الإنكار على من خالف الشرع والتحذير من الاقتداء به

- ‌التحذير من مكائد الأعداء

- ‌تكذيب ونقد لبعض ما نشرته مجلة المصور

- ‌رد على مقال صحفي

- ‌خطر إنكار السنة قولا وفعلا

- ‌استعمال الأطباق الفضائية منكر كبير

- ‌إنكار النظام الاشتراكي في العراق

- ‌كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكروالحكمة المقصودة فيه

- ‌إنكار المنكر حسب الطاقة

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم فرائض الإسلام

- ‌ كيفية النهي عن المنكر بالقلب

- ‌ الطريقة المثلى في إنكار المنكر

- ‌إنكار المنكر بالأسلوب الحسن والكلام الطيب:

- ‌إذا أهمل الجميع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثموا

- ‌ القائم بالمعروف والناهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم

- ‌ نصيحة لمن تعرض لسوء الكلام والتحريض على المعاصي

- ‌الدعوة إلى الله تعالى تكون بالجهر وتكون بالسر

- ‌ التعاون على البر والتقوى في البيت

- ‌ عليكن بالأمر بالمعروف ولو غضب من تأمرونه

- ‌ حكم من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌وجوب نصح المؤمنة لأختها:

- ‌ الواجب على رجال الهيئة أن يوضحوا الحق للجاهل ويرشدوه

- ‌ من أظهر المعاصي وجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر

- ‌ صلة الأرحام. . العصاة

- ‌ الدين النصيحة

- ‌ إنكار البدع والمعاصي بالأدلة الشرعية

- ‌ الدخول في الأسواق التي فيها منكرات

- ‌ من المحرمات تبرج النساء في الأسواق وإظهار الزينة

الفصل: ‌الأقليات الإسلامية. . ظروفها وآمالها

‌الأقليات الإسلامية. . ظروفها وآمالها

.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن الله جلت قدرته قد بعث الأنبياء والمرسلين للدعوة إلى توحيده، وإخلاص العبادة له سبحانه، وإيضاح شرعه الذي شرع لعباده، وخلق الثقلين لذلك، كما قال سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وقال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2)

وأخبر سبحانه وبحمده أنه لا يعذب قوما إلا بعد إرسال البشير والنذير، قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (4)

(1) سورة الذاريات الآية 56

(2)

سورة النحل الآية 36

(3)

سورة المائدة الآية 19

(4)

سورة الإسراء الآية 15

ص: 256

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله على فترة من الرسل، جاء بعد أن ملئت الأرض جورا وظلما، وبعد أن تغلبت معصية الله في أرضه على طاعته، فأرسله الله للعالمين الإنس والجن، وللعجم والعرب، بشيرا ونذيرا ومبلغا لشرع الله، فوضح الحق، ودعا إليه، وأرسل الرسل وبعث الكتب للرؤساء والعظماء، بالدعوة لما جاء به، لتقوم الحجة على من عاند وخالف، قال الله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (1)

وقد جعل الله شريعته خاتمة الشرائع، ورسالته خاتمة الرسالات؛ لأن فيها الكمال والشمول لما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم، ولم يترك صلى الله عليه وسلم خيرا إلا دعا

(1) سورة الأعراف الآية 158

ص: 257

الناس إليه، أو شرا إلا حذرهم منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك (1) » . وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم (2) » . خرجه مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا أبدا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي» .

ففي كتاب الله الأمر بالدعوة إلى دين الله، دين الحق الذي لا يقبل سبحانه من البشر سواه قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (3) الآية، وقال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (4) وقال سبحانه:

(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم برقم 16692.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء برقم 1844.

(3)

سورة النحل الآية 125

(4)

سورة آل عمران الآية 19

ص: 258

{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحث على الدعوة، والتوضيح لما يجب أن يؤديه المسلم نحو دين الله، وذلك بتوضيحه لسائر البشر، فهو أمانة ملقاة على عواتق أهل العلم ولا تبرأ ذممهم بذلك، نحو إخوانهم المسلمين وغيرهم بالتوضيح والنصح، قال صلى الله عليه وسلم:«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا (2) » - وشبك بين أصابعه - رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم:«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (3) » متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (4) » خرجه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى اليهود في خيبر ليدعوهم إلى الإسلام ويبين لهم حق الله

(1) سورة آل عمران الآية 85

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا برقم 6027، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم برقم 2585.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم برقم 6011، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم برقم 2586.

(4)

أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره برقم 1893.

ص: 259

عليهم: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (1) » .

فالمسلمون في أي مكان وزمان واجب عليهم التناصح فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، ودعوة غيرهم إلى الإسلام، قال تعالى:{وَالْعَصْرِ} (2){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) وقال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (5) وقال عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (6) » متفق عليه.

فالواجب على المسلم الامتثال لأوامره وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والنصح لله ولعباده؛ لأن في ذلك السعادة كلها في الدنيا والآخرة، والعزة للمسلمين لا تكون إلا بذلك، حيث يعلي سبحانه كلمتهم وينصرهم على أعدائهم مهما كثروا وتعاونوا، كما قال سبحانه:

(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس برقم 2942، ومسلم في كتاب فضل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 2406.

(2)

سورة العصر الآية 1

(3)

سورة العصر الآية 2

(4)

سورة العصر الآية 3

(5)

سورة المائدة الآية 2

(6)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب أن الدين النصيحة برقم 55.

ص: 260

{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (1) وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (2) ولقد سمعنا وقرأنا الأخبار عن كثير من إخواننا المسلمين في المجتمعات التي أكثر أهلها من غير المسلمين، وما يحصل عليهم من التسلط والتضييق في إقامة شعائر دينهم لإبعادهم عنه، إما بالإكراه أو بطرق أخرى، فنسأل الله لهم ولجميع المسلمين الثبات على الإسلام، والعافية من مكائد الأعداء.

ولا شك أنهم على ثغرة مهمة من ثغور الإسلام، ويحتاجون والحالة هذه إلى كل مساعدة وعون سواء من الناحية السياسية، وهذا خاص بالحكومات الإسلامية من العرب وغيرهم التي لديها غيرة على الإسلام، ولها علاقات مع تلك الدول، بإرسال المندوبين وبعث الرسائل والتأكيد على ممثلياتها، وما إلى ذلك من الوسائل والأساليب التي تعين إخوانهم في تلك الأقليات، وترفع معنوياتهم، وتشعر من يتسلط عليهم بأن لهم أخوة في العقيدة يهتمون بأمرهم ويتابعون أخبارهم ويغارون لهم.

وسوف يرتفع الضيم والظلم عن المسلمين - إن شاء الله - عندما تشعر تلك الدول وغيرها أن وراء هذه القلة المسلمة دولا تتألم

(1) سورة الصافات الآية 173

(2)

سورة المنافقون الآية 8

ص: 261

لآلامهم، وتهتم بشئونهم، فتنصاع لمطالبهم وترفع يدها عن ظلمهم، ولا سيما أن غالب تلك الدول بحاجة إلى البلاد الإسلامية في الشئون الاقتصادية وغيرها.

والقلة المسلمة في كل مكان لا شك أنهم في أمس الحاجة إلى المساعدة المادية والمعنوية لإقامة المساجد وبناء المدارس، ونحو ذلك مما يعينهم في عملهم الإسلامي، وواجب على كل مسلم أن يعينهم بقدر طاقته، مع إرسال الدعاة لهم، لتعليمهم العقيدة الصحيحة، واللغة العربية؛ لأن الكثير منهم في جهل كبير بأمور دينهم.

وبهذه المناسبة نحب أن نشير إلى أن للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بحمد الله جهودا في مختلف البلاد الإسلامية والبلاد التي فيها أقليات، وتشاركها في ذلك رابطة العالم الإسلامي، وبعض الدول والمؤسسات الإسلامية، أسأل الله أن ينفع بهذه الجهود وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفق القائمين على ذلك لما يحب ويرضى.

فقد قامت الرئاسة بمواصلة نشر رسالة الإسلام في ربوع أفريقيا وأوروبا، وأمريكا وآسيا وأستراليا، لإيصال كلمة الحق

ص: 262

إلى الناس بما توزعه من المصاحف والكتب بواسطة الدعاة والمرشدين وما يقومون به من محاضرات ودروس ولقاءات واتصالات بشتى الطبقات، وبأنواع الثقافات، ومن خلال المساجد والمدارس والجمعيات والمؤسسات الإسلامية التي تدعمها، وتساهم في تأسيسها وبنائها، بواسطة دعاتها المنتشرين في سائر أرجاء الأرض.

فالرئاسة توجه نشاطاتها فيما يقرب من خمسين بلدا في إفريقيا وحدها، ولها أكثر من ألف داعية هناك، يبلغون كلمة الإسلام، ويدعون إلى دين الله في المساجد والمجتمعات والمناسبات المتعددة، ويقومون بالتدريس والوعظ وإرشاد الناس بالحسنى إلى صراط الله المستقيم، وإلى العقيدة الصحيحة التي بلغها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، وسار على نهجها الصفوة الأولى من هذه الأمة.

وقد نفع الله بجهود هؤلاء الدعاة وأخبار أعمالهم ظاهرة بحمد الله، حيث أسلم على أيديهم الجم الغفير، ممن أراد الله هدايتهم. أما في أمريكا وأوروبا وأستراليا، فقد قامت الرئاسة ضمن جهود أخرى بإرسال العديد من الوفود، وذلك لمعايشة هذه الأقليات المسلمة، وتقصي الحقائق عن أوضاع المسلمين،

ص: 263

وتقويم أعمالهم، ومعرفة ما يستجد بشأنهم وإيجاد الحلول لما يعترضهم من مشكلات، وبيان ما ينقصهم في عملهم الإسلامي.

وقد تمخض عن ذلك إرسال الكثير من الدعاة والمدرسين إلى البلدان المحتاجة التي يوجد فيها أقليات مسلمة، ودعم الجمعيات والمراكز الإسلامية في بناء منشآتها ماديا ومعنويا مع تزويدهم بأمهات الكتب والمراجع العلمية، والنصح والإرشاد لهم، لعل الله ينفع بذلك.

أما في آسيا فتقوم الرئاسة بتوفير عدد لا بأس به من الدعاة في البلدان التي يوجد بها أقليات إسلامية لنشر الدعوة الإسلامية بينهم المبنية على أساس من العقيدة الصحيحة حسبما أخذها السلف الصالح عن رسول صلى الله عليه وسلم، وفهمها أصحابه - رضوان الله عليهم -.

كما وضعت مكاتب ومشرفين لمتابعة أعمال الدعاة، وتوزيعهم حسب حاجة تلك البلدان، وبحث ما فيه مصلحة لدعم الجمعيات الإسلامية المعروفة بسلامة الاتجاه بعد التأكد من حاجتهم بالكتب الإسلامية والكتابة إلى المؤسسات التعليمية لتزويدهم بالمقررات المدرسية، كما تقوم بالمساهمة في إكمال مشروعاتهم التي تعود على المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم

ص: 264

كالمساهمة في بناء المساجد وترميمها وتزويدها بالمصاحف، وتوثيق المؤسسات الإسلامية للاطمئنان على سلامة القائمين على العمل وصدقهم، وذلك بإعطائهم توصيات خاصة لمحبي الخير لمساعدتهم في عملهم الخيري، وإرسال الوفود من الرئاسة لتفقد أحوال الأقليات ومعرفة احتياجاتهم الضرورية.

وكل ما ذكرت من عمل الرئاسة ودعمها للجمعيات الإسلامية والمراكز الإسلامية، وإرسال الدعاة وغير ذلك من أعمال إسلامية، كله إنما يتم بفضل الله سبحانه ثم بفضل حكومتنا الرشيدة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد حفظه الله من كل سوء ونصر به الحق، وفسح في أجله على خير عمل.

وبهذه المناسبة التي تعقدها ندوة الشباب العالمية لبحث أوضاع الأقليات الإسلامية في العالم، أوصي إخواني الدعاة جميعا بتقوى الله سبحانه وتعالى، والعمل بإخلاص في تبليغ هذا الدين مستحضرين ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، في فضل الدعوة وآداب الدعاة، حيث قال سبحانه:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1)

(1) سورة فصلت الآية 33

ص: 265

وقال عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1) وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2)

وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (3) » وقوله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (4) » .

ووصيتي لإخواني المسلمين في الأقليات الإسلامية وفي كل مكان، أن يتقوا الله وأن يتفقهوا في دينهم، ويسألوا أهل العلم عما أشكل، وأن يحرصوا على تعلم اللغة العربية ليستعينوا بها على فهم كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأول ذلك الاهتمام بكتاب الله فهما وعملا، كما جاء في الحديث الصحيح «خيركم من تعلم القرآن وعلمه (5) » ثم قراءة كتب الحديث الموثوقة المعتبرة. وغيرها من كتب

(1) سورة يوسف الآية 108

(2)

سورة النحل الآية 125

(3)

صحيح مسلم الإمارة (1893) ، سنن الترمذي العلم (2671) ، سنن أبو داود الأدب (5129) ، مسند أحمد بن حنبل (4/120) .

(4)

صحيح البخاري الجهاد والسير (2942) ، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406) ، سنن أبو داود العلم (3661) ، مسند أحمد بن حنبل (5/333) .

(5)

أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، برقم 5027.

ص: 266

الفقه والعقيدة المعتمدة عند أهل السنة والجماعة. وأن يتلقوا كل ذلك على أيدي علماء معروفين بالصلاح والتقوى وحسن العقيدة، والعلم الصحيح.

وعلى الإخوة العلماء في المجتمعات ذات الأقلية المسلمة أن ينشطوا في مجال الدعوة إلى الله بين إخوانهم وغيرهم، ولهم الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.

وهذا العمل من أجل الأعمال وأعظمها كما تقدم في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1) ثم بعد ذلك يجب عليهم تبليغ هذا الدين إلى من حولهم من الأمم الأخرى؛ لأنه دين الإسلام للناس كافة قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (2)

وهذه المجتمعات بأشد الحاجة إلى هذا الدين، والداعي إلى الله يحصل له الأجر العظيم إذا كان سببا في هداية هؤلاء وإرشادهم لما خفي عليهم من أمور دين الإسلام كما تقدم في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب:«فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (3) » .

(1) سورة فصلت الآية 33

(2)

سورة الأعراف الآية 158

(3)

صحيح البخاري الجهاد والسير (2942) ، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406) ، سنن أبو داود العلم (3661) ، مسند أحمد بن حنبل (5/333) .

ص: 267

فبهذه الدعوة يدخل في دين الله - دين الإسلام إن شاء الله - أفواج ويقل عدد الكفار فتصبح الغلبة - إن شاء الله تعالى - للمسلمين، وإن لم يتمكن المسلم في تلك البلاد من الدعوة فعليه أن يلتزم بدينه وأن يتخلق بالأخلاق والآداب الإسلامية؛ لأنها دعوة بالفعل، ولأنها محببة لذوي العقول الصحيحة فيتأثر الناس غالبا بهذه الصفات الحميدة، ولقد دخل الإسلام إلى بعض جنوب شرق آسيا بأخلاق التجار من الأمانة والصدق في المعاملة.

ومتى عجز المسلم عن إظهار دينه في بلد إقامته، بحيث لا يأمن على دينه وعرضه وماله، فإنه يجب عليه الهجرة إلى بلاد آمنة يستطيع فيها أن يؤدي شعائر دينه بأمن وراحة بال إذا استطاع ذلك، عملا بالآيات والأحاديث الواردة في ذلك.

ولا يفوتني أن أشكر للقائمين على هذه الندوة جهودهم الطيبة في خدمة الإسلام والمسلمين.

نسأل الله لنا ولهم ولجميع المشاركين في هذا المؤتمر التوفيق والسداد وصلاح النية والعمل إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

ص: 268