الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (1){كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2) وقال الله موبخا لليهود: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (3) فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول أمر يخالف العقل كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل.
اللهم اهدنا لما فيه رضاك واجعلنا من الذين يهدون بالحق وبه يعملون، إنك أكرم مسئول وخير مجيب.
(1) سورة الصف الآية 2
(2)
سورة الصف الآية 3
(3)
سورة البقرة الآية 44
8 -
نصيحة عامة للمسلمين
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من إخواننا المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين، ووفقني وإياهم للتمسك بالحق والفقه في الدين، وأعاذني وإياهم من طريق المغضوب عليهم والضالين، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملا بقوله سبحانه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (1) وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (3) » وقوله عليه السلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه (4) » وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر (5) » إذا عرف ذلك فلا يخفى عليكم ما قد أصاب المسلمين من
(1) سورة الذاريات الآية 55
(2)
سورة المائدة الآية 2
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، برقم 55.
(4)
أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب نصر المظلوم برقم 2446 ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم برقم 2585.
(5)
أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم برقم 6011، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم برقم 2586.
الغفلة والإعراض عما خلقوا له، وإقبال أكثرهم على عمارة الدنيا والتمتع بشهواتها وإشغال الأوقات بوسائل الحياة فيها ونسيان الآخرة والاستعداد لها حتى أفضى بهم ذلك إلى ما قد وقع من التفرق والاختلاف والشحناء والتباغض والموالاة والمعاداة لأجل الدنيا وحظوظها العاجلة وعدم رفع الرأس بأمر الآخرة والتزود لها، فنتج عن ذلك أنواع من الشرور منها مرض القلوب وموت الكثير منها؛ لأن حياة القلوب وصحتها بذكر الله والاستعداد للقائه والاستقامة على أمره وخشيته ومحبته والخوف منه والرغبة فيما عنده، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (1) وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2) وقال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (3) فحياة القلوب وصحتها ونورها
(1) سورة الأنفال الآية 24
(2)
سورة الشورى الآية 52
(3)
سورة الأنعام الآية 122
وإشراقها وقوتها وثباتها على حسب إيمانها بالله ومحبتها له وشوقها إلى لقائه وطاعتها له ولرسوله، وموتها ومرضها وظلمتها وحيرتها على حسب جهلها بالله وبحقه وبعدها عن طاعته وطاعة رسوله وإعراضها عن ذكره وتلاوة كتابه. وبسبب ذلك يستولي الشيطان على القلوب فيعدها ويمنيها ويبذر فيها البذور الضارة التي تقضي على حياتها ونورها وتبعدها من كل خير وتسوقها إلى كل شر كما قال الله تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (1){وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (2) وقال تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} (3) وقال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} (4) وقال تعالى: {وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} (5) فالواجب علينا جميعا هو التوبة إلى الله سبحانه والإنابة إليه، وعمارة القلوب بمحبته وخشيته وخوفه ورجائه والشوق إليه والإقبال على طاعته وطاعة رسوله،
(1) سورة الزخرف الآية 36
(2)
سورة الزخرف الآية 37
(3)
سورة الحج الآية 53
(4)
سورة البقرة الآية 268
(5)
سورة الإسراء الآية 64
والحب في ذلك والبغض فيه وموالاة المؤمنين ومحبتهم ومساعدتهم على الحق وبغض الكافرين والمنافقين ومعاداتهم والحذر من خداعهم ومكرهم والركون إليهم ومد النظر إلى ما متعوا به من زهرة الدنيا الزائلة عن قريب، قال الله تعالى:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (1){وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (2){أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (3){أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (4){أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (5) وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (6) وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (7) وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (8)
(1) سورة الزمر الآية 54
(2)
سورة الزمر الآية 55
(3)
سورة الزمر الآية 56
(4)
سورة الزمر الآية 57
(5)
سورة الزمر الآية 58
(6)
سورة النور الآية 52
(7)
سورة الأنبياء الآية 90
(8)
سورة الفتح الآية 29
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله (1) » ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان (2) » ، ومتى أناب العباد إلى ربهم وتابوا إليه من سالف ذنوبهم واستقاموا على طاعته وطاعة رسوله، جمع الله قلوبهم وشملهم على الهدى ونصرهم على الأعداء وأعطاهم ما يحبون وصرف عنهم ما يكرهون وجعل لهم العزة والكرامة في الدنيا والآخرة كما قال تعالى:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (3) وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4)، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (5) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (6) وقال تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (7) وقال تعالى:
(1) أخرجه الإمام أحمد ج4 ص286 برقم 18547.
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه برقم 2521.
(3)
سورة محمد الآية 7
(4)
سورة الطلاق الآية 4
(5)
سورة الطلاق الآية 2
(6)
سورة الطلاق الآية 3
(7)
سورة المنافقون الآية 8
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (2) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وإني أنصحكم وأوصيكم ونفسي بأمور:
الأمر الأول: النظر والتفكر في الأمر الذي خلقنا لأجله قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} (3) وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (4){الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (5) وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (6) أي مهملا لا يؤمر ولا ينهى، ولا شك أن كل مسلم يعلم أنه لم يخلق عبثا بل خلق لعبادة الله وحده وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (7)
(1) سورة الحج الآية 40
(2)
سورة الحج الآية 41
(3)
سورة سبأ الآية 46
(4)
سورة آل عمران الآية 190
(5)
سورة آل عمران الآية 191
(6)
سورة القيامة الآية 36
(7)
سورة الذاريات الآية 56
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) وقد أمر الله سبحانه جميع الثقلين بما خلقهم لأجله وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان ذلك والدعوة إليه، ثم قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} (2) وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) وقال سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (4) وقال تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (5) فالواجب على من نصح نفسه أن يهتم بالأمر الذي خلق لأجله أعظم اهتمام وأن يقدمه على كل شيء، وأن يحذر من إيثار الدنيا على الآخرة وتقديم الهوى على الهدى وطاعة النفس والشيطان على طاعة الملك الرحمن، وقد حذر الله عباده من ذلك
(1) سورة البقرة الآية 21
(2)
سورة البينة الآية 5
(3)
سورة النحل الآية 36
(4)
سورة النساء الآية 36
(5)
سورة إبراهيم الآية 52
أشد تحذير فقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى} (1){وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (2){فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} (3){وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} (4){فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (5)
الأمر الثاني: في الأمور التي أوصيكم ونفسي بها هو الإقبال على تلاوة القرآن العظيم والإكثار منها ليلا ونهارا مع التدبر والتفكر والتعقل لمعانيه العظيمة المطهرة للقلوب المحذرة من متابعة الهوى والشيطان، فإن الله سبحانه أنزل القرآن هداية وموعظة وبشيرا ونذيرا ومعلما ومرشدا ورحمة لجميع العباد، فمن تمسك به واهتدى بهداه فهو السعيد الناجي ومن أعرض عنه فهو الشقي الهالك. قال الله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (6) وقال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (7) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (8) وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (9)
(1) سورة النازعات الآية 37
(2)
سورة النازعات الآية 38
(3)
سورة النازعات الآية 39
(4)
سورة النازعات الآية 40
(5)
سورة النازعات الآية 41
(6)
سورة الإسراء الآية 9
(7)
سورة الأنعام الآية 19
(8)
سورة يونس الآية 57
(9)
سورة فصلت الآية 44
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به (1) » فحث على كتاب الله ورغب فيه، وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع:«إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم:«خيركم من تعلم القرآن وعلمه (3) » وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأتي بناقتين كوماوين في غير إثم أو قطع رحم؟ فقالوا: كلنا يا رسول الله نحب ذلك، قال:
(1) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 2408، والدارمي في كتاب فضائل القرآن، باب من قرأ القرآن برقم 3316.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1218.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه برقم 5027، والترمذي في كتاب فضائل القرآن باب ما جاء في تعليم القرآن 2907، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في ثواب قراءة القرآن برقم 1452.
أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين في كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل (1) » . وكل هذه الأحاديث أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والآيات والأحاديث في فضل القرآن والترغيب في تلاوته وتعلمه وتعليمه كثيرة معلومة. والمقصود من التلاوة هو التدبر والتعقل للمعاني ثم العمل بمقتضى ذلك كما قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (2) وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3) فبادروا - رحمكم الله - إلى تلاوة كتاب ربكم وتدبر معانيه وعمارة الأوقات والمجالس بذلك. والقرآن الكريم هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم الذي من تمسك به وصل إلى الله وإلى دار كرامته ومن أعرض عنه شقي في الدنيا والآخرة. واحذروا - رحمكم الله - ما
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتفهمه برقم 803، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في ثواب قراءة القرآن برقم 1456.
(2)
سورة محمد الآية 24
(3)
سورة ص الآية 29
يصدكم عن كتاب الله ويشغلكم عن ذكره من الصحف والمجلات وما أشبهها من الكتب التي ضررها أكثر من نفعها. وما دعته الحاجة إلى مطالعة شيء من ذلك فليجعل لذلك وقتا مخصوصا، وليقتصر على قدر الحاجة وليجعل لتلاوة كتاب الله وسماعه ممن يتلوه وقتا مخصوصا يستمع فيه كلام ربه، ويداوي بذلك أمراض قلبه ويستعين به على طاعة خالقه ومربيه المالك للضر والنفع والعطاء والمنع لا إله غيره ولا رب سواه.
ومما ينبغي الحذر منه حضور مجالس اللهو والغناء وسماع الإذاعات الضارة ومجالس القيل والقال والخوض في أعراض الناس. وأشد من ذلك وأضر حضور مجالس السينما وأشباهها ومشاهدة الأفلام الخليعة الممرضة للقلوب الصادة عن ذكر الله وتلاوة كتابه، الباعثة على اعتناق الأخلاق الرذيلة وهجر الأخلاق الحميدة، إنها والله من أشد آلات اللهو ضررا وأعظمها قبحا وأخبثها عاقبة فاحذروها - رحمكم الله - واحذروا مجالسة أهلها والرضى بعملهم القبيح. ومن دعا الناس إليها فعليه إثمها ومثل آثام من ضل بها، وهكذا كل من دعا إلى باطل أو زهد في حق يكون عليه إثم ذلك ومثل آثام من تبعه على ذلك. وقد صح
بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله أن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب.
الأمر الثالث: من الأمور هو تعظيم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والرغبة في سماعها والحرص على حضور مجالس الذكر التي يتلى فيها كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن السنة هي شقيقة القرآن وهي المفسرة لمعانيه والموضحة لأحكامه الدالة على تفاصيل ما شرعه الله لعباده. فيجب على كل مسلم أن يعظم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يحرص على حفظ وفهم ما تيسر منها، وينبغي له أن يكثر من مجالسة أهلها فإنهم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وقد قال الله تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (1) وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر (3) » .
(1) سورة النساء الآية 80
(2)
سورة الحشر الآية 7
(3)
أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه برقم 12114.
قال أهل العلم حلق الذكر هي المجالس التي يتلى فيها كتاب الله وأحاديث رسوله عليه السلام ويبين فيها ما أحل الله لعباده وما حرمه عليهم وما يتصل بذلك من تفاصيل أحكام الشريعة وبيان أنواعها ومتعلقاتها. فاغتنموا - رحمكم الله - حضور مجالس الذكر وعظموا القرآن والأحاديث واعملوا بما تستفيدون منها واسألوا عما أشكل عليكم لتعرفوا الحق بدليله فتعملوا به وتعرفوا الباطل بدليله فتحذروه وتكونوا بذلك من الفقهاء في الدين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » وقال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » وقال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه (3) » . والله
(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا برقم 71، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة برقم 1037.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جور برقم 2697، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة برقم 1718.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن برقم 2699.