الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (1){وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (2) فأمر سبحانه في هذه الآية الكريمة بصحبة الوالدين بالمعروف وإن كانا كافرين فدل ذلك على عظم حقهما وعلى وجوب برهما والاجتهاد في صلاحهما، وإن كانا كافرين، وأما الأولاد فعليه تأديبهم إن استطاع إذا لم تنفع فيهم النصيحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع (3) » .
والله ولي التوفيق.
(1) سورة لقمان الآية 14
(2)
سورة لقمان الآية 15
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة برقم495.
70 -
الدين النصيحة
س: سائل يطلب شرح حديث: «الدين النصيحة (1) » (2) .
ج: هذا حديث عظيم رواه مسلم في الصحيح من حديث
(1) صحيح مسلم الإيمان (55) ، سنن النسائي البيعة (4198) ، سنن أبو داود الأدب (4944) ، مسند أحمد بن حنبل (4/102) .
(2)
أجاب عنه سماحته في تاريخ 18 \ 12 \ 1412 هـ.
تميم الداري وله شواهد عند غير مسلم، يقول صلى الله عليه وسلم:«الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (1) » .
فهذا الحديث العظيم يدل على أن الدين هو النصيحة وذلك يدل على عظم شأنها لأنه جعلها الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة (2) » .
وهذا الحديث يدل على أن النصيحة هي الدين وهي الإخلاص في الشيء والصدق فيه حتى يؤدى كما أوجب الله فالدين هو النصيحة في جميع ما أوجب الله وفي ترك ما حرم الله وهذا عام يعم حق الله وحق الرسول وحق القرآن وحق الأئمة وحق العامة.
والنصيحة كما تقدم هي الإخلاص في الشيء والعناية به والحرص على أن يؤدى كاملا تاما لا غش فيه ولا خيانة ولا تقصير، يقال في لغة العرب: ذهب ناصح، أي ليس فيه غش.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين، ومسلم في كتابا الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة برقم 55.
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب العلل، باب حدثنا عبد الله بن أبي زياد وغير واحد قالوا حدثنا، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب فرض الوقوف بعرفة برقم 3016.
ويقولون أيضا: عمل ناصح، يعني ليس فيه غش.
وهكذا يجب أن يكون المؤمن في أعماله ناصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فالنصيحة لله توحيده سبحانه وتعالى والإخلاص له وصرف العبادة له جل وعلا من صلاة وصوم وحج وجهاد وغير ذلك يعني أن يعمل في غاية من الإخلاص لله، لا يعبد معه سواه بل يعبده وحده ينصح في هذه العبادة ويكملها مع الإيمان به وبكل ما أمر به وهكذا ينصح في أداء ما فرض الله عليه وترك ما حرم الله عليه يؤدي ذلك كاملا لعلمه بحق الله وأن الله أوجبه عليه فهو يخلص في ذلك يعتني به.
وهكذا في حق القرآن يتدبره ويتعقله ويعمل بما فيه من أوامر وينتهي عن النواهي وهو كتاب الله العظيم وحبله المتين، فالواجب العناية به والنصح في ذلك قولا وعملا وذلك بحفظ الأوامر وترك النواهي والوقوف عند الحدود التي بينها الله في القرآن الكريم حتى لا تخل بشيء من أوامر الله في القرآن وحتى لا ترتكب شيئا من محارم الله مع الإيمان بأنه كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود هذا قول أهل السنة والجماعة قاطبة، كما قال عز وجل:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} (1){عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (2)
(1) سورة الشعراء الآية 193
(2)
سورة الشعراء الآية 194
وقال سبحانه: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (1) وقال عز وجل {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (2) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه كلام الله سبحانه وأنه منزل من عنده، فالمؤمن يؤمن بهذا كله وهكذا المؤمنة ويعتقد كل منهما أنه كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود خلافا للجهمية ومن سار في ركابهم المبتدعة.
وهكذا النصح للرسول صلى الله عليه وسلم يكون بطاعة أوامره واجتناب نواهيه والإيمان بأنه رسول الله حقا وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين مع الدفاع عن سنته والذب عنهما كل هذا من النصح للرسول صلى الله عليه وسلم وهكذا العناية بأحاديثه صلى الله عليه وسلم وبيان صحيحها من سقيمها والذب عنها والامتثال لها والوقوف عند الحدود التي حددها الله ورسوله كما قال تعالى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (3) الآية.
هذه النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم، وما زاد على ذلك من الواجبات وترك المحرمات كان كمالا للنصيحة وتماما لها.
(1) سورة الزمر الآية 1
(2)
سورة القدر الآية 1
(3)
سورة البقرة الآية 229
فالحاصل أنه بعنايته بما أمر الله به ورسوله وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله من الحقوق يكون قد نصح لله ولكتابه ولرسوله بأداء فرائض الله وترك محارم الله والوقوف عند حدود الله والإكثار من الثناء عليه وذكره سبحانه وتعالى وخشيته جل وعلا كل هذا من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
أما النصيحة لأئمة المسلمين فبالدعاء لهم والسمع والطاعة لهم في المعروف والتعاون معهم على الخير وترك الشر وعدم الخروج عليهم، وعدم منازعتهم إلا أن يوجد منهم كفر بواح عليه برهان من الله سبحانه وتعالى، كما جاء ذلك في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في مبايعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومن النصيحة لهم توجيههم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأسلوب الحسن والرفق وسائر الطرق المعتبرة؛ عملا بهذا الحديث الصحيح وبقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1) وقوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ} (2){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4)
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة العصر الآية 1
(3)
سورة العصر الآية 2
(4)
سورة العصر الآية 3