الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركن الأول من أركان الإسلام: معناه ومقتضاه
(1)
السؤال الأول: اشرحوا لنا لو تكرمتم معنى الركن الأول من أركان الإسلام وما يقتضيه ذلك المعنى، وكيف يتحقق من الإنسان وما حكم من جهل شيئا منه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فإن الله بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامة عربهم وعجمهم، جنهم وإنسهم، ذكورهم وإناثهم، يدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له وإلى الإيمان به عليه الصلاة والسلام وبما جاء به وإلى الإيمان بجميع المرسلين وبجميع الملائكة والكتب المنزلة من السماء وباليوم الآخر وهو البعث والنشور والجزاء والحساب والجنة والنار وبالقدر خيره وشره، وإن الله قدر الأشياء وعلمها وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى، وكل شيء يقع هو بقضاء الله وقدره ومشيئته النافذة سبحانه وتعالى، وأمر الناس أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هذا هو أول شيء دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الركن الأول من أركان الإسلام شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا
(1) من برنامج نور على الدرب رقم الشريط 16.
رسول الله، فلما قال للناس: قولوا لا إله إلا الله وأمر أن يؤمنوا بأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام امتنع الأكثرون وأنكروا هذه الدعوة، وقالت له قريش ما ذكر الله عنهم {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (1)
وقال سبحانه عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (2){وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (3) فاستنكروا هذه الدعوة لأنهم عاشواعلى عبادة الأوثان والأصنام وعبادة هذه الآلهة مع الله عز وجل، فلهذا أنكروا دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى توحيد الله والإخلاص له وهذا الذي دعا إليه صلى الله عليه وسلم هو الذي دعت إليه الرسل جميعا كما قال سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (4) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (5)
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت (6) » ، وفي الصحيح أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه سائل يسأله في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه
(1) سورة ص الآية 5
(2)
سورة الصافات الآية 35
(3)
سورة الصافات الآية 36
(4)
سورة النحل الآية 36
(5)
سورة الأنبياء الآية 25
(6)
صحيح البخاري الإيمان (8) ، صحيح مسلم الإيمان (16) ، سنن الترمذي الإيمان (2609) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001) ، مسند أحمد بن حنبل (2/26) .
أثر السفر ولا يعرفه من الحاضرين أحد، فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال: «الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال: صدقت. قال الصحابة: فعجبنا له يسأله ويصدقه، ثم قال: أخبرني عن الإيمان. قال له: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: أخبرني عن الإحسان. قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (1) » الحديث.
ثم أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا السائل هو جبرائيل عليه السلام أتاهم يعلمهم دينهم لما لم يسألوا أتاهم جبرائيل بأمر الله يسأل عن هذا الدين العظيم حتى يتعلموا ويستفيدوا، فدين الإسلام مبني على هذه الأركان الخمسة الظاهرة.
أولها: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ثانيها: إقام الصلوات الخمس.
ثالثها: أداء الزكاة.
رابعها: صوم رمضان.
خامسها: حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وعلى أركان باطنة إيمانية بالقلب وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فلا بد من هذه الأصول وهي أن يؤمن المكلف بهذه الأصول الستة الباطنة التي تتعلق بالقلب، فيؤمن بأن الله ربه وإلهه وهو الحق سبحانه وتعالى، ويؤمن بملائكة الله وبكتب الله التي أنزلها على الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وغيرها من الكتب المنزلة على الأنبياء، ويؤمن أيضا بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده أولهم نوح وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهم كثيرون بين الله بعضهم في القرآن العظيم، ويؤمن أيضا
(1) صحيح مسلم الإيمان (8) ، سنن الترمذي الإيمان (2610) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4990) ، سنن أبو داود السنة (4695) ، سنن ابن ماجه المقدمة (63) ، مسند أحمد بن حنبل (1/52) .
باليوم الآخر وهو البعث بعد الموت والحساب والجزاء وسائر أمور الآخرة فأهل الإيمان لهم السعادة والجنة، وأهل الكفر لهم الخيبة والندامة والنار، ولا بد من الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن الله قدر الأشياء وعلمها وكتبها وأحصاها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكل ما في الوجود من خير وشر وطاعة ومعصية فقد سبق فيها علم الله وكتابه وقدره سبحانه وتعالى، فالأصل العظيم الأول الذي جاءت به الرسل هو الإيمان بأن الله هو الإله الحق سبحانه وتعالى وهذا هو معنى شهادة ألا إله إلا الله، وهذا أصل أصيل أجمعت عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم دعوا إلى هذا الأصل الأصيل، وهو أن يؤمن الناس بأن الله هو الإله الحق وأنه لا معبود حق سواه وهذا هو معنى لا إله إلا الله أي: لا معبود حق إلا الله.
وما عبده الناس من أصنام أو أشجار أو أحجار أو أنبياء أو أولياء أو ملائكة كله باطل، فالعبادة الحق لله وحده سبحانه وتعالى كما قال سبحانه:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (1) وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4) وقال عز وجل:
(1) سورة البقرة الآية 163
(2)
سورة الإسراء الآية 23
(3)
سورة الفاتحة الآية 5
(4)
سورة البينة الآية 5
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (1)
ولا بد مع هذا الأصل من الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام من عهد آدم عليه الصلاة والسلام وما بعده، ففي عهد آدم على ذريته اتباع ما أوحى الله إليه وشرعه له من العلم والعمل وأساسه توحيد الله والإخلاص له والإيمان برسوله ونبيه آدم عليه الصلاة والسلام، وفي عهد نوح وما بعده على قومه الإيمان بنوح واتباع ما جاء به مع توحيد الله والإخلاص له.
ونوح عليه السلام هو أول الرسل إلى أهل الأرض بعدما وقع منهم الشرك، وكان الناس قبل ذلك على التوحيد الذي بعث الله عليه آدم عليه الصلاة والسلام وعلمه ذريته. وعلى قوم هود الإيمان بهود واتباع ما جاء به هود مع توحيد الله سبحانه، وفي عهد صالح على قوم صالح الإيمان بصالح واتباع ما جاء به مع توحيد الله، وهكذا في عهد كل رسول لا بد من توحيد الله والإيمان بأنه لا إله إلا الله، ولا بد مع ذلك من الإيمان بالرسول واتباع ما جاء به إلى عهد عيسى عليه الصلاة والسلام آخر أنبياء بني إسرائيل وهو عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ثم بعث الله خاتمهم وأفضلهم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فعيسى هو آخر أنبياء بني إسرائيل، ومحمد هو آخر الأنبياء وخاتم المرسلين جميعا ليس بعده نبي ولا رسول عليه الصلاة والسلام وهو أفضل الرسل وهو إمامهم وهو خاتمهم، فلا بد في حق الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم جنها وإنسها عربها وعجمها ذكورها وإناثها أغنيائها وفقرائها حكامها ومحكوميها لا بد أن يؤمنوا بهذا النبي وبمن قبله من الأنبياء
(1) سورة الحج الآية 62
والرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن لم يؤمن به فلا إسلام له ولا دين له فلا بد من الإيمان بأن الله هو الإله الحق وأنه لا إله حق إلا الله، ولا بد من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقا إلى جميع الناس، فمن لم يؤمن بهاتين الشهادتين فليس بمسلم، لا بد من الإيمان بهما واعتقاد معناهما وأن معنى لا إله إلا الله لا معبود حق إلا الله فلا يجوز أن يعبد مع الله ملك أو نبي أو شجر أو حجر أو جن أو صنم أو غير ذلك، فإذا قال يا رسول الله انصرني بعد موته صلى الله عليه وسلم، أو قال يا سيدي البدوي انصرني أو اشف مريضي، أو يا سيدي الحسين، أو يا سيدي عبد القادر، أو المدد المدد أو نحو ذلك فهذا كله شرك بالله عز وجل يبطل معنى لا إله إلا الله يعني يبطل قولك لا إله إلا الله، لأنك لم تأت بالعبادة لله وحده بل أشركت مع الله غيره ودعوت مع الله غيره والله يقول:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ويقول سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) ويقول سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5)
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة (6) » ويقول جل وعلا: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (7) فلا بد من إخلاص العبادة لله وحده
(1) سورة الجن الآية 18
(2)
سورة يونس الآية 106
(3)
سورة البينة الآية 5
(4)
سورة الإسراء الآية 23
(5)
سورة الفاتحة الآية 5
(6)
سنن الترمذي تفسير القرآن (2969) ، سنن ابن ماجه الدعاء (3828) .
(7)
سورة غافر الآية 60
ومنها الدعاء، فإذا قلت للميت أو للشجر أو للصنم أغثني، انصرني، اشف مريضي إلى غير ذلك فإن هذا شرك أكبر بالله عز وجل ناقض لقول لا إله إلا الله وهكذا من كذب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو شك في رسالته، أو قال إنه للعرب دون العجم، أو قال إنه ليس خاتم النبيين بل بعده نبي، كل هذا كفر أكبر، وضلال، ونقض للإسلام، نسأل الله العافية.
ومن ذلك يعلم كفر القاديانية لإيمانهم بنبوة: الميرزا غلام أحمد وهو بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقرون كثيرة، فلا بد من الإيمان بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقا إلى جميع الثقلين الجن والإنس، ولا بد من الإيمان بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين ليس بعده نبي ولا رسول، وأن من ادعى النبوة بعده كمسيلمة الكذاب فهو كافر بالله كذاب، وهكذا الأسود العنسي في اليمن، وسجاح التميمية، والمختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهم ممن ادعى النبوة بعده عليه الصلاة والسلام، فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على كفرهم وقاتلوهم بأنهم كذبوا معنى قوله سبحانه:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (1) وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي (2) » عليه الصلاة والسلام.
فهذه الشهادة التي هي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هي الأصل الأصيل، وهي الركن الأول من أركان الإسلام
(1) سورة الأحزاب الآية 40
(2)
سنن الترمذي الفتن (2219) ، مسند أحمد بن حنبل (5/278) .
فلا إسلام إلا بهاتين الشهادتين قولا وعملا وعقيدة، فلو صلى وزكى وصام وحج وذكر الله كثيرا ولكنه لا يؤمن بأن الله هو المستحق للعبادة فإنه يكون كافرا كالمنافقين، وهكذا من قال: إنه لا مانع من عبادة الأوثان والأصنام، وإنه لا مانع من عبادة البدوي أو الحسين أو الشيخ عبد القادر أو علي بن أبي طالب، أو غيرهم من الأنبياء أو الأولياء أو الملائكة أو الجن - من اعتقد أنها تجوز عبادتهم مع الله، وأنه يجوز أن يستغاث بهم وينذر لهم صار مشركا بالله عز وجل وصار كلامه هذا وعقيدته هذه ناقضة لقول: لا إله إلا الله ومبطل لها لقول الله سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) وقوله عز وجل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2) وهكذا لو قال: إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بخاتم الأنبياء، أو ليس مرسلا للثقلين بل هو للعرب خاصة كان كافرا بالله عز وجل بالنص وإجماع أهل العلم، فلا بد أن يؤمن المكلف بأنه رسول الله إلى جميع الثقلين، ولا بد أن يؤمن بأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ولا رسول هذا هو الأصل الأصيل، ثم بعد هذا يطالب المسلم بالصلاة وبالزكاة وبالصيام وبالحج وببقية الأوامر وترك النواهي، ولا بد مع الإيمان بأن محمدا رسول الله من التصديق بجميع الأنبياء الماضين، وأنهم أدوا الرسالة وبلغوها عليهم الصلاة والسلام، ولا بد أيضا مع هذا
(1) سورة الأنعام الآية 88
(2)
سورة الزمر الآية 65
كله من التصديق بما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما كان وما سيكون في آخر الزمان وفي يوم القيامة.
السؤال الثاني: ارتكاب بعض المعاصي ولا سيما الكبائر هل يؤثر على هذا الركن من أركان الإسلام
الجواب:
ارتكاب الكبائر كالزنا وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق وأكل الربا والغيبة والنميمة وغير ذلك من الكبائر يؤثر في توحيد الله وفي الإيمان بالله ويضعفه ويكون ضعيف الإيمان، لكن لا يكفر بذلك خلافا للخوارج، فالخوارج تكفره وتجعله مخلدا في النار إذا مات على ذلك ولم يتب، فمن سرق أو عق والديه أو أكل الربا يجعلونه كافرا وإن لم يستحل ذلك وهذا غلط كبير من الخوارج، فأهل السنة والجماعة يقولون: ليس بكافر بل هو عاص وناقص الإيمان لكن لا يكفر كفرا أكبر بل يكون في إيمانه نقص وضعف ولهذا شرع الله في الزنا حدا إذا كان الزاني بكرا يجلد مائة ويغرب عاما، ولو كان الزنا ردة لوجب قتله فدل على أنه ليس بردة، والسارق لا يقتل بل تقطع يده فدل ذلك على أن هذه المعاصي ليست ردة ولا كفرا ولكنها ضعف في الإيمان ونقص في الإيمان فلهذا شرع الله تأديبهم وتعزيرهم بهذه الحدود ليتوبوا ويرجعوا إلى ربهم ويرتدعوا عما فعلوه من المعاصي.
وقالت المعتزلة: إنه في منزلة بين المنزلتين ولكن يخلد في النار إذا مات عليها، فخالفوا أهل السنة
في تخليد أهل المعاصي في النار، ووافقوا الخوارج في ذلك، والخوارج قالوا: يكفر ويخلد في النار وهؤلاء قالوا: يخلد في النار ولكن لا نسميه كافرا يعني الكفر الأكبر، وكلتا الطائفتين قد ضلت عن السبيل.
والصواب قول أهل السنة والجماعة أنه لا يكون كافرا يعني كفرا أكبر ولكن يكون عاصيا ويكون ضعيفا ناقص الإيمان على خطر عظيم من الكفر، ولكن ليس بكافر إذا كان لم يستحل هذه المعصية بل فعلها وهو يعلم أنها معصية ولكن حمله عليها الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء هذا هو قول أهل الحق، ويكون تحت مشيئة الله إذا مات على ذلك إن شاء غفر له وإن شاء عذبه على قدر معاصيه سبحانه وتعالى لقول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) ثم بعد مضي ما حكم الله به على العاصي من دخول النار يخرجه الله إلى الجنة هذا هو قول أهل الحق وهذا الذي تواترت به الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم خلافا للخوارج والمعتزلة كما تقدم.
أما من مات على الشرك الأكبر فإن الله لا يغفر له أبدا والجنة عليه حرام نعوذ بالله من ذلك وهو مخلد في النار أبد الآباد للآية المذكورة آنفا وغيرها من الآيات الدالة على خلود الكفار في النار نعوذ بالله من حالهم.
أما العاصي فإن دخل النار فإنه لا يخلد فيها أبد الآباد بل يبقى فيها ما شاء الله وقد تطول مدته ويكون هذا خلودا لكنه خلود مؤقت ليس مثل خلود الكفار كما قال الله تعالى:
(1) سورة النساء الآية 48
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (1){يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (2){إِلَّا مَنْ تَابَ} (3) الآية، فهذا الخلود مؤقت له نهاية في حق القاتل والزاني إذا لم يعف الله عنهما ولم يتوبا. نسأل الله السلامة.
أما المشرك فإن خلوده في النار دائم كما قال الله سبحانه في حق المشركين: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (4) وقال سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (5) وقال سبحانه: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} (6) نعوذ بالله من حالهم.
(1) سورة الفرقان الآية 68
(2)
سورة الفرقان الآية 69
(3)
سورة الفرقان الآية 70
(4)
سورة البقرة الآية 167
(5)
سورة المائدة الآية 37
(6)
سورة فاطر الآية 36
السؤال الثالث: هل يكفي النطق والاعتقاد بهذا الركن من أركان الإسلام أم لا بد من أشياء أخر حتى يكتمل إسلام المرء ويكتمل إيمانه؟ الجواب: هذا الركن يدخل به الكافر في الإسلام وذلك بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عن صدق وعن يقين وعن علم بمعناها وعمل بذلك إذا كان لا يأتي بهما في حال كفره، ثم
يطالب بالصلاة وبقية الأركان وسائر الأحكام، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له:«ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم (1) » .
فلم يأمرهم بالصلاة إلا بعد التوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فالكفار أولا يطالبون بالتوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا أقر الكافر بذلك وأسلم صار له حكم المسلمين، ثم يطالب بالصلاة وبقية أمور الدين، فإذا امتنع من ذلك صار له أحكام أخر، فمن امتنع عن الصلاة يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء، وإن امتنع من الزكاة وكابر عليها وقاتل دونها فكذلك يقاتل كما قاتل الصحابة مانعي الزكاة مع أبي بكر رضي الله عنه وحكموا عليهم بالردة، فإن لم يقاتل دونها أجبره الإمام على تسليمها وعزره التعزير الشرعي الرادع لأمثاله، وهكذا يطالب المسلم بصوم رمضان، وحج البيت مع الاستطاعة وسائر ما أوجب الله عليه ويطالب أيضا بترك ما حرم الله عليه لأن دخوله في الإسلام والتزامه به يقتضي ذلك، ومن أخل بشيء مما أوجبه الله أو تعاطى شيئا مما حرم الله عومل بما يستحق شرعا، أما إن كان الكافر يأتي بالشهادتين في حال كفره كغالب الكفار اليوم فإنه يطالب بالتوبة مما أوجب كفره ولا يكتفي بنطقه بالشهادتين، لأنه ما زال يقولها في حال كفره لكنه لم يعمل بهما فإذا كان كفره بعبادة الأموات أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك
(1) صحيح البخاري الزكاة (1395) ، صحيح مسلم الإيمان (19) ، سنن الترمذي الزكاة (625) ، سنن النسائي الزكاة (2435) ، سنن أبو داود الزكاة (1584) ، سنن ابن ماجه الزكاة (1783) ، مسند أحمد بن حنبل (1/233) ، سنن الدارمي الزكاة (1614) .
من المخلوقات والاستغاثة بهم ونحو ذلك وجب عليه أن يتوب من ذلك وأن يخلص العبادة لله وحده وبذلك يدخل في الإسلام، وإذا كان كفره بترك الصلاة وجب عليه أن يتوب من ذلك وأن يؤديها فإذا فعل ذلك دخل في الإسلام.
وهكذا إذا كان كفره باستحلال الزنا أو الخمر وجب عليه أن يتوب من ذلك فإذا تاب من ذلك دخل في الإسلام.
وهكذا يطالب الكافر بترك العمل أو الاعتقاد الذي أوجب كفره فإذا فعل ذلك دخل في الإسلام.
وهذه مسائل عظيمة يجب على طالب العلم أن يعتني بها وأن يكون فيها على بصيرة وقد أوضحها أهل العلم في باب حكم المرتد، وهو باب عظيم يجب على طالب العلم أن يعتني به وأن يقرأه كثيرا.
والله ولي التوفيق،،