الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ردع الظالم الكافر ونصر المظلوم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر (1) » ، وقد أيد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب وهو على دين قومه بمكة المكرمة، وأيد الله نبيه صلى الله عليه وسلم أيضا بعد موت عمه أبي طالب لما رجع إلى مكة المكرمة من دعوته أهل الطائف بالمطعم بن عدي وهو كافر على دين قومه. وقد قال الله عز وجل في كتابه العظيم:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (2)
والأدلة في ذلك كثيرة بينها أهل العلم في كتاب الجهاد وكتبنا فيها رسالة مستقلة أوضحنا فيها كلام أهل العلم في ذلك، وقد صدر من المؤتمر الإسلامى المنعقد في مكة المكرمة في 21 \ 2 \ 1411 هـ التأييد لما ذكرنا، كما أصدر المؤتمر المذكور في وثيقة مكة ما يؤيد ذلك أيضا، وفي ذلك إيضاح للحق وإزالة للشبهة التي التبست على بعض الناس، والله سبحانه ولي التوفيق.
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3062) ، صحيح مسلم كتاب الإيمان (111) ، مسند أحمد بن حنبل (2/310) ، سنن الدارمي السير (2517) .
(2)
سورة الأنعام الآية 119
إعداد القوة
وقد أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يعدوا للكفار العدة بما استطاعوا من القوة، وأن يأخذوا حذرهم كما في قوله عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (1) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (2) وذلك يدل على وجوب العناية
(1) سورة الأنفال الآية 60
(2)
سورة النساء الآية 71
بالأسباب والحذر من مكائد الأعداء.
ويدخل في ذلك جميع أنواع الإعداد المتعلقة بالأسلحة، والأبدان كما يدخل في ذلك إعداد جميع الوسائل المعنوية والحسية، وتدريب المجاهدين على أنواع الأسلحة وكيفية استعمالها وتوجيههم إلى كل ما يعينهم على جهاد عدوهم والسلامة من مكائده في الكر والفر والأرض والجو والبحر وفي سائر الأحوال؛ لأن الله سبحانه أطلق الأمر بالإعداد وأخذ الحذر ولم يذكر نوعا دون نوع ولا حالا دون حال، وما ذلك إلا لأن الأوقات تختلف والأسلحة تتنوع، والعدو يقل ويكثر ويضعف ويقوى، والجهاد قد يكون ابتداء، وقد يكون دفاعا.
فلهذه الأمور وغيرها أطلق الله سبحانه الأمر بالإعداد، وأخذ الحذر ليجتهد قادة المسلمين وأعيانهم ومفكروهم في إعداد ما يستطيعون من القوة لقتال أعدائهم وما يرونه من المكيدة في ذلك.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحرب خدعة (1) » ومعناه: أن الخصم قد يدرك من خصمه بالمكر والخديعة في الحرب ما لا يدركه بالقوة والعدد وذلك مجرب معروف، وذلك من دون إخلال بالعهود والمواثيق.
وقد وقع في يوم الأحزاب من الخديعة للمشركين واليهود والكيد لهم على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان من أسباب خذلان الكافرين وتفريق شملهم واختلاف كلمتهم وإعزاز المسلمين ونصرهم عليهم. وذلك من فضل الله ونصره لأوليائه ومكره لهم كما قال عز وجل: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (2)
ومما تقدم يتضح
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3028) ، صحيح مسلم الجهاد والسير (1740) ، مسند أحمد بن حنبل (2/312) .
(2)
سورة الأنفال الآية 30
لذوي البصائر أن الواجب امتثال أمر الله والإعداد لأعدائه وبذل الجهود في الحيطة والحذر، واستعمال كل ما أمكن من الأسباب المباحة الحسية والمعنوية، مع الإخلاص لله والاعتماد عليه والاستقامة على دينه، وسؤاله المدد والنصر. فهو سبحانه وتعالى الناصر لأوليائه والمعين لهم إذا أدوا حقه، ونفذوا أمره وصدقوا في جهادهم وقصدوا بذلك إعلاء كلمته وإظهار دينه.
وقد وعدهم الله بذلك في كتابه الكريم وأعلمهم أن النصر من عنده ليثقوا به ويعتمدوا عليه مع القيام بجميع الأسباب. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1) وقال سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) وقال عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (3){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (4) وقال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (5) الآية، وقال تعالى:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (6)
(1) سورة محمد الآية 7
(2)
سورة الروم الآية 47
(3)
سورة الحج الآية 40
(4)
سورة الحج الآية 41
(5)
سورة النور الآية 55
(6)
سورة آل عمران الآية 120
وقال سبحانه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (1){وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (2)
وقد سبق في هذا المعنى آية سورة الصف وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (3){تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4){يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (5){وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (6)
والآيات في هذا المعنى كثيرة، ولما قام سلفنا الصالح بما أمرهم الله به ورسوله وصبروا وصدقوا في جهاد عدوهم نصرهم الله وأيدهم وجعل لهم العاقبة مع قلة عددهم وعدتهم وكثرة أعدائهم كما قال عز وجل:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (7) وقال عز وجل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (8)
ولما غير المسلمون وتفرقوا ولم يستقيموا على تعاليم ربهم
(1) سورة الأنفال الآية 9
(2)
سورة الأنفال الآية 10
(3)
سورة الصف الآية 10
(4)
سورة الصف الآية 11
(5)
سورة الصف الآية 12
(6)
سورة الصف الآية 13
(7)
سورة البقرة الآية 249
(8)
سورة آل عمران الآية 160
- إلا من رحم الله - وآثر أكثرهم أهواءهم أصابهم من الذل والهوان وتسلط الأعداء ما لا يخفى على أحد، وما ذاك إلا بسبب الذنوب والمعاصي، والتفرق والاختلاف، وظهور الشرك والبدع والمنكرات في غالب البلاد.
وعدم تحكيم أكثرهم الشريعة كما قال الله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (1) وقال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2)
ولما حصل من الرماة ما حصل يوم أحد من النزاع والاختلاف والإخلال بالثغر الذي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلزومه جرى بسبب ذلك على المسلمين من القتل والجراح والهزيمة ما هو معلوم، ولما استنكر المسلمون ذلك أنزل الله قوله تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3)
ولو أن أحدا يسلم من شر المعاصي وعواقبها الوخيمة لسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام يوم أحد وهم خير أهل الأرض ويقاتلون في سبيل الله، ومع ذلك جرى عليهم ما جرى بسبب معصية الرماة التي كانت عن تأويل لا عن قصد للمخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والتهاون بأمره ولكنهم لما رأوا هزيمة المشركين ظنوا أن الأمر قد انتهى، وأن الحراسة لم
(1) سورة الأنفال الآية 53
(2)
سورة الروم الآية 41
(3)
سورة آل عمران الآية 165
يبق لها حاجة.
وكان الواجب أن يلزموا الموقف حتى يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه. ولكن الله سبحانه قد قدر ما قدر وقضى ما قضى لحكمة بالغة وأسرار عظيمة، ومصالح كثيرة قد بينها في كتابه سبحانه وعرفها المؤمنون.
وكان ذلك من الدلائل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقا، وأنه بشر يصيبه ما يصيب البشر من الجراح والآلام ونحو ذلك، وليس بإله يعبد وليس مالكا للنصر، بل النصر بيد الله سبحانه ينزله على من يشاء. ولا سبيل إلى استعادة المسلمين مجدهم السالف واستحقاقهم النصر على عدوهم إلا بالرجوع إلى دينهم والاستقامة عليه وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، وتحكيمهم شرع الله سبحانه في أمورهم كلها، واتحاد كلمتهم على الحق، وتعاونهم على البر والتقوى كما قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه:(لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) .
وهذا قول جميع أهل العلم، والله سبحانه إنما أصلح أول هذه الأمة باتباع شرعه والاعتصام بحبله والصدق في ذلك والتعاون عليه، ولا صلاح لآخرها إلا بهذا الأمر العظيم.
ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في دينه والجهاد في سبيله، وأن يجمعهم على الهدى، وأن يوحد صفوفهم وكلمتهم على الحق، وأن يمن عليهم بالاعتصام بكتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وتحكيم شريعته والتحاكم إليها، والاجتماع على ذلك والتعاون عليه، وأن يصلح قادتهم. إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.