الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسئلة على العقيدة وأجوبتها
السؤال الأول:
انتشرت في بعض المجتمعات الإسلامية مخالفات متعددة منها ما يقع عند بعض القبور ومنها ما يتصل بالحلف والأيمان والنذور، وقد تختلف أحكام هذه المخالفات بين ما يكون منها من قبيل الشرك المخرج من الملة، وما يكون دون ذلك فحبذا لو تفضل سماحتكم ببسط القول وبيان أحكام تلك المسائل لهم، ونصيحة أخرى لعامة المسلمين ترهيبا لهم من التساهل بأمر تلك المخالفات والتهاون بشأنها.
الجواب: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإن كثيرا من الناس تلتبس عليهم الأمور المشروعة بالأمور الشركية والمبتدعة حول القبور، كما أن كثيرا منهم قد يقع في الشرك الأكبر بسبب الجهل والتقليد الأعمى. فالواجب على أهل العلم في كل مكان أن يوضحوا للناس دينهم وأن يبينوا لهم حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك، كما يجب على أهل العلم أن يوضحوا للناس وسائل الشرك وأنواع البدع الواقعة بينهم حتى يحذروها لقول الله عز وجل:
وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (2){إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (3) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (4) » رواه مسلم في صحيحه.
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (5) » رواه مسلم أيضا.
وفي الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (6) » ، والآيات والأحاديث في الدعوة إلى نشر العلم وترغيب الناس في ذلك والتحذير من الإعراض وكتمان العلم كثيرة.
أما ما يقع عند القبور من أنواع الشرك والبدع في بلدان كثيرة فهو أمر معلوم وجدير بالعناية والبيان والتحذير منه، فمن ذلك دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم، وطلب شفاء المرضى والنصر على الأعداء ونحو ذلك، وهذا كله من الشرك الأكبر الذي كان عليه أهل الجاهلية قال الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (7) وقال
(1) سورة آل عمران الآية 187
(2)
سورة البقرة الآية 159
(3)
سورة البقرة الآية 160
(4)
صحيح مسلم الإمارة (1893) ، سنن الترمذي العلم (2671) ، سنن أبو داود الأدب (5129) ، مسند أحمد بن حنبل (4/120) .
(5)
صحيح مسلم العلم (2674) ، سنن الترمذي العلم (2674) ، سنن أبو داود السنة (4609) ، مسند أحمد بن حنبل (2/397) ، سنن الدارمي المقدمة (513) .
(6)
صحيح البخاري العلم (71) ، صحيح مسلم الإمارة (1037) ، سنن ابن ماجه المقدمة (221) ، مسند أحمد بن حنبل (4/93) ، موطأ مالك كتاب الجامع (1667) ، سنن الدارمي المقدمة (226) .
(7)
سورة البقرة الآية 21
سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) والمعنى أمر وأوصى، وقال سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) الآية.
والآيات في هذا المعنى كثيرة، والعبادة التي خلق الثقلان لأجلها وأمروا بها هي توحيده سبحانه وتخصيصه بجميع الطاعات التي أمر بها من صلاة وصوم وزكاة وحج وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة كما قال سبحانه:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (4){لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (5) والنسك هو العبادة ومنها الذبح كما قال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (6){فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (7) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (8) » أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الله سبحانه:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (9) وقال عز وجل: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (10) وقال عز وجل في سورة فاطر: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (11){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (12)
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
سورة الإسراء الآية 23
(3)
سورة البينة الآية 5
(4)
سورة الأنعام الآية 162
(5)
سورة الأنعام الآية 163
(6)
سورة الكوثر الآية 1
(7)
سورة الكوثر الآية 2
(8)
صحيح مسلم الأضاحي (1978) ، سنن النسائي الضحايا (4422) ، مسند أحمد بن حنبل (1/118) .
(9)
سورة الجن الآية 18
(10)
سورة المؤمنون الآية 117
(11)
سورة فاطر الآية 13
(12)
سورة فاطر الآية 14
فأوضح سبحانه في هذه الآيات أن الصلاة لغيره والذبح لغيره ودعاء الأموات والأصنام والأشجار والأحجار كل ذلك من الشرك بالله والكفر به.
وأن جميع المدعوين من دونه من أنبياء أو ملائكة أو أولياء أو جن أو أصنام أو غيرهم لا يملكون لداعيهم نفعا ولا ضرا، وأن دعوتهم من دونه سبحانه شرك وكفر، كما أوضح سبحانه أنهم لا يسمعون دعاء داعيهم ولو سمعوا لم يستجيبوا له.
فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس الحذر من ذلك والتحذير منه وبيان بطلانه، وأنه يخالف ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من الدعوة إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، كما قال سبحانه:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) وقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى الله سبحانه ويحذر الناس من الشرك به، ويوضح لهم معنى لا إله إلا الله فاستجاب له الأقلون، واستكبر عن طاعته واتباعه الأكثرون، ثم هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام فنشر الدعوة إلى الله سبحانه هناك بين المهاجرين والأنصار، وجاهد في سبيل الله، وكتب
(1) سورة النحل الآية 36
(2)
سورة الأنبياء الآية 25
إلى الملوك والرؤساء، وأوضح لهم دعوته وما جاء به من الهدى، وصبر وصابر في ذلك هو وأصحابه رضي الله عنهم، حتى ظهر دين الله ودخل الناس في دين الله أفواجا، وانتشر التوحيد وزال الشرك من مكة والمدينة ومن سائر الجزيرة على يده صلى الله عليه وسلم وعلى يد أصحابه من بعده، ثم قام أصحابه بالدعوة إلى الله سبحانه والجهاد في سبيله في المشارق والمغارب حتى نصرهم الله على أعدائه ومكن لهم في الأرض وظهر دين الله على سائر الأديان، كما وعد بذلك سبحانه في كتابه العظيم حيث قال عز وجل:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (1)
ومن البدع ووسائل الشرك ما يفعل عند القبور من الصلاة عندها والقراءة عندها وبناء المساجد والقباب عليها، وهذا كله بدعة ومنكر ومن وسائل الشرك الأكبر، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها.
وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (3) » ، فأوضح صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين وما جاء في معناهما: أن اليهود والنصارى كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد. فحذر أمته من التشبه بهم باتخاذها مساجد والصلاة عندها والعكوف
(1) سورة التوبة الآية 33
(2)
صحيح البخاري الصلاة (436) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (529) ، سنن النسائي المساجد (703) ، مسند أحمد بن حنبل (6/146) ، سنن الدارمي الصلاة (1403) .
(3)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
عندها والقراءة عندها، لأن هذا كله من وسائل الشرك، ومن ذلك البناء عليها واتخاذ القباب والستور عليها، فكل ذلك من وسائل الشرك والغلو في أهلها.
كما قد وقع ذلك من اليهود والنصارى ومن جهال هذه الأمة حتى عبدوا أصحاب القبور وذبحوا لهم واستغاثوا بهم، ونذروا لهم وطلبوا منهم شفاء المرضى والنصر على الأعداء كما يعلم ذلك من عرف ما يفعل عند قبر الحسين، والبدوي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، وابن عربي وغيرهم من أنواع الشرك الأكبر والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها والكتابة عليها، وما ذاك إلا لأن تجصيصها والبناء عليها من وسائل الشرك الأكبر بأهلها.
فالواجب على جميع المسلمين حكومات وشعوبا الحذر من هذا الشرك ومن هذه البدع وسؤال أهل العلم المعروفين بالعقيدة الصحيحة، والسير على منهج سلف الأمة عما أشكل عليهم من أمور دينهم حتى يعبدوا الله على بصيرة عملا بقول الله عز وجل:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (2) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (3) » .
ومعلوم أن العباد لم يخلقوا عبثا وإنما خلقوا لحكمة عظيمة وغاية شريفة، وهي عبادة الله وحده دون كل ما سواه كما قال عز وجل:
(1) سورة النحل الآية 43
(2)
صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) ، سنن الترمذي القراءات (2945) ، سنن ابن ماجه المقدمة (225) ، مسند أحمد بن حنبل (2/252) ، سنن الدارمي المقدمة (344) .
(3)
صحيح البخاري العلم (71) ، صحيح مسلم الإمارة (1037) ، سنن ابن ماجه المقدمة (221) ، مسند أحمد بن حنبل (4/93) ، موطأ مالك كتاب الجامع (1667) ، سنن الدارمي المقدمة (226) .
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) ولا سبيل إلى معرفة هذه العبادة إلا بتدبر الكتاب العظيم والسنة المطهرة، ومعرفة ما أمر الله به ورسوله من أنواع العبادة وسؤال أهل العلم عما أشكل في ذلك، وبذلك تعرف عبادة الله سبحانه وتعالى التي خلق العباد من أجلها وتؤدى على الوجه الذي شرعه الله، وهذا هو السبيل الوحيد إلى مرضاة الله سبحانه والفوز بكرامته، والنجاة من غضبه وعقابه، وفق الله المسلمين لكل ما فيه رضاه، ومنحهم الفقه في دينه وولى عليهم خيارهم وأصلح قادتهم، ووفق علماء المسلمين لأداء ما يجب عليهم من الدعوة والتعليم والنصح والتوجيه إنه جواد كريم.
ومن أنواع الشرك الحلف بغير الله كالحلف بالأنبياء وبرأس فلان وحياة فلان والحلف بالأمانة والشرف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (2) » متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (3) » رواه الإمام أحمد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (4) » أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بالأمانة فليس منا (5) » ، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام:«لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون (6) » .
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
صحيح البخاري الشهادات (2679) ، صحيح مسلم الأيمان (1646) ، سنن الترمذي النذور والأيمان (1534) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249) ، موطأ مالك النذور والأيمان (1037) ، سنن الدارمي النذور والأيمان (2341) .
(3)
مسند أحمد بن حنبل (1/47) .
(4)
سنن الترمذي النذور والأيمان (1535) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3251) ، مسند أحمد بن حنبل (2/69) .
(5)
سنن أبو داود الأيمان والنذور (3253) ، مسند أحمد بن حنبل (5/352) .
(6)
سنن النسائي الأيمان والنذور (3769) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3248) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والحلف بغير الله من الشرك الأصغر وقد يفضي إلى الشرك الأكبر إذا اعتقد تعظيمه مثل تعظيم الله أو أنه ينفع ويضر دون الله، أو أنه يصلح لأن يدعى أو يستغاث به، ومن هذا الباب قول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان وهذا من الله وفلان، وهذا كله من الشرك الأصغر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان (1) » ، وبهذا يعلم أنه لا حرج بأن يقول: لولا الله ثم فلان، أو هذا من الله ثم فلان. . إذا كان له تسبب في ذلك.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال له: ما شاء الله وشئت فقال له صلى الله عليه وسلم: «أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده» ، فدل هذا الحديث على أنه إذا قال: ما شاء الله وحده فهذا هو الأكمل، وإن قال: ما شاء الله ثم شاء فلان فلا حرج جمعا بين الأحاديث والأدلة كلها، والله ولي التوفيق.
(1) سنن أبو داود الأدب (4980) ، مسند أحمد بن حنبل (5/399) .
السؤال الثاني: يخلط بعض الناس بين التوسل بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ومحبته وطاعته والتوسل بذاته وجاهه، كما يقع الخلط بين التوسل بدعائه عليه الصلاة والسلام في حياته وسؤاله الدعاء بعد مماته، وقد ترتب على هذا الخلط التباس المشروع من ذلك بالممنوع منه، فهل من تفصيل يزيل اللبس في هذا الباب ويرد به على أصحاب الأهواء الذين يلبسون على المسلمين في هذه المسائل؟
الجواب: لا شك أن كثيرا من الناس لا يفرقون بين التوسل المشروع
والتوسل الممنوع بسبب الجهل وقلة من ينبههم ويرشدهم إلى الحق ومعلوم أن بينهما فرقا عظيما. فالتوسل المشروع هو الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب وخلق من أجله الثقلين، وهو عبادته سبحانه ومحبته ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومحبة جميع الرسل والمؤمنين، والإيمان به وبكل ما أخبر الله به ورسوله من البعث والنشور والجنة والنار وسائر ما أخبر الله به ورسوله.
فهذا كله من الوسيلة الشرعية لدخول الجنة والنجاة من النار، والسعادة في الدنيا والآخرة ومن ذلك دعاؤه سبحانه والتوسل إليه بأسمائه وصفاته ومحبته، والإيمان به وبجميع الأعمال الصالحة التي شرعها لعباده، وجعلها وسيلة إلى مرضاته والفوز بجنته وكرامته والفوز أيضا بتفريج الكروب وتيسير الأمور في الدنيا والآخرة كما قال الله عز وجل:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2) وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (3) وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (4) وقال عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (5) وقال سبحانه: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (6) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} (7) الآية، وهو العلم
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2)
سورة الطلاق الآية 3
(3)
سورة الطلاق الآية 4
(4)
سورة الطلاق الآية 5
(5)
سورة الحجر الآية 45
(6)
سورة القلم الآية 34
(7)
سورة الأنفال الآية 29
والهدى والفرقان، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومن التوسل المشروع التوسل إلى الله سبحانه بمحبة نبيه صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتباع شريعته، لأن هذه الأمور من أعظم الأعمال الصالحات ومن أفضل القربات.
أما التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بذاته أو بحقه أو بجاه غيره من الأنبياء والصالحين أو ذواتهم أو حقهم فمن البدع التي لا أصل لها بل من وسائل الشرك، لأن الصحابة رضي الله عنهم وهم أعلم الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم وبحقه لم يفعلوا ذلك ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولما أجدبوا في عهد عمر رضي الله عنه لم يذهبوا إلى قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتوسلوا به ولم يدعوا عنده بل استسقى عمر رضي الله عنه بعمه صلى الله عليه وسلم: العباس بن عبد المطلب أي بدعائه فقال رضي الله عنه وهو على المنبر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون رواه البخاري في صحيحه.
ثم أمر رضي الله عنه العباس أن يدعو فدعا وأمن المسلمون على دعائه فسقاهم الله عز وجل، وقصة أهل الغار مشهورة وهي ثابتة في الصحيحين، وخلاصتها أن ثلاثة ممن كان قبلنا آواهم المبيت والمطر إلى غار، فدخلوا فيه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ولم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فدعوه سبحانه واستغاثوا به، وتوسل أحدهم ببر والديه، والثاني
بعفته عن الزنا بعد القدرة، والثالث بأدائه الأمانة فأزاح الله عنهم الصخرة وخرجوا، وهذه القصة من الدلائل العظيمة على أن الأعمال الصالحة من أعظم الأسباب في تفريج الكروب والخروج من المضائق والعافية من شدائد الدنيا والآخرة.
أما التوسل بجاه فلان أو بحق فلان أو ذاته، فهذا من البدع المنكرة، ومن وسائل الشرك. وأما دعاء الميت والاستغاثة به فذلك من الشرك الأكبر.
والصحابة رضي الله عنهم كانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم، وأن يستغيث لهم إذا أجدبوا، ويشفع في كل ما ينفعهم حين كان حيا بينهم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم لم يسألوه شيئا بعد وفاته ولم يأتوا إلى قبره يسألونه الشفاعة أو غيرها، لأنهم يعلمون أن ذلك لا يجوز بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وإنما يجوز ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم قبل موته، ويوم القيامة حين يتوجه إليه المؤمنون ليشفع لهم ليقضي الله بينهم ولدخولهم الجنة، بعدما يأتون آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام فيعتذرون عن الشفاعة، كل واحد يقول نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري فإذا أتوا عيسى عليه الصلاة والسلام اعتذر إليهم وأرشدهم إلى أن يأتوا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، فيأتونه فيقول: أنا لها أنا لها، لأن الله سبحانه قد وعده ذلك فيذهب ويخر ساجدا بين يدي الله عز وجل ويحمده بمحامد كثيرة ولا يزال ساجدا حتى يقال له: ارفع رأسك وقل تسمع، وسل تعط، واشفع تشفع.
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وهو حديث الشفاعة المشهور، وهذا هو المقام المحمود الذي ذكره الله سبحانه في قوله تعالى في سورة الإسراء:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (1)
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، وجعلنا الله من أهل شفاعته إنه سميع قريب.
(1) سورة الإسراء الآية 79
السؤال الثالث:
يلاحظ جهل كثير من المحسوبين على الأمة الإسلامية بمعنى لا إله إلا الله، وقد ترتب على ذلك الوقوع فيما ينافيها ويضادها أو ينقصها من الأقوال والأعمال فما معنى لا إله إلا الله؟ وما مقتضاها؟ وما شروطها؟
الجواب:
لا شك أن هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله هي أساس الدين، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، مع شهادة أن محمدا رسول الله، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت (1) » متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن، قال له:
(1) صحيح البخاري الإيمان (8) ، صحيح مسلم الإيمان (16) ، سنن الترمذي الإيمان (2609) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001) ، مسند أحمد بن حنبل (2/26) .
«إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم (1) » الحديث متفق عليه، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، وهي تنفي الإلهية بحق عن غير الله سبحانه، وتثبتها بالحق لله وحده، كما قال الله عز وجل في سورة الحج:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) وقال سبحانه في سورة المؤمنين: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) وقال عز وجل في سورة البقرة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (4) وقال في سورة البينة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5) والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهذه الكلمة العظيمة لا تنفع قائلها ولا تخرجه من دائرة الشرك إلا إذا عرف معناها وعمل به وصدق به.
وقد كان المنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار لأنهم لم يؤمنوا بها ولم يعملوا بها.
(1) صحيح البخاري المغازي (4347) ، صحيح مسلم الإيمان (19) ، سنن الترمذي الزكاة (625) ، سنن النسائي الزكاة (2435) ، سنن أبو داود الزكاة (1584) ، سنن ابن ماجه الزكاة (1783) ، مسند أحمد بن حنبل (1/233) ، سنن الدارمي الزكاة (1614) .
(2)
سورة الحج الآية 62
(3)
سورة المؤمنون الآية 117
(4)
سورة البقرة الآية 163
(5)
سورة البينة الآية 5
وهكذا اليهود تقولها وهم من أكفر الناس - لعدم إيمانهم بها - وهكذا عباد القبور والأولياء من كفار هذه الأمة يقولونها وهم يخالفونها بأقوالهم وأفعالهم وعقيدتهم، فلا تنفعهم ولا يكونون بقولها مسلمين لأنهم ناقضوها بأقوالهم وأعمالهم وعقائدهم.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن شروطها ثمانية جمعها في بيتين فقال:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع
…
محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما
…
سوى الإله من الأشياء قد ألها
وهذان البيتان قد استوفيا جميع شروطها:
الأول: العلم بمعناها المنافي للجهل وتقدم أن معناها لا معبود بحق إلا الله فجميع الآلهة التي يعبدها الناس سوى الله سبحانه كلها باطلة.
الثاني: اليقين المنافي للشك فلا بد في حق قائلها أن يكون على يقين بأن الله سبحانه هو المعبود بالحق.
الثالث: الإخلاص وذلك بأن يخلص العبد لربه سبحانه وهو الله عز وجل جميع العبادات، فإذا صرف منها شيئا لغير الله من نبي أو ولي أو ملك أو صنم أو جني أو غيرها فقد أشرك بالله ونقض هذا الشرط وهو شرط الإخلاص.
الرابع: الصدق ومعناه أن يقولها وهو صادق في ذلك، يطابق قلبه لسانه، ولسانه قلبه، فإن قالها باللسان فقط وقلبه لم يؤمن بمعناها فإنها لا تنفعه، ويكون بذلك كافرا كسائر المنافقين.
الخامس: المحبة، ومعناها أن يحب الله عز وجل، فإن قالها وهو لا يحب الله صار كافرا لم يدخل في الإسلام كالمنافقين. ومن أدلة ذلك قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1) الآية، وقوله سبحانه:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (2) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
السادس: الانقياد لما دلت عليه من المعنى، ومعناه أن يعبد الله وحده وينقاد لشريعته ويؤمن بها، ويعتقد أنها الحق. فإن قالها ولم يعبد الله وحده، ولم ينقد لشريعته بل استكبر عن ذلك، فإنه لا يكون مسلما كإبليس وأمثاله.
السابع: القبول لما دلت عليه، ومعناه: أن يقبل ما دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه وأن يلتزم بذلك ويرضى به.
الثامن: الكفر بما يعبد من دون الله، ومعناه أن يتبرأ من عبادة غير الله ويعتقد أنها باطلة، كما قال الله سبحانه:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (3) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله (4) » ،
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2)
سورة البقرة الآية 165
(3)
سورة البقرة الآية 256
(4)
صحيح مسلم الإيمان (23) ، مسند أحمد بن حنبل (6/394) .
وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (1) » أخرجهما مسلم في صحيحه.
فالواجب على جميع المسلمين أن يحققوا هذه الكلمة بمراعاة هذه الشروط، ومتى وجد من المسلم معناها والاستقامة عليه فهو مسلم حرام الدم والمال، وإن لم يعرف تفاصيل هذه الشروط لأن المقصود وهو العلم بالحق والعمل به وإن لم يعرف المؤمن تفاصيل الشروط المطلوبة.
والطاغوت هو كل ما عبد من دون الله كما قال الله عز وجل: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} (2) الآية.
وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) ومن كان لا يرضى بذلك من المعبودين من دون الله كالأنبياء والصالحين والملائكة فإنهم ليسوا بطواغيت، وإنما الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم وزينها للناس نسأل الله لنا وللمسلمين العافية من كل سوء، وأما الفرق بين الأعمال التي تنافي هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله، والتي تنافي كمالها الواجب، فهو: أن كل عمل أو قول أو اعتقاد يوقع صاحبه في الشرك الأكبر فهو ينافيها بالكلية ويضادها. كدعاء الأموات والملائكة والأصنام والأشجار والأحجار والنجوم ونحو ذلك، والذبح لهم والنذر والسجود لهم وغير ذلك.
(1) صحيح مسلم الإيمان (23) ، مسند أحمد بن حنبل (6/394) .
(2)
سورة البقرة الآية 256
(3)
سورة النحل الآية 36
فهذا كله ينافي التوحيد بالكلية، ويضاد هذه الكلمة ويبطلها وهي: لا إله إلا الله، ومن ذلك استحلال ما حرم الله من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كالزنا وشرب المسكر وعقوق الوالدين والربا ونحو ذلك، ومن ذلك أيضا جحد ما أوجب الله من الأقوال والأعمال المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كوجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين والنطق بالشهادتين ونحو ذلك.
أما الأقوال والأعمال والاعتقادات التي تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب فهي كثيرة ومنها: الشرك الأصغر كالرياء والحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشاء فلان، أو هذا من الله ومن فلان ونحو ذلك، وهكذا جميع المعاصي كلها تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب، فالواجب الحذر من جميع ما ينافي التوحيد والإيمان أو ينقص ثوابه، والإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
والأدلة على ذلك كثيرة أوضحها أهل العلم في كتب العقيدة وكتب التفسير والحديث فمن أرادها وجدها والحمد لله، ومن ذلك قول الله تعالى:{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (1) وقوله سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (2)
(1) سورة التوبة الآية 124
(2)
سورة الأنفال الآية 2
وقوله سبحانه: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} (1) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
(1) سورة مريم الآية 76
السؤال الرابع:
تكثر في العصر الحاضر البحوث والمؤلفات والمحاضرات في إثبات وجود الله وتقرير ربوبيته من غير الاستدلال بذلك على لازم ذلك ومقتضاه وهو توحيد الإلهية، وقد ترتب على ذلك: الجهل بتوحيد الإلهية والتهاون بأمره، فحبذا لو ألقيتم الضوء على أهمية توحيد الإلهية من حيث إنه أساس النجاة ومدارها ومفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام والأصل الذي يبنى عليه غيره.
الجواب:
لا ريب أن الله سبحانه أرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان حقه على عباده ودعوتهم إلى إخلاص العبادة له سبحانه دون كل ما سواه، وتخصيصه بجميع عباداتهم لأن أكثر أهل الأرض قد عرفوا أن الله ربهم وخالقهم ورازقهم، وإنما وقعوا في الشرك به سبحانه بصرف عباداتهم أو بعضها لغيره. . جهلا بذلك وتقليدا لآبائهم وأسلافهم، كما جرى لقوم نوح ومن بعدهم من الأمم، وكما جرى لأوائل هذه الأمة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى توحيد الله استنكروا ذلك واستكبروا عن قبوله، وقالوا كما ذكر الله ذلك عنهم {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (1) هكذا في
(1) سورة ص الآية 5
سورة ص، وقال عنهم سبحانه في سورة الصافات:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (1){وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (2) وقال عنهم سبحانه في سورة الزخرف: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب على علماء المسلمين وعلى دعاة الهدى أن يوضحوا للناس حقيقة توحيد الألوهية. . . والفرق بينه وبين توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ لأن كثيرا من المسلمين يجهل ذلك فضلا عن غيرهم، وقد كان كفار قريش وغيرهم من العرب وغالب الأمم يعرفون أن الله خالقهم ورازقهم، ولهذا احتج عليهم سبحانه بذلك، لأنه جل وعلا هو المستحق لأن يعبدوه، لكونه خالقهم ورازقهم والقادر عليهم. . من جميع الوجوه، كما قال سبحانه:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (4) وقال عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (5) وقال عز وجل آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسألهم عمن يرزقهم: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} (6) قال الله سبحانه: {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (7) والآيات في هذا المعنى كثيرة يحتج عليهم سبحانه بما أقروا به من كونه ربهم، وخالقهم ورازقهم، وخالق السماء والأرض ومدبر الأمر،
(1) سورة الصافات الآية 35
(2)
سورة الصافات الآية 36
(3)
سورة الزخرف الآية 23
(4)
سورة الزخرف الآية 87
(5)
سورة لقمان الآية 25
(6)
سورة يونس الآية 31
(7)
سورة يونس الآية 31
على ما أنكروه من توحيد العبادة، وبطلان عبادة الأصنام والأوثان وغيرها من كل ما يعبدون من دون الله.
وهكذا أمر سبحانه عباده بأن يؤمنوا بأسمائه وصفاته، وأن ينزهوه عن مشابهة الخلق، فقال سبحانه:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) وقال في سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (2) إلى آخر السورة، وقال عز وجل:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3){اللَّهُ الصَّمَدُ} (4){لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (5){وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (6) وقال عز وجل: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (7) وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (8) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقد أوضح أهل العلم رحمهم الله أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية - وهو: إفراد الله بالعبادة - ويوجب ذلك ويقتضيه، ولهذا احتج الله عليهم بذلك.
وهكذا توحيد الأسماء والصفات يستلزم تخصيص الله بالعبادة وإفراده بها لأنه سبحانه هو الكامل في ذاته وفي أسمائه وصفاته، وهو المنعم على عباده، فهو المستحق لأن يعبدوه ويطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه.
وأما توحيد العبادة، فهو يتضمن النوعين، ويشتمل عليها لمن حقق ذلك واستقام عليه علما وعملا. .
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2)
سورة الحشر الآية 22
(3)
سورة الإخلاص الآية 1
(4)
سورة الإخلاص الآية 2
(5)
سورة الإخلاص الآية 3
(6)
سورة الإخلاص الآية 4
(7)
سورة البقرة الآية 22
(8)
سورة الشورى الآية 11
وقد بسط أهل العلم بيان هذا المعنى في كتب العقيدة والتفسير كتفسير: ابن جرير، وابن كثير، والبغوي، وغيرهم، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد، وكتاب التوحيد لابن خزيمة، ورد العلامة عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي وغيرهم من علماء السلف رحمهم الله في كتبهم وممن أجاد في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم - رحمة الله عليهما - في كتبهما.
وهكذا أئمة الدعوة الإسلامية في القرن الثاني عشر وما بعده كالشيخ الإمام: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأبنائه وتلاميذه. . . وأتباعهم من أهل السنة.
ومن أحسن ما ألف في ذلك: " فتح المجيد " وأصله تيسير العزيز الحميد الأول للشيخ: عبد الرحمن بن حسن رحمه الله والثاني للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله.
ومن أحسن ما جمع في ذلك الأجزاء الأولى من الدرر السنية التي جمعها الشيخ العلامة عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله فإنه جمع فيها فتاوى أئمة الدعوة من آل الشيخ وغيرهم من علماء القرن الثاني عشر وما بعده في العقيدة والأحكام، فأنصح بقراءتها ومراجعتها وغيرها من كتب علماء السنة لما في ذلك من الفائدة العظيمة.
ومن ذلك مجموعة الرسائل الأولى لأئمة الدعوة من آل الشيخ وغيرهم رحمهم الله وردود المشايخ: الشيخ \ عبد الرحمن بن حسن والشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن، والشيخ عبد الله أبابطين،
والشيخ: سليمان بن سحمان، وغيرهم من أئمة الهدى وأنصار التوحيد لما فيها من الفائدة وإزالة الشبه الكثيرة، والرد على أهلها رحمهم الله جميعا رحمة واسعة، وأسكنهم فسيح جناته وجعلنا من أتباعهم بإحسان.
ومن ذلك أعداد مجلة البحوث الإسلامية التي تصدرها الرئاسة العامة لإدرات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد لما فيها من المقالات العظيمة والفوائد الكثيرة في العقيدة والأحكام.
ومن ذلك المجلدات الأولى من الفتاوى والمقالات الصادرة مني فيما يتعلق بالعقيدة وهي مطبوعة بحمد الله وموجودة بيد طلبة العلم. نفع الله بها، وغير ذلك مما هو بحمد الله مبسوط في كتب أهل السنة والجماعة والله الموفق.
السؤال الخامس:
هناك من يرى جواز التبرك بالعلماء والصالحين وآثارهم مستدلا بما ثبت من تبرك الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم. فما حكم ذلك؟ ثم أليس فيه تشبيه لغير النبي صلى الله عليه وسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكن التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته؟ وما حكم التوسل إلى الله تعالى ببركة النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: لا يجوز التبرك بأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم لا بوضوئه ولا بشعره ولا بعرقه ولا بشيء من جسده، بل هذا كله خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الله في جسده وما مسه من الخير والبركة.
ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بأحد منهم، لا في حياته ولا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم فدل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله سبحانه.
وهكذا لا يجوز التوسل إلى الله سبحانه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو ذاته أو صفته أو بركته لعدم الدليل على ذلك؛ ولأن ذلك من وسائل الشرك به والغلو فيه عليه الصلاة والسلام.
ولأن ذلك أيضا لم يفعله أصحابه رضي الله عنهم ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولأن ذلك خلاف الأدلة الشرعية. فقد قال الله عز وجل:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1)
(1) سورة الأعراف الآية 180
ولم يأمر بدعائه سبحانه بجاه أحد أو حق أحد أو بركة أحد.
ويلحق بأسمائه سبحانه التوسل بصفاته كعزته، ورحمته، وكلامه وغير ذلك، ومن ذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة من التعوذ بكلمات الله التامات، والتعوذ بعزة الله وقدرته. ويلحق بذلك أيضا: التوسل بمحبة الله سبحانه، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالإيمان بالله وبرسوله والتوسل بالأعمال الصالحات، كما في قصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار، ولم يستطيعوا دفعها، فتذاكروا بينهم في وسيلة الخلاص منها. واتفقوا بينهم على أنه لن ينجيهم منها إلا أن يدعوا الله بصالح أعمالهم، فتوسل أحدهم إلى الله سبحانه في ذلك: ببر والديه. . فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطيعون الخروج منه. . . ثم توسل الثاني بعفته عن الزنا بعد القدرة عليه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم لا يستطيعون الخروج من ذلك. . . ثم توسل الثالث بأداء الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا.
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أخبار من قبلنا لما فيه من العظة لنا والتذكير.
وقد صرح العلماء رحمهم الله بما ذكرته في هذا الجواب. . . كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد وغيرهم.