الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
في التعريف باللمس والفرق بينه وبين المس واللمس في الكتاب والسنة.
تعريف اللمس في اللغة:
لمس: بفتح فسكون مصدر لمس الشيء، أمسه بيده فهو لا مس، ولمس المرأة باشرها.
واللام والميم والسين أصل واحد يدل على تطلب شيء ومسيسه أيضاً. تقول: تلمست الشيءإذا تطلبته، ويأتي بمعنى الحس.
وقال ابن الأعرابي: اللمس قد يكون مس الشيء بالشيء ويكون معرفة الشيء وإن لم يكن ثم جوهر.
وقال الراغب الأصفهاني: "اللمس مطلقاً؛ لأنه يقال المس إدراك بظاهر البشرة، واللمس والملامسة المجامعة مجازاً"1.
تعريف اللمس في اصطلاح الفقهاء:
هو: قوة منبثقة في جميع البدن تدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ونحو ذلك عند التماس الاتصال به2.
وقيل هو: إلصاق الجارحة بالشيء وهو عرف باليد؛ لأنها آلته الغالبة
1 انظر: تاج العروس 4/343، معجم مقاييس اللغة 5/210، لسان العرب 9/209 مفردات ألفاظ القرآن 747، المصباح المنير 2/677، المعجم الوسيط 2/838.
2 انظر: التعريفات للجرجاني ص: 193.
،ويستعمل كناية عن الجماع1.
وقيل هو: أن يلمس الرجل بشرة المرأة والمرأة بشرة الرجل بلا حائل بينهما2.
وقيل: حقيقة اللمس ملاقاة البشرتين3.
وكما هو واضح من هذه التعاريف كلها تدل على أن المراد من اللمس ملاقاة البشرتين.
الفرق بين اللمس والمس:
ذُكرت بعض الفروق بين اللمس والمس ومن ذلك:
أن مطلق التقاء الجسمين يسمى مساً، فإن كان بالجسد سمي مباشرة، وإن كان باليد سمي مساً، وإن كان بالفم على وجه مخصوص سمي قبلة4.
أن المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب شيء وإن لم يوجد والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس5.
أن اللمس لصوق بإحساس، والمس أقل تمكناً من الإصابة وهو أقل درجاتها.
أنه يكنى بالمس عن النكاح والجنون، ويقال في كل ما ينال الإنسان من أذى مس، ولا اختصاص له باليد لأنه لصوق فقط، وهذا بخلاف اللمس فإنه
1 انظر: أحكام القرآن لأبن العربي المالكي 1/443.
2 انظر: المهذب 1/23.
3 انظر: المغني 1/258.
4 انظر: تاج العروس 4/343، شرح منظومة المرشد المبين 1/939.
5 انظر: مفردات ألفاظ القرآن ص: 766 و 767، المصباح المنير 2/677.
يكون باليد1.
أن اللمس أخص من المس إذ لا يطلق إلا على مس لطلب معنى من حرارة مثلاً.
أن المس لا يكون إلا بباطن الكف، واللمس يكون بأي جزء من البدن.
أن المس يكون من شخص واحد بخلاف اللمس فإنه لا يكون إلا بين اثنين.
أن المس يختص بالفرج بخلاف اللمس فلا يختص به2.
مفهوم اللمس في القرآن الكريم:
ورد ذكر اللمس والمس في عدة آيات من القرآن الكريم:
1-
قول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ
…
} 3.
2-
قول الله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} 4.
3-
قول الله تعالى: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً
…
} 5.
4-
قول الله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} 6.
1 انظر: الكليات 4/175، الأشباه والنظائر ص:(515) و (516) .
2 انظر: تفسير القرآن العظيم 2/276-277، غاية المرام 2/94، المباشرة وأثرها في نقض الطهارة ص:19.
3 آية: (43) من سورة النساء، وآية:(6) من سورة المائدة.
4 آية: (7) من سورة الأنعام.
5 آية: (13) من سورة الحديد.
6 آية: (8) من سورة الجن.
??
??
??
??
واللمس في القرآن الكريم ليس مقصوراً على معنى واحد أو مفهوم واحد فإنه يكنى به عن النكاح حيث يقال مسَّها وماسها ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} 1 والمسيس كناية عن النكاح.
ويكنى به عن المس بالجنون قال تعالى: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} 2.
والمس يقال في كل ما ينال من أذى كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} 3.وكقوله تعالى: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} 4.
وكقوله تعالى: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} 5.
ويكنى باللمس عن الجس باليد كقوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} 6.
ويكنى باللمس عن الطلب كقوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} 7.
ويطلق اللمس والمس على المباشرة في الفرج ومنه قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} 8.
1 آية: (237) من سورة البقرة.
2 آية: (275) من سورة البقرة.
3 آية: (80) من سورة البقرة.
4 آية: (214) من سورة البقرة.
5 آية: (48) من سورة القمر.
6 آية: (7) من سورة الأنعام.
7 آية: (4) من سورة الجن.
8 آية: (287) من سورة البقرة.
أما قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1. وقريء: {أو لمستم النساء} 2. فاختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين:
أحدهما: أن ذلك كناية عن الجماع.
الثاني: أن المراد بذلك: كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء الإنسان.
قال ابن جرير: "وأولى القولين بالصواب قول من قال عنى الله بقوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر3 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ" 4.
وفسره بذلك حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم وتفسيره أولى من تفسير غيره لتلك المزية5.
1 من آية: (43) من سورة النساء، ومن آية:(6) من سورة المائدة.
2 انظر: معالم التنزيل 1/433، تفسير القرآن العظيم 2/275.
3 انظر: جامع البيان في تفسير القرآن 4/102، تفسير القرآن العظيم 2/275.
4 أخرجه أحمد في المسند 6/210، وأبو داود 1/124 في الطهارة باب: الوضوء من القبلة والترمذي 1/133 في الطهارة باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة، وابن ماجه 1/168 في الطهارة باب: الوضوء. والنسائي1/104 في الطهارة باب: ترك الوضوء من القبلة، والدارقطني1/138، والبيهقي1/125، وصححه ابن عبد البر في التمهيد21/174،والزيلعي في نصب الراية1/72، والتركماني في الجوهر النقي1/123 و127، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/82، وأحمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي 1/134.
5 انظر: معالم التنزيل 1/433، تفسير القرآن العظيم 2/275و276، نيل الأوطار 1/195.
وبناء على هذا الاختلاف في مفهوم اللمس اختلف الفقهاء في أثر هذا اللمس هل ينتقض به الوضوء أو لا؟ وسيأتي الكلام عليه مفصلاً إن شاء الله في الفصل الثاني من هذا البحث.
مفهوم اللمس في السنة:
ورد ذكر اللمس في عدة أحاديث من ذلك:
1-
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة: وهي طرح الرجل ثوبه إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه؛ ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه1.
قال ابن الأثير: "هو أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع"2.
2-
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ " 3
3-
ما جاء عن عائشة رضي الله عنها في حديث البيعة أنها قالت: "ولا والله ما مست يده امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك"4.
1 أخرجه البخاري 3/25 في البيوع باب: بيع المنابذة واللفظ له، ومسلم 2/1152 في البيوع باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة.
2 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 4/261.
3 أخرجه البخاري 7/24 في كتاب الحدود باب: هل يقول الإمام لعلك لمست أو غمزت.
4 أخرجه البخاري 6/61 في كتاب التفسير باب: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات.
ويظهر من هذه الأحاديث أن اللمس الوارد فيها هو اللمس باليد وهو ليس مقصوراً على ذلك.
بل ورد اللمس بمعنى البحث والتحري ومنه:
1-
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان"1.
2-
حديث ابن عباس رضي الله عنهما في شأن ليلة القدر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان"2.
1 أخرجه مسلم 1/352 في الصلاة: باب الركوع والسجود.
2 أخرجه البخاري 2/254 في كتاب فضل ليلة القدر، باب: تحري ليلة القدر ومسلم 1/823 في كتاب الصيام باب فضل ليلة القدر.