المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سلوك أبوي خاطئ في التربية: - محو الأمية التربوية - جـ ١٠

[محمد إسماعيل المقدم]

الفصل: ‌سلوك أبوي خاطئ في التربية:

والغريب أن هذا الابن كان يحفظ الكتب الدراسية عن ظهر قلب ولكن ما إن يدخل الامتحان ويمسك بورقة الإجابة حتى ينسى كل شيء تمامًا plain memory يعني ذاكره ممسوحة، لا يوجد شيء مطلقًا، رغم أنه حافظ الكتب لكن أول ما يدخل اللجنة ينسى كل شيء.

وعندما صحبه والده مرة لاستشارة أحد الأخصائيين، سأله ألا تعلم أن الدين الإسلامي يوجب عليك أن تلاعب ابنك سبعًا وتؤدبه سبعًا وتصاحبه سبعًا، وتترك له الحبل على الغارب مع التوجيه من بعد ذلك نحن سنتجاوز عن نسبة هذا للدين الإسلامي لأن هذا ليس فيه حديث، لكن ممكن أجزاء من الكلام هذا تتوافق مع التربية الصحيحية، لكن ليس بهذه الدقة، وتسائل الرجل بدهشة كيف نسي ذلك رغم أنه يحاول أن يطبق كل فروضه الدينية، وحاول رجل أن يصاحب الابن وأن يتخلى عن عادة تحفيظ ابنه للكتب الدراسية، وهنا اجتاز الابن بالنجاح امتحاناته كلها حتى صار مدرسًا.

إن القسوة الزائدة عن الحدود تظهر في أشكال التخلف الدراسي، أو في قسوة الأبناء على زملائهم، وإخوتهم أثناء اللعب لأنه يعمل إزاحة لأنه ليس قادرًا على أن ينتقم من أبيه ليس قادر يعامله بالمثل لأنه أقوى منه يضربه لكن يحاول يعمل إيه بقى ينفس الألم الذي عنده على الأضعف منه أحيانا يبقى على اللعب بيكسر اللعب ويخربها أي سلوك عدواني في البيت العند أو ممكن يستعمل العنف مع زملائه وأقرانه في المدرسة.

‌سلوك أبوي خاطئ في التربية:

هناك نوع آخر من السلوك الأبوي البالغ القسوة وهي أن يحاول الأب أن يترصد ابنه في أمور حياته كلها، ويحاول أن يسيطر على الابن في كل لحظة من لحظات حياته، وهذا معناه أن الأب يرتدي جلد ابنه، وفي هذا تفريض للابن من شخصيته الأمر الذي يجعله إنسانًا غير مميز، فهذا نوع من السيطرة الزائدة عن الحد الأب أو المربي الذي يحصي أنفاس المربى، ويريد أن يسيطر عليه سيطرة كاملة بحيث واقف له بالمرصاد في كل لحظة وفي كل حركة وفي كل سكنة وفي كل كلمة، كأنه يلبس جلد ابنه كأن هو

ص: 8

نفس هذا الكيان فطبعا هذا فيه إلغاء لشخصية الابن إلغاء له تمامًا وسوف يعوق نموه على الاستقلالية، وقلنا من قبل أن هدف التربية أن الأب يربي ابنه كي يشب سويًا ليعينه على الاستقلال الكامل ومواجهة الحياة بنفسه بعد ذلك، كما قال أحد الآباء لابنه المراهق قال له كن رجلاً ولا تتبع خطواتي، كن رجلاً مستقلاً بنفسه ولا يكن دورك معي مجرد التقليد والتبعية، كأنك زيد تتبع أخك ولكن كن رجلاً ولا تتبع خطواتي، وشبهنا من قبل عملية التربية وأنها مثل الرامي الذي يرمي السهم، فدور الأب مع الابن أن يساعده على الاستقلال وليس على التبعية.

التربية الناجحة أنه يستطيع أن يواجه الحياة بنفس لأن هذه سنة النمو الطبيعي في كل الكائنات، بيبدأ بفترة حضانة وكذا وكذا ثم ينفصل، وبيتزوج مثلاً، أو ينفصل بصورة أو بأخرى، فهذا الهدف ليس الهدف إن احنا نتعامل على أنهم ملكية شيء بنملكه، ونستحوذ عليه ونعيق نموه واستقلاليته.

الهدف في التربية مثل السهم الرامي بيرميه بشدة لماذا؟ ليحرره من قبضته لكنه بيعطيه طاقة، فهو الذي يشجعه على الانطلاق في المستقبل، ودائمًا الآباء بيكونوا كبار في السن بيكون في حياته نوع من الثبات كما هو حال الرامي.

أما السهم فيكون فيه أمامه مستقبل بعيد، وهو بيهيئه لصناعة هذا المستقبل لانطلاق بحرية بدون تبعية، للأب مع إن الأب هو الذي يعطيه القوة والدفعة كي يستقل، كون الابن يكون خاضع للسيطرة أيضًا هذا أمر ضروري، لا جدال فيه، لأنه كما قلنا أنه محتاج إلى تأديب ومحتاج إلى ضوابط وإلى قواعد تحكم سلوكه.

لكن ليس شرط أن تترك للابن فرصة جيدة لتكون له شخصيته الخاصة به، لأن ناقشت من قبل في أول محاضرة موضوع التميز لا بد أن تنظر لكل طفل على أنه متفرد، فيه نوع من التفرد والتميز، ولا تطلب منه أن يكون نسخة كربونية منك، لأن الابن الذي سيعاني من سيطرة أبيه في الغالب يحصل له بعد هكذا أنه لما ما يبقى عنده أولاد مع إنه يشتكي يشوف مثلا واحد مراهق وبيصرخ من تصرفات أبيه معه،

ص: 9

وشدته عليه وضربه وكذا وكذا ثم تدور الأيام، وتجد نفس هذا الابن إذا كبر المفروض يكون قد أخذ عبرة ويعدل يحصل حاجة اسمها التوحد مع المعتدي، Identification with the

‌الجواب

ggressor يعني المعتدي هذا الولد بيتقمص شخصية أبيه يتوحد معه أو يتماهى وهو نفسه يعني قاعدة في الطب إن بعض المصطلحات سنقولها باللغة الثانية the abused will be abuser يعني الذي يبقى أسيء إليه في الصغر بعد هكذا لما يبقى في نفس الدور بيمارس نفس الدور الذي مورس عليه من قبل حتى في الاعتداءات الجنسية، ونحو ذلك الذي يتعرض لهذا بعد ذلك يتحول إلى معتدي على الآخرين.

نفس الشيء العقاب الجسدي أو الشدة والقسوة بيدور الزمن ويكون هو توحد مع المعتدي فيؤدي نفس دوره فيما بعد، فالتسلط هينشئه أيضًا متسلطًا مع أبنائه هو فيما بعد، يقول إن مساحة السيطرة الأبوية يجب أن تكون ضيقة، ومتميزة، فيه سيطرة لا بد إن هو محتاج كما قلنا إلى التأديب لكن السيطرة تكون حدودها ضيقة وفي نفس الوقت نوعية متميزة حتى تتيح للأبناء فرصة تكوين الشخصية الخاصة، وذوق راق، وإبداع فعال.

فالمربون سواء من المسلمين أو من غيرهم يتفقون على ضرورة الحسم الحازم الواضح والدقيق مع الأبناء، يعني فيه حب لكن كمان فيه حزم من الناحية الثانية طائر يطير بجناحين، حب وحزم، الحزم يكون في حسم موضوع ودقة مع الأبناء، هذا ينتج أطفالاً أسوياء سعداء.

فالأب المحب الحازم الحاسم المتسامح من دون مبالغة، هو الأب الذي يعرف أن إحساسه يتجه إلى إنضاج ابنه بالتفاعل لا بالقهر، ولهذا فإن ينضج هذا الابن، لكن ينضج بالقهر ولا ينضج بالتفاعل وبالتفاهم، لا بالقصر وبالحنان لا بعدم المبالاة.

موضوع تأديب الطفل متشعب ودقيق ينبغي الوقوف على معالمه، لأن التأديب علم ومهارة، ومن لا يجمع بينهما يفسد من حيث يريد الإصلاح، ويخطئ من يظن أن التأديب يعني اللجوء إلى العقاب لتعديل السلوك لدى الطفل أو إلزامه بأمر ما، يعني التأديب كلمة واسعة جدًا تشبه معنى الضيق الذي

ص: 10

يتصور بعض الناس أن التأديب يساوي العقاب أو أن العقاب يساوي الضرب لأ خطأ خطأ فادح، لكن التأديب يشمل الترغيب والترهيب، يشمل التعليم والتهذيب، يشمل التدريب يشمل التشجيع والتفسير، والتبرير، إلى آخره.

فالتأديب هو إدماج الطفل في مواصفات شخصية تتسم بالسلوك الحسن وتقوم سلوكه غير السوي، أما العقاب فيعد جزءًا هامشيًا في عملية التأديب، وعابرًا لدى الآباء والأمهات، ولا يلجأ إليه إلا في الحالات النادرة، وعند الحاجة، وفي سن محددة فقط، التأديب يشمل عنصرين هم التربية والإصلاح، المهمة الرئيسية للوالدين تربية أبنائهما تربية سليمة، وفق أسس علمية، ومتابعة نتائج هذه التربية بالرعاية والإصلاح، وتثبيت أصول الخير، ونوازعه، وإبعاد الشر وعواقبه، يعني مثل الزرع هو ليس الذي يزرع هذا بيمشي في خطواته في متابعة وإصلاح، هذا نفس الشيء كما يفعل الزارع مع الأرض التي راعيها ولا يتوقف عن رعايتها وتهذيبها وإصلاحها.

ورد في كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي في التأديب قول حكيم وشامل لمفهوم التأديب وماهيته حيث يقول مقدمة - اعلم أن النفس مجبولة على شيم مهملة، وأخلاق مرسلة، لا يستغني محمودها عن التأديب، ولا يكتفى بالمرضي منها عن التهذيب، لأن لمحمودها أضدادا، مقابلة، يسعدها هوى مطاع وشهوة غالبة، فإن أغفل تأديبها تفويضًا إلى العقل أو توكلاً على أن تنقاد إلى الأحسن بالطبع أعدمه التفويض، درك المجتهدين، وأعقبه التوكل ندم الخائبين، فصار من الأدب عاطلاً، وفي صورة الجهل داخلاً، لأن الأدب مكتسب بالتجربة، أو مستحسن بالعادة، ولكل قوم مواضعة، وكل ذلك لا ينال بتوقيف العقل، ولا بالانقياد بالطبع، حتى يكتسب بالتجربة والمعاناة ويستفاد بالدربة والمعاطاة ثم يكون العقل عليه قيما ولو كان العقل مستغنيًا عن الأدب، لكان أنبياء الله تعالى عن أدابه مستغنين، وبعقولهم

ص: 11

مكتفيين، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلَاقِ -أو- مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ» (1).

وقيل لعيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من أدبك قال رأيت جهد الجاهل، فجالبته.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلاً بينه وبينكم فحسب الرجل أن يقتصر من الله تعالى بخلق منها، التأديب والتهذيب يلزم من وجهين أحدهما ما لزم الوالد لولده في صغره، والثاني ما لزم الإنسان في نفسه عند نشأته وكبره، يعني فيه تأديب يتلقاه في الصغر ممن يربيه، ثم بعد ذلك هو يؤدب نفسه إذا كبر بالتعلم والعبادة والمجاهدة ونحو ذلك، فأما التأديب اللازم للأب فهو أن يأخذ ولده بمبادئ الآداب، ليأنس بها وينشأ عليها فيسهل عليه قبولها عند الكبر، لاستئناسه بمبادئها في الصغر، لأن نشأة الصغير على الشيء، تجعله متطبعًا به، ومن أغفل في الصغر كان تأديبه في الكبر عسيرًا، وقد روي في بعض الآثار ما نحل والد ولده نحلة أفضل من أدب حسن يفيده إياه، أو جهل قبيح يكفه عنه، ويمنعه منه، وقال بعض الحكماء بادروا بتأديب الأطفال قبل تراكم الأشغال وتفرق البال وقال بعض الشعراء:

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت

ولا يلين إذا قومته الخشب

قد ينفع الأدب الأحداث في صغر

وليس ينفع عند الشيبة الأدب

وقال آخر:

ينشأ الصغير على ما كان والده

إن الأصول عليها ينبت الشجر

إذًا التأديب شامل لكل الأساليب التربوية التي يفعلها ويمارسها المربون، التدريب الترغيب الترهيب، التحذير، التشجيع، تقويم، تعليم التربية، كل هذا داخل كلمة التأديب، وليس من الأدب

(1) السنن الكبرى للبيهقي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني مقدمة.

ص: 12