المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ فقه الترغيب

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى .. والشكر له على ما أنعم من نعم سابغة وأسدى .. أحمده سبحانه وهو الولي الحميد .. وأتوب إليه جل شأنه وهو التواب الرشيد .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نستجلب بها نعمه ونستدفع بها نقمه، وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين ورجوم المعتدين ..

ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته وحفظ شريعته وتبليغ دينه إلى سائر أمته، فكانوا خير أمة أخرجت للناس.

أما بعد ..

فقد شرعنا في الأسبوع الماضي في مدارسة قضية من القضايا التربوية المهمة، بل هي من أهم هذه القضايا، وتناولنا الأسبوع الماضي مبدأ الترغيب والترهيب كأسلوب تربوي إسلامي متميز.

فنشرع هذه الليلة بإذن الله تعالى في مناقشة أو في مدارسة‌

‌ فقه الترغيب

، أو فقه مكافأة وإثابة الأطفال.

فقه الترغيب:

والسؤال الذي يقفز إلى أذهاننا: لماذا نبدأ بفقه الترغيب والإثابة دون فقه التأديب بالعقوبة بأنواعها؟

والجواب: لأن الرفق هو الأصل الذي حثنا عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فعلى المربي أن يكون معلما أساسا ولا يكون معنفا.

في الحديث: «عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ» (1) وأيضا في الحديث: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» (2).

(1) مسند أحمد من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(2)

سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال الألباني: حسن صحيح.

ص: 2

يقول الإمام النووي: ينبغي أن يحنو عليه ويجريه مجرى ولده –أي المعلم- في الشفقة عليه والاهتمام بمصالحه والصبر على جفائه وسوء أدبه ويعذره على جفوة وسوء أدب تعرض منه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرض للنقائص.

فإذا نبدأ بفقه المكافأة أو فقه الإثابة بالنسبة للأطفال، أولا: لأنه هو الأصل.

«مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ وَلَا عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (1)

والأحاديث معروف في الحث على الرفق وناقشناها من قبل في محاضرة بالتفصيل.

والإثابة: أمر ملائم لفطرة الإنسان في اكتساب السلوك والثبات عليه.

فالنفس مهيأة بالترغيب، إذا رغبت فإن هذا يشجعها ويدفعها إلى الفعل الحسن والابتعاد عن الفعل السيء.

ولولا قيمة الترغيب لما رغبنا الله سبحانه وتعالى في الجنة، وحثنا على التسابق عليها، وجعل التسابق في اكتساب الخيرات هو طريق الوصول إلى الجنة.

ليس هذا فحسب، بل حثنا على التضحية حتى بالروح والنفس والمال، في سبيل تلك الغاية العظمى والمثوبة الجزيلة ألا وهي الجنة.

والمكافأة لا يتوقف أثرها فقط في اكتساب السلوك الحسن وزيادته بالنسبة للأطفال، ولكنها ايضا لها دورها المؤثر في تقليل السلوك السيء، وهي أيضا تزيد من احترام الطفل لنفسه.

-بعض المربين يعتبر أنه لا يلتفت للطفل ولا يربيه ولا يهتم به إلا إذا كان يتصيد له الأخطاء فقط.

(1) مسند أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها، قال الألباني: صحيح.

ص: 3

فتجده بارعا ومتفرغا لإحصاء الأنفاس وتعداد الأخطاء ويعاقب على هذا

في حين أنه يهمل الجانب الآخر ألا وهو النظر إلى السلوكيات الحسنة وتدعيمها والإثابة عليها.

فيصبح الأب مثل رجل البوليس السيء فقط يعاقب، كذلك الأم تعزز هذه الصورة، بأن أباك لما يجيء ليلا من العمل أنا سأقول له ماذا فعلت، وسترى كيف سيتصرف معك؟ مثلا.

فمعناها أن الأب دائما يرتبط بصورة سيئة وهي صورة الشرطي السيء الذي يجيء فقط ليضرب أو ليؤذي أو نحو ذلك.

فهذا أيضا مما ينبغي أن نلتفت إليه.

كما سنناقشها بالتفصيل إن شاء الله تعالى، لابد أن نلتفت أيضا إلى الأفعال .. وأن نثيبه عليها لأن هذا أهم من العقاب لأن هذا طريق مختصر ولا ضرر فيه، وهو التربية بالثواب والمكافأة، لأن الثواب والمكافأة يعمل على تثبيت السلوك السوي وكثير من نظريات علم النفس أكدت في مجال التعليم على دور الإثابة والتشجيع في تعزيز السلوك الإيجابي، فمكافأة الأبناء على تصرفاتهم الجيدة تثبت في نفوسهم الثقة.

هذا يزيد من احترامه لنفسه، وهذا المبدأ مهم جدا، عمليه احترام الذات والثقة في الذات.

والثقة في الذات اصطلاح نتجاوز عنه، فإننا لانقصد به التوكل على النفس طبعا معاذ الله، وإنما هو حسن تقدير الذات، فهذا المكافأة تشجعهم على المداومة والتعود على السلوك الحسن.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم المكافأة والثواب في إثارة نشاط الأطفال لكي يدعم ممارستهم لهذا النشاط، وكان يقول مثلا:«مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا» (1).

من سبق: يعني من يأتيني أولا في الجري له كذا.

فكانوا يتسابقون إليه صلى الله عليه وسلم ويقعون على صدره فيقبلهم ويفي لهم بما وعدهم.

(1) مسند أحمد من حديث عبد الله بن الحارث رضي الله عنه، إسناد ضعيف فيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي وهو ضعيف الحديث (المصدر: الشبكة الإسلامية).

ص: 4