المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مداعبة الطفل وممازحته والتصابي له: - محو الأمية التربوية - جـ ١٤

[محمد إسماعيل المقدم]

الفصل: ‌ مداعبة الطفل وممازحته والتصابي له:

‌من صور المكافأة أو الإثابة:

*‌

‌ مداعبة الطفل وممازحته والتصابي له:

فقد علمنا ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما كان يلاعب أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها مع أنها كانت لا تتخطى الاثنتي عشرة سنة من عمرها، فكان يسابقها فتسبقه، ثم بعد ذلك لما كبرت عائشة رضي الله تعالى عنها، وكرر المسابقة، انظر بعد كم سنة؟

فهي غلبته في المرة الأولى لما كانت هي خفيفة وشابة صغيرة، لكن بعد ذلك بمدة حملت هي الشحم فسابقها فسبقها فقال لها: هذه بتلك.

تعادل عليه الصلاة والسلام .. «هَذِهِ بِتِلْكَ» (1) ..

يعني انظر أيضا هو يذكرها من أيامها، فهذا نوع من الاهتمام وإثارة الذكريات الحسنة أو الجميلة ..

كذلك كان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يداعب ويلاعب ويمازح الحسن والحسين ويتصابى لهما ..

روى الطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع –يعني على يديه ورجليه- وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول:«نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ الْعِدْلانِ أَنْتُمَا» (2).

وأخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: «مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا»

يقفون في صف واحد ويبعد عنهم ويقول: من يجيئني أولا .. «مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ» (3). صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(1) رواه أبي داود من حديث عائشة رضي الله عنها، قال الألباني: صحيح.

(2)

معجم الطبراني من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال الألباني: منكر.

(3)

مسند أحمد من حديث عبد الله بن الحارث رضي الله عنه، إسناده ضعيف فيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي وهو ضعيف الحديث (المصدر: الشبكة الإسلامية).

ص: 27

فلابد أن تعامل الأطفال بعقلهم هم، لكن أن يكون الواحد دائما في صورة جادة وصارمة مع الأطفال؟

لا، فلابد من التصابي كأنك صبي مثلهم، فتداعبهم وتلاعبهم ولا تتعالى عليهم ولا تستصغرهم.

فهذا لا ينافي الوقار والهيبة والإجلال بل يزيد المودة بينك وبين هؤلاء الأطفال.

من المكافأة أيضا أن تقبله فقد روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ الْأَقْرَعُ» .

-استغرب يعني: كيف يقبل الحسن حفيده.

«إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ» (1).

وروى البخاري قال: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» (2).

فهذه أيضا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي مما يزيد الحب والتودد ويكون سببا في تشجيع الطفل وتحفيزه على ما يطلب منه.

فقبلة على جبين أولادك عند ملاعبتهم وعن الذهاب إلى المدرسة وحين تعود إلى المنزل وعند استقبالهم، ..

لا شك ترسل رسالة معينة أن هذا الطفل ماذا؟

محبوب، أنك تحبه.

(1) صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

صحيح البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

ص: 28

فاحتضان الطفل أو تقبيله أو المسح على رأسه أو التربيت على كتفه، كل هذا يمكن أن يستعمل كنوع من المكافأة عقب السلوك الحسن مباشرة.

تبين له أنك فخور به وأنك تحبه لأجل هذا العمل.

وإن كان كما ذكرنا إن الحاجة إلى الحب حاجة أساسية جدا أيضا من احتياجات الطفل، لابد أن يغرس في الطفل أنه محبوب.

لأننا ناقشنا من قبل فكرة إن الطفل هل هو مطلوب ومرغوب أم غير مرغوب؟ لو الطفل غير مرغوب والأهل لم يكونوا راغبين فيه فطبعا يسلكون معه مسالك توجد بعض العاهات النفسية فيه.

لذلك كانت إحدى الجدات وكانت جدة حكيمة، ماذا كانت تفعل؟

مجرد الطفل أن يمر أمامها فتناديه تقول له: تعالى، فيأتي.

فيفاجأ الطفل أنها فقط تحتضنه وتقبله وتمسح رأسه وتربت عليه وحسب، بدون أن تتكلم.

هذه في غاية الفقه في التربية، غاية الفقه.

لأنها نادته لا من أجل شيء وإنما من أجل أن تبلغه رسالة أنها تحبه.

فيكون ماشيا فتوقفه تقول له: تعالى أريدك ..

فهي تريده من أجل ذلك، فهي رسالة في غاية العمق والتأثير في استقراره النفسي وإشباع حاجته إلى أن يحب.

أيضا من المشاعر المهمة جدا كما أشرنا مرارا رحمة الطفل والرأفة به والعطف عليه والتعبير عن ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا» (1).

ليس منا، ليس من المسلمين ..

طبعا هذه صيغة شديدة جدا في الترهيب.

(1) سنن الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه، قال الألباني: صحيح.

ص: 29

ليس منا ..

يعني ليس على طريقتنا ولا على هدينا الذي هو خير الهدي، هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فانتبهوا لهذه الصياغة خطيرة جدا: «لَيْسَ مِنَّا» ..

كأنه يتبرأ منه: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» .

طبعا الحديث طويل: «وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ويَعْرِفُ حقَّ عالمِنَا» .

لكن تأمل هذا المعنى العظيم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا» .

فالتعامل برحمة هو الأساس، حتى لما تعاقبه أنت ترحمه.

قسى ليزدجر ومن يك راحما فليقس أحيانا على من يرحمه.

لأن في هذا مصلحته وإصلاحه.

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ وَمَعَهُ صَبِيٌّ، فَجَعَلَ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَتَرْحَمُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاللَّهُ أَرْحَمُ بِكَ مِنْكَ بِهِ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (1).

وعن أنس بن مالك رضي عنه: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَأَعْطَتْهَا عَائِشَةُ ثَلاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ صَبِيٍّ لَهَا تَمْرَةً»

يعني هي معها ولدين وهي فيكونون ثلاثة ..

فعائشة أعطتها ثلاث تمرات، فالمراة الأم أعطت كل صبي لها تمرة وأمسكت لنفسها تمرة.

«فَأَكَلَ الصِّبْيَانُ التَّمْرَتَيْنِ وَنَظَرَا إِلَى أُمِّهِمَا، فَعَمَدَتْ إِلَى التَّمْرَةِ فَشَقَّتْهَا، فَأَعْطَتْ كُلَّ صَبِيٍّ نِصْفَ تَمْرَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ: وَمَا يُعْجِبُكَ مِنْ ذَلِكَ؟»

يعني لماذا تتعجبين؟

«لَقَدْ رَحِمَهَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهَا صَبِيَّيْهَا» (2) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه إسناده حسن رجاله ثقات عدا يزيد بن كيسان اليشكري وهو صدوق حسن الحديث (المصدر: الشبكة الإسلامية).

(2)

رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد عن عائشة رضي الله عنها، وهو حديث موقوف (المصدر: الشبكة الإسلامية).

ص: 30

فالإسلام دين الرحمة.

يقول الله تعالى، أسلوب حصر:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا} يعني كأنه ما أرسل إلا فقط ليرحم العالمين، وليس فقط البشر. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (1). صلى الله عليه وعلى آله وسلم

لو تتذكرون لما كنا نتكلم في تفسير سورة الرحمن، حتى الآيات التي فيها وصف جهنم، ووصف عذاب جهنم بالتفصيل.

كان يعقبها الله سبحانه وتعالى بقوله ماذا؟

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} (2) ..

فكيف أن العذاب يكون نعمة ورحمة لأنه إنذار ..

أن الله سبحانه وتعالى.

هذا من مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالبشرية كلها ..

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} (3)، فحتى ذكر العذاب رحمة، لأن الإنذار بالعذاب ووصفه قبل يوم الحساب يجعل الإنسان يرهب ويخاف هذا العذاب فيأخذ بأسباب اتقاء هذا العذاب، فهذا مظهر أيضا من مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالعالمين.

وقال صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (4).

فالرحمة هي أيضا صورة من صور الرفق بالذات مع الأطفال.

ليس من الرحمة إطلاقا ما يحصل من بعض الآباء من القسوة الشديدة في تربية الأطفال بطريقة لا يمكن أن تجيزها الشريعة إطلاقا.

(1) الأنبياء: 107.

(2)

الرحمن: 13.

(3)

الرحمن: 13.

(4)

رواه أبي داود والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال الألباني: حديث صحيح.

ص: 31

الناس فقط تسيء استعمال الحديث شماعة.

«وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ» (1).

إن الشرع أجاز الضرب، لكن لو تجيء لتبحث عن السلوكيات التي يسلكونها لا علاقة لها بالشرع على الإطلاق، بل هي مضادة للشريعة، ومظاهر كثيرة كما سنفصل لا توافق الشريعة.

كالضرب، إن هدف الضرب يكون التشفي وليس الإصلاح.

المربي متى ما غضب يضرب، حتى وصل إلى أن مدرس من سنة تقريبا وللأسف هنا في اسكندرية وكل نشرات الأخبار في العالم كانت تتكلم عن المدرس لما ضرب الطفل حتى مات.

سنشبع إن شاء الله تعالى هذا الكلام في البحث بالتفصيل فيما بعد.

يعني هذا كله، استعمال المعلقة المحماة بالنار أو شك الطفل بالدبابيس، ونحو ذلك، هذا لا يمكن أن يمت إلى الشريعة بصلة، فكل هذا مما يتصادم مع الشعور برحمة الطفل.

حسن استقبال الطفل، ممكن يكون لما الأب سمع أنه مثلا أنجز شيئا حسنا، فأول مايقابله يقابله بنوع من الحفاوة والترحيب والابتسامة والتلطف ونحو ذلك مما يفيد جدا.

أحيانا تكون المكافأة نظرة فيها تقدير أو الابتسامة كما ذكرنا.

إظهار الاهتمام به إن كان مثلا مريضا أو به شيئا معينا، فإظهار الاهتمام به هذا أيضا مما يكون له تأثير حسن.

الهدايا، كما ذكرنا.

يقول صلى الله عليه وسلم: «تَهَادُوْا تَحَابُّوْا» (2) فهذا أيضا مما يدعم المحبة بين الأب وأولاده ..

وممكن الهدية أو المكافأة تكون كارت، أو بطاقة تهنئة مثلا، بطاقة فقط ولن تكلفه كثيرا ..

وممكن البطاقة التي مع بعض الأطفال التي فيها اهتمام به وتكتب له رسالة فيها، شكر مثلا أو تهنئة أو نحو ذلك.

(1) رواه أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدة، وقال الألباني ~: صحيح.

(2)

رواه الطبراني في المعجم الأوسط من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الألباني ~: ضعيف جدًا.

ص: 32