المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه - مختصر تاريخ دمشق - جـ ١٨

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌علي بن طاهر بن جعفر بن عبد الله

- ‌علي بن طاهر بن محمد

- ‌علي بن أبي طاهر

- ‌علي بن عاصم بن أبي العاص

- ‌علي بن أبي العاص بن الربيع

- ‌علي بن العباس بن أحمد بن العباس

- ‌علي بن العباس بن عبد الله بن جندل

- ‌علي بن عبد الله بن أحمد

- ‌علي بن عبد الله بن أحمد

- ‌علي بن عبد الله بن بحر الكاتب

- ‌علي بن عبد الله بن جعفر

- ‌علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم بن سعيد

- ‌علي بن عبد الله بن أبي الهيجاء بن حمدان بن حمدون

- ‌علي بن عبد الله بن خالد

- ‌علي بن عبد الله بن سيف

- ‌علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب

- ‌علي بن عبد الله بن العباس بن حميد بن العباس

- ‌علي بن عبد الله بن علي بن السقا البيروتي

- ‌علي بن عبد الله بن عيسى بن محمد

- ‌علي بن عبد الله بن القاسم

- ‌علي بن عبد الله بن محمد

- ‌علي بن عبد الله

- ‌علي بن عبد الله

- ‌علي بن عبد الرحمن بن محمد

- ‌علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة

- ‌علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر

- ‌علي بن عبد الغالب بن جعفر بن الحسن بن علي

- ‌علي بن عبد الصمد بن عثمان

- ‌علي بن عبد الغفار بن حسن

- ‌علي بن عبد القادر بن بزيغ بن الحسن بن بزيغ

- ‌علي بن عبد القاهر بن عبد العزيز بن إبراهيم

- ‌علي بن عبد الملك بن سليمان بن دهثم

- ‌علي بن عبد الواحد بن الحسن بن علي بن الحسن بن شوّاش

- ‌علي بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن الحرّ

- ‌علي بن عبد الوهاب بن علي

- ‌علي بن عبيد الله بن قدامة

- ‌علي بن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر

- ‌علي بن عبيد الله بن محمد بن إبراهيم

- ‌علي بن عثمان بن محمد

- ‌علي بن عروة الدمشقي

- ‌علي بن عساكر بن سرور

- ‌علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود

- ‌علي بن عمر بن محمد بن الحسن

- ‌علي بن عمرو بن سهل بن حبيب

- ‌علي بن عياش بن مسلم

- ‌علي بن عيسى بن داود بن الجراح

- ‌علي بن غالب بن سلام

- ‌علي بن غنائم بن عمر بن إبراهيم

- ‌علي بن الفضل بن أحمد

- ‌علي بن الفضل الهاشمي اللهبيّ

- ‌علي بن الفضل الحضرمي

- ‌علي بن قدامة مولى بني أمية

- ‌علي بن كيسان الأطرابلسي

- ‌علي بن محمد بن أحمد

- ‌علي بن محمد بن أحمد بن إسماعيل

- ‌علي بن محمد بن أحمد بن الحسين

- ‌علي بن محمد بن أحمد بن إدريس

- ‌‌‌علي بن محمد بن أحمد

- ‌علي بن محمد بن أحمد

- ‌علي بن محمد بن إبراهيم

- ‌علي بن محمد بن إبراهيم

- ‌علي بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يزيد

- ‌‌‌علي بن محمد بن إسماعيل

- ‌علي بن محمد بن إسماعيل

- ‌علي بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشر

- ‌علي بن محمد بن حاتم بن دينار بن عبيد

- ‌‌‌علي بن محمد

- ‌علي بن محمد

- ‌علي بن محمد بن حفص بن عمر بن رستم

- ‌علي بن محمد بن خلف بن موسى

- ‌علي بن محمد بن دنهش

- ‌علي بن محمد بن راهويه

- ‌علي بن محمد بن أبي سليمان

- ‌علي بن محمد بن صافي

- ‌علي بن محمد بن طوق بن عبد الله

- ‌علي بن محمد بن عامر بن عمرو

- ‌علي بن محمد بن عبد الله

- ‌علي بن محمد بن عبد الله بن مفلح

- ‌‌‌علي بن محمد بن عبد الله

- ‌علي بن محمد بن عبد الله

- ‌علي بن محمد بن عبيد الله

- ‌علي بن محمد بن علي

- ‌علي بن محمد بن علي بن سوار

- ‌علي بن محمد بن علي بن الأحنف

- ‌علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله

- ‌علي بن محمد بن علي بن الأزهر

- ‌علي بن محمد بن علي بن محمد بن موسى

- ‌علي بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد

- ‌علي بن محمد بن علي بن أحمد

- ‌علي بن محمد بن علي بن الحسن بن أبي المضاء

- ‌علي بن محمد بن علي بن عاصم

- ‌علي بن محمد بن عيسى

- ‌علي بن محمد بن غالب

- ‌علي بن محمد بن الفتح

- ‌علي بن محمد بن القاسم بن بلاغ

- ‌علي بن محمد بن معيوف

- ‌علي بن محمد بن يحيى بن محمد

- ‌علي بن محمد بن يزيد العماني

- ‌علي بن محمد الدمشقي

- ‌‌‌علي بن محمد أبو الحسن

- ‌علي بن محمد أبو الحسن

- ‌علي بن محمد أبو الحسن المؤذن

- ‌علي بن محمد أبو الحسن الحوطي

- ‌علي بن محمد أبو الحسن الحمصي

- ‌علي بن محمدان بن محمد

- ‌علي بن محمود بن إبراهيم بن ماحوّه

- ‌علي بن مسلم البكري

- ‌علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح بن علي

- ‌علي بن المظفر بن علي

- ‌علي بن معبد بن نوح

- ‌علي بن معضاد بن ماضي

- ‌علي بن المغيرة أبو الحسن

- ‌علي بن المقلّد بن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ

- ‌علي بن منصور بن قيس

- ‌علي بن موسى بن أبي بكر

- ‌علي بن موسى بن الحسين

- ‌علي بن مهدي بن المفرج بن عبد الله

- ‌علي بن ميمون أبو الحسن

- ‌علي بن نجا بن أسد أبو الحسن

- ‌علي بن هبة الله بن علي

- ‌علي بن هشام بن فرخسروا

- ‌علي بن هشام الرقي

- ‌علي بن يحيى بن رافع بن العافية

- ‌علي بن يحيى بن علي بن محمد بن أحمد بن عيسى

- ‌علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم

- ‌علي بن يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم

- ‌علي بن يزيد بن أبي هلال

- ‌علي بن يعقوب بن إبراهيم

- ‌علي بن يعقوب بن عمرو

- ‌علي بن يعقوب بن يوسف بن عمران

- ‌علي بن يوسف بن عبد الله بن يوسف أبو الحسن الجويني

- ‌علي الجرجرائي

- ‌عمارة بن أحمر المازني

- ‌عمارة بن بشر

- ‌عمارة بن تميم اللّخمي

- ‌عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو

- ‌عمارة بن راشد بن مسلم

- ‌عمارة بن سلمان

- ‌عمارة بن صالح

- ‌عمارة بن عقيل أبو إسحاق العقيلي

- ‌عمارة بن عمرو بن حزم بن زيد

- ‌عمارة بن نابت

- ‌عمارة القرشي البصري

- ‌عمّار بن الحسين الدمشقي

- ‌عمار بن محمد بن الحسن

- ‌عمار بن محمد بن مخلد بن جبير بن عبد الله

- ‌عمار بن نصر

- ‌عمار بن نصر بن ميسرة بن أبان السلمي ثم الظفري

- ‌عمار بن ياسر بن عامر

- ‌عمران بن الحسن بن يوسف

- ‌عمران بن حطان بن لوذان بن الحارث بن سدوس

- ‌عمران بن خالد بن يزيد بن أبي جميل

- ‌عمران بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان

- ‌عمران بن عصام أبو عمارة الضبعي

- ‌عمران بن أبي كثير الحجازي

- ‌عمران بن أبي مدرك

- ‌عمران بن معروف السدوسي البصري

- ‌عمران بن موسى

- ‌عمران بن موسى بن المهرجان

- ‌عمران بن موسى أبو موسى

- ‌عمر بن أحمد بن بشر بن السّري

- ‌عمر بن أحمد بن الحسين بن أحمد

- ‌عمر بن أحمد بن عثمان

- ‌عمر بن أحمد بن لبيد البيروتي

- ‌عمر بن إبراهيم بن سليمان

- ‌عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد

- ‌عمر بن بحر

- ‌عمر بن أبي بكر بن محمد

- ‌عمر بن بلال أبو حفص الأسدي

- ‌عمر بن جميل البيروتي

- ‌عمر بن الجنيد بن داود بن إدريس بن عيسى القاضي

- ‌عمر بن حبيب بن قليع المدني

- ‌عمر بن الحسن بن محمد

- ‌عمر بن الحسن بن نصر بن طرخان

- ‌عمر بن الحسين بن عبد الله

- ‌عمر بن الحسين بن عيسى بن إبراهيم

- ‌عمر بن حفص بن عمر البغدادي

- ‌عمر بن حفص

- ‌عمر بن حفص الدمشقي

- ‌عمر بن حفص الدمشقي مولى قريش

- ‌عمر بن حمّاد أبو حفص

- ‌عمر بن حمّاد أبو حفص الدمشقي

- ‌عمر بن حيّان الدمشقي

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الفصل: ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

ذلك، فإن كنت خلقتني في سابق علمك سعيداً فاستعملني في السعادة، وإن كنت خلقتني في سابق علمك شقياً فحولني من الشقاء إلى السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. اللهم، وإن لم أكن أهلاً تبلغني رحمتك فإن رحمتك أهلٌ أن تبلغني فبلغنيها برحمتك، إنك على كل شيء قدير.

‌عمر بن حيّان الدمشقي

حدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه سجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سجدة منهن في: " والنجم ".

ورواه عمر بن حيّان بطريق آخر قال: سمعت مخبراً يخبر عن أمر الدرداء عن أبي الدرداء بنحوه.

‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط ابن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب أبو حفص القرشي العدوي أمير المؤمنين الفاروق ضجيع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ووزيره قدم الشام غير مرة في الجاهلية، ودخل فيها دمشق، ودخل بها في الإسلام أيضاً لما قدم الجابية، وقدم الشام لفتح بيت المقدس، وقدمها أيضاً ثم رجع لما بلغه وقوع الطاعون بالشام.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها ".

وعن قيس قال: لما قدم عمر الشام أتي ببرذون فقيل له: اركب يا أمير المؤمنين، فيراك

ص: 261

عظماء أهل الأرض. قال: فقال: وإنكم لهنالك، إنما الأمر من هاهنا وأشار بيده إلى التيماء خلوا سبيلي.

وعن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأمسكهما بيده، وخاض الماء، ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك عمر في صدره وقال: أوه! لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزّ بغيره يذلّكم الله عز وجل.

قال طارق: لما قدم عمر الشام لقيه الجنود، وعليه إزار وخفّان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء، وقد خلع خفّيه، وجعلهما تحت إبطيه، قالوا: له يا أمير المؤمنين، الآن يلقاك الجنود وبطارقة الشام، وأنت على هذه الحالة! قال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزّ بغيره.

حدث جماعة قالوا: قال عمر: ضاعت مواريث الناس بالشام، أبدأ بها فأقسم المواريث، وأقيم لهم ما في نفسي ثم أرجع فأتقلب في البلاد، وأنبذ إليهم أمري، فأتى عمر الشام أربع مرات: مرتين في سنة ست عشرة، ومرتين في سنة سبع عشرة، ولم يدخلها في الأولى من الأخريين.

قال أبو مخنف: توجه عمر إلى الشام سنة ست عشرة، وعليها أبو عبيدة بن الجراح، فلما اشرف على غوطة دمشق ونظر إلى المدينة والقصور والبساتين تلا قوله تعالى:" كم تركوا من جنّاتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوماً آخرين " ثم تمثل بقول النابغة الطويل

ص: 262

هما فتيا دهرٍ يكرّ عليهما

نهارٌ وليلٌ يلحقان التواليا

إذا ما هما مرّا بحيّ بغبطةٍ

أناخا بهم حتى يلاقوا الدواهيا

وقد روي أن عمر قدم دمشق في الجاهلية، وأسره بطريق بها، واستعمله، فقتله، وهرب.

كما روى أسلم أن عمر بن الخطاب قال:

خرجت مع ثلاثين من قريش في تجارة إلى الشام في الجاهلية. فلما خرجنا نسيت قضاء حاجة، فرجعت، فقلت لأصحابي: ألحقكم. فإني لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد أخذ بعنقي، فذهبت أنازعه، فأدخلني كنيسة، فإذا تراب متراكم بعضه على بعض، فدفع إلي مجرفة وفأساً وزنبيلاً وقال: انقل هذا التراب، فجلست أتفكر في أمري كيف أصنع، فأتاني في الهاجرة وعليه سبنيّة قصب أرى سائر جسده منها ثم قال: لم أرك أخرجت شيئاً، ثم ضم أصابعه، فضرب بها وسط رأسي، فقلت: ثكلتك أمك عمر بلغت ما أرى، فقمت بالمجرفة، فضربت بها هامته، فإذا دماغه قد انتثر، فواريته تحت التراب، وخرجت على وجهي ما أدري أين أسلك، فمشيت بقية يومي وليلتي حتى أصحبت، فانتهيت إلى دير، فاستظللت في ظله، فخرج إلي رجل من أهل الدير فقال: يا عبد الله، ما يجلسك هاهنا؟ فقلت: أضللت عن أصحابي، قال: ما أنت على الطريق، وإنك لتنظر بعين خائف، ادخل فأصب من الطعام، واسترح، ونم، فدخلت، فجاءني بطعام وشراب ولطف، فصعّد فيّ البصر وخفّضه ثم قال: يا هذا، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم مني بالكتاب، وإني أجد صفتك الذي يخرجنا من هذا الدير، ويغلب على هذه البلدة، فقلت له: أيها الرجل، قد ذهبت في غير مذهب، قال: ما اسمك؟ قلت: عمر بن الخطاب، قال: أنت والله صاحبنا غير شك، فاكتب لي على ديري وما فيه، قلت: أيها الرجل، قد صنعت معروفاً فلا تكدّره، فقال: اكتب لي كتاباً في رقّ، وليس عليك فيه شيء، فإن تكن صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى فليس يضرّك، قلت: هات، فكتبت له ثم ختمت

ص: 263

عليه، فدعا بنفقة وبأثواب، فدفعها إلي وبأتان قد أوكفت، فقال: ألا تسمع؟ قلت: نعم، قال: اخرج عليها فإنها لا تمر بأهل دير إلا علفوها وسقوها حتى إذا بلغت مأمنك، فاضرب وجهها مدبرة، فإنها لا تمر بقوم ولا أهل دير إلى علفوها وسقوها حتى تصير إلي، فركبت، فلم أمرّ بقوم إلا علفوها وسقوها، حتى أدركت أصحابي متوجهين إلى الحجاز، فضرب وجهها مدبرة ثم سرت معهم.

فلما قدم عمر الشام في خلافته أتاه ذلك الراهب، وهو صاحب دير العدس بذلك الكتاب. فلما رآه عمر تعجب منه، فقال: أوف لي بشرطين فقال عمر: ليس لعمر، ولا لأبي عمر فيه شيء، ولكن عندك للمسلمين منفعة، فأنشأ عمر يحدث حديثه حتى أتى على آخره، فقال له عمر: إن أضفتم المسلمين، وهديتموهم الطريق، ومرّضتم المريض فعلنا ذلك، قال: نعم يا أمير المؤمنين، فوفى له بشرطه.

قال الواقدي: قولهم: إن عمر دخل الشام في خلافته مرتين، ورجع الثالثة من سرغ لا يعرف عندنا، إنما قدم عمر الشام في خلافته، قدمه عام الجابية سنة ست عشرة حين صالح أهل بيت المقدس، وقسم الغنائم بالجابية، وجاء عام سرغ سنة سبع عشرة فرجع من سرغ من أجل الطاعون، لم يكن غيرها بين الرحلتين. وهم يقولون: دخل في الثالثة دمشق وحمص، وهذه الرحلة لا تعرف عندنا، وسنين عمر معروفة عام الجابية سنة ست عشرة، وسرغ سنة سبع عشرة، والرمادة سنة ثمان عشرة، فكل هذا معروف، ولم يدخل عمر في روايته دمشق ولا حمص في خلافته.

وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل بن هشام، وكان أبو جهل خاله. وشهد عمر بدراً، وهو أول من سمي أمير المؤمنين.

لما توفي أبو بكر قال عمر: قيل لأبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يقال لي: خليفة

ص: 264

خليفة رسول الله؟ هذا يطول، فقال له المغيرة بن شعبة: أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين، قال: فذاك إذاً، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.

بويع له يوم مات أبو بكر رضي الله عنه ولاه أبو بكر الصديق الخلافة بعده، فتولاها في سنة ثلاث عشرة إلى أن طعن وكان عمر أمهق، طوالاً، أصلع، آدم، شديد الأدمة، أعسر يسر، وكان يخضب بالحناء والكتم، ووصفه ابنه فقال: كان أبيض، تعلوه حمرة، طوال أصلع أشيب. زاد غيره: في عارضيه خفة، سبلته كبيرة، وفي أطرافها صهبة، وكان إذا حزبه أمر فتلها، وكان أحول، عظيم الألواح، يسرع في مشيته.

دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعزّ الله به الدين، والمسلمون مختبئون. فلما أسلم كان إسلامه عزاً أعز الله به الإسلام، وظهر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم هاجر من مكة إلى المدينة، فكانت هجرته فتحاً، ولم يغب عن مشهدٍ شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين، وصحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن صحبته، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقبض صلوات الله عليه وهو عنه راض، ثم ارتد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوازر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهاج نبيه، وضرب بسيفه مع من أقبل من أدبر، حتى أدخل الناس في الإسلام، طوعاً وكرهاً، ثم قبض الخليفة وهو عنه راض، وولي بعده بخير ما يلي أحد من الناس، مصر الله به الأمصار، وجبى به الأموال، ونفى به العدو، وأدخل على كل أهل بيت من المسلمين توسعةً في دينهم، وتوسعة في أرزاقهم، حتى ختم الله له الشهادة.

وروي عن عمر أنه قال: ولدت قبل الفجار الأعظم بأربع سنين، واسلم في السنة السادسة من النبوة وهو ابن ست وعشرين سنة. وكان عبد الله بن عمر يقول: أسلم عمر وأنا ابن ست سنين. وقيل: ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان يأكل السمن واللبن. فلما أمحل الناس عام الرمادة حرّمهما على نفسه، وقال: والله لا أكلهما حتى يخصب الناس، وكان يأكل الزيت

ص: 265

حتى تغير لونه، وكان أروح، والأروح الذي تتدانى قدماه إذا مشى كأنه راكب، والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس، وكان كثّ اللحية جهير الصوت.

قال زرّ بن حبيش: خرجنا مع أهل المدينة في يوم عيد في زمن عمر بن الخطاب، وهو يمشي حافياً، شيخاً، أصلع، أعسر يسر، طوالاً، مشرفاً على الناس، كأنه على دابة، متلثماً ببرد قطري يقول: عباد الله، هاجروا، ولا تهجروا، وليتّق أحدكم الأرنب يحذفها بالعصا، أو يرميها بالحجر فيأكلها لكن لتذك لكم الأسل: الرماح والنبل.

قال عبيد بن عمير: كنت إذا رأيت عمر في قوم رأيته مشرفاً عليهم، يفوقهم بهذه، وأشار سفيان بيده فوضعها على شاربه.

وكان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويجمع جراميزه، ويثب على فرسه، فكأنما خلق على ظهره.

وعن أم عبد الله بنت أبي خيثمة قالت: إنا لنرتحل إلى أرض الحشة، وقد ذهب عامر بن ربيعة في بعض حاجته، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف عليّ، قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وغلظة علينا، فقال: إنه الانطلاق يا أم عبد الله، قالت: قلت لعمر: والله لنخرجنّ في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل اله لنا فرجاً، فقال عمرك صحبكم الله، ورأيت منه رقة لم أرها منه قط. قالت: فلما رجع ابن ربيعة من حاجته قلت: يا أبا عبد الله، لو رأيت

ص: 266

عمر بن الخطاب، أتانا، ورقته وحزنه علينا، فقال عمر؟! فقلت: نعم، قال عامر: كأنك طمعت في إسلام عمر، قالت: نعم، فقال لها: لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، بأساً منه، لما كان يرى من غلظته وجفاه بنا.

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم أعزّ الإسلام بأحبّ الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أبو بأبي جهل بن هشام "، فكان أحبهما إلى الله تعالى عمر بن الخطاب.

وفي رواية: " اللهم، أشدد الدين بأحب الرجلين إليك "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فشدّ بعمر ".

وعن سعيد بن المسيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عمر بن الخطاب أو أبا جهل بن هشام قال: " اللهم، اشدد دينك بأحبهما إليك "، فشدّ دينه بعمر بن الخطاب. ولما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا جهل عمرو بن هشام لن يسلم خصّ عمر بن الخطاب بدعائه، فأجيب فيه إلى تحقيق رجائه.

وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم، أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة ".

وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر قال له ابن عباس: أبشر قد دعا لك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزّ بك الدين، والمسلمون مختبئون بمكة. فلما أسلمت كان إسلامك عزّاً.

وعن شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب:

خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلمن فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن. قال: فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فقرأ: " إنّه لقول رسولٍ كريمٍ وما هو بقول شاعرٍ قليلاً ما تؤمنون " قال: فقلت: كاهن. قال: " ولا بقول كاهنٍ قليلاً ما تذكّرون

ص: 267

تنزيلٌ من ربّ العالمين ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين " إلى آخر السورة. قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع.

وعن جابر بن عبد الله قال: كان أول إسلام عمر قال عمر: ضرب أختي المخاض ليلاً، فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قرة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحجر، وعليه تبان، قال: فصلى ما شاء الله، ثم انصرف، فسمعت شيئاً لم أسمع مثله، فخرجت، فاتبعته، فقال:" من هذا؟ " قلت عمر: قال: " يا عمر، ما تدعني ليلاً ولا نهاراً؟! " قال: فخشيت أن يدعو علي، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: فقال: " يا عمر، أتسرّه؟ " قال: قلت: والذي بعثك بالحق لأعلننّه كما أعلنت الشرك.

عن ابن عباس قال:

سألت عمر بن الخطاب: لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، قال: فخرجت إلى المسجد، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسرع أبو جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبّه، قال: فما رجع حمزة أخبر، قال: فرفع رداءه، وأخذ قوسه ثم خرج إلى المسجد، إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل، قال: فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل، قال: فنظر إليه فعرف الشرّ في وجهه، فقال: ما لك يا أبا عمارة؟ قال فرفع القوس فضرب بها أخدعيه، فقطعه، فسالت الدماء، قال: فأصلحت ذلك قريش مخافة أن يكون بينهم قائدة، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختفٍ في دار أرقم بن أبي الأرقم المخزومي، قال: فانطلق حمزة مغضباً حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا فلان بن فلان المخزومي، فقلت له: أرغبت عن دين آبائك، واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقاً مني، قال: قلت: ومن هذا؟ قال أختك وختنك، قال: فانطلقت، فوجدت الباب مغلقاً، وسمعت همهمة، قال: ففتح لي الباب، فدخلت، فقلت: ما هذا الذي أسمع عندكم؟ قالوا: ما سمعت شيئاً، فما زال الكلام بيني وبينهم حتى برأس ختني، فضربته ضرباً، فأدميته، فقامت إليّ أختي،

ص: 268

فأخذت برأسي، فقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك، قال: فاستحييته حين رأيت الدماء، فجلست، وقلت: أروني هذا الكتاب، فقالت أختي: إنه لا يمسّه إلا المطهرون، فإن كنت صادقاً فقم، فاغتسل، قال: فقمت، فاغتسلت، وجئت فجلست، فأخرجوا لي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، قلت: أسماء طاهرة طيبة " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى تنزيلاً ممّن خلق الأرض والسّموات العلى الرّحمن على العرش استوى له ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السّر وأخفى " قال: قلت: بهذا جاء موسى " الله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى " فتعظمت في صدري، وقلت: من هذا فرّت قريش، ثم شرح الله صدري للإسلام، فقلت:" لله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى " قال: فما في الأرض نسمة أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أين رسول الله؟ قالت: عليك عهد الله وميثاقه ألا تهيجه بشيء يكرهه، قلت: نعم، قالت: فإنه في دار أرقم بن أبي الأرقم، في دارٍ عند الصفا، فأتيت الدار، وحمزة وأصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: وعمر بن الخطاب؟ افتحوا له الباب، فإن أقبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، قال: فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما لكم؟ " قالوا: عمر بن الخطاب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نتره نترة، فما تمالك أن وقع على ركبتيه في الأرض، فقال:" ما أنت بمنتهٍ يا عمر "! قال: قلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قلت: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا، وإن حيينا؟ قال:" بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متّم وإن حييتم "، قال: فقلنا: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجنّ، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صأ يومئذ الفاروق، وفرق بين الحق والباطل.

ص: 269

وفي حديث آخر بمعناه قال:

ثم خرجت، فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً من المسلمين يضرب إلا رأيته، قال: ثم ذهبت إلى خالي، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب، فخرج إلي، فقلت له: أعلمت أني صبوت؟ قال: فعلت؟ قلت: نعم، قال: لا تفعل، ثم دخل، وأجاف الباب دوني، قال: قلت: ما هذا بشيء، قال: فذهبت إلى رجل من أشراف قريش، فقرعت عليه بابه، فقال: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، فخرج، فقلت: أشعرت أني صبوت؟ قال: أفعلت؟ قلت: نعم، قال: لا تفعل، ثم دخل، وأجاف دوني الباب. قال: قلت: ما هذا بشيء. قال: فقال لي رجل: أتحب أن تعلم إسلامك؟ قال: قلت: نعم، قال: فإذا كان الناس في الحجر جئت إلى ذلك الرجل، فجلست إلى جنبه، وأصغيت إليه، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: أو فعلت؟ قلت: نعم، قال: فرفع بأعلى صوته ثم قال: ابن الخطاب قد صبأ، وثار الناس علي فضربوني، فضربتهم، فقال رجل: ما هذه الجماعة؟ قالوا: هذه ابن الخطاب قد صبأ، فقام على الحجر ثم أشار بكمه فقال: ألا إني قد أجرت ابن أختي، قال: فقلت لأختي: يصيبني ما يصيب المسلمين، فأمهلت حتى إذا جاء الناس في الحجر فجئت إلى خالي، فقلت: اسمع، فقال: ما أسمع؟ قلت: جوادك ردٌّ عليك، قال: لا تفعل يا بن أختي، قال: قلت: بل هو ردٌّ عليك، فقال: ما شئت. قال: ما زلت أضرب الناس ويضربونني حتى أعزّ الله بنا الإسلام.

وعن ابن عمر قال: اجتمعت قريش فقالوا: من يدخل على هذا الصابئ فيرده عما عليه فيقتله؟ فقال عمر بن الخطاب: أنا، فأتى العين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن عمر بن الخطاب يأتيك، فكن منه على حذر. فلما أن صلى رسولالله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب قرع عمر بن الخطاب الباب، وقال: افتحي يا خديجة. فلما أن دنت قالت: من هذا؟ قال: عمر، قالت: يا نبيّ الله، هذا عمر، فقال من عنده من المهاجرين، وهم تسعة صيام، وخديجة عاشرتهم: ألا تشتفي يا رسول الله فضرب عنقه؟ قال: " لا "، ثم قال:" اللهم، أعزّ الدين بعمر بن الخطاب ". فلما دخل قال: ما تقول يا محمد؟ قال: " أقول أن

ص: 270

تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وتؤمن بالجنة والنار والبعث بعد الموت "، فبايعه، وقبل الإسلام، وصبوا عليه الماء حتى اغتسل ثم تعشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات يصلي معه. فلما أصبح اشتمل على سيفه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه، والمهاجرون خلفه حتى وقف على قريش، وقد اجتمعوا، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " فتفرقت حينئذ قريش عن مجالسها.

وفي حديث آخر بمعناه ذكره ابن إسحاق قال:

ثم إن قريشاً بعثت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في دار في أصل الصفا، ولقيه النحّام وهو نعيم بن عبد أسد، أخو بني عدي بن كعب، وقد أسلم قبل ذلك، وعمر متقلد سيفه، فقال: يا عمر، أين تراك تعمد؟ فقال: أعمد إلى محمد هذا الذي سفّه أحرم قريش، وسفّه آلهتها، وخالف جماعتها، فقال له النحام: لبئس الممشى مشيت يا عمر، ولقد فرطت، وأردت هلكة بني عدي بن كعب، أو تراك مفلتاً من بني هاشم وبني زهرة، وقد قتلت محمداً صلى الله عليه وسلم؟ فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما، فقال له عمر: إن لأظنك قد صبأت، ولو أعلم ذلك لبدأت بك. فلما رأى النحام أنه غير منته قال: فإني أخبرك أن أهلك ختنك قد أسلموا، وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك. فلما سمع عمر تلك المقالة يقولها قال؟ وأيّهم؟ قال: ختنك وابن عمك وأختك. فانطلق عمر حتى أتى أخته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته الطائفة من أصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى أولي السّعة فيقول: عندك فلان، فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خبّاب الأرتّ مولى ثابت بن أم أنمار حليف بني زهرة، وقد أنزل الله عز وجل " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى ". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ليلة الخميس فقال: اللهم، أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام، فقال ابن عم

ص: 271

عمر وأخته: نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر، فكانت. فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب أخته ليغير عليها ما بلغه من إسلامها، فإذا خبّاب بن الأرتّ عند أخت عمر يدرس عليها " طه " وتدرس عليه " إذا الشّمس كوّرت ". وكان المشركون يدعون المدارسة: الهينمة. فلما رأته أخته عرفت الشرّ في وجهه فخبأت الصحيفة، وزاغ خباب فدخل البيت، فقال عمر لأخته: ما هذه الهينمة في بيتك؟ قالت: ما عدا حديثاً نتحدث به بيننا، فعذلها، وحلف ألا يخرج حتى يتبين شأنها، فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: إنك لا تستطيع أن تجمع الناس على هواك يا عمر، وإن كان الحق سواه، فبطش به عمر، فوطئه وطئاً شديداً وهو غضبان، فقامت إليه أخته تحجزه عن زوجها فنفحها عمر بيده، فشجّها. فلما رأت الدم قالت: هل تسمع يا عمر؟ أرأيت كل شيء بلغك عني مما تذكره من تركي آلهتك، وكفري باللات والعزى فهو حق. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فائتمر أمرك، واقض ما أنت قاض. فلما رأى ذلك عمر سقط في يده، فقال عمر لأخته: أرأيت ما كنت تدرسين أعطيك موثقاً من الله لا أمحوها حتى أردها إليك، ولا أرتبك فيها؟ فلما رأت ذلك أخته، ورأت حرصه على الكتاب رجت أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم له قد لحقت، فقالت: إنك نجس، و" لا يمسّه إلاّ المطهّرون "، ولست آمنك على ذلك، فاغتسل غسلك من الجنابة، وأعطني موثقاً تطمئن إليه نفسي، ففعل عمر، فدفعت إليه الصحيفة، وكان عمر يقرأ، فقرأ:" طه " حتى بلغ إلى قوله " فتردّى " و" إذا الشّمس كوّرت " حتى بلغ " علمت نفسٌ ما أحضرت "، فأسلم عند ذلك عمر، فقال لأخته وختنه: كيف الإسلام؟ قالا: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. وتخلع الأنداد، وتكفر باللات والعزى، ففعل ذلك عمر. وخرج خباب، فكبّر خباب وقال: أبشر يا عمر بكرامة الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لك أن يعزّ الله الإسلام بك، قال عمر: فدلّوني على المنزل الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدلّه خبّاب عليه.

ص: 272

فلما انتهى عمر إلى الدار استفتح. فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر متقلداً بالسيف أشفقوا منه. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجل القوم قال: " افتحوا له، فإن كان الله يريد بعمر خيراً ابتع الإسلام، وصدّق الرسول، وغن كان يريد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً، فابتدره رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل البيت يوحى إليه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع صوت عمر وليس عليه رداء حتى أخذ بمجمع قميص عمر وردائه، وقال له: " ما أراك منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الرجز ما أنزل بالوليد بن المغيرة "، ثم

قال: " اللهم، اهد عمر "، فضحك عمر فقال: يا نبيّ الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار، والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً وإحدى عشرة امرأة. قال:" اللهم، اهد عمر "، فضحك عمر فقال: يا نبيّ الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار، والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً وإحدى عشرة امرأة.

وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات، وهو يقول:" اللهم، أخرج ما في صدره من غلّ وداء، وأبدله إيماناً، يقول ذلك ثلاثاً ".

وعن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم، فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى:" يا أيّها النّبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ".

وفي رواية: تسعة وثلاثون رجلاً، وثلاث وعشرون امرأة.

وروي عن عمر أنه قال: لقد رأيتني وما أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسعة وثلاثون رجلاً، فكنت رابع أربعين رجلاً، فأظهر الله دينه، وأعزّ نبيّه صلى الله عليه وسلم، وأعزّ الإسلام.

وقيل: إن عمر أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة. وقيل: بعد أربعين رجلاً وعشرة نسوة.

ص: 273

وفي حديث: أن عمر لما أسلم نزل جبريل فقال: يا محمد، استبشر أهل السماء بإسلام عمر.

وعن عمر قال: لما أسلمت تذكرت أن أهل مكة أشد عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أبا جهل، فأتيته حتى وقفت على بابه فخرج إليّ، فرحب بي وقال: مرحباً وأهلاً يا بن أختي، ما جاء بك؟ قلت: جئت أخبرك أني قد أسلمت، فضرب الباب في وجهي وقال: قبحك الله، وقبح ما جئت به.

وعن ابن عمر قال: إني لمع أبي يوم أسلم غلامٌ أتبعه، أعقل ما يصنع حتى أتى جميل بن معمر الجمحي، وكان امرأ يذيع الحديث فقال: يا جميل: أعلمت أني اتبعت محمداً؟ فقام جميلٌ يجرّ رداءه من العجلة يطوف على أندية قريش ويقول: إن ابن الخطاب صبأ، وأبي يتبعه ويقول: كذب، ولكني أسلمت، فلم يصنعوا شيئاً، فصاح أبي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقاموا إليه فجعلوا يضربونه، ويضربهم حتى قامت الشمس على رأسه، فجلس وقد أعيا، وهو يقول: أما والله لو قد بلغنا ثلاث مئة لقد أخرجناكم منها، أو أخرجتمونا. إلى أن جاء رجل عليه قومسي ورداء حبرة، فقال: ما هذا؟ قالوا: صبأ ابن الخطاب، فقال رجل: اختار لنفسه أمراً، ما لكم وله؟! أترون بني عدي تاركيكم وصاحبكم هكذا؟ فكأنما كسف بالناس يوماً، فقلت له بالمدينة: يا أبه، من الرجل الذي أتاك يوم أسلمت؟ قال: العاص بن وائل.

وفي رواية أخرى أنه قال: صبأ عمر، فمه، أنا له جار، فتفرق الناس عنه. قال: فعجبت من عزة يومئذ.

وقيل: إن إسلام عمر كان قبل خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة.

وقال عمر حين أسلم: البسيط

الحمد لله ذي المنّ الذي وجبت

له علينا أيادٍ ما لها غير

ص: 274

وقد بدأنا فكذبنا فقال لنا

صدق الحديث نبي عنده الخبر

وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى

ربّي عشية قالوا قد صبا عمر

وقد ندمت على ما كان من زللٍ

بظلمها حين تتلى عنده السّور

لما دعت ربّها ذا العرش جاهدة

والدمع من عينها عجلان يبتدر

أيقنت أنّ الذي تدعوه خالقها

فكاد يسبقني من عبرةٍ درر

فقلت أشهد أن الله خالقنا

وأنّ أحمد فينا اليوم مشتهر

نبي صدقٍ أتى بالحق من ثقةٍ

وافي الأمانة ما في عوده خور

وعن ابن عباس قال: لما أسلم عمر قال المشركون: انتصف القوم منا.

وعن صهيب بن سان قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعا إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.

وعن عكرمة قال: لم يزل الإسلام في استخفاء حتى أسلم عمر. فلما أسلم أخرجهم من البيوت، فلا يزال قد ضرب ذا وصرع ذا، وعازّوا الإسلام.

وعن ابن عباس

في قوله: " كزرعٍ أخرج شطأه " قال: أصل الزرع عبد المطلب. " أخرج شطأه " أخرج محمداً صلى الله عليه وسلم، " فآزره " بأبي بكر. " فاستغلظ " بعمر " فاستوى على سوقه " بعثمان " يعجب الزّرّاع " علي بن أبي طالب " ليغيظ بهم الكفّار ".

وعن الحسن البصري في قوله: " وصالح المؤمنين " قال: عمر بن الخطاب. وفي قوله: " أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس " قال: عمر بن الخطاب "

ص: 275

كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها " قال: أبو جهل بن هشام.

وعن علي قال: نزلت هذه الآية: " ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سررٍ متقابلين " في ثلاثة من بطون قريش: بني هاشم، وبني تيم بن مرّة، وبني عدي بن كعب. منهم أنا وأبو بكر وعمر.

سئل الحسن عن قوله عز وجل: " من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبّونه " قال: منهم أبو بكر وعمر.

وعن ابن عباس: في قوله الله عز وجل " وشاورهم في الأمر " قال: أبو بكر وعمر.

وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: في قوله: " فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " قال صلى الله عليه وسلم: " من صالح المؤمنين: أبو بكر وعمر "، وقال سعيد بن جبير في قوله:" وصالح المؤمنين " قال: نزلت في عمر بن الخطاب خاصة. وقال مقاتل: " صالح المؤمنين " أبو بكر وعمر وعلي.

وعن زيد " فقد صغت قلوبكما " قال: قد مالت. وفي قوله: " وصالح المؤمنين " قال: الأنبياء.

ص: 276

وعن عبد الله بن مسعود قال: ما زلنا أعزاء منذ أسلم عمر.

وعن عبد الله أن إسلام عمر كان عزّاً، وأن هجرته كانت فتحاً، أو نصراً، وإمارته كانت رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، وإني لأحسب بين عيني عمر ملكاً يسدّده، وإني لأحسب الشيطان يفرقه. وإذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر.

وفي رواية: ما استطعنا أن نصلي في البيت ظاهرين حتى أسلم عمر. فلما أسلم عمر قاتلناهم حتى صلينا.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت ليلة أسري بي على العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق ".

وعن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مكتوب على ساق العرش. أو في ساق العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووزيراه أبو بكر الصديق وعمر الفاروق ".

وعن النزّال بن سبرة الهلالي قال: قلنا لعلي: فحدثنا عن عمر قال: ذاك امرؤ سماه الله الفاروق، يفرق بين الحق والباطل. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" اللهم، أعزّ الإسلام بعمر ".

وعن أبي عمروٍ ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق. فرق الله به بين الحق والباطل ". قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر: الفاروق،

ص: 277

وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئاً، ولم يبلغنا أن ابن عمر قال ذلك إلا لعمر. كان فيما يذكر من مناقب عمر الصالحة، ويثني عليها.

وعن ابن شهاب الزهري أن عمر بن الخطاب كان يدعى الفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل، وأعلن بالإسلام والناس يخفونه. وكان المسلمون يوم أسلم عمر تسعة وثلاثين رجلاً وامرأة بمكة، فكملهم عمر أربعين رجلاً.

وعن ابن عباس قال: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلى مختفياً إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، وطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام متمكناً، فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم أنفه إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يوتم ولده، أو يرمل زوجته فيلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما اتبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم، ومضى لوجهه.

وعن عقبة بن حريث قال: سمعت ابن عمر قال له رجل: أنت هاجرت قبل أم عمر، قال: فغضب، وقال: لا، بل هو هاجر قبلي، وهو خير مني في الدنيا والآخرة.

وعن علي قال:

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر يوم بدر لأحدهما: " معك جبريل "، وللآخر:" معك ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في الصف ".

وعن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تقولون في هؤلاء

ص: 278

الأسرى؟ " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك قرّبهم، فضرّب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم ناراً. قال: فقال العباس: قطعتك رحمك. قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئاً. قال: فقال ناس، يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. قال: فخرج عليهم رسول الله فقال: " إن الله ليليّن قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال:" فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ " ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: " إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وغن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم " وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً " وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: ربّ " واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم ". أنتم عالة فلا ينفلتنّ منهم أحد إلا بفداء أو ضربة عنق ". قال عبد الله: فقلت: يا رسول الله، الأشهل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام. قال: فسكت. قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجار من السماء في ذلك اليوم حتى قال: " الأشهل بن بيضاء ". قال: فأنزل الله "

ص: 279

لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " إلى قوله: " ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا والله يريد الآخرة والله عزيزٌ حكيمٌ ".

وعن عبد الله بن مسعود قال: فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع: بذكر الأسارى يوم بدر أمر بقتلهم، فأنزل الله " لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " وبذكر الحجاب: أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن، فقالت له زينب: وإنك غلاب علينا وقال ابن سهل: رأيت علينا يا بن الخطاب، والوحي ينزل في بيوتنا وقال ابن سهل: والوحي بين أبياتنا؟؟ فأنزل الله عز وجل: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم، أيدّ الإسلام بعمر "، وبرأيه في أبي بكر: كان أول الناس بايعه.

وعن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بني قريظة والنضير قال له عمر وأبو بكر: يا رسول الله، إن الناس يزيدهم حرصاً على الإسلام أن يروا عليك زيّاً حسناً من الدنيا، فانظر إلى الحلة التي أهداها لك سعد بن عبادة فالبسها، فلير اليوم المشركون عليك زيّاً حسناً. قال:" أقبل، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً، ولكن ضرب لي ربي لكما مثلاً: لقد ضرب لي أمثالكما في الملائكة كمثل جبريل وميكائيل، فأما ابن الخطاب فمثله في الملائكة كمثل جبريل إن الله لم يدمّ أمة قط إلا بجبريل، ومثله في الأنبياء كمثل نوح إذ قال: " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً "، ومثل ابن أبي قحافة في الملائكة كمثل ميكائيل إذ يستغفر لمن في الأرض، ومثله في الأنبياء كمثل إبراهيم إذ قال: ربّ " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ ". ولو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً، ولكن شأنكما في المشورة شتى كمثل جبريل وميكائيل، ونوح وإبراهيم صلى الله عليهم أجمعين ".

وعن أم سلمة أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: " في السماء ملكان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين، وكلاهما مصيب. أحدهما جبريل، والآخر ميكائيل، ونبيان أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة، وكلٌّ مصيب، وذكر إبراهيم ونوحاً، ولي صاحبان أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة وكلٌّ مصيب وذكر أبا بكر وعمر ".

ص: 280

وعن ابن عباس أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر:

" ألا أخبركما مثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء؟ أما مثلك أنت يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء كمثل إبراهيم إذ كذبه قومه فصنعوا به ما صنعوا قال: " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فأنّك غفورٌ رحيمٌ ". ومثلك يا عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالبأس والشدة والنقمة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء كمثل نوح إذ قال " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً " ".

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أيدني بأربعة وزراء "، قلنا: من هؤلاء الأربعة وزراء يا رسول الله؟ قال: " اثنين في من أهل السماء، واثنين من أهل الأرض "، قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل السماء؟ قال: " جبريل وميكائيل ". قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض أو من أهل الدنيا؟ قال: " أبو بكر وعمر ".

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر لأبي بكر وعمر: " مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل، ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ".

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكلّ نبي وزيران من أهل السماء وأهل الأرض، ووزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر ".

وعن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فطلع أبو بكر وعمر، فقال:" الحمد لله الذي أيدني بكما ".

وعن عبد العزيز بن عبد المطلب عن أبيه عن جده قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلع أبو بكر وعمر فقال: هذان للسمع وللبصر.

وفي رواية فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس ".

وعن نافع قال: قيل لعبد الله بن عمر: إنك قد أحسنت الثناء على عبد الله بن مسعود، فقال:

ص: 281

وما يمنعني من ذلك؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومن أبيّ بن كعب، ومن معاذ بن جبل ". قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد هممت أن أبعثهم في الأمم كما بعث عيسى بن مريم الحواريين " قالوا: يا رسول الله، أفلا تبعث أبو بكر وعمر، فهما أعلم وأفضل؟ قال: فقال: " إني لا غناء بي عنهما، إنهما مني بمنزلة السمع والبصر، وبمنزلة العينين من الرأس ".

وفي حديث بمعناه: " كيف أبعث هذين، وهما من الدين بمنزلة السمع والبصر من الرأس؟ ".

وفي رواية: " إنهما من الدين كالرأس من الجسد ".

وعن ابن عباس قال: جاء جبريل إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقر عمر السلام، وأخبره أن رضاه عزّ، وأن غضبه حكم.

وفي رواية: " إن رضاه عدل، وغضبه عزّ.

ورواه عقيل بن أبي طالب أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: " إن غضبك عزّ، ورضاك حكم ".

وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب إذا غضب ".

ضعّفوا أبا لقمان، من رواته. قالوا: كان يروي المنكرات عن الثقات.

وعن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل إلينا بوجهه فقال: " بينا رجل يسوق بقرة، فركبها، فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث "، فقال الناس:

ص: 282

سبحان الله بقرة تتكلم فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: " فإني أومن به أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثمّ "، ثم قال:" وبينا رجلٌ في غنمه إذ عدل عليها الذئب، فأخذ شاة منها، فطلبه، فأدركه، فاستنقذها منه، فقال: هذا استنقذتها مني، فمن لها من السبع؟ يوم لا راعٍ لها غيري؟ " فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: " آمنت به أنا وأبو بكر وعمر "، وليسا في المجلس، فقال القوم: آمنا بما آمن به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن سعد بن أبي وقاص قال:

استأذن عمر على النّبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه، ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته. فلما أذن له النّبي صلى الله عليه وسلم تبادرن للحجاب، فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عجبت من هؤلاء اللائي كنّ عندي. فلما سمعن صوتك تبادرن للحجاب ". فقال عمر: فأنت يا رسول الله بأبي وأمي كنت أحق أن يهبنك، ثم أقبل عليهن فقال: أي عدوّات أنفسهن أتهبنني، ولا تهبن رسول الله قلن: نعم. أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم:" إيهاً يا بن الخطاب، فوالذي نفس محمد بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجّك ".

وفي رواية: فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عن عمر: " فوالله ما سلك عمر وادياً قط فسلكه الشيطان ".

وعن عائشة أنه كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ترضين أن يكون بيني وبينك عمر؟ " قالت: من عمر؟ قال: " عمر بن الخطاب "، قالت: لا والله، إني أفرق من عمر، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم:" الشيطان يفرقه ".

وفي رواية فقال: " بمن ترضين أن يكون بيني وبينك؟ أترضين بأبي بكر؟ " قلت: لا، قال:" أترضين بعمر؟ فإن الشيطان يفرق من حسّ عمر ".

ص: 283

عن بريدة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه. فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا نبي الله، إني كنت نذرت نذراً إذا ردّك الله عز وجل صالحاً أن أضرب بين يديك بالدّف، فقال لها:" إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ". فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الشيطان ليخاف منك يا عمر. إني كنت جالساً وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت ألقت الدفّ ".

وعن عائشة أن النّبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً فسمع ضوضاء الناس والصبيان، فإذا حبشية تزفن والناس حولها، فقال:" يا عائشة، تعالي فانظري "، فوضعت خدي على منكبيه، فجعلت أنظر ما بين المنكبين إلى رأسه، فجعل يقول:" يا عائشة، ما شبعت؟ " فأقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، فلقد رأيته يراوح بين قدميه، فطلع عمر، فتفرق الناس عنها والصبيان، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم:" رأيت شياطين الإنس والجنّ فرّوا من عمر "، وقال النّبي صلى الله عليه وسلم:" لا تلبث أن تصرع "، فصرعت فجاء الناس، فأخبروا بذلك.

وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما في السماء ملك إلا ويوقّر عمر، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق عن عمر ".

وعن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما لقي الشيطان عمر منذ أسلم إلا خرّ لوجهه ".

وعن ابن مسعود قال: لقي رجل من أصحاب محمد رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الجني:

ص: 284

عاودني، فعاوده فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريّعتيك ذريّعتي كلب، أفكذلك أنتم معشر الجن، أم أنت منهم كذا؟ قال: لا، والله إني منهم لضليع، ولكن عاودني الثالثة، فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، قال: فعاوده فصرعه، قال: هات علّمني، قال: هل تقرأ آية الكرسي؟ قال: نعم، قال: فإنك لا تقرؤها في بيت إلا أخرج منه الشيطان ثم لا يدخله حتى يصبح، فقال رجل في القوم: يا عبد الرحمن، من ذلك الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: هو عمر؟ فقال: من يكون هو إلا عمر؟ وفي حديث بمعناه قال: سورة البقرة، فإنه ليس منها آية تقرأ في وسط شياطين إلا تفرقوا، ولا تقرأ في بيت فتدخل ذلك البيت.

وعن سالم بن عبد الله قال: أبطأ خبر عمر على أبي موسى، فأتى امرأة في بطنها شيطان، فسألها عنه، فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء، فسألته عنه، فقال: تركته مؤتزراً بكساء يهنأ إبل الصدقة، وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خرّ لمنخريه، الملك بين عينيه، وروح القدس ينطق بلسانه.

وعن زرّ قال: كان عبد الله يخطب ويقول: إني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه، وإني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثاً فيرده.

وعن مجاهد قال: كنا نتحدث، أو نحدّث أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر، فلما أصيب بثّت.

ص: 285

وعن عائشة قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة والنّبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها فقلت لها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلنّ أو لألطخنّ وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة، فطليت بها وجهها، فضحك النّبي صلى الله عليه وسلم فوضع فخذه لها، وقال لسودة:" الطخي وجهها "، فلطخت وجهين فضحك النّبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، فمرّ عمر، فنادى: يا عبد الله، يا عبد الله، فظنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل، فقال:" قوما، فاغسلا وجوهكما ". قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه.

وعن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني قد حمدت ربي بمحامد ومدح، وإياك. قال:" هت ما حمدت به ربك "، قال: فجعلت أنشده. فجاء رجل آدم، فاستأذن، قال: فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: " بين بين ". قال: فتكلم ساعة ثم خرج، قال: فجعلت أنشده، قال: ثم جاء فاستأذن، قال: فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: " بين بين "، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً. قال: فقلت: يا رسول الله، من هذا استنصتني له؟ قال:" هذا عمر بن الخطاب، هذا رجل لا يحب الباطل ".

وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه كان فيما خلا قبلكم أناس يحدّثون، فإن يك في أمتي منهم أحد فهو عمر بن الخطاب " قال إسحاق أحد رواته: فقلت لأبي ضمرة: ما معنى يحدّثون؟ قال: يلقى على أفئدتهم العلم.

وعن خفاف بن إيماء أنه كان يصلي الجمعة مع عبد الرحمن بن عوف، فإذا خطب عمر سمعته يقول: اشهد أنك معلّم، فتعجب عبد الرحمن بن أبي الزناد منه، فقلت: يا أبا محمد، لم تعجب منه؟ قال: إني سمعت ابن أبي عتيق يحدث عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من

ص: 286

نبي إلا في أمته معلّم أو معلّمان. فإن يك في أمتي أحد فابن الخطاب. إن الحق على لسان عمر وقلبه ".

قال الشعبي: ذكر عند علي قول عمر: قد ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموه، فقال علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق بلسان عمر، وإن في القرآن لرأياً من رأي عمر.

وعن كعب قال: قيل لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، هل ترى في منامك شيئاً؟ قال: فانتهره، فقال: إنا نجد رجلاً يرى أمر الأمة في منامه.

وعن الحسن في قوله: محدّثين، يريد: قوماً يصيبون إذا ظنوا، وإذا حدسوا. يقال: رجل محدّث. وإنما قيل له ذلك لأنه يصيب رأيه، ويصدق ظنه إذا توهم، فكأنه حدّث بشيء فقاله. ومنه قول علي رحمه الله في ابن عباس رحمه الله: إنه لينظر إلى الغيب من سترٍ رقيق.

ووقع في بعض الأحاديث أن في كل أمة محدّثين أو مروّعين. والمروّع الذي ألقي في روعه الشيء، كأن الله عز وجل ألقاه فيه، فقاله. قال النّبي صلى الله عليه وسلم " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب ". والرّوع: النفس. يقال: وقع كذا في روعي أي في خلدي ونفسي. وكان عمر رحمه الله يقول الشيء، ويظن الشيء فيكون كما قال، وكما ظنّ، كقوله في سارية بن زنيم الدّؤلي، وكان ولاه جيشاً فوقع في قلب عمر أنه لقي العدو، وأن جبلاً بالقرب منه، فجعل عمر يناديه: يا سارية، الجبل الجبل، ووقع في قلب سارية ذلك، فاستند هو وأصحابه إلى الجبل، فقاتلوا العدو من جانب واحد. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله جعل الحق على لسان عمر "، وقال:" إن السكينة تنطق على لسان عمر ".

وروي في بعض الحديث أن الحدّث هو الذي تنطق الملائكة على لسانه.

ص: 287

وعن أبي ذرّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله جعل الحق على لسان عمر، يقول به.

وفي حديث آخر: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، أو قلبه ولسانه.

وعن غضيف بن الحارث رجل من أيلة قال:

مررت بعمر بن الخطاب فقال: نعم الغلام، فاتبعني رجل ممن كان عنده، فقال: يا بن أخي، ادع الله لي بخير، قال: وقلت: ومن أنت رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: غفر الله لك، أنت أحق أن تدعو لي مني لك، قال: يا بن أخي، إني سمعت عمر بن الخطاب حين مررت به آنفاً يقول: نعم الغلام، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به.

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله نقل الحق على قلب عمر وعلى لسانه وما نزل الناس أمر قط يقال فيه الرأي، وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بما قال فيه عمر.

الصحيح أن آخره من قول ابن عمر، فإنه رواه جماعة ولم يذكروه.

وعن واصل مولى ابن عيينة قال: كانت امرأة عمر اسمها عاصية، فأسلمت، فأتت عمر فقالت: قد كرهت اسمي فسمّني، فقال: أنت جميلة، فغضبت، وقالت: ما وجدت اسماً سميتني به إلا اسم أمةٍ؟ فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني كرهت اسمي فسمّني، فقال: أنت جميلة، فقالت: يا رسول الله، إني أتيت عمر فسألته أن يسميني، فقال: أنت جميلة، فغضبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما علمت أن الله عز وجل عند لسان عمر وقلبه؟ وعن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لشيء قط: إني لأظن كذا وكذا إلا كان كما يظن: بينما عمر بن الخطاب جالساً إذ مرّ رجل جميل، فقال له: لقد أخطأ

ص: 288

ظني، وإن هذا الرجل على دينه في الجاهلية، أول قد كان كاهناً في الجاهلية، عليّ الرجل، فدعي له، فقال له عمر: لقد أخطأ ظني، وإنك لعلى دينك في الجاهلية، أول قد كنت كاهنهم، قال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، فقال عمر: فإني أعزم عليهم إلا ما أخبرتني، قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فماذا أعجب ما جاءتك به جنّيّتك؟ قال: بينا أنا يوماً في السوق أعرف منه الفزع قالت: ألم تر إلى الجن وإبلاسها، وإياسها من بعد إيناسها، ولحوقها بالقلاس وأحلاسها.

قال عمر: صدق. بينا أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل يذبح، فصرخ منه صارخ، لم أسمع صارخاً أشد صوتاً منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، وثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، فقلت: لا أبرح، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي.

قال وهب السوائي: خطب الناس علي فقال: من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين. قال: لا، بل أبو بكر، ثم عمر. إن كنا لنظن أن السكينة لتنطق على لسان عمر.

وعن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسان ملك.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر بن الخطاب إلا جاء القرآن نحو ما يقول ".

ص: 289

وعن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في أربع: قلت: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله عز وجل:" واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى " وقلت: يا رسول الله، لو اتخذت على نسائك حجاباً، فإنه يدخل عليك البرّ والفاجر، فأنزل الله تعالى:" وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " وقلت لأزواج النّبي صلى الله عليه وسلم: لتنتهنّ أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت:" عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خياراً منكنّ " الآية. ونزلت: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ " إلى قوله: " ثمّ أنشأناه خلقاً آخر ". فقلت: " فتبارك الله أحسن الخالقين ".

وعن مجاهد قال: كان عمر إذا رأى رأياً نزل به القرآن.

وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ".

قال المصنف: وهذا بهذا اللفظ غريب. والمحفوظ: ما رواه بسنده إلى عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ".

وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني. وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة، وإن الله باهى بعمر خاصة. وإنه لم يبعث نبياً قط إلا كان في أمته من يحدّث، وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر ". قيل: يا رسول الله، كيف يحد؟ ّث؟ قال:" تتكلم الملائكة على لسانه ".

ص: 290

وعن ابن عمر أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عشية عرفة: " ناد في الناس لينصتوا ". فنادى في الناس أن أنصتوا واستمعوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله قد تطوّل في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا على بركة الله "، وقال:" إن الله باهى ملائكته بأهل عرفة عامة، وباهاهم بعمر بن الخطاب خاصة ".

وعن ابن عباس قال: قام رجل إلى أبي بكر الصديق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خليفة رسول الله، من خير الناس؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: ولأي شيء قدمته على نفسك؟ قال: بخصال: لأن الله باهى به الملائكة ولم يباه بي، ولأن جبريل أقرأه السلام ولم يقرئني، وإن جبريل قال: يا رسول الله، اشدد الإسلام بعمر بن الخطاب، القول ما قال عمر، ولأن الله صدقه في آيتين من كتابه ولم يصدقني، قال: لتنتهنّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لينزلنّ الله فيكن كتاباً، فأنزل الله تعالى:" عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ " الآية. ولأن عمر قال: يا رسول الله، إنه يدخل البرّ والفاجر، فلو ضربت عليهن الحجاب، فأنزل الله تعالى:" وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " ولأن عمر قال: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تبارك وتعالى:" واتّخدوا من مقام إبراهيم مصلى ".

فلما قبض أبو بكر قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، من خير الناس؟ قال: أبو بكر الصديق، فمن قال غيره فعليه ما على المفتري.

وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أمرني أن أتخذ أبا بكر والداً، وعمر مشيراً، وعثمان سنداً، وأنت يا علي صهراً. فأنتم أربعة قد أخذ الله ميثاقكم في أم الكتاب، لا يحبكم إلا مؤمن، ولا يبغضكم إلا منافق. أنتم خلائف نبوتي، وعقد ذمتي، وحجتي على أمتي ".

وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لكل نبي خاصة من أمته، وإن خاصتي من أمتي أبو بكر وعمر ".

ص: 291

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من آدمي إلا ومن تربته في سرته، فإذا دنا أجله قبضه الله من التربة التي منها خلق، وفيها يدفن. وخلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة، وندفن جميعاً في بقعة واحدة ".

قال أبو عاصم: ما نعلم فضيلة لأبي بكر وعمر أنبل من هذا الحديث، لأن طينتهما من طينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه.

وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار، وفيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع إليه منهم أحد بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما، ويتبسّمان إليه، ويتبسّم إليهما.

وعن علي رضي الله عنه قال: أعطي كل نبي سبعة نجباء، وأعطي نبيكم أربعة عشر نجيباً، منهم أبو بكر، وعمر، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر.

سئل علي بن أبي طالب عن أبي بكر وعمر فقال: إنهما لفي الوفد السبعين إلى الله عز وجل يوم القيامة مع محمد صلى الله عليه وسلم وقد سألهم موسى فأعطيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، رضي الله عنهما ".

ص: 292

وعن الفضل بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عمر معي، وأنا مع عمر، الحق بعدي مع عمر حيث كان ".

وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عمر مني وأنا من عمر، والحق بعدي مع عمر ".

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه حتى لأرى الري يجري في أظفاري، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب "، فقال من حوله: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: " العلم ".

وفي حديث بمعناه:

" ففضلت فضلاً، فأخذ عمر بن الخطاب "، أوّلوا، قال:" هذا العلم أتاكه الله، حتى إذا امتلأت فضلت منه فضلة، فأخذها عمر بن الخطاب "، قال:" أصبتم ".

وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي، وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثديين، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب، وعليه قميص يجرّه ". قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: " الدين ".

وعن أنس قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً: " من أصبح اليوم نائماً؟ " فقال عمر بن الخطاب: أنا. قال: " فمن تصدق اليوم؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن عاد مريضاً؟ " فقال عمر: أنا. قال: " فمن شيّع جنازة؟ " فقال عمر: أنا، فقال:" وجبت لك، وكتبت لك "، يعني: الجنة.

وعن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: " من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا. رأيت كأن ميزاناً دلّي من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر بعمر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 293

وعن عرفجة الأشجعي قال: صلى بنا رسول الله صلاة الفجر ثم جلس، فقال:" وزن أصحابنا الليلة، فوزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو صالح ".

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وضعت في كفة الميزان، ووضعت الأمة في الكفة الأخرى، فرجحت بهم، ثم وضع أبو بكر مكاني، فرجح بهم، ثم وضع عمر مكانه، فرجح بهم، ثم رفع الميزان ".

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تبارك وتعالى اختارني على جميع العالمين إلا النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم، واختار لي من أمتي أربعة قرون: القرن الأول والثاني والثالث تترا، والرابع فرادى ".

وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ".

وعن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان جبريل يذاكرني فضل عمر، فقلت له: يا جبريل، ما بلغ من فضل عمر، قال: يا محمد، لو لبثت ما لبث نوح في قومه ما بلغت لك فضل عمرن وماذا له عند الله. قال لي جبريل: يا محمد، ليبكينّ الإسلام من بعد موتك على موت عمر ".

وعن عمار قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عمار، أتاني جبريل فقلت: يا جبريل، حدثني بفضائل عمر في السماء، فقال: لو حدثتك بفضائل عمر في السماء مثلما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نفذت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ".

ص: 294

وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أبا بكر: زوّجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله. رحم الله عمر، يقول الحق وإن كان مرّاً، تركه الحق ما له من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار ".

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة "، فطلع أبو بكر. ثم قال: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنةط، فطلع عمر.

وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن عمر من أهل الجنة ".

وعن معاذ بن جبل قال: أشهد أن عمر في الجنة، لأن ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فذكرت غيرة عمر "، فقال عمر: يا رسول الله، أعليك أغار؟ وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" دخلت الجنة، فرفع لي قصر، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لرجل من قريش، فظننت أني أنا هو، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فما منعني أن أدخله إلا غيرتك يا أبا حفص "، قال: أعليك أغار يا رسول الله؟ وهل رفعني الله إلا بك، وهداني؟ وهل منّ الله عليّ إلا بك، قال: وبكى. قال أبو بكر: فقلت لحميد: في النوم أو في اليقظة؟ قال: لا، بل في اليقظة.

وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينا أنا نائم إذ رأيت الجنة، فإذا قصر مبني، إلى جنبه جارية تتوضأ، فقلت: لمن هذا؟ قالت: لعمر بن الخطاب ". قال: " فوليت مدبراً لعلمي بغيرته ". قال: وعمر جالس حين تحدث بهذا، فبكى عمر، وقال: بأبي أنت يا رسول الله، أعليك أغار؟؟.

ص: 295

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دخلت الجنة، فرأيت قصراً من ذهب، أعجبني حسنه، فقلت: لمن هذا؟ قيل: لعمر، فما منعني أن أدخله إلا ما علمت من غيرتك يا عمر "، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها ".

وعن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من يسلم عليه الحق يوم القيامة، وأول من يصافحه الحق، وأول من يخط له في الجنة بعمله عمر رضي الله عنه ".

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من يسلم عليه أهل الجنة يوم القيامة عمر بن الخطاب. وأول من يؤخذ بيده وينطلق به إلى الجنة عمر بن الخطاب ".

وعن علي قال: إن أول من يدخل الجنة من هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر. فقلت: يا أمير المؤمنين، يدخلانها قبلك؟ قال: نعم، ويشبعان من ثمارها، وأنا موقوف، مهموم بالحساب، وإن أول من يتقدم إلى الربّ في الخصومة أنا ومعاوية.

وعن عبيد بن عمير قال: بينما عمر يمرّ في الطريق إذا هو برجل يكلم امرأة، فعلاه بالدّرّة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هي امرأتي، فقام عمر فانطلق، فلقي عبد الرحمن بن عوف، فذكر ذلك له، فقال: يا أمير المؤمنين: إنما أنت مؤدب وليس عليك شيء، وإن شئت حدثتك

ص: 296

بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: لا يرفعن أحد من هذه الأمة كتابه قبل أبي بكر وعمر ".

وعن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديقة بني فلان، والباب علينا مغلق، ومع النبي صلى الله عليه وسلم عود ينكت به في الأرض إذ استفتح رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا عبد الله بن قيس ". فقلت: لبيك يا رسول الله، قال:" قم فافتح له الباب، وبشّره بالجنة "، فقمت، ففتحت له الباب، فإذا أنا بأبي بكر الصديق، فأخبرته بما قال له النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله تعالى، ودخل فسلم ثم قعد، وأغلقت الباب، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينكت بذلك العود في الأرض، فاستفتح آخر، فقال:" يا عبد الله بن قيس، قم فافتح له الباب، وبشّره بالجنة ". فقمت، ففتحت له الباب فإذا أنا بعمر بن الخطاب، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله تعالى، ودخل، فسلم وقعد، وأغلقت الباب، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينكت بذلك العود في الأرض إذ استفتح الباب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا عبد الله بن قيس قم فافتح الباب وبشّره بالجنة على بلوى تكون "، فقمت، ففتحت له الباب، فإذا أنا بعثمان بن عفان فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: المستعان بالله، وعلى الله التكلان، ثم دخل فسلم وقعد.

وعن المختار بن فلفل عن أنس بن مال قال:

جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بستاناً، وجاء آتٍ، فدق الباب فقال:" قم يا أنس، فافتح له، وبشّره بالجنة، وبشره بالخلافة من بعدي "، قلت: يا رسول الله، أعلمه؟ فقال:" أعلمه "، فإذا أبو بكر، فقلت: أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم جاء آتٍ فدق الباب فقال: " يا أنس، قم فافتح الباب له، وبشّره بالجنة، وبشّره بالخلافة من بعد أبي بكر "، قال: قلت: يا رسول الله، أعلمه؟ قال:" أعلمه "، قال: فخرجت، فإذا عمر، فقلت له، أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد أبي بكر، قال: ثم جاء آتٍ، فدق الباب، فقال:" قم يا أنس، فافتح له، وبشّره بالجنة، وبشّره بالخلافة من بعد عمر، وإنه مقتول "، فخرجت، فإذا عثمان، فقلت له: أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد عمر، وإنك مقتول، قال: فدخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، والله، ما تغنيت ولا تمنيت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعتك. قال:" هو ذلك يا عثمان ".

ص: 297

قال عبيد الله بن علي بن المديني: قلت لأبي في حديث أبي بهز عن ابن إدريس عن المختار بن فلفل عن أنس: كان في حائط، فقال:" ائذن له وبشره بالجنة "، مثل حديث أبي موسى، فقال: كذب، هذا موضوع.

وعن زيد بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: " أنت معي في الجنة، ثالث ثلاثة من هذه الأمة ".

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة ".

وعن علي بن أبي طالب قال: دخلت على عمر بن الخطاب حين وجأه أبو لؤلؤة، هو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: أتاني خبر السماء، أين يذهب بي، إلى الجنة أو إلى النار؟ فقلت: أبشر بالجنة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يقول:" سيد أهل الجنة أبو بكر وعمر "، فقال: أشاهد أنت يا علي لي بالجنة؟ فقلت: نعم، وأنت يا حسن فأشهد على أبيك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر من أهل الجنة.

وعن علي قال: بينا أنا قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال: " يا علي، هذا سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما، فما أخبرتهما حتى ماتا ". ولو كانا حيّين ما حدثت بهذا الحديث.

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أهل عليين ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما ".

قال سالم: يعني بقوله: أنعما: ارفعا. قال: وكان عطية أحد رواته يتشيّع.

ص: 298

وفي رواية: ما قوله: وأنعما؟ قال: وهنيئاً لهما.

وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة، فيضيء وجهه كأنه كوكب درّيّ، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ".

وفي حديث آخر عنه مثله: " فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر البدر لأهل الدنيا، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ". قال: أتدرون: ما أنعما؟ قلنا: لا، قال: وحقّ لهما.

وعن جابر بن عبد الله أن عمر قال لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: لئن قلت ذلك، لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" ما طلعت الشمس على رجل خيرٍ من عمر ".

وفي حديث آخر بمعناه: بدل يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سيد المسلمين، وبدل قوله:" على رجلٍ خيرٍ من عمر: على أحد أفضل من عمر ".

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبو بكر وعمر خير الأولين وخير الآخرين، وخير أهل السماوات وخير أهل الأرضين إلا النبيين والمرسلين ".

وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، من خير الناس؟ قال:" رسول الله "، قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: " إذا عدّ الصالحون فائت بأبي بكر "، قال: ثم من؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا عدّ المجاهدون فائت بعمر بن الخطاب "، ثم قال: " عمر معي

ص: 299

حيث حللت، وأنا مع عمر حيث حلّ، ومن أحب عمر فقد أحبني ومن أبغض عمر فقد أبغضني ".

وعن الأصبغ بن نباتة قال:

قلت لعلي: يا أمير المؤمنين، من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عثمان، فقلت: ثم من؟ قال: أنا. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيّ هاتين، وإلا فعميتا، وسعته بأذنيّ هاتين وإلا فصمّتا يقول:" ما ولد في الإسلام مولود أزكى ولا أطهر ولا أفضل من أبي بكر ثم عمر ".

وعن علي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " خير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر ".

قال المصنف: المحفوظ موقوف.

وعن ابن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبه، من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، قال: فخشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول: عثمان، قال: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: أبوك رجل من المسلمين.

وعن عون بن أبي جحيفة قال: كان أبي من شرط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني أبي أنه صعد المنبر يعني علياً فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر، وقال: يجعل الله الخير حيث أحب.

وعن علي قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت خبرتكم بالثالث.

قال أبو جحيفة: دخلت على علي فقلت: يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: مهلاً يا أبا جحيفة، أولا أخبرك بخير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أبو بكر وعمر. ويحك

ص: 300

يا أبا جحيفة، لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن، ويحك يا أبا جحيفة لا يجتمع بغضي وحب أبي بكر وعمر في قلب مؤمن.

وعن أبي إسحاق قال: سمعت علي بن أبي طالب وهو على منبر الكوفة وهو يقول: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، وإن شئتم أخبرتكم بالثالث، قالوا: يا أبا إسحاق، أخير أو أفضل؟ قال: خير، خ ي ر، وتهجاها.

وعن عبد خير قال: لما فرغنا من أهل النهر قام علي فقال: يا أيها الناس، إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، ثم أحدثنا أمورا يقضي الله فيها ما يشاء وفي حديث آخر بمعناه وقد كانت منا أشياء فإن يعفُ الله فبرحمته وإن يعذب فبذنوبنا وعن علي أنه قال وهو على المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر وإنا قد أحدثنا بعدهم أحداثا يقضي الله فيها ما أحب وفي رواية ما شاء وعن أبي هلال العتكي قال كنت جالسا إلى جنب منبر علي بن أبي طالب وهو يخطب الناس فسمعته يقول خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر فبدرته فقلت ثم أنت يا أمير المؤمنين الثالث فقال لا ولا الرابع وعن إسماعيل بن زياد قال سمعت شريكا يقول لقوم من الشيعة إنا ما علمنا بعلي حتى صعد المنبر فقال إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر والله ما سألناه عن ذلك يا جاهل أترانا كنا نقوم فنقول كذبت

ص: 301

وعن عمرو بن سفيان قال خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي فقال علي هذا الخطيب الشحشح سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر ثم خبطتنا بعدهم فتنة يصنع الله فيها ما شاء وعن ابن عمر قال كنا نتحدث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان وعن الحسن قال خطب المغيرة بن شعبة وعمر بن الخطاب امرأة فزُوِّج المغيرة ومُنع عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ردوا خير هذه الأمة هذا مرسل وعن عمرو بن العاص قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذي السلاسل وفي القوم أبو بكر وعمر فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت يا رسول الله من أحب الناس إليك قال عائشة قلت لست أسألك عن أهلك قال فأبوها قلت ثم من قال ثم عمر زاد في حديث آخر بمعناه قال ثم عدَّد رجالاً

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم

ص: 302

كفر وحب العرب من الإيمان وبغضهم كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله من حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة وعن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا على علي بن أبي طالب فاستقبله أبو بكر وعمر فقال له يا علي أتحب هذين الشيخين قال نعم يا رسول الله قال أحبهما تدخل الجنة وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت في السماء خيلا موقوفة مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول ولا تعرق رؤوسها من الياقوت الأحمر حوافرها من الزبرجد الأخضر آذانها من العقيان الأصفر ذوات أجنحة فقلت لمن هذه فقال جبريل هذه لمحبي أبي بكر وعمر يزورون الله عليها يوم القيامة وعن عبد الله قال يؤتى بأقوام يوم القيامة فيوقفون بين يدي الله تعالى فيؤمر بهم إلى النار فإذا هَمَّ الزبانية بأخذهم وقربوا من النار وهمَّ مالك بأخذهم قال الله تعالى لملائكة الرحمة ردوهم فيردونهم فيقفون بين يدي الله طويلا فيقول عبادي أمرت بكم إلى النار بذنوب سلفت لكم واستوجبتم بها وقد روعتكم وقد وهبت ذنوبكم لحبكم أبا بكر وعمرو عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبغض الأنصار إلا منافق ومن أبغضنا أهل البيت فهو منافق ومن أبغض أبا بكر وعمر فهو منافق

ص: 303

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر ومن أحب يعني الصحابة جميعا فقد برئ من النفاق وعن ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة وسئلت من كان النبي صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلف قالت أبو بكر قال ثم قال لها من بعد أبي بكر قالت عمر قال ثم قال لها مَن بعد عمر فسكتت وعن حذيفة قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمروعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمروعن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدواوعن سفينة قال لما بنى النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وضع حجرا ثم قال ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر ثم ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الخلفاء من بعدي وفي رواية أخرى عنه لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه ثم جاء عثمان بحجر فوضعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء ولاة الأمر من بعدي

ص: 304

وعن ابن عمر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر فقال هكذا نُبعث يوم القيامة وعنه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر قال هكذا نموت وهكذا ندفن وهكذا ندخل الجنة وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض أنا ولا فخر ثم تنشق عن أبي بكر وعمر ثم تنشق عن الحرمين مكة والمدينة ثم أبعث بينهما وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعث يوم القيامة بين أبي بكر وعمر ثم أذهب إلى أهل بقيع الغرقد فيبعثون معي ثم أنتظر أهل مكة حتى يأتوني فأبعث بين أهل الحرمين عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناد يوم القيامة من تحت العرش أين أصحاب محمد فيؤتى بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فيقال لأبي بكر قف على باب الجنة فأدخل من شئت برحمة الله واردع من شئت بعلم الله ويقال لعمر قف عند الميزان فثقِّل من شئت برحمة الله وخفف من شئت بعلم الله ويكسى عثمان حلتين فيقال له البسهما فإني خلفتهما وادخرتهما حين أنشأت خلق السموات والأرض ويعطى علي بن أبي طالب عصا عوسج من الشجرة التي غرسها الله تعالى بيده في الجنة فيقال ذُدِ الناس عن الحوض فقال بعض أهل العلم لقد واسى الله بينهم في الفضل والكرامة وفي حديث آخر بمعناه فيعطى عثمان عصا من الشجرة ويُكسى علي بن أبي طالب حلتين

ص: 305

عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عند الله رجالا مكتوبين بأسمائهم وأسماء آبائهم فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرنا بهم قال أما إنك منهم وعمر منهم وعثمان منهم وعن سلمان الفارسي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عمر بن الخطاب وهو يتبسم في وجهه ويقول بطل مؤمن سخي تقي حياطة الدين وملك الإسلام ونور الهدى ومنار التقى فطوبى لمن تبعك والويل لمن خذلك وعن عمرو بن العاص قال أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أقرأكم عمر فاقترئوا وما أمركم به فائتمرواوعن أبي هريرة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية ببيت حفصة ابنة عمر فوجدتها معه فعاتبته في ذلك قال فإنها علي حرام أن أمسها ثم قال يا حفصة ألا أبشرك قالت بلى بأبي أنت وأمي قال يلي هذا الأمر من بعدي أبو بكر ويليه من بعد أبي بكر أبوك اكتمي عليَّ هذا عن حذيفة قال ذكرت الإمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن تولوا أبا بكرة تولوه أمينا مسلما قويا في أمر الله ضعيفا في أمر نفسه وإن تولوا عمر تولوه أمينا مسلما لا تأخذه في الله لومة لائم وإن تولوا عليا تولوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة وفي حديث بمعناه وإن وليتموها عليا يقِمكم على طريق مستقيم وعن عصمة بن مالك الخطمي قال قدم رجل من أهل البادية بإبل له فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراها منه فلقيه علي فقال ما أقدمك فقال: قدمت بإبل، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنقدك؟ قال: لا، ولكن بعتها منه بتأخير، فقال له علي: ارجع إليه، فقل له: يا رسول الله،

ص: 306

إن حدث بك حدث، فمن يقضيني مالي؟ فانظر ما يقول لك، فارجع إلي حتى تعلمني، فقال: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن يقضيني؟ قال:" أبو بكر "، فأعلم علياً، فقال: ارجع فسله: فإن حدث بأبي بكر فمن يقضيني؟ فسأله، فقال:" عمر "، فجاء، فأعلم علياً، فقال له: ارجع فسله: إذا مات عمر فمن يقضيني، فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ويحك إذا مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت ".

وعن سمرة بن جندب أن رجلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت كأن دلوا دليت من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا - قال عفان وفيه ضعف ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب فانتشطت منه فانتضح عليه منها شئ عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رأيتني الليلة يا أبا بكر على قليب فنزعت منه ذنوبا أو ذنوبين ثم جئت يا أبا بكر فنزعت ذنوبا أو ذنوبين - وإنك لضعيف يرحمك الله ثم جاء عمر فنزع منها حتى استحالت غربا فعبِّرها يا أبا بكر قال ألي الأمر من بعدك ثم يليه عمر قال بذلك عبَّرها الملك وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأني أسقي غنما سوداً إذ خالطها غنم عُفر إذ جاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين - وفيهما ضعف قوي غفر الله تعالى له - إذ جاء عمر فأخذ الدلو فاستحالت غربا فأروى الوناس وصدر الناس فلم أر عبقرياً يفري فري عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوَّلتُ أن الغنم السود العرب وإذا العُفر إخوانكم من الأعاجم تضلع أكثر من الشرب حتى تمدد جنبه وأضلاعه اللسان ضلع

ص: 307

وروي عن الشافعي قال رؤيا الأنبياء حق وقوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي كان بلغه عمر في طول مدته وفي حديث ابن المقريء والعبقري الأجير وفي حديث آخر فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع ابن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن وفي حديث آخر فلم أر نزع رجل قط أفرى من نزعه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر والعبقري الشديد الجلد وضرب الناس بعطن أي أقاموا به كقولك ضرب بجرانه أي أقام والجران من كل حافر وخف وإنسان ما ولي الأرض من باطن عنقه إلى صدرهو عن عائشة أنها قالت قال أبو بكر ذات يوم والله ما على ظهر الأرض رجل أحب إليَّ من عمر فلما خرج رجع فقال كيف حلفت أي بنية آنفاً قالت قلت والله ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر قال أعزّ علي والولد ألوط يعني ألزق وعن الحسن بن أبي الحسن قال لما ثقل أبو بكر واستبان له من نفسه جمع الناس إليه فقال إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أطنني إلا لمآبي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدي ورد عليكم أمركم فأمِّروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي فقاموا في ذلك وخلوا عنه فلم يستقم لهم فرجعوا إليه فقالوا رأيا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلعلكم تختلفون قالوا لا قال فعليكم عهد الله على الرضا قالوا نعم قال فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان فقال أشر علي برجل ووالله إنك عندي لها لأهل وموضع فقال

ص: 308

عمر فقال اكتب فكتب حتى انتهى إلى الاسم فغشي عليه ثم أفاق فقال اكتب عمر ثم خرج فلقيه خالد بن سعيد فسأله فأخبره فقال والله لا يزال بنو عبد مناف بشر ما بقيت فقال والله ما ألوتُ الله ودينه وعباده وإنه لأقوانا وقد كان أبو بكر قال لو كنت كتبت نفسك لكنت لها أهلا عن الشعبي قال بينما طلحة والزبير وعثمان وسعد وعبد الرحمن جلوسا عند أبي بكر في مرضه عُوَّادا فقال أبو بكر ابعثوا إلي عمر فأتاه فدخل عليه فلما دخل أحست أنفسهم أنه خيرته لهم فتفرقوا عنه وخرجوا وتركوهما فجلسوا في المسجد وأرسلوا إلى علي ونفر معه فوجدوا عليا في حائط في الحوائط التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق بها فتوافوا إليه فاجتمعوا وقالوا يا علي ويا فلان إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلف عمر وقد علم الناس أن إسلامنا كان قبل إسلام عمر وفي عمر من التسلط على الناس ما فيه ولا سلطان له فادخلوا بنا عليه نسأله فإن استعمل عمر كلمناه فيه وأخبرناه عنه ففعلوا فقال أبو بكر اجمعوا لي الناس أخبركم من اخترت لكم فخرجوا فجمعوا الناس إلى المسجد فأمر من يحمله إليهم حتى وضعه على المنبر فقام فيهم باختيار عمر لهم ثم دخل فاستأذنوا عليه فأذن لهم فقالوا ماذا تقول لربك وقد استخلفت علينا عمر فقال أقول استخلفت عليهم خير أهلك وعن أسماء بنت عميس قالت دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو شاكٍ فقال استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له! فلو قد ملكنا كان أعتى وأعتى فكيف تقول لله إذا لقيته فقال أبو بكر أجلسوني فأجلسوه فقال هل تعرفني إلا بالله! فإني أقول لله إذا لقيته استخلفت عليهم خير أهلك فقيل للزهري ما قوله خير أهلك قال خير أهل مكةوفي رواية استخلفت عليهم خيرهم وعن عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال لما حضرت أبا الصديق الوفاة دعا عثمان بن عفان فأملى عليه عهده هذا

ص: 309

ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا خارجا منها وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويتوب الفاجر إني استخلفت من بعدي عمر بن الخطاب فإن عدل فذلك رأيي فيه وظني به وإن جار وبدل فالحق أردت ولا أعلم الغيب وما توفيقي إلا بالله وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون قال ولما أملى عهده هذا على عثمان أغمي على أبي بكر قبل أن يسمي أحداً فكتب عثمان عمر بن الخطاب فأفاق أبو بكر فقال لعثمان لعلك كتبت أحدا قال ظننتك لما بك وخشيت الفرقة فكتبت عمر بن الخطاب فقال يرحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا فدخل عليه طلحة بن عبيد الله فقال له أنا رسول من ورائي إليك يقولون قد علمت غلظة عمر علينا في حياتك فكيف بعد وفاتك إذا أفضت إليه أمورنا والله سائل عنه فانظر ما أنت قائل له قال أجلسوني أبالله تخوفونني قد خاب من وطئ من أمركم وهما إذا سألني قلت استخلفت على أهلك خيرهم لهم فأبلغهم هذا عني قال المصنف وهذا هو المحفوظ وقد روي عن علي الرضا ببيعة عمر كما روي عن سيار قال لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به فقال الناس رضينا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علي فقال لا نرضى إلا أن يكون عمر بن الخطاب قال فإنه عمر عن أنس بن مالك قال لما حضرت وفاة أبي بكر الصديق سمعت علي بن أبي طالب يقول المتفرسون في الناس أربعة امرأتان ورجلان فأما المرأة الأولى فصفراء ابنة شعيب لما تفرست في موسى قال الله في قصتها يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين والرجل الأول الملك العزيز على عهد يوسف والقوم فيه من الزاهدين قال الله تعالى:

ص: 310

وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وأما المرأة الثانية فخديجة ابنة خويلد لما تفرست في النبي صلى الله عليه وسلم وقالت لعمها قد تنسمت روحي روح محمد بن عبد الله إنه نبي لهذه الأمة فزوجني منه وأما الرجل الآخر فأبو بكر الصديق لما حضرته الوفاة قال إني قد تفرست أن أجعل الأمر من بعدي في عمر بن الخطاب فقلت له إن تجعلها في غيره فلن نرضى به فقال سررتني والله لأسرنك في نفسك بما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له وما هو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب فقال له علي بن أبي طالب أفلا أسرك في نفسك وفي عمر بما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هو فقلت قال لي يا علي لا تكتب جوازاً لمن يسب أبا بكر وعمر فإنهما سيدا كهول أهل الجنة بعد النبيين قال أنس فلما أفضت الخلافة إلى عمر قال لي علي يا أنس إني طالعت مجاري العلم من الله عز وجل في الكون فلم يكن أن أرضى بغير ما جرى في سابق علم الله وإرادته خوفا من أن يكون مني اعتراض على الله عز وجل وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء قال الخطيب هذا حديث موضوع من عمل القصاص وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه وعن عبد الله قال أفرس الناس ثلاثة العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا والمرأة التي رأت موسى فقالت يا أبت أستأجره إن خير من أستأجرت القوي الأمين وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب عن عاصم قال جمع أبو بكر الناس وهو مريض فأمر من يحمله إلى المنبر فكانت آخر خطبة

ص: 311

خطب بها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس احذروا الدنيا ولا تثقوا بها فإنها غرارة وآثروا الآخرة على الدنيا فأحبوها فبحب كل واحدة منهما يبغض الأخرى وإن هذا الأمر الذي هو أملك بنا لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله فلا يحتمله إلا أفضلكم مقدرة وأملككم لنفسه أشدكم في حال الشدة وأسلسكم في حال اللين وأعلمكم برأي ذوي الرأي لا يتشاغل بما لا يعنيه ولا يحزن لما لم ينزل به ولا يستحي من التعلم ولا يتحير عند البديهة قوي على الأمور لا يجوز لشئ منها حده بعدوان ولا تقصير يرصد لما هو آت عباده من الحذر والطاعة وهو عمر بن الخطاب ثم نزل فدخل فحمل الساخط إمارته الراضي بها على الدخول معهم توصلاوعن قيس بن أبي حازم قال خرج علينا عمر ومعه شديد مولى أبي بكر ومعه جريدة يجلس بها الناس فقال أيها الناس اسمعوا قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد رضيت لكم عمر فبايعوه عن قيس قال رأيت عمر بيده عسيب نخل وهو يجلس الناس يقول اسمعوا لقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء مولى لأبي بكر - يقال له شديد - بصحيفة فقرأها على الناس فقال يقول أبو بكر اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة فوالله ما ألوتكم قال قيس فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر وبويع لعمر يوم مات أبو بكر لثمان بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرةوبويع لعمر وهو ابن اثنتين وأربعين سنة وقيل ابن ثلاث وأربعين سنة قال معروف بن خربوذ من انتهى إليه الشرف من قريش فوصله الإسلام عشرة نفر من عشرة بطون من هاشم وأمية ونوفل وأسد وعبد الدار وتيم ومخزوم وعدي وسهم وجمح فكان من بني عدي عمر بن الخطاب وكانت إليه السفارة إن وقعت حرب بين قريش وبين غيرهم بعثوه سفيرا وإن فاخرهم مفاخر بعثوه مفاخرا ورضوا به

ص: 312

عن عبد خير قال قام علي على المنبر فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فعمل بعمله وسار بسيرته حتى قبضه الله على ذلك ثم استخلف عمر فعمل بعملهما وسار بسيرتهما حتى قبضه الله على ذلكوعن أبي العالية في قوله اهدنا الصراط المستقيم قال هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه قال فذكرت ذلك للحسن فقال صدق أبو العالية ونصح وعن عطاء قال من حجة الله على الناس استخلاف أبي بكر وعمر أن يقول قائل من يستطيع أن يعمل بعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعن محمد بن المتوكل قال بلغني أن خاتم عمر نقشه كفى بالموت واعظا يا عمر عن ابن شهاب قال أول من حيا عمر بن الخطاب بيا أمير المؤمنين المغيرة بن شعبة فسكت عمرحدث أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن جدته الشفاء وكانت من المهاجرات الأول وكان عمر بن الخطاب إذا دخل السوق أتاها قال سألتها من أول من كتب عمر أمير المؤمنين فقالت كتب عمر أمير المؤمنين إلى عامله على العراقين أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين أسألهما عن أمر الناس فبعث إليه بعدي بن حاتم طئ ولبيد بن ربيعة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد فاستقبلا عمرو بن العاص فقالا استأذن لنا

ص: 313

على أمير المؤمنين فقال أنتما والله أصبتما اسمه هو الأمير ونحن المؤمنون فدخلت على عمر فقلت يا أمير المؤمنين فقال لتخرجن مما قلت أو لأفعلن قال يا أمير المؤمنين بعث عامل العراقين بعدي بن حاتم ولبيد بن ربيعة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم استقبلاني فقالا استأذن لنا على أمير المؤمنين فقلت أنتها والله أصبتما اسمه هو الأمير ونحن المؤمنون وكان قبل ذلك يكتب من عمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى الكتاب من عمر أمير المؤمنين من ذلك ولما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفرغ عمر رضي الله عنه من دفنه نفض يده عن تراب قبره ثم قام خطيبا مكانه فقال إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم وأبقاني فيكم بعد صاحبي فلا والله لا يحضرني شئ من أمركم فيليه أحد دوني ولا يتغيب عني فألوا فيه من أهل الجزء والأمانة ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم ولئن أساءوا لأنكلن بهم قال الرجل فوالله ما زال عن ذلك حتى فارق الدنيا قال الشعبي لما ولي عمر بن الخطاب صعد المنبر فقال ما كان الله ليراني أن أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر فنزل مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اقرءوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وترقبوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف وعن سعيد بن المسيب قال لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني قد علمت أنكم تؤنسون مني شدة وغلظة وذاك أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه وجلوازه وكان كما قال الله بالمؤمنين رؤوفا رحيما وكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني عن أمر فأكف عنه وإلا أقدمت على الناس لمكان أمره فلم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راض والحمد لله على ذلك كثيرا وأنا به أسعد ثم قمت ذلك المقام مع

ص: 314

أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من قد علمتم في كرمه ورغبته في لينه فكنت خادمه وجلوازه وكنت كالسيف المسلول بين يديه على الناس أخلط شدتي بلينه إلا أن يقوم إلي فأكف فلم أزل على ذلك حتى توفله الله وهو عني راض والحمد على ذلك كثيرا وأنا به أسعد ثم صار أمركم اليوم إلي وأنا أعلم أنه يقول قائل كان شديداً علينا والأمر إلى غيره فكيف به لما صار الأمر إليه فاعلموا أنكم لا تستنبئون عني أحدا قد عرفتموني وخبرتموني وقد عرفت بحمد الله من محمد نبيكم صلى الله عليه وسلم ما قد عرفت وما أصبحت نادما على شئ كنت أحب أن أسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد سألته واعلموا أن شدتي التي كنتم ترونها ازدادت أضعافا إذ كان الأمر إلي على الظالم والمعتدي ولآخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم وإن بعد شدتي تلك واضع خدي إلى الأرض لأهل العفاف والكفاف إن كان بيني وبين نفر منكم شئ في أحكامكم أن أمشي معه إلى من أحب منكم فينظر فيما بيني وبينه فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصحية فيما ولاني الله من أمركم ثم نزل رضوان الله عليه

قال سعيد بن المسيب فوالله لقد وفى بما قال وزاد في موضع الشدة على أهل الريب والظلم والرفق بأهل الحق من كانوا وعن القاسم عن محمد قال قال عمر بن الخطاب ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سيرده عنه القريب والبعيد إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالا ولو علمت - إن علمت - أن أحدا من الناس أقوى عليه مني لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أَلِيَه عن ابن عمر قال كان عمر إذا نهى الناس عن شئ جمع أهله وقال إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقعوا وإن هبتم هابوا وايم الله لا أوتى برجل منكم فعل الذي نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة لمكانه مني مرتين

ص: 315

زاد في حديث بمعناه فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء منكم فليتأخر وعن ابن عباس قال لما أن ولي عمر بن الخطاب قال له رجل لقد كاد بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك قال قال عمر وما ذلك قال يزعمون أنك فظ قال فقال عمر الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رُحما وملأ قلوبهم لي رُعبا اجتمع علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن فكان أجرأهم على عمر عبد الرحمن فقالوا يا عبد الرحمن لو كلمت أمير المؤمنين للناس فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة فيمنعه أن يكلمه في حاجته هيبته حتى يرجع ولم يقض حاجته فدخل عليه فكلمه فقال يا أمير المؤمنين أَلِن للناس فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك فقال لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين ثم اشتددت حتى خشيت الله في الشدة فأين المخرج وقام يبكي يجر رداءه يقول عبد الرحمن بيده أف لهم بعدك قال الأصمعي كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم فإنه قد أخافهم حتى أخاف الأبكار في خدورهن فكلمه عبد الرحمن فالتفت عمر إلى عبد الرحمن فقال له يا عبد الرحمن إني لا أجد لهم إلا ذلك والله لو إنهم يعلمون ما لهم عندي من الرأفة والرحمة والشفقة لأخذوا ثوبي من عاتقي قال الأحنف بن قيس سمعت عمر بن الخطاب يقول لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين حلة للشتاء وحلة للصيف وما حج به واعتمر عليه من الظهر وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم ثم أنا رجل من المسلمين

ص: 316

وفي حديث بمعناه ووالله لا أدري أيحل ذلك أم لاعن سالم بن عبد الله قال لما ولي عمر قعد على رزق أبي بكر الذي كانوا فرضوا له فكان بذلك فاشتدت حاجته واجتمع نفر من المهاجرين فيهم عثمان وعلي وطلحة والزبير فقال الزبير لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه فقال علي وددنا أنه فعل ذلك فانطلقوا بنا فقال عثمان إنه عمر فهلموا فلنستشر ما عنده من وراء وراء نأتي حفصة فنكلمها ونستكتمها أسماءنا فدخلوا عليها وسألوها أن تخبر بالخبر عن نفر ولا تسمي أحدا له إلا أن يقبل وخرجوا من عندها فلقيت عمر في ذلك فعرفت الغضب في وجهه فقال من هؤلاء قالت لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم ما رأيك فقال لو علمت من هم لسوَّدت وجوههم أنت بيني وبينهم أناشدك الله ما أفضل ما اقتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك من الملبس قالت ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما الجمع قال فأي طعام ناله عندك أرفع قالت خبزنا خبز شعير نصب عليها وهي حارة أسفل عكة لنا فجعلناها هينة دسماً حلوة نأكل منها ونطعم منها استطابة لها قال فأي بسط كان يبسطه عندك كان أوطأ قالت كساء لنا ثخين كنا نرفعه في الصيف فنجعله تحتنا فإذا كان الشتاء انبسطنا نصفه وتدثرنا نصفه قال يا حفصة فأبلغيهم عني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر موضع الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقا فمضى الأول وقد تزود زادا فبلغ ثم اتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه ثم اتبعهما الثالث فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما وإن سلك غير طريقهما لم يجتمع معهما أبداقال ابن عمر ما زال عمر جواداً مجدا من لدن أن قام إلى أن قُبض

ص: 317

قال المدائني كتب عمرو إلى عمر بن الخطاب فشكا إليه ما يلقى من أهل مصر فوقع عمر في قصته كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك ورفع إلي عنك أنك تتكئ في مجلسك فإذا جلست فكن كسائر الناس ولا تتكئ فكتب إليه عمرو أفعل يا أمير المؤمنين وبلغني يا أمير المؤمنين أنك لا تنام بالليل ولا بالنهار إلا مُغلَبا فقال يا عمرو إذا نمت بالنهار ضيعت رعيتي وإذا نمت بالليل ضيعت أمر ربي حدث مولى لعثمان بن عفان قال بينا أنا مع عثمان في مال بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا بسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الجمر فقال ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال انظر من هذا فنظرت فقلت أرى رجلا معمما بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال انظر فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال ما أخرجك هذه الساعة فقال بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مُضي بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل ونكفيك فقال عد إلى ظلك فقلت عندنا من يكفيك فقال عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا فعاد إلينا فألقى نفسه وعن أبي بكر العبسي قال دخلت حير الصدقة مع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب فجلس عثمان في الظل فقام عليٌّ على رأسه يملي عليه ما يقول عمر وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر عليه بردتان سوداوان متزر واحدة قد وضع الأخرى على رأسه وهو يتفقد إبل الصدقة يكتب ألوانها وأسنانها فقال علي لعثمان أما سمعت قول ابنة شعيب

ص: 318

في كتاب الله عز وجل يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين وأشار بيده إلى عمر فقال هذا القول الأمين قال أبو عبيدة ركض عمر فرسا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فانكشف فخذه من تحت القباء فأبصر رجل من أهل نجران شامة في فخذه فقال هذا الذي نجده في كتابنا يخرجنا من ديارنا قال الزهري فتح الله الشام كله على عمر والجزيرة ومصر والعراق كله إلا خراسان فعمر جنَّد الأجناد ودوَّن الدواوين قبل أن يموت بعام واحد وقسم الفيء الذي أفاء الله عليه وعلى المسلمين ثم توفى الله عمر قال مالك ولي أبو بكر سنتين لم يكن فيهما مال إنما كانت جهادا كلها وولي عمر بن الخطاب عشر سنين ففتح الله على يديه الفتوح قال الأحنف بن قيس كنا بباب عمر بن الخطاب ننظر أن يؤذن لنا فخرجت جارية فقلنا سُرِّية أمير المؤمنين فسمعت فقالت ما أنا بسُرِّية أمير المؤمنين وما أحلّ له إني لمن مال الله قال فذكر ذلك لعمر فدخلنا عليه فأخبرناه بما قلنا وبما قالت فقال صدقت ما تحل لي وما هي بسُرّية وإنها لمن مال الله عز وجل وسأخبركم بما أستحل من هذا المال أستحل منه حلتين حُلة للشتاء وحلة للصيف وما يسعني لحجتي وعمرتي وقوتي وقوت أهل بيتي وسهمي مع المسلمين كسهم رجل لست بأرفعهم ولا بأوضعهم وعن عاصم بن أبي النجود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا بعث عماله شرط عليهم أن لا تركبوا برذونا ولا تأكلوا نقيا ولا تلبسوا رقيقا ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة ثم يشيعهم وإذا أراد أن يرجع قال إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أبشارهم ولا على أعراضهم ولا على أموالهم

ص: 319

ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة وتقسموا فيهم فيئهم وتحكموا بينهم بالعدل فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إليَّ ألا ولا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمِّروها فتفتنوها وفي رواية لا تجلدوا العرب فتذلوها ولا تُجَمِّروها فتفتنوها وفي رواية ولا تجهلوها فتفتنوها ولا تعتلوا عليها فتحرموها حدود الله زاد في حديث آخر وجوِّدوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم انطلقوا عن أبي فراس قال شهدت عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس فقال يا أيها الناس إنه قد أتى علي زمان وأنا أرى أن من قرأ القرآن يريد الله وما عنده فيخيل إلي أن قوما قرءوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا ألا فأريدوا الله بأعمالكم ألا إنا إنما كنا نعرفكم إذ ينزل الوحي وإذ النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وإذ ينبئنا الله من أخباركم فقد انقطع الوحي وذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فإنما نعرفكم بما نقول لكم ألا من رأينا منه خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه ومن رأينا منه شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه سرائركم بينكم وبين ربكم ألا إني إنما أبعث عمالي ليعلموكم دينكم وليعلموكم سنتكم ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ولا ليأخذوا أموالكم ألا فمن رابه شيء من ذلك فليرفعه إليّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنَّكم منه فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين أرأيت إن بعثت عاملا من عمالك فأدّب رجلا من أهل رعيته فضربه إنك لمقصّه منه قال فقال نعم والذي نفس عمر بيده لأقصن منه ألا أقص وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيِّعوهم

وكتب عمر إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإني كتبت إليك بكتاب لم ألك ونفسي فيه خيراً، الزم خمس خصال يسلم

ص: 320

لك دينك، ويحظى بالفضل حظك: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبيّنات العدول، والأيمان القاطعة، ثم أدن الضعيف حتى ينبسط لسانه، ويجترئ قلبه، وتعاهد الغريب، فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته، وانصرف إلى أهله، وإذا الذي أبطل حظه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح ما لم يتبين لك القضاء، والسلام عليك.

وعن طاوس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته بالعدل أفقضيت ما علي؟ قالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا.

وعن عرزب الكندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ستحدث بعدي أشياء، فأحبّها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر ".

وعن إسماعيل بن زياد قال: مرّ علي بن أبي طالب عليه السلام على المساجد في شرخ رمضان، وفيها القناديل، فقال: نوّر الله على عمر في قبره كما نوّر علينا مساجدنا.

وعن أبي وائل قال: قال عبد الله: ما رأيت عمر إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدّده.

وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرّة النار، قال: بأيّها؟ قال: بذات اللظى، فقال عمر بن الخطاب: أدرك أهلك فقد احترقوا. قال: فكان كما قال عمر رضي الله عنه.

وعن ابن شهاب قال: كان رأي عمر كيقين غيره.

وعن الحسن قال:

إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدّث به انه كذب فهو عمر بن الخطاب.

ص: 321

وعن طارق بن شهاب قال: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذب الكذبة فيقول: احبس هذه. فيقول له: كل ما حدثتك به حق إلا ما أمرتني أن أحبسه.

وعن عامر قال: كان علماء هذه الأمة بعد نبيّها ستة نفر: عمر، وعبد الله، وزيد بن ثابت فإذا قال عمر قولاً، وقال هذان كان قولهما لقوله تبعاً وعلي، وأبيّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري، فإذا قال علي قولاً، وقال هذان قولاً كان قولهما لقوله تبعاً.

وعن عبد الله بن مسعود قال: لو وضع علم الناس في كفة ميزان، وعلم عمر في كفة لرجح علم عمر بعلم الناس. فحدثت به إبراهيم فقال: قد قال عبد الله أجود من ذلك: إني لأحسب عمر حين مات قد ذهب بتسعة أعشار علم الناس.

وفي حديث بمعناه قال سليمان: ليس هو هذا ولكنه العلم بالله عز وجل.

وعن عبد الله بن مسعود قال: لا يأتي عليكم عام إلا شر من العام الذي مضى، قالوا: أليس يكون العام أخصب من العام؟ قال: ليس ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء. ثم قال: وأظن عمر بن الخطاب يوم أصيب ذهب معه ثلث العلم.

وعن عمرو بن ميمون قال: ذهب عمر بثلثي العلم. قال: فذكر لإبراهيم فقال: ذهب عمر بتسعة أعشار العلم.

وعن حذيفة قال: إنما بقي للناس ثلاثة من قد علم ناسخ القرآن من منسوخه. قيل: من هو؟ قال: عمر بن الخطاب، أو رجل لا يجد من ذلك بداً، أو أحمق متكلف. قال محمد: ما أنا بواحد منهما، وأرجو ألا أكون الثالث.

ص: 322

وعن قبيصة بن جابر قال: ما رأيت أحداً أرأف برعيته ولا خيراً من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم أر أحداً أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أقوم بحدود الله، ولا أهيب في صدور الرجال من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا رأيت أحداً أشد حياء من عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وعن ابن عمر قال: تعلم عمر بن الخطاب البقرة في اثنتي عشرة سنة. فلما تعلمها نحر جزوراً.

سمع ابن عمر سائلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا والراغبون في الآخرة؟ فأخذ بيده، وانطلق به إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فقال: سألت عن هؤلاء، فهم هؤلاء.

وعن طلحة بن عبيد الله قال: ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاماً، ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، أرغبنا في الآخرة.

وعن معاوية قال: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته ولم يردها، وأما عثمان فأصاب منها، وأصابت منه، وعالجها وعالجته، وأما نحن فتمرّغنا فيها ظهراً لبطن، فالله أعلم إلام نصير.

وعن المسوّر بن مخرمة قال: كنا نلزم عمر بن الخطاب نتعلم منه الورع.

قالت الشفاء بنت عبد الله ورأت فتياناً يقصدون في المشي، ويتكلمون رويداً فقالت: ما هذا؟ فقالوا: نسّاك، فقالت: كان والله عمر إذا تكلم سمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقاً.

وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال لعمر: يا أمير المؤمنين، إن يسرّك أن تلحق بصاحبيك فأقصر الأمل، وكل دون الشبع،

ص: 323

وانكس الإزار، وارفع القميص، واخصف النعل تلحق بهم.

قال الأحنف بن قيس:

ما كذبت قط إلا مرة، قالوا: وكيف يا أبا بحر؟ قال: وفدنا إلى عمر بفتح عظيم. فلما دنونا من المدينة قال بعضنا لبعض: لو ألقينا ثياب سفرنا ولبسنا ثياب صبوتنا، فدخلنا على أمير المؤمنين والمسلمين في هيئة حسنة كان أمثل. فلبسنا ثياب صبوتنا حتى إذا طعنا في أوائل المدينة لقينا رجل فقال: انظروا إلى هؤلاء أصحاب دنيا ورب الكعبة، قال: فكنت رجلاً ينفعني رأيي، فعلمت أن ذلك ليس بموافق للقوم، فعدلت، فلبستها، وأدخلت ثياب صبوتي العيبة، وأشرجتها، وأغفلت طرف الرداء، ثم ركبت راحلتي فلحقت أصحابي. فلما دفعنا إلى عمر نبت عيناه عنهم، ووقعت عيناه علي، فأشار إلي بيده، فقال: أين أبدلتم؟ قلت: في مكان كذا وكذا، فقال: أرني يدك، فقام معنا إلى مناخ ركابنا، فجعل يتخللها ببصره، ثم قال: ألا اتقيتم الله في ركابكم هذه؟ أما علمتم أن لها عليكم حقاً؟ ألا تقصّدتم بها في المسير؟ ألا حللتم عنها، فأكلت من نبت الأرض؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إنا قدمنا بفتح عظيم، فأحببنا أن نسرع إلى أمير المؤمنين وإلى المسلمين بما يسرّهم، فحانت منه التفاتة، فرأى عيبتي، فقال: لمن هذه العيبة؟ قلت: لي يا أمير المؤمنين، قال: فما هذا الثوب؟ قلت: ردائي، قال: بكم ابتعته؟ فألغيت ثلثي ثمنه، فقال: إن رداءك هذا لحسن لولا كثرة ثمنه، ثم انصفق راجعاً ونحن معه، فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان، فإنه قد ظلمني، فرفع الدرة، فخفق بها رأسه، فقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم، حتى شغل في أمر من أمر المسلمين أتيتموه: أعدني، أعدني؟ قال: فانصرف الرجل، وهو متذمر. قال: علي الرجل، فألقى إليه المخفقة، فقال: امتثل، فقال: لا والله، ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده، أو تدعها لي، فاعلم ذلك، قال: أدعها لله، قال: فانصرف، ثم جاء فمشى حتى دخل منزله ونحن معه،

ص: 324

فافتتح الصلاة، فصلى ركعتين وجلس، فقال: يا بن الخطاب، كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاءك رجل يستعديك، فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة ظننا أنه من خير أهل الأرض.

قال الحسن البصري:

أتيت مجلساً في مسجدنا يعني جامع البصرة فإذا أنا بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون زهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وما فتح الله عليهما من الإسلام، وحسن سيرتهما، فدنوت من القوم فإذا فيهم الأحنف بن قيس التميمي، فسمعته يقول: أخرجنا عمر بن الخطاب في سريّة إلى العراق، ففتح الله علينا العراق وبلد فارس، فأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فحملناه معنا، واكتسبنا منه. فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه، وجعل لا يكلمنا فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا ابنه عبد الله بن عمر، وهو جالس في المسجد، فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال عبد الله: إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباساً لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه، ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق، فأتينا منازلنا، فنزعنا ما كان علينا، وأتيناه في البزّة التي كان يعهدنا فيها، فسلم علينا، على رجل رجل، ويعانقه حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك، فقدمنا إليه الغنائم، فقسمها بيننا بالسوية، فعرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيب الطعم، طيب الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: والله. يا معشر المهاجرين والأنصار ليقبّلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام، ثم أمر به، فحمل إلى أولاد من قتلوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ثم إن عمر قام منصرفاً فمشى وراءه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثره، فقال: ما ترون يا معشر المهاجرين والأنصار، إلى زهد هذا الرجل، وإلى حلته؟ لقد تقاصرت إلينا أنفسنا، قد فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر، وطرفي المشرق والمغرب، ووفود العرب والعجم يأتونه، فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة، فلو سألتم معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم الكبراء من أهل المواقف والمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسابقين من المهاجرين

ص: 325

والأنصار أن يغير هذه الجبة بثوب ليّن يهاب فيه منظره ويغدى عليه جفنة من الطعام ويراح عليه جفنة يأكل ومن حضره من المهاجرين والأنصار، فقال القوم بأجمعهم: ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب، فإنه أجرأ الناس عليه وصهره على ابنتيه، أو ابنته حفصة، فإنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجب لها لموضعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلموا علياً فقال علي: لست بفاعل ذلك، ولكن عليكم بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه.

قال الأحنف بن قيس: فسألوا عائشة وحفصة، وكانتا مجتمعتين، فقالت عائشة: إني سائل أمير المؤمنين ذلك، وقالت حفصة: ما أراه يفعل، وسيتبين لك ذلك، فدخلتا على أمير المؤمنين، فقربهما، وأدناهما، فقالت عائشة: يا أمير المؤمنين، أتاذن أكلمك؟ قال: تكلمي يا أم المؤمنين، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى لسبيله، إلى جنته ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده، كذلك مضى أبو بكر على إثره لسبيله بعد إحياء سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل الكذابين، وأدحض حجة المبطلين، بعد عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وإرضاء ربّ البرية، فقبضه الله إلى رحمته ورضوانه، وألحقه بنبيه صلى الله عليه وسلم بالرفيع الأعلى، لم يرد الدنيا ولم ترده، وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما، وحمل إليك أموالهما، ودانت لك طرفا المشرق والمغرب، ونرجو من الله المزيد، وفي الإسلام التأييد، ورسل العجم يأتونك، ووفود العرب يردون عليك، وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة، فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك، ويغدى عليك بجفنة من الطعام، ويراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار، فبكى عمر عند ذلك بكاء شديداً، ثم قال: سألتك بالله: هل تعلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم شبع من خبز برّ عشرة أيام، أو خمسة، أو ثلاثة، أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله؟ فقالتا: لا، فأقبل على عائشة فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض، ويأمر بالمائدة فترفع؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

ص: 326

وأمهات المؤمنين، ولكما على المؤمنين حقّ، وعليّ خاصةً، ولكن أتيتما ترغّباني في الدنيا، وإني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة من الصوف، فربما حك جلده من خشونتها، أتعلمان ذلك؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة، وكان مسجّى في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطاً، وبالليل فراشاً، فندخل عليه فنرى أثر الحصير في جنبه، ألا يا حفصة، أنت حدثتني أنك اسى له ذات ليلة، فوجد لينها، فرقد عليها، فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك: يا حفصة، " اسى المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح، ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي؟ شغلتموني بلين الفراش، يا حفصة، أما تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أمسى جائعاً، ورقد ساجداً، ولم يزل راكعاً وساجداً، وباكياً، ومتضرعاً في آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله إلى رحمته ورضوانه. لا أكل عمر طيباً، ولا لبس ليناً، فله أسوة بصاحبيه، ولا جمع بين أدمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل شهر، حتى ينقضي ما انقضى من القوم. فخرجتا فخبرتا بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل بذلك حتى لحق بالله عز وجل.

وعن ثابت: أن عمر استسقى، فأتي بإناء من عسل، فوضعه على كفه. قال: فجعل يقول: أشربها فتذهب حلاوتها، وتبقى نقمتها. قالها ثلاثاً، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه.

وعن عتبة بن فرقد السلمي قال: وفدت إلى عمر بن الخطاب من العراق، فقلت: يا أمير المؤمنين، أهديت لك هدية أحب أن تقبلها، فدعا بها، فأتيته بها، فأمرني ففتحت سلة من خبيص، فأكل منه، فأعجبته فقال: عزمت عليك إلا رزقت الجند من هذا سلة سلة، أو سلتين، فقلت: إن

ص: 327

النفقة تكثر فيه، فقال: اقبض عني سلالك فلا حاجة لي فيما لا يسع العامة، ثم أتي بقصعة من ثريد ولحم، فأكل وأكلت، ثم جعلت أهوي إلى القصعة أراها شحماً، فألوكها ساعة فأجدها عصباً، وعمر يأكل أكلاً شهياً، ثم أتي بعسّ من نبيذ، فشرب وسقاني، ثم قال: إننا ننحر كل يوم جزوراً، فيكون بطنها وأطايبها من غشيها من المسلمين وأهل الفاقة، ويكون العنق لأهل عمر، ثم نشرب عليه من هذا النبيذ فيقطعه في بطوننا.

وفي حديث آخر عن ابن فرقد

أنه لما أتاه بالخبيص جعل يخرج من الخبيص ألواناً: أصفر وأحمر وأخضر، فطفق عمر ينظر إليه ويقول: بخٍ بخٍ ما أحسن هذا! فقال: اردده في جونته التي أخرجته منها، ثم ارجع من حيث جئت. قال ابن فرقد: ما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تأكل؟ فقال عمر: إني آكل مما يأكل الناس، وألبس مما يلبس الناس، وأستبقي دنياي لآخرتي.

قال الحسن قدم على عمر أمير المؤمنين وفد من أهل البصرة مع أبي موسى الأشعري. قال: فكنا ندخل عليه، وله كل يوم خبز ثلاث فربما وافقناه مأدوماً بسمن، وأحياناً بزيت، وأحياناً باللبن. وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي بماء، وربما وافقنا اللحم الغريض، وهو قليل، فقال لنا يوماً: إني أرى تعزيركم وكراهيتكم طعامي، ولو شئت صلائق وصناب والصّلاء: الشّواء. والصّناب: الخردل. الصّلائق: الخبز الرقاق ولكني سمعت الله عز وجل عيّر قوماً بأمرٍ فعلوه، فقال:" أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ".

ص: 328

قال: فكلمنا أبو موسى الأشعري، فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين، ففرض لكم من بيت المال طعاماً تأكلونه. قال: فكلمناه فقال: يا معشر الأمراء، أما ترضون لأنفسكم ما أرضى لنفسي؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن المدينة أرضٌ العيش فيها شديد، ولا نرى طعامك يعشّي، ولا يؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وإن أميرنا يعشّي، وإن طعامه يؤكل، فنكس عمر ساعة ثم رفع رأسه فقال: قد فرضت لكم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب فاشرب يعني الشراب الحلال، ثم اسق الذي عن يمينك، ثم الذي يليه. ثم قم لحاجتك، فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب، فاشرب يعني الشراب الحلال ثم اسق الذي عن يمينك ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك. فإن كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم، وأطعموا عيالهم، فإنّ تحفينكم للناس لا يحسّن أخلاقهم، ولا يشبع جائعهم، ووالله مع ذلك ما أظن رستاقاً يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرع ذلك في خرابه.

وعن الربيع بن زياد أنه وفد على عمر بن الخطاب فأعجبه هيئته، فشكا عمر وجعاً به من طعام غليظ يأكله، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيب، وملبس لين، ومركب وطيء لأنت، وكان متكئاً وبيده جريدة نخل، فاستوى جالساً، فضرب به رأس الربيع بن زياد وقال: ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء؟ إنما مثلنا كمثل قوم سافروا، فدفعوا نفقتهم إلى رجل منهم فقالوا: أنفق علينا، فهل له أن يستأثر عليهم بشيء؟ قال: لا.

كان عمر بن الخطاب يقول: والله ما نعبأ بلذاذة العيش بأن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا، ونأمر بالزبيب، فينبذ لنا، حتى إذا صار

ص: 329

مثل عين اليعقوب أكلنا هذا، وشربنا هذا، ولكن نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله تعالى يذكر قوماً فقال:" أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ".

دخل عمر على عاصم بن عمر وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه، فقال: أو كلّما قرمت إلى شيء أكلته؟ كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلّ ما اشتهى.

وعن أبي نافع قال: قال لي أبو أحمد بن جحش ليلة بعد المغرب: أي بني، اذهب بي إلى عمر بن الخطاب فعرفت أنه يريد العشاء، فذهبت به، فاستأذن على عمر، فأذن له، فأجلسه عند رأسه، وجلست خلفهما، فدعا صاحب طعامه، فقال: أتبغي لأبي أحمد شيئاً يتعشى؟ فقال: لا والله، ما عندي شيء، قال: ولو رغيفين، فقال بأصبعه: لا والله، ولا رغيف، قال: فالشاة التي ذبحتم اليوم، بقي عندكم منها شيء؟ قال: لا، لقد أكلتموها، قال: فرأسها، ما فعل؟ قال: قد أكلوه. قال: فالجمجمة؟ قال: هو ذيك مطروحة. قال: فائتني بها، فأتي بالجمجمة قد أكل لحمها، وعلى اليافوخ جلدة يابسة سوداء، قال: فجعل عمر يقشرها، فيناولها، فيلوكها، وهو شيخ كبير، ثم التفت إلي فقال: يا بني، إذا أردت أن تأتينا بمولاك فائتنا به قبل أن نتعشى، فإنا إذا تعشينا لم يكن عندنا شيء.

قال عمر بن الخطاب يوماً:

لقد خطر على قلبي شهوة الحيتان الطري، قال: فيرتحل يرفا راحلة له. فسار ليلتين إلى الجار مدبراً وليلتين مقبلاً، واشترى مكتلاً، فجاءه به. قال: ويعمد يرفا إلى الراحلة، فغسلها، فأتى عمر وقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر ثم قال:

ص: 330

نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذّبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله لا يذوق عمر مكتلك.

وعن البراء بن معرور أن عمر خرج يوماً، وكان قد اشتكى شكوى، فنعت له العسل، وفي بيت المال عكّة، فقال: إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلا فإنها علي حرام، فأذنوا له فيها.

قال أبو حازم: دخل عمر على حفصة ابنته، فقدمت إليه مرقداً بارداً وخبزاً، وصبت في المرق زيتاً، فقال: أدمان في إناء واحد؟ لا أذوق حتى ألقى الله.

وعن عمر أنه قال: لا أحد يحل لي أن آكل من مالكم هذا إلا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزيت والسمن. قال: فكان ربما أتي بالحفنة قد صنعت بزيت فيعتذر إلى القوم، فيقول: إني رجل عربي، ولست أستمرئ هذا الزيت.

وعن ابن عمر قال: دخل علين عمر وهو على مائدة، فأوسع له عن صدر المجلس، فقال: بسم الله ثم ضرب بيده، فلقم لقمة، ثم ثنى بأخرى ثم قال: إني لأجد طعم دسم، ما هو بدسم اللحم، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه، فوجدته غالياً، فاشتريت بدرهم من المهزول، وحملت عليه بدرهم سمناً، وأردت أن يزاد عيالي عظماً عظماً، فقال عمر: ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر، فقال عبد الله: عد يا أمير المؤمنين فلن يجتمعا عندي أبداً إلا فعلت ذلك. قال: ما كنت لأفعل.

قال الأحنف بن قيس: كنا نأكل عند عمر يوماً بلحم غريض، ويوماً بزيت، ويوماً بقديد.

ص: 331

قال قتادة: كان عمر بن الخطاب يلبس وهو أمير المؤمنين جبة من صوف، مرقوعة بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق، ومعه الدرة يؤدب الناس بها، ويمر بالنّكث والنوى فيلتقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا بذلك.

وعن أنس قال: رأيت بين كتفين عمر أربع رقاع في قميص له.

وعن زيد بن وهب قال: رأيت بين كتفي عمر أربع عشرة رقعة بعضها من أدم.

وعن الحسن أن عمر بن الخطاب خطب بالناس وهو خليفة وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة.

وفي آخر: بعضها من أدم.

وعن ابن عباس قال: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت، وإزاره مرقوع بأدم.

وقال أبو عثمان: رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة، وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب.

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجت مع عمر بن الخطاب حاجاً من المدينة إلى مكة إلى أن رجعنا فما ضرب فيه فسطاطاً، ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة، ويستظل تحته.

وعن أبي الغادية الشامي قال: قدم عمر بن الخطاب الجابية على جمل أورق، تلوح صلعته بالشمس، ليس عليه

ص: 332

قلنسوة ولا عمامة، قد طبّق رجليه بين شعبتي رحله، بلا ركاب، وطاؤه كساء أنبجاني من صوف، هو وطاؤه إذا ركب، وفراشه إذا نزل، حقيبته محشوة ليفاً، وهي حقيبته إذا ركب، ووسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس قد دسم، وتخرق جيبه، فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوا له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه، وأعيروني قميصاً أو ثوباً، فأتي بقميص كتان، فقال: ما هذا؟ قالوا: كتان، قال: وما الكتان؟ فأخبروه، فنزع قميصه، فغسل، ورقع، ولبسه فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل، فأتي ببرذون، فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل فركبه. فلما سار هنيهة قال: احبسوا، احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي، فأتي بجمله فركبه.

قال علقمة بن عبد الله المري: أتي عمر بن الخطاب برذون، فقال: ما هذا؟ فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذه دابة لها وطاة ولها هبّة، ولها جمال تركبه العجم، فقام فركبه. فلما سار هزّ منكبيه فقال: قبح الله هذا، بئس الدابة هذا، فنزل عنه.

قال مجاهد: أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهماً من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى المدينة، ثم جعل يتلهف، ويضرب بيده على الأخرى، ويقول: ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا من مال الله تعالى.

دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها فقالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبداً، فخرج عبد الرحمن من عندها مذعوراً حتى

ص: 333

دخل على عمر فقال له: اسمع ما تقول أمك، فقام عمر حتى دخل عليها، فسألها ثم قال: أنشدك الله، أمنهم أنا؟ قالت: لا، ولن أبرئ بعدك أحداً.

وعن عبد الله بن عيسى قال: كان في خد عمر بن الخطاب خيطان أسودان من البكاء.

وعن جعفر بن زيد أن عمر خرج يعسّ بالمدينة ليلة، ومعه غلام له، وعبد الرحمن بن عوف، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه وهو قائم يصلي، فوقف يسمع لقراءته، فقرأ:" والطّور " حتى بلغ " إنّ عذاب ربّك لواقعٌ ما له من دافعٍ " فقال عمر: قسم وربّ الكعبة حق، امض لحاجتك، فاستسند إلى حائط، فمكث ملياً، فقال له عبد الرحمن: امض لحاجتك، فقال: ما أنا بفاعل الليلة إذ سمعت ما سمعت. قال: فرجع إلى منزله فمرض شهراً، يعوده الناس لا يدرون ما مرضه.

وعن الحسن قال: كان عمر بن الخطاب يمرّ بالآية من ورده بالليل، فيسقط، حتى يعاد منها أياماً كثيرة، كما يعاد المريض.

وعن عمر بن الخطاب أنه قال: من خاف الله لم يشف غيظه، ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون.

وعن ابن عمر قال: ما رأيت عمر غضب قط فذكر الله عنده أو خوّف أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن إلا وقف عما كان يريد.

وعن أبي مسلم الأزدي أنه صلى مع عمر بن الخطاب أو حدثه من صلى مع عمر المغرب فمشى بها، أو

ص: 334

شغله بعض الأمر حتى طلع نجمان. فلما فرغ من صلاته تلك أعتق رقبتين.

وعن ابن عباس قال: كان الحر بن قيس بن حصن من القراء الذين يدنيهم عمر وكان القراء أهل مجلس عمر شباباً كانوا أو شيوخاً فقدم عيينة بن حصن فقال للحر بن قيس: يا بن أخي، ألك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ فقال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن له عمر. فلما دخل عليه قال: والله يا عمر ما تعطينا لاجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، قال: فغضب عمر حتى همّ أن يقع به، فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول:" وأعرض عن الجاهلين " وإن هذا من الجاهلين. قال: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى.

قال مزيدة بن قعنب الرهاوي: كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه قوم، فقالوا له: إن لنا إماماً يصلي بنا العصر، فإذا صلى صلاته تغنى بأبيات، فقال عمر: قوموا بنا إليه، فاستخرجه عمر من منزله فقال: إنه بلغني أنك تقول أبياتاً إذا قضيت صلاتك، فأنشدنيها، فإن كانت حسنة قتلها معك، وإن كانت قبيحة نهيتك عنها، فقال الرجل: الرمل

وفؤادي كلما نبّهته

عاد في اللذات يبغي تعبي

لا أراه الدهر إلا لاهياً

في تماديه فقد برّح بي

يا قرين السّوء ما هذا الصّبا

فني العمر كذا باللعب

وشباب بان مني فمضى

قبل أن أقضي منه أربي

ما أرجيّ بعده إلا الفنا

ضيّق الشيب عليّ مطلبي

نفس لا كنت ولا كان الهوى

اتقي المولى وخافي وارهبي

فقال عمر: نعم نفس لا كنت ولا كان الهوى وهو يبكي ويقول: اتقي الله وخافي وارهبي. ثم قال عمر: من كان منكم متغنياً فليغن هكذا.

ص: 335

قال طارق: قلت لابن عباس: أي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطير الحذر الذي كأن له بكل طريق شركاً.

قال عبد الله بن عامر بن ربيعة.

رأيت عمر بن الخطاب أخذ نبتة من الأرض فقال: يا ليتني هذه النبتة، ليتني لم أك شيئاً، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت نسياً منسيّاً.

حدث نجدة مولى عمر بن الخطاب عن عمر أنه كان في سوق المدينة يوماً، فأخذ شق تمرة، فمسحها من التراب، ثم مرّ أسود عليه قربة، فمشى إليه عمر، وقال: اطرح هذه في فيك، فقال له أبو ذر، ما هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه أثقل أو ذرّة؟ قال: لا، بل هذه أثقل من ذرّة. قال: فهل فهمت ما أنزل الله في سورة النساء؟: " إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةٌ يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً ". كان بدو الأمر مثقال ذرّة، وكان عاقبته أجراً عظيماً.

وعن مالك بن مغول

أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل ان توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر " يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ ".

وعن يحيى بن جعدة قال: قال عمر بن الخطاب: لولا أن أسير في سبيل الله أو أضع جبيني في التراب، أو أجالس قوماً يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب التمر لأحببت أن أكون قد لحقت بالله عز وجل.

نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة. فلما اجتمع الناس وكبّروا صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيّه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس، لقد رأيتني أرعى

ص: 336

على خالات لي من بني مخزوم، فيقبّضن لي القبضة من التمر أو الزبيب، فأظل يومي وأي يوم، ثم نزل، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن قميت نفسك يعني: عبت فقال: ويحك يا بن عوف إني خلوت، فحدثتني نفسي قالت: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك، فأردت أن أعرّفها نفسها.

قال عبد الرحمن بن حاطب: كنت مع عمر بن الخطاب بضجنان فقال: كنت أرعى للخطاب بهذا المكان، فكان فظاً غليظاً، فكنت أرعى أحياناً، وأحتطب أحياناً، فأصبحت أضرب الناس، ليس فوقي أحد إلا الله ربّ العالمين، ثم قال: البسيط

لا شيء مما ترى يبقى بشاشته

يبقى الإله ويفنى المال والولد

زاد في آخر:

لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه

والخلد قد حاولت عادٌ فما خلدوا

ولا سليمان إذ تجري الرياح له

والإنس والجنّ فيما بينها برد

أين الملوك التي كانت نواهلها

من كلّ أوبٍ إليها راكبٌ يفد

حوضاً هنالك موروداً بلا كذبٍ

لابدّ من ورده يوماً كما وردوا

قال جراد بن نشيط: كنت عند عمر بن الخطاب، فأتاه رجل مسمّن مخصب في العيش، فقال: يا أمير المؤمنين، هلكت وهلك عيالي زاد في رواية: فجعل عمر يصعّد فيه البصر ويصوبه ثم قال: يجيء أحدهم ينثّ كأنه حميت يقول: هلكت وهلك عيالي ثم قرب عمر يحدث عن نفسه، فقال: لقد رأيتني وأختاً لي نرعى على أبوينا ناضحاً لهم، قد ألبستنا أمنا

ص: 337

نقيبة لنا، وزودتنا من الهبيد نمتر منها، فنخرج بناضحنا، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقيبة إلى أختي، وخرجت أسعى عرياناً، فترجع أمنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد فما خضناه. قال: ثم قال: أعطوه ربعة من نعم الصدقة، قال: فخرجت يتبعها ظئران لها، قال: فما حسدت أحداً ما حسدت ذلك الرجل ذلك اليوم.

وعن عبيد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل قربة على عنقه فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، ما حملك على هذا؟ قال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها.

قال الحسن: خرج عمر بن الخطاب في يوم حار واضعاً رداءه على رأسه، فمرّ به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، قال: فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير الؤمنين، فقال: لا، وأركب أنا خلفك، تريد أن تحملني على المكان الوطيء، وتركب أنت على الموضع الخشن؟ ولكن اركب أنت على المكان الوطيء، وأركب أنا خلفك على المكان الخشن. فركب خلف الغلام، ودخل المدينة وهو خلفه والناس ينظرون إليهما.

وعن أنس بن مالك أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب نائماً في المسجد بالمدينة، فقال: هذا والله هو الملك الهنيء.

ص: 338

وعن عامر قال: إذا اختلف الناس في أمر فانظر كيف قضى فيه عمر، فإنه لم يكن يقضي في الأمر لم يقض فيه قبله حتى يشاور.

قال الشعبي: من سرّه أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير.

وعن عاصم قال: أخذ أبو عثمان النهدي عصاً كانت بيده، ثم رفعها، ثم قال: والذي لو شاء أن ينطق هذه العصا لنطقت، لو كان عمر ميزاناً ما كان يميط شعرة.

قال أبو حريز الأزدي: كان رجل لا يزال يهدي لعمر فخذ جزور إلى أن جاءه ذات يوم بخصم، فقال: يا أمير المؤمنين، لقض بيننا قضاءً فصلاً كما يفصل الفخذ سائر الجزور، قال عمر: فما زال يردّدها علي حتى خفت على نفسي، فقضى عليه عمر، ثم كتب إلى عماله: أما بعد، فإياي والهدايا، فإنها من الرّشى.

كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله، فكان في آخر كتابه أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته شهواته عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة، فتذكّر ما توعظ به لكي تنتهي عما تنهى عنه.

قال عمر بن الخطاب: الوالي إذا طلب العافية ممن هو دونه أعطاه الله العافية ممن هو فوقه.

كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في بناء منزل يسكنه، فوقع في كتابه: ابن ما يسترك من الشمس، ويكنك من الغيث، فإن الدنيا دار قلعة.

ص: 339

وكتب عمر إلى عمرو بن العاص وهو على مصر: كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك.

قال أسلم: قال عمر بن الخطاب: اجتمعوا لهذا الفيء حتى ننظر فيه، ثم قال لهم بعد: إني كنت أمرتكم أن تجتمعوا حتى ننظر فيه، وإني قرأت آيات من كتاب الله فاستغنت عز وجل بهن، قال الله تعالى:" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرّسول " إلى قوله: " شديد العقاب " والله ما هو لهؤلاء وحدهم، ثم قرأ:" للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا " والله ما هو لهؤلاء وحدهم، ولئن بقيت إلى قابل لألحقن آخر الناس بأولهم، ولأجعلنهم ببّاناً واحداً، يعني: باجاً واحداً. قال: فجاء ابن له، وهو يقسم يقال له عبد الرحمن بن لهيّة امرأة كانت لعمر فقال له: اكسني خاتماً، فقال له: الحق بأمك تسقيك شربة من سويق فوالله ما أعطاه شيئاً.

قال عبد الرحمن بن عوف: بعث إلي عمر ظهراً، فأتيته. فلما دخلت الدار إذا نحيب شديد، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، اعترى والله أمير المؤمنين اعتراء، فقلت: لا بأس أمير المؤمنين، قال: إنه لا بأس، قال: فوضع يديه على ركبتيه، فكان أول ما كلمني به أن قال: ما أعجبك، بكائي شديد، ثم أخذ بيدين فأدخلني بيتاً، فإذا حقيبات بعضها على بعض، فقال: هاهنا هان آل الخطاب على الله، والله لو كرمنا عليه لكان إلي صاحبي بين يدي فلاقاً مالي فيه أميراً أقتدي به. فلما رأيت ما حلّ به قلت: اقعد بنا

ص: 340

يا أمير المؤمنين نتفكر. قال: فقعدنا، فكسا أهل المدينة، وكسا المخفّين في سبيل الله، وكسا أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم، وكسا من ذون ذلك، فأصاب المخفّين أربعة أربعة، وأصاب أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم أربعة أربعة، وأصاب من دون ذلك اثنان اثنان، حتى وزعنا ذلك المال.

وعن ابن عمر قال: شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً. فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، كنت مفتديّ؟ قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، فقال: كأني شاهدٌ الناس حين تبايعوا، فقال: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين، وأحب الناس إليه وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك فإنه أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم، وإني قاسم مسؤول، وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهماً، ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعة مئة ألف، فدفع إلي ثمانين ألفاً، وبعث البقية إلى سعد بن أبي وقاص فقال: اقسمه في الذي شهدوا الوقعة، ومن كان مات فابعثه إلى ورثته.

وحدث أسلم قال: رأيت عبد الله بن الأرقم صاحب بيت مال المسلمين في زمن أبي بكر وعمر أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن عندنا حلية من حلية جلولاء، آنية من ذهب وورق، فانظر أن تفرغ لذلك يوماًن فترى فيه رأيك، فقال: إذا رأيتني فارغاً فآذني، فجاءه يوماً فقال: أراك اليوم فارغاً، فقال: أجل، فابسط لي نطعاً في الأشاء وهو النخل الذي لا يسقى فبسط له فيه نطعاًن ثم أتى بذلك المال فصب عليه، فدنا عمر حتى وقف عليه، وقال: اللهم، إنك ذكرت وقلت:" زيّن للنّاس حبذ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة " وقلت: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " وإنا لا نستطيع ألا نفرح بما زيّنت لنا، اللهم، فاجعلني أنفقه

ص: 341

في الحق، وأعذني من شرّه، قال: وأتى ابن له يقال له عبد الرحمن، فقال: يا أبتاه، هب لي خاتماً، فقال عمر: اذهب إلى أمك تسقيك سويقاً.

بعث أبو موسى من العراق إلى عمر بن الخطاب بحلية فوضعت بين يديه، وفي حجره أسماء بنت زيد بن الخطاب وكانت أحب إليه من نفسه، لما قتل أبوها باليمامة عطف عليهم فأخذت من الحلية خاتماً، فوضعته في يدها، وأقبل عليها يقبّلها، ويلتزمها. فلما غفلت أخذ الخاتم من يدها، فرمى به في الحلية وقال: خذوها عني.

قدم مل الروم على عمر بن الخطاب، فاستقرضت امرأة عمر بن الخطاب ديناراً فاشترت به عطراً، وجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى امرأة ملك الروم. فلما أتاها فرّغتهن وملأتهن جواهر، وقالت: اذهب به إلى امرأة عمر بن الخطاب. فلما أتاها فرّغتهن على البساط، فدخل عمر بن الخطاب فقال: ما هذا؟ فأخبرته الخبر، فأخذ عمر الجوهر فباعه، ودفع إلى امرأته ديناراً، وجعل ما بقي من ذلك في بيت مال المسلمين.

وعن ابن عمر قال: أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل طنفسة، أراها تكون ذراعاً وشبراً، فدخل عليها عمر فرآها فقال: أنى لك هذه؟ فقالت: نعم أهداها إلي أبو موسى الأشعري، فقال: أحضروه، وأتعبوه، قال: فأتي به قد أتعب وهو يقول: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين، فقال: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثم أخذها فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها، فلا حاجة لنا فيها.

قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلاً وارتجعتها إلى اليمن. فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر بن الخطاب السوق فرأى إبلاً سماناً فقال: لمن هذه؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر، بخٍ بخٍ، ابن أمير المؤمنين، فجئته أسعى، فقلت: مالك يا أمير المؤمنين قال: ما هذه الإبل؟ قلت: أنا اشتريتها، وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر، أغد على رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.

ص: 342

قال عمرو بن العاص يوماً، وذكر عمر فترحم عليه ثم قال: ما رأيت أحداً بعد نبي الله وأبو بكر أخوف لله من عمر، لا يبالي على من وقع الحق: على ولد أو والدٍ، ثم قال: إني لفي منزلي ضحى، في مصر إذ أتاني آتٍ فقال: قدم عبد الله وعبد الرحمن ابنا عمر غازيين، فقلت: أين نزلا؟ قال: في موضع كذا وكذا لأقصى مصر وقد كتب إلي عمر: إياك أن يقدم عليك أحد من أهل بيتي فتضعه بأمر لا تصنعه بغيره، فأفعل بك ما أنت أهله فأنا لا أستطيع أن أهدي لهما، ولا آتيهما في منزلهما للخوف من أبيهما، فإني لعلى ما أنا فيه إذ قال قائل: هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة يستأذنان، فقلت: يدخلان، فدخلا وهما منكران، فقالا: أقم علينا حدّ الله، فإنا قد أصبنا البارحة شراباً فسركنا، قال: فنهرهما وطردهما، فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت عليه، قال: يحضرني رأي، وعلمت أني إن لم أقم عليهما الحدّ غضب علي عمر في ذلك وعزلني، وخالفه ما صنعت، فنحن على ما نحن فيه إذ دخل عبد الله بن عمر، فقمت إليه، فرحبت به وأردت أجلسه على صدر مجلسين فأبى علي وقال: إن أبي نهاني أن أدخل عليك إلا ألاّ أجد بداً، وإني لم أجد بداً من الدخول عليك، إن أخي لا يحلق على رؤوس الناس أبداًن فأما الضرب فاصنع ما بدا لك. قال: وكانوا يحلقون مع الحدّ. قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد، ودخل ابن عمر بأخيه عبد الرحمن بيت في الدار فحلق رأسه ورأس أبي سروعة، فوالله ما كتبت إلى عمر بحرف مما كان، حتى إذا تحينت كتابه إذا هو فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص ابن العاص، فعجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك علي، وخلاف عدين أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر ممن هو خير منك واخترتك لجرأتك عني وإنفاد عهدي، فأراك تلوثت بما قد

ص: 343

تلوثت، فماأراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قتل: هو ولد أمير المؤمنين، وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عند في حق يجب به عليه. فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع، فبعثت به كما قال أبوه، وأقرأت ابن عمر كتاب أبيه، وكتبت إلى عمر كتاباً أعتذر فيه، وأخبره أني ضربته في صحن داري، وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن دار على الذمي والمسلم، وبعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر، فقال: أسلمه، فقدم بعبد الرحمن على أبيه، فدخل عليه، وعليه عباءة، ولا يستطيع المشي من مركبه، فقال: يا عبد الرحمن، فعلت وفعلت، السياط، فكلمه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد مرة، فما عليه أن تقيمه ثانية؟ فلم يلتفت إلى هذا عمر وزبره، فجعل عبد الرحمن يصيح: إني مريض وأنت قاتلي، فضربه الثانية الحدّ، وحبسه في مرض فمات.

وفي حديث بمعناه: إنه جلده وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله، فلبث شهراً صحيحاً، ثم أصابه قذة، فتحسّب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلده.

وعن الحسن قال: بينما عمر بن الخطاب يمشي ذات يوم في بعض أزقة المدينة إذا صبيّةٌ بين يده، تقوم مرة وتقع أخرى وفي رواية: تطيش هزالاً فقال: يا بؤسها: من لهذه؟ فقال ابن عمر: هذه إحدى بناتك يا أمير المؤمنين زاد في آخر قال: وأي بناتي هذه؟ قال: ابنتي قال: فما لها؟ قال: منعتها ما عندك، قال: أفعجزت إذ منعتها ما عندي أن تكسب عليها كما تكسب الأقوام على بناتهم؟ والله مالك عندي إلا مالرجل من المسلمين، وبيني وبينك كتاب الله. قال الحسن: فخصمه الله.

وفي آخر فقال: إني والله ما أعول من ولدك، فاسع على ولدك أيها الرجل.

ص: 344

وعن عاصم بن عمر قال: أرسل إلي عمر يرفا، فأتيته وهو في مصلاه عند الفجر أو عند الظهر قال: فقال: والله ما كنت أرى هذا المال يحل لي من قبل أن أليه إلا بحقه، وما كان قط أحرم علي منه إذ وليته، فعاد أمانتي، وقد أنفقت عليك شهراً من مال الله، ولست بزائدك، ولكني معينك بثمن مالي بالغابة، فاجدده فبعه، ثم ائت رجلاً من قومك من تجارهم، فقم إلى جنبه، فإذا اشترى شيئاً فاستشركه، فاستنفعه وأنفق على أهلك.

قال أسلم: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كراعاً، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن يأكلهم الضّبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمرن ولم يمض ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً، وحمل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه ثم قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، فقال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً فافتتحناه، ثم أصبحنا نستقي بينهما بهماً فيه.

وعن محمد بن سيرين أن صهراً لعمر بن الخطاب قدم على عمر فعرض عليه أن يعطيه من بيت المال، فانتهره عمر فقال: أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً. فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.

ص: 345

وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن الدجال أنه يسلّط على نفس يقتلها ثم يحييها، فيقول: ألست بربك؟ قال: فتقول: ما كنت قط أكذب منك الساعة، قال: فما كنا نراه إلا عمر بن الخطاب حتى قتل أو مات.

وعن حذيفة قال:

لأن أعلم أن فيكم مئة مؤمن أحبّ إلي من حمر النّعم وسودها، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما تهاجرنا بيننا ولا تشاتمنا بيننا ولا تفرقنا. قال: هل فيكم من لا يخاف في الله لومة لائم ثم بكى ثم قال: ما أعلمه إلا عمر، فكيف أنتم لو قد فارقكم؟.

وعن حذيفة قال: كنا جلوساً عند عمر فقال: أيّكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت، أنا، كما قال، قال: إنك لجريء عليها أو عليه قلت: فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفّرها الصلاة، والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كموج البحر، قلت: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: أيكسر أو يفتح؟ قلت: بل يكسر، قال: إذاً لا يغلق أبداً، قلنا؛ أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غدٍ ليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا حذيفة أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقاً، فسأله فقال: الباب عمر.

وعن قدامة بن مظعون أن عمر بن الخطاب أدرك عثمان بن مظعون وهو على راحلته، وعثمان على راحلته، على ثنية الأثاية والعرج، فضعضعت راحلته راحلة عثمان، وقد مضت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام الركب، فقال عثمان بن مظعون: أوجعتني يا غلق الفتنة. فلما أسهلت الرواحل دنا منه عمر بن الخطاب فقال: يغفر الله لك أبا السائب، ما هذا الاسم الذي سميتنيه؟ فقال: لا والله ما أنا الذي سميتكه، لكن سمّاكه رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا هو

ص: 346

أمام الركن يقدم القوم مررت بنا يوماً ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " هذا غلق الفتنة وأشار بيده لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين ظهرانيكم ".

وفي حديث غيره: قفل الفتنة.

مرّ عبد الله بن سلام بعبد الله بن عمر بن الخطاب وهو راقد في مشرقة، وفحركه برجله فقال: من هذا؟ قال: أنا عبد الله بن أمير المؤمنين عمر، قال: قم يا بن قفل جهنم، قال: فقام عبد الله وقد تغير لونه حتى أتى والده عمر، فقال: يا أبه، أما سمعت ما قال ابن سلام لي؟ قال: وما قال لك يا بني؟ قال: قال لي: قم يا بن قفل جهنم، قال: فقال عمر: الويل لعمر إن كان بعد عبادة أربعين سنة ومصاهرته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاياه بين المسلمين بالاقتصاد أن يكون مصيره إلى جهنم حتى يعني يكون قفلاً لجهنم، قال: ثم قام وتقنّع بطيلسان له، وألقى الدرة على عاتقة فاستقبله عبد الله بن سلام، فقال له عمر: يا بن سلام، بلغني أنك قلت لابني: قم يا بن قفل جهنم، قال: نعم، قال عمر: وكيف علمت أني في جهنم، حتى أكون قفلاً لجهنم؟ قال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن تكون في جهنم، ولكنك قفل جهنم، قال: وهل يكون أحد لا يكون في جهنم وهو قفل جهنم؟ قال: نعم، قال: وكيف ذلك؟ قال: إنه أخبرني أبي عن آبائه عن موسى بن عمران عن جبريل عليه السلام أنه قال: يكون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: عمر بن الخطاب، أحسن الناس ديناً، وأحسنهم يقيناً. ما دام بينهم الدين عالٍ، والدين فاشٍ واستمسك بالعروة الوثقى من الدين فجهنم مقفلة، فإذا مات عمر يرق الدين، ويقل اليقين، وقلّ أعمار الصالحين، وافترق الناس على فرق من الأهواء، وفتحت أقفال جنهم، فيدخل في جهنم من الآدميين كثير.

قال كعب وهو عند عمر: ويل لملك الأرض من ملك السماء، فقال عمر: إلا من حاسب نفسه، فقال كعب: إنك مصراع الفتنة.

ص: 347

وعن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال يوماً وهو يذكر عمر فقال: إن مات عمر رقّ الإسلام، ما أحب أن لي ما تطلع عليه الشمس أو تغرب وأني أبقى بعد عمر. قال قائل: ولم؟ قال: سترون ما أقول إن بقيتم، أما هو فإن ولي والٍ بعد عمر فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك، ولم يحملوه، وإن ضعف عنهم قتلوه.

وعن حذيفة أنه قال: ما بينكم وبين أن يرسل عليكم الشرّ فراسخ، إلا أن يطلع عليكم راكب من هاهنا فينعى لكم عمر.

وعن ابن عمر:

أن عمر بن الخطاب وجّه جيشاً، ورأس عليهم رجلاً يدعى سارية، قال: فبينما عمر بن الخطاب يخطب جعل ينادي: يا ساري، الجبل، يا ساري، الجبل، ثلاثاً. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر فقال: يا أمير المؤمنين، هزمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي: يا ساري، الجبل، ثلاثاً. فأسندنا ظهورنا بالجبل، فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك تصيح لذلك.

ولما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل بوونه من أشهر العجم، فقالوا: يا أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سنّة: لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك، فقالوا: إذا كان ثنتا عشرة تخلوا من هذا الشهر عمدنا إلى جارية، بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا أمر لا يكون أبداً في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بوونه وألبيب ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى همّوا بالجلاء. فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب: إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، وبعث ببطاقة في داخل كتابه، وكتب إلى عمرو: إني قد بعثت إليك

ص: 348

ببطاقة في داخل كتابي إليك، فألقها في النيل. فلما قدم كتاب عمر على عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد. فإني كنت إنما تجري من قبلك فلا تجرن وإن كان الله الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصلا للجلاء والخروج منها، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل. فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشرة ذراعاً في ليلة واحدة، فقطع الله تعالى تلك السّنّة السوء عن أهل مصر إلى اليوم.

وعن مالك بن موسى بن الحدثان قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا الفيء حق، ثم نحن فيه بعد على منازلنا في كتاب الله وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الرجل وقومه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته، وإن أخوف ما أخاف عليكم أحمر، محذف القفا يحم لنفسه بحكم وللناس بحكم، ويقسن لنفسه قسماً وللناس قسماً. والله لئن سلمت نفسي ليأتين الراعي وهو بجبل صنعاء حظه من فيء الله وهو في غنمه ".

وعن الحسن قال: أتي عمر بسوار كسرى بن هرمز فوضع بين يديه فأخذه سراقة بن مالك، فوضعه في يديه فبلغ منكبيه، فقال عمر: الحمد لله، سوار كسرى في يد سراقة بن مالك الخزاعي بني مدلج، اللهم، قد علمت أن نبيك مذ كان يحب أن يصيب مالاً فينفقه في سبيلك، وعلى عبادك، فزويت ذلك عنه نظراً له واختياراً. اللهم، إني قد علمت أن أبا بكر كان يحب أن يصيب مثل ذلك المال فينفقه في سبيلك، فزويت ذلك عنه نظراً منك له واختياراً. اللهم، فلا يكن ذلك مكراً بي منك ثم تلا:" أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ ونبين ".

وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: لما أتي عمر بكنوز كسرى قال عبد الله بن الأرقم الزهري: ألا تجعلها في بيت المال

ص: 349

حتى نقسمها؟ قال: لا أظلها تحت سقف بيت حتى أمضيها، فأمر بها فوضعت في صرح المسجد، وباتوا يحرسونها. فلما أصبح أمر بها فكشف عنها، فرأى ما فيها من البيضاء والحمراء ما كان يتلألأ منه البصر، فبكى عمر، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، فوالله إن هذا ليوم شكر، ويوم فرح، فقال عمر: إن هذا لم يعطه قوم قط إلا ألقى بينهم العداوة والبغضاء.

قال سلمة بن سعيد: أتي عمر بن الخطاب بمال، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمير المؤمنين، لو حبست من هذا المال في بيت المال لنائبة تكون أو أمرٍ يحدث، فقال: كلمة ما عرض بها إلا شيطان كفاني الله حجتها، ووقاني فتنتها، أعصي الله العام مخافة قابل، أعدّ لهم تقوى الله تعالى. قال الله تعالى:" ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " وليكون فتنة على من يكون بعدي.

وعن سعيد بن المسيب قال:

انكسر بعي رمن مال الله فنحره عمر، وصنعه، ودعا عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس بن عبد المطلب: يا أمير المؤمنين، لو صنعت لنا في كل يوم مثل هذا أصبنا منه، وتحدثنا عندك، فقال عمر، يهون عليك جوع امرأة بسلع؟ إنه كان لي صاحبان عملا عملاً، وسلكا طريقاً إن عملت مثل عملهما سلكت طريقهما، وإن عملت بغيره لم أسلك طريقهما.

وعن أسلم: أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يعني: هنيّ على الحمى، فقال: يا هنيّ، اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني

ص: 350

ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبالك؟ فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق، وايم الله، إنهم ليرون أني ظلمتهم، وإنها لبلادهم، قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام. والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً.

وعن أبي هريرة قال: قدمت من البحرين، فسألني عمر عن الناس، فأخبرته. ثم قال لي: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمس مئة ألف. قال: ويحك هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، قال: إنك ناعس، ارجع إلى أهلك فنم، فإذا أصبحت فائتني. فلما أصبحت أتيته، فقال: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمس مئة ألف، قال: ويحك هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مئة ألف، حتى عدها خمس مرات، يعدها بأصابعه الخمس، قال: أطنب، قلت: لا أعلم إلا ذلك، قال: فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنه قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم أن نكيلكم كيلاً، وإن شئتم أن نعدكم عداً، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدوّنون ديواناً لهم، قال: فدوّن الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين خمسة آلاف، خمسة آلاف، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، ولأمهات المؤمنين اثني عشر ألفاً، اثني عشر ألفاً.

وعن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: السنة ثلاث مئة وستون يوماً، وإن حق الله عز وجل على عمر أن يكسح بيت المال في كل سنة يوماً عذراً إلى الله أني لم أدع فيه شيئاً.

وفي حديث بمعناه: حتى يعلم الله أني قد أديت إلى كل ذي حق حقه. قال الحسن: فأخذ صفوها، وترك كدرها حتى ألحقه الله بصاحبيه.

ص: 351

نجز الجزء الثامن عشر من مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ويتلوه في الجزء التاسع عشر بقية ترجمة عمر بن الخطاب علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان سنة ثلاث وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل.

ص: 352