الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: الأحاديث:
الصفة العاشرة: النزول:
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم:
(أ) لماذا سيق هذا الحديث؟
(ب) وما الرد على من تأوله؟
(أ) تقبل أهل السنة هذا الحديث الصحيح، وآمنوا بما فيه من إثبات نزوله وتودده إلى عباده، وحثهم على الدعاء، والذكر، والتوبة، في آخر الليل؛ وتوقفوا عن تكييف هذا النزول بل أجروه على ما يليق بجلال الله تعالى.
(ب) وقد كبر هذا الحديث على المعطلة من الجهمية ونحوهم، واضطربوا فيه.
فرده بعضهم، وقالوا: هو من أخبار الآحاد، وهي لا تفيد إلا الظن بزعمهم، فلا يدخل في العقائد.
وتأوله آخرون بأن المراد نزول رحمته أو أمره ونحو ذلك.
والحديث مروي في الصحاح والسنن، وسائر دواوين أهل السنة، عن جمع من الصحابة، فهو يفيد اليقين الجازم، وكذلك ما صح من أخبار
الآحاد، مما عدلت نقلته، وتلقته الأمة بالقبول، فإنه يفيد اليقين على الصحيح؛ وأما تأويله بنزول الرحمة والأمر فباطل، لأن أمره تعالى ينزل كل وقت، ولا يختص بثلث الليل الأخير، وأيضا لا يصح أن أمره يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، كما في تتمة الحديث.
الصفة الحادية عشر: العجب:
الصفة الثانية عشر: الضحك:
وقوله: «يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة» وقوله: «يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة» ، فهذا وما أشبهه، مما صح سنده، وعدلت رواته، نؤمن به، ولا نرده ولا نجحده، ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره، ولا نشبهه بصفات المخلوقين، ولا بسمات المحدثين، ونعلم أن الله سبحانه لا شبيه له ولا نظير:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وكل ما تخيل في الذهن، أو خطر بالبال، فإن الله تعالى بخلافه.
(أ) ما تفهم من هذين الحديثين في الصفات؟
(ب) ومتى تقبل الأحاديث في العقائد؟
(ج) وما فائدة قوله: بتأويل يخالف ظاهره؟
(د) وما الفرق بين صفات المخلوقين، وسمات المحدثين؟
(هـ) وما معنى قوله: تخيل في الذهن، أو خطر بالبال؟
(أ) في الحديث الأول: إثبات صفة العجب لله تعالى على ما يليق به، وسبب العجب استحسان المتعجب منه واستغرابه، وهو هنا كون الشاب ليست له صبوة، أي: ميل إلى اللهو والهوى، فإن عادة الشباب الإكباب على ملذات النفس من اللهو والبطالة، فإذا وجد شاب عَزُوفٌ عن الشهوات، مُعْرِضٌ عن أنواع المشتهيات الملهية، مقبل على الآخرة وما يقرِّب إليها، كان مما يثير العجب، وهو من أسباب مضاعفة الثواب.
وفي الحديث الثاني إثبات صفة الضحك لله تعالى، على ما يليق بجلاله.
والعجب والضحك من الصفات الفعلية الاختيارية، يفعلها تعالى متى شاء، وسبب الضحك في الحديث التعجب من اجتماع القاتل والمقتول في الجنة، وذلك أن القاتل كان كافرا، فأسلم وقاتل في سبيل الله فاستشهد، وهذا الحديث متفق على صحته، وأما الأول فهو حسن، رواه أحمد وأبو يعلى والبيهقي وغيرهم.
(ب) وتقبل الأحاديث في العقائد، كما تقبل في الأعمال، بشرط صحتها، وعدالة نقلتها وثقتهم، خلافا لأهل البدع القائلين: إن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا الظن، فلا تقبل في العقائد، والمراد بالآحاد ما عدا المتواتر، والصحيح قبولها، وإفادتها اليقين.
(ج)(ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره) : كتأويل النفاة بقولهم: إن
الضحك والعجب يراد بهما الثواب، ونحو ذلك، ففيه دليل على أن الواجب القول بما دل عليه الظاهر، مع اعتقاد نفي مشابهة المخلوقين، على حد قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
(د) و (صفات المخلوقين) : ميزاتهم وخصائصهم، (والسمات) : الهيئات والأشكال، و (المحدثون) : الخلق الذين أحدثهم الله.
(هـ) (وكلما تخيل في الذهن
…
إلخ) هذا كقوله في الخطبة: لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير؛ لأن المخلوق قاصر عن أن يحيط بكنه الباري، أو يصل بفكره إلى كيفية شيء من صفاته:{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} .
الصفة الثالثة عشر: الاستواء:
ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .
(أ) ماذا تدل عليه هذه الآية؟
(ب) وما العرش؟
(ج) واذكر تفاسير السلف للاستواء والجواب عن تفاسير المعطلة؟
(أ) يمجد الرب تعالى نفسه باسمه الرحمن، ليتذكر الخلق سعة رحمته، ثم ذكر علوه على خلقه، واستواءه على عرشه.
(ب) والعرش في اللغة: سرير الملك، وهو هنا عرش حقيقي، خلقه الله، وخصه بالاستواء عليه، وقد ذكر في عدة مواضع. كقوله {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، وقوله:{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} ، وقوله:{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} ، وقوله:{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، وقوله:{رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، وقوله:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ، ونحوها.
وقد ورد في الحديث: «إن الكرسي بالنسبة إلى العرش كحلقة ألقيت»
«بأرض فلاة» مع قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} .
(ج) وقد فسر السلف الاستواء بأربعة تفاسير، ذكرها ابن القيم رحمه الله بقوله في الكافية الشافية:
ولهم عبارات عليها أربع
…
قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك ار
…
تفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو رابع
…
وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره
…
أدرى من الجهمي بالقرآن
وقد كدّرت نصوص الاستواء وتفاسير السلف لها صفو مشارب الجهمية، حتى تمنى الجهم بن صفوان أن يحك آية الاستواء من المصاحف، وقد ذهبوا في تأويلها كل مذهب، وطعنوا في تفاسير السلف بشبه وهمية زعموها عقلية، وإنما هي خيالات باطلة، وأغلب كتب النفاة تعتمد تفسير استوى: باستولى، أو تفسير العرش: بالملك، ويستدلون ببيت شعر وهو:
قد استوى بشر على العراق
…
من غير سيف أو دم مهراق
وهذا التفسير غير معروف عند العرب، ولم ينقله أحد من أئمة اللغة
والبيت لا يعرف في دواوين العلم الصحيحة، وفيه تصحيف، وعلى تقدير ثبوته فالاستواء فيه هو الاستقرار، أي: استقر على عرشها، واطمأن بها. ولو كان الاستواء في الآيات هو الاستيلاء لم يكن لتخصيص العرش فائدة، فإن الله تعالى مستول على جميع المخلوقات.
الصفة الرابعة عشر: العلو والفوقية:
وقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك» وقال للجارية: «أين الله؟ قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة» رواه مالك بن أنس ومسلم وغيرهما من الأئمة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لحصين كم إلها تعبد؟ قال: سبعة. ستة في الأرض وواحدا في السماء. قال: ومن لرهبتك ورغبتك؟ قال: الذي في السماء. قال: فاترك الستة، واعبد الذي في السماء، وأنا أعلمك دعوتين فأسلم وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي» ، وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب المتقدمة أنهم يسجدون بالأرض، ويزعمون أن إلههم في السماء.
(أ) بين دلالة الآية المذكورة والحديث الأول؟
(ب) وكيف يستدل بكلام الجارية؟
(ج) وما معنى قوله: كم إلها تعبد؟
(د) وما المراد برغبته ورهبته.
(هـ) وبين دلالة الأثر عن الكتب المتقدمة.
(و) وما معنى حرف الجر في قوله: (في السماء) ؟
(أ) تفيد الآية والحديث أن الله تعالى في السماء، والمعنى: كيف تأمنون الله الذي في السماء فوقكم ومطلع عليكم، وفي الحديث: توسل إلى الله بكونه الرب، أي: المالك المربي لنا بالنعم، وبكونه في السماء حيث أن صفة العلو تفيد الغلبة والتمكن، ثم مجده تعالى بقوله:"تقدس اسمك"، أي: تنزه، وعظم جلالك، وكبرياؤك، والحديث رواه أبو داود والحاكم والبيهقي والطبراني عن أبي الدرداء في رقية المريض.
(ب) أما حديث الجارية فرواه مسلم وأبو داود والنسائي والإمام مالك وغيرهم، ودلالته واضحة على إثبات صفة العلو لله تعالى فإنه لما قال:"أين الله" فقالت: في السماء، كان اعترافا منها بالله مألوها، وأنه العلي الأعلى، ولما أقرها على ذلك، وشهد لها بالإيمان، دل على أن اعتقاد كون الله في السماء مما يتم به الإيمان.
(ج) أما حديث حصين -وهو والد عمران - فرواه الترمذي والبيهقي وغيرهما، سأله عن عدد الآلهة التي يعبدها وكانوا يسمون كل معبود إلها، لأنهم يألهونه، أي: تألهه قلوبهم، محبة، وخوفا، ورجاء، وكانوا يعترفون بالله ربا وخالقا، فلذلك ذكر حصين أنه يعبد سبعة آلهة، وأن واحدا منها في السماء وهو: الله.
(د) وقوله: "من لرغبتك ورهبتك؟ " الرغبة: قوة الرجاء، والرهبة: شدة الخوف، أي: أيهم الذي تقصده وتهرع إليه عند شدة الخوف من
ضرر، أو عند الحاجة إلى شيء مفقود، فاعترف بأن ذلك لله وحده، وكانوا في الشدة ينسون ما يشركون، ويدعون الله مخلصين له الدين، كما قال تعالى:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} وقال: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
ودلالة الحديث في إقراره على أن المعبود للرغبة والرهبة هو الذي في السماء، وفي قوله: اترك الستة واعبد الذي في السماء، أي: اعبد الله وحده، فلما أسلم علمه هذا الدعاء المختصر النافع.
(هـ) وأما الأثر المنقول عن الكتب المتقدمة ففيه: وصف هذه الأمة بأنهم وإن كانوا في الأرض فإنهم يعبدون الله الذي هو فوقهم في السماء، فدلالته كدلالة ما قبله.
(و) أما قوله في هذه النصوص (في السماء) ، فليس معناه أن السماء تحويه أو تحصره، تعالى وتقدس عن ذلك علوا كبيرا، وقد فسرت بتفسيرين:
أحدهما: أن حرف الجر بمعنى: "على"، كما في قوله تعالى:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} وقوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} فإن "في" بمعنى: "على" فالمراد كونه على السماء، أي: فوقها.
الثاني: أن المراد بالسماء العلو، أي: هو في العلو وفوق العباد.