الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
وقال عمير بن حبيب الخطمي وغيره من الصحابة: ((الإيمان يزيد وينقص، فقيل له وما زيادته ونقصانه؟ فقال: إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه فتلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه)) (1) . وعنهم في الباب كثير، وعمَّن بعدهم أكثر.
7-
ولذا روى اللالكائي بسند صحيح عن الإمام البخاري أنه قال: ((لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان: قول وعمل ويزيد وينقص)) اهـ (2) .
ولذا نقل ابن عبد البر – في التمهيد – الإجماعَ على ذلك فقال: ((أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية. والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان)) اهـ (3) .
والمقصود تكاثر القول عن الأوائل في تحقيق زيادة الإيمان ونقصانه وهي من الكثرة بمكان.
وهذه المسألة أعني مسألة زيادة الإيمان ونقصانه أظهر المسائل التي تبين آثار الاختلاف في الإيمان، وهي المحك الذي يفترق عليه حقيقة قول أهل السنة والجماعة مع مخالفيهم في مسائل الإيمان التي هي بالأسماء والأحكام.
أسباب زيادة الإيمان ونقصانه:
وهي الأسباب التي إذا حصلها العبد وسعى في طلبها وفعلها تقرباً إلى الله زاد إيمانه بذلك، وإن كان على ضدها نقص، ومنها:
(1) نقله في الإيمان الأوسط (7/505)، وقال عقبة:((فهذه الألفاظ المأثورة عن جمهورهم)) اهـ، ورواه عبد الله بن أحمد في السنة (1/315) .
(2)
في شرح أصول السنة 2/172 (320) ، وانظر الفتح (1/60-61) ، وكلام السلف الصالح – رضي الله عنهم منثور في كتب السنة والآثار، وكتاب الإيمان من الإبانة لابن بطة، وتعظيم قدر الصلاة للمروزي، وكتاب السنة للخلال المتضمن للإيمان للإمام أحمد، والإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام، ولابن أبي شيبة، والآجري في الشريعة، وابن أبي عاصم في السنة وغيرهم، رحمهم الله وجزاهم خيراً.
(3)
من التمهيد له (9/238) .
1-
التقرب إلى الله والتعرف إليه بتحقيق التوحيد بألوهيته وربوبيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
فإنه ولا شك كلما ازداد بها تحقيقاً ازداد إيماناً.
2-
فعل الفرائض والنوافل والإحسان فيها، والإصابة في صفاتها، والمكاثرة والمسارعة والمداومة في ذلك.
3-
ترك المعاصي والمنهيات تقرباً إلى الله وابتغاء وجهه سبحانه.
4-
النظر والاعتبار في آيات الله الشرعية، ومنها العلم، وآياته الكونية المورث للعلم والعمل، ولين القلب.
5-
الإقبال على الدار الآخرة والسعي لها، والزهد في الدنيا والإعراض عن زخرفها بملاحظة ما أعده الله لعباده الصالحين المستكملين للإيمان، وما أعده لإرضائهم.
6-
التزام السنة النبوية والعض عليها بالنواجذ، ولو مع قلة المعاون علماً وفهماً وعملاً ودعوة.
7-
كثرة سؤال الله والتضرع إليه بالثبات على دينه، حسن العاقبة وسؤاله الهداية وحسن العمل وقبوله والاستزادة من الخير، والانطراح بين يديه لاسيما في الأوقات الفاضلة المستجابة.
المخالفون في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه:
وهم طوائف، ولربما توحد قولهم في هذه المسألة لكن اختلفت بينهم حقيقته، ومنهم:
1-
المرجئة فقالوا الإيمان لا يزيد ولا ينقص، واعتبروا زيادته في الآيات والأحاديث تجدد أمثاله (1) .
2-
الوعيدية من الخوارج والمعتزلة: فقالوا الإيمان يزيد ولا ينقص، لأنه لا يتبعض فنقصه ذهابه كله.
أما تجويزهم زيادته فمن جهة اختلاف الناس في وجوب التكاليف في وقت وحال دون أخرى (2) .
(1) انظر الإيمان (211-234، 384، 390) ، والفرقان بين الحق والباطل (13/52) وما بعدها، والإيمان في الأوسط (7-562) وما بعدها.
(2)
ذكر هذين القولين هاهنا أبو جعفر ابن جرير في التبصير في معالم الدين 195 وما بعدها، وقول الخوارج قالت به الإباضية كما في جامع البسيوي (1/237-239) ،والمشارق للنور السالمي (1/312) ، وانظر متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (1/312) .
والحق كما سبق أن الإيمان يزيد بالطاعات حتى يكتمل، وينقص بالمعاصي والذنوب حتى يزول بالمكفر منها.
* والمروي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه:
وعن غيره من الفقهاء من أتباع التابعين، فإن الإمام مالك في رواية عنه أنه لم يوافق في إطلاق النقصان على الإيمان.
فإنه في رواية محمد بن القاسم عنه توقف في النقصان ولم يقل به..
ووافقه على ذلك جماعة من الفقهاء، لأنهم وجدوا ذكر الزيادة في القرآن ولم يجدوا ذكر النقص.
وبعض السلف رحمهم الله عدل عن لفظ الزيادة والنقصان إلى لفظ التفاضل، فقال: أقول الإيمان يتفاضل ويتفاوت.
ويروى هذا عن عبد الله بن المبارك (1) ، كما يروى عنه موافقة الجمهور من السلف بالقول بزيادته ونقصانه كما حكاه عنه النووي (2) .
هذا وقد وجّه العلماء وأجابوا عن قول الإمام مالك السابق في التوقف بالنقصان بعدة أجوبة منها:
1-
أن لفظ الزيادة ورد في النصوص، دون لفظ النقصان، فلم يقل به.
وهذا جواب قاله الشيخ ابن تيمية عن مالك ومن وافقه رحمهم الله.
2-
توقف مالك بالنقصان لئلا يكون شكاً مخرجاً عن اسم الإيمان.
3-
أو لئلا يتأول القول بالنقصان على قول الخوارج والوعيدية، الذين يكفرون بالمعاصي ويخرجون بها عن الإيمان. وهذان الجوابان حكاهما النووي في شرحه لمسلم.
4-
ربما كان قوله ذلك قديماً، رجح عنه بعد ذلك ولاسيما بعد تأمله لحال المرجئة وبدعتهم، لما عُرف عنه بعدُ من ردِّه عليهم، وإنكاره عليهم كما أنكر على حماد بن أبي حنيفة وغيره منهم.
(1) ذكره الشيخ أبو العباس ابن تيمية في الإيمان الوسط (7/506-507)،وقال معقباً على قول ابن المبارك:((وكان مقصوده الإعراض عن لفظ وقع فيه النزاع إلى معنى لا ريب في ثبوته)) اهـ، مما يفيد أن المسألة لفظية لا طائل من النزاع فيها. وقول ابن المبارك:((إن الإيمان قول وعمل ويتفاضل)) ، رواه عبد الله بن أحمد في السنة (1/316) .
(2)
في شرح صحيح مسلم (1/146) .