الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذا فالخوارج يكفِّرون بالذنب في الدنيا، ويخلدون صاحبه في النار في الآخرة. والمعتزلة لا يجعلون مؤمناً في الدنيا؛ بل إنه في منزلة بين المنزلتين، فهو خرج من الإيمان ولما يدخل إلى الكفر، لكنهم يخلدونه في الآخرة في النار، موافقين في الحكم الأخروي الخوارج.
* أما الطرف الآخر فهم المرجئة، وهو على مراتب في انحرافهم في الإيمان والكفر.
1-
فغلاتهم، وهم الجهمية، فالإيمان عندهم هو معرفة الله، وبالتالي الكفر هو: الجهل بالله؛ فيكون إبليس وفرعون ونحوهم مؤمنون، وهذا أقبح المذاهب في الإيمان، وهم المرجئة المحضة الخالصة.
2-
والأشاعرة والمتكلمون، الإيمان عندهم هو تصديق القلب. فيكون الكفر هو التكذيب ومازاد عليه كالجحود.
3-
والكرّامية فالإيمان عندهم: قول اللسان. والكفر عندئذ بعدمه!
4-
وأخف طوائف المرجئة: مرجئة الفقهاء، أو مرجئة العراق وهم من قالوا إن الإيمان: قول اللسان وتصديق القلب فقط. فخطؤهم في إخراج العمل من الإيمان.
وبين المذهبين الأخيرين قول أبي منصور الماتريدي، وهو رواية عن أبي حنيفة أن قول اللسان ركن زائد، ليس بأصلي، والأصلي اعتقاد القلب فقط!
فلابد لك- أيها القارئ- من فهم قول أهل السنة وقول مخالفيهم حقاً لتحذره وتسلم منه قولاً وعملاً وقصداً.
أهمية الموضوع:
1-
وأهمية البحث في موضوع الكفر وبيانه تكمن في وجوب الحذر منه والبعد عنه، فهو علامة شقاوة العبد في الدنيا والآخرة. وهو أيضاً أعظم الذنوب والآثام وأشدها خطراً وأعظمها وقعاً وأثراً وهو أخوف ما يخافه ويحذره المؤمنون، وفي ذلك نصوص من الوحيين كثيرة جداً منها قوله تعالى في سورة المائدة:{وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخِاسِرِينَ} [المائدة:5] . وفي سورة النساء يقول عز وجل: {يَا أيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواءَامِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِى نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِى أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالآً بَعِيداً} [النساء:136] . ويقول سبحانه في سورة البقرة: {وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَبِيلِ} [البقرة:108] .
2-
ومن أهمية موضوع الكفر أن عاقبته في الآخرة خلود صاحبه في النار، ودوام عذاب جهنم عليه فيها أبداً، حيث نصَّ الله على ذلك الخلود المؤبد لهم في عذابه في ثلاثة مواضع من كتابه المنزل:
* أولها في آخر سورة النساء، حيث قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً * ِإنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} [النساء: 167-169] .
* وثانيهما في آخر سورة الأحزاب يقول سبحانه: {يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً * إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرَا * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا لَاّيَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَانَصِيرًا} [الأحزاب:63-65] .
* وثالثها وفي آخر سورة الجن {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} الآية. وحديث الخلود لأهل الجنة بالجنة، ولأهل النار فيها بذبح الكبش في صورة الموت، حديث مشهور معروف.
مع ما رتب الله على الكفر من العذاب الشديد والسعير السرمدي، وسخطه وعقوبته ما يضيق هذا الموضع عن بسطه وتعداد أنواعه المذكورة في كلامه تعالى القرآن.
*ويدل عليه قوله سبحانه في سورة فاطر: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر:36] .
3-
ومن أهمية هذا الموضوع؛ موضوع الكفر أنه قسيمُ الإيمان في مسألة الأسماء والأحكام في اسم العبد في الدنيا هل هو مؤمن أو كافر؟ ثم حكم ذلك المترتب عليه في الآخرة أمن أهل الجنة؟ أم من أهل النار؟.
ولو لم يكن من أهمية البحث هذا إلا بيان جلالة هذه المسألة: مسألة الأسماء والأحكام، لكفى بذلك، وحسبك به!
وقد لفت علماء الإسلام في تصانيفهم ومؤلفاتهم الانتباه إلى موضوع الإيمان والرد على المرجئة من جهة، والرد على الوعيدية من الخوارج والمعتزلة من جهة أخرى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في (الكيلانية:12/468) ضمن الفتاوى في معرض بيانه لموضوع الكفر والتكفير وعلاقته بالهدى، وأسبابه ودواعيه، ومنهج المبتدعة فيه.