الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي يترجح عندي بعد عرض مذاهب الفقهاء وأدلتهم أن الرطوبة التي تكون مع الجماع نجسة لأنها مذي جاء النص على نجاسته كما مضى من حديث عثمان وأبي بن كعب رضي الله عنهما (1) أما ما لا يكون بشهوة فهو طاهر لما ذكر، ولأن الله تعالى سمى الحيض أذى وحرم إتيان الحائض لما يلازمها من الأذى وهو الدم النجس فلو كانت الرطوبة نجسة أيضا لما زال عنها الأذى ولما سميت طاهرة، والله تعالى سماها طاهرة حيث قال سبحانة:"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ "(2)
2ـ هل تنقض الرطوبة الوضوء:
اختلف الفقهاء في الرطوبة هل تنقض الوضوء أم لا؟
فذهب ابن حزم إلى أن الرطوبة لا تنقض الوضوء قال: " لا ينقض الوضوء شيء غير ما ذكرنا، لا رعاف ولا دم سائل......ولا شيء يخرج من فرج المرأة من قصة بيضاء أو صفرة أو كدرة أو كغسالة اللحم...." وهو مذهب الشافعية في الرطوبة الظاهرة دون الباطنة، قال في تحفة المحتاج في شرح المنهاج في بيان أسباب الحدث الأصغر:" أو خرجت رطوبة فرجها إذا كانت من وراء ما يجب غسله يقينا وإلا فلا"(3) أي فلا تنقض وأشار إلى عدم نقضها للوضوء أيضا إذا قلنا يعفى عنها (4)
(1) ينظر هامش 68
(2)
سورة البقرة آية222
(3)
كتاب الطهارة/ باب أسباب الحدث
(4)
كتاب الطهارة/ باب التيمم /فصل في أركان التيمم
لم أجد في كتب الأحناف (1) من اعتبر الرطوبة التي قالوا بطهارتها ناقضا بل الناقض عندهم خروج النجاسة من المخرج وليس خروج الطاهر، ودليل ذلك قول ابن الهمام في نواقض الوضوء:" فَإِنْ قِيلَ: الْكُلِّيَّةُ (يعني تعميم خروج النجاسة من المخرج) مُنْتَقِضَةٌ بِالرِّيحِ الْخَارِجِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْقُبُلِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَنْتَقِضُ بِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ: أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ الْعُمُومِ ; لِأَنَّ الرِّيحَ لَا تَنْبَعِثُ مِنْ الذَّكَرِ ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَاجٌ. وَالْقُبُلُ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَيْسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ تُنَجِّسُ الرِّيحَ بِالْمُرُورِ عَلَيْهَا وَهُوَ فِي نَفْسِهِ طَاهِرٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} وَالْغَائِطُ: هُوَ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِنْسَانُ عِنْدَ إرَادَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ تَسَتُّرًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ وُجُوبَ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ ، وَهُوَ لَازِمٌ لِخُرُوجِ النَّجِسِ. فَكَانَ كِنَايَةً عَنْ الْحَدَثِ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ اللَّازِمَ ، وَأَرَادَ الْمَلْزُومَ ، وَالتَّرْتِيبُ يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ ثَبَتَ فِي الْوُضُوءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَدَلَ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فِي السَّبَبِ "(2)
(1) تم البحث عن طريق موسوعة جامع الفقه الإسلامي وهي تشمل 11 مصنفا في فقه الأحناف،، وموسوعة هبة الجزيرة ويشمل 16 مصنفا في فقه الأحناف أيضا.
(2)
فتح القدير كتاب الطهارات/ فصل في نواقض الوضوء
قال ابن نجيم: "وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ الرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الذَّكَرِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ ، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الصَّحِيحِ ; لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمَا اخْتِلَاجٌ ، وَلَيْسَ بِرِيحٍ خَارِجَةٍ ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَتْ بِمُنْبَعِثَةٍ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالرِّيحُ لَا يَنْقُضُ إلَّا لِذَلِكَ لَا ; لِأَنَّ عَيْنَهَا نَجِسَةٌ ; لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا طَاهِرَةٌ"(1)
أما المالكية فاعتبروا نقض الوضوء بالحدث وهو الخارج المعتاد في الصحة قال خليل:"نقض الوضوء بحدث، وهو الخارج المعتاد في الصحة لا حصى ودود ولو ببلة، وبسلس فارق أكثر، كسلس مذي قدر على رفعه"(2) قال الخرشي:" وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: الْمُعْتَادُ مِنْ بَوْلٍ وَوَدْيٍ وَرِيحٍ مَا لَيْسَ مُعْتَادًا كَالْحَصَى وَالدُّودِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِمَا أَذًى وَالرِّيحَ مِنْ قُبُلٍ وَلَوْ قُبُلَ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ كَالْجُشَاء"(3)
(1) البحر الرائق شرح كنز الدقائق كتاب الطهارة/ أحكام الوضوء/نواقض الوضوء،، وينظر المبسوط1/82،، ورد المحتارعلى الدر المختاركتاب الطهارة/ سنن الوضوء
(2)
مختصر خليل ص 13ا
(3)
شرح مختصر خليل للخرشي كتاب الطهارة / نواقض الوضوء، وينظر فتح الجليل شرح مختصر خليل كتاب الطهارة/ باب نواقض الوضوء، وبلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي باب في بيان الطهارة/ فصل في نواقض الوضوء باب الحدث، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير / محمد بن عرفة الدسوقي أحكام الطهارة/ فصل نواقض الوضوء. وينظر مواهب الجليل كتاب الطهارة/ فصل نواقض الوضوء.
ومع أن المالكية يرون نجاسة رطوبة المرأة إلا أنهم لايرون مثل ذلك من نواقض الوضوء حيث لم يعتبروا المذي من غير شهوة ناقضا مع أنهم يرون نجاسة المذي قال مالك في المدونة:" إذا كان ذلك منه من سلس من برد أو ما أشبه ذلك قد استنكحه ودام به فلا أرى عليه الوضوء"(1)
وقال القرافي:" والقياس على الأحداث بجامع النجاسة ممنوع؛ فإنه تعبد؛ لإيجاب الغسل من هذه الأشياء لغير المتنجس، والقياس في التعبد متعذر؛ لعدم العلة الجامعة". (2) ولم يذكروا الرطوبة من نواقض الوضوء والقياس في النواقض عندهم ممتنع فدل أنهم لا يرونها ناقضة ولذا صوب ابن حزم رأيهم كما قال في المحلى:" أما المالكيون فلم يقيسوا ههنا، ولا عللوا بخارج ولا مخرج، ولا بنجاسة فأصابوا"(3)
ومع أن الشافعية اعتبروا النقض بخروج الخارج من أحد السبيلين ريحا كان أوعينا نادرا كان أو معتادا طاهرا كان او نجسا (4) وهو مذهب الحنابلة أيضا
(1) المدونة 1/10
(2)
الذخيرة 1/236
(3)
المحلى1/ 260
(4)
ينظر فتح العزيز شرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي 2/ 6
كما قال المرداوي:" الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ: قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ، نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا " ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الذَّكَرِ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا فِي الرِّيحِ يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ: أَنْ لَا يَنْقُضَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: هُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِنَا. وَأَطْلَقَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْقُبُلِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ قَطَرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا ثُمَّ خَرَجَ: نَقَضَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي ، وَابْنُ رَزِينٍ ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالُوا: إنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ نَتَنٍ يَصْحَبُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَنْقُضُ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ خَرَجَ مَا قَطَرَهُ فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يَنْقُضُ" (1)
(1) الإنصاف كتاب الطهارة / باب نواقض الوضوء،،وينظر الفروع لابن مفلح كتاب الطهارة/ باب نواقض االطهارة الصغرى،، كشاف القناع عن متن الآقناع كتاب الطهارة / باب نواقض الوضوء،، والمغني 1/230ـ234،،والشرح الكبير
َإلا أن الشافعية والحنابلة لم يعدو االرطوبة من النواقض ولا ذكروها عند ذكرهم الخارج من السبيل رغم توسعهم في ذكر الحالات النادرة وعدم إغفالهم لما يعرض كالريح تخرج من القبل، فلعلهم يرونها من الخارج الدائم الذي لا يمكن الاحتراز منه أو لا يكون عندهم من مخرج البول والغائط الذي هو مخرج النجاسة المنصوص عليها كما قال البهوتي:" (لَا) يَنْقُضُ الْخَارِجُ إنْ كَانَ (دَائِمًا) كَدَمِ مُسْتَحَاضَةٍ وَسَلَسِ بَوْلٍ وَنَحْوِهِ ، لِلضَّرُورَةِ (مِنْ سَبِيلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخَارِجِ. وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. فَيَنْقُضُ مَا خَرَجَ مِنْهُ."(1)
فلعل من رأى أن الرطوبة عندهم من النواقض أخذ ذلك من إيجابهم الوضوء من كل خارج من السبيل طاهرا كان أم نجسا، وقد بحثت في كتبهم فلم أجد أحدا نص على أن الرطوبة من النواقض صراحة (2)
(1) دقائق أولي النهى لشرح المنتهى كتاب الطهارة/ باب نواقض الوضوء
(2)
بحثت في جميع كتب الفقه المذهبي والمقارن والفتاوى في جميع مظان هذه المسألة حسب جامع الفقه الإسلامي وهو يشتمل على أمهات الكتب وأشهرها.