الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[نصيحة لولي الأمر بالحرص على إقامة الدين]
بسم الله الرحمن الر حيم
من عبد الرحمن بن حسن إلى إمام المسلمين، وخليفة سيد المرسلين في إقامة العدل والدين، وهو سبيل المؤمنين والخلفاء الراشدين- فيصل بن تركي - جعله الله في عدادهم، متبعا لسيرهم وآثارهم. آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: اعلم أن الله -تعالى- أنعم علينا وعليكم وعلى كافة أهل نجد بدين الإسلام، الذي رضيه لعباده دينا، وعرفنا ذلك بأدلته وبراهينه دون الكثير من هذه الأمة، الذين خفي عليهم ما خلقوا له من توحيد ربهم الذي بعث به رسله، وأنزل به كتبه. ولا صلاح للعباد في معاشهم ومعادهم إلا بمعرفة هذا الدين، وقبوله ومحبته والعمل به، واستفراغ الوسع إلى ذلك علما وعملا ودعوة إليه ورغبة فيه، وأن يكون أكبر هم الإنسان ومبلغ علمه ليحصل له النعيم الأبدي، والسرور السرمدي.
وقد وقع أكثر من أنعم الله عليه بهذه النعمة في التفريط في شكرها، والتهاون بها، وعدم الرغبة فيها، والتحدث بها، والعمل بموجبها. وقد وقع بالغفلة عن شكر هذه النعمة من التفريط فيها، والاشتغال بما يشغل عنها، من الرغبة في الدنيا، والإقبال عليها ما لا يخفى على ذوي البصائر.
وقد ذم الله -تعالى- في كتابه أهل الغفلة والإعراض -أعاذنا الله وإياكم من اتباع سبلهم- فقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 1. فعلينا وعليكم أن نقوم على من قدرنا على القيام عليه ببذل الجهد، والاجتهاد بالنصيحة لجميع المسلمين، بتذكيرهم ما أنعم الله عليهم به من الدين،
1 سورة الأعراف آية: 179.
وتعليمهم ما يجب عليهم تعلمه مما فيه صلاحهم، وفلاحهم ونجاحهم وسعادتهم، ونجاتهم من شرور الدنيا والآخرة.
وقد قال -تعالى-: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} 1. فإذا كان هذا في أناس في عهد النبوة والقرآن ينْزل، فمَن بعدهم أحرى أن يكونوا كذلك، فيجب على من أقدره الله من المسلمين أن يقوم بنصيحة العباد بهذا الدين علما وعملا، ودعوة إليه وتعلما وتعليما، ولا يخفى أن العامة تتبع الخاصة فيما أحبوه وقالوه وعملوا به.
وقد حذر الله -تعالى- عباده من عقوبات الدنيا والآخرة على الإعراض عما خلقوا له كما قال -تعالى-: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} 2، وقال -تعالى-:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} 3، وقال في حق نبيه: صلى الله عليه وسلم {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4. وعلينا أن نحذر ونحذّر عما حذرنا الله -تعالى- منه، من التفريط في طاعة الله وطاعة رسوله، والقيام بدينه كما ينبغي.
[الغفلة توقع فيما لا يحبه الله]
وبسبب الغفلة عن هذه الأمور الواجبة وقع في كثير من الناس أشياء مما لا يحبه الله ويرضاه، كما لا يخفى على من ينظر بنور الله، وقد قال -تعالى-:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 5، والفساد: المعاصي وآثارها في الأرض، ولكن كما قيل: إذا كثر الإمساس قل الإحساس. نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
ومن موجبات الغفلة: الإعراض عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه لا صلاح للعباد في دينهم ودنياهم إلا بالقيام بحقه. واليوم ما في البلدان من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا على ضعف. وفي تركه الوعيد الشديد، وفعله علامة الإيمان. وهو من فروض الكفايات التي إذا قام بها البعض سقط الوجوب عن الباقين، وإذا لم يحصل القيام بذلك أثموا كلهم.
1 سورة التوبة آية: 126.
2 سورة الذاريات آية: 50.
3 سورة غافر آية: 18.
4 سورة النور آية: 63.
5 سورة الروم آية: 41.
[فروض الكفاية أشد على الناس من فروض العين]
قال بعض العلماء: فروض الكفاية أشد على الناس من فروض العين لأن فرض العين تخص عقوبته تاركه، وفرض الكفاية تعم عقوبته كل من كان له قدرة.
فأوصيكم معشر الإخوان من الخاصة والعامة: أن ترغبوا فيما رغبكم الله فيه، وأن تهتموا به كاهتمامكم بدنياكم، لتسعدوا وتسلموا وتغنموا. الشأن كل الشأن بالاهتمام فيما يرضي الله عنكم، ويدفع الله به عنكم عقوبات الدنيا والآخرة. وعلى الإمام –وفقه الله- أن يبعث للدين عمالا كما يبعث للزكاة عمالا ليعلموهم دينهم، ويأمروهم وينهوهم، وهذا مما يجب على الإمام. أعانه الله على ذلك، ووفقه للقيام بوظائف الدين؛ نصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين.
وأوصيكم بالتوبة إلى الله عما فرطتم فيه من العمل بدينه، وتعلمه وتعليمه وتكميله، فإن الله -تعالى- أكمله لكم، وهو أعظم نعمة أنعم بها عليكم.
فالله الله في الأخذ بأسباب الفلاح والنجاة! وعلى كل منكم أن يحاسب نفسه لربه قبل القدوم عليه، والرجوع إليه. ولا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل إلا بنيّة. فاشكروا الله -تعالى- على ما أعطاكم، ومنَّ به عليكم من دين الإسلام، وما حصل به من النعم التي لا تحصى.
وقد خطب نبيكم صلى الله عليه وسلم أصحابه وأنذرهم وحذرهم فقال:"إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" 1 فاحذروا وحذِّروا؛ فإن الأمر عظيم، قال الله -تعالى-:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} 2.
قال بعض العلماء في قوله: {أَنْ تَقُومُوا} فيه وجوب القيام لله فيما شرعه وأمر به، وقوله:{لله} فيه التنبيه على إخلاص العبد في قيامه لربه وطاعته؛ فجمعت هذه الآية العمل بالتوحيد وحقوقه ولوازمه، والقيام بذلك جدا واجتهادا.
ويشبه هذه الآية قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} 3 إلى قوله: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ
1 البخاري: تفسير القرآن 4770 ، ومسلم: الإيمان 208 ، وأحمد 1/281 ،1/307.
2 سورة سبأ آية: 46.
3 سورة إبراهيم آية: 42.
وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} 1. فجمع تعالى الدين كله في هاتين الكلمتين {نُجِبْ دَعْوَتَكَ} فيه التوحيد لأنه الذي دعا إليه رسله، وفي قوله: {وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} العمل بكتابه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من اتبع كتابه ورسوله فقد اتبع الرسل جميعهم. فمن عمل بهاتين الكلمتين فيما كان طاعة لله ولرسوله فقد فاز ونجا، وحصل ما تمناه المفرطون يوم القيامة.
فالله الله في الاهتمام بهذا الشأن والقيام به حسب الإمكان {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} 2.
[الصدقة على الفقراء تدفع العقوبة]
ومما يدفع الله به العقوبات، ويزيد به الحسنات: الصدقة على الفقراء والمساكين، كما قال -تعالى-:{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} 3، وقال -تعالى -:{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 4.
وقد ورد:"باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة"وفي الحديث:"اتقوا النار ولو بشق تمرة" 5 والآيات والأحاديث في فضل الصدقة كثيرة، وهي من الباقيات الصالحات، وقد قال -تعالى-:{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} 6.
نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية، والعون على مرضاته، فإنه ولي ذلك والقادر عليه، ولا ملجأ منه إلا إليه، بالتوبة النصوح، والإيمان، والعمل الصالح، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
1 سورة إبراهيم آية: 44.
2 سورة هود آية: 88.
3 سورة الحديد آية: 7.
4 سورة المزمل آية: 20.
5 البخاري: الزكاة 1417 ، ومسلم: الزكاة 1016 ، والنسائي: الزكاة 2552 ،2553 ، وأحمد 4/256.
6 سورة الكهف آية: 46.