الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج-
وسائل خاصة بالنساء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء» (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (2).
ومن هنا كانت: الوسائل الخاصة بالمرأة مهمة ومن أعظم هذه الوسائل:
أولاً:
الأمر بالحجاب:
ولقد حاول الأعداء استخدام المرأة في إفساد المسلمين ونجحوا إلى حد كبير وذلك لضعف المسلمين وبُعد كثير منهم عن تعاليمه.
ومن أعظم ما يحفظ المرأة عن الشرور الأمر
(1) رواه أحمد (5/ 210) والبخاري (5/ 1959) ومسلم (4/ 2097) والترمذي (5/ 103) والنسائي وابن ماجه (2/ 1325) عن أسامة بن زيد رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم (4/ 2098) والبيهقي في الكبرى (3/ 369) عن أبي سعيد الخدري.
بالحجاب والستر وأنه ليس من إهانة المرأة بل من تعظيمها وتقديرها وحفظها، فيه تبقى مصونة في البيت والرجل يكابد الحياة ليجلب لها الراحة والأنس في هش الزوجية خلافًا لحال غير المسلمين؛ حيث إن المرأة تخرج في الصباح كما يخرج الرجل تكابد العيش وتزاحم الرجال ثم ترجع في آخر النهار كما يرجع الزوج، فلا هي ترتاح ولا الزوج يرجع فيجد الراحة والأنس والأكل والابتسامة.
أيها الأخ في الله: لقد كثر الكلام حول الحجاب ومشروعيته ولعلنا في هذه الرسالة القصيرة نوجز أدلة الحجاب من الكتاب والسنة والقياس والعقل ثم نذكر أدلة المخالفين والرد عليها فنقول والله ولي التوفيق:
أولا: قبل ذكر الأدلة أحب أن أنبه إلى أنه إذا أطُلْقَ اسم الحجاب الشرعي والذي سنورد الأدلة عليه فهو الحشمة وتغطية جميع الجسد بما في ذلك الوجه مع وجود الحياء والستر وعدم إظهار الزينة وإليك
الأدلة على وجوب ستر الوجه:
أ- أدلة من القرآن الكريم:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] وجه الاستدلال حيث أمر الله المؤمنات بحفظ الفروج والأمر بحفظ الفرج بما يكون وسيلة إليه ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه؛ لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل لمحاسنها ومن ثمَّ الوصول إلى الوقوع في الشر كما قال صلى الله عليه وسلم: «العينان تزنيان وزناهما النظر والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» (1).
فتغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج والوسائل لها حكم المقاصد فما كان وسيلة إلى واجب كان واجبًا فحفظ الفرج واجب ومن وسائله ستر الوجه إذًا فهو واجب.
الدليل الثاني: قال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31].
(1) رواه البخاري (6/ 2438) ومسلم (4/ 2046).
أ- قال ابن مسعود رضي الله عنه: كالرداء والثياب، وقاله الحسن وابن سيرين والنخعي وقد رواه عن ابن مسعود رضي الله عنه غير واحد منهم الطبراني والحاكم وصححه ابن أبي حاتم وتفسير الصحابي حجة (1).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «الزينة زينتان: زينة ظاهرة وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج وأما الزينة الظاهرة فالثياب وأما الزينة الباطنة فالكحل والسوار والخاتم» (2).
ب- واللغة تدل على أن الزينة إذا أطلقت يراد بها الظاهرة وليس الوجه والكفين من ذلك قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، أي اللباس وليس الوجه والكفين، وقال عز وجل:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]،
(1) تفسير ابن كثير (3/ 378).
(2)
مصنف بن أبي شيبة (3/ 547).
أي اللباس، وقال سبحانه وتعالى:{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات: 6]، فالكواكب زينة ظاهرة، إذًا فاللغة تدل على أن الزينة المرادة في الآية:{إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، هي الزينة الظاهرة كما دلت على ذلك النصوص السابقة.
ج- ومن أوجه الاستدلال أنه عز وجل قال: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ولم يقل إلا ما أظهرت منها إذًا هي لابد أن تظهر بغير إرادتها وهي الأمور الظاهرة من اللباس ونحوه، والله أعلم.
الدليل الثالث: قوله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31].
أ- فالخمار هو ما تخمر المرأة به رأسها وتغطيه به كالغدفة، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على الجيب كانت مأمورة بستر الوجه.
ب- إذا كانت مأمورة بستر الجيب والنحر والصدر فإن الوجه أولى بالستر؛ لأنه موضع الفتنة،
والرجال لا يحرصون في النظر إلا إلى الوجه فهو محل النظر والطلب، فإذا قيل فلانة جميلة فلا يفهم من الكلام إلا جمال الوجه، وإذا قالوا: هي دميمة فلا يفهم إلا دمامة الوجه، والله أعلم.
ج- الخمار في اللغة هو الغطاء والحاجب ومنه الخمر حيث إنه يغطي العقل فإذا قيل تخمرت فلانة «أي: تغطت» وإذا لم يغط الوجه الذي يواجه به الناس فماذا يغطى.
د- روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأوّل لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}؛ شققن مروطهن فاختمرن بها» .
وفي رواية أخرى: «أخذن أُزُرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها» (1).
قال ابن حجر في الفتح (8/ 490): «قوله فاختمرن بها أي غطين وجوههن وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر» .
قال الفراء: «كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها
(1) صحيح البخاري (4/ 1782).
وتكشف ما قدامها فأُمِرن بالاستتار» (1).
إذًا فقد قامت الصحابيات على تطبيق الآية وسيأتي ذكر الأنصاريات أنهن فعلن كما فعلت المهاجرات.
وقد روى ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها قال: «إن لنساء قريش لفضلاً ولكن والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقًأ بكتاب الله ولا إيمانًا به، لقد أنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، فانقلب رجالهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح متلفعات - أي: متلبسات ومختمرات - كأن على رءوسهن الغربان» ، أي: من السواد (2).
الدليل الرابع: قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
أ- هذه الآية خطاب في حق أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم
(1) فتح الباري (8/ 490).
(2)
فتح الباري (8/ 490).
لكنه عام لوجود العلة في كل أحد بل في غيرهن وغير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد، فطهارة القلوب في حق الرجل و المرأة عامة في كل أحد، وهذه العلة تعمم الحكم، فالحكم يتبع العلة.
ب- بل وفي هذه الآية ما يسمى عند أهل الأصول الإيماء والتنبيه بمعنى: «أيها الناس إذا كانت أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم وهنَّ أطهر النساء، وإذا كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أفضل القرون وأبعدهم عن الشر، إذا كان هذا في حقهم من الأمر والسؤال من وراء الحجاب وذلك أطهر لقلوبهم أي: الصحابة وقلوبهن أي: زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فغيرهم من الرجال وغيرهن من النساء من باب أولى» .
إذًا فالآية تدل دلالة ظاهرة على وجوب ستر الوجه حيث قال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا} أي: حاجة أو سؤالاً أو غيره: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} أي: ستر يحجبكم عنهن، سواء ما يستر الوجه من الجلباب والخمار أو
حجاب جدار وغيره، والله أعلم.
الدليل الخامس: قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].
أ- قال جمهور أهل العلم: أي يسترن بها جميع وجوههن ولا يظهر منهن شيء غير عين واحدة تبصر بها، قال ذلك ابن مسعود وابن عباس وعبيدة السلماني رضي الله عنهم وغيرهم من الصحابة (1).
ب- قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أمر الله نساء المؤمنين أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبرزن عينًا واحدة» (2).
ومعلوم أن تفسير الصحابي كما سبق حجة وقوله يبرزن عينًا واحدة هذا عند الضرورة إذا كان الغطاء لا ترى المرأة منه، أما إذا لم يكن هناك حاجة كما هي في جلابيب اليوم فإن جلابيب اليوم تستطيع المرأة أن ترى بدون إخراج
(1) تفسير القرطبي (14/ 215).
(2)
تفسير ابن كثير (3/ 684).
العين، فإذا كان الأمر كذلك فلا حاجة لإخراج العين، والله أعلم.
ج- ومن القرائن أن قوله: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} ، وقوله:{قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} يدل على وجوب احتجاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وستر وجوههن وهو أمر مجمع عليه لا نزاع فيه بين المسلمين وقد عطف بنات الرسول صلى الله عليه وسلم على أزواجه، ثم قال:{وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} والمعطوف يشارك المعطوف عليه في كل شيء فإذا كان نساء الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرن بأن يدنين عليهن من جلابيبهن أي - بستر وجوههن كما هو مجمع عليه - فمن عطف عليهن يأخذن نفس الحكم.
د- ومما يدل على أن الآية فيها الأمر بستر الوجه ما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها حيث قالت: «لما نزلت هذه الآية - أي الآية المذكورة سابقًا خرجت نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان وعليهن أكسية سود يلبسنها» (1) فأم سلمة ذكرت فهم الأنصاريات لهذه الآية وهن في زمن الوحي.
(1) رواه أبو داود (2/ 459).
هـ- ومن أوجه الاستدلال في هذه الآية أنه ورد في سبب نزولها أن الفساق كانوا يتعرضون للإماء ويتركون الحرائر وقد اشتبه الأمر فلا يعرفون الحرة من الأمة فأمر الله نساء الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنات بالحجاب حتى لا يؤذين والله أعلم.
و- وذكر ابن كثير في تفسيره (3/ 684): قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.
الدليل السادس: قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور: 60].
أ- حيث أجاز وضع الثياب بشرط عدم التبرج بزينة والمقصود بوضع الثياب أنه ما فوق الخمار وهو
مخصوص بالعجائز بشرط عدم التبرج بالزينة، إذًا فالشابة والتي فيها فتنة وُيْرغَب في نكاحها لا يجوز لها وضع الثياب.
ب- من المعلوم بالبداهة أنه ليس المراد بوضع الثياب أن يبقين عاريات وإنما هو كشف الوجه والكفين، فالثياب المرخص في وضعها للعجائز هي الثياب السابغة التي تستر جميع البدن إذًا هو استثناء من الأصل الذي هو ستر جميع الجسد فيستثنى العجوز والله أعلم.
ج- وقوله: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} تدل على أن الشابة إذا كشفت وجهها هي غالبًا تريد التبرج بزينتها وإظهار جمالها، إذًا فهي مأمورة بستر الوجه.
الدليل السابع: قال تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا
يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] وجه الاستدلال يعني لا تضرب المرأة برجلها فيعلم ما تخفيه من الخلاخل ونحوها مما تتحلى به للرجل، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفًا من افتتان الرجل بما يسمع من صوت الخلاخل ونحوه فكيف بكشف الوجه الذي هو أشد مواضع الفتنة.
الدليل الثامن: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ} [الأحزاب: 55] قال ابن كثير: ما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء أقارب لا يجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31](1).
الدليل التاسع: قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
(1) تفسير ابن كثير (3/ 668).
الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] ففي الآية أمر بالبقاء في البيت ويدل بالمفهوم أن المرأة لا تسفر بوجهها للرجال؛ لأن البقاء في البيت يقتضي ستر المرأة ثم قال: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ، وكان من أحوالهن قبل الأمر بالحجاب كشف الوجه ثم أمرن بخلافه والبعد عن التشبه بهن.
ب- أدلة السنة:
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته وإن كانت لا تعلم» (1).
ووجه الدلالة: حيث نفى الرسول صلى الله عليه وسلم الجناح وهو الإثم عن الخاطب فقط إذا نظر إلى وجه مخطوبته إذا كان للخطبة فقط؛ إذًا فغيره آثم وليس مرفوعًا عنه الحرج فهذا يدل على وجوب تغطية الوجه ويحل لأجل رؤية الخاطب.
(1) رواه الإمام أحمد في المسند (5/ 424) والطبراني في الأوسط عن أبي حميد الساعدي (1/ 279) وصححه الألباني، صحيح الجامع (507).
الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم حينما أخبره رجل بأنه خطب فلانة، قال:«هل نظرت إليها؟» قال: لا، قال:«انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» فكان هذا الرجل يختبئ لها حتى يراها (1).
ووجه الدلالة: إذا كان الوجه أصلاً مكشوفًا فما الداعي أن هذا الرجل يختبئ لها لما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ينظر إليها، ولا شك أنه يقصد النظر إلى الوجه.
الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدخول على النساء» قال رجل: أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» (2).
(1) رواه الترمذي (3/ 397) والنسائي (6/ 69) وابن ماجه (1/ 599) والدارمي (2/ 180) وابن حبان (9/ 351) وأبو داود (1/ 643) والحاكم (2/ 179) والطبراني في الكبير (19244) وابن أبي شيبة (4/ 21).
(2)
رواه البخاري (5/ 2005) ومسلم (4/ 1711).
ووجه الدلالة: دل الحديث على وجوب احتجاب المرأة عن الرجل ولا يجوز أن يدخل عليها الأجنبي وهي كاشفة للوجه؛ لأنه لا يمكن أن يكون المقصود أنه نهى أن يدخل عليها وهي عريانة، والدليل على ذلك أن الرجل سأل فقال: أرأيت الحمو؟ فلا يقصد الرجل - دخول الحمو على المرأة وهي عريانة - إذًا فدل على أنه يقصد إذا كانت كاشفة لوجهها وليس المقصود الخلوة لأنه ورد في حديث آخر النهي الصريح عن الخلوة بالمرأة، وقال:«لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» (1).
إذًا فهذا الحديث في أمر آخر وهو الدخول على المرأة وهي كاشفة ولو بدون خلوة وإن كان بخلوة فهو أشد.
الدليل الرابع: قول عائشة: «يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزلت {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن
(1) سنن الترمذي (3/ 474).
مروطهنَّ فاختمرن بها» (1)، وفي رواية:«كأن على رءوسهن الغربان» (2).
الدليل الخامس: لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم من الثياب قال: «ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين» (3).
حيث إن الحجاب كان معروفًا مشهورًا في أوساط المسلمات والحج من الأحكام المتأخرة فلم يأت بعده ما ينسخه والله أعلم.
الدليل السادس: قوله صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان» (4).
وجه الدلالة: يدل الحديث على أن المرأة كلها
(1) صحيح البخاري (4/ 1782).
(2)
سنن أبي داود (2/ 459).
(3)
رواه البخاري (2/ 653).
(4)
رواه الترمذي (3/ 476) وابن خزيمة (3/ 93) وصححه الألباني، صحيح الجامع (6690).
عورة فلا يستثنى من ذلك إلا ما دل الدليل عليه ولا يوجد إلا حديث ضعيف سنذكره ونذكر الكلام عليه إن شاء الله.
الدليل السابع: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه» (1) يدل الحديث على أن المرأة يجوز لها كشف وجهها لعبيدها ما دام في ملكها وهذا أمر معروف فإذا خرج من ملكها كان أجنبيًا عنها ويجب عليها التستر منه لذلك قال: «وكان عنده ما يؤدى» أي: بدفع المال لأجل أن يعتق فإذا عتق كان أجنبيًا ولذلك يجب التستر منه.
الدليل الثامن: قول عائشة: «كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها
(1) رواه أبو داود (2/ 414) وابن ماجه (2/ 842) والإمام أحمد (6/ 289) والترمذي (3/ 562).
من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه» (1).
وجه الدلالة: من أحكام الإحرام في حق المرأة كشف الوجه لقول عائشة: «إنا نكشف وجوهنا فإذا حاذونا الركبان (أي الأجانب) وأقرهم على هذا الفعل ولو لم يكن الستر واجبًا لما غطين وجوههن لأن كشف الوجه في الإحرام واجب فاستثنى منه المرأة إذا وجد الأجانب إذ لم يفعلنه اجتهادًا أو زيادة تحفظ كما يقول بعض المتفقهة بل لو لم يكن واجبا لما فعلنه مع وجوب كشف الوجه في حق المحرم، والله أعلم.
(1) رواه أبو داود (2/ 979) وابن ماجه (2/ 979) والبيهقي (5/ 48) وسنده صحيح.
الدليل التاسع: عن أسماء قالت: «كنا نغطي وجوهنا من الرجال» (1).
هذا نص صريح على ستر الوجه وقد ذكرته في أثناء الإحرام والكلام عليه يكون بمثل ما سبق في حديث عائشة.
الدليل العاشر: وعن فاطمة بنت المنذر قالت: «كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق» (2) إذًا ما يفعل شائع بين نساء المسلمين ولم يكن اجتهادًا من بعضهم فدل على أنه فعل عام منتشر بين الصحابيات.
الدليل الحادي عشر: وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجت سودة رضي الله عنها
(1) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (1/ 624).
(2)
الموطأ (1/ 328).
بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفه فرآها عمر فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا» (1).
حيث دل الحديث على الحجاب وجوب من وجوه:
1 -
قالت عائشة لما ضرب الحجاب إذًا فهي ذكرت حكمًا جديدًا أُمرن به قد كُن على خلافه.
2 -
عمر رضي الله عنه لم يعرفها بوجهها وإنما عرفها بجسمها يدل على أنها كانت محجبة وقد غطت وجهها.
الدليل الثاني عشر: قول عائشة رضي الله عنها: «لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس (2).
وقالت: «لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا؛ لمنعهنَّ من المساجد» (3).
(1) رواه البخاري (4/ 1800).
(2)
رواه البخاري (1/ 210) ومسلم (1/ 445).
(3)
رواه البخاري (1/ 296) ومسلم (1/ 329).
وجه الدلالة:
1 -
أن الحجاب والتستر عادة نساء الصحابة.
2 -
قالت عائشة: لو رأى الرسول صلى الله عليه وسلم من النساء ما نرى، لمنعهن أي لو رأى تبرجهن وسفورهن لمنعهن هذا في وقتها وهنَّ ذاهبات لعبادة ومسجد فكيف بهذا العصر.
الدليل الثالث عشر: قوله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» (1)، فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: «يرخينه شبرًا» قالت: إذًا تنكشف أقدامهنَّ قال: «يرخينه ذراعًا ولا يزدن عليه» (2).
وجه الدلالة: هل القدم أخطر من الوجه؟!! ومع هذا أمرهن بسترها وأقل فتنة فما بالك بالوجه الذي هو محل
(1) رواه البخاري (5/ 2181) وسنن النسائي (5/ 494)(8/ 209) وسنن الترمذي (4/ 223) ومسند أحمد (2/ 55).
(2)
رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد والأربعة عن ابن عمر.
الفتنة ومجمع المحاسن والجمال فإذا كان هذا الحكم في الأدنى وهو القدم فكيف بالأشد منه وهو الوجه.
الدليل الرابع عشر: وعن أم عطية قالت: «لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج للعيد قالت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال: «لتلبسها أختها من جلبابها» (1).
قال القرطبي: «والصحيح أنه يعني الجلباب وهو الثوب الذي يستر جميع البدن إذًا فأم عطية سألت عن المرأة التي لا تجد ما تستر به جميع بدنها ومنه الوجه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لتلبسها أختها من جلبابها» ، إما أن تدخلها معها في الجلباب فتستتر عن الرجال، أو أن تقطع لها جزءًا منه وتعطيها تلك المرأة حتى تستر وجهها أو بعبارة أخرى لقد أشكل على أم عطية رضي الله عنها الخروج من غير جلباب وهو ما يستر به جميع البدن كما فسر ذلك القرطبي فحل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الإشكال بما ذكره والله أعلم».
(1) رواه البخاري (1/ 139) ومسلم (2/ 605).
ج- أدلة القياس والنظر الصحيح: ومن أدلة القياس:
الدليل الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم مصافحة المرأة الأجنبية وقال صلى الله عليه وسلم: «إني لا أصافح النساء» (1).
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط (أي الإبرة الطويلة) من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له» (2).
إذًا كانت مصافحة المرأة محرمة لأنها وسيلة للفاحشة فإن كشف الوجه والنظر إليه وسيلة من وسائل الفاحشة فهو لا يقل خطرًا عن مصافحة المرأة
(1) رواه النسائي (7/ 1499) وابن ماجه (2/ 959) والبيهقي في الكبرى (8/ 148) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2513).
(2)
رواه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 211) وقال الحافظ المنذري: رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح، الترغيب والترهيب (3/ 26) وقاله أيضًا الهيثمي كما في المجمع (4/ 598).
الأجنبية والله أعلم.
الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «والعينان تزنيان وزناهما النظر» ثم قال: «والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» (1).
ولا شك أن من أعظم وسائل حفظ العين من النظر والوقوع في ذلك ستر الوجه.
الدليل الثالث: ما ورد من الأمر بحفظ الفرج وقوله صلى الله عليه وسلم: «من ضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه ضمنت له الجنة» (2).
ولا شك أن من أعظم وسائل حفظ الفرج أمر المرأة بستر وجهها حتى لا يفتتن بها فتقع في سبب هتك فرجها وفرج غيرها من الرجال.
(1) رواه مسلم (4/ 2046).
(2)
رواه البخاري (5/ 2376).
ومن أدلة النظر الصحيح:
الدليل الرابع: أن الإسلام جاء بجلب المصالح ودفع المفاسد والسفور يترتب عليه عدة مفاسد منها:
1 -
الفتنة: فإن الرجل يفتتن بها أما إذا كانت محجبة فإنه لا يجد ما ينظر إليه فلا يقع في المحذور.
2 -
زوال الحياء وهذا أمر ظاهر مشاهد فإن المرأة إذا كانت محجبة يكون فيها الحياء ظاهرًا بخلاف الكاشفة فإن الحياء فيها قليل أو معدوم فهي عندها تساهل في النظر للرجال والحديث معهم، وهذا ما نشاهده حينما يجتمع رجل وزوجته مع آخر وزوجته فالمرأة تحدث الرجل بسهولة ظاهرة أما المتحجبة فلا تستطيع ذلك بل فيها حياء في محادثة الرجال ولو في الهاتف، ويلحظ هذا أيضًا عند دخول الزوج على زوجته في الليلة الأولى فإنه يجد حرجًا شديدًا في كشف وجه زوجته لأنها لم تكن معتادة كشف الوجه عند
الأجانب والله المستعان (1).
3 -
أنه وسيلة إلى الاختلاط فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل فيها حياء ولا خجل في مزاحمة الرجال وفي ذلك فتنة وفساد عريض، وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال صلى الله عليه وسلم:«استأخرن (أي النساء) فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق وعليكن بحافات الطريق» (2).
وكانت المرأة تلصق الجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به من لصوقها فالله المستعان. هذا وهن خارجات من المسجد أفضل البقاع إلى الله فما بالك بالأسواق التي هي أبغض البقاع إلى الله، وأصبح الرجل في هذا العصر هو الذي يأخذ جانب الطريق خشية اصطدام
(1) قال الشيخ ناصر حفظه الله معلقًا على ذلك، هذا سابقًا أما الآن فحدث ولا حرج.
(2)
رواه أبو داود عن أبي سعيد الأنصاري (2/ 790) وحسنه الألباني (صحيح الجامع 929).
المرأة به لعدم حيائها.
4 -
وترك الحجاب وسيلة إلى أذية المرأة من أصحاب النفوس الضعيفة كما قال عز وجل: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59]، وإن أكثر أسباب المعاكسات للنساء بسبب التساهل بالحجاب وهذا أمر مشاهد فإن المرأة المتحفظة لا يلتفت إليها الرجال ولا يجترئون عليها لأنها حمت نفسها وصانتها من أسباب الشر وبالله التوفيق.
وأخيرًا نقول: كيف يرضى الرجل أن يتمتع رجل آخر بالنظر إلى جمال زوجته وهو ينظر، أليس الجمال حقًا خاص به ولذلك توسع النساء في ذلك فأصبحن مع كشف الوجوه يضعن الزينة والمساحيق مما يزيد الطين بلة.
فيا أخي الزوج اجعل جمال زوجتك خاصًا بك دون غيرك فإن جمال المرأة كالوردة إذا تناقلت بين أكثر
من واحد ليشمها ذبلت لكن لو اختص بها صاحبها دون غيره لما ذبلت.
ويا أيها الأب العزيز الغيور حافظ على ابنتك فهي أمانة عندك لا تجعلها منظرًا طبيعيًا وجماليًّا لكل أحد ينظر إليها بل وربما تكون صورتها في قلبه يفكر في الوصول إليها، وقد يحاول بشتى الطرق الوصول إليها ولو بالجريمة والعياذ بالله.
الدليل الخامس: ومن الأدلة العقلية كذلك نقول لو أن شخصًا وقف خلف شيء وغطى به جسمه إلا وجهه ثم قال: تحجبت عنك فهل يعقل ويقبل منه ذلك لكن لو غطى وجهه فقط وقال: تحجبت عنكم لصح تعبيره، إذًا فهل يصدق عقلاً ولغة وشرعا أن يقال فلانة محجبة وهي قد كشفت وجهها، والله أعلم.
وأقول فهذه أدلة الكتاب والسنة والقياس والنظر الصحيح الدالة على وجوب ستر الوجه منها ما هو ظاهر الدلالة ومنها ما هو مفهوم، وكما أن الظاهر هو دليل في الشرع فكذلك المفهوم من الأدلة فما كان صوابًا فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان مع بضاعة في العلم مزجاة وأستغفر الله.
المخالفون في مسألة الحجاب
قبل أن نذكر أدلتهم والرد عليها نقول إن المخالفين في الحجاب على ثلاثة أقسام:
1 -
قسم ذهب إلى هذا القول عن نظر وبحث وهذا مع أنه عن بحث ونظر فقد قال بالجواز لكن الأفضل عنده والأولى التحجب وخصوصًا في هذا العصر.
2 -
قسم ذهب إلى القول بترك الحجاب عن
هوى أو تعصب ولما له من النزعة الغربية ومن ضغط الواقع ومحاولة إرضاء الجماهير ولذلك هذا القسم لم يكتف بإجازة السفور بل قال: إن الحجاب بدعة وأنه موروث عن الأمم المتخلفة.
3 -
قسم ذهب إلى هذا القول عن تقليد ومن غير نظر وخصوصًا إذا كان ممن يأخذ ثقافته من الجرائد والمجلات.
أدلة المخالفين
في البداية نقول: نحن لا نتحدث مع الشخص الذي يطلب التفسخ والتحرر وإظهار مفاتن المرأة ولكن لمن يجيز كشف الوجه وهذه أدلتهم:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] حيث قال ابن عباس: «وجهها وكفيها والخاتم» (1).
(1) تفسير ابن كثير (3/ 378).
الرد:
1 -
أدلة الحجاب ناقلة عن الأصل وأدلة كشفه مبقية على الأصل حيث إنهم في الجاهلية كانوا يكشفون وجوههم، والقاعدة أن الأصل الناقل مقدم على الأصل المبقي.
2 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما هذا يحتمل عدة أمور:
أ- أنه قبل نزول الآية الآمرة بالحجاب كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ب- ويحتمل أن مراده من الزينة التي نُهي عن إبدائها لا التي يجوز إبداؤها ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره ويؤيد هذا القول أنه قد سبق في الكلام على أدلة الوجوب أنه رضي الله عنه قد ورد عنه في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
…
} [الأحزاب: 59]، قد فسرها بستر الوجه.
ج- أن هذا يخالف تفسير آخر مثل: تفسير ابن
مسعود رضي الله عنه وعبيدة السلماني رضي الله عنه فإذا وجد هذا فإنه يُرجع إلى ما تعضده أدلة أخرى كما هو عند أهل العلم ولا شك أن أدلة وجوب ستر الوجه كثيرة كما سبق.
د- قد سبق في تفسير هذه الآية لفظ الزينة في لغة العرب الشيء الظاهر وذكرنا شواهد على ذلك يرجع إليها في مكانها.
الدليل الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها: «أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت سن الحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه» (1).
الرد:
أولاً: الحديث ضعيفً سندًا من وجهين:
(1) رواه أبو داود (2/ 460).
الوجه الأول: الانقطاع بين عائشة وخالد بن دريك الذي يرويه عنها قال أبو داود الذي خرج هذا الحديث خالد بن دريك لم يسمع من عائشة وكذلك أعلّ هذا الحديث أبو حاتم الرازي.
الوجه الثاني: في سنده سعيد بن بشر الخدري: نزل دمشق تركه ابن مهدي وضعفه أحمد وابن معين وابن المديني والنسائي رحمهم الله تعالى.
إذًا فالحديث ضعيف لا يقاوم الأدلة السابقة.
ثانيًا: الحديث ضعيف متنًا: فإن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما كان لها حين الهجرة سبع وعشرون سنة فهي كبيرة فيبعد أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق تصف
جسمها وهذا أيضًا يخالف ما عرف عنهن من الحياء عمومًا وخصوصًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أيضًا على فرض صحة الحديث أن ذلك قبل نزول آية الحجاب.
والخلاصة: أن الاستدلال بهذا الحديث استدلال ضعيف بعيد عن الإنصاف بجانب الأدلة القوية السابقة والله أعلم.
الدليل الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنها: «أن أخاه الفضل كان رديفًا للنبي صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر» (1)، ففي الحديث دليل على أن هذه المرأة كاشفة وجهها.
(1) رواه البخاري (2/ 551) ومسلم (2/ 973).
الرد:
أ- لعل والد هذه المرأة أراد عرضها على النبي صلى الله عليه وسلم لعلها تعجبه فيتزوج بها وعرض المرأة على الرجل لأجل الزواج لا بأس به لأنه في حكم النظر إلى المخطوبة ودليل هذا القول: قال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/ 68): وروى أبو يعلي بإسناد قوي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل قال: «كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه بنت حسناء فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها» (1).
ب- قال في الرواية إنها منقبة والنقاب قد يكشف عن شيء غير قليل من الحسن.
ج- ليس في روايات الحديث التصريح بأنها كاشفة عن وجهها وقوله حسناء أو وضيئة لا يستلزم أنها كاشفة عن الوجه فإن الحسن والوضاءة قد تعرف بغير النظر إلى الوجه وقد ذكر بعض العلماء ردودًا أُخر
(1) مجمع الزوائد (4/ 509)، قال ورجاله: رجال الصحيح.
نكتفي بما ذكر خشية الإطالة.
الدليل الرابع: حديث جابر في صلاة العيد لما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم وخطب فيهم فأتى إلى النساء فوعظهن وذكرهن وقال: «يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم» فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت
…
الحديث (1).
وجه الدلالة لولا أن وجهها كان مكشوفًا ما عرف أنها سفعاء الخدين.
الرد:
أ- يتطرق إلى هذه القصة عدة احتمالات هل هذا قبل الحجاب أم بعده؟ وهل المرأة حرة أم أمة والإماء معروف أنه يجوز لهن كشف وجوههن؟ هل هي من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحًا؟ ومما يدل على أنه يحتمل أنها قبل نزول آية الحجاب أن فرض صلاة
(1) رواه البخاري (1/ 116) ومسلم (2/ 603) والنسائي (2/ 186).
العيد في السنة الثانية ونزول آية الحجاب في السنة الخامسة أو السادسة وإذًا فقد تطرق للاستدلال عدة احتمالات والقاعدة الأصولية أن ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال.
ب- كذلك يقال: إنه يجب على المحتج بهذا الحديث أن يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم رآها سافرة وأقرها على ذلك ولا سبيل إلى إثبات ذلك فلعله جابرًا رآها وحده كأن يكون قد سقط حجابها وراءها .. وخصوصًا وأنها قامت والقيام مظنة وقوع الشيء ومما يدل على أنه رآها وحده أن القصة رواها غير واحد غير جابر مثل أبي سعيد الخدري وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ولم يذكر في رواياتهم ما ذكره جابر [رواه مسلم].
ج- قال سفعاء الخدين ومعناه القبح وسواد الوجه لعله من كبر السن فتكون من القواعد كما سبق ولعلها من الإماء ومعلوم أن الإماء يجوز لهن كشف
وجوههنَّ كما سبق في الوجه الأول من الرد.
د- قال في رواية من سِطَةِ القوم وفي بعض الروايات من وسط القوم فلعلها كانت متحجبة بجلوسها بين القوم ولما احتاجت إلى السؤال قامت فرآها جابر دون غيره أو أنها رجعت إلى مكانها مرة أخرى تحتجب به عن الرجال، والله أعلم.
خامسًا: من الأدلة التي استدل بها بعضهم: «أن امرأة يقال لها أم خلّاد جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهي منتقبة تسأل عن ابنها الذي قتل في أحد الغزوات فقال لها بعض الأصحاب: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة قالت المرأة: إن أرزأ ابني فلم أرزأ حيائي» (1).
الرد:
أ- الحديث رواه أبو داود وهو ضعيف فيه فرج بن فضالة وهو ضعيف وفيه أيضًا الحبير بن ثابت بن قيس وهو مجهول الحال ولم يتابع إذًا فالحديث ضعيف.
(1) رواه أبو داود (2/ 8).
ب- وعلى فرض صحة الحديث فنقول بل لو صح فيه دليل على الحجاب فإنه يغلب على النساء زيادة الجزع والهلع وكان من المتوقع أنها تأتي تسأل عن ابنها المقتول وهي رامية الحجاب فاستغرب الصحابة أنها مع هذه الحالة وتأتي متحجبة لذلك قالت ردًا عليهم: إن أرزأ ابني فلم أرزأ حيائي أي إن فقدت ابني فلن أترك ما عندي من الحياء.
ج- وعلى فرض صحته أيضًا في رواية الحديث ما يدل على أنها غير مسلمة وإن قالت: إني أستحي، فإنه قد يوجد الحياء عند الكافرة لما فيهن من الشيم ولكن مع ذلك كله فالحديث ضعيف كما سبق والله أعلم.
الدليل السادس: ومن الأدلة حديث سبيعة بنت الحارث رضي الله عنها: «حيث ترملت من زوجها وكانت حاملاً، فما لبثت أيامًا حتى وضعت فأصلحت نفسها وتجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل رضي الله عنه وقال لها: مالي أراك متجملة لعلك تريدين الزواج» الحديث (1).
(1) رواه البخاري (4/ 1466) ومسلم (2/ 112) وأبو داود (1/ 704) والنسائي (6/ 194).
يقولون: إنه يدل على أنها كانت كاشفة وجهها.
الرد:
أ- من أين يستدل على أنها كاشفة وجهها؟! فقد دخل عليها ورآها متجملة ورؤية التجمل لا يدل على كشف الوجه، فالتجمل قد يكون باللباس وغيره.
ب- وعلى فرض أنه يدل على كشف الوجه وهذا بعيد جدًا فلعله قد فاجأها بالدخول ورآها» (1)(2).
هذه خلاصة أدلة المجيزين لكشف الوجه وبعضهم يحاول ليّ أعناق النصوص حتى توافق
(1) زاد الشيخ ناصر هنا، من الردود أنه يحتمل أن أبا السنابل محرم لها ولو من الرضاعة.
(2)
انظر رسالة الشيخ سلمان العود «حوار هادئ مع الشيخ الغزالي» فقد استفدت منها كثيرًا في هذا الموضع.
مذهبه ولكن والحمد لله أن أدلة تغطية الوجه كثيرة وقوية وظاهرة الدلالة لا يقاومها مثل هذه الأدلة التي هي ما بين كونها ضعيفة أو صحيحة؛ لكنها لا تدل على القول بكشف الوجه إلى جانب أن القول بستر الوجه هو قول عامة أهل العلم قديمًا وحديثًا خلافًا لما ذكره بعضهم أنه قول الأئمة بل عامة الأئمة على القول بالستر وهو المنقول عن الصحابة كما سبق قولاً وعملاً كما نقل عن نساء الأنصار والمهاجرات وكما ورد عن ابن عباس أنه لما سئل عن قوله عز وجل: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى، فلهذا ولما سبق من أنه أحفظ للأمة ووالله ما ظهر الشر والفساد إلا بعد التساهل به فهذه مصر الحبيبة كانت مصونة الجانب حتى جاء من رباه الفرنسيون على أعينهم وهو قاسم أمين وحارب الحجاب، ودخل معه في المسرحية هدى الشعراوي وأذنابها وكان يبارك فعلها الماسوني الخليع سعد زغلول فقامت هي ورفيقاتها وأحرقن الحجاب في الميدان،
وبدأت الحرب المعلنة على الحجاب إلى أن حصل ما حصل واتسع الخرق على الراقع فبعد أن كان الأمر في كشف الوجه صار الأمر إلى كشف الشعر ثم الساقين ثم بعض الفخذ بل وصل الأمر إلى كل الفخذين والبطن وما المراقص والشواطئ بخافية، وهكذا الشر يبدأ شيئًا فشيئًا حتى يستشري فيكون كالنار في الهشيم ومع كثرة المساس يقل الإحساس.
فيا أخي المنصف انتبه إلى خطورة الأمر فإنه جدُّ خطير ولا تغتر بكثرة الهالكين: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] ولقد بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء ومن ظهر له الحق والراجح وحاد إلى غيره من ثنيات الطريق فسيحاسب على ذلك والله مطلع على الضمائر وما تخفيه النفوس.
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون،