المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إيجابيات الخطاب السلفي - مقالات موقع الدرر السنية - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌دراسة علمية شرعية

- ‌بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)

- ‌بـ اسم سبتمبر

- ‌على هامش حجب المواقع وإيقاف القنوات

- ‌أبشركم .. مسلسل القعقاع حقق أكثر نسبة مشاهدة

- ‌حَتّى لا يَتَهاوَى القٌدَواَت

- ‌نظرة في الاتجاه العقلاني المعاصر ومظاهره

- ‌الإرجاء الفكري

- ‌الضوابط الشرعية…رؤية ليبرالية

- ‌منع غطاء الوجه والتذرع بالذريعة

- ‌الفتوى ومسألة الحرية

- ‌الثورة الإصلاحية وكَشْفُ المُغَطَّى

- ‌القول الشاذ في الفقه الإسلامي ودعوى اكتشاف الإسلام من جديد

- ‌جامعة الانحرافات الفكرية المعاصرة

- ‌أين أخطأ المقاصديّون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة (1/ 2)

- ‌أين أخطأ المقاصديّون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة (2/ 2)

- ‌عنيف القول ولطيفه تجاه السلف

- ‌التسامح العقابي مع المبتدع وضرورة الإتقان المعرفي

- ‌خبراء في الفكر والفلسفة ولكن

- ‌فاضح القرّاء

- ‌زجر أهل العلم والتقوى للمتساهلين بالفتوى

- ‌شبهة حرية المنافقين

- ‌القصة من أوّلها

- ‌اليهود وجريمة البحر

- ‌الاختلاط بين الجنسين وظاهرتي السعار والشذوذ

- ‌الضوابط الشرعية بين الثوري والمهدي

- ‌عصر دبلجة الواقع

- ‌المُفْتُون المَفْتُونُون

- ‌التوازن الفكري

- ‌متى يحسن الرد على المخالف

- ‌الخطاب الإصلاحي والإشكاليات المتجذرة

- ‌اقتلني ومالكًا

- ‌كسوف العقل

- ‌الموقف الشرعي الصحيح من وفاة أهل الضلال

- ‌توحيد (الإصلاحيين)

- ‌مقترح لصد الهجمة الليبرالية

- ‌حديث: ((رأيت ربي في صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط في روضة خضراء))

- ‌إصلاح "الإصلاحيين

- ‌توقير الفلاسفة وتعظيم الحرية .. في صحافتنا الموقرة

- ‌صيانة الدين والمجتمع من تعديات أهل الأهواء (1)

- ‌(حاصروا غزة وبلاد المسلمين، فحاصرهم الله ببركان أيسلندا)

- ‌العقيدة أولاً: مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي

- ‌وقفات مع مؤتمر (ماردين دار السلام)

- ‌ماذا يريد السلفيون من منتقديهم

- ‌فتنة القول بجواز الاختلاط (2/ 2)

- ‌الصحوة والمناطقية

- ‌ماهي منجزات الصحوة

- ‌الانتخابات أسقطت كل الأقنعة في العراق

- ‌(قلب الأدلة على الطوائف المخالفة) للقاضي

- ‌ساعة وفاء

- ‌الاحتجاج بالخلاف ديانة أم مخادعة لله

- ‌إيجابيات الخطاب السلفي

- ‌في إعمار دارفور .. نزرع ويحصد غيرنا

- ‌نقد الخطاب السلفي…وغياب القيم

- ‌مسألة: حدود عورة المرأة أمام المرأة

- ‌تعامل السوق السعودية بالتورق خطر قادم يوقعها في أزمة مالية كبيرة…عضو الشورى الأطرم محذرا: سندات القروض "ربوية" من بدئها لمنتهاها

- ‌الأزهر بين التطوير والتطويع

- ‌بيان مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

- ‌هدم الأقصى

- ‌بيان رابطة علماء المسلمين لنصرة إخواننا في فلسطين

- ‌ياهؤلاء: شكراً لكم

- ‌حتى لا نعرض مشاريعنا للتقبيل

- ‌القوَّة في الدِّين .. كيف نراها واقعاً في حياتنا

- ‌(ميمري) و (إيباك) .. الأذرعة المتكاملة

- ‌الباطنية: سلالة الفرس المجوس

- ‌إعادة قراءة الولاء والبراء

- ‌معايير تحديد أولويات المواجهة

- ‌حرس الحدود والمسلك الأبلق

- ‌التعلم المختلط في الصفوف الأولية نظرات علمية (1)

- ‌التعليم المختلط في الصفوف الأولية نظرات علمية (2)

- ‌التعليم المختلط في الصفوف الأولية نظرات علمية (3)

- ‌التعليم المختلط في الصفوف الأولية نظرات علمية (4)

- ‌التعليم المختلط في الصفوف الابتدائية نظرات علمية (5)

- ‌كيف بني تحريم الاختلاط

- ‌حديث الأسوة

- ‌لا تجعل قلبك كالإسفنجة

- ‌حينما يكون الإسلاميون سفراء لليبرالية

- ‌خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية

- ‌تكثير الأتباع بالوحي لا بالابتداع

- ‌احتجاجات المناوئين للخطاب الشرعي

- ‌الشذوذ في القول

- ‌الاختلاط بين "محكم" الوحي و"متشابهه

- ‌تتبع الرخص

- ‌مقدمة كتاب ((منهج الأشاعرة في العقيدة)) الطبعة الجديدة

- ‌قصة الحوثيين

- ‌من الذي اخترع لفظ (الاختلاط)

- ‌الصحفي .. المفتي

- ‌إتباع الصراط في الرد على دعاة الاختلاط

- ‌درس عملي في المحكم والمتشابه

- ‌توضيح المبهمَات في مسألة كون جدة ميقات

- ‌التحصينات الشرعية من أنفلونزا الخنازير وغيرها

- ‌ونحن أيضاً، سنصدعُ بالحقِّ

- ‌الترجيح في حكم النشيد

- ‌جواب سؤال عن كتاب: (ظاهرة الفكر التربوي)

- ‌الفرق بين بيت الله الكعبة وسائر الجامعات المختلطة

- ‌إنها لإحدى العبر

- ‌الاختلاط .. (هَمٌّ) و (وَهْمٌ)

- ‌مفهوم الاختلاط بين التأصيل والتضليل

- ‌الموالاة: معناها ومظاهرها

- ‌الحرم المكي ومضاعفة الأجر فيه

- ‌وسائل الأعداء في إفساد المرأة وأساليبهم

- ‌رائد الإبداع طيب الأثر إشارات وعبر من سيرة ومؤلفات الشيخ بكر

- ‌نوازل الصيام [1/ 2]

- ‌انتقاد "القول التمام

- ‌رسالة إلى أئمة المساجد بمناسبة شهر رمضان المبارك

- ‌مسألة السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخطباءُ وأفكارُ المنبر

- ‌النشيد الراحل والغناء الحاضر

- ‌حركة الإمام أحمد بالصورة

- ‌مسألة زواج السَّيِّد الشريف من غير الشريفة، والعكس

- ‌التقدم إلى الوراء

- ‌نسبيَّة الحقيقة في الفكر الليبرالي

- ‌الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين (1/ 4)

الفصل: ‌إيجابيات الخطاب السلفي

‌إيجابيات الخطاب السلفي

د. عبدالرحيم بن صمايل السلمي

كل من يقرأ التاريخ المعاصر ويرصد الأحداث لا تخطئ عينه الفضائل الكبرى التي كانت للخطاب السلفي على الأمة الإسلامية اليوم، ففي سنوات لا تتجاوز الخمسين سنة انتشر هذا الخطاب انتشارا مذهلا في الأمة شرقا وغربا، وأصبحت المؤلفات والفتاوى والمؤسسات السلفية تنتقل من بلد لآخر نشرا للعقيدة الصحيحة، وتعليما لحقائق الدين وربطا للأمة بالكتاب والسنة.

ومن أبرز إيجابيات هذا الخطاب المبارك: تصحيح العقيدة من الشركيات والبدع والمحدثات والخرافات التي انتشرت في الأمة بسبب التصوف والتشيع وبقية الفرق الضالة التي أضرت بعقائد المسلمين ضررا بالغا، فقد نقدوا وكشفوا حقيقة الفرق الضالة كالخوارج والمرجئة والمعتزلة والأشاعرة والصوفية والشيعة والباطنية في الوقت الذي كان بعض المنتسبين إلى الدعوة يرى أن هذه الفرق لا وجود لها الآن وأنها انقرضت وأصبحت أحداثا تاريخية، ومقاومة الخطاب السلفي لهذه الشركيات والبدع دليل على الوعي العميق بالواقع الذي لا يمكن إصلاحه بذر الرماد في العيون ونسيان الحقائق الموضوعية على الأرض، ولكن إصلاحه يكون بمواجهة المشكلة بالمنهج الشرعي الراشد.

وهذا العمل التجديدي الكبير كان له آثار عظيمة في إضعاف الفرق الضالة، وتحذير الأمة من مخاطرها وعقائدها الباطلة، وإبراز علماء السلف كقدوات للأمة، فقد انتشرت كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من علماء السلف في أرجاء الأرض، واطلع عليها كثير من العلماء والمفكرين والمثقفين وكان لها أثر كبير في تصحيح المفاهيم العقدية والمنهجية التي أفسدتها الفرق الضالة في باب المسائل والدلائل.

وقد قام الخطاب السلفي بعمل جبار في حماية شباب الأمة من المذاهب الفكرية المعاصرة، فكتبوا وحاضروا عن العلمانية والقومية والشيوعية والحداثة والليبرالية وغيرها من المذاهب الهدامة، وبينوا منافاتها لأصل الدين، وقواعده الأساسية، ومقاصده الكلية.

فقد أزال السلفيون الركام الفكري والعقدي الهائل من التصورات الباطلة والتفسيرات الخاطئة والتأويلات الضالة للقرآن والسنة، وكان للخطاب السلفي المعاصر مزيد عناية بمناهج الاستدلال وآلياته ليتميز المنهج الشرعي عن المنهج البدعي، وخصوصا بعد ظهور التيارات التنويرية والعصرانية التي تسوق أفكارها من خلال النص الشرعي.

ومن أبرز ما يميز الخطاب السلفي أنه خطاب ذو منطلق إيماني تعبدي يربط كل مناحي الحياة بالعقيدة والإيمان والتعبد والخضوع لله سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الأخلاق وسائر أحوال الاجتماع البشري بكافة صوره وأشكاله، وهذا هو منهج القرآن وآياته شاهدة بذلك.

وإذا أراد المراقب إنصاف هذا الخطاب فإنه لن يتجاهل دوره في نشر العلم والثقافة والوعي السياسي قبل ظهور الانترنت والفضائيات وبعدها، ودوره في إحداث حركة فكرية وثقافية قوية في المجتمع، فقد شجع على الإطلاع والقراءة والنقد والاستقلال الفكري المرتبط بالنص الشرعي، ووضع منهجية شرعية في تفسير الأحداث وربطها بالعقيدة والسنن الكونية والإلهية.

ص: 188

وكان للخطاب الشرعي دور بارز في الجامعات والتشجيع على الدراسات العليا، ولو رجع الباحث المحايد إلى الجامعات السعودية وأراد أن يحدد بداية الثورة المعرفية والثقافية فيها، واتجاه الشباب لإكمال دراساتهم العليا وتابع بدايات هذا النشاط العلمي لوجد أن الخطاب السلفي هو الذي قاد الجامعات السعودية إلى ذلك، وعند النظر إلى الرصيد العلمي الهائل الذي تم في الأقسام الشرعية والعربية ونوعيته لوجد تراثا باذخا وفكرا نيرا، كما أن الأقسام الطبيعية بكافة أنواعها وتخصصاتها المعرفية توجه لها أتباع هذا الخطاب حتى أصبح يطلق البعض على كلية الطب في جامعة الملك سعود كلية الشريعة لكثرة المتدينين من أتباع هذا الخطاب فيها.

بل إن هذه الجامعة التي أراد لها البعض أن تكون منبرا لنشر العلمانية كما كانت جامعة القاهرة أصبحت منبرا لهذا الخطاب في كافة التخصصات الأدبية والطبيعية المتنوعة.

ولو أن البعض درس باستقلالية وإنصاف الدور الريادي للخطاب السلفي من خلال التعليم والجامعات لوجد نتائج مذهلة تحققت في فترة زمنية محدودة، ولم يكن لهم القرار بصورة مستقلة ولكنهم شاركوا في هذه الجهات وقاموا بعملية الإصلاح حسب المتاح والمقدور عليه.

وقد كان الخطاب الشرعي هو المحرك الأساسي لمؤسسات المجتمع التطوعية، وحرك الناس في بذل أوقاتهم لخدمة المجتمع قربة إلى الله تعالى، فهذه أبرز المؤسسات الاغاثية والشبابية والاجتماعية والنسائية يقودها هذا الخطاب. ومن ايجابيات هذا الخطاب التركيز على أهم قضية في الفكر السياسي الإسلامي وهي قضية تحكيم الشريعة الإسلامية وبيَّن ارتباطها بأصل الدين والإيمان وأن تحكيم القانون الوضعي كفر بالله رب العالمين، وقضية تحكيم الشريعة هي أهم نقطة مركزية في الفكر السياسي الإسلامي (انظر مثلا فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم وابن باز والكتب المؤلفة في الحكم بغير ما أنزل الله ونواقض الإسلام والإيمان وغيرها)

وكان لهذا الخطاب المبارك دور إصلاحي كبير في نشر التدين والتعبد والتقوى في صفوف الشباب وانتشال أعداد كبيرة من الشباب من الشهوات المحرمة والمخدرات والضياع وغياب الهدف وجعل لهم رسالة ورؤية يسعون لتحقيقها ابتغاء مرضاة الله تعالى، فتجد الشاب في عمر الزهور يخفق قلبه بمحبة الله وتعظيمه والشوق إليه وإبعاد النفس عن الشهوات والمغريات المحرمة، وتجد هؤلاء الشباب يحرصون على تعرف حال أمتهم لإنقاذها من تخلفها في عزيمة لا تجدها عند بقية الشباب الذين لم يستوعبهم هذا الخطاب لقلة الإمكانات وكثرة الاحتياج.

إن المراقب صاحب النية الصادقة سوف يذهل للخدمات والتضحيات والبذل الرهيب الذي قدمه هذا الخطاب ولا يزال يقدمه خدمة لأمته في زمن ليس زمنهم، ولا هم قادته بل الأمر والقيادة بيد غيرهم. ولو نظرت إلى فترة أزمة الخليج في التسعينيات ودور هذا الخطاب في إحداث حركة الوعي السياسي والمطالبة بالحقوق العليا للأمة من منطلق إيماني تعبدي والتضحيات التي قدمت لعرفت الايجابية الكبرى التي أفاد بها هذا الخطاب أمته ودينه.

وهكذا الحال في مجال الوعظ والنصح، والتربية، والقضاء، والفتيا، وتصحيح العلوم من شوائب الانحرافات التي لحقتها، وتمييز صحيح الحديث من سقيمه (دور الشيخ الألباني كان معلما معاصرا بارزا في هذا المجال)،والمشاركة في الجهاد الصحيح ودعمه، وإحياء روح الإباء والاستبسال في الأمة، وعدم الخضوع للمستعمر.

ص: 189

وقد حذر علماء هذا الخطاب من فتنة العصرنة قبل ظهورها على المستوى المحلي بفترة طويلة من خلال تضمين نقد أفكارها في الرسائل الجامعية في مسائل الولاء والبراء والجهاد والإرجاء المعاصر والعلاقة مع الكفار والمذاهب الفكرية، والموقف من الفرق، ومفاهيم التجديد والتطوير وغيرها (يمكن الرجوع مثلا إلى بحوث العلمانية للحوالي، والولاء والبراء للقحطاني، وأهمية الجهاد للعلياني، والثبات والشمول للسفياني وغيرها كثير جدا، وهي كتب مطبوعة ومتداولة على أوسع نطاق)، وكذلك حذروا من هذه الفتنة من خلال دروس ومحاضرات كثيرة من أبرزها محاضرة الشيخ سفر الحوالي شافاه الله وعافاه: العلمانية في طورها الجديد، التي ذكر فها جملة كبيرة من الأفكار العلمانية لدى بعض الإسلاميين التنويريين: إما بسبب التخليط في مصادر التلقي والاستدلال أو بسبب روح الهزيمة التي تحصل لبعض النفوس الضعيفة أمام الآخر!!

وقراءة هذا الإنتاج الضخم (كتب ومقالات ومحاضرات ودروس وخطب ومجلات وبيانات وفعاليات مختلفة .... ) وتحليل أجزائه وآثاره يحتاج إلى جهد كبير وعمل طويل، وفيه جوانب في غاية الإشراق والوضاءة فضلا عن الأحداث والمواقف والحركة الاجتماعية التي هي أكبر وأغزر.

إن الإحصاء والاستقصاء للدور الايجابي لهذا الخطاب متعذر في مقالة مختصرة، ولكن من فكّر بنفس نظيفة هادئة مستقرة فإنه سيجد أضعاف ما تمت الإشارة إليه، والهدف إثارة التفكير في الموضوع والعناية به.

ومن الطبيعي أن يوجد في أي عمل بشري أخطاء وقصور لكن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث ولم يؤثر فيه، ولا ينبغي أن يكون النقد هو الهاجس الوحيد مع الإعراض التام عن ايجابيات الفكر السلفي المعاصر التي هي بكل تأكيد أكثر وارسخ وهي الأصل الأصيل فيه، وأن الخطأ عند وجوده إنما يكون في الأفراد وليس في المجموع.

ويؤسفني جدا عندما أرى شبابا ممن يعتبرون أنفسهم من أهل هذا الخطاب ديدنهم ذكر المثالب والعيوب والنقد الدائم لمؤسساته وشيوخه وأفكاره مع ميل للطوائف والتيارات الفكرية المناوئة له، إن هذه النفسية التي تجعل من هؤلاء الإخوة يلتمسون المعاذير ويتفهمون لهذه الطوائف والتيارات أقوالهم ومواقفهم في الوقت الذي جعلوا من نقد الخطاب السلفي مشروعا لهم دون أي إشارة تذكر للايجابيات، هذه النفسية تدل على هوى متبع خفي يلبس لبوس النصح وإرادة الإصلاح، وتدعي أن النقد موجه إلى الخطاب وليس للمنهج مع أن المآل يوصل إلى نقد المنهج متذرعا بان المقصود هو الخطاب الزمني وليس المنهج المحكم الثابت.

إنني أتفهم أن يقوم طالب علم شرعي يعرف لإخوانه حقوقهم ويدافع عنهم، ويواجه الطوائف والتيارات الفكرية بما عندهم من الباطل ثم يقوم بتقويم خطأ وتسديد ثغرة وتصويب قول أو موقف فهذا بلا ريب أن دافعه النصيحة الواجبة. ولكنني لا يمكن أن أفهم من يصادق ويصاحب ويصافي إتباع التيارات الفكرية ويتلمس الأعذار ويجد نفرة وعدم ارتياح لإخوانه من دعاة أهل السنة والجماعة ومع ذلك يقول أنني أريد النصح والتقويم عندما أنتقد الخطاب السلفي!! هذا الركام والضجيج النقدي للخطاب السلفي لا ينبغي أن يشغل شيوخه وشبابه عن رسالتهم الربانية وهي تعبيد الناس لرب العالمين ونشر الدعوة والإصلاح في كل مكان، والاشتغال بالنافع من الأفكار وعدم الإصغاء للأفكار السلبية التشكيكية التي يرددها نقاد هذا الخطاب.

ص: 190

لقد انشغل بعض طلاب العلم بالتفكير في هذه السلبيات التي يتم طرحها على الخطاب السلفي وصدقها البعض الآخر دون روية، وكان الأولى الاشتغال بالدعوة والإصلاح والعلم النافع فهو أجدى وانفع، وهذا لا يعني قبول الأخطاء والسكوت عنها لكنه يعني أن هذه الدعاوى لم تقم على أساس صحيح بل قامت لمشاغلة المصلحين عن رسالتهم الأساسية.

ولهذا يلاحظ أن المشككين في ايجابيات الخطاب السلفي تضيق صدورهم عند إبرازها والتذكير بها، ويحاولون تشويه هذه الايجابيات بدعوى أننا بحاجة لإصلاح الأخطاء وليس لمدح النفس، أو بدعوى أن ذكر الايجابيات سوف ينسينا معرفة الإشكاليات لمعالجتها، وهي دعاوى ساقطة لان ذكر الايجابيات محفز ومشجع على المضي فيها، ولا يلزم منه تناسي الخطأ وتصويبه، ولا أعرف أحدا من شيوخ هذا الخطاب ادعى العصمة لكلامه أو لبعض شيوخه، ولكن العصمة للنصوص الشرعية وللإجماع.

ومن ظن أن الدفاع عن العلماء والدعوة ضد الهجوم الجائر الظالم سوف ينسينا التصويب والتصحيح فهو واهم في أحسن الأحوال، فالدفاع هنا هو أمام ظلم وعدوان وكذب وافتراء لا يجوز السكوت عليه بأي حال من الأحوال.

ولا أشك أن الممارسات التي تتم في نقد الخطاب السلفي الموجودة الآن هي ممارسات سلبية تحطيمية أكثر منها ممارسات ناصحة مشفقة، فالنصيحة لها أسلوبها وطريقتها والتحطيم له أسلوبه وطريقته، وعندما يصدر هذا النقد السلبي من خصم لدود سواء من الفرق أو التيارات الفكرية فإن هذا طبيعي من خصم حاقد أغاظه ظهور السنة وأهلها، ولكن المأساة عندما يصدر من إخوة من ذات الخطاب أثرت فيهم الأجواء الموبوءة فأصبحوا يرفقون بالفرق والطوائف الفكرية تحت دعوى التسامح والتوافق على المشتركات في الوقت الذي يمارسون الردح والنقد الدائم المستمر للخطاب السلفي، وكأنه لا توجد مشتركات ولا تسامح معه!!.

وهذا يؤكد أن هناك تأثرات ولوثات فكرية أصابت بعض المنتسبين لهذا الخطاب بدرجات متفاوتة، وقد كان الواجب عليهم أن يراجعوا أنفسهم وينقدوها ويصححوا ما أصابها من خلل قبل الحديث عن نقد الخطاب السلفي، لأن العليل الذي يعجز عن علاج نفسه سيكون أكثر عجزا عن إصلاح غيره، فعندما ترى شابا بدت تظهر عليه علامات التغير في تدينه فأصبح يمارس المحرمات ويتساهل في أداء الواجبات، ويتقرب إلى التيارات الفكرية والفرق الضالة، ويتعب نفسه في المقاربات والتماس ايجابياتها بحجة أن الصواب نقبله مهما كان قائله، ثم تجده ناقدا دائما للخطاب السلفي إلى درجة أنه يمكن أن تتوقع موقفه من أي حدث يخص الخطاب السلفي قبل إبداء رأيه فيه لأنه أصبح يسير على نسق وقاعدة فكرية نقدية للخطاب السلفي

ثم بعد هذا كله يزعم أنه يريد التجديد داخل الخطاب السلفي، عندما ترى ذلك تدرك دون عناء أن المسألة ليس مجرد تصحيح للأخطاء، فهذا تسطيح للموضوع واختزال لعمق المشكلة، وهروب من مواجهتها ومعرفة مخاطرها ونتائجها السلبية.

بالله عليكم هل هذه هي صفة المجددين؟ وهل هذا أسلوبهم ومنهجهم؟ وهل ما يقوم به هؤلاء تجديد أم هدم وتحطيم؟ وهل من التجديد النقد المستمر للخطاب السلفي وترك الفرق والتيارات الفكرية، والحياد أمام مشاريعها وأطروحاتها؟ إنني أطالب هذه المجموعة من الإخوة الكرام بمراجعة الذات ونقدها وتصحيح ما أصابها، والتفكير الهادئ الصادق للمنهجية التي هم عليها، والنظرة الكلية للحالة التي وصلوا إليها فإن هذا أكثر نفعا من الاشتغال بالغير، وقولي هذا هو إشفاق وحدب ونصح لإخواني فإن التمادي في هذا الحال سوف تكون عواقبه وخيمة، وقد بدت نذرها في بعض الآراء والأفكار الغريبة.

إن الحديث الدائم عن نقد الخطاب السلفي من فئة لا تعمل على نشره، ولا تدافع عنه أمام خصومه وأعدائه، وتظهر دائما الحياد في معركة المسلمين مع المنافقين، هو حديث البطالين الفارغين الذين تركوا الجهاد ومنازلة التيارات الفكرية المفسدة لعقائد المسلمين واشتغلوا بالكلام السلبي.

إنني أعلم أنه سيخرج لي من يعطيني الموشحات الطويلة في فائدة العقلية النقدية المتسائلة، أو يفهم كلامي على أنني ضد النقد بالمطلق، وينسى كل ما تقدم ذكره في أن العصمة تكون للنصوص والإجماع وليس للأفراد، وأنني أتكلم عن حالة احترفت النقد ولها سمات معينة يمكن اكتشافها من خلال متابعة بسيطة للساحة الفكرية.

على أية حال فنحن بحاجة إلى إبراز الايجابيات في الخطاب السلفي لإعادة الثقة في النفوس التي استسلمت للنقد الجائر مما جعل البعض محبطا أو مذبذبا او حائرا مما يسمعه ويراه، ولو رجع إلى الواقع لوجد خيرا عميما وكبيرا أحدثه هذا الخطاب المبارك في المجتمع على أصعدة متعددة.

المصدر: شبكة القلم الفكرية

ص: 191