المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌هدم الأقصى لطف الله بن ملا عبدالعظيم خوجه الصهاينة يمضون خطوات واثقة - مقالات موقع الدرر السنية - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌دراسة علمية شرعية

- ‌بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)

- ‌بـ اسم سبتمبر

- ‌على هامش حجب المواقع وإيقاف القنوات

- ‌أبشركم .. مسلسل القعقاع حقق أكثر نسبة مشاهدة

- ‌حَتّى لا يَتَهاوَى القٌدَواَت

- ‌نظرة في الاتجاه العقلاني المعاصر ومظاهره

- ‌الإرجاء الفكري

- ‌الضوابط الشرعية…رؤية ليبرالية

- ‌منع غطاء الوجه والتذرع بالذريعة

- ‌الفتوى ومسألة الحرية

- ‌الثورة الإصلاحية وكَشْفُ المُغَطَّى

- ‌القول الشاذ في الفقه الإسلامي ودعوى اكتشاف الإسلام من جديد

- ‌جامعة الانحرافات الفكرية المعاصرة

- ‌أين أخطأ المقاصديّون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة (1/ 2)

- ‌أين أخطأ المقاصديّون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة (2/ 2)

- ‌عنيف القول ولطيفه تجاه السلف

- ‌التسامح العقابي مع المبتدع وضرورة الإتقان المعرفي

- ‌خبراء في الفكر والفلسفة ولكن

- ‌فاضح القرّاء

- ‌زجر أهل العلم والتقوى للمتساهلين بالفتوى

- ‌شبهة حرية المنافقين

- ‌القصة من أوّلها

- ‌اليهود وجريمة البحر

- ‌الاختلاط بين الجنسين وظاهرتي السعار والشذوذ

- ‌الضوابط الشرعية بين الثوري والمهدي

- ‌عصر دبلجة الواقع

- ‌المُفْتُون المَفْتُونُون

- ‌التوازن الفكري

- ‌متى يحسن الرد على المخالف

- ‌الخطاب الإصلاحي والإشكاليات المتجذرة

- ‌اقتلني ومالكًا

- ‌كسوف العقل

- ‌الموقف الشرعي الصحيح من وفاة أهل الضلال

- ‌توحيد (الإصلاحيين)

- ‌مقترح لصد الهجمة الليبرالية

- ‌حديث: ((رأيت ربي في صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط في روضة خضراء))

- ‌إصلاح "الإصلاحيين

- ‌توقير الفلاسفة وتعظيم الحرية .. في صحافتنا الموقرة

- ‌صيانة الدين والمجتمع من تعديات أهل الأهواء (1)

- ‌(حاصروا غزة وبلاد المسلمين، فحاصرهم الله ببركان أيسلندا)

- ‌العقيدة أولاً: مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي

- ‌وقفات مع مؤتمر (ماردين دار السلام)

- ‌ماذا يريد السلفيون من منتقديهم

- ‌فتنة القول بجواز الاختلاط (2/ 2)

- ‌الصحوة والمناطقية

- ‌ماهي منجزات الصحوة

- ‌الانتخابات أسقطت كل الأقنعة في العراق

- ‌(قلب الأدلة على الطوائف المخالفة) للقاضي

- ‌ساعة وفاء

- ‌الاحتجاج بالخلاف ديانة أم مخادعة لله

- ‌إيجابيات الخطاب السلفي

- ‌في إعمار دارفور .. نزرع ويحصد غيرنا

- ‌نقد الخطاب السلفي…وغياب القيم

- ‌مسألة: حدود عورة المرأة أمام المرأة

- ‌تعامل السوق السعودية بالتورق خطر قادم يوقعها في أزمة مالية كبيرة…عضو الشورى الأطرم محذرا: سندات القروض "ربوية" من بدئها لمنتهاها

- ‌الأزهر بين التطوير والتطويع

- ‌بيان مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

- ‌هدم الأقصى

- ‌بيان رابطة علماء المسلمين لنصرة إخواننا في فلسطين

- ‌ياهؤلاء: شكراً لكم

- ‌حتى لا نعرض مشاريعنا للتقبيل

- ‌القوَّة في الدِّين .. كيف نراها واقعاً في حياتنا

- ‌(ميمري) و (إيباك) .. الأذرعة المتكاملة

- ‌الباطنية: سلالة الفرس المجوس

- ‌إعادة قراءة الولاء والبراء

- ‌معايير تحديد أولويات المواجهة

- ‌حرس الحدود والمسلك الأبلق

- ‌التعلم المختلط في الصفوف الأولية نظرات علمية (1)

- ‌التعليم المختلط في الصفوف الأولية نظرات علمية (2)

- ‌التعليم المختلط في الصفوف الأولية نظرات علمية (3)

- ‌التعليم المختلط في الصفوف الأولية نظرات علمية (4)

- ‌التعليم المختلط في الصفوف الابتدائية نظرات علمية (5)

- ‌كيف بني تحريم الاختلاط

- ‌حديث الأسوة

- ‌لا تجعل قلبك كالإسفنجة

- ‌حينما يكون الإسلاميون سفراء لليبرالية

- ‌خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية

- ‌تكثير الأتباع بالوحي لا بالابتداع

- ‌احتجاجات المناوئين للخطاب الشرعي

- ‌الشذوذ في القول

- ‌الاختلاط بين "محكم" الوحي و"متشابهه

- ‌تتبع الرخص

- ‌مقدمة كتاب ((منهج الأشاعرة في العقيدة)) الطبعة الجديدة

- ‌قصة الحوثيين

- ‌من الذي اخترع لفظ (الاختلاط)

- ‌الصحفي .. المفتي

- ‌إتباع الصراط في الرد على دعاة الاختلاط

- ‌درس عملي في المحكم والمتشابه

- ‌توضيح المبهمَات في مسألة كون جدة ميقات

- ‌التحصينات الشرعية من أنفلونزا الخنازير وغيرها

- ‌ونحن أيضاً، سنصدعُ بالحقِّ

- ‌الترجيح في حكم النشيد

- ‌جواب سؤال عن كتاب: (ظاهرة الفكر التربوي)

- ‌الفرق بين بيت الله الكعبة وسائر الجامعات المختلطة

- ‌إنها لإحدى العبر

- ‌الاختلاط .. (هَمٌّ) و (وَهْمٌ)

- ‌مفهوم الاختلاط بين التأصيل والتضليل

- ‌الموالاة: معناها ومظاهرها

- ‌الحرم المكي ومضاعفة الأجر فيه

- ‌وسائل الأعداء في إفساد المرأة وأساليبهم

- ‌رائد الإبداع طيب الأثر إشارات وعبر من سيرة ومؤلفات الشيخ بكر

- ‌نوازل الصيام [1/ 2]

- ‌انتقاد "القول التمام

- ‌رسالة إلى أئمة المساجد بمناسبة شهر رمضان المبارك

- ‌مسألة السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخطباءُ وأفكارُ المنبر

- ‌النشيد الراحل والغناء الحاضر

- ‌حركة الإمام أحمد بالصورة

- ‌مسألة زواج السَّيِّد الشريف من غير الشريفة، والعكس

- ‌التقدم إلى الوراء

- ‌نسبيَّة الحقيقة في الفكر الليبرالي

- ‌الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين (1/ 4)

الفصل: ‌ ‌هدم الأقصى لطف الله بن ملا عبدالعظيم خوجه الصهاينة يمضون خطوات واثقة

‌هدم الأقصى

لطف الله بن ملا عبدالعظيم خوجه

الصهاينة يمضون خطوات واثقة نحو بناء الهيكل، مما يعني ضرورةً: هدم المسجد الأقصى؛ أولى القبلتين، وثالث المسجدين، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بارك الله حوله، حيث سيبنى مكانه ذلك الهيكل.

ومنذ مدة، هم ينخرون - كالسوس - تحت المسجد الأقصى؛ لتهوي أساساته مع أدنى زلزال، فيبدو وكأنه سقط من ذاته، وهم يفعلون ذلك بشكل مكشوف ومعلن، لا يخافون!!!.

ولم لا، وقد ضمنوا وأمنوا ألا معترض إلا أصوات خجولة، ضعيفة، متفرقة ..

وما يفعل الصوت - وحده - مع المدفع والدبابة والنووي؟!!.

الحقيقة كل المؤشرات تذهب إلى قرب هدم المسجد المعظم، ليس آخرها بناؤهم كنيس الخراب - خرب الله بيوتهم بأيديهم - بالقرب من الحائط للمسجد.

هذا البناء الذي ظهر فجأة، وهو يبنى من سنوات، لكن وسائل إعلامنا - إلا القليل - مشغولة عن تهويد القدس بأمور أهم؛ مشغولة بالرقص، والأغاني، والتمثيل، وبأخبار السوق وطرائق الترفيه ..

هي أمور أهم من تحرير الأوطان، ونفي الظلم والجور على العباد؟!!!!.

نعيش أزمة مستحكمة، لا يبدو حلها في الزمن القريب، هي بلايا تدع الحليم حيران؟!.

نرى مقدسات معظمات - عظمها الله تعالى - في خطر، لا نملك حيالها أي فعل يمكن أن يقال عنه: مفيد، مانع، رادع.

فنرجع إلى الحوقلة، والحسبلة، والتهليل، والتكبير .. وأنعم بذكر الله تعالى.

الأيام دول، وهذه دولة الصهاينة هي المتربعة على العرش، ودولة الإسلام متأخرة، هي من تأخر، ولا مكان للضعفاء والمتأخرين.

نعم هناك مقاومة، وإن شئنا مصطلحا أكثر نعومة، فهي ممانعة، من فئة مغلوب على أمرها، تحارب بكل ما تملك، وأول من يقاومها ليس الصهاينة، بل إخوتها وبنو جلدتها، وهي مقاوَمة مباركة في كل حال، حالت دون تقدم المشاريع الاستعمارية، أو عَرْقَلَتْها وأَخَّرَتْها.

نعم هناك فئات، تفعل وتقدما ما بطاقتها، والله يرعاها ويثبتها، ولولا ذلك، لكانت جميع بلاد المسلمين تحت تحكم بني صهيون المباشر .. لكن مع كل ذلك، فالألم والخسارة في تزايد كل يوم.

الله ربنا جل شأنه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7) سورة محمد.

ونحن لم ننتصر إلى اليوم منذ قرن وزيادة، فمن المقطوع به إذن: أننا لم ننصر الله تعالى، فنستحق النصر. وفقا لقاعدة:{إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} .

في أنفسنا لم ننصر الله تعالى، ولا في مجتمعاتنا، ولا في دولنا .. ولا يصح أن نسمي محاولات خجولة، مترددة، خائفة: نصرة.

إن ربنا جل في علاه يريد أكثر من ذلك، يريد أموالا تنفق، وأنفسا تزهق في سبيل الإسلام:

{إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111) سورة التوبة.

فضلا عن ذلك: يريد من عباده: الزهد في الدنيا. وليس المعنى ألا تملك منها شيئا، لكن المعنى: أن تكون في يدك لا في قلبك. فلو دعاك الحق: أن تبذل منه كثيرا وفيرا، ما ترددت .. حبا للمال.

وهذا عامل رئيس من عوامل النصر، لكن قوما أحبوا المال، حتى يصيروا عبيدا للدرهم والدينار، حقيقون بالتعاسة والانتكاسة: (تعس عبد الدرهم

تعكس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش).

بهذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم على من تعبد للمال، حتى شح به وبخل، قال تعالى:

ص: 209

{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (38) سورة محمد

ومن عوامل النصر الرئيسة: الصدق مع الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة.

وليس بصادق من طلب الحيل والمخارج، يتبع هواه؛ إذا لم يألف حكم الشريعة، أو لم يجده يحقق شهوته ولذاته: تيمم نحو المقاصد يلتمس مخرجا، أو نحو المسهلين يتسهل بفتواهم، أو بحث عن متشابه ينقض به المحكم.

كلا، ليس ذاك بصادق، إنما الصادق الذي يأخذ الكتاب بقوة:{خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

هو الذي يدع هواه وشهوته من أجل الله تعالى، ويستغفر الله من ألاعيب المحتالين، وتخريج الشياطين، فإن الله تعالى لا يخدعه أحد، هو خادع كل مخادع:{يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (142) سورة النساء.

من أهم عوامل النصر: الالتفاف حول الكتاب والسنة، والعمل بهما كعمل الصحابة والتابعين وتابع التابعين. ونبذ كل خلاف بعد ذلك، نبذ وترك كل مذهب أو فرقة لا تعمل بهذا الأصل الكبير.

مع خلط ذلك بإحسان الظن، والصبر على من خالف، وتعريفه المنهج النبوي بالحسنى والمجادلة الحسنة، وترك تصنيف الناس، والحكم عليهم بالضلالة بمجرد خطأ أو زلة، أو حتى ركوب بدعة.

أن تتسع القلوب للخير، والاختلاف، فما كان منه سائغا مقبولا، فلا وجه للإنكار فيه، وما كان ضلالة، فإنكار برفق، وصبر، وحلم، وتعليم ..

فعامة المسلمين محبون للدين والخير، وإنما يدخلهم الخطأ في الدين، من جهة التكوين والتنشئة، والبيئة والمصر .. وهي أمور لا يملكها الإنسان، فمن نشأ في بيئة صوفية سيكون كذلك، ومن نشأ في مجتمع متشيع، في نشئته وتكوينه، لن يكون إلا شيعيا.

فمن أراد بيان حق لأحد، وإيقافا على خطأ، ليس له من سبيل، إلا الرفق والبلاغ المبين، وعدم التسرع بالطرح والاستعداء، بداعي مخالفة الحق، والخروج عن السبيل.

واتفاق الأمة أهم سبب لحصول النصر على الصهاينة، وتخريب خرابهم وهيكلهم، والعكس بالعكس، قال تعالى:{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} .

لن نوقف الزحف الخرابي الهيكلي بمجرد المقاومة السياسية، كما يصفون. ولا بالعمل الحربي وحده. بل قبل ذلك لا بد أن نكون: عباد الله إخوانا. وعباد الله صدقا، واتباعا، وعباد الله زهدا، وإنفاقا.

ومن وعد الله تعالى - ووعيده أيضا - أنه قال: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (11) سورة الرعد.

يعني لا يغير ما بهم من ذل إلى عز، إلا إذا غيروا ما بأنفسهم من ذل المعصية، إلى عز الطاعة.

كذلك لا يغير ما بهم من عز إلى ذل، إلا غيروا من الطاعة إلى الآثام.

ونحن نحيا، لكن ليس بالعز نحيا، وبالقطع أننا لسنا على ما يريد الله تعالى، وإلا لغير ما بنا.

من الأساليب التي اعتدنا أن نواجه بها الأزمات التي تصيبنا: أن نفر إلى التاريخ والتراث، نطلب سلوة، أو مخرجا. وتاريخنا مليء بكل ما يسلي ويكشف الهم والغم، وفيه أيضا المخارج. لكن:

هل يستحسن: أن ننظر خلفنا كلما ألمت بنا فاجعة، كالطفل يعود إلى ورائه يلتمس سندا من أبويه؟.

ص: 210

ألم تشب الأمة، لتقف على قدميها، وتنظر أمامها، فتطلب حلولها مما تستقبل، لا مما تستدبر، فتعمل على إعداد القوة العسكرية، والصناعية، والتقنية، والمالية، لتقارع قوة الغرب، الداعم والمنشيء لهذه الدولة الصهيونية المقيتة؟.

هو سؤال واستنكار في محله، على من اكتفى بالنظر إلى الوراء، ومنع من النظر إلى الأمام، ليس شرط النصر: أن نستعيد أدواته من التراث القديم فحسب.

بل نأخذ من القديم ما ننطلق به، ونعتمد عليه في التأسيس؛ لأن القديم فيه ذكرنا:

{لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون} .

وفيه هدايتنا: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .. } .

وفيه الشفاء: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء .. } .

قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله، وسنتي).

نحن نرجع، لنقف على خطئنا، ونتعرف على الصواب .. نرجع لنستمد اليقين والإيمان، ثم ننطلق مستصحبين هذا الميراث؛ ليهدينا من ضلالة، ويخرجنا من غواية، ولا نمنع من النظر إلى الأمام؛ بمعنى تحصيل كافة وسائل القوة الحديثة، من سياسية، ومال، وسلاح، وصناعة، وثقافة .. إلخ.

إنما الممنوع تحصيلها بعيدا عن ضابط يضبط - والضابط موجود في التراث - وإلا استوينا نحن وأمة الكفر في الأخذ بها، بكل تفاصيلها، حلها وحرامها، فكيف نستوي نحن وهم، وقد فرق الله بيننا؟.

ومما نرجع إليه من التراث؛ نبتغي الاستدلال على الطريق؛ طريق الفتح: قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتحه بيت المقدس.

فقد قدم رضي الله عنه الشام لتسلم مفاتيح بيت المقدس، على جمل أورق، يلبس قميصا قد رَسِمَ وتَخَرّق .. عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع موقيه، فأمسكهما بيده، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال أبو عبيدة:"قد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض"، فصك في صدره وقال:"أولو غيرك يقولها يا أبا عبيدة؟!، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله". ابن كثير

بهذه الروح العزيزة القوية فتح بيت المقدس.

وفي رواية أخرى تاريخية: أقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام فاستقبله الأمراء في الجابية، إلا أبا عبيدة، فقال: أين أخي أبو عبيدة؟، قالوا: يأتيك الآن، فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه، ثم قال للناس: انصرفوا عنا، فسار حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: لو اتخذت متاعا. أو قال: شيئا. فقال: يا أمير المؤمنين! إن هذا سيبلغنا المقيل. سير أعلام النبلاء 1/ 17

قائد جيوش الإسلام، ليس في بيته شيء، إلا عدة الحرب، وخليفة المسلمين يأتي إلى الشام على جمل يتناوبه هو وغلامه، ولباسه رَسِمٌ مُخَرّقٌ، بمثل هذا الزهد الصادق انتصروا على: فارس، والروم.

ومما روي: أن عمر أتي ببرذون فركبه، فلما سار جعل يتخلّج به، فنزل عنه وضربه في وجهه، وقال:" لا علم الله من علمك، هذا من الخيلاء"، ولم يركب برذونا قبله ولا بعده. ابن جرير 2/ 250

هذا عامل آخر من عوامل النصر، قال تعالى:{وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (47) سورة الأنفال، فالخيلاء والكفر صفة الكفار، أما المؤمنون فسيماهم التواضع والسكون وخفض الجناح.

دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسجد الأقصى فصلى بالمسلمين صلاة الفجر، فقرأ في الأولى بسورة ص~ وسجدة فيها بسجدة داود عليه السلام، وفي الثانية بسورة الإسراء، ثم أتى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار، وكان الروم قد جعلوها مزبلة؛ لأنها قبلة اليهود، مكافأة لما عاملت به اليهود القمامة، وهي المكان الذي صلبوا فيه المصلوب، فشرع عمر في تطهير الصخرة من الأوساخ والمسلمون معه. ابن كثير 7/ 55/56

قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (55) سورة النور.

المصدر: صيد الفوائد

ص: 211