الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحذير من المعاملات الربوية
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى من يراه من إخواننا المسلمين، وفّقني الله وإياهم لكل خير. آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فقد كثُرت الدعايات للمساهمة في البنوك الربوية في الصحف المحليّة والأجنبيّة، وإغراء الناس بإيداع أموالهم فيها، مقابل فوائد ربويّة صريحة معلَنة، كل بحسب الفترة الزمنيّة التي يبقى فيها ماله مودَعا في ذلك البنك.
ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن الفوائد التي يأخذها أرباب الأموال مقابل مساهمتهم، أو إيداعهم في تلك البنوك؛ حرامٌ سُحْت، وهي عين الربا الذي حرّمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كبائر الذنوب، ومما يمحق البركة، ويُفسد المال على صاحبه إذا خالطه، ويسبِّب عدم قَبول عمله.
وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى طيِّب لا يقبل إلا طيِّبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} 1 وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} 2 "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطمعه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فأنّى يُستجاب له". رواه مسلم.
وليعلم كل مسلم أنه مسئول أمام ربّه عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟. ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن شبابه فيم أبلاه؟، وعن عمره فيم أفناه؟، وعن ماله من أين جمعه وفيم أنفقه؟، وعن علمه ماذا عمل به؟ "3.
واعلم: أيها المسلم وفّقك الله: أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب التي جاء تحريمها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بجميع أشكاله وأنواعه ومسمّياته. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 4 وقال: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي
1 سورة المؤمنون، الآية:51.
2 سورة البقرة، الآية:172.
3 رواه البزّار والطبراني بإسناد صحيح.
4 سورة آل عمران، الآية:130.
أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} 1 وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} 2 وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} 3 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبِقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزَّحْف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"4.
ومعنى "الموبقات": المُهْلكات. وقد عدّ الربا منهنّ.
وقال صلى الله عليه وسلم: " الربا ثلاثة وسبعون بابا، أيسرها مثل أن
1 سورة الروم، الآية:29.
2 سورة البقرة، الآية: 275 276.
3 سورة البقرة، الآية: 278 279.
4 رواه البخاري ومسلم.
ينكح الرجل أمه" 1 وصحّ: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكِل الرّبا وموكِله وكاتبه وشاهديْه، وقال: "هم سواء" 2، وقال صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مِثْلاً بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخِذ والمعطي فيه سواء" رواه مسلم.
فهذه بعض الأدلة من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، تبيِّن تحريم الربا، وخطره على الفرد والأمة، وأن من تعامَل به وتعاطاه فقد أصبح محاربا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فنصيحتي لكل مسلم: أن يكتفي بما أباح الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يكفّ عمّا حرّمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ففيما أباح الله كفاية وغنى عمّا حرّم، وألاّ يغترّ بكثرة بنوك الربا، وانتشار معاملاتها في كلِّ مكان، فإنّ كثيرًا من الناس لا يهتم بأحكام الإسلام، وإنما يهتمّ بما يدرّ عليه المال من أيّ طريق كان، وما ذلك إلا لضعف الإيمان، وقلّة الخوف من الله عز وجل، وغلبة حب الدنيا على القلوب. نسأل الله السلامة.
وهذا الواقع المؤلِم من الكثير من المسلمين يوجِب على المؤسّسات الخاصّة والجهات الرسمية وخواصّ التجّار بأن يتعاونوا جميعا على تعزيز
1 رواه الحاكم وقال: (صحيح على شرط البخاري ومسلم.
2 رواه مسلم وغيره.
المصارف الإسلاميّة، التي بدأت تظهر في بلاد المسلمين، وثبت نجاحها ولله الحمد، وأن يعمل الجميع على تحويل البنوك القائمة اليوم إلى بنوك إسلاميّة، تكون معاملاتها متمشِّية مع الشريعة الإسلاميّة، وخالية من الربا بجميع أنواع أشكاله وصوره.
كما إني أوجِّه نصيحتي إلى المسئولين في الصحف المحليّة خاصّة وفي صحف البلاد الإسلاميّة عامّة: أن يطهِّروا صحافتهم من نشر كلِّ ما يخالف شرع الله في أيِّ مجال من مجالات الحياة، كما آمُل من الجهات المسئولة التأكيد على رؤساء الصحف بأن لا ينشروا شيئا فيه مخالفة لدين الله وشرعه.
والله المسئول أن يوفِّق المسلمين عامّة ووُلاة أمورهم خاصّة للتمسّك بشرعه وتحكيم شريعته، وأن يأخذ بنواصيهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأن يجنِّبنا جميعا طريق المغضوب عليهم والضالين، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء
والدعوة والإرشاد