المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نصيحة في النهي غن الربا للشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ - من أحكام الفقه الإسلامي وما جاء في المعاملات الربوية وأحكام المداينة

[عبد الله آل جار الله]

الفصل: ‌نصيحة في النهي غن الربا للشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

‌نصيحة في النهي غن الربا للشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

نصيحة في النهي عن الربا للشيخ: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله

من محمد بن إبراهيم، إلى من يبلغه كتابي هذا من إخواننا المسلمين، وفّقنا الله وإيّاهم لقَبول النصائح، وجنّبنا وإيّاهم أسباب الندم والفضائح. آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد:

فالباعث لهذا الكتاب هو نصيحتكم والشفقة عليكم، وتحذيركم مما وقع فيه الكثير من الناس، وهو تعاطي المعاملات الربويّة والتعامل بها، وقد حرّم الله تبارك وتعالى على عباده ذلك، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من السبع الموبِقات، قال الله تعالى في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ

ص: 37

وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} 1، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما في معنى الآية:"آكل الربا يبعث يوم القيامة يخنق"، رواه ابن أبي حاتم، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى قوله: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} 2 وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 3 إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على التحريم والوعيد الشديد على مَنْ فعله.

وقد جاءت السنة الصحيحة بالزَّجْر عنه والتحذير، وإيضاح ما أجمل منه بالبيان والتفسير: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول

1 سورة البقرة، الآيتان: 275 276.

2 سورة البقرة، الآيتان: 278 281.

3 سورة آل عمران، الآيتان: 130 132.

ص: 38

الله: وما هُنّ؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

وعن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله آكِل الربا وموكِله وكاتبه وشاهديْه، وقال:"هم سواء" رواه مسلم.

وعن سمُرة بن جُندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدّسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فردّه حيث كان، فجعل كما أراد أن يخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا" رواه البخاري في "صحيحه".

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشتري التمر حتى يطعم " وقال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.

وفي حديث الإسراء أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 39

مرّ ليلة أُسريَ به، وإذا بقوم لهم أجواف مثل البيوت فسأل عنهم فقيل: هؤلاء أكلة الربا. رواه البيهقي.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإنّ أربى الربا عرض الرجل المسلم" رواه الحاكم وقال على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه.

وروى أيضا عن أبي هريرة قال: "ليأتينّ على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ من المال بحلال أو حرام" رواه البخاري ولفظه: "لا يبالي المرء بما أخذ منه أمن الحلال أمن من الحرام".

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مِثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورِق بالورِق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز" رواه مالك والبخاري.

وله: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، سواء بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أرْبى، الآخِذ والمعطي فيه سواء".

وقال محمد بن نصر المروزي: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا روْح بن عبادة قال: حدثنا حبّان بن

ص: 40

عبد الله العدوي وكان ثقة قال: سألت أبي مجلز عن الصرف فقال: كان ابن عبّاس لا يرى به بأسا زمانا ما كان منه يدًا، فلقيه أبو سعيد الخدري فقال له: إلى متى!، ألا تتّقي الله حتى تؤكِّل الناس الربا، أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو عند زوجته أم سلمة:"إني لأشتهي تمرة عجوة" فبعث بصاعين فأُتي بصاع عجوة فقال: "من أين لكم هذا؟ " فأخبروه، فقال:"ردُّوه؛ التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، يدًا بيد، عينا بعين، مِثْلاً بمثل، من زاد فهو رباً" ثم قال: "وكذلك ما يُكال أو يوزن أيضا" فقال ابن عبّاس: جزاك الله خيرًا يا أبا سعيد، ذكّرتني أمرًا كنت نسيته، فأستغفرُ الله وأتوب إليه، قال: فكان ينهى عنه بعد.

فتضمّنت هذه النصوص تحريم الربا بجميع أنواعه، وأنه من الكبائر، وأن متعاطيه محارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فمن أنواعه: بيع الجنس من هذه الأجناس الستّة المتقدِّمة في الأحاديث ونحوها بجنسه نسيئة، أو غير معلوم المساوات للآخر، فإن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضُل، ويدخل في ذلك بيع الدارهم الفضيّة بجنسها متفاضلاً أو غائبا مطلقا، وبيع الأوراق السعودية بعضها ببعض، أو الريالات الفضّية متفاضلاً أو غائبا مطلقا. وذلك

ص: 41

أنّ النبي صلى الله عليه وسلم فرّق بين الحلال والحرام بقوله: "مِثْلاً بمثل، يدًا بيد، سواءً بسواءٍ عينا بعين" وأكّد ذلك بقوله: "فمن زاد واستزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء".

ومن أنواعه المحرّمة بإجماع المسلمين: ما يفعله بعض الناس والعياذ بالله، وذلك أنه إذا كان له على آخر دَيْنٍ وحلّ الأجل قال للذي عليه الحق: إما أن تقضي وإلا يبقى عندك بزيادة كذا وكذا. فهذا هو ربا الجاهلية. وذلك أن الرجل يكون له على الرجل المال المؤجّل فإذا حلّ الأجل قال له: "إما أن تقضي وإما تربي"، فإن وفّاه وإلا زاد هذا في الأجل، وزاد هذا في المال.

ومن ذلك: أن يعطي الرجل آخر ألفا على أن يأخذ منه بعد سنة ألفا ومائة. أو على أن يأخذ منه كل سنة مائة والألف في ذمّته بحاله كما يفعله كثير من الناس والعياذ بالله، وذلك لِمَا تقدّم من النصوص، ولِمَا روي عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين، ولا الدينار بالدينارين، إني أخاف عليكم الرما" رواه الإمام أحمد، والرما هو: الربا.

ومنها: بيع العينة الوارد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم"

ص: 42

رواه أحمد وأبو داود. وهي: أن يبيع سلعة بنسيئة أو بقيمة لم تُقْبض، ثم يشتريها بثمن أقلّ ممّا باعها، فإن فعل بطل البيع الثاني ولو كان بعد حلول أجله، قال الشيخ تقي الدين:"إن قصد بالعقد الأول الثاني بطل الأول والثاني جميعا".

ومن ذلك: ما يقع في البنوك. مثل: أن يقترض الرجل من البنك مائة على أن يدفع له مع المائة زيادة ستّة ريالات أو أقل أو أكثر. ومثل: أن يأخذ صاحب البنك من الرجل الدراهم ويعطيه ربحا عن بقائها في ذمّته خمسة ريالات أو أقل أو أكثر. وهذا من أظهر أنواع الربا، وعين المحادّة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فالواجب على وُلاة الأمور والعلماء وأهل الحسبة وفّقهم الله: بيان غلظ تحريم ذلك وإنكاره، وحسم موادّه واجتثاثها من أصولها، وعقوبة كل من ثبت عنه شيء من ذلك، وتغليظ العقوبة في حق من يتكرّر منه ذلك.

كما أنّ على المرابي أن يتوب إلى الله تعالى وله رأس ماله فقط ولا يظلم، كما قال تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} .

اللهم زيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالِّين ولا مضلِّين، سِلما لأوليائك حربا لأعدائك، نحب بحبك من أحبك ونعادي بعدواتك من خالف أمرك.

وصلى الله على نبيّنا محمد وآله وصحبه وسلم.

ص: 43