المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نصائح بين يدي الحج: - مناسك الحج والعمرة

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌نصائح بين يدي الحج:

‌نصائح بين يدي الحج:

وهذه نصائح وفوائد أقدمها إلى إخواننا الحجاج بين يدي الحج:

أولا: على الحاج أن يتقي ربه ويحرص طاقته أن لا يقع فيما حرم الله عليه لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} وقوله صلى الله عليه وسلم:

"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، فإنه إن فعل ذلك كان حجه مبرورا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"1. فلا بد من التحذير مما ابتلي به بعضهم لجهلهم أو ضلالهم:

أ- الإشراك بالله تعالى فقد رأينا كثيرا منهم يقعون في الشرك كالاستغاثة بغير الله والاستعانة بالأموات من الأنبياء أو الصالحين ودعائهم من دون الله والحلف بهم تعظيما لهم فيبطلون بذلك حجهم، قال تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} .

ب- تزين بعضهم بحلق اللحية فإنه فسق فيه مخالفات أربع مذكورة في "الأصل".

ج- تختم الرجال بالذهب فإنه حرام لا سيما ما كان منه من النوع الذي يسمى اليوم بـ"خاتم الخطبة"، فإن فيه أيضا تشبها بالنصارى.

ثانيا: على كل من أراد الحج ممن لم يسق الهدي2، أن ينوي

1 أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مخرج في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم "1200" والإرواء "769".

2 كما هو شأن عامة الحجاج اليوم فإنه من النادر أن يسوق أحدهم هديه من الحل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فمن فعله فلا إنكار عليه أما من لم يسق الهدي وقرن أو أفرد فقد خالف فعله صلى الله عليه وسلم وأمره وإن رغم الناس كما قال ابن عباس. رواه مسلم "4 / 58" وأحمد "1 / 278 و342".

ص: 7

حج التمتع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه به آخر الأمر ولغضبه على أصحابه الذين لم يبادروا إلى امتثال أمره بفسخ الحج إلى العمرة ولقوله:

"دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة". ولما قال له بعض الصحابة: أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في أخرى وقال:

"دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لا بل لأبد أبد لا بل لأبد أبد"1. من أجل ذلك أمر صلى الله عليه وسلم السيدة فاطمة وأزواجه رضي الله عنهن جميعا بالتحلل بعد عمرة الحج ولذلك كان ابن عباس يقول:

"من طاف بالبيت فقد حل، سنة نبيكم وإن رغمتم" 2 فعلى كل من لم يسق الهدي أن يلبي بالعمرة في أشهر الحج الثلاثة فمن لبى بالحج مفردا أوقارنا ثم بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفسخ فينبغي أن يبادر إليه ولو بعد قدوم مكة وطوافه بين الصفا والمروة فيتحلل ثم يلبي بالحج يوم التروية يوم الثامن. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} 3.

ثالثا: إياك أن تدع البيات في منى ليلة عرفة، فإنه واجب فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به في قوله:

"خذوا عني مناسككم

".

1 أنظر صحيح أبي داود "1568 و1571".

2 وسنده في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أدخل في حجكم هذا عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي "صحيح أبي داود 1573 و1580".

3 ولا ينافي ذلك ما روي عن عمر وغيره مما يدل على أن الحج المفرد أفضل كما ذكرته في الأصل. ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية يتأول ذلك بأنه أراد إفراد العمرة في سفرة والحج في سفرة فراجعه في المجلد 26 من مجموع الفتاوى فإنه مهم.

ص: 8

وعليك البيات أيضا في المزدلفة حتى تصلي الصبح فإن فاتك البيات فلا يفوتك أداء الصلاة فيها فإنه واجب منه بل هو ركن من أركان الحج على القول الأرجح عند المحققين من العلماء إلا للنساء والضعفة. فإنه يجوز لهم الانصراف بعد نصف الليل كما سيأتي.

رابعا: واحذر ما استطعت أن تمر بين يدي أحد من المصلين في المسجد الحرام فضلا عن غيره من المساجد وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم:

"لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه".

فهذا نص عام يشمل كل مار ومصل ولم يصح حديث استثناء المار في المسجد الحرام وعليك أن تصلي فيه كغيره إلى سترة لعموم الأحاديث الواردة في ذلك وفيه آثار خاصة عن بعض الصحابة مذكورة في "الأصل".

خامسا: على أهل العلم والفضل أن يعلموا الحجاج حيثما التقوا بهم مناسك الحج وأحكامه وفق الكتاب والسنة وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى التوحيد الذي هو أصل الإسلام ومن أجله بعث الرسل وأنزلت الكتب فإن أكثر من لقيناهم حتى بعض من ينتمي إلى العلم وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة توحيد الله وصفاته كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة رجوع المسلمين على اختلاف مذاهبهم وكثرة أحزابهم إلى توحيد كلمتهم وجمع صفوفهم على أساس الكتاب والسنة في العقائد والأحكام والمعاملات والأخلاق والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من شؤون الحياة وأن يتذكروا أن أي صوت يرتفع وأي إصلاح يقوم على غير هذا الأصل القويم والصراط المستقيم فسوف لا يجني المسلمون منه إلا تفرقة وضعفا وخزيا وذلا والواقع أكبر شاهد على ذلك. والله المستعان.

ص: 9

ولا بأس من المجادلة بالتي هي أحسن حين الحاجة فإن الجدال المحظور في الحج إنما هو الجدال بالباطل المنهي عنه في غير الحج أيضا كالفسق المنهي عنه في الحج أيضا فهو غير الجدال المأمور به في مثل قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . ومع ذلك فإنه ينبغي على الداعية أن يلاحظ أنه إذا تبين له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالف لتعصبه لمذهبه أو رأيه وأنه إذا صابره في الجدال فلربما ترتب عليه ما لا يجوز أنه من الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه لقوله صلى الله عليه وسلم:

"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا

" الحديث1.

1 وهو حديث حسن وهو بتمامه في صحيح الجامع الصغير في الجزء الثاني رقم "1477" طبع المكتب الإسلامي.

ص: 10

لا حرج لا حرج

ومما ينبغي على الداعية أن يلتزمه التيسير على الناس عامة وعلى الحجاج خاصة لأن التيسير أصل من أصول الشريعة السمحة كما هو معلوم ما دام أنه لا نص على خلافه فإذا جاء النص لم يجز التيسير بالرأي. وهذا هو الموقف الوسط العدل الذي يجب على كل داعية أن يلتزمه ولا عبرة بعد ذلك بأقوال الناس واعتراضاتهم وقولهم: شدد أو سهل؟.

وثمة أمور جائزة اعتاد بعض الحجاج أن يتحرجوا منها لفتاوى صدرت من بعضهم منافية للأصل المشار إليه آنفا رأيت التنبيه عليها:

ص: 10

1-

الاغتسال لغير احتلام ولو بدلك الرأس لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي أيوب رضي الله عنه1.

2-

حك الرأس ولو سقط منه بعض الشعر لحديث أبي أيوب الذي أشرت إليه آنفا، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

3-

الاحتجام ولو بحلق الشعر مكان الحجم لاحتجامه صلى الله عليه وسلم وسط رأسه وهو محرم ولا يمكن ذلك إلا مع حلق الشعر وهو قول ابن تيمية أيضا وبه قالت الحنابلة لكنهم أوجبوا عليه الفدية ولا دليل لهم بل هو مردود باحتجامه صلى الله عليه وسلم، فإنه لو فدى لنقله عنه الراوي فاقتصاره على ذكر احتجامه دون الفدية دليل على أنه لم تقع منه فدية فالصواب قول ابن تيمية رحمه الله تعالى.

4-

شم الريحان وطرح الظفر إذا انكسر وفي ذلك آثار مذكورة في "الأصل".

5-

الاستظلال بالخيمة أو بثوب مرفوع لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم. ونحوه الاستظلال بالمحمل قديما وبالمظلة "الشمسية"، والسيارة ولومن داخلها حديثا وإيجاب الفدية على ذلك تشدد لا دليل عليه بل النظر السليم لا يفرق بين الاستظلال بالخيمة الثابت في السنة والاستظلال بالمحمل وما في معناه وهو رواية عن الإمام أحمد كما في منار السبيل "1/ 246". فما تفعله بعض الطوائف من إزالة سقف السيارة تنطع في الدين لم يأذن به رب العالمين.

6-

شد المنطقة والحزام على الإزار، وعقده عند الحاجة والتختم كما جاء في بعض الآثار. ومثله وضع ساعة اليد والنظارة ومحفظة النقود على العنق.

كل هذه الأمور داخلة تحت الأصل المذكور مع تأيد بعضها بأحاديث مرفوعة وآثار موقوفة والله عز وجل يقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} . والحمد لله رب العالمين.

1 وهو في الأصل بتمامه "ص 28" وقد خرجته في "إرواء الغليل" برقم "1019" وصحيح أبي داود "1613".

ص: 11