الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج الأصوات-الفوناتيك:
الصوت:
يجب أن نبدأ هنا بتحديد اصطلاحات ثلاثة، نود أن نستعين باستخدامها استخداما خاصا على الشرح، ومن المهم إلى أقصى حد أن نفرق بين مفهوماتها.
تلك هي:
1-
الجرس، ونقصد به ما يقصد بالكلمة الإنجليزية Noise.
2-
الحس ونقصد به معنى الكلمة الإنجليزية Voice، وقد استعرنا كلمة حس من الكلام العامي في نحو "فلان حسه جميل".
3-
الصوت والمراد به معنى الاصطلاح الإنجليزي Sound.
فالجرس أي أثر سمعي غير ذي ذبذبة مستمرة، مطردة كالنقرة على الخشب أو الطبلة، وكالاصطدام وضجيج حركة المرور، وما يسمع نتيجة سقوط جسم على آخر، وحك جسم بجسم وهلم جرًّا.
والحس ما نطقه جهاز صوتي حي، وبخاصة الجهاز النطقي الإنساني؛ فمعناه إذا ضيق محدود لا يشتمل في دلالته على معنى الصوت اللغوي؛ لأن الحركات العضوية، التي تدخل في مفهوم الصوت اللغوي، لا تدخل في دلالة هذا الاصطلاح.
وأما الصوت بالمعنى العام "الذي يشمل اللغوي، وغير اللغوي"، فهو الأثر السمعي الذي به ذبذبة مستمرة مطردة، حتى ولو لم يكن مصدره جهازا صوتيا حيا.
فما نسمعه من الآلات الموسيقية النفخية، أو الوترية أصوات وكذلك الحس الإنساني صوت، ويتوقف فهم الصوت بهذا المعنى العام على اصطلاحات ثلاثة، يجب التفريق بينها أيضا، هذه الاصطلاحات هي:
1-
درجة الصوت pitch
2-
علو الصوت Loudness
3-
قيمة الصوت Quality or timbre
فدرجة الصوت سمكه، أو دفنه "ودعنا نختر هاتين الصفتين من صفات الأحجام، فنستعملها استعمالا مجازيا"، ويتوقف السمك والدقة على عدد الذبذبات في وقت معين يحدد عادة بالثانية، فإذا كثر عدد الذبذبات في الثانية كان الصوت دقيقا، وإذا قل كان الصوت سميكا، وإذا توقفت الدرجة على عدد الذبذبات، فإن عدد الذبذبات بدوره يتوقف على:
1-
سمك مصدر الذبذبة، كالوتر مثلا، فالوتر السميك ينتج صورة سميكا وبالعكس.
ب- طول هذا المصدر، فالوتر الطويل ينتج صوتا سميكا وبالعكس.
ج- قوة التوتر فالوتر المشدود ينتج صوتا أدق من ذلك، الذي ينتجه الوتر المسترخي.
د- شكل المصدر، وهو ما يتوقف عليه ما إذا كان الصوت طبيعيا، أو مصطنعا falsetto.
والأوتار الصوتية في الرجل أسمك، وأطول من الأوتار الصوتية في المرأة، ولهذا صار صوت الرجل أسمك من صوت المرأة بصفة عامة، وكلاهما أسمك من صوت الطفل.
ويتوقف علو الصوت على المدى، الذي يصل إليه مصدر الذبذبة في التراوح بين نقطتي غاية ابتعاده من نقطة الصفر، ومعنى ذلك أنه إذا كان الوتر الصوتي الإنساني في حالة صمت سواء كان مقفلا، أو مفتوحا، فهو في النقطة الذبذبية صفر؛ أي أنه غير منتقل، فإذا بدأ في الذبذبة، تحرك إلى أعلى، وأسفل بمدى يتساوى فيه ما بين نقطة الصفر، وغاية الصعود بما بين نقطة الصفر، وغاية الهبوط. فإذا اتسع ذلك المدى كان الصوت عاليا، وإذا ضاق كان الصوت منخفضا. وهذا المدى بذوره يتوقف اتساعه، وضيقه على كمية الهواء الخارج من الرئتين المار بين الأوتار الصوتية، فإذا زادت كمية الهواء اتسع المدى وبالعكس، أما في البيانو مثلا، فيتوقف على قوة الضرب على المفتاح، وفي العود والكمان على قوة ضرب الوتر، أو الضغط عليه.
وبالاختصار يتوقف العلو على الإثارة في جميع ذلك.
وأما قيمة الصوت، فهي أثره السار أو المنفر في الأذن، ومن المعروف أن أي صوت يمكن تحليله إلى نغمة أساسية، ونغمات أخرى فرعية وأن النغمات الأساسية، "أو نغمة درجة الصوت كما يسمونها"، هي أعلى هذه النغمات، وأن النغمات الفرعية نتيجة ذبذبات، تكون مضاعفات حسابية مع عدد الذبذبة في النغمة الأساسية.
ولإيضاح ذلك نقول: إننا إذا اخترنا مثلا وترا من أوتار العود، أو الكمان فسنجد أنه حين يضرب يتذبذب ككل من أجل النغمة الأساسية، ثم تتذبذب أجزاؤه مرتعشة في نفس الوقت، من أجل النغمات الفرعية، فإذا تذبذب الوتر ككل 200 مرة في الثانية مثلا، فسنجد أن من أجزائه ما يتذبذب 400 مرة ومنها ما يتذبذب 600، 800، 1000، 1200 وهكذا. وإذا أخذنا عمودا من الهواء في آلات النفخ، فإننا نجده ينقسم إلى هذه الأجزاء، التي بينها علاقة حسابية أيضا، فيكون منه ما هو نغمة أصلية، ومنه ما هو نغمات فرعية.
وتسمع النغمات الفرعية في نفس الوقت مع النغمة الأساسية، مكونة معها كلا هو الصوت، ولكن هذه النغمات الفرعية لا تسمع بمفردها، وتتوقف قيمة الصوت على هذا النسق الرنيني الخاص من النغمات الفرعية، فكما أن العود في تصمصم بنائه، قد صنع ليختلف في القيمة الصوتية عن الكمان، أي أنك تستطيع أن تقرر بالسماع، دون أن ترى الآلة ما إذا كان المعزوف عودًا أو غيره، كذلك تستطيع أن تقرر بالسماع، ما إذا كان صوت العلة المنطوق هو هذا الصوت أو ذاك، وتنسبه إلى الفتحة أو الكسرة أو الضمة، فاختلاف شكل العود عن شكل الكمان، كاختلاف شكل الفم في نطق أحد الأصوات عنه في نطق الآخر، يغير شكل الموجة الصوتية، بإيضاح النغمات الفرعية الخاصة بهذا الوضع، وإعطائها أهمية في السمع، وإن اتحد طول الموجة في الحالتين، واختلاف شكل الموجة هو اختلاف القيمة، وذلك ما تميزه الأذن بسهولة.
وهذه القيمة الصوتية، تجعلك تميز صوت صديقك في التليفون من أصوات الآخرين، ولو يشبهونه في الدرجة والعلو، وتتوقف النغمات الفرعية على نسيج الأوتار.
الصوتية نفسها، بقى بعد ذلك أن نرى كيف يحدث الصوت الإنساني، أو ما اصطلحنا على تسميته "الحس".
إن الهواء الخارج من الرئتين، إما أن يجد الأوتار الصوتية مفتوحة فتحا تاما، بحيث لا تعترض طريقة، فيمر منها دون أن يحدث بها ذبذبة، أو احتكاكا، وإما أن يجدها متقاربة قربا يمكن الهواء من أن يحتك بها، دون أن يحدث بها ذبذبة، وإما أن يجدها قريبة جدا، بحيث لا يمر بها دون أن يحدث بها ذبذبة، والوتران الوصتيان في ذلك كالشفتين، يستيطع الإنسان أن يفتحهما في طريق الهواء الخارج من الفم، ويستطيع كذلك أن يقربهما للنفخ بهما، ويستطيع أن يقربها بدرجة أكبر، ليحدث بهما صوتا مسموعا.
أما الأوتار الصوتية، فإنها حين تتباعد مع مرور الهواء بينها، تسمح بحدوث ما يسمى بالتنفس العادي غير الصحوب باحتكاك الهواء بهذه الأوتار، فإذا تقاربت لدرجة تحتم احتكاك الهواء بها، حدث ما نسميه الهمس، وهي حالة تغاير تماما تلك التي اصطلحنا على أن نسميها حالة إنتاج الحس، التي لابد لها من وجود ذبذبة في الأوتار الصوتية.
بقي بعد ذلك أن نشرح هذه الحالة الأخيرة "حالة الحس". إن الذبذبة التي تحدث في الأوتار الصوتية، ليست كل شيء فيما يتعلق بإنتاج الحس، وكل ما ينتج عن هذه الذبذبة هو ما اصطلحنا على تسميته "الجرس"، أما كيف يتحول هذا الجرس إلى حس له درجة، وعلو وقيمة على نحو ما شرحناه سابقا، فذلك سيتوقف على عوامل مساعدة، يمكن تسميتها حجرات الرنين.
نحن نعلم أن وتر العود من غير جسم العود لا يؤدي نفس الغرض، الذي يؤديه وهو مركب على هذا الجسم، وأن الضرب عليه، وهو خارج العود سيؤدي إلى جرس قصير الأمد، قد لا يتجاوز الثانية، وآية ذلك أنك تستطيع أن تأخذ أحد أوتار العود، فتفصله ثم تحكم شده بين شيئين، ثم تضرب عليه بنفس الريشة المستعملة في العزف على العود، ولست أشك إن فعلت في أنك ستدرك الفرق بين حالتي الوتر، مشدودا على العود ومشدودا خارجه.