المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التفريق بين الصحاح والعلل: - مناهج البحث في اللغة

[تمام حسان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الحاجة إلى منهج للغة:

-

- ‌تعريف بالرموز المستعملة في هذا الكتاب:

- ‌رموز الأصوات:

- ‌رموز الحروف

- ‌استقلال المنهج اللغوي:

- ‌اللغة والكلام:

- ‌منهج الدراسات اللغوية:تعدد الأنظمة في اللغة الواحدة:

- ‌منهج الأصوات-الفوناتيك:

- ‌الصوت:

- ‌الصوت اللغوي:

- ‌الملاحظة:

- ‌تسجيل الصوت:

- ‌البلاتوغرافيا: أو تكنيك الحنك الصناعي:

- ‌الكيموغرافيا:أو تكنيك التعرجات الذبذبية:

- ‌ صور الأشعة

- ‌الأصوات العربية:

- ‌أصوات العربية الفصحى:

- ‌الأصوات الشديدة:

- ‌الأصوات الرخوة:

- ‌الصوت المركب:

- ‌الأصوات المتوسطة:

- ‌أصوات العلة:

- ‌منهج التشكيل الصوتي- الفونولوجيا

- ‌مدخل

- ‌التفريق بين الصحاح والعلل:

- ‌تقسيم الحروف:

- ‌نظرية الفونيم

- ‌المجاورة في السياق:

- ‌المقطع:

- ‌الموقعية:

- ‌موقعية البداية:

- ‌موقعيات الوسط:

- ‌موقعة النهاية:

- ‌موقعيات الشيوع:

- ‌منهج الصرف:

- ‌المورفيم:

- ‌الصيغة:

- ‌الاشتقاق:

- ‌وسائل خلق الرباعي:

- ‌الملحقات:

- ‌الجدول التصريفي، والتوزيع الصرفي:

- ‌منهج النحو

- ‌مدخل

- ‌أقسام الكلام

- ‌وسائل الترابط في السياق:

- ‌مظاهر التماسك السياقي:

- ‌مظاهر التوافق السياقي:

- ‌منهج المعجم:

- ‌تعريف الكلمة:

- ‌ما المعجم

- ‌منهج الدلالة:

- ‌ النظرة الديناميكية:

- ‌ النظرة الاستاتيكية:

- ‌خاتمة:

- ‌المراجع

- ‌مراجع عربية

- ‌مراجع أجنبية

- ‌الخطأ والصواب

- ‌فهرس:

- ‌صور الكتاب

الفصل: ‌التفريق بين الصحاح والعلل:

‌التفريق بين الصحاح والعلل:

وسنبدأ كلامنا هنا بالتفريق بين الصحاح consonants، والعلل vowels وفي علم اللغة كما في بقية العلوم، أفكار رئيسية لم يستقر الباحثون على تعريف لها يقبلة الجميع، ومن هذه الأفكار "الكلمة"، وسوف نحاول مناقشة تعريفاتها في مكان لاحق من هذا الكتاب، ثم "الصحيح"؟ ثم "العلة"، وسوف أحاول هنا أن أشرح الأسس، التي بنى العلماء عليها التفريق بين الصحاح والعلل، لا لأخرج للناس تعريفا، ولكن لأوضح مقدار الضعف الذي يجده المرء في أسس التعريفات القديمة، وباستقراء هذه الأسس التي فرق العلماء عليها بين الصحاح والعلل، نجدها كما يأتي:

1-

الأساس الفسيولوجي.

2-

الأساس الصوتي "لاحظ عدم استعمال كلمة "أصواتي".

3-

هذان الأساسان مجتمعين.

4-

الوظيفة والتوزيع "أو كما يسمونه التطريز اللغوي".

وباستعراض هذه الأسس، نرى أن هناك منهجين من مناهج الدراسة، مختلفين قد استخدما في التفريق، فأما واحد فيشمل الأساسين الأول والثاني، متفرقين أو مجتمعين، ويعالج الصحاح والعلل على مستوى علم الأصوات، وأما الثاني فيتناولهما من ناحية الوظيفة والتوزيع أو التطريز، وذلك على مستوى علم التشكيل الصوتي.

ومعظم حالات التفريق بين هاتين الطائفتين، تخلط بين النهجين المتقدمين نهج الأصوات ونهج التشكيل، وهاك أمثلة للتفريق بين هذين القسمين "الصحاح والعلل"، على الأساس الفسيولوجي.

1-

يقول هنري سويت1: "إن التفريق الأساسي بين العلل، وبين

1 Primer of Phonetics p. 31.

ص: 113

الصحاح يتمثل في أن تشكلات الفم مع العلل، إنما يتعدل الهواء المجهور فحسب، وهو فيما عدا هذا عنصر جوهري فيها، ولكن تضييق مجرى الهواء، أو إقفاله هو أساس الصوت الصحيح، على حين تكون حالة الحنجرة شيئا ثانويا.

2-

ويقول تروبتسكوي1: إن خاصية الصحيح، بعبارة أخرى، هي إنشاء عقبة في طريق الهواء، أو فتح هذه العقبة، على حين تبدو خاصية العلة في صورة انعدام أية عقبة أو تعويق.

3-

ويقول فندريس2: "كل العلل يقتضي أن يكون الفم مفتوحا، ولو اختلف هذا الفتح في الحجم، ولكنه دائمًا أكبر مما هو مع الصحاح".

وليس الدخل الفسيولوجي إلى هذا التفريق مصطنعا وسطحيا فحسب، ولكنه غير واف بالغرض أيضا من وجهة النظر العملية، أما أنه مصطنع وسطحي؛ فلأنه يعتمد على مادة من خارج اللغة، وبعد قطع الصلة بين هذه المادة، وبين بيئتها الأصلية، التي هي علم الفسيلوجيا، وتجاهل أثر الموقع، والوظيفة باعتبارهما عاملين من أهم عوامل التشكيل الصوتي، ويستخدم عبارة اعتباطية في تقرير المسألة،

تتعارض مع تجارب الأصوات في المعمل3، وأكثر من ذلك أن هذه العبارات الفنية الفسيولوجية، قد استخدمت لحل مسألة لم يعين مستوى بحثها، أهو الأصوات، أم التشكيل، أم هما معا، وإن عدم تخصيص مستوى لهذا التفريق، ليجعله محتملا أن يكون على مستوى التشكيل الصوتي، فإذا كان ذلك كذلك، فإن المدخل الفسيولوجي، إذا صح أن يرتبط بدراسة الأصوات، فليس هناك

مكان بين تجريدات علم التشكيل الصوتي، لمثل هذا المدخل العضوي العضلي؛ لأن الصحاح والعلل في علم التشكيل حروف لا أصوات، أي وحدات فكرية

لا حركات تشرحها الفسيلوجيا، ولهذا فليس من الدقة في شيء أن نقول: إن "حرف" العلة لا يوجد في نقطه تعويق، ولا عقبة في طريق الهواء أثناء نطقه؛ لأن الحروف لا تنطق، وإنما تنطق الأصوات.

1 Principe p. 97. 8.

2 Language p54.

3 لاحظ البصمات المصاحبة التي أخذت من الكلام العدني، لياء المد الأخيرة وهي علة وللياءات المتحركة، وهي صحاح وستجد بصمة الطائفة الأولى، ذات دلالة متعارضة مع هذا التفريق.

ص: 114

وهذه العبارة عرضة للنقد، حتى لو جاءت في علم الأصوات، ويأتيها هذا النقد من شهادة تجارب البلانوغرافيا "أو الحنك الصناعي"، فقد وجدت في لهجة عدن أن بعض أصوات العلة، يسبب حين نطقه موقعا لسانيا أعلى، واتصالا أكبر بين اللسان، وبين الحنك الصناعي، مما يسبب الصوت الصحيح الصالح للمقارنة به؛ يؤخذ ذلك من حجم البصمة.

وهذه حقيقة تبدو أوضح ما تبدو، في حالة طوال أصوات العلة الأمامية الضيقة "أي مجموعة الأصوات المسماة ياء المد"، في نهاية المجموعة الكلامية، إذا قورنت بالصوت الصحيح "ي" أي الياء الساكنة، في نفس الموقع، وشبيه بهذا أن كل صوت علة: طويلا كان أم قصيرا، في أي موقع، له بصمة أوسع مساحة مما ينتجه صوت الياء الواقع بين صوتي علة، كما في كلمة "حياة"1.

وواضح أن هذا المدخل الفسيولوجي للتفريق بين الصحاح، والعلل سطحي مصطنع، وقاصر لا يكفي الحاجات العملية للبحث، سواء في الأصوات أو في التشكيل الصوتي، وسنرى بعد قليل أن التفريق على أساس صوتي "نسبة إلى علم الصوت أحد فروع علم الطبيعة"، ليس أكثر غناء في هذا المجال، وسنورد هنا بعض الأمثلة التفريق على هذا الأساس بين هاتين الطائفتين: الصحاح والعلل:

1-

يقول ماروزو2: يعتبر علماء الأصوات الصحيح مكونا في جوهره من جرس3 ناتج عن مرور الهواء عبر القناة الصوتية، فيخرج عن هذا التعريف الصوت، أو الحس الذي يخصص العلة".

2-

ويقول دانيال جونز4: ليس التفريق بين الصحاح، والعلل اعتباطيا

1 انظر معنى الاصطلاحات الخاصة بأصوات العلة في قسم الأصوات، وإلى البصمات البلاتوغرافية السابقة.

2 Lexique de la Terminologie Linguesitique p. 36.

3 انظر معنى الجرس في القسم الخاص بالأصوات.

4 Outline of Enlish Phonetics.

ص: 115

فسيولوجيا، ولكنه في الحق تفريق مبني على اعتبارات صوتية هي العلو النسبي، أو قوة الإسماع، في الأصوات المختلفة".

وأما التفريق على الأساسين مجتمعين، فيمكن أن يجده القارئ في الأمثلة الآتية:

1-

تقول آيده وورد1: "العلة في الكلام العادي، صوت يمر الهواء في نطقه خلال الفم في تيار مستمر، لا تصادفه عقبة، ولا تضييق ينتج عنه احتكاك مسموع، وكل الأصوات الأخرى صحاح".

2-

ويقول إدوارد سايير2: "يتم النطق في الأعضاء التي تتكون منها حجرة الرنين المسماة الفم على طريقتين، فربما سمح للتنفس، سواء كان مجهورا أو مهموسا، مغنونا أو غير مغنون، أن يمر خلال فجوة ضيقة يحتك بها، وتوجد مراحل انتقال بين النوعين الأخيرين من أنواع النطق، ويصبح للتنفس غير المعطل لون خاص، أو قيمة صوتية مطابقة لشكل حجرة الرنين التي هي الفم".

ويقول أيضًا: "وطريقة النطق في الفم ليست كافية بالطبع لحد الصحاح، بل يجب أن ندخل في اعتبارنا المخرج".

ويجب أن نعقب هنا بأنه إذا لم يصلح المدخل الفسيولوجي للتبطيق في هذا المجال، فلن يصلح المدخل الطبيعي الصوتي؛ لأن الحروف وحدات فكرية تجريديه تقسيمية لأجراس لها ولا تنطق، وهكذا يصبح المدخل الطبيعي قاصرا سواء أكان بمفرده، أم بالإضافة إلى الأسس الفسيولوجية، وسواء كان هذان المدخلان مجتمعين، أو متفرقين فإنهما غير لغويين، ولا يمكن اعتبارهما أساسين أصليين من أسس البحث اللغوي، تفرق عليهما المفهومات اللغوية المجردة، التي هي غريبة عن علم الطبيعة بقدر ما هي أجنبية عن الفسيولوجيا، وإذا لم تستخدم التعريفات السابقة فكرة النوعية، والنظم اللغوية، فإن التعريف الآتي يتسخدمها بلا شك.

1 Phonetics of English، p.65.

2 Language، p. 1-53.

ص: 116

يقول بلوخ وتريجر1: "العلة صوت لا توجد عقبه في الفم حين نطقه، حتى ليجري تيار الهواء من الرئتين إلى الشفتين، وما وراءهما دون أن يتوقف، أو يحشر في مجرى ضيق، ودون أن يحيد عن خط الوسط في قناة مروره، أو يحدث ذبذبة في أي عضو فوق الحنجرة، هذا الصوت مجهور من الناحية "النوعية"، وإن لم يكن هذا ضروريا من الناحية الفعلية، والصحيح بعكس هذا، صوت يتوقف

الهواء في نطقه عن الجريان، توقفا تاما نتيجة إقفال الحنجرة، أو قناة الفم أو ينحرف

عن خط الوسط في قناته إلى فتحة جانبية، أو يجعل أحد الأعضاء التي فوق الحجرة تتذبذب".

واستعمال كلمة النوعية هنا، يستدعي للذهن مدخلا تشكيليا، على حين يقوم التفريق في حقيقته على أسس طبيعية فسيولوجية.

ولقد وجد التفريق على أساس الوظيفة، التي يؤديها الصحيح، أو العلة عناية من بعض الباحثين، فنحن نرى فندريس، مثلا يعترف بالوظيفة المختلفة، التي يقوم بها كل من النوعين، ولكنه حين يفرق بينهما بالفعل، لا يستعمل اختلاف الوظيفة

في هذا التفريق، ولقد روينا لفندريس من قبل، تفريقا بين هذين القسمين على أساس فتح الفم مع كل منهما، ولكنه يقول في اختلاف وظيفة الصحيح عن

وظيفة العلة: "ومع أن الوظيفة قد تختلف في هذين، لا يوجد شيء في الطبيعة

الفعلية للأصوات ولا حد فاصل، يفرق بينهما"، ثم يفرق هو بعد ذلك على الأساس الذي اقتبسناه له من قبل.

لم يرد إلى هذا الحد أي تعريف، أو تفريق يقوم على الفصل بين ما هو أصواتي، وما هو تشكيلي من الصحاح والعلل، حتى ينتج تناولا مزدوجا لهذه المسألة، ولكن دي سوسور يتناول المسألة تناولا مزدوجا، حين يستخدم اصطلاحات مزدوجة الدلالة على اختلاف النظرة إلى الصحاح، والعلل باختلاف الأصوات والتشكيل الصوتي، واصطلاحات دي سوسور، كما يأتي:

1 Outline Of Linguistic Analysis، p.18.

ص: 117

اصطلاحات تشكيلية، اصطلاحات أصواتية.

الصحاح: Consonantates "حروف صحيحة" Consemes "أصوات صحيحة" العلل: Sonantes "حروف علة" Voyelles "أصوات علة" ويقول1: إن الاصطلاحات Consonnes، Voyelles تدل كما رأينا في صفحة 75 على أنواع مختلفة، Consonantes، Sonantes، فإنها تدل بالعكس على وظائف في المقطع.

هذه الثنائية في الاصلاح، تسمح بتجنب ارتباك منهجي بقي زمنا طويلا، فمع أن نوع "ع" واحد في fidele في pied إذ هي صوة علة، لكن هذا الصوت حرف علة في Fidele، وحرف صحيح pied.

ويستمر النص قائلًا: "وقد رأينا مثلا أن y، w ليسا شيئا مختلفا عن -، u، ولكن حين يسأل المرء عن السبب الذي ينتج الوظيفة المزدوجة، أو التأثير الصوتي المزدوج؛ "لأن كلمة وظيفة لا يقصد بها غير هذا"، يجيب بأن الصوت كذا يؤدي الوظيفة كذا، وبحسبها تقع عليه النبرة المقطعية أو لا تقع".

والعالم الآخر الذي توخى ثنائية المصطلحات، هو كينيت بايك الذي يستعمل الاصطلاحات الآتية:

اصطلاحات تشكيلية، اصطلاحات أصواتية.

الصحاح Consonants "حروف صحيحة" Non- Vocoids أصوات صحيحة العلل: Vowels "حروف علة" Vocoids "أصوات علة". ويقول2: "إن صوت العلة هو الصوت الذي يخرج الهواء أثناء نطقه: 1- من الفم 2- على وسط اللسان "أي أنه ليس جانبيا" 3- بلا احتكاك في الفم "ولكن الاحتكاك في مكان آخر، لا يمنع الصوت من أن يكون صوت علة، والآن نحاول تأمل الأصوات الصحيحة: وتشمل هذه أي صوت يخرج الهواء

1 C.D.L.G،p. 87 - 8-9.

2 Phonemics، pp. 19-60.

ص: 118

أثناء نطقه من الفم لكن من جانب اللسان، وأي صوت يخرج الهواء أثناء نطقه من الفم محدثا احتكاكا محددا بنقطة من الفم، وأي صوت لا يجد تيار الهواء مخرجا أثناء نطقه".

ويستمر بعد ذلك، فيقول:"لكل لغة أنواعها الخاصة من أنساق الحروف، ففي بعض اللغات، يأتي الكثير من الحروف الصحاح، جنبا إلى جنب بلا توسط حروف العلة، "أو سم ذلك إن شئت كتلا من الحروف الصحاح"، والبعض الآخر لا يميل إلى هذه الكتل من الحروف الصحاح، ولكنه يفضل تعاقب الحروف الصحاح، وحروف العلة، وربما يشك الباحث في البداية، حين يتناول بعض اللغات فيما إذا كانت أنساق معينة تكتب في u، i أو w،y أي حرف علة أو حروف صحيحة، فيجب أن تسمى هذه الجزئيات حروفا صحيحة، أو علة طبقا للطريقة التي ترد بها في نسق الكلام، في مواقع موازية لورود ما اعتبر حرفا صحيحا بالتأكيد مثل s، t، أو حروف علة بالتأكيد مثل a".

وأخيرًا يقول: "وحين يكون الصوت من نوع مشكوك في ظاهره، بأنه ربما كان منتميا لحرف صحيح أو لحرف علة، يجعل الباحث قراره مبنيا على أساس توزيع هذا الصوت في المقاطع الأصواتية، والمقاطع التشكيلية، أو في الوحدات الصرفية morphemes، أو توزيعه بالنسبة إلى ما لا يبدو مشكوكا فيه".

وبعد فما الصحاح وما العلل؟ لقد جرت العادة في لغتنا العربية على أن نطلق الاصطلاج "حرف"، على مفهوم واسع، فهو يشمل ما يأتي:

1-

الحرف بمفهومه الأبجدي التقسيمي، ويشمل المفهوم الأصواتي أيضا.

2-

والحروف بمعناه الخطي الرمزي الكتابي.

3-

والحرف أحد سبعة أحرف قرئ بها القرآن.

4-

والحرف بمعنى بنط الطباعة.

ذلك إلى جانب استمعالاته الكثيرة، التي لا تدخل تحت مفهوم الاصطلاح،

ص: 119

كالحرف بمعنى الطرف، وقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} وهلم جرا.

والذي يهمنا من كل هذا، أن نسلخ عن المفهوم الاصطلاحي الأول جانبه الأصواتي، وندع للكلمة مفهومها الأبجدي التقسيمي، فنخرج بتقسيم عربي أبجدي تجريدي فكري لحروف لا تتعلق، وإنما هي أقسام ثمانية وعشرون صحاح، وثلاثة علل، يدخل تحت كل قسم منها واحد، أو أكثر من الأصوات، وتكون النتيجة بعدئذ أن يكون في اللغة العربية أصوات كثيرة، مقسمة إلى أقسام، أي حروف، أقل في العدد؛ ولك من الحروف، والأصوات ينقسم إلى قسمين رئيسين هما الصحاح والعلل، وإليك بيان الحروف الصحيحة، وحروف العلة:

فأما الحروف العربية الصحيحة، فهي:

ء ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ وي.

وأما حروف العلة، فهي:

الكسرة، "ويشمل مفهومها ياء المد"، والفتحة "ويشمل مفهومها ألف المد"، والضمة "ويشمل مفهومها واو المد" أي أن حروف العلة إما أن تكون قصارًا أو طوالا، فالقصير منها حركة، والطويل مد، كل هذا على الأساس التشكيلي.

ومن الضروري أن يفرق الباحث بين هذين الأساسين من أسس الدراسة، التشكيل الذي يدرس الحروف، والأصوات الذي يدرس الأصوات بالطبع، ومن الضروري للباحث أن يبدأ بوصف الأصوات، ثم يحدد أقسامها بعد ذلك عن طريق التخارج في الموقع، بمعنى أن الصوتين الذين يقعان في موقع واحد، كالفاء من فلق والعين من علق، ينسبان لحرفين مختلفين، إذا اختلف معنى إحدى الكلمتين عن الأخرى.

أما إذا لم يقعا في موقع واحد، فلو فسرت أحدهما على أن يحل محل الآخر لم يتغير المعنى، كما لو أحللت محل الميل في ملق الصوت، الذي نسميه إدغاما بغنة،

ص: 120

وهو من حرف الميم، فإنها إذًا من حرف واحد، هذا هو معنى التخارج في الموقع، والحروف تجريدات، والأصوات تحقيقات، فإذا وجد أن صوتا من الأصوات، تحقيق لحرف صحيح، فهو صوت صحيح، وإذا وجد تحقيقا لحرف علة، فهو صوت علة، خذ مثلا لذلك: أحد أصوات الضمة مع صوت الواو. ليس هناك فرق أصواتي بين الضمة الطويلة، والواو الساكنة المطالة، انطق أيهما شئت، واسأل جارك أن يخمن أيهما تعني، وستعلم أن أذنه لم تخبره الخبر اليقين، فأين يقع الفرق بينهما إذا؟ إنه يقع في التوزيع والوظيفة، فمن الناحية التوزيعية، تأتي الواو محركة، ولا تأتي الضمة، وم الناحية الوظيفية، تأتي الواو بداية لمقطع ولا تأتي الضمة، فإذا وجد الباحث الأجنبي في اللغة العربية صوتا، كالذي نطقته ولم يعرفه جارك، فليحركه وليبدأ به مقطعا، فإن أطاعه في الكلام فهو صحيح، وإن لم يجد لكلامه معنى، فليجرب اعتباره حرف علة، وسيجده كذلك، يفعل ذلك دون أن يدخل في مضايق الفسيولوجيا أو الطبيعة، أو يستعمل اصطلاحاتهما، تحديد مفهومات لغوية بحتة.

ويجب في تحديد الحروف، أن نعني باعتبارين هامين:

1-

التطريز اللغوي "أو التوزيع".

2 الوظيفة:

وقد وضحنا معنيهما بعض التوضيح بالمثال، فوق هذه السطور.

ومع الاحتفاظ بهذين في الذاكرة، يمكن تحديد الصحاح، أوالعلل في ضوء اللغة أو اللهجة التي ترد فيها، وتنتمي إليها، لا على أساس صدق هذا التحديد في كل لغات العالم؛ لأن لكل لغة تطريزها الخاص، ووظائفها الخاصة التي تسندها إلى الصحاح والعلل.

ص: 121