الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملاحظة:
هذا الذي أشرت إليه في الكلمات الماضية، هو ما يسمى في منهج الأصوات بطريقة الملاحظة، ولن تكون طريقة الملاحظة وافية بالغرض منها، دون أن تصحبها ملاحظة ذاتية من جانب طالب البحث، وذلك بأن يقلد الطالب مساعده في نقطة على مسمع من المساعد، ويسأله وهو يفعل ذلك أن يدله على مواطن الغلط في التقليد، ولا يزال به يسأله، ويستفهمه حتى يقول المساعد: إنه يرضى نطق الطالب للمثال باعتباره ممثلا لنطق اللهجة، أو أقرب ما يكون منه، ويجب على الطالب إذا أراد أن يستوثق من أمانة المساعد، أو من انتباهه أن يخادعه أحيانا؛ لأن المساعد قد يرضى في بعض الأحيان بنطق غير صحيح، ويدعي صحته، إما تأدبا منه مع الطالب، أو لتعبه، أو عدم انتباهه. فإذا علم أن الطالب يخادعه أحيانا بتعمد الخطأ في النطق، كان ذلك حافزا له على الجد والانتباه، والتدقيق في قبول نطق الطالب.
ومن المهم جدا أن تتخذ لنفسك طريقة، لوضع الأسئلة التي تسأله بها المساعد؛ لأن السؤال الذي يسوء اختيار طريقته، إما أن يجاب عنه جوابا يقود إلى طريق خاطئ في الاستنتاج، وإما أن يحير المساعد فلا يستطيع الإجابة عليه، فليس من المفيد أبدا أن تستعمل في أسئلتك اصطلاحات فنية، يجهل المساعد معناها؛ لأن هذه الاصطلاحات هراء بالنسبة له، ولست أتصور طالبا مثلا يسأل مساعده، على علم منه بجهله، أن ينطق له جملة باللحن التنغيمي الأول، ولا أن يسأله أن يقدم له قائمة من الكلمات، التي تبدأ بالمقطع القصير "ص ع"، والطالب الذي يفعل ذلك يعوق عمله بقدر ما يحير مساعده بلا شك، ويدرك أنه أبعد ما يكون عن مراعاة مقتضى الحال.
ومما يساوي ما تقدم في الأهمية ألا تدع مساعدك، وقد تعود على سماع الاصطلاحات منك، يعرف الهدف الذي ترمي إليه من اختيار الأمثلة واختبارها،
فلا تدعه يعرف السبب الذي من أجله، تطلب إليه أن ينطق هذا المثال أو ذاك.
ولا تقل له: إنني أريد أن أرى من نطقك، التي طلبته منك أن أرى ما إذا كان الصوت الفلاني مفخما، أو مرققا في هذا المثال؛ لأن ذلك يجعله يضطرب في تحديد القيمة الصوتية الصحيحة لهذا الصوت، فإما أن يبالغ في التفخيم، وإما أن يبالغ في الترقيق، وإما أن يتوسط بينهما على حساب القيمة الصحيحة للصوت، وبعبارة أخرى سيقوده هذا إلى الوعي بنطقه؛ والوعي بالنطق أول مراحل التلجلج.
وليس من المفيد أيضا، أن تواجهه بالاستفهام عن أحد احتمالين لا ثالث لهما؛ كأن تقول له: أفي هذا الموضع حركة أم سكون، فربما كان هذا موضعا من مواضع القلقة التي لا هي بالحركة ولا بالسكون، وخير ما يفعل في هذه الحالة -إذا أمكن- أن تكتب الكلمة بالأبجدية، التي تكتب بها اللهجة، وتسأل مساعدك أن ينطقها لك، وأنت تلاحظ بعد ذلك كيف ينطق، فإن كان غير كاتب ولا قارئ، أو لم تكن للهجته أبجدية تكتب بها، فاسأله عن الكلمة التي يطلقها على المعنى الفلاني، على أن تكون هذه هي الكلمة التي تبحث عنها. فجوابه لك حينئذ يكون بنطق الكلمة نطقا صحيحا، تستطيع -إذا أردت- أن تطلب إليه أن يعيده قدر ما تشاء.
والميزة التي تمتاز بها الملاحظة على الطرق الميكانيكية في البحث، تكمن في أن الأذن الإنسانية أكثر الآلات ضبطا للاستخدام في الأغراض اللغوية، زد على ذلك أن المادة التي تبحث بالأذن، إنما هي الكلام الحي نفسه، في مقابل ما يدرس على الحنك الصناعي، وهو بصمة اللسان، وما يدرس على الكيموغراف وهو التعريجات الكتابية، وما يدرس بالآشعة فوق البنفسجية، وهو صورة الجهاز النطقي في وضع ثابت معين.
واستخراج الحقائق من الملاحظة استخراج مباشر، ومن الآلات غير مباشر. ولعل طريقة واحدة من طرق الملاحظة، قد نجحت في التغلب على عامل التوقيت بخلق دوام من نوع معين للنطق، تلك هي طريقة تسجيل الصوت تسجيلا يجعله في المتناول كلما أريد سماعه، فهو يسمع حينذاك بكل خصائصه التي فيه دون أن يتأثر القرص بالعوامل الخارجية، عضلية كانت أو نفسية كما يتأثر المتكلم.