الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ) يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ، أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ، وَلَوْ
ــ
[منح الجليل]
[بَابٌ فِي الصِّيَام]
وَهُوَ لُغَةً: مُطْلَقُ الْإِمْسَاكِ وَشَرْعًا: إمْسَاكٌ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ بِنِيَّةٍ مِنْ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَمِلَ إمْسَاكَ مَنْ جُومِعَتْ نَائِمَةً أَوْ قَاءَ عَمْدًا.
(يَثْبُتُ) أَيْ يَتَحَقَّقُ (رَمَضَانُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ) ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ وَكَذَا مَا قَبْلَهُ إنْ تَوَالَى الْغَيْمُ وَلَوْ شُهُورًا كَثِيرَةً فِي الطِّرَازِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه يُكْمِلُونَ عِدَّةَ الْجَمِيعِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ، وَيَقْضُونَ إنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ خِلَافُ مَا عَمِلُوا عَلَيْهِ الرَّمَاصِيُّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا الْتِفَاتَ لِقَوْلِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ لَا يَتَوَالَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ عَلَى التَّمَامِ وَسَيَقُولُ الْمُؤَلِّفُ لَا بِقَوْلِ مُنَجِّمٍ.
فَقَوْلُ عج قَوْلُهُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ أَيْ: إذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَامَّةٍ إذْ لَا يَتَوَالَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ عَلَى التَّمَامِ، وَحِينَئِذٍ فَيُجْعَلُ نَاقِصًا. وَقِيلَ لَا يُنْظَرُ لِهَذَا وَيُعْتَبَرُ كَمَالُ شَعْبَانَ مُطْلَقًا اهـ. غَيْرُ صَوَابٍ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ صَدَّرَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ مُقَيِّدًا بِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ، وَحَكَى أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِقِيلَ. وَهَذَا لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُمْ إذَا حَصَلَ الْغَيْمُ شُهُورًا فَإِنَّهَا تُحْسَبُ عَلَى الْكَمَالِ. اهـ. غَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلْ يُعَارِضُهُ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ قَوْلُ أَهْلِ الْمِيقَاتِ لَحُسِبَ عَلَى التَّمَامِ عِنْدَ تَوَالِي الْغَيْمِ ثَلَاثَةً فَقَطْ، وَجُعِلَ الرَّابِعُ نَاقِصًا.
لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي جَامِعِ الْمُقَدِّمَاتِ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ عج قَائِلًا لَا تَتَوَالَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ نَاقِصَةٍ أَوْ تَامَّةٍ إلَّا فِي النَّادِرِ فَانْظُرْهُ وَتَأَمَّلْهُ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ عج لِزِيَادَةِ ابْنِ رُشْدٍ قَوْلُهُ إلَّا فِي النَّادِرِ فَلَمْ يَجْعَلْ الْقَاعِدَةَ كُلِّيَّةً فَلِذَا أَلْغَاهَا الْإِمَامُ رضي الله عنه (أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ) الْهِلَالَ فَأَوْلَى أَكْثَرُ مِنْهُمَا فَكُلُّ مَنْ أَخْبَرَاهُ بِرُؤْيَتِهِمَا الْهِلَالَ أَوْ سَمِعَهُمَا يُخْبِرَانِ غَيْرَهُ بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ لَا بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ امْرَأَتَيْنِ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الرَّائِي وَلَوْ مَرْأَةً.
وَيَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً أَوْ الْبَلَدُ لَيْسَ مِصْرًا (وَلَوْ) ادَّعَيَا الرُّؤْيَةَ
بِصَحْوٍ بِمِصْرٍ، فَإِنْ لَمْ يُرَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ صَحْوًا كُذِّبَا
ــ
[منح الجليل]
بِصَحْوٍ بِمِصْرٍ) أَيْ: فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ادَّعَيَا رُؤْيَتَهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي طَلَبَهُ غَيْرُهُمَا فِيهَا وَلَمْ يَرَهُ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ بِرَدِّ شَهَادَتِهِمَا لِلتُّهْمَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ هُوَ خِلَافٌ فِي حَالِ إنْ نَظَرَ الْكُلَّ لِصَوْبٍ وَاحِدٍ رُدَّتْ وَإِنْ انْفَرَدَا بِالنَّظَرِ إلَى مَوْضِعٍ ثَبَتَتْ شَهَادَتُهُمَا وَعَدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ثَالِثًا وَاعْتَرَضَهُ الْمُوضِحُ.
(فَإِنْ) ثَبَتَ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ و (لَمْ يُرَ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَيْ: هِلَالُ شَوَّالٍ لِغَيْرِهِمَا (بَعْدَ) تَمَامِ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ حَالَ كَوْنِ السَّمَاءِ (صَحْوًا) أَيْ: لَا غَيْمَ عَلَيْهَا (كُذِّبَا) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ: الْعَدْلَانِ فِي شَهَادَتِهِمَا بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الشَّهْرِ وَاحِدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَصِيمَ الْيَوْمُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وُجُوبًا. وَإِنْ ادَّعَيَا رُؤْيَةَ هِلَالِ شَوَّالٍ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِاتِّهَامِهِمَا فِيهَا بِالْكَذِبِ لِإِمْضَاءِ الشَّهَادَةِ الْأُولَى، فَإِنْ رَآهُ غَيْرُهُمَا أَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً فَلَا يُكَذَّبَانِ.
وَيَثْبُتُ شَوَّالٌ بِكَمَالِ رَمَضَانَ أَوْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمَا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي تَكْذِيبِهِمَا كَوْنُ رُؤْيَتِهِمَا بِصَحْوٍ بِمِصْرٍ. فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْمٍ أَوْ بَلَدٍ صَغِيرٍ فَلَا يُكَذَّبَانِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَارِحُوهُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ هَذَا وَيُكَذَّبَانِ مُطْلَقًا كَانَتْ رُؤْيَتُهُمَا بِصَحْوٍ أَوْ غَيْمٍ بِبَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ. وَاعْتَرَضَهُ الْحَطّ بِحَمْلِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ الْغَيْمِ أَوْ صِغَرِ الْبَلَدِ عَلَى السَّدَادِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُمَا، وَمِثْلُ الْعَدْلَيْنِ مَا زَادَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَبْلُغْ عَدَدَ الْمُسْتَفِيضَةِ فِي التَّكْذِيبِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْمُسْتَفِيضَةُ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ، وَإِنْ فُرِضَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ اسْتِفَاضَتِهِمْ فَيُكَذَّبُونَ أَيْضًا.
فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ عَلَى تَكْذِيبِ الْعَدْلَيْنِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمَا بُطْلَانُ صِيَامِ الشَّهْرِ كُلِّهِ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ صِيَامِ الشَّهْرِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ إذْ شَرْطُ صِحَّةِ النِّيَّةِ تَبْيِيتُهَا لَيْلَةَ الصِّيَامِ، وَهَذَا قَدَّمَهَا عَلَى الشَّهْرِ بِلَيْلَةٍ وَيَوْمٍ. قُلْت صَحَّ صَوْمُهُ لِعُذْرِهِ وَلِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إذْ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَمْ يَرَ التَّكْذِيبَ وَحَكَمَ بِثُبُوتِ شَوَّالٍ بِتَكْمِيلِ عِدَّةِ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اعْتِدَادًا بِرُؤْيَتِهِمَا الْأُولَى وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَكْذِيبُهُمَا، وَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا حَاكِمٌ
أَوْ مُسْتَفِيضَةً
ــ
[منح الجليل]
وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ كَانَ مَالِكِيًّا، فَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا لَمْ يَرَ تَكْذِيبَهُمَا وَجَبَ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يُرَاعِي إلَّا تَكْمِيلَ الْعَدَدِ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشُّهُودَ ظَهَرَ فِسْقُهُمْ فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمَبْنِيُّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُمْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِهِمْ بَلْ عِنْدَ غَيْرِهِ.
وَالْفِسْقُ الْمُوجِبُ لِنَقْضِ الْحُكْمِ هُوَ الْفِسْقُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا بِمِصْرَ سَنَةَ ثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَفْطَرَ شَيْخُنَا، وَتَبِعَهُ غَالِبُ الْجَمَاعَةِ وَامْتَنَعَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْفِطْرِ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَهُ أَحْمَدُ. عبق وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِلُزُومِ الصَّوْمِ لَيْسَ حُكْمًا بِالْفِطْرِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَلَمْ يَقَعْ الْحُكْمُ بِمَا فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ بَلْ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَهُوَ لُزُومُ الصَّوْمِ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِيِّ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ. نَعَمْ إنْ حَكَمَ بِمُوجَبِ لُزُومِ الصَّوْمِ حِينَ الرُّؤْيَةِ كَانَ حُكْمًا بِالْفِطْرِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ وَإِنْ لَمْ يُرَ الْهِلَالُ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْحَطّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْفِطْرِ حَيْثُ حَكَمَ بِهِ شَافِعِيٌّ عِنْدَ تَمَامِ ثَلَاثِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الصَّوْمِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ، لَا عَلَى لُزُومِهِ. وَهَلْ تَكْذِيبُهُمَا حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِأَنْفُسِهِمَا أَوْ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا هُمَا فَيَعْمَلَانِ عَلَى مَا تَحَقَّقَاهُ فَيَجِبُ فِطْرُهُمَا بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ جَرَى خِلَافٌ فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ فَصَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ الْمَوَّازِ هَذَا مُحَالٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظَّاهِرُ عَمَلُهُ عَلَى اعْتِقَادِهِ الْأَوَّلِ وَكَتْمُ أَمْرِهِ سَالِمٌ هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ تَكْذِيبُ الشَّاهِدَيْنِ فَكَيْفَ بِالْمُنْفَرِدِ؟ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِكَذِبِ الشَّاهِدَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا الْحُكْمُ بِهِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ.
وَمُقْتَضَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَمَلُهُ عَلَى رُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ فِي الْغَيْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ يُقَالُ يُتَّفَقُ هُنَا عَلَى عَمَلِهِمَا عَلَى اعْتِقَادِهِمَا لِتَعَدُّدِهِمَا فَغَلَطُهُمَا بَعِيدٌ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ (أَوْ) بِرُؤْيَةِ جَمَاعَةٍ (مُسْتَفِيضَةٍ) ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ هُمْ الَّذِينَ لَا يَتَوَاطَئُونَ عَلَى الْكَذِبِ عَادَةً كُلُّ وَاحِدٍ قَالَ: رَأَيْت بِنَفْسِي. وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ كُلُّهُمْ ذُكُورًا أَحْرَارًا عُدُولًا بِحَيْثُ حَصَلَ بِخَبَرِهِمْ
وَعَمَّ، إنْ نُقِلَ بِهِمَا عَنْهُمَا،
ــ
[منح الجليل]
الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْهُ حَتَّى لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَعْدِيلٍ. وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مَا فَسَّرَهَا بِهِ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ أَنَّهَا مَا زَادَ نَاقِلُوهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَقُدِّرَتْ الرُّؤْيَةُ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِفَاضَةِ بِالْأَخْبَارِ بِأَنْ قَالُوا: سَمِعْنَا أَنَّهُ رُئِيَ الْهِلَالُ إذْ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ أَصْلَهُ عَنْ وَاحِدٍ.
(وَعَمَّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ مُثَقَّلَةً أَيْ: شَمِلَ وُجُوبُ الصَّوْمِ كُلَّ مَنْ نُقِلَتْ إلَيْهِ رُؤْيَةُ الْعَدْلَيْنِ أَوْ الْمُسْتَفِيضَةِ مِنْ أَهْلِ سَائِرِ الْبِلَادِ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا لَا جِدًّا ابْنُ عَرَفَةَ وَاجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ لُحُوقِ حُكْمِ رُؤْيَةِ مَا بَعُدَ كَالْأَنْدَلُسِ مِنْ خُرَاسَانَ مُوَافِقًا فِي الْمَطَالِعِ أَوْ مُخَالِفًا (إنْ نُقِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بِ) أَحَدِ (هِمَا) أَيْ: الْعَدْلَيْنِ وَالْمُسْتَفِيضَةِ (عَنْ) رُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْ (هُمَا) أَيْ الْعَدْلَيْنِ وَالْمُسْتَفِيضَةِ فَالصُّوَرُ أَرْبَعَةٌ: مُسْتَفِيضَةٌ عَنْ مِثْلِهَا أَوْ عَنْ عَدْلَيْنِ وَعَدْلَانِ عَنْ مِثْلِهِمَا أَوْ عَنْ مُسْتَفِيضَةٍ وَشَرْطُ صِحَّةِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَنْقُلَ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلِيٍّ اثْنَانِ لَيْسَ أَحَدُهُمْ أَصْلِيًّا، وَلَوْ كَانَا نَاقِلَيْنِ عَنْ الْآخَرِ أَوْ عَنْ الِاثْنَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ اثْنَانِ فَلَا يَكْفِي نَقْلُ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ وَسَوَاءٌ ثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ الْمَنْقُولَةُ عِنْدَ حَاكِمٍ عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَعُمُّ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ خَاصَّةً، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ حَاكِمٍ وَحَصَلَ النَّقْلُ عَنْ الْعَدْلَيْنِ أَوْ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَأَمَّا نَقْلُ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْهِلَالِ فَيَعُمُّ. وَلَوْ كَانَ النَّاقِلُ وَاحِدًا عَلَى الرَّاجِحِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ صُوَرَ النَّقْلِ سِتَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عَنْ رُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَنْ رُؤْيَةِ مُسْتَفِيضَةٍ أَوْ عَنْ حُكْمٍ. وَالنَّاقِلُ فِي كُلٍّ إمَّا عَدْلَانِ أَوْ مُسْتَفِيضَةٌ وَكُلُّهَا تَعُمُّ، وَشَمِلَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَمَّ إنْ نُقِلَ بِهِمَا عَنْهُمَا يُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى الْعُمُومُ إنْ نَقَلَ بِهِمَا عَنْ الْحُكْمِ، وَأَمَّا الْعَدْلُ فَإِنْ نَقَلَ رُؤْيَةَ عَدْلَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ نَقْلُهُ، وَإِنْ نَقَلَ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ أَوْ نَقَلَ رُؤْيَةَ الْمُسْتَفِيضَةِ اُعْتُبِرَ نَقْلُهُ فَيَعُمُّ، فَتَعَدُّدُ النَّاقِلِ شَرْطٌ فِي نَقْلِ رُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ لَا فِي نَقْلِ رُؤْيَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ وَلَا فِي نَقْلِ الْحُكْمِ. وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ مَا يَشْمَلُ مُجَرَّدَ الثُّبُوتِ.
وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ وَغَيْرِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ نَقْلٌ ثَبَّتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الِاسْتِفَاضَةِ بِأَحَدِهِمَا
لَا بِمُنْفَرِدٍ إلَّا كَأَهْلِهِ وَمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِأَمْرِهِ
ــ
[منح الجليل]
لِمَحَلٍّ كَثَبَّتَهُ بِهِ الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ حَاكِمٍ غَيْرِ الْخَلِيفَةِ خَصَّ مَنْ تَحْتَ طَاعَتِهِ أَبُو عُمَرَ وَرَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ، وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ. وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ لُحُوقِ حُكْمِ رُؤْيَةِ مَا بَعُدَ كَالْأَنْدَلُسِ مِنْ خُرَاسَانَ. ابْنُ حَارِثٍ ابْنُ الْمَاجِشُونِ رُوِيَ مَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ خَصَّ مَا قَرُبَ مِنْ مَحَلِّهَا. الْمَازِرِيُّ فِي لُزُومِ مَا ثَبَتَ بِمَدِينَةِ أَهْلِ مَدِينَةٍ أُخْرَى قَوْلَانِ. قُلْت: ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ حَارِثٍ وَلَوْ ثَبَتَ بِمَوْضِعِ الْخَلِيفَةِ وَالْمَازِرِيُّ، وَلَوْ ثَبَتَ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَنَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ كَظَاهِرِ لَفْظِ الْمَازِرِيِّ إنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْخَلِيفَة لَزِمَ سَائِرُ عَمَلِهِ اتِّفَاقًا.
وَقَالَ عِيَاضٌ: إنَّمَا الْخِلَافُ إذَا نُقِلَ بِبَيِّنَةٍ لَا بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَفِي نَقْلٍ ثَبَّتَهُ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ قَوْلَا الشَّيْخِ مَنْ نَقَلَهُ عَنْ ابْنُ مُيَسِّرٍ وَأَبِي عِمْرَانَ قَائِلًا إنَّمَا قَالَ ابْنُ مُيَسِّرٍ فِيمَنْ بُعِثَ لِذَلِكَ وَلَيْسَ كَنَقْلِ الرَّجُلِ لِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْقَائِمُ عَلَيْهِمْ، وَصَوَّبَ ابْنُ رُشْدٍ وَالصَّقَلِّيُّ قَوْلَ الشَّيْخِ وَقَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَقْلِهِ لِأَهْلِهِ، وَلَمْ يَحْكِ اللَّخْمِيُّ وَالْبَاجِيِّ غَيْرَهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْخِلَافَ فِي نَقْلِهِ لِأَهْلِهِ لَا أَعْرِفُهُ.
(لَا) يَثْبُتُ رَمَضَانُ (بِ) رُؤْيَةِ عَدْلٍ (مُنْفَرِدٍ) بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ وَلَوْ خَلِيفَةً أَوْ قَاضِيًا أَوْ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَذْهَبُ لَغْوٌ رُؤْيَةُ الْعَدْلِ لِغَيْرِهِ سَحْنُونٌ وَلَوْ كَانَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنُ حَارِثٍ اتِّفَاقًا (إلَّا كَأَهْلِهِ) أَيْ: الْمُنْفَرِدِ بِهَا.
(وَمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِأَمْرِهِ) أَيْ: الْهِلَالِ سَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَهُ أَوْ غَيْرَهُمْ فَيَثْبُتُ بِرُؤْيَتِهِ فِي حَقِّهِمْ إنْ كَانَ عَدْلَ شَهَادَةٍ بَلْ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً حَيْثُ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَوَثِقَتْ أَنْفُسُ غَيْرِ الْمُعْتَنِينَ بِخَبَرِهِ وَاعْتَرَضَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِاقْتِضَائِهِ ثُبُوتَهُ لِلْأَهْلِ وَلَوْ اعْتَنَوْا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْمُنْفَرِدُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَنِي مُطْلَقًا دُونَ الْمُعْتَنِي مُطْلَقًا، فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ كَأَهْلِهِ وَالْعَاطِفَ وَقَالَ: إلَّا مِنْ الِاعْتِنَاءِ لَهُمْ لَطَابَقَ الرَّاجِحَ وَلَيْسَ قَوْلُهُ لَا بِمُنْفَرِدٍ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْوَاحِدِ عَنْ الِاسْتِفَاضَةِ أَوْ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِعَدْلَيْنِ مُعْتَبَرٌ فَيَعُمُّ وَلَوْ بِمَحَلٍّ مُعْتَنًى فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَهْلِهِ وَغَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ نَقْلِ الْوَاحِدِ عَنْ رُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُرْسَلَ لِيَكْشِفَ الْخَبَرَ فَيَكُونَ كَالْوَكِيلِ سَمَاعُهُ كَسَمَاعِ الْمُرْسَلِينَ لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ بِنَقْلِهِ.
وَعَلَى عَدْلٍ أَوْ مَرْجُوٍّ: رَفْعُ رُؤْيَتِهِ وَالْمُخْتَارُ، وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ أَفْطَرُوا فَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، إلَّا بِتَأْوِيلِ: فَتَأْوِيلَانِ لَا بِمُنَجِّمٍ
ــ
[منح الجليل]
وَعَلَى عَدْلٍ) رَأَى الْهِلَالَ (أَوْ مَرْجُوٍّ) قَبُولُهُ وَهُوَ مَسْتُورُ الْحَالِ (رَفْعُ رُؤْيَتِهِ) لِلْحَاكِمِ وُجُوبًا بِإِخْبَارِهِ بِرُؤْيَتِهِ الْهِلَالَ، وَلَوْ عَلِمَ الْمَرْجُوُّ جُرْحَةَ نَفْسِهِ (وَالْمُخْتَارُ) اللَّخْمِيُّ مِنْ الْخِلَافِ وُجُوبُ رَفْعِ الْعَدْلِ وَالْمَرْجُوِّ (وَغَيْرِهِمَا) وَهُوَ الْفَاسِقُ الْمَكْشُوفُ حَالُهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، لَكِنْ اللَّخْمِيُّ لَمْ يَخْتَرْهُ. وَإِنَّمَا اخْتَارَ قَوْلَ أَشْهَبَ بِنَدْبِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ عَلَى فِي كَلَامِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مُطْلَقِ الطَّلَبِ الصَّادِقِ بِالْوُجُوبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلَيْنِ وَالنَّدْبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَخِيرِ.
(وَإِنْ أَفْطَرُوا) أَيْ: الْعَدْلُ وَالْمَرْجُوُّ وَالْمَكْشُوفُ الْمُنْفَرِدُونَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِلَا رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ (فَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) وَاجِبَانِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ لِوُجُوبِ الصِّيَامِ عَلَيْهِمْ اتِّفَاقًا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) حَالَ فِطْرِهِمْ (بِتَأْوِيلٍ) مِنْهُمْ أَيْ: اعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ كَغَيْرِهِ لِجَهْلِهِمْ (فَتَأْوِيلَانِ) أَيْ: فَهْمَانِ لِشَارِحَيْهَا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِهِ سَبَبَهُمَا. الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِهِ تَأْوِيلًا قَرِيبًا لِاسْتِنَادِهِ لِأَمْرٍ مَوْجُودٍ وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ. وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُهَا فَالْمُنَاسِبُ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ. فَإِنْ رَفَعُوا لَهُ فَرَدَّهُمْ فَأَفْطَرُوا فَعَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ اتِّفَاقًا.
وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ كِرَاءٍ وَلَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ تَجَاسُرَهُ عَلَى الرَّفْعِ لَهُ الْمُسْتَصْعَبِ عَادَةً غَالِبًا دَلَّ عَلَى تَحَقُّقِهِ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ وَأَبْعَدَ تَأْوِيلَهُ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ فَعَدَمُ رَفْعِهِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ تَحَقُّقِهِ الرُّؤْيَةَ، فَلَا يُقَالُ مَنْ رَفَعَ أَوْلَى بِقُرْبِ التَّأْوِيلِ لِاسْتِنَادِهِ لِرَدِّ الْحَاكِمِ وَإِنْ أَفْطَرَ مَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمُنْفَرِدِ فَعَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِمْ كَعَدْلَيْنِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ.
(لَا) يَثْبُتُ رَمَضَانُ (بِ) حِسَابِ (مُنَجِّمٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَحَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِتَكْذِيبِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَحْسِبُ قَوْسَ الْهِلَالِ وَنُورَهُ. وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ نَجْمٍ مَعْلُومٍ، وَالْحَاسِبُ الَّذِي يَحْسِبُ سَيْرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَعَلَى كُلٍّ لَا يَصُومُ أَحَدٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يَعْتَمِدُ هُوَ فِي نَفْسِهِ عَلَى
وَلَا يُفْطِرُ مُنْفَرِدٌ بِشَوَّالٍ وَلَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ، إلَّا بِمُبِيحٍ، وَفِي تَلْفِيقِ شَاهِدٍ أَوَلَهُ، لِآخَرَ آخِرَهُ
ــ
[منح الجليل]
ذَلِكَ وَحَرُمَ تَصْدِيقُ مُنَجِّمٍ وَيُقْتَلُ إنْ اعْتَقَدَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ وَأَنَّهَا الْفَاعِلَةُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إنْ أَسَرَّهُ، فَإِنْ أَظْهَرَ. وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَمُرْتَدٌّ فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ تَأْثِيرَهَا وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهُمَا أَمَارَةً عَلَى مَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ فَمُؤْمِنٌ عَاصٍ.
عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ يُزْجَرُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ تَصْدِيقُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65] وَلِخَبَرِهِ «مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا أَوْ مُنَجِّمًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» صلى الله عليه وسلم. وَغَيْرُ عَاصٍ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ إذَا أَسْنَدَ ذَلِكَ لِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى لِحَدِيثِ «إذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ غُدَيْقَةٌ» ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ وَهُوَ «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَاَلَّذِي قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَاَلَّذِي قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» فَهُوَ فِيمَنْ نَسَبَ الْفِعْلَ لِلنَّوْءِ بِهَذَا جَمَعَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه بَيْنَهُمَا. .
(وَلَا يُفْطِرُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ شَخْصٌ (مُنْفَرِدٌ بِ) رُؤْيَةِ هِلَالِ (شَوَّالٍ) إنْ خَافَ ظُهُورَ فِطْرِهِ لِلنَّاسِ بَلْ (وَلَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ) أَيْ تَحَقَّقَ عَدَمُ ظُهُورِ فِطْرِهِ لِلنَّاسِ خَوْفًا مِنْ تَخَلُّفِ تَحَقُّقِهِ وَظُهُورِ أَمْرِهِ فَيُفَسَّقُ وَيُؤَدَّبُ وَحِفْظُ الْعِرْضِ وَاجِبٌ كَالنَّفْسِ، وَيَجِبُ فِطْرُهُ بِالنِّيَّةِ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ عِيدٍ. فَإِنْ أَفْطَرَ ظَاهِرًا وُعِظَ وَشُدِّدَ عَلَيْهِ فِيهِ إنْ كَانَ ظَاهِرًا لِصَلَاحٍ وَإِلَّا أُدِّبَ، وَيَحْرُمُ فِطْرُ الْمُنْفَرِدِ ظَاهِرًا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) حَالَ كَوْنِهِ مُتَلَبِّسًا (بِ) أَمْرٍ (مُبِيحٍ) لِلْفِطْرِ فِي الظَّاهِرِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَحَيْضٍ فَلَا يَحْرُمُ فِطْرُهُ ظَاهِرًا لِأَمْنِهِ عَلَى عِرْضِهِ بِمُلَابَسَةِ مُبِيحِهِ.
(وَفِي تَلْفِيقِ) شَهَادَةِ (شَاهِدٍ) شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ (أَوَّلَهُ) أَيْ: رَمَضَانَ وَلَمْ يُثْبِتْهُ بِهِ لَا لِانْفِرَادِهِ (لِ) شَهَادَةِ شَاهِدٍ (آخَر) شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ (آخِرَهُ) أَيْ: رَمَضَانَ
وَلُزُومِهِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ: تَرَدُّدٌ.
وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا لِلْقَابِلَةِ، وَإِنْ ثَبَتَ نَهَارًا أَمْسَكَ، وَإِلَّا كَفَّرَ
ــ
[منح الجليل]
فَكَانَ الْأَوَّلُ شَهِدَ آخِرَهُ بِمَا شَهِدَ بِهِ الثَّانِي، وَكَانَ الثَّانِي شَهِدَ أَوَّلَهُ بِمَا شَهِدَ بِهِ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الرُّؤْيَتَيْنِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَجَبَ الْفِطْرُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَمَامِ الشَّهْرِ، وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ نَقْصِهِ عَلَى رُؤْيَةِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَجَبَ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يُصَمْ بِرُؤْيَةِ الْمُنْفَرِدِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَمَامِ الشَّهْرِ لِاحْتِمَالِ كَمَالِهِ عَلَى رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ وَعَدَمِ التَّلْفِيقِ وَهُوَ الرَّاجِحُ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى.
(وَ) فِي (لُزُومِهِ) أَيْ وُجُوبِ صَوْمِ الْمَالِكِيِّ (بِحُكْمِ) الْحَاكِمِ (الْمُخَالِفِ) لِمَالِكٍ رضي الله عنه فِي الْفُرُوعِ كَشَافِعِيٍّ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ (بِشَاهِدٍ) وَاحِدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ اسْتِقْلَالًا؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ وَهِيَ الْعِبَادَةُ قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَعَدَمُ لُزُومِهِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ وَهُوَ الرَّاجِحُ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ. وَقَالَ النَّاصِرُ يَدْخُلُهَا تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا صَامَ الْمَالِكِيُّ وَالنَّاسُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَحَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالْفِطْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِيِّ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَةِ أَشَدُّ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا قَالَهُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْفَرْعَيْنِ حَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ.
(وَرُؤْيَتُهُ) أَيْ: الْهِلَالِ (نَهَارًا) وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ (لِ) لَيْلَةٍ لِ (لْقَابِلَةِ) فَيَسْتَمِرُّ مُفْطِرًا إنْ كَانَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ وَصَائِمًا إنْ كَانَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ. وَقِيلَ إنْ رُئِيَ قَبْلَهُ فَلِلْمَاضِيَةِ، وَإِنْ رُئِيَ بَعْدَهُ فَلِلْقَابِلَةِ (وَإِنْ ثَبَتَ) رَمَضَانُ (نَهَارًا) بِوَجْهٍ مِمَّا سَبَقَ (أَمْسَكَ) الْمُكَلَّفُ بِالصِّيَامِ وُجُوبًا عَنْ جَمِيعِ الْمُفْطِرَاتِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ لَهُ فِطْرٌ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَقَضَاهُ وُجُوبًا، وَلَوْ صَامَهُ بِنِيَّةٍ لِعَدَمِ جَزْمِهَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْسِك (كَفَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ
إنْ انْتَهَكَ.
وَإِنْ غَيَّمَتْ وَلَمْ يُرَ فَصَبِيحَتُهُ يَوْمَ الشَّكِّ.
وَصِيمَ: عَادَةً وَتَطَوُّعًا، وَقَضَاءً وَكَفَّارَةً،
ــ
[منح الجليل]
الْكَفَّارَةُ الْكُبْرَى (إنْ انْتَهَكَ) الْحُرْمَةَ، أَيْ: قَدِمَ عَلَيْهَا عَالِمًا بِهَا بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِكْهَا كَمَنْ أَفْطَرَ ظَانًّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُهُ يَجُوزُ لَهُ فِطْرُهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، فَيُضَمُّ إلَى صُوَرِ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ الْآتِيَةِ. وَكَذَا الْمُفْطِرُ ذَاهِلًا عَنْ الْحُرْمَةِ وَالتَّأْوِيلِ لِنِسْيَانِهِ.
(وَإِنْ غَيَّمَتْ) السَّمَاءُ بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا (وَلَمْ يُرَ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَيْ الْهِلَالُ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ (فَصَبِيحَتُهُ) أَيْ الْغَيْمِ (يَوْمَ الشَّكِّ) الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِهِ وَهَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْجُزْءِ بِاسْمِ كُلِّهِ أَوْ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ: صَبِيحَةُ يَوْمِ الشَّكِّ. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ. فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» . دَلَّ عَلَى أَنَّ صَبِيحَةَ الْغَيْمِ مِنْ شَعْبَانَ جَزْمًا قَالَ فَالْوَجْهُ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ صَبِيحَةَ لَيْلَةٍ مُصْحِيَةٍ تَحَدَّثَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِيهَا مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، كَنِسَاءٍ وَعَبِيدٍ وَصِبْيَانٍ وَفَاسِقٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَا يُعْتَبَرُ حَدِيثُهُ وَصَبِيحَةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ شَعْبَانَ جَزْمًا أَيْضًا، فَالْوُرُودُ مُشْتَرَكٌ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِهِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِهِ فِي الثَّانِي، وَالْإِنْصَافُ أَنَّ الشَّكَّ لَازِمٌ فِيهِمَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَكْمِيلِ شَعْبَانَ بِصَبِيحَةِ الْغَيْمِ فِي الظَّاهِرِ رِفْقًا بِالْأُمَّةِ وَتَخْفِيفًا كَوْنُهُ مِنْهُ فِي الْوَاقِعِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْهِلَالِ وَسَتَرَهُ الْغَيْمُ، وَلَا مِنْ رَدِّ شَهَادَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الظَّاهِرِ كَذِبُهُ فِي الْوَاقِعِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فِيهِ.
(وَصِيمَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: أُذِنَ فِي صَوْمِهِ لِمَنْ اتَّخَذَ الصَّوْمَ (عَادَةً) فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا وَفِي بَعْضِهَا كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ (وَ) أُذِنَ فِيهِ (تَطَوُّعًا) بِلَا عَادَةٍ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَذَا الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ يُكْرَهُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا (وَ) صِيمَ (قَضَاءً) عَنْ يَوْمِ رَمَضَانَ السَّابِقِ (وَ) صِيمَ (كَفَّارَةً) عَنْ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ فِطْرٍ فِي رَمَضَانَ. وَكَذَا فِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَنَذْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ.
وَلِنَذْرٍ صَادَفَ، لَا احْتِيَاطًا.
وَنُدِبَ إمْسَاكُهُ لِيَتَحَقَّقَ.
لَا لِتَزْكِيَةِ شَاهِدَيْنِ
ــ
[منح الجليل]
(وَ) صِيمَ (لِنَذْرٍ) مُعَيَّنٍ (صَادَفَ) يَوْمَ الشَّكِّ كَنَذْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ أَوْ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ وَأَجْزَأهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمٍ لِرَمَضَانَ الْفَائِتِ وَيَوْمٍ لِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَلَا يَقْضِي النَّذْرَ الْمُعَيَّنَ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ صَادَفَ، إذْ مِثْلُهُ نَذَرَ صَوْمِهِ مُعَيَّنًا نَحْوَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ، فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُصَامُ تَطَوُّعًا وَالْمَنْدُوبُ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ (لَا) يُصَامُ يَوْمَ الشَّكِّ (احْتِيَاطًا) لِرَمَضَانَ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُ اجْتَزَى بِهِ وَإِلَّا كَانَ تَطَوُّعًا أَيْ: يُكْرَهُ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقِيلَ يَحْرُمُ وَهُوَ ظَاهِرُ خَبَرِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَتَطَوُّعًا جَوَازُ الصَّوْمِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ عَلَى انْفِرَادِهِ. وَحَدِيثُ «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» . قَالَ عِيَاضٌ مَحْمُولٌ عَلَى تَحَرِّي التَّقْدِيمِ تَعْظِيمًا لِرَمَضَانَ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ إلَّا رَجُلٌ إلَخْ.
(وَنُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (إمْسَاكُهُ) أَيْ: الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ بِقَدْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالثُّبُوتِ فِيهِ مِنْ الْمَارِّينَ وَالْمُسَافِرِينَ، وَذَلِكَ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى نِصْفِ قَوْسِ الزَّوَالِ (لِيُتَحَقَّقَ) الْحَالُ مِنْ صِيَامٍ أَوْ إفْطَارٍ.
(لَا) يُنْدَبُ الْإِمْسَاكُ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ (لِتَزْكِيَةِ شَاهِدَيْنِ) بِهِ احْتَاجَا لَهَا وَفِيهَا طُولٌ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا فَاسْتِحْبَابُ الْإِمْسَاكِ مُتَعَيَّنٌ قَالَهُ الْحَطَّابُ، وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْإِمْسَاكِ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ. وَإِذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالرُّؤْيَةِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَأُخِّرَتْ التَّزْكِيَةُ لِلنَّهَارِ فَلَا إمْسَاكَ أَصْلًا، وَلَا يَجِبُ تَبْيِيتُ الصَّوْمِ. وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً وَأُخِّرَتْ لَهُ فَالْمَنْفِيُّ إنَّمَا هُوَ الْإِمْسَاكُ وَالزَّائِدُ عَلَى مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْأَمْرُ. وَإِنْ زُكِّيَا بَعْدَ ذَلِكَ أُمِرَ النَّاسُ بِالْإِمْسَاكِ وَالْقَضَاءِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْفِطْرِ بِأَنْ رَأَيَا هِلَالَ شَوَّالٍ وَاحْتَاجَا لِلتَّزْكِيَةِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ زُكِّيَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِمْ فِي صِيَامِهِمْ.
أَوْ زَوَالِ عُذْرٍ مُبَاحٍ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ: كَمُضْطَرٍّ؛ فَلِقَادِمٍ وَطْءُ زَوْجَةٍ طَهُرَتْ.
وَكَفُّ لِسَانٍ وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ
ــ
[منح الجليل]
وَعَطَفَ عَلَى تَزْكِيَةٍ فَقَالَ (أَوْ زَوَالِ) أَيْ: لَا يُنْدَبُ الْإِمْسَاكُ لِزَوَالِ (عُذْرٍ مُبَاحٍ لَهُ) أَيْ: لِأَجْلِ الْعُذْرِ (الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ كَ) شَخْصٍ (مُضْطَرٍّ) لِفِطْرٍ فِي رَمَضَانَ مِنْ شِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ فَأَفْطَرَ وَكَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَتَا نَهَارًا وَمَرِيضٍ صَحَّ نَهَارًا وَمُرْضِعٍ مَاتَ وَلَدُهَا، وَمُسَافِرٍ قَدِمَ، وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ، وَصَبِيٍّ بَلَغَ نَهَارًا، فَلَا يُنْدَبُ الْإِمْسَاكُ مِنْهُمْ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ عَنْ النَّاسِي وَالْمُفْطِرِ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِمْسَاكُ كَصَبِيٍّ بَيَّتَ الصَّوْمَ وَاسْتَمَرَّ صَائِمًا إلَى بُلُوغِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَى مَنْطُوقِهِ الْمُكْرَهَ عَلَى الْفِطْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، وَعَلَى مَفْهُومِهِ الْمَجْنُونُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ إذَا أَفَاقَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِرَمَضَانَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِعْلَهُمَا قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ لَا يَتَّصِفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِارْتِفَاعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُمَا، فَلَمْ يَدْخُلَا فِي كَلَامِهِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ.
(فَلِقَادِمٍ) مِنْ سَفَرِهِ نَهَارًا مُفْطِرًا (وَطْءُ زَوْجَةٍ) أَوْ أَمَةٍ (طَهُرَتْ) مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ نَهَارًا أَوْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ قَادِمَةً مِنْ سَفَرٍ مُفْطِرَةً.
(وَ) نُدِبَ (كَفُّ لِسَانٍ) عَنْ فُضُولِ الْكَلَامِ، وَأَمَّا عَنْ الْمُحَرَّمِ فَيَجِبُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَيْضًا وَيَتَأَكَّدُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ فِي رَمَضَانَ (وَ) نُدِبَ (تَعْجِيلُ فِطْرٍ) مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. وَنُدِبَ كَوْنُهُ عَلَى رُطَبٍ فَتَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَعَلَى الْمَاءِ، وَكَوْنُ مَا ذُكِرَ وِتْرًا. وَأَنْ يَقُولَ «اللَّهُمَّ لَك صُمْت، وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت، ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» .
(وَ) نُدِبَ (تَأْخِيرُ سُحُورٍ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْأَكْلُ آخِرَ اللَّيْلِ وَبِفَتْحِهَا مَا يُؤَكِّدُ آخِرَهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْأَوَّلُ لِقَرْنِهِ بِالْفِطْرِ. وَلِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِالتَّأْخِيرِ لِلثُّلُثِ الْأَخِيرِ مَعَ
وَصَوْمٌ بِسَفَرٍ، وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ.
وَصَوْمُ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَحُجَّ، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَعَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ،
ــ
[منح الجليل]
اللَّيْلِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْهُ وَبَيْنَ الْفَجْرِ قَدْرُ قِرَاءَةِ خَمْسِينَ آيَةً» ، فَالْأَكْلُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لَيْسَ سُحُورًا وَهُوَ مَنْدُوبٌ لِخَبَرِ «فَصْلِ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ صِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ» ، وَخَبَرِ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجُرْعَةِ مَاءٍ» . وَأَشْعَرَ نُدِبَ تَأْخِيرُهُ بِنَدْبِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَسُحُورٌ وَتَأْخِيرُهُ.
(وَ) نُدِبَ (صَوْمٌ) لِرَمَضَانَ (بِسَفَرٍ) مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَيُكْرَهُ فِطْرُهُ وَقَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ سَنَةً لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِهِ وَعَدَمِ بَرَاءَتِهَا بِالْفِطْرِ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ إنْ عَلِمَ دُخُولَهُ آخِرَ النَّهَارِ أَوْ وَسَطَهُ بَلْ (وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ) مَحَلًّا يَنْقَطِعُ حُكْمُ سَفَرِهِ بِدُخُولِهِ (بَعْدَ) أَيْ عَقِبَ (الْفَجْرِ) وَدَفَعَ بِالْمُبَالَغَةِ تَوَهُّمَ وُجُوبِ صَوْمِهِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ.
(وَ) نُدِبَ (صَوْمُ) يَوْمِ (عَرَفَةَ) وَهُوَ تَاسِعُ الْحِجَّةِ لِحَدِيثِ «صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، سَنَةً مَاضِيَةً، وَسَنَةً مُسْتَقْبَلَةً» . وَصَوْمُ الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَرَدَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا (إنْ لَمْ يَحُجَّ) وَيُكْرَهُ صَوْمُهَا لِلْحَاجِّ وَيَتَأَكَّدُ نَدْبُ فِطْرِهِمَا لَهُ لِلتَّقَوِّي عَلَى الْمَنَاسِكِ، وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَفْطَرَهُمَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَنَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ» .
(وَ) نُدِبَ صَوْمُ بَاقِي غَالِبِ (عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) أَوْ سُمِّيَ التِّسْعَةَ عَشْرَةَ تَسْمِيَةً لِلْجُزْءِ بِاسْمِ كُلِّهِ. وَنُدِبَ هَذَا وَلَوْ لِحَاجٍّ، وَهَلْ كُلُّ يَوْمٍ مِنْ بَاقِي التِّسْعَةِ يُكَفِّرُ سَنَةً أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا خِلَافٌ (وَ) نُدِبَ صَوْمُ (عَاشُورَاءَ) أَيْ: عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ (وَ) نُدِبَ صَوْمُ (تَاسُوعَاءَ) أَيْ: تَاسِعِ الْمُحَرَّمِ بِالْمَدِّ فِيهِمَا وَقُدِّمَ عَاشُورَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، وَلِأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً وَنُدِبَ تَوْسِعَةً فِيهِ عَلَى الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَالْيَتَامَى بِالْمَعْرُوفِ، وَصَلَاةُ النَّفْلِ وَزِيَارَةُ عَالِمٍ وَغَسْلٌ وَمَسْحُ رَأْسِ يَتِيمٍ وَالصَّدَقَةُ وَالِاكْتِحَالُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقِرَاءَةُ صُورَةِ الْإِخْلَاصِ أَلْفَ مَرَّةٍ.
وَالْمُحَرَّمِ، وَرَجَبٍ، وَشَعْبَانَ، وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِمَنْ أَسْلَمَ وَقَضَاؤُهُ.
وَتَعْجِيلُ الْقَضَاءِ، وَتَتَابُعُهُ: كَكُلِّ صَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْ تَتَابُعُهُ، وَبَدْءٌ بِكَصَوْمِ تَمَتُّعٍ، إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ.
وَفِدْيَةٌ لِهَرَمٍ وَعَطَشٍ
ــ
[منح الجليل]
وَ) نُدِبَ صَوْمُ بَاقِي (الْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ) الْحَطّ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ لَمْ يَرِدْ فِي صِيَامِ رَجَبٍ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ. فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُحَرَّمِ (وَشَعْبَانَ) لَوَافَقَ الْمَنْصُوصَ ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْأَشْهُرِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا شَوَّالًا وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ حَدِيثًا نَصُّهُ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (وَ) نُدِبَ (إمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ) مِنْ رَمَضَانَ (لِمَنْ) كَانَ كَافِرًا وَ (أَسْلَمَ) فِيهِ لِتَظْهَرَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ بِسُرْعَةٍ وَلَمْ يَجِبْ تَأْلِيفًا لَهُ لِلْإِسْلَامِ (وَ) نُدِبَ (قَضَاؤُهُ) أَيْ: الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ وَلَمْ يَجِبْ لِذَلِكَ.
(وَ) نُدِبَ (تَعْجِيلُ الْقَضَاءِ) لِمَا فَاتَ مِنْ رَمَضَانَ مُبَادَرَةً لِلطَّاعَةِ وَإِبْرَاءً لِلذِّمَّةِ (وَ) نُدِبَ (تَتَابُعُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ وَشَبَّهَ فِي نَدْبِ التَّتَابُعِ فَقَالَ (كَكُلِّ صَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْ تَتَابُعُهُ) كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَتَمَتُّعٍ وَصِيَامِ جَزَاءٍ وَثَلَاثَةٍ فِي الْحَجِّ (وَ) نُدِبَ (بَدْءٌ بِكُصُومِ تَمَتُّعٍ) وَقِرَانٍ وَنَقْصٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى قَضَاءِ مَا فَاتَ مِنْ رَمَضَانَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى مُكَلَّفٍ لِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ شَعْبَانَ بِقَدْرِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ، وَالْهَدْيُ وَالْكَفَّارَةُ. وَاجِبٌ مُطْلَقٌ، وَإِذَا اجْتَمَعَا فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْمُطْلَقِ وَلِيَصِلَ السَّبْعَةُ الَّتِي بَعْدَ الرُّجُوعِ بِالثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي الْحَجِّ إنْ كَانَ صَامَهَا فِيهِ (إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ) عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْأَوْجَبُ تَقْدِيمُهُ. .
(وَ) نُدِبَ (فِدْيَةٌ) أَيْ: إعْطَاءُ مُدٍّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ (لِ) شَخْصٍ (هَرِمٍ وَعَطِشٍ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فِيهِمَا أَيْ: دَائِمِ الْهَرَمِ وَالْعَطَشِ الشَّدِيدِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامُ مَعَهُ فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ أَدَاءُ الصَّوْمِ وَقَضَاؤُهُ. وَتُنْدَبُ لَهُ الْفِدْيَةُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي زَمَنٍ
وَصَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَكُرِهَ الْبِيضُ: كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ
ــ
[منح الجليل]
آخَر إلَيْهِ وَصَامَ فِيهِ وُجُوبًا، وَلَا تُنْدَبُ لَهُ الْفِدْيَةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا تُنْدَبُ لَهُمَا وَلِلْعَطَشِ الْأَكْلُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ لَا يُنْدَبُ إمْسَاكُهُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارَانِ الْعَطَشُ بِشُرْبٍ إذَا بَلَغَ مِنْهُ الْجِهَادُ وَلَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.
(وَ) نُدِبَ (صَوْمُ ثَلَاثَةٍ) مِنْ الْأَيَّامِ (مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) سِوَى رَمَضَانَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثَةٍ لَا أَدَعُهُنَّ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» . وَلِخَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُعَيِّنُ» وَكَانَ مَالِكٌ رضي الله عنه يَصُومُ أَوَّلَ يَوْمٍ وَحَادِيَ عَشَرَ وَحَادِيَ عَشْرَيْهِ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالزَّخِيرَةِ أَوَّلَهُ وَعَاشِرَهُ وَمُتَمِّمَ عَشْرَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ يَجْعَلُ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرَةٍ أَمْثَالِهَا.
(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (كَوْنُهَا) أَيْ: الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامِ اللَّيَالِي (الْبِيضُ) أَيْ: الْمُسْتَنِيرَةُ بِالْقَمَرِ مِنْ غُرُوبِهَا لِفَجْرِهَا وَهِيَ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ وَتَالِيَتَاهَا إذَا قَصَدَ صَوْمَهَا بِعَيْنِهَا فِرَارًا مِنْ التَّحْدِيدِ فِيمَا لَمْ يُحَدِّدْهُ الشَّارِعُ وَمِنْ خَوْفِ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا، فَإِنْ اتَّفَقَ صَوْمُهَا بِلَا قَصْدِهَا فَلَا كَرَاهَةَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَا رَوَى مِنْ صَوْمِهَا مَالِكٌ رضي الله عنه عَنْهُ وَحَضَّهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ عَلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَصْحَابُهُ.
وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَ) صَوْمِ (سِتَّةٍ) مِنْ الْأَيَّامِ (مِنْ شَوَّالٍ) فَيُكْرَهُ لِمُقْتَدًى بِهِ مُتَّصِلَةً بِيَوْمِ الْعِيدِ مُتَتَابِعَةً مُظْهِرَةً مُعْتَقِدًا سُنِّيَّةَ وَصْلِهَا وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ انْتَهَى. عبق الْعَدَوِيُّ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُقْتَدَى بِهِ وَلَوْ خِيفَ اعْتِقَادُهُ وُجُوبَهُ وَإِنَّهُ إنْ أَخْفَاهُ لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ الِاتِّصَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُكْرَهَ لِمُقْتَدًى بِهِ وَلِمَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ إنْ وَصَلَهَا وَتَابَعَهَا وَأَظْهَرَهَا وَلِمَنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ اتِّصَالِهَا. الْبُنَانِيُّ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لِمُقْتَدًى بِهِ مَعَ مَا فِي الْحَطّ عَنْ مُطَرِّفٍ، إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ رضي الله عنه صَوْمَهَا لِذِي الْجَهْلِ خَوْفًا مِنْ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا.
وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ
وَذَوْقُ مِلْحٍ وَعِلْكٍ ثُمَّ يَمُجُّهُ.
وَمُدَاوَاةُ حَفْرٍ زَمَنَهُ إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ
ــ
[منح الجليل]
الدَّهْرَ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا» . فَشَهْرُ رَمَضَانَ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ تَمَامُ السَّنَةِ، مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا وَسُنِّيَّةِ اتِّصَالِهَا. وَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ السِّتَّةِ بِكَوْنِهَا مِنْ شَوَّالٍ لِمُجَرَّدِ التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ لِسُهُولَةِ الصِّيَامِ فِيهِ بِاعْتِيَادِهِ فِي رَمَضَانَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صَوْمَهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِهَا فِي شَوَّالٍ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْكَرَاهَةِ.
(وَ) كُرِهَ لِكُلِّ صَائِمٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (ذَوْقُ مِلْحٍ) لِطَعَامٍ لِيَنْظُرَ اعْتِدَالَهُ وَلَوْ صَانِعًا مُحْتَاجًا لِذَوْقِهِ وَعَسَلٍ وَخَلٍّ وَنَحْوِهِمَا (وَ) كُرِهَ مَضْغُ (عِلْكٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، أَيْ: مَا يُعْلَكُ مِنْ تَمْرٍ وَحَلْوَى لِصَبِيٍّ مَثَلًا وَلِبَانٍ وَلَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدَّرْنَا عَامِلَ عِلْكٍ مَضَغَ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسَلُّطِ ذَوْقٍ عَلَيْهِ. قِيلَ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ فَالْأَوْلَى تَضْمِينُ ذَوْقُ مَعْنَى تَنَاوَلَ لِيَصِحَّ تَسَلُّطُهُ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً تَضْمِينُ عَلَفْتهَا مَعْنَى نَاوَلْتهَا (ثُمَّ يَمُجُّهُ) أَيْ: الرِّيقَ الَّذِي ذَاقَ بِهِ الْمِلْحَ أَوْ عَلَكَ بِهِ الْعِلْكَ وُجُوبًا فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِنْ أَمْسَكَهُ بِفَمِهِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَهَلْ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالصَّوْمِ. اهـ. عبق. .
(وَ) كُرِهَ (مُدَاوَاةُ حَفْرٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَسُكُونِهَا أَيْ: فَسَادُ أُصُولِ الْأَسْنَانِ، وَصِلَةُ مُدَاوَاةُ (زَمَنَهُ) أَيْ نَهَارًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَبْتَلِعْ مِنْهُ شَيْئًا وَإِلَّا قَضَى مُطْلَقًا وَكَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ (إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ) بِتَأْخِيرِهَا لِلَّيْلِ بِحُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ تَأَلُّمٍ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ مَرَضٌ فَلَا تُكْرَهُ، وَتَجِبُ إنْ خَافَ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَإِلَّا جَازَ مِنْ غَيْرِهِ وَمَفْهُومُ زَمَنِهِ جَوَازُهَا لَيْلًا، فَإِنْ وَصَلَ شَيْءٌ إلَى حَلْقِهِ نَهَارًا فَهَلْ يَكُونُ كَهُبُوطِ الْكُحْلِ نَهَارًا أَمْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ هُبُوطَ الْكُحْلِ لَيْسَ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الْجَوْفِ بِخِلَافِ دَوَاءِ الْحَفْرِ اهـ. عبق وَمِنْ هَذَا غَزْلُ الْكَتَّانِ الْمَعْطُونِ فِي الْمُبِلَّاتِ فَيُكْرَهُ نَهَارًا إنْ أُرِيقَ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْمِصْرِيُّ الَّذِي يُعْطَنُ فِي الْبَحْرِ فَيَجُوزُ غَزْلُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَحَصَادُ الزَّرْعِ الْمُؤَدِّي لِلْفِطْرِ مَكْرُوهٌ
وَنَذْرُ يَوْمٍ مُكَرَّرٍ، وَمُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ: كَقُبْلَةٍ وَفِكَرٍ، إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ، وَإِلَّا حَرُمَتْ
ــ
[منح الجليل]
إلَّا لِاضْطِرَارٍ إلَيْهِ وَرَبُّ الزَّرْعِ لَهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدَّى إلَى فِطْرِهِ لِاضْطِرَارِهِ لِحِفْظِهِ اهـ بَرْزَلِيٌّ.
(وَ) كُرِهَ (نَذْرُ) صَوْمِ (يَوْمٍ مُكَرَّرٍ) كَكُلِّ خَمِيسٍ وَأَوْلَى أُسْبُوعٌ أَوْ شَهْرٌ أَوْ عَامٌ لِثِقَلِهِ فَيُؤَدِّي لِلْوَفَاءِ بِهِ بِتَكَرُّهٍ أَوْ تَرْكِ الْوَفَاءِ بِهِ. وَمَفْهُومُ مُكَرَّرٍ أَنَّ نَذْرَ غَيْرِ الْمُكَرَّرِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلْحَاقًا لَهُ بِالْعِيدِ فِي الْجُمْلَةِ وَصَوْمُ ضَيْفٍ بِلَا إذْنِ رَبِّ الْمَنْزِلِ (وَ) كُرِهَ (مُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ كَقُبْلَةٍ) لِلَّذَّةِ لَا لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ (وَفِكْرٍ) وَنَظَرٍ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ غَيْرَ مُسْتَدَامَيْنِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: كَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ وَالْفِكْرَ غَيْرَ الْمُسْتَدَامَيْنِ لَا يُكْرَهَانِ إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ الْمِثَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقُبْلَةِ لَتُوُهِّمَ جَوَازُ الْفِكْرِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفِكْرِ لَتُوُهِّمَ حُرْمَتُهَا وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الْمُقَدِّمَةِ (إنْ عُلِمَتْ) أَوْ ظُنَّتْ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (السَّلَامَةُ) مِنْ خُرُوجِ مَنِيٍّ وَمَذْيٍ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ السَّلَامَةُ بِأَنْ عَلِمَ عَدَمَهَا أَوْ شَكَّ (حَرُمَتْ) مُقَدِّمَةُ الْجِمَاعِ. ابْنُ رُشْدٍ تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ نَظَرَ أَوْ تَذَكَّرَ قَاصِدًا التَّلَذُّذَ بِهِ أَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْعَظَ وَلَمْ يُمْذِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَالثَّانِي: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ فَفِيهَا الْقَضَاءُ وَمَا دُونَهَا لَا قَضَاءَ فِيهِ. وَإِنْ أَمْذَى فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ عَنْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ بِلَا قَصْدٍ وَلَا مُتَابَعَةٍ فَقَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا وَأَصَحُّهَا. قَوْلُ أَشْهَبَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَابِعَ حَتَّى يُنْزِلَ. وَثَالِثُهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ فَيُكَفِّرُ مُطْلَقًا وَالنَّظَرُ وَالتَّفَكُّرُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يُتَابِعَ حَتَّى يُنْزِلَ، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا.
وَحِجَامَةُ مَرِيضٍ فَقَطْ.
وَتَطَوُّعٌ قَبْلَ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ.
وَمَنْ لَا يُمْكِنُهُ رُؤْيَةٌ وَلَا غَيْرُهَا:
ــ
[منح الجليل]
وَ) كُرِهَتْ (حِجَامَةُ) شَخْصٍ صَائِمٍ (مَرِيضٍ) إنْ شَكَّ فِي السَّلَامَةِ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَعَدَمِهَا، وَإِنْ عَلِمَهَا جَازَتْ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَهَا حَرُمَتْ (فَقَطْ) أَيْ صَحِيحٌ فَلَا تُكْرَهُ حِجَامَتُهُ حَلَّ شَكُّهُ فِيهَا وَأَوْلَى إنْ عَلِمَهَا، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَهَا حَرُمَتْ إنْ لَمْ يَخْشَ بِتَأْخِيرِهَا هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَالْأَوْجَبُ فِعْلُهَا. وَإِنْ أَدَّتْ إلَى الْفِطْرِ. وَمِثْلُهَا الْفَصَادَةُ قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْفَصَادَةُ أَشَدُّ مِنْ الْحِجَامَةِ لِسَحْبِهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ الْحِجَامَةِ ابْنُ نَاجِي هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ كَرَاهَتُهَا لِلصَّحِيحِ حَالَةَ الشَّكِّ أَيْضًا. قَالَ بَعْضٌ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَطْلَقَ الْمَرِيضَ عَلَى الضَّعِيفِ الَّذِي يُحِسُّ مِنْ نَفْسِهِ بِالضَّعْفِ وَلَا يَعْلَمُ مَا يَحْصُلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ السَّلَامَةِ حَرُمَتْ، وَاحْتُرِزَ بِالْمَرِيضِ عَنْ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ السَّلَامَةَ فَلَا تُكْرَهُ لَهُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ نَقْلُ التَّوْضِيحِ وَعَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ.
(وَ) كُرِهَ (تَطَوُّعٌ) بِصَوْمٍ (قَبْلَ) صَوْمِ (نَذْرٍ) غَيْرِ مُعَيَّنٍ (أَوْ) قَبْلَ صَوْمِ (قَضَاءٍ) لِفَائِتٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ قَبْلَ صَوْمِ كَفَّارَةٍ لِيَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ فِطْرِ رَمَضَانَ. وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ يَحْرُمُ التَّطَوُّعُ فِي زَمَنِهِ وَلَا يُكْرَهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ تَطَوَّعَ فِي زَمَنِهِ قَضَاهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَرَاهَةُ التَّطَوُّعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلَوْ مُؤَكَّدًا كَعَاشُورَاءَ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الرَّاجِحِ. ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَتَطَوَّعُ قَبْلَهُ أَيْ: الْقَضَاءِ، وَلَا قَبْلَ نَذْرٍ. ابْنُ حَبِيبٍ أَرْجُو سَعَةَ تَطَوُّعِهِ بِمُرَغَّبٍ فِيهِ قَبْلَ قَضَائِهِ. ابْنُ رُشْدٍ فِي تَرْجِيحِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ قَضَاءً أَوْ تَطَوُّعًا، ثَالِثُهَا هُمَا سَوَاءٌ، وَرَابِعُهَا مَنْعُ صَوْمِهِ تَطَوُّعًا لِأَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ وَآخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقْتَضَى الْفَوْرِ اهـ. وَمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَيْنِ بَدَأَ بِأَوَّلِهِمَا وَإِنْ عَكَسَ أَجْزَأَ. .
(وَمَنْ) عَلِمَ الشُّهُورَ (لَا يُمْكِنُهُ رُؤْيَةٌ) الْهِلَالِ (وَلَا غَيْرُهَا) أَيْ الرُّؤْيَةِ مِنْ سُؤَالٍ عَنْهَا
كَأَسِيرٍ: كَمَّلَ الشُّهُورَ وَإِنْ الْتَبَسَتْ وَظَنَّ شَهْرًا: صَامَهُ، وَإِلَّا: تَخَيَّرَ، وَأَجْزَأَ مَا بَعْدَهُ بِالْعَدَدِ لَا قَبْلَهُ،
ــ
[منح الجليل]
كَ) شَخْصٍ (أَسِيرٍ) أَعْمَى وَمَحْبُوسٌ كَذَلِكَ أَوْ فِي مَحَلٍّ لَا يَرَاهُ مِنْهُ (كَمَّلَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا (الشُّهُورَ) كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا كَتَوَالِي الْغَيْمِ شُهُورًا وَصَامَ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَهَذَا حُكْمُ مَنْ عَرَفَ الشُّهُورَ وَلَمْ يَعْرِفْ الْكَامِلَ وَالنَّاقِصَ.
(وَإِنْ الْتَبَسَتْ) الشُّهُورُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ أَمْكَنَتْهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ أَمْ لَا (وَظَنَّ شَهْرًا) رَمَضَانَ (صَامَهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ شَهْرًا رَمَضَانَ وَاسْتَوَتْ عِنْدَهُ الشُّهُورُ (تَخَيَّرَ) أَيْ اخْتَارَ شَهْرًا وَصَامَهُ، وَإِنْ شَكَّ فِي كَوْنِ الشَّهْرِ رَمَضَانَ أَوْ شَعْبَانَ صَامَ شَهْرَيْنِ وَفِي كَوْنِهِ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالًا صَامَهُ فَقَطْ، وَيَرَى؛ لِأَنَّهُ إمَّا رَمَضَانُ أَوْ قَضَاؤُهُ، وَفِي كَوْنِهِ رَجَبٌ أَوْ شَعْبَانُ أَوْ رَمَضَانُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الصِّيَامِ إلَى الْأَخِيرِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي رَمَضَانَ، وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْتِهَائِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ الْتَبَسَتْ وَلَمْ يَظُنَّ شَهْرًا صَامَ السَّنَةَ كُلَّهَا كَمَنْ عَلَيْهِ إحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَجَهِلَهَا وَفُرِّقَ الْمَشْهُورُ بِعِظَمِ مَشَقَّةِ صَوْمِ الْعَامِ.
(وَأَجْزَأَ) أَيْ: كَفَى فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ صَوْمُ الشَّهْرِ الَّذِي ظَنَّهُ أَوْ اخْتَارَهُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّهْرَ الَّذِي صَامَهُ (مَا بَعْدَهُ) أَيْ: رَمَضَانَ وَكَانَ قَضَاءً عَنْهُ، وَنَابَتْ نِيَّةُ الْأَدَاءِ عَنْ نِيَّةِ الْقَضَاءِ لِعُذْرِهِ وَاتِّحَادِ الْعِبَادَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْإِجْزَاءِ تَسَاوِيهِمَا (بِالْعَدَدِ) فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا صَامَهُ شَوَّالٌ وَكَانَ هُوَ رَمَضَانَ كَامِلَيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ قَضَى يَوْمًا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ الْكَامِلُ رَمَضَانَ فَقَطْ قَضَى يَوْمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْعَكْسُ فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْحِجَّةُ لَمْ يَعْتَدَّ بِيَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَالْقَضَاءُ بِالْعَدَدِ بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا (لَا) يُجْزِئُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ مَا (قَبْلَهُ) أَيْ: رَمَضَانَ كَشَعْبَانَ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ السُّنُونَ وَلَا يَكُونُ شَعْبَانُ سَنَةَ قَضَاءٍ عَنْ رَمَضَانَ الَّتِي قَبْلَهُ لِعَدَمِ اتِّحَادِ مَا نَوَاهُ أَدَاءً مَعَ الْمَقْضِيِّ عَلَى الْمَشْهُورِ.
أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ.
وَفِي مُصَادَفَتِهِ: تَرَدُّدٌ
ــ
[منح الجليل]
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَكْفِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَجْرَاهُمَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْخِلَافِ فِي طَلَبِ تَعْيِينِ الْأَيَّامِ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا أَيَّامًا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَظْهَرِيَّةِ أَمَارَاتِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ دُونَ أَمَارَاتِ رَمَضَانَ وَوَقْتُ الصَّلَاةِ مُتَّسِعٌ فَالْمُخْطِئُ مُفَرِّطٌ اهـ. ابْنُ غَازِيٍّ.
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيَّ أَنَّهُ خَرَّجَ مِنْ هُنَا قَوْلَيْنِ فِي إجْزَاءِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ عَنْ الْقَضَاءِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ وَاعْتَرَضَهُ سَنَدٌ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ بِأَنْ قَالَا: لَا نَعْرِفُ فِي إجْزَاءِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ خِلَافًا، فَإِنَّ مَنْ اسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَّى مُعْتَقِدًا بَقَاءَ الْوَقْتِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وِفَاقًا. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي كَلَامِهِمَا ذِكْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ نَفْيُ التَّخْرِيجِ فِيهَا. وَلَوْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّخْرِيجِ، اهـ. قُلْت لَعَلَّ مُرَادَ الْبَاجِيَّ التَّخْرِيجُ فِي الْإِجْزَاءِ مَعَ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ خِلَافَ مَا فَهِمَهُ مِنْهُ سَنَدٌ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ حِينَئِذٍ اهـ بُنَانِيٌّ.
(أَوْ) أَيْ: وَلَا يُجْزِئُ إنْ (بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ) فِي كَوْنِ مَا صَامَهُ ظَانًّا أَوْ مُخْتَارًا رَمَضَانَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَوْ مَا قَبْلَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ يُجْزِئُهُ إنْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الِاجْتِهَادُ وَقَدْ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ. ابْنُ عَرَفَةَ إنْ بَقِيَ شَاكًّا فَفِي وُجُوبِ قَضَائِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ مَعَ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. ابْنِ يُونُسَ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضُهُ الِاجْتِهَادَ وَهُوَ قَدْ اجْتَهَدَ وَصَامَ.
(وَفِي) الْإِجْزَاءِ عِنْدَ (مُصَادَفَتِهِ) رَمَضَانَ بِصَوْمِهِ ظَانًّا، أَوْ مُخْتَارًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَدَمِهِ (تَرَدُّدٌ) لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ رُشْدٍ النَّقْلُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْإِجْزَاءُ إذَا صَادَفَهُ وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ. وَفِي الْبَيَانِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ صَادَفَهُ بِتَحَرِّيهِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَجْزِيهِ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَجِدْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَخْذُهُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى بَعِيدٌ. وَمَا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ إلَّا الْإِجْزَاءَ خَاصَّةً وَسَاقَهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَعْزُهُ اهـ. الْحَطّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الطِّرَازِ وَعَزَى
وَصِحَّتُهُ مُطْلَقًا بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ أَوْ مَعَ الْفَجْرِ
ــ
[منح الجليل]
مُقَابِلَهُ لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَقَالَ: إنَّهُ فَاسِدٌ. اهـ. فَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْإِجْزَاءِ لَكَانَ أَوْلَى وَظَاهِرُ التَّوْضِيحِ وَالْمَوَّاقِ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الظَّنِّ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَبِهِ قَرَّرَ أَحْمَدُ اهـ بُنَانِيٌّ.
(وَصِحَّتُهُ) أَيْ: الصَّوْمِ (مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ فَرْضًا مَشْرُوطَةٌ (بِنِيَّةٍ) أَيْ قَصْدِ الصَّوْمِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ كَوْنَهُ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَيَحْتَاجُ الْفَرْضُ لِنِيَّتِهِ، فَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ وَشَكَّ هَلْ نَوَاهُ نَفْلًا أَوْ قَضَاءً أَوْ وَفَاءً نَذْرٍ انْعَقَدَ تَطَوُّعًا، وَإِنْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَيْنِ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَوَجَبَ إتْمَامُهُ لِانْعِقَادِهِ نَفْلًا فِي الظَّاهِرِ (مُبَيَّتَةٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ مُشَدَّدَةً لَيْلًا بَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْوَطْءُ وَالنَّوْمُ بَعْدَهَا، وَيُبْطِلُهَا الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ وَالسُّكْرُ بَعْدَهَا فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْفَجْرُ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ، وَإِنْ زَالَ قَبْلَهُ وَجُدِّدَتْ النِّيَّةُ قَبْلَهُ صَحَّ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا: يَصِحُّ وَعَاشُورَاءُ كَغَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
ابْنُ بَشِيرٍ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ إلَّا إنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ عَلَى سَائِرِ أَجْزَائِهِ فَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَلَمْ يَنْوِ لَمْ يُجْزِهِ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ إلَّا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَفِيهِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» ، وَالشَّاذُّ اخْتِصَاصُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصِحَّةِ صَوْمِهِ إنْ وَقَعَتْ نِيَّتُهُ فِي النَّهَارِ، وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ اللَّيْلُ وَمَتَى عَقَدَهَا فِيهِ أَجْزَاهُ وَلَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِلْفَجْرِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالْحَجِّ فَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَتِهَا أَوْ تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ اهـ.
وَسَوَاءٌ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ (أَوْ مَعَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) إنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فَلَا تُجْزِئُ قَبْلَ الْغُرُوبِ عِنْدَ الْكَافَّةِ وَلَا بَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا الْقَصْدُ وَقَصْدُ الْمَاضِي مُحَالٌ، هَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا تُجْزِئُ مَعَ الْفَجْرِ وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ النِّيَّةَ تَتَقَدَّمُ الْمَنْوِيَّ؛ لِأَنَّهَا قَصْدُهَا وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمَقْصُودِ وَإِلَّا كَانَ غَيْرَ مَنْوِيٍّ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ جَعْلِيَّةٌ، وَقَدْ اكْتَفَى الشَّارِعُ بِالْمُقَارَنَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ تَكْبِيرَةَ
وَكَفَتْ نِيَّةٌ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ لَا مَسْرُودٍ وَيَوْمٍ مُعَيَّنٍ، وَرُوِيَتْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِيهِمَا، لَا إنْ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ: بِكَمَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ
ــ
[منح الجليل]
الْإِحْرَامِ رُكْنٌ مِنْهَا وَالنِّيَّةُ مُقَارِنَةٌ لَهَا. وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيِّ يُفِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ كَوْنُهَا مُقَارِنَةً لِلْفَجْرِ وَرُخِّصَ تَقَدُّمُهَا عَلَيْهِ لِلْمَشَقَّةِ فِي مُقَارَنَتِهَا لَهُ.
(وَكَفَتْ نِيَّةٌ) وَاحِدَةٌ (لَهَا) أَيْ صَوْمٍ (يَجِب تَتَابُعُهُ) كَرَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ فِطْرِهِ وَقَتْلٍ وَظِهَارٍ وَنَذْرٍ مُتَتَابِعٍ كَنَذْرِ صَوْمِ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَعِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ حَيْثُ ارْتِبَاطُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَعَدَمُ جَوَازِ تَفْرِيقِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَطَّلُ جَمِيعُهُ بِبُطْلَانِ بَعْضِهِ كَالْحَجِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَجِبُ النِّيَّةُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي وَاجِبِ التَّتَابُعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَعِبَادَاتٍ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ فَسَادِ جَمِيعِهِ بِفَسَادِ بَعْضِهِ (لَا) تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِ (صَوْمٍ مَسْرُودٍ) أَيْ: مُتَتَابِعٍ بِلَا وُجُوبٍ، كَصِيَامِ الدَّهْرِ أَوْ عَامٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أُسْبُوعٍ تَطَوُّعًا بِلَا نَذْرٍ (وَيَوْمٍ) مُكَرَّرٍ (مُعَيَّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُثَنَّاةِ مُشَدَّدَةً كَكُلِّ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ وَلَوْ عَيَّنَهُ بِالنَّذْرِ، وَكُلِّ مَا لَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَفِدْيَةٍ وَهَدْيٍ وَجَزَاءٍ وَصِيَامِ رَمَضَانَ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ كُلَّ لَيْلَةٍ.
(وَرُوِيَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: الْمُدَوَّنَةُ (عَلَى الِاكْتِفَاءِ) بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ (فِيهِمَا) أَيْ الْمَسْرُودِ وَالْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ بِالنَّذْرِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، حَتَّى قَالَ الْحَطّ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ رَوَاهَا بِالِاكْتِفَاءِ فِيهِمَا وَتَكْفِي نِيَّةُ الْوَاجِبِ التَّتَابُعِ إنْ اسْتَمَرَّ تَتَابُعُهُ (لَا إنْ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ) أَيْ: وُجُوبُهُ (بِكَمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ) فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ الْأُولَى، وَلَوْ اسْتَمَرَّ صَائِمًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَبْيِيتِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ اسْتَمَرَّ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ صَائِمًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ. وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ عَامِدًا فَهَلْ يَحْتَاجُ لِتَجْدِيدِ نِيَّةٍ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَهُ الْحَطّ. وَمَنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ وَلَوْ نَاسِيًا يُجَدِّدُ النِّيَّةَ لَا مَنْ أَفْطَرَ نَهَارًا
وَبِنَقَاءٍ، وَوَجَبَ إنْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِنْ لَحْظَةً، وَمَعَ الْقَضَاءِ إنْ شَكَّتْ.
وَبِعَقْلٍ. وَإِنْ جُنَّ وَلَوْ سِنِينَ كَثِيرَةً
ــ
[منح الجليل]
نَاسِيًا، وَمَنْ أَفْطَرَ مُكْرَهًا كَمَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَكَمَنْ أَفْطَرَ لِمَرَضٍ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ وَالْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَالسُّكْرَ فَتُقْطَعُ النِّيَّةُ وَتُجَدَّدُ بَعْدَ زَوَالِهَا لِمَا بَقِيَ.
(وَ) صِحَّتُهُ (بِنَقَاءٍ) مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ (وَوَجَبَ) الصَّوْمُ (إنْ طَهُرَتْ) بِقَصَّةٍ أَوْ جُفُوفٍ (قَبْلَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) إنْ كَانَ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا زَمَنًا طَوِيلًا بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (لَحْظَةً) يَسِيرَةً جِدًّا بَلْ إنْ رَأَتْ الْقَصَّةَ أَوْ الْجُفُوفَ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَنَوَتْ الصَّوْمَ صَحَّ صَوْمُهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوْ مَعَ الْفَجْرِ، وَقَوْلُهُ وَنَزْعُ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ أَوْ فَرْجٍ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَهُ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ أَصْلًا؛ إذْ الطَّهَارَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ (وَ) وَجَبَ إمْسَاكُهَا (مَعَ الْقَضَاءِ) لَهُ (إنْ شَكَّتْ) فِي حُصُولِ طُهْرِهَا مَعَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ احْتِيَاطًا. ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الَّتِي شَكَّتْ هَلْ طَهُرَتْ فِي وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا.
فَإِنْ قُلْت الْحَيْضُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالشَّكُّ فِيهِ مَوْجُودٌ فِيهِمَا فَلِمَ وَجَبَ أَدَاءُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ. قُلْت: سُلْطَانُ الصَّلَاةِ ذَهَبَ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَوَقْتُهُ إلَى الْغُرُوبِ، وَلَهُ حُرْمَةٌ فَلِذَا وَجَبَ إمْسَاكُهُ كَمَنْ شَكَّ هَلْ تَسَحَّرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ.
(وَ) صِحَّتُهُ (بِعَقْلٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ (وَإِنْ جُنَّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ النُّونِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ سِنِينَ قَلِيلَةً بَلْ (وَلَوْ) جُنَّ (سِنِينَ كَثِيرَةً) وَأَفَاقَ فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ كَقَضَاءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، فَلَا يُقَالُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ. فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ جُنُونُهُ طَارِئًا بَعْدَ بُلُوغِهِ عَاقِلًا أَوْ قَبْلَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْحَبِيبِ وَالْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. إنْ قَلَّتْ السُّنُونَ كَخَمْسَةٍ فَالْقَضَاءُ وَإِنْ كَثُرَتْ كَعَشَرَةٍ فَلَا قَضَاءَ.
أَوْ أُغْمِيَ يَوْمًا أَوْ جُلَّهُ أَوْ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَسْلَمْ أَوَّلَهُ فَالْقَضَاءُ، لَا إنْ سَلِمَ وَلَوْ نِصْفَهُ.
وَبِتَرْكِ جِمَاعٍ وَإِخْرَاجِ: مَنِيٍّ، وَمَذْيٍ،
ــ
[منح الجليل]
أَوْ أُغْمِيَ) عَلَيْهِ (يَوْمًا) مِنْ فَجْرِهِ لِغُرُوبِهِ (أَوْ جُلَّهُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ: أَكْثَرَ الْيَوْمِ وَلَوْ سَلِمَ أَوَّلَهُ (أَوْ أَقَلَّهُ) أَيْ: نِصْفَ الْيَوْمِ فَأَقَلَّ مِنْهُ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَسْلَمْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مِنْ الْإِغْمَاءِ (أَوَّلَهُ) أَيْ: مَعَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ بِأَنْ كَانَ حِينَئِذٍ مُغْمًى عَلَيْهِ (فَالْقَضَاءُ) وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ مَرَضٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ابْنُ عَاشِرٍ الْأَوْلَى كَنِصْفِهِ أَوْ أَقَلِّهِ وَلَمْ يَسْلَمْ لِيُبَيِّنَ أَنَّ النِّصْفَ كَالْأَقَلِّ وَأَنَّ الْقَيْدَ خَاصٌّ بِهِمَا.
(لَا) يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ (إنْ سَلِمَ) مِنْ الْإِغْمَاءِ مَعَ الْفَجْرِ وَجَدَّدَ النِّيَّةَ حِينَئِذٍ، وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَقَلَّهُ بَلْ (وَلَوْ) أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ (نِصْفَهُ) أَيْ: الْيَوْمِ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ حِينَ إفَاقَتِهِ مَعَ الْفَجْرِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لِانْقِطَاعِ نِيَّتِهِ بِالْإِغْمَاءِ وَيُفَصَّلُ فِي جُنُونِ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ تَفْصِيلُ الْإِغْمَاءِ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَى نَائِمٍ وَلَوْ كُلَّ الشَّهْرِ إنْ بَيَّتَ النِّيَّةَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ وَالسُّكْرُ كَالْإِغْمَاءِ. وَظَاهِرُ النَّقْلِ وَلَوْ بِحَلَالٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ بِالْإِيقَاظِ فَلَا يَلْحَقُ بِالنَّوْمِ، وَقَدْ عَلَّلَ ابْنُ يُونُسَ التَّفْصِيلَ فِي الْإِغْمَاءِ بِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَالنَّائِمُ مُكَلَّفٌ لَوْ نُبِّهَ تَنَبَّهَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّكْرَ مُطْلَقًا مِثْلُ الْإِغْمَاءِ وَأَنَّ الْغَيْبَةَ لِلْعَقْلِ مِثْلُهُ مُطْلَقًا، وَقَدْ جَعَلُوا السُّكْرَ بِحَلَالٍ فِي الْوُضُوءِ كَالْإِغْمَاءِ.
(وَ) صِحَّتُهُ (بِتَرْكِ جِمَاعٍ) أَيْ: تَغْيِيبِ حَشَفَةِ بَالِغٍ أَوْ قَدْرِهَا فِي فَرْجِ مُطِيقٍ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ (وَ) تَرْكُ (إخْرَاجِ مَنِيٍّ) يَقَظَةً لَا فِي نَوْمٍ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ (وَ) تَرْكُ إخْرَاجِ (مَذْيٍ) كَذَلِكَ لَا بِلَا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ أَوْ مُجَرَّدِ إنْعَاظٍ وَلَوْ نَشَأَ عَنْ مُقَدِّمَاتٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا وَرُوِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه الْقَضَاءُ، وَتَقَرَّرَ عِنْدَ الشُّيُوخِ أَنَّ رِوَايَةَ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا تَقَدُّمٌ عَلَى رِوَايَتِهِ
وَقَيْءِ. .
وَإِيصَالُ مُتَحَلِّلٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ: لِمَعِدَةٍ بِحُقْنَةٍ بِمَائِعٍ،
ــ
[منح الجليل]
فِي غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ فِيهَا، لَكِنْ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْأَشْهَرُ (وَ) بِتَرْكِ إخْرَاجِ (قَيْءٍ) فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَالْقَضَاءُ، فَإِنْ ابْتَلَعَ شَيْئًا مِنْهُ وَلَوْ غَلَبَةً فَالْكَفَّارَةُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَلَبَةٍ فَلَا قَضَاءَ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ شَيْءٌ مِنْهُ فَالْقَضَاءُ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ابْتِلَاعَهُ فَالْكَفَّارَةُ.
(وَ) صِحَّتُهُ بِتَرْكِ (إيصَالِ) شَيْءٍ (مُتَحَلِّلٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى، أَيْ: يَنْمَاعُ وَلَوْ فِي الْمَعِدَةِ مِنْ مَنْفَذٍ عَالٍ أَوْ سَافِلٍ، فَإِنْ وَصَلَ لَهَا وَلَوْ غَلَبَةً فَالْقَضَاءُ فَقَطْ إلَّا مِنْ الْفَمِ مَعَ الِانْتِهَاكِ فَالْكَفَّارَةُ أَيْضًا، فَالْمُرَادُ بِالْإِيصَالِ الْوُصُولُ، وَهَذَا فِي غَيْرِ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ مِنْ طَعَامٍ إذْ لَا يُفْطِرُ ابْتِلَاعُهُ وَلَوْ عَمْدًا، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ رُشْدٍ عَدَمَ الْقَضَاءِ فِي الْعَمْدِ وَالْمُدَوَّنَةِ لَمْ تُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَمْدِ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ بْن.
(أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ: الْمُتَحَلِّلِ كَدِرْهَمٍ مِنْ مَنْفَذٍ عَالٍ فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي (عَلَى الْمُخْتَارِ) عِنْدَ اللَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ وَهُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا خَاصٌّ بِغَيْرِهِ، فَلَوْ قَالَ كَغَيْرِهِ بِالْكَافِ لَوَافَقَ عَادَتَهُ. وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ اُخْتُلِفَ فِي الْحَصَاةِ وَالدِّرْهَمِ فَذَهَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى أَنَّ لِلْحَصَاةِ وَالدِّرْهَمِ حُكْمَ الطَّعَامِ فَعَلَيْهِ فِي السَّهْوِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَفِي الْعَمْدِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا فَيَقْضِيَ لِتَهَاوُنِهِ بِصَوْمِهِ، فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْحَصَاةَ تَشْغَلُ الْمَعِدَةَ إشْغَالًا مَا وَتُنْقِصُ كَلَبَ الْجُوعِ وَصِلَةُ إيصَالِ (لِمَعِدَةٍ) أَيْ: مَا تَحْتَ الصَّدْرِ إلَى السُّرَّةِ وَهِيَ لِلْآدَمِيِّ كَحَوْصَلَةِ الطَّيْرِ وَكِرْشِ الْبَهِيمَةِ، وَصِلَةُ إيصَالِ أَيْضًا (بِحُقْنَةٍ) أَيْ: احْتِقَانٍ (بِمَائِعٍ) فِي دُبُرِ أَوْ قُبُلِ امْرَأَةٍ لَا إحْلِيلٍ. وَاحْتُرِزَ. بِمَائِعٍ عَنْ حُقْنَةٍ بِجَامِدٍ فَلَا قَضَاءَ فِيهَا وَلَوْ فَتَائِلَ عَلَيْهَا دُهْنٌ لِيَسَارَتِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُتَحَلِّلِ.
أَوْ حَلْقٍ؛ وَإِنْ مِنْ أَنْفٍ، وَأُذُنٍ، وَعَيْنٍ، وَبَخُورٍ،
ــ
[منح الجليل]
أَوْ حَلْقٍ) عَطَفَ عَلَى مَعِدَةٍ أَيْ: وَتَرْكُ إيصَالِ مُتَحَلِّلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَلْقٍ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُرَدَّ غَيْرُ الْمُتَحَلِّلِ، فَإِنْ رَدَّهُ بَعْدَ وُصُولِهِ الْحَلْقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ الْبُنَانِيُّ وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ لِنَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ التَّلْقِينِ، وَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ مِمَّا يَنْمَاعُ أَوْ لَا يَنْمَاعُ اهـ. وَنَقَلَهُ الْحَطّ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، وَعَطْفُ أَوْ حَلْقٍ عَلَى حُقْنَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاصِلَ لِلْحَلْقِ لَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا جَاوَزَهُ إلَى الْمَعِدَةِ وَلَوْ كَانَ مَائِعًا وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ.
وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَائِعَ الْوَاصِلَ لِلْحَلْقِ مُفْطِرٌ وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْهُ إنْ وَصَلَ مِنْ الْفَمِ بَلْ (وَإِنْ) وَصَلَ لَهُ (مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ وَعَيْنٍ) نَهَارًا فَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ وُصُولِهِ لِلْحَلْقِ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِذِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَاكْتِحَالِهِ لَيْلًا وَهُبُوطِهِ نَهَارًا لِلْحَلْقِ أَوْ وَضْعِ دَوَاءٍ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ دُهْنٍ فِي أَنْفِهِ أَوْ أُذُنِهِ لَيْلًا فَهَبَطَ نَهَارًا. وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ مَا وَصَلَ نَهَارًا لِلْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمَنَافِذِ لَا شَيْءَ فِيهِ فَمَنْ دَهَنَ رَأْسَهُ نَهَارًا فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ وَضَعَ حِنَّاءً فِي رَأْسِهِ نَهَارًا فَاسْتَطْعَمَهَا فِي حَلْقِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَنْ حَكَّ رِجْلَهُ بِحَنْظَلَةٍ فَوَجَدَ مَرَارَتَهَا فِي حَلْقِهِ، أَوْ قَبَضَ يَدَهُ عَلَى ثَلِجَةٍ فَوَجَدَ بَرْدَهَا فِي حَلْقِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَوُصُولُ مَائِعٍ لِحَلْقٍ وَإِنْ مِنْ غَيْرِ فَمٍ أَوْ لِمَعِدَةٍ مِنْ كَدُبُرٍ كُلُّهَا بِغَيْرِهِ مِنْ فَمٍ عَلَى الْمُخْتَارِ، لَوْ فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ الِاخْتِصَارِ وَالْإِيضَاحِ.
(وَ) بِتَرْكِ إيصَالِ (بَخُورٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: دُخَانٍ مُتَصَاعِدٍ مِنْ حَرْقِ نَحْوِ عُودٍ وَمِثْلُهُ بُخَارُ الْقِدْرِ حَالَ غَلَيَانِهِ بِالطَّعَامِ فَوُصُولُهُ لِلْحَلْقِ مُفْطِرٌ كَالدُّخَانِ الَّذِي يُشْرَبُ بِالْعُودِ وَشَمُّ رَائِحَةِ الْبَخُورِ وَنَحْوَهُ بِلَا وُصُولِ دُخَانِهِ لِلْحَلْقِ لَا يُفْطِرُ، وَدُخَانُ الْحَطَبِ وَنَحْوُهُ لَا قَضَاءَ بِوُصُولِهِ لِلْحَلْقِ قَالَهُ عج. عبق ظَاهِرُهُ وَلَوْ اسْتَنْشَقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَيَّفُ بِهِ. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ كُلُّ دُخَانٍ يُتَكَيَّفُ بِهِ فَالتَّفْرِيقُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَقُلْت وَقَدْ شَاهَدْت فِي السَّفَرِ مِنْ إنْسَانٍ فَرَغَ دُخَانُهُ فَحَرَقَ طَرَفَ الْعُودِ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ بِهِ الدُّخَانَ وَشَرِبَ دُخَانَهُ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ حَتَّى أَفْنَاهُ وَإِنَّمَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْجَبَلِيِّ وَالصُّورِيِّ وَالْبَلَدِيِّ حَالَ وُجُودِهَا
وَقَيْءٍ، وَبَلْغَمٍ أَمْكَنَ طَرْحُهُ مُطْلَقًا، أَوْ غَالِبٍ مِنْ مَضْمَضَةٍ أَوْ سِوَاكٍ، وَقَضَى فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا، وَإِنْ بِصَبٍّ فِي حَلْقِهِ نَائِمًا: كَمُجَامَعَةِ نَائِمَةٍ،
ــ
[منح الجليل]
وَكَثْرَتِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِهَا فَيَتَكَيَّفُونَ بِكُلِّ دُخَانٍ وَلَوْ دُخَانَ عَذِرَةٍ.
(وَ) بِتَرْكِ إيصَالِ (قَيْءٍ) أَوْ قَلْسٍ (وَبَلْغَمٍ أَمْكَنَ طَرْحُهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ بِأَنْ نَزَلَ مِنْ الْحَلْقِ إلَى الْفَمِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ طَرْحُهُ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَلْقَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِعِلَّةٍ أَوْ امْتِلَاءِ مَعِدَةٍ أَوْ كَثِيرٍ مُتَغَيِّرٍ أَمْ لَا رَجَعَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَلْغَمُ مِنْ صَدْرٍ أَوْ رَأْسٍ لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ فِي الْبَلْغَمِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا وَلَوْ وَصَلَ إلَى طَرَفِ اللِّسَانِ لِمَشَقَّتِهِ. وَلَا شَيْءَ عَلَى الصَّائِمِ فِي ابْتِلَاعِ رِيقِهِ إلَّا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ سَحْنُونٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا قَضَاءَ مُطْلَقًا وَهُوَ الرَّاجِحُ.
(أَوْ) أَيْ: وَبِتَرْكِ وُصُولِ شَيْءٍ (غَالِبٍ) سَبَقَهُ لِحَلْقِهِ (مِنْ) أَثَرِ مَاءِ (مَضْمَضَةٍ) أَوْ اسْتِنْشَاقٍ لِوُضُوءٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ عَطَشٍ (أَوْ) غَالِبٍ مِنْ رُطُوبَةِ (سِوَاكٍ) مُجْتَمِعَةٍ فِي فَمِهِ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ طَرْحُهُ فَيَقْضِي الْفَرْضَ فَقَطْ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ لِتَوَهُّمِ اغْتِفَارِهِ لِطَلَبِ الشَّارِعِ الْمَضْمَضَةَ وَالسِّوَاكَ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَبِتَرْكِ إيصَالِ مُتَحَلِّلٍ إلَخْ (وَقَضَى) مَنْ أَفْطَرَ (فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا) أَيْ: عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً أَوْ إكْرَاهًا حَرَامًا أَوْ جَائِزًا أَوْ وَاجِبًا كَانَ الْفَرْضُ أَصْلِيًّا أَوْ نَذْرًا، وَأَمْسَكَ وُجُوبًا إنْ كَانَ فَرْضًا مُعَيَّنًا زَمَنُهُ كَرَمَضَانَ، وَنَذْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ تَطَوُّعًا أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا أَوْ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ، أَوْ قَتْلٍ أَوْ فِطْرِ رَمَضَانَ. كَذَلِكَ، وَخُيِّرَ فِيهِ فِيمَا عَدَا هَذِهِ وَيَجِبُ قَضَاءُ الْفَرْضِ.
(وَإِنْ) أَفْطَرَ (بِصَبٍّ) مِنْ شَخْصٍ مَائِعًا (فِي حَلْقِهِ) أَيْ: الصَّائِمِ حَالَ كَوْنِهِ (نَائِمًا) وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَقَالَ (كَمُجَامَعَةِ) امْرَأَةٍ (نَائِمَةٍ) فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ عَنْهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهَا مَنْ أُكْرِهَ أَوْ كَانَ نَائِمًا فَصُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ فِي رَمَضَانَ أَوْ جُومِعَتْ امْرَأَةٌ نَائِمَةٌ فِي رَمَضَانَ فَالْقَضَاءُ يُجْزِئُ بِلَا كَفَّارَةٍ. أَبُو الْحَسَنِ سَكَتَ عَنْ الْفَاعِلِ هَلْ تَلْزَمُهُ
وَكَأَكْلِهِ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ، أَوْ طَرَأَ الشَّكُّ، وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ دَلِيلَهُ اقْتَدَى بِالْمُسْتَدِلِّ، وَإِلَّا احْتَاطَ؛ إلَّا الْمُعَيَّنَ: لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ نِسْيَانٍ
ــ
[منح الجليل]
الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا وَأَوْجَبَهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى الْفَاعِلِ فِيهِمَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ، وَهُوَ ظَاهِرُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ.
الثَّالِثُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَكَأَكْلِهِ) أَيْ: الشَّخْصِ حَالَ كَوْنِهِ (شَاكًّا فِي) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) أَوْ فِي الْغُرُوبِ وَعَدَمِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَيَجِبُ قَضَاءُ النَّفْلِ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ شَاكًّا فِي أَحَدِهِمَا عَمْدًا حَرَامٌ (أَوْ) أَكَلَ مُعْتَقِدًا بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ غُرُوبَ الشَّمْسِ ثُمَّ (طَرَأَ) لَهُ (الشَّكُّ) فِي الْفَجْرِ أَوْ الْغُرُوبِ فَالْقَضَاءُ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ إذْ لَيْسَ مِنْ الْعَمْدِ الْحَرَامِ، وَهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ دَلِيلَهُ) أَيْ: الصَّوْمِ وُجُودًا وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ أَوْ عَدَمًا وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ (اقْتَدَى) وُجُوبًا (بِالْمُسْتَدِلِّ) عَلَيْهِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ أَوْ الْمُسْتَنَدِ إلَيْهِ وَيَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي الدَّلِيلِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَلِذَا قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ وَلَمْ يَقُلْ وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَلَا يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدُ غَيْرَهُ لِكَثْرَةِ الْخَطَأِ فِيهَا لِخَفَائِهَا.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُسْتَدِلًّا عَدْلًا عَارِفًا (احْتَاطَ) فِي سُحُورِهِ بِالتَّقْدِيمِ مَعَ تَحَقُّقِ بَقَاءِ اللَّيْلِ وَفِطْرِهِ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاسْتَثْنَى مِنْ الْفَرْضِ فَقَالَ (إلَّا) النَّذْرَ (الْمُعَيَّنَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ الَّذِي فَاتَ صَوْمُهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ (لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ) أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ فَلَا يَقْضِي لِفَوَاتِ زَمَنِهِ بِالْعُذْرِ، فَإِنْ زَالَ وَبَقِيَ بَعْضُهُ صَامَهُ (أَوْ نِسْيَانٍ) فَلَا يَقْضِي وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَوْمَهُ أَوْ أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ لِتَفْرِيطِهِ، وَكَذَا مَنْ أَفْطَرَهُ مُكْرَهًا الْحَطّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَفِي التَّلْقِينِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ الْأَوَّلُ أَوْ لِخَطَأِ وَقْتٍ كَصَوْمِهِ الْأَرْبِعَاءَ يَظُنُّ الْخَمِيسَ الْمَنْذُورَ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُعَيَّنِ مِنْ
وَفِي النَّفْلِ، بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ، وَلَوْ بِطَلَاقٍ بَتٍّ؛ إلَّا لِوَجْهٍ كَوَالِدٍ،
ــ
[منح الجليل]
الْمَضْمُونِ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَيَجِبُ فِعْلُهُ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ لِعَدَمِ فَوَاتِهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ وَقْتِهِ.
(وَ) قَضَى (فِي النَّفْلِ) وُجُوبًا (بِ) الْفِطْرِ (الْعَمْدِ) وَلَوْ لِسَفَرٍ طَرَأَ عَلَيْهِ (الْحَرَامِ) لَا بِالْفِطْرِ نِسْيَانًا أَوْ إكْرَاهًا وَلَا لِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ أَوْ خَوْفِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ شِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ (وَلَوْ) أَفْطَرَ لِحَلِفِ شَخْصٍ عَلَيْهِ (بِطَلَاقٍ بَتٍّ) أَوْ بِعِتْقٍ لَتُفْطِرَنَّ فَلَا يَجُوزُ فِطْرُهُ وَإِنْ فَطَرَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ (إلَّا لِوَجْهٍ) كَتَعَلُّقِ قَلْبِ الْحَالِفِ بِمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ عِتْقِهَا بِحَيْثُ يَخْشَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا إنْ حَنِثَ فَيَجُوزُ الْفِطْرُ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ. وَإِنْ أَفْطَرَ عَمْدًا حَرَامًا فَلَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ إذْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَا حُرْمَةَ لِلْوَقْتِ. ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَا وَجْهَ لِكَفِّ مُفْطِرِهِ عَمْدًا إلَّا لِوَجْهٍ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبَ كَفِّهِ لَا أَعْرِفُهُ. ابْنُ غَازِيٍّ جَاءَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مُطَرِّفٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَبِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْمَشْيِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ. وَأُحِبُّ طَاعَةَ أَبَوَيْهِ إنْ عَزَمَا عَلَى فِطْرِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ، زَادَ ابْنُ رُشْدٍ رِقَّةً عَلَيْهِ مِنْ إدَامَةِ الصَّوْمِ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ فَقَالَ الْفَقِيهُ رَاشِدٌ: الْوَجْهُ أَنْ يَقْصِدَ بِيَمِينِهِ الْحَنَّانَةَ كَأَنَّهُ رَدٌّ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ فِي الْأَبَوَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ آخِرَ الثَّلَاثِ فَلَا يُحْنِثُهُ، فَحَمَلَ ابْنُ غَازِيٍّ الْوَجْهَ فِي الْمُصَنَّفِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَجَعَلَ الْإِشَارَةَ بِوَاوٍ إلَى الثَّانِي. وَاخْتَارَ الْحَطّ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَجْهِ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَنَصُّهُ لَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ الَّتِي حَلَفَ بِعِتْقِهَا أَوْ الْمَرْأَةُ الَّتِي حَلَفَ بِطَلَاقِهَا عَلَّقَ بِهَا الْحَالِفُ وَيَخْشَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا إنْ حَنِثَ فَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ الْفِطْرُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ كَوَالِدٍ تَشْبِيهًا. الْحَطّ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ وَسِيَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ أَفْرَدَ ذِكْرَ الْوَالِدَيْنِ عَنْ الْوَجْهِ فَجَعَلَهُ مِثَالًا كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ غَازِيٍّ خِلَافَ الرِّوَايَةِ.
وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ وَعَدَمِ الْقَضَاءِ فَقَالَ (كَوَالِدٍ) أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَمَرَهُ بِفِطْرِ النَّفْلِ
وَشَيْخٍ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا.
وَكَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ، وَجَهْلٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ: جِمَاعًا.
أَوْ رَفْعَ نِيَّةٍ نَهَارًا أَوْ أَكْلًا
ــ
[منح الجليل]
شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنْ إدَامَةِ صَوْمِهِ فَيَجُوزُ فِطْرُهُ وَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ وَمِثْلُهُ السَّيِّدُ (وَشَيْخٍ) فِي الطَّرِيقِ أَخَذَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ أَمَرَهُ بِفِطْرِهِ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ، وَلَا يَقْضِي، وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ شَيْخَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ إنْ حَلَفَ الْوَالِدُ وَالشَّيْخُ بَلْ (وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا) أَيْ: الْوَالِدُ وَالشَّيْخُ عَلَى فِطْرِ الْوَلَدِ وَالْمُرِيدِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعَهْدَ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّاعَةِ وَفِطْرُ النَّفْلِ مَعْصِيَةٌ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّة بِجَوَازِ الْفِطْرِ عَمْدًا اخْتِيَارًا فِي النَّفْلِ تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» قُدِّمَ فِيهِ نَظَرُ الشَّيْخِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَبْيِيتِ نِيَّةِ الْفِطْرِ وَتَرْكِ إدَامَةِ الصِّيَامِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى إفْسَادِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَكَفَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ أَخْرَجَ الْمُفْطِرُ الْكَفَّارَةَ الْكُبْرَى وُجُوبًا (إنْ تَعَمَّدَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الصَّائِمُ الْفِطْرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا وَاخْتَارَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مُكْرَهٍ، بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى فِطْرِهِ، أَوْ مَغْلُوبٍ عَلَيْهِ وَانْتَهَكَ الْحُرْمَةَ بِأَنْ عَمِلَهَا وَاجْتَرَأَ عَلَيْهَا (بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ) فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مُتَأَوِّلٍ تَأْوِيلًا قَرِيبًا (وَ) بِلَا (جَهْلٍ) لِحُرْمَةِ فِعْلِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ جَاهِلًا حُرْمَةَ إفْطَارِهِ كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ وَأَوْلَى جَهْلُ رَمَضَانَ كَمُفْطِرِ يَوْمِ الشَّكِّ قَبْلَ ثُبُوتِهِ وَكَمَنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْأَشْهُرُ، وَأَمَّا جَهْلُ وُجُوبِهَا مَعَ عِلْمِ حُرْمَةِ مُوجِبِهَا فَلَا يُسْقِطُهَا وَأَفْطَرَ (فِي) أَدَاءِ (رَمَضَانَ فَقَطْ) أَيْ: لَا فِي قَضَائِهِ وَلَا فِي كَفَّارَتِهِ وَنَحْوِهِمَا وَمَفْعُولُ تَعَمَّدْ (جِمَاعًا) يُوجِبُ الْغُسْلَ وَسَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً.
(أَوْ) تَعَمَّدَ (رَفْعَ) أَيْ: رَفْضَ (نِيَّةٍ) لِلصَّوْمِ (نَهَارًا) أَوْ لَيْلًا وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ رَافِعٌ لَهَا لَا إنْ عَلَّقَ الْفِطْرَ عَلَى شَيْءٍ وَلَمْ يَحْصُلْ، كَأَنْ وَجَدْت طَعَامًا أَكَلَتْ وَلَمْ يَجِدْهُ أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَأْكُلْهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (أَوْ) تَعَمَّدَ (أَكْلًا) أَوْ بَلْعًا لِنَحْوِ حَصَاةٍ وَوَصَلَتْ لِجَوْفِهِ، هَذَا ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ لِجَرْيِهِ سَابِقًا عَلَى اخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ قَوْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ حُكْمُ الْحَصَاةِ وَالدِّرْهَمِ
أَوْ شُرْبًا بِفَمٍ فَقَطْ وَإِنْ بِاسْتِيَاكٍ بِجَوْزَاءَ،
ــ
[منح الجليل]
حُكْمُ الطَّعَامِ فَفِي نِسْيَانِهِ الْقَضَاءُ، وَفِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ سُقُوطُهَا فِي غَيْرِ الْمُتَحَلِّلِ.
(أَوْ) تَعَمَّدَ (شُرْبًا) لِمَائِعٍ وَتَنَازَعَ أَكْلًا وَشُرْبًا (بِفَمٍ فَقَطْ) أَيْ: لَا بِغَيْرِهِ مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ وَعَيْنٍ وَمَسَامِّ شَعْرٍ وَدُبُرٍ وَإِحْلِيلٍ وَثُقْبَةٍ فَلَا كَفَّارَةَ بِالْإِيصَالِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا تَتَشَوَّفُ إلَيْهِ النُّفُوسُ الْبَاقِيَةُ عَلَى فِطْرَتِهَا. وَإِنَّمَا شُرِعَتْ الْكَفَّارَةُ لِزَجْرِ النَّفْسِ عَمَّا تَشْتَاقُ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ فِي الْوَاصِلِ مِنْ الْفَمِ مِنْ وُصُولِهِ لِلْجَوْفِ، فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ الْحَلْقِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ الْوُصُولَ لِلْحَلْقِ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَجِبُ بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ وَبِالْمَنِيِّ وَبِمَا يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ مِنْ الْفَمِ خَاصَّةً اهـ.
قُلْت كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ شَاهِدٌ لعبق وَنَصُّهُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا لَهُ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ وَطْئًا أَوْ إنْزَالًا وَالْإِفْطَارُ بِمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ أَوْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْفَمِ اهـ. إنْ وَصَلَ مِنْ الْفَمِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ بَلْ (وَإِنْ) وَصَلَ مِنْ الْفَمِ لِلْجَوْفِ (بِاسْتِيَاكٍ بِجَوْزَاءَ) أَيْ قِشْرِ الْجَوْزِ إنْ تَعَمَّدَ الِاسْتِيَاكَ بِهَا نَهَارًا وَابْتَلَعَ أَثَرَهَا وَلَوْ غَلَبَةً أَوْ لَيْلًا وَتَعَمَّدَ بَلْعَهُ نَهَارًا فَإِنْ ابْتَلَعَهُ غَلَبَةً فَيَقْضِي فَقَطْ كَابْتِلَاعِهَا نِسْيَانًا، وَلَوْ اسْتَاكَ بِهَا نَهَارًا عَامِدًا فَإِنْ اسْتَاكَ بِهَا نَهَارًا نَاسِيًا فَإِنْ ابْتَلَعَ أَثَرَهَا عَامِدًا كَفَّرَ وَإِلَّا فَلَا أَفَادَهُ عبق. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي التَّوْضِيحِ إلَّا عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ، وَهُوَ قَيَّدَهَا بِالِاسْتِعْمَالِ نَهَارًا وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ فَقَطْ
أَوْ مَنِيًّا وَإِنْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ: إلَّا أَنْ يُخَالِفَ عَادَتَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ
ــ
[منح الجليل]
وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَالْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ. اهـ. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا قَالَهُ عبق لِحُرْمَةِ الِاسْتِيَاكِ بِالْجَوْزَاءِ.
(أَوْ) تَعَمَّدَ (مَنِيًّا) أَيْ: إخْرَاجَهُ بِتَقْبِيلٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ بَلْ (وَإِنْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ) أَوْ نَظَرٍ وَعَادَتُهُ الْإِنْزَالُ مِنْهُمَا وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ كَانَ اعْتَادَ عَدَمَهُ مِنْهُمَا فَخَالَفَ عَادَتَهُ وَأَنْزَلَ فَقَوْلَانِ فِي لُزُومِ كَفَّارَتِهِ وَعَدَمِهِ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يُخَالِفَ عَادَتَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) فَإِنْ لَمْ يُدِمْهُمَا فَلَا كَفَّارَةَ اتِّفَاقًا، فَقَوْلُهُ، إلَّا أَنْ يُخَالِفَ عَادَتَهُ رَاجِعٌ لِإِدَامَةِ الْفِكْرِ، وَمِثْلُهَا إدَامَةُ النَّظَرِ، وَأَمَّا الْإِنْزَالُ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ خَالَفَ عَادَتَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ اخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْقَيْدِ فِيهِمَا جَرَيَانُهُ فِي الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ بِالْأَوْلَى، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقَيْدُ فِيهِمَا ضَعِيفًا تَرَكَهُ، وَفِي الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ مُعْتَمَدًا ذَكَرَهُ نَعَمْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا اللَّخْمِيِّ فَالْأَوْلَى عَلَى الْأَصَحِّ أَفَادَهُ عبق. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَ عَادَتَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَخْ اُنْظُرْ مِنْ أَيْنَ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالْبَيَانِ أَنَّ فِي مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ إذَا أَنْزَلَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ رضي الله عنه فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي لِأَشْهَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ مُطْلَقًا، الثَّابِتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ عَنْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ غَيْرِ مُسْتَدَامَيْنِ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ طفي.
وَلَمْ يُعَرِّجْ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى عَادَةِ السَّلَامَةِ وَلَا عَدَمِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الْقُبْلَةِ هَلْ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إنْ أَنْزَلَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ رضي الله عنه إلَّا أَنْ يُتَابِعَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى شَرْطِ الْمُتَابَعَةِ فِي النَّظَرِ قَالَ: وَالْأَصْلُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا إنْ قَصَدَ الِانْتِهَاكَ فَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى عَادَتِهِ، فَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُنْزِلَ عَنْ قُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُ كَفَّرَ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ السَّلَامَةَ فَلَا يُكَفِّرْ اهـ طفي.
وَإِنْ أَمْنَى بِتَعَمُّدِ نَظَرِهِ فَتَأْوِيلَانِ:.
بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلٍّ مُدٌّ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ،
ــ
[منح الجليل]
فَالْمُصَنِّفُ بِاعْتِبَارِ الْمُبَالَغَةِ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ أَشَارَ لِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ فَيَجْرِي فِي الْجَمِيعِ نَعَمْ اللَّخْمِيُّ فِي اخْتِيَارِهِ لَمْ يَنْظُرْ لِمُتَابَعَةٍ وَلَا عَدَمِهَا، وَإِنَّمَا نَظَرَ لِلْعَادَةِ وَهَذَا لَا يَضُرُّ الْمُصَنِّفُ إذْ نَسَجَ عَلَى مِنْوَالِ اللَّخْمِيِّ، فَإِذَا ذَكَرَ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى شَرْطِ الْمُتَابَعَةِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِذِكْرِ اخْتِيَارِهِ الرَّاجِعِ لِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، وَلَيْسَ اخْتِيَارُهُ خَاصًّا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ كَمَا قِيلَ، بَلْ ذَكَرَهُمَا مِثَالَيْنِ كَمَا تَرَى اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ تَخْصِيصَ ز الِاسْتِثْنَاءَ بِمَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ وَقَوْلُهُ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ إلَّا فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ كُلُّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، إذْ غَيْرُهُمَا أَحْرَى بِذَلِكَ نَعَمْ مَا تَقَدَّمَ يَقْتَضِي أَنَّ اخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَا مِنْ الْخِلَافِ. وَأَجَابَ طفي بِأَنَّ تَفَقُّهَهُ لَمَّا نَشَأَ عَنْ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَحَّ التَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ الِاسْمِ.
(وَإِنْ أَمْنَى) فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ (بِتَعَمُّدِ نَظْرَةٍ) وَاحِدَةٍ (فَ) فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِهِ (تَأْوِيلَانِ) أَيْ: فَهْمَانِ لِشَارِحَيْهَا رَاجِحُهُمَا عَدَمُهُ إذَا لَمْ يُخَالِفْ عَادَتَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ اتِّفَاقًا، تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا عَدَمُهَا إنْ أَنْزَلَ عَنْ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ غَيْرِ مُسْتَدَامٍ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ يُكَفِّرُ إنْ أَمْنَى عَنْ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ مُتَعَمِّدًا فَحَمَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَلَى الْوِفَاقِ بِحَمْلِ مَا فِيهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ النَّظَرَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى الْخِلَافِ. الْبَاجِيَّ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ.
وَصِلَةُ كَفَّرَ (بِإِطْعَامٍ) أَيْ: تَمْلِيكِ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَيْ: مُحْتَاجًا فَشَمِلَ الْفَقِيرَ (لِكُلٍّ) مِنْ السِّتِّينَ (مُدٌّ) أَيْ: مِلْءُ يَدَيْنِ مُتَوَسِّطَتَيْنِ مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَتَيْنِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْمُدِّ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُجْزِئَانِ وَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ الْأَيَّامِ لَا بِتَعَدُّدِ الْفِطْرِ فِي يَوْمٍ وَلَوْ حَصَلَ الثَّانِي بَعْدَ إخْرَاجِهَا عَنْ الْأَوَّلِ أَوْ كَانَ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَوَّلِ. (وَهُوَ) أَيْ: الْإِطْعَامُ (الْأَفْضَلُ) مِنْ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَلَوْ لِلْخَلِيفَةِ لِكَثْرَةِ تَعَدِّي نَفْعِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ لِتَعَدِّيهِ دُونَ الصَّوْمِ.
أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ، أَوْ عِتْقِ رَقَبَةٍ كَالظِّهَارِ.
وَعَنْ أَمَةٍ وَطِئَهَا، أَوْ زَوْجَةٍ أَكْرَهَهَا نِيَابَةً، فَلَا يَصُومُ، وَلَا يَعْتِقُ عَنْ أَمَتِهِ، وَإِنْ أَعْسَرَ كَفَّرَتْ
ــ
[منح الجليل]
وَأَفْتَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَمِيرَ الْأَنْدَلُسِ بِتَكْفِيرِهِ بِالصَّوْمِ بِحَضْرَةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ وَيُجَامِعَ ثَانِيًا (أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ) مُتَتَابِعَيْنِ (أَوْ عِتْقِ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ عُيُوبٍ لَا تُجْزِئُ مَعَهَا كَامِلَةٌ مُحَرَّرَةٌ لِلْكَفَّارَةِ حَالَ كَوْنِ الصِّيَامِ وَالْعِتْقِ (كَالظِّهَارِ) فِي شَرْطِيَّةِ تَتَابُعِ الشَّهْرَيْنِ وَنِيَّتِهِ وَإِيمَانِ الرَّقَبَةِ وَسَلَامَتِهَا مِنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ إلَخْ، وَكَمَالِ رَقِّهَا وَتَحْرِيرِهَا لِلْكَفَّارَةِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي فِي الظِّهَارِ، وَالتَّخْيِيرُ فِيهَا لِلْحُرِّ الرَّشِيدِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ بَقِيَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِطْعَامِ وَالسَّفِيهُ يَأْمُرُهُ وَلِيُّهُ بِالصَّوْمِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْ أَبَى كَفَّرَ عَنْهُ بِأَدْنَى النَّوْعَيْنِ قِيمَةً.
(وَ) كَفَّرَ (عَنْ أَمَةٍ) لَهُ (وَطِئَهَا) وَلَوْ أَطَاعَتْهُ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ إلَّا أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ فَعَلَيْهَا كَفَّارَتُهَا (أَوْ) عَنْ (زَوْجَةٍ أَكْرَهَهَا) زَوْجُهَا عَلَى وَطْئِهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتُهَا إنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً مُسْلِمَةً وَلَوْ أَمَةً لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَهِيَ كَجِنَايَةٍ فِي رَقَبَتِهِ فَيُخَيَّرُ مَالِكُهُ بَيْنَ إسْلَامِهِ فِيهَا وَفِدَائِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتَيْ الرَّقَبَةِ وَالطَّعَامِ، وَلَيْسَ لَهَا أَخْذُهُ وَالصِّيَامُ إذْ لَا قِيمَةَ لَهُ (نِيَابَةً) عَنْ إحْدَاهُمَا (فَلَا يَصُومُ) عَنْ إحْدَاهُمَا إذْ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ.
(وَلَا يَعْتِقُ) السَّيِّدُ (عَنْ أَمَةٍ) لَهُ وَطِئَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إذْ لَا يَنْعَقِدُ وَلَاءٌ لَهَا (وَإِنْ أَعْسَرَ) الزَّوْجُ عَنْ الْكَفَّارَةِ عَنْ زَوْجَتِهِ الَّتِي أَكْرَهَهَا عَلَى وَطْئِهَا (كَفَّرَتْ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ الزَّوْجَةُ عَنْ نَفْسِهَا بِأَحَدِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ. الرَّمَاصِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِهِ وَعِبَارَةُ النُّكَتِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ فَكَفَّرَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا بِالْإِطْعَامِ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِالْأَقَلِّ مِنْ مَكِيلَةِ الطَّعَامِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الطَّعَامَ أَوْ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ، وَلَيْسَتْ كَالْحَمِيلِ يَشْتَرِي مَا تَحْمِلُ بِهِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ، وَيَدْفَعُهُ لِلطَّالِبِ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُضْطَرَّةٍ إلَى تَكْفِيرِهَا عَنْ نَفْسِهَا وَلَا مَأْخُوذَةٍ بِهِ. اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ
وَرَجَعَتْ؛ وَإِنْ لَمْ تَصُمْ بِالْأَقَلِّ مِنْ الرَّقَبَةِ. وَكَيْلِ الطَّعَامِ
ــ
[منح الجليل]
وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَى وَلَا مَأْخُوذٌ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ، فَلَا يُنَافِي النَّدْبَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَحُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَرَتَّبَ فِي تَوْضِيحِهِ مَطْلُوبِيَّتَهَا بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَيْهَا أَصَالَةٌ كَمَا فَعَلَ هُنَا.
(وَرَجَعَتْ) الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا وَكَذَا إنْ كَفَّرَتْ عَنْ نَفْسِهَا مَعَ يُسْرِهِ (إنْ لَمْ تَصُمْ) الزَّوْجَةُ بِأَنْ أَطْعَمَتْ أَوْ أَعْتَقَتْ فَتَرْجِعُ (بِالْأَقَلِّ مِنْ) قِيمَةِ (الرَّقَبَةِ وَ) نَفْسِ مِثْلِ (كَيْلِ الطَّعَامِ) إنْ أَخْرَجَتْهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَتَعْلَمُ أَقَلِّيَّتَهُ وَأَكْثَرِيَّتَهُ بِتَقْوِيمِهِ إنْ كَانَ مِنْ عِنْدِهَا، فَإِنْ كَانَتْ اشْتَرَتْهُ فَبِثَمَنِهِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ الرَّقَبَةِ رَجَعَتْ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْهُمَا رَجَعَتْ بِمِثْلِ الطَّعَامِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّقَبَةِ أَقَلَّ رَجَعَتْ بِهَا، فَإِنْ أَعْتَقَتْ رَجَعَتْ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ إنْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ مِنْ عِنْدِهَا وَإِلَّا فَالْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا وَثَمَنِهَا وَقِيمَةِ الطَّعَامِ.
وَأَمَّا نَفْسُ كَيْلِ الطَّعَامِ فَلَا يُنْسَبُ لِقِيمَةِ الرَّقَبَةِ إذْ لَا يَحْصُلُ بِنِسْبَتِهِ لَهَا مَعْرِفَةُ قِلَّتِهِ أَوْ كَثْرَتِهِ، وَإِنَّمَا رَجَعَتْ بِالْأَقَلِّ وَلَمْ تَكُنْ كَالْحَمِيلِ يَرْجِعُ بِثَمَنِ الطَّعَامِ أَوْ الْعَرْضِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَأَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُضْطَرَّةٍ إلَى تَكْفِيرِهَا عَنْ نَفْسِهَا وَغَيْرُ مَأْخُوذَةٍ بِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ كَالْأَجْنَبِيِّ: عَبْدُ الْحَقِّ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَقَلِّ يَوْمَ تَأْدِيَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مُسَلِّفَةٌ لَا يَوْمَ الرُّجُوعِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَصُمْ عَدَمُ رُجُوعِهَا بِشَيْءٍ إنْ صَامَتْ فَقَطْ أَوْ ضَمَّتْ لَهُ إطْعَامًا أَوْ عِتْقًا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَذَا بِإِذْنٍ لَهَا فِي أَحَدِهِمَا فَصَامَتْ ثُمَّ فَعَلَتْهُ نَظَرًا لِتَقَدُّمِ الصَّوْمِ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ رُجُوعُهَا عَلَيْهِ بِأَقَلِّهِمَا كَمَا إذَا فَعَلَتْهُ ثُمَّ صَامَتْ أَفَادَهُ عبق، وَاعْتَرَضَهُ الْبُنَانِيُّ فَقَالَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ نَظَرٌ بَلْ غَيْرُ صَوَابٍ.
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّهَا إنْ كَفَّرَتْ بِالْإِطْعَامِ رَجَعَتْ بِالْأَقَلِّ مِنْ مَكِيلَةِ الطَّعَامِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَتْهُ بِهِ أَوْ قِيمَةِ الْعِتْقِ أَيُّ ذَلِكَ أَقَلُّ رَجَعَتْ بِهِ. اهـ. وَكَذَا إنْ كَفَّرَتْ بِالْعِتْقِ رَجَعَتْ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَتْهَا بِهَا أَوْ مَكِيلَةِ الطَّعَامِ أَنَّهَا أَبَدًا تُعْطَى الْأَقَلَّ، وَكَذَا أَطْلَقَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ قَالَهُ طفي فِي أَجْوِبَتِهِ اهـ قُلْت
وَفِي تَكْفِيرِهِ عَنْهَا إنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْقُبْلَةِ حَتَّى أَنْزَلَا: تَأْوِيلَانِ.
وَفِي تَكْفِيرِ مُكْرِهِ رَجُلًا لِيُجَامِعَ: قَوْلَانِ لَا إنْ أَفْطَرَ
ــ
[منح الجليل]
لَعَلَّ قَوْلَ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ مِنْ مَكِيلَةِ الطَّعَامِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: قِيمَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ النَّظَرَ بَيْنَ مَكِيلَةِ الطَّعَامِ وَثَمَنِهِ وَقِيمَةِ الرَّقَبَةِ لَا يُفِيدُ أَقَلِّيَّةً وَلَا أَكْثَرِيَّةً كَمَا قَالَ عب، وَكَذَا قَوْلُ طفي أَوْ مَكِيلَةِ الطَّعَامِ فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمِثْلِ الطَّعَامِ وَلَا الرَّقَبَةِ بَلْ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الطَّعَامِ وَثَمَنِهِ وَقِيمَةِ الرَّقَبَةِ وَثَمَنِهَا.
(وَفِي تَكْفِيرِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (عَنْهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (إنْ أَكْرَهَهَا) أَيْ: الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ (عَلَى الْقُبْلَةِ) وَنَحْوَهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ (حَتَّى أَنْزَلَا) أَيْ أَمْنَى الزَّوْجَانِ أَوْ أَنْزَلَتْ هِيَ وَحْدَهَا وَعَدَمِ تَكْفِيرِهِ عَنْهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الثَّانِي. وَنَصَّ عَلَى إنْزَالِهِمَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ تَكْفِيرُهُ عَنْهَا اتِّفَاقًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجْرِي مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَعْسَرَ كَفَّرَتْ وَرَجَعَتْ بِالْأَقَلِّ إلَخْ (تَأْوِيلَانِ) أَيْ: فَهْمَانِ لِشَارِحَيْهَا الْأَوَّلُ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَالثَّانِي الْقَابِسِيُّ عِيَاضٌ ثَانِيهِمَا ظَاهِرُهَا.
(وَفِي تَكْفِيرِ مُكْرِهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (رَجُلًا لِيُجَامِعَ) الرَّجُلُ الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ حَلِيلَتَهُ أَوْ غَيْرَهَا وَعَدَمِ تَكْفِيرِهِ عَنْهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي وُجُوبِ تَكْفِيرِ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ قَوْلَيْنِ، وَاسْتَقْرَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ السُّقُوطَ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ وَالْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ مُبَاشِرٌ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبَهَا عَلَى مُكْرِهِ رَجُلًا عَلَى وَطْءٍ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ (قَوْلَانِ) وَالرَّجُلُ الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْوَطْءِ. قَالَ عِيَاضٌ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَكْثَرُ أَقْوَالِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْبَاجِيَّ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مُكْرَهٍ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَلَى وَطْءٍ وَفِي الرَّجُلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ عِيَاضٍ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ (لَا) يُكَفِّرُ مُفْطِرٌ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ (إنْ) تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا قَرِيبًا بِأَنْ اسْتَنَدَ فِيهِ لِأَمْرٍ مَوْجُودٍ كَمَنْ (أَفْطَرَ)
نَاسِيًا، أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، أَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ. أَوْ قَدِمَ لَيْلًا، أَوْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ؛
ــ
[منح الجليل]
فِي رَمَضَانَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهَا حَالَ كَوْنِهِ (نَاسِيًا) فَظَنَّ لِفَسَادِ صَوْمِهِ وَوُجُوبِ قَضَائِهِ إبَاحَةَ الْفِطْرِ بَعْدَ تَذَكُّرِهِ وَتَعَاطَاهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (أَوْ) أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ أَوْ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ لَيْلًا وَرَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرَ لَيْلًا (وَلَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ) فَظَنَّ فَسَادَ صَوْمِهِ وَوُجُوبَ قَضَائِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَتُبَاحُ لَهُ الْمُفْطِرَاتُ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
(أَوْ تَسَحَّرَ) آخِرَ اللَّيْلِ (قُرْبَهُ) أَيْ: الْفَجْرِ وَظَنَّ فَسَادَ صَوْمِهِ وَإِبَاحَةَ فِطْرِهِ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ تَسَحَّرَ فِي الْفَجْرِ قَالَهُ تت، أَيْ: فَظَنَّ الْإِبَاحَةَ مِمَّنْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ فَلَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْحَطّ إذْ لَمْ يَسْتَنِدْ لِمَوْجُودٍ يَعْذُرُ بِهِ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حَقِيقَةً اهـ عبق. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يَقُلْ الْحَطّ إلَّا أَنَّ الْعُذْرَ هُنَا أَضْعَفُ مِنْهُ فِي اللَّتَيْنِ قَبْلَهُ (أَوْ قَدِمَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُخَفَّفًا مِنْ سَفَرِ قَصْرٍ (لَيْلًا) فَظَنَّ عَدَمَ لُزُومِهِ الصَّوْمَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ وَأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَأَفْطَرَ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
(أَوْ سَافَرَ دُونَ) مَسَافَةِ (الْقَصْرِ) فَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَبَيَّتَ الْفِطْرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ وَسَافَرَ نَهَارًا دُونَ الْقَصْرِ وَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِيمَنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ وَسَافَرَ سَفَرَ قَصْرٍ بَعْدَ الْفَجْرِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِهِ بِالْأَحْرَى أَفَادَهُ الْحَطّ (أَوْ رَأَى شَوَّالًا) أَيْ: هِلَالَهُ (نَهَارًا) آخِرَ يَوْمِ رَمَضَانَ فَظَنَّ أَنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَأَنَّ الْيَوْمَ عِيدٌ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ (فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ) أَيْ لِلْفِطْرِ فَأَفْطَرُوا رَاجِعٌ لِلْأَمْثِلَةِ السِّتَّةِ وَمَفْهُومُ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا الْحُرْمَةَ أَوْ شَكُّوا فَعَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِهَاكِهِمْ.
وَزِيدَ عَلَى السِّتِّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا مَنْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ بَعْدَ ثُبُوتِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ
بِخِلَافِ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ: كِرَاءٍ، وَلَمْ يُقْبَلْ،
ــ
[منح الجليل]
ظَانًّا الْإِبَاحَةَ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ وَسَتَأْتِي الثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِطْرٌ بِسَفَرِ قَصْرٍ وَمَنْ أَفْطَرَ مُكْرَهًا وَلَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وَأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَأَفْطَرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَهِكًا قَالَهُ عبق. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَمَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَظَنَّ الْإِبَاحَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ لِمَوْجُودٍ وَزِيدَ أَيْضًا مَنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا عَدَمَ تَكْذِيبِ الْعَدْلَيْنِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ صَحْوًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِهِ وَمَنْ أَفْطَرَ ظَانًّا الْإِبَاحَةَ لِحِجَامَةٍ فُعِلَتْ بِهِ أَوْ فَعَلَهَا هُوَ بِغَيْرِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِحِ لِاسْتِنَادِهِ لِمَوْجُودٍ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمُحْتَجِمُ» ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعِبْرَةُ فِي قُرْبِ التَّأْوِيلِ بِضَابِطِهِ وَهُوَ الِاسْتِنَادُ لِمَوْجُودٍ وَالْأَمْثِلَةُ لَا تُخَصِّصُهُ. .
(بِخِلَافِ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ) هَذَا مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِ بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ لَا يُقَالُ: إنَّهُ مَنْطُوقُهُ فَكَيْفَ يُخَرَّجُ مِنْهُ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: قَوْلُهُ بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ أَعَمُّ مِنْ هَذَا لِصِدْقِهِ بِانْتِفَاءِ التَّأْوِيلِ أَصْلًا وَبِالتَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ شَرْطُ الْكَفَّارَةِ انْتِفَاءُ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ بِخِلَافِ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا انْتِفَاؤُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ انْتِهَاكًا لِلْحُرْمَةِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ، فَإِضَافَةُ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ مِنْ إضَافَةِ مَا كَانَ صِفَةً وَهُوَ مَا لَمْ يُسْنَدْ لِمَوْجُودٍ غَالِبًا وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ (كَ) شَخْصٍ (رَاءٍ) اسْمُ فَاعِلِ رَأَى أَيْ: مُبْصِرٍ بِعَيْنِهِ هِلَالَ رَمَضَانَ وَشَهِدَ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ فَرُدَّ. (وَلَمْ يُقْبَلْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِمَانِعٍ فَظَنَّ إبَاحَةَ فِطْرِهِ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِبُعْدِ تَأْوِيلِهِ، وَإِنْ اسْتَنَدَ فِيهِ لِمَوْجُودٍ؛ لِأَنَّ جَرَاءَتَهُ عَلَى رَفْعِ شَهَادَتِهِ لِلْحَاكِمِ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِهِ الرُّؤْيَةَ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقُرْبِ تَأْوِيلِهِ لِاسْتِنَادِهِ لِمَوْجُودٍ وَهُوَ رَدُّ الْحَاكِمِ شَهَادَتَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا أَقْرَبُ مِمَّنْ قَدِمَ لَيْلًا وَمَنْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ وَقَدْ اسْتَنَدَ لِمَوْجُودٍ، وَلِذَا قَيَّدْت بِقَوْلِي غَالِبًا اهـ. عبق قُلْت ظَاهِرِيٌّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ لِمَعْدُومٍ وَهُوَ أَنَّ الْيَوْمَ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ أَنَّهُ مِنْهُ بِرُؤْيَةِ عَيْنِهِ.
أَوْ أَفْطَرَ لِحُمَّى ثُمَّ حُمَّ أَوْ لِحَيْضٍ ثُمَّ حَصَلَ، أَوْ حِجَامَةٍ أَوْ غِيبَةٍ، وَلَزِمَ مَعَهَا الْقَضَاءُ. إنْ كَانَتْ لَهُ، وَالْقَضَاءُ فِي التَّطَوُّعِ بِمُوجِبِهَا
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) بَيَّتَ الْفِطْرَ (لِحُمَّى) اعْتَادَهَا فِي يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ (ثُمَّ حُمَّ) فِيهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يُحَمَّ فِيهِ (أَوْ) بَيَّتَتْ الْفِطْرَ (لِحَيْضٍ) اعْتَادَتْهُ فِي يَوْمِهَا (ثُمَّ حَصَلَ) الْحَيْضُ
وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَحْصُلْ فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا لِقُرْبِ تَأْوِيلِهِمَا ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي ذِي التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ قَوْلَانِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَلَهَا كَمَنْ قَالَ الْيَوْمُ أُحَمُّ أَوْ أَحِيضُ فَأَفْطَرَ فَحُمَّ وَحَاضَتْ (أَوْ) أَفْطَرَ لِظَنِّهِ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لِ (حِجَامَةٍ) فَعَلَهَا بِغَيْرِهِ أَوْ فُعِلَتْ بِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقُرْبِ تَأْوِيلِهِ لِاسْتِنَادِهِ لِمَوْجُودٍ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُمَا خَاطَرَا بِالْفِطْرِ لِفِعْلِهِمَا مَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْفِطْرُ غَالِبًا، أَمَّا الْحَاجِمُ فَلِمَصِّهِ الدَّمَ الَّذِي شَأْنُهُ الْوُصُولُ لِحَلْقِهِ، وَأَمَّا الْمُحْتَجَمُ فَلِخَوْفِ إغْمَائِهِ. (أَوْ) ظَنَّ إبَاحَةَ فِطْرِهِ لِ (غِيبَةٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ ذِكْرِهِ غَيْرَهُ بِمَا يَكْرَهُ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِبُعْدِ تَأْوِيلِهِ. الْحَطّ لَوْ جَرَى فِيهِ خِلَافُ مَنْ أَفْطَرَ لِحِجَامَةٍ مَا بَعُدَ لَكِنْ لَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ بِوُجُوبِهَا (وَلَزِمَ الْقَضَاءُ) مَعَ الْكَفَّارَةِ (إنْ كَانَتْ) الْكَفَّارَةُ (لَهُ) أَيْ: عَنْ الْمُكَفِّرِ لَا إنْ كَانَتْ عَنْ غَيْرِهِ كَزَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ فَالْقَضَاءُ عَلَى غَيْرِهِ (وَالْقَضَاءُ فِي) فِطْرِ صَوْمِ (التَّطَوُّعِ) وَاجِبٌ (بِ) فِطْرٍ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ (مُوجِبِهَا) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ: سَبَبٍ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْعَمْدُ بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ وَجَهْلٍ، فَكُلُّ مَا أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي الْفَرْضِ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ فِي النَّفْلِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ عَبِثَ بِنَوَاةٍ فِي فِيهِ فَنَزَلَتْ فِي حَلْقِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْفَرْضِ وَلَا يَقْضِي النَّفَلَ.
وَأَجَابَ طفي عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْفَرْقِ
وَلَا قَضَاءَ فِي غَالِبِ قَيْءٍ، أَوْ ذُبَابٍ أَوْ غُبَارِ طَرِيقٍ، أَوْ كَيْلٍ، أَوْ جِبْسٍ لِصَانِعِهِ.
ــ
[منح الجليل]
بَيْنَ التَّحَلُّلِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُصَنِّفَ دَرَجَ عَلَى مَذْهَبِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْمُتَحَلِّلَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْفَرْضِ وَلِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْأُصُولِ. وَلِذَا لَمَّا ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: خَالَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا قَاعِدَتَهُ أَنَّ كُلَّ مَا أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي الْفَرْضِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ فِي النَّفْلِ وَأَوْرَدَ عَلَى طَرْدِهَا أَيْضًا الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ لِوَجْهٍ، كَأَمْرِ وَالِدٍ أَوْ شَيْخٍ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ فِي النَّفْلِ وَأَجَابَ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ فِي رَمَضَانَ لَيْسَ هُوَ الْوَجْهُ فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ مُبِيحٌ فِي النَّفْلِ وَلَيْسَ مُبِيحًا فِي رَمَضَانَ، وَغَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي الْحَضَرِ وَأَفْطَرَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ يَقْضِي النَّفَلَ وَلَا يُكَفِّرُ فِي الْفَرْضِ وَلِأَنَّ مَسَائِلَ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ كَذَلِكَ وَلِأَنَّ مَنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ وَمَنْ أَمْذَى كَذَلِكَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَسَائِلِ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِي النَّفْلِ فِيهَا لِانْتِفَاءِ الْحُرْمَةِ بِهِ وَقَضَاؤُهُ إنَّمَا هُوَ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ.
(وَلَا قَضَاءَ فِي غَالِبِ قَيْءٍ) مِنْ إضَافَةِ مَا كَانَ صِفَةً أَيْ: خَرَجَ غَلَبَةً وَلَوْ كَثُرَ إنْ لَمْ يَزْدَرِدْ شَيْئًا مِنْهُ (أَوْ) دُخُولِ (ذُبَابٍ) أَوْ بَعُوضٍ حَلْقَهُ غَلَبَةً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَدِيثٍ وَالذُّبَابُ يَطِيرُ فَيَسْبِقُ لِحَلْقِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ رَدُّهُ فَأَشْبَهَ رِيقَ فَمِهِ قَالَهُ سَنَدٌ، وَيُفْهَمُ أَنَّ الْبَعُوضَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ كَالذُّبَابِ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ طَيَرَانُهُ فِي مَحَلٍّ حَتَّى يَغْلِبَ دُخُولُهُ فَيَكُونَ مِثْلَهُ وَبِالْبَعُوضِ جَزَمَ فِي الْجَلَّابِ (أَوْ) غَالِبِ (غُبَارِ طَرِيقٍ) لِحَلْقِهِ فَلَا قَضَاءَ فِيهِ لِلْمَشَقَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ، وَأَمَّا دُخُولُ غُبَارِ غَيْرِ الطَّرِيقِ لِحَلْقِهِ غَلَبَةً فَفِيهِ الْقَضَاءُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِذَا كَثُرَ غُبَارُ الطَّرِيقِ وَأَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ بِوَضْعِ شَيْءٍ عَلَى الْأَنْفِ وَالْفَمِ فَهَلْ مُلْزِمٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ (أَوْ) غُبَارِ (دَقِيقٍ أَوْ كَيْلٍ) لِحَبٍّ وَنَحْوِهِ.
(أَوْ) غُبَارِ (جِبْسٍ لِصَانِعِهِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الدَّقِيقِ وَمَا بَعْدَهُ وَدَخَلَ فِي صَانِعِ الْجِبْسِ يَكِيلُهُ أَوْ يَطْحَنُهُ أَوْ يَرْفَعُهُ مِنْ مَحَلٍّ لِآخَرَ، وَكَذَا مَنْ يُمْسِكُ طَرَفَ مَا يُوضَعُ فِيهِ
وَحُقْنَةٍ مِنْ إحْلِيلٍ. أَوْ دُهْنِ جَائِفَةٍ، وَمَنِيِّ مُسْتَنْكِحٍ أَوْ مَذْيٍ. وَنَزْعِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ أَوْ فَرْجٍ طُلُوعَ الْفَجْرِ.
ــ
[منح الجليل]
الْمَكِيلُ حَيْثُ اُحْتِيجَ لَهُ وَمِثْلُ غُبَارِ الدَّقِيقِ طَعْمُ الدِّبَاغِ لِصَانِعِهِ، قَالَهُ التُّونُسِيُّ، وَنَصُّهُ فِي لَغْوِ غُبَارِ الدَّقِيقِ وَالْجِبْسِ وَالدِّبَاغِ لِصَانِعِهِ نَظَرٌ لِضَرُورَةِ الصَّنْعَةِ وَإِمْكَانِ غَيْرِهَا وَكَذَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ التِّلِمْسَانِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الدَّقِيقِ إنَّمَا هُوَ لِصَانِعِهِ. ابْنُ عَاشِرٍ مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الصَّانِعِ حَارِسُ قَمْحِهِ عِنْدَ طَحْنِهِ خَوْفًا مِنْ سَرِقَتِهِ كَمَا قَالُوا فِي مَالِكِ الزَّرْعِ يَحْضُرُ حَصَادَهُ.
(وَ) لَا قَضَاءَ فِي (حُقْنَةٍ مِنْ إحْلِيلٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: ثُقْبِ ذَكَرٍ، وَأَمَّا فَرْجُ الْمَرْأَةِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْحُقْنَةِ مِنْهُ إنْ وَصَلَتْ الْمَعِدَةَ أَفَادَهُ عبق. الْبُنَانِيُّ أَبُو عَلِيٍّ فَرْجُهَا لَيْسَ مُوَصِّلًا لِمَعِدَتِهَا فَلَا يَصِلُ مِنْهُ إلَيْهَا شَيْءٌ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ كَرِهَ مَالِكٌ رضي الله عنه الْحُقْنَةَ لِلصَّائِمِ، فَإِنْ احْتَقَنَ فِي فَرْضٍ بِشَيْءٍ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ فَلْيَقْضِ وَلَا يُكَفِّرْ. وَفِي الْحَطّ عَنْ النِّهَايَةِ الْإِحْلِيلُ يَقَعُ عَلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ (وَ) لَا قَضَاءَ فِي (دُهْنِ جَائِفَةٍ) أَيْ: جُرْحٍ نَافِذٍ لِلْجَوْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَدْخَلَ الطَّعَامِ، وَلَوْ وَصَلَ إلَيْهِ لَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ (وَ) لَا قَضَاءَ فِي خُرُوجِ (مَنِيِّ مُسْتَنْكِحٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ نَعْتُ مَنِيٍّ أَوْ بِفَتْحِهَا نَعْتُ مَحْذُوفٍ مُضَافٍ إلَيْهِ أَيْ: شَخْصٍ أَيْ: قَاهِرٍ وَخَارِجٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ فَفِيهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(أَوْ مَذْيٍ) مُسْتَنْكِحٍ وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَ) لَا قَضَاءَ فِي (نَزْعِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ) مِنْ فَمِ وَلَوْ لَمْ يَتَمَضْمَضْ (أَوْ فَرْجٍ) مِنْ فَرْجٍ (طُلُوعَ الْفَجْرِ) وَلَوْ أَمْنَى أَوْ أَمْذَى بَعْدَهُ أَيْ حَالَ طُلُوعِهِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ النَّهَارِ وَلَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّيْلِ بِلَا خِلَافٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ وَطْئًا. ابْنُ شَاسٍ لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ يُجَامِعُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ اسْتَدَامَ فَإِنْ نَزَعَ فَفِي إثْبَاتِ الْقَضَاءِ وَنَفْيِهِ خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ سَبَبُهُ هَلْ بَعْدَ النَّزْعِ جِمَاعًا أَمْ لَا. اللَّخْمِيُّ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَ يَطَأُ فَأَقْلَعَ حِينَ رَأَى
وَجَازَ سِوَاكٌ كُلَّ النَّهَارِ، وَمَضْمَضَةٌ لِعَطَشٍ، وَإِصْبَاحٌ بِجَنَابَةٍ، وَصَوْمُ دَهْرٍ وَجُمُعَةٍ فَقَطْ وَفِطْرٌ بِسَفَرِ قَصْرٍ
ــ
[منح الجليل]
الْفَجْرَ صَحَّ صَوْمُهُ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ. فِي الْبُرْزُلِيُّ مَنْ نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَقَدْ بَيَّتَ الصِّيَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ يُلْقِي مَا فِي فِيهِ وَيَتَمَضْمَضُ وَظَاهِرُ سَبْقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ.
(وَجَازَ) أَيْ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الصَّائِمِ وَلَمْ يُكْرَهْ (سِوَاكٌ) أَيْ: اسْتِيَاكٌ إذْ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ بِمَا لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَكُرِهَ بِالرَّطْبِ لِمَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ، فَإِنْ تَحَلَّلَ مِنْهُ شَيْءٌ وَوَصَلَ لِحَلْقِهِ عَمْدًا فَفِيهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ فَقَطْ (كُلَّ النَّهَارِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» ، أَيْ: أَمْرَ إيجَابٍ وَهَذَا يَعُمُّ الصَّائِمَ وَغَيْرَهُ (وَ) جَازَ لَهُ (مَضْمَضَةٌ لِعَطَشٍ) وَنَحْوِهِ فَمَا تُطْلَبُ الْمَضْمَضَةُ فِيهِ كَوُضُوءٍ وَغُسْلٍ أَحْرَى، وَتُكْرَهُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ؛ لِأَنَّهَا تَغْرِيرٌ بِالْفِطْرِ يَسْبِقُهَا لِلْحَلْقِ الْمُصَنِّفُ إذَا تَمَضْمَضَ لِعَطَشٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَ رِيقَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الْبَاجِيَّ إذَا ذَهَبَ طَعْمُ الْمَاءِ وَخَلَصَ رِيقُهُ (وَ) جَازَ (إصْبَاحٌ بِجَنَابَةٍ) وَالْأَوْلَى الِاغْتِسَالُ مِنْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ.
(وَ) جَازَ أَيْ: نُدِبَ (صَوْمُ دَهْرٍ) إنْ لَمْ يُضْعِفْهُ عَنْ عَمَلِ بِرٍّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِهِ مُسْتَوِيًا، وَإِنَّمَا قِيلَ بِنَدْبِهِ وَكَرَاهَتِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ احْتَجَّ عَلَى جَوَازِ صَوْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهِ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ كُرِهَ أَوْ مُنِعَ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْقَبَّابُ هَذِهِ حُجَّةٌ لَا بَأْسَ بِهَا. الْبُنَانِيُّ قَدْ يُقَالُ فِي حُجَّةِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْقَائِلَ بِكَرَاهَتِهِ يُجِيبُ عَنْ لُزُومِهِ بِالنَّذْرِ بِمَا يَأْتِي فِي رَابِعِ النَّحْرِ (وَ) جَازَ صَوْمُ يَوْمِ (جُمُعَةٍ) (فَقَطْ) لَا قَبْلَهُ يَوْمٌ وَلَا بَعْدَهُ يَوْمٌ أَيْ: نُدِبَ فَإِنْ ضَمَّ إلَيْهِ آخَرَ فَلَا خِلَافَ فِي نَدْبِهِ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْجَوَازَ بِالنَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا صَوْمُ مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ وَحَمَلَ النَّهْيَ عَنْ الْوَارِدِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ» ، عَلَى التَّقِيَّةِ مِنْ فَرْضِهِ كَمَا اتَّقَى قِيَامَ رَمَضَانَ وَقَدْ أَمِنَّا مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ بِوَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَلِذَا يُذْكَرُ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ كَانَ يَصُومُهُ إلَى أَنْ مَاتَ.
(وَ) جَازَ لَهُ بِمَعْنَى كُرِهَ (فِطْرٌ) أَيْ: نِيَّتُهُ وَفِعْلُهُ (بِسَفَرِ قَصْرٍ) أَيْ: أَرْبَعَةِ بُرُدٍ بِلَا
شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَنْوِهِ فِيهِ، وَإِلَّا قَضَى وَلَوْ تَطَوُّعًا، وَلَا كَفَّارَةَ؛ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرٍ
ــ
[منح الجليل]
عِصْيَانٍ وَلَا لَهْوٍ بِهِ وَلَوْ أَقَامَ بِمَحَلٍّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (شَرَعَ) الْمُكَلَّفُ (فِيهِ) أَيْ: السَّفَرِ (قَبْلَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) أَوْ مَعَهُ هَذَا مَصَبُّ الشَّرْطِيَّةِ فَلَا يُقَالُ الشُّرُوعُ فِيهِ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِسَفَرٍ، فَاشْتِرَاطُهُ فِيهِ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ: الصَّوْمَ (فِيهِ) أَيْ: السَّفَرِ هَذَا شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ بِالْفِعْلِ لَا بِالنِّيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ شَرْطُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُ السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ لَا فِي نَحْوِ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَجْتَمِعْ هَذِهِ الشُّرُوطُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ سَفَرَ قَصْرٍ أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ أَوْ شَرَعَ فِيهِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِيهِ (قَضَى) ذَكَرَهُ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَضَى فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلَوْ) كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ (تَطَوُّعًا) بَيَّتَ صَوْمَهُ فِي الْحَضَرِ وَسَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَقْضِيهِ،؛ لِأَنَّ فِطْرَهُ حِينَئِذٍ عَمْدُ حَرَامٍ فَلَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الْمُبَالَغَةِ وَبَحَثَ فِيهَا أَيْضًا بِأَنَّ مَا قَبْلَهَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ رُخْصَةَ فِطْرِ السَّفَرِ خَاصَّةٌ بِرَمَضَانَ بِدَلِيلِهَا إذْ لَوْ رَخَّصَ فِيهِ فِي التَّطَوُّعِ لَمْ يَلْزَمْ قَضَاؤُهُ فَالْمُنَاسِبُ إبْدَالُ قَضَى بِفَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّهُ نَقِيضُ الْجَوَازِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَازِمٌ فِي الْفِطْرِ الْجَائِزِ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ.
(وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَى مَنْ أَفْطَرَ مَعَ فَقْدِ شَرْطٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (إلَّا) مِنْ فَقْدِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ بِ (أَنْ يَنْوِيَهُ) أَيْ: صَوْمَ رَمَضَانَ (بِسَفَرٍ) أَيْ: فِيهِ ثُمَّ يُفْطِرَ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَتَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ تَأَوَّلَ وَأَوْلَى مَنْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَرَفْعُ نِيَّتِهِ لَيْلًا وَاسْتِمْرَارُ أَفْعَالِهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ تَأَوَّلَ أَوْ لَا، أَفْطَرَ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا، وَيُكَفِّرُ أَيْضًا إنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ بِحَضَرٍ ثُمَّ أَفْطَرَ قَبْلَ عَزْمِهِ تَأَوَّلَ أَوْ لَا أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ أَوْ تَأَوَّلَ وَلَمْ يُسَافِرْ فِي يَوْمِهِ، فَإِنْ تَأَوَّلَ وَسَافَرَ فِي يَوْمِهِ فَلَا يُكَفِّرُ كَتَبْيِيتِهِ الصَّوْمَ بِحَضَرٍ وَفِطْرِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ تَأَوَّلَ أَوْ لَا.
كَفِطْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ، وَبِمَرَضٍ خَافَ: زِيَادَتَهُ، أَوْ تَمَادِيهِ. وَوَجَبَ إنْ خَافَ هَلَاكًا، أَوْ شَدِيدَ أَذًى:
ــ
[منح الجليل]
وَسَأَلَ سَحْنُونٌ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ بَعْدَ أَنْ سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَالَ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ فَسَافَرَ فَصَارَ مِنْ أَهْلِ الْفِطْرِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَالْمُسَافِرُ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا فَاخْتَارَ الصَّوْمَ وَتَرَكَ الرُّخْصَةَ فَصَارَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ تَأَوَّلَ فَقَالَ (كَفِطْرَةٍ) أَيْ الْمُسَافِرِ الصَّائِمِ (بَعْدَ) انْقِضَاءِ سَفَرِهِ وَ (دُخُولِهِ) نَهَارًا أَوَّلَهُ أَوْ وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ وَطَنَهُ أَوْ مَحَلَّ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ مَحَلًّا نَوَى إقَامَةً أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِيهِ. ابْنُ يُونُسَ تَحْصِيلُ اخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي سَفَرٍ ثُمَّ أَفْطَرَ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ أَفْطَرَ ثُمَّ سَافَرَ عَزَمَ عَلَى السَّيْرِ فَأَفْطَرَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَمْ يُسَافِرْ، فَفِي كُلِّ وَجْهٍ قَوْلَانِ بِالتَّكْفِيرِ وَعَدَمِهِ.
(وَ) جَازَ الْفِطْرُ (بِمَرَضٍ خَافَ) أَيْ: تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ الصَّائِمُ لِتَجْرِبَةٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ مُوَافَقَةٍ فِي الْمِزَاجِ أَوْ إخْبَارِ عَدْلٍ عَارِفٍ بِالطِّبِّ (زِيَادَتَهُ) أَيْ الْمَرَضِ بِالصَّوْمِ (أَوْ تَمَادِيهِ) أَيْ: الْمَرَضِ بِتَأْخِيرِ الْبُرْءِ مِنْهُ أَوْ حَصَلَ لِلْمَرِيضِ شِدَّةٌ وَتَعَبٌ بِالصَّوْمِ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا تَمَادٍ، وَمَفْهُومُ بِمَرَضِ أَنَّ خَوْفَ أَصْلِ الْمَرَضِ بِصَوْمِهِ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَعَلَّهُ لَا يَنْزِلُ بِهِ وَقِيلَ يُبِيحُهُ.
(وَوَجَبَ) الْفِطْرُ عَلَى الصَّائِمِ مَرِيضًا كَانَ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ أَوْ صَحِيحًا (إنْ خَافَ) أَيْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ بِمَا تَقَدَّمَ (هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى) بِتَلَفِ مَنْفَعَةٍ كَبَصَرٍ بِصَوْمِهِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ وَالْمَنَافِعِ وَاجِبٌ، وَهَذَا فِي قُوَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَجَازَ بِمَرَضٍ إلَخْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَخَافَهُ إلَخْ وَالْجَوَازُ فِيمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْمَشْهُورُ. الْبُرْزُلِيُّ اُخْتُلِفَ إذَا خَافَ مَا دُونَ الْمَوْتِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْمَشْهُورُ الْإِبَاحَةُ نَقَلَهُ الْحَطّ، فَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ مَنْعِ الصَّوْمِ حِينَئِذٍ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ، وَأَمَّا الْجَهْدُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَزُولُ بِالْفِطْرِ فَيُبِيحُ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ فَقَطْ وَقِيلَ وَلِلصَّحِيحِ أَيْضًا.
كَحَامِلٍ، وَمُرْضِعٍ لَمْ يُمْكِنْهَا اسْتِئْجَارٌ أَوْ غَيْرُهُ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، وَالْأُجْرَةُ فِي مَالِ الْوَلَدِ، ثُمَّ هَلْ فِي مَالِ الْأَبِ، أَوْ مَالِهَا؟ تَأْوِيلَانِ
ــ
[منح الجليل]
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ فَقَالَ (كَحَامِلٍ) جَنِينًا فِي بَطْنِهَا (وَمُرْضِعٍ) وَلَدَهَا (لَمْ يُمْكِنْهَا) أَيْ: الْمُرْضِعَ (اسْتِئْجَارٌ) لِمُرْضِعٍ تُرْضِعُ وَلَدَهَا بَدَلَهَا لِعَدَمِ مَالٍ لِأَبِيهِ وَلَهُ وَلَهَا أَوْ مُرْضِعَةٍ أَوْ عَدَمِ قَبُولِ الْوَلَدِ غَيْرَهَا (أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ: الِاسْتِئْجَارِ وَهُوَ إرْضَاعُهَا بِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا مَجَّانًا (خَافَتَا) أَيْ: تَحَقَّقَتْ أَوْ ظَنَّتْ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ ضَرَرًا بِالصَّوْمِ (عَلَى وَلَدَيْهِمَا) فَيَجُوزُ فِطْرُهُمَا إنْ خَافَتَا ضَرَرًا يَسِيرًا وَيَجِبُ إنْ خَافَتَا هَلَاكًا أَوْ أَذًى شَدِيدًا، وَأَمَّا خَوْفُهَا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَقَدْ دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ وَبِمَرَضٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَرَضٌ وَالرَّضَاعَ فِي حُكْمِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ خَافَتَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمَا الْفِطْرُ بِمُجَرَّدِ الْجَهْدِ مَعَ أَمْنِ الْعَاقِبَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِجَوَازِهِ لَهُمَا بِهِ.
وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَائِلًا إذَا كَانَتْ الشِّدَّةُ مُبِيحَةً لِلْفِطْرِ مِنْ الْمَرَضِ فَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِلْمُرْضِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي الْفِطْرِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ لَا يَجُوزُ لَهَا فِيهِ الْفِطْرُ وَالْإِطْعَامُ وَهِيَ قُدْرَتُهَا عَلَى الصِّيَامِ وَلَمْ يُجْهِدْهَا الْإِرْضَاعُ وَحَالٌ يَجُوزُ لَهَا فِيهِ الْفِطْرُ وَالْإِطْعَامُ، وَهُوَ إجْهَادُهَا الْإِرْضَاعُ وَلَمْ تَخَفْ عَلَى وَلَدِهَا وَحَالٌ يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهِ الْفِطْرُ وَالْإِطْعَامُ وَهُوَ خَوْفُهَا عَلَى وَلَدِهَا. اهـ. فَإِنْ أَمْكَنَ الْمُرْضِعَ الِاسْتِئْجَارُ وَجَبَ بِهَا الصَّوْمُ وَالِاسْتِئْجَارُ.
(وَالْأُجْرَةُ فِي مَالِ الْوَلَدِ) الَّذِي مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ عَطَاءٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ فِي وَقْفٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ نَفَقَتِهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْإِرْضَاعُ وَاجِبًا عَلَيْهَا أَوْ لَا (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ مَالٌ وَوُجِدَ مَالُ الْوَالِدَيْنِ فَ (هَلْ) تَكُونُ الْأُجْرَةُ (فِي مَالِ الْأَبِ) وَهُوَ الرَّاجِحُ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ) تَكُونُ الْأُجْرَةُ فِي (مَالِهَا) أَيْ الْأُمِّ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ، وَهَذَا بَدَلُهُ وَلَا تَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْأَبِ، فَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَعَلَى الْأَبِ اتِّفَاقًا (تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ، وَالثَّانِي لِسَنَدٍ
وَالْقَضَاءُ بِالْعَدَدِ، بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ: غَيْرَ رَمَضَانَ
ــ
[منح الجليل]
وَالْأُولَى تَرَدُّدٌ أَوْ قَوْلَانِ إذْ لَيْسَ اخْتِلَافًا فِي فَهْمِهَا وَمَحَلُّهُمَا حَيْثُ يَجِبُ الْإِرْضَاعُ عَلَى الْأُمِّ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْأَبِ اتِّفَاقًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي مَالِهَا اتِّفَاقًا فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَا مَالَ لَهَا فَفِي مَالِهِ اتِّفَاقًا.
(وَ) وَجَبَ (الْقَضَاءُ) لِمَا فَاتَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضًا (بِالْعَدَدِ) لِأَيَّامِهِ فَمَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَكَانَ ثَلَاثِينَ وَقَضَاهُ فِي شَهْرٍ بِالْهِلَالِ وَكَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ صَامَ يَوْمًا آخَرَ، وَبِالْعَكْسِ فَلَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ صَامَ بِالْهِلَالِ كَفَاهُ مَا صَامَهُ وَلَوْ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَرَمَضَانُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي إلَى أَنْ يَبْقَى إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي مِثْلُ مَا أَفْطَرَهُ مِنْ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ.
(بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ) لَمْ يُرِدْ بِالْإِبَاحَةِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ لِعَدَمِ وُجُودِهِ هُنَا فِي كَلَامِهِمْ وَأَرَادَ بِهَا الْإِذْنَ غَيْرَ الْجَازِمِ لِإِخْرَاجِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَرَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِرِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَلَمَّا شَمِلَ رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسَافِرِ، أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ (غَيْرَ رَمَضَانَ) فَلَا يَقْضِي الْمُسَافِرُ رَمَضَانَ السَّابِقَ فِيهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْأَدَاءِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ غَيْرَهُ، فَإِنْ قَضَى فِيهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا، وَإِنْ صَامَ الْحَاضِرُ رَمَضَانَ قَضَاءً عَنْ الْمَاضِي فَقَالَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ. " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - " لَا يَجْزِيهِ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّهُ صَامَهُ وَصَوَّبَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ كُبْرَى مَعَ الْكَفَّارَةِ الصُّغْرَى عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِفِطْرِهِ فِيهِ عَمْدًا بِرَفْعِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ أَوْ تَأْوِيلٍ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِيهَا إذَا صَامَ الْحَاضِرُ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ قَضَاءً عَنْ الْفَائِتِ أَجْزَأَ عَنْ الْحَاضِرِ وَصَوَّبَهُ فِي النُّكَتِ وَعَلَيْهِ لِلْمَاضِي مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مَعَ قَضَائِهِ. عبق وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى الْعَدَوِيُّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَهَلْ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْقَضَاءِ؟ لَا نَصَّ وَالظَّاهِرُ لَا قَالَهُ سَالِمٌ وَشَمِلَ قَوْلُهُ بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ يَوْمَ الشَّكِّ لِإِذْنٍ فِي صَوْمِهِ قَضَاءً
وَإِتْمَامُهُ إنْ ذَكَرَ قَضَاءَهُ.
وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ: خِلَافٌ
ــ
[منح الجليل]
وَتَطَوُّعًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَوَّاقِ عَنْهَا رَابِعَ النَّحْرِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ قَضَاءً وَصَحَّحَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَشَهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ.
(وَ) إنْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَبَيَّتَ صَوْمَ يَوْمٍ قَضَاءً عَنْهُ وَطَلَعَ فَجْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ (تَمَامُهُ) بِالصَّوْمِ (إنْ ذَكَرَ) فِي أَثْنَائِهِ (قَضَاءَهُ) قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ أَوْ سُقُوطَهُ بِوَجْهٍ مَا كَبُلُوغِهِ نَهَارًا وَحَيْضٍ بِنَذْرٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ عَمْدًا لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ ابْنِ شَبْلُونٍ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ وَعَلَيْهِمَا فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ:.
(وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ) عَلَى مَنْ لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ تَطَوُّعٍ أَفْطَرَ فِيهِ عَمْدًا حَرَامًا فَشَرَعَ فِي قَضَائِهِ ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ عَمْدًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَشَهَرَهُ ابْنُ غَلَّابٍ فِي وَجِيزِهِ فَيَقْضِي يَوْمَيْنِ عَنْ الْأَصْلِ وَيَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ هَذَا، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ رُشْدٍ وَنَصُّهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ إنْ أَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فِي قَضَاءِ الْقَضَاءِ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، الْيَوْمُ الَّذِي كَانَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ أَوْ بِهِ مُتَعَمِّدًا فِي التَّطَوُّعِ وَيَوْمٌ لِفِطْرِهِ فِي الْقَضَاءِ مُتَعَمِّدًا وَيَوْمٌ لِفِطْرِهِ فِي قَضَاءِ الْقَضَاءِ مُتَعَمِّدًا اهـ. وَذَكَرَ الْقُورِيُّ أَنَّ فِي تَهْذِيبِ عَبْدِ الْحَقِّ مَا يُؤْذِنُ بِعَدَمِ التَّعَدُّدِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ فَيَقْضِي الْأَوَّلَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ أَصَالَةً، وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (خِلَافٌ) أَيْ: قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَنْ أَفْطَرَ فِي الْقَضَاءِ سَهْوًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ اتِّفَاقًا كَمَا تُفِيدُهُ الذَّخِيرَةُ. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِ أَحْمَدَ فِيهِ الْخِلَافُ أَيْضًا.
وَعَلَى هَذَا فَإِنْ قِيلَ: التَّطَوُّعُ إنْ أَفْطَرَ فِيهِ سَهْوًا لَا يَقْضِيهِ، وَإِذَا أَفْطَرَ سَهْوًا فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ عَمْدًا حَرَامًا، فَفِي قَضَاءِ الْقَضَاءِ خِلَافٌ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَأَصْلِهِ فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ قَضَائِهِ؛ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً وَالتَّطَوُّعُ لَيْسَ وَاجِبًا فَافْتَرَقَا.
فَإِنْ قُلْت: الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ فِطْرَهُ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ
وَأُدِّبَ الْمُفْطِرُ عَمْدًا: إلَّا أَنْ يَأْتِيَ تَائِبًا، وَإِطْعَامُ مُدِّهِ عليه الصلاة والسلام لِمُفَرِّطٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ
ــ
[منح الجليل]
وُجُوبِ قَضَائِهِ بِفِطْرِهِ نَاسِيًا كُلٌّ مِنْهُمَا مُشْكِلٌ مَعَ قَوْلِهِ وَقَضَى فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَرْضٌ. قُلْت لَمَّا لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهُ أَصْلِيًّا وَإِنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبِ كَوْنِهِ قَضَاءً وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِالْفِطْرِ فِيهِ أُلْغِيَ وُجُوبُهُ.
فَإِنْ قُلْت: إذَا أُلْغِيَ وُجُوبُهُ صَارَ نَفْلًا وَالنَّفَلُ يُقْضَى بِفِطْرِهِ عَمْدًا حَرَامًا. قُلْت النَّفَلُ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ وَهَذَا لِنِيَابَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَقَدْ بَطَلَتْ بِذَلِكَ، فَانْحَطَّ عَنْ النَّفْلِ أَيْضًا.
(وَ) وَجَبَ (أَدَبُ) أَيْ: تَأْدِيبٌ وَمُعَاقَبَةُ الشَّخْصِ (الْمُفْطِرِ) فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ (عَمْدًا) اخْتِيَارًا بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ ضَرْبِ أَوْ سَجْنٍ أَوْ مِنْهُمَا مَعًا. وَإِنْ كَانَ فِطْرُهُ بِمُوجِبِ حَدٍّ كَزِنًا وَشُرْبِ مُسْكِرٍ حُدَّ وَأُدِّبَ، وَإِنْ كَانَ رَجْمًا قُدِّمَ الْأَدَبُ وَاسْتَظْهَرَ الْمِسْنَاوِيُّ سُقُوطَ الْأَدَبِ بِالرَّجْمِ لِإِتْيَانِ الْقَتْلِ عَلَى الْجَمِيعِ. عج وَيُؤَدَّبُ الْمُفْطِرُ فِي النَّفْلِ عَمْدًا حَرَامًا. الْبُنَانِيُّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لِلَّخْمِيِّ. وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ فِي رَمَضَانَ عَلَى أَنَّ مَنْ فَطَرَ النَّفَلَ عَمْدًا خِلَافًا بَيْنَ الْمَذَاهِبِ. قُلْت: اقْتِصَارُ اللَّخْمِيِّ عَلَى رَمَضَانَ لَا يُنَافِي أَنَّ النَّفَلَ كَذَلِكَ يُجَامِعُ الْمَعْصِيَةَ فِي كُلٍّ، وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ وَأُدِّبَ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ وَيُؤَدَّبُ الْمُفْطِرُ عَمْدًا فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا فَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ، وَأَجْرَاهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ، وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَيُؤَدَّبُ عَامِدُ فِطْرِهِ انْتِهَاكًا إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ، وَفِي الْآتِي مُسْتَفْتِيًا ثَالِثُهَا ذُو الْهُزْءِ لَا السَّتْرِ لِتَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلِهَا يُعَاقَبُ الْمُعْتَرِفُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ، وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ لَا يُؤَدَّبُ مَعَ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَاخْتِيَارِهِ.
(إلَّا أَنْ يَأْتِيَ) الْمُفْطِرُ عَمْدًا قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (تَائِبًا) فَلَا يُؤَدَّبُ (وَ) جَبَ (إطْعَامُ) أَيْ: تَمْلِيكُ طَعَامٍ مِنْ غَالِبِ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ قَدْرَ (مُدِّهِ) أَيْ: النَّبِيِّ (عليه الصلاة والسلام لِ) شَخْصٍ (مُفَرِّطٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ: مُتَسَاهِلٍ (فِي) تَأْخِيرِ (قَضَاءِ رَمَضَانَ) بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ رِقًّا أَوْ سَفِيهًا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَنَاسٍ الْبُرْزُلِيُّ هَذَا ظَاهِرُهَا. وَقَالَ السُّيُورِيُّ: لَا يُطْعِمُ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَإِذَا لَمْ يُعْذَرْ النَّاسِي فَالْجَاهِلُ
لِمِثْلِهِ: عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ، وَلَا يُعْتَدُّ بِالزَّائِدِ إنْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهُ بِشَعْبَانَ؛ لَا إنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ
ــ
[منح الجليل]
أَوْلَى لَا الْمُكْرَهُ عَلَى تَرْكِهِ كَمُسَافِرٍ وَمَرِيضٍ وَصِلَةُ مُفَرِّطٍ (لِ) دُخُولِ (مِثْلِهِ) أَيْ: رَمَضَانَ الَّذِي يَلِيهِ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْإِطْعَامُ بِتَكَرُّرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ إضَافَةِ مِثْلِ لِلضَّمِيرِ لِإِفَادَتِهَا الْعُمُومَ.
وَصِلَةُ إطْعَامُ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ) وَكَذَا (الْمِسْكِينُ) أَيْ: مُحْتَاجٌ فَشَمِلَ الْفَقِيرَ، فَلَا يُجْزِئُ تَمْلِيكُهُ مُدَّيْنِ عَنْ يَوْمَيْنِ وَلَوْ أَعْطَاهُ كُلَّ مُدٍّ فِي يَوْمِهِ حَيْثُ كَانَ التَّفْرِيطُ بِعَامٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ كَانَ عَنْ عَامَيْنِ جَازَ كَتَعَدُّدِ السَّبَبِ كَفِطْرٍ وَتَفْرِيطِ مُرْضِعٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَالْمُرْضِعُ إذَا أَفْطَرَتْ تُطْعِمُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ دُونَ الْحَامِلِ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهَا إذَا أَفْطَرَتْ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرِّسَالَةِ. وَإِذَا لَمْ تَقْضِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ مَا دَامَتْ حَامِلًا.
(وَ) إنْ دَفَعَ زَائِدًا عَنْ مُدٍّ لِمِسْكِينٍ فَ (لَا يُعْتَدُّ بِالزَّائِدِ) عَنْ مُدٍّ وَلَهُ نَزْعُهُ إنْ بَقِيَ بِيَدِ الْمِسْكِينِ وَكَانَ بَيَّنَ لَهُ عِنْدَ دَفْعِهِ أَنَّهُ كَفَّارَةُ تَفْرِيطٍ وَمَحَلُّ إطْعَامِ الْمُفَرِّطِ (إنْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهُ) أَيْ: مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ (بِشَعْبَانَ) إيضَاحٌ لِقَوْلِهِ مُفَرِّطٍ لِمِثْلِهِ أَحْمَدَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ يَقْضِهَا حَتَّى بَقِيَ مِنْ شَعْبَانَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَمَرِضَ إلَى رَمَضَانَ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ لِإِمْكَانِ قَضَائِهِ بِشَعْبَانَ، وَالنَّصُّ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُقْتَضَيْ.
ابْنُ عَاشِرٍ فَالْعِبَارَةُ الْمُؤَدِّيَةُ لِلْمَقْصُودِ إنْ سَلِمَ قَدْرُهُ قَبْلَ تَالِيهِ مِنْ عُذْرٍ (لَا إنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ) وَلَوْ حُكْمًا كَحَمْلٍ وَإِرْضَاعٍ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ لِمُفَرِّطٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ أَيْ جَمِيعِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ، فَقَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهُ بِشَعْبَانَ أَيْ: جَمِيعِهِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ قَوْلَهُ لَا إنْ اتَّصَلَ إلَخْ. وَمِثْلُ الْمَرَضِ السَّفَرُ بِشَعْبَانَ وَالْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالْإِكْرَاهُ، فَلَوْ قَالَ عُذْرُهُ لِشَمْلِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُرَادُ اتِّصَالُ الْعُذْرِ مِنْ مَبْدَأِ قَدْرِ مَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ رَمَضَانُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لَا مِنْ رَمَضَانَ وَلَا مِنْ ابْتِدَاءِ شَعْبَانَ مُطْلَقًا، فَلَوْ
مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَمَنْذُورُهُ، وَالْأَكْثَرُ إنْ احْتَمَلَهُ بِلَفْظِهِ بِلَا نِيَّةٍ. كَشَهْرٍ، فَثَلَاثِينَ، إنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْهِلَالِ
ــ
[منح الجليل]
حَذَفَ قَوْلَهُ إنْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهُ بِشَعْبَانَ لَا إنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَالْمُعْتَبَرُ التَّفْرِيطُ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ وَفَرَّطَ فِيمَا بَعْدَهُ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ وَمَنْ عَلَيْهِ رَمَضَانُ كُلُّهُ وَكَانَ ثَلَاثِينَ وَقَضَاهُ فِي شَعْبَانَ فَكَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَالظَّاهِرُ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ لِلْيَوْمِ إذْ لَمْ يُمْكِنْ قَضَاؤُهُ فِي شَعْبَانَ، وَيُنْدَبُ إطْعَامُهُ.
(مَعَ الْقَضَاءِ) فِي الطَّعَامِ الثَّانِي فَكُلَّمَا شَرَعَ فِي قَضَاءِ يَوْمٍ أَخْرَجَ مُدَّهُ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ: الْقَضَاءِ يَحْتَمِلُ بَعْدَ مُضِيِّ كُلِّ يَوْمٍ وَيَحْتَمِلُ بَعْدَ فَرَاغِ أَيَّامِ الْقَضَاءِ فَيُخْرِجُ جَمِيعَ الْأَمْدَادِ، فَإِنْ أَطْعَمَ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِدُخُولِ رَمَضَانَ وَقَبْلَ الْقَضَاءِ كَفَى وَخَالَفَ الْمَنْدُوبَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهَا لَا تُفَرَّقُ الْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقَضَاءِ لِحَمْلِهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَفْرِقَةَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَإِنْ قَدَّمَهُ مَعَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ بِشَعْبَانَ فَلَا يُجْزِئُ إذْ هُوَ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَنَصَّ الْجَلَّابُ إذَا قَدَّمَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ أَجْزَأَ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يُطْعِمَ مَعَ الْقَضَاءِ (وَ) وَجَبَ (مَنْذُورُهُ) أَيْ: الْوَفَاءُ بِهِ صِيَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَذَكَرَهُ مَعَ إتْيَانِهِ فِي بَابِ النَّذْرِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ.
(وَ) وَجَبَ (الْأَكْثَرُ) احْتِيَاطًا فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ (إنْ احْتَمَلَهُ) أَيْ: الْأَكْثَرَ (لَفْظُهُ) الَّذِي نَذَرَ بِهِ وَاحْتَمَلَ الْأَقَلَّ (بِلَا نِيَّةٍ) لِأَحَدِهِمَا وَإِلَّا لَزِمَهُ مَنْوِيُّهُ وَمَثَّلَ لِلْمُحْتَمَلِ فَقَالَ (كَ) نَذْرِ صَوْمِ أَوْ اعْتِكَافِ أَوْ رِبَاطِ (شَهْرٍ) بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ بِدُونِ لِلَّهِ صَوْمُ، أَوْ اعْتِكَافُ أَوْ رِبَاطُ شَهْرٍ (فَ) يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ أَوْ يَعْتَكِفَ أَوْ يُرَابِطَ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهْرِ يَحْتَمِلُهَا وَيَحْتَمِلُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَلَزِمَتْهُ الثَّلَاثُونَ احْتِيَاطًا.
(إنْ لَمْ يَبْدَأْ) صَوْمَهُ أَوْ اعْتِكَافَهُ أَوْ رِبَاطَهُ (بِ) طُلُوعِ (الْهِلَالِ) أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ، فَإِنْ بَدَأَ بِهِ لَزِمَهُ تَمَامُهُ إلَى الْهِلَالِ الَّذِي يَلِيهِ كَانَ ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ نِصْفِ شَهْرٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَزِمَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنْ نَذَرَهُ بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِهِ وَجَاءَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَّلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَمَنْ نَذَرَ نِصْفَ يَوْمٍ كَمَّلَهُ يَوْمًا وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ
وَابْتِدَاءُ سَنَةٍ، وَقَضَى مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ فِي سَنَةٍ، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَهَا، أَوْ يَقُولَ هَذِهِ
ــ
[منح الجليل]
لَمْ يَنْذُرْ طَاعَةً. وَعُورِضَ مَا هُنَا بِمَا فِي الْحَجِّ فِيمَنْ نَذَرَ هَدْيًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهْرِ ثَلَاثُونَ وَلَيْسَ الْأَصْلُ فِي الْهَدْيِ الْبَدَنَةُ وَبِشِدَّةِ الْمَالِ، وَلِذَا لَزِمَ مَنْ قَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُلُثُهُ.
(وَ) وَجَبَ (ابْتِدَاءُ) صَوْمِ (سَنَةٍ) كَامِلَةٍ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ فِيهَا مِنْ حِينِ نَذْرِهِ أَوْ حِنْثِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا تَتَابُعُهَا (وَقَضَى) صَوْمَ (مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ) تَطَوُّعًا بِأَنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ صَوْمِهِ كَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَتَالِي النَّحْرِ وَأَيَّامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَوْجَبَ صَوْمَهُ مِنْهَا كَرَمَضَانَ وَيَوْمَ نَذْرِهِ قَبْلُ مُكَرَّرًا كَكُلِّ خَمِيسٍ، وَهَذَا بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَّنَ صُورَتَهَا بِقَوْلِهِ (فِي) قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ بِدُونِ لِلَّهِ صَوْمُ (سَنَةٍ) وَكَذَا حَلِفُهُ بِهَا وَحِنْثُهُ فِيهِ وَيَصُومُ رَابِعَ النَّحْرِ وَلَا يَقْضِيهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِصِحَّةِ صَوْمِهِ وَإِنْ كَرِهَ وَلُزُومُهُ لِنَاذِرِهِ وَسَيَقُولُ: وَرَابِعُ النَّحْرِ لِنَاذِرِهِ وَإِنْ تَعْيِينًا. وَقَالَ الشَّارِحُ وتت وَالْحَطّ: لَا يَصُومُ الرَّابِعَ وَيَقْضِيهِ.
الْمَوَّاقُ وَهُوَ أَبْيَنُ لِكَرَاهَتِهِ لِغَيْرِ نَاذِرِهِ بِعَيْنِهِ، وَنَاذِرُ السَّنَةِ لَمْ يَنْذُرْهُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهَا مُبْهَمَةٌ وَاعْتَمَدَ هَذَا طفي وَاعْتَمَدَ بَعْضُ شُيُوخِ الْعَدَوِيِّ الْأَوَّلَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ لِقَوْلِهِ مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ، وَالرَّابِعُ صَوْمُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَا لَا يَصِحُّ صِحَّةً كَامِلَةً هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ يَكْفِيهِ صَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لِحَدِيثِ «فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» . وَقِيلَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْقَضَاءِ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لَيْسَتْ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً فَاتَتْ فَتُقْضَى إنَّمَا هِيَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَمْ تُعَيَّنْ فَالْأَوْضَحُ وَصَامَ بَدَلَ مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَمَا صَامَهُ بِالْهِلَالِ اُحْتُسِبَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ ثَلَاثِينَ وَيَلْزَمُ نَاذِرَ صَوْمِ السَّنَةِ أَوْ الْحَالِفَ بِهِ صَوْمُهَا فِي كُلِّ حَالٍ.
(إلَّا أَنْ يُسَمِّيَهَا) كَسَنَةِ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا (أَوْ يَقُولَ هَذِهِ) وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا
وَيَنْوِيَ بَاقِيَهَا، فَهُوَ، وَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ فِطْرِهِ لِسَفَرٍ، وَصَبِيحَةُ الْقُدُومِ فِي يَوْمِ قُدُومِهِ؛ إنْ قَدِمَ لَيْلَةً غَيْرَ عِيدٍ،
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) بِمَعْنَى الْوَاوِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ (يَنْوِي بَاقِيَهَا) أَيْ: السَّنَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهِمَا فَقَطْ (فَهُوَ) أَيْ: الْبَاقِي اللَّازِمُ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ يَبْتَدِئُهُ مِنْ حِينِ نَذْرِهِ وَيُتَابِعُهُ وَيَصُومُ رَابِعَ النَّحْرِ وَلَا يَقْضِيهِ.
(وَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ) فِي الصُّورَتَيْنِ عَمَّا فَاتَ مِنْ السَّنَةِ قَبْلَ النَّذْرِ أَوْ الْحِنْثِ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِمَا قَضَاءُ مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا مِمَّا بَعُدَ نَذْرُهُ أَوْ حِنْثُهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَوْ إيجَابِهِ وَلَا مَا أَفْطَرَهُ لِمَرَضٍ كَمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا لِمُعَيَّنٍ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ، وَذَكَرَ هَذَا وَإِنْ دَخَلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الِاسْتِثْنَاءِ مَفْهُومٌ وَالْمَنْطُوقُ أَقْوَى وَمَفْهُومٌ وَيَنْوِي بَاقِيَهَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِهِ فَكَنَذْرِ سَنَةٍ مُبْهَمَةٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِيمَنْ حَلَفَ فِي نِصْفِ سَنَةٍ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ كَذَا صَامَ هَذِهِ السَّنَةَ، فَقَالَ إنْ نَوَى بَاقِيَهَا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ائْتَنَفَ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى. اللَّخْمِيُّ هَذَا مِثْلُ مَنْ قَالَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ هَذَا الْيَوْمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا صَلَاةُ مَا بَقِيَ مِنْهُ.
(بِخِلَافِ فِطْرِهِ) فِي نَذْرِ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِتَسْمِيَتِهَا أَوْ إشَارَةٍ إلَيْهَا (لِسَفَرٍ) أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَيُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا أَفْطَرَهُ لَهَا (وَ) وَجَبَ (صَبِيحَةُ) أَيْ: صَوْمُ يَوْمِ لَيْلَةِ (الْقُدُومِ) بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ: قُدُومِ شَخْصِ مِنْ سَفَرِهِ مَثَلًا، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْحُكْمِ وَبَيَّنَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ (فِي) نَذْرِ صَوْمِ (يَوْمِ قُدُومِهِ) أَيْ: زَيْدٌ الْمُسَافِرُ مَثَلًا (إنْ قَدِمَ) زَيْدٌ مِنْ سَفَرِهِ مَثَلًا (لَيْلَةَ) يَوْمٍ يَصِحُّ صَوْمُهُ (غَيْرَ عِيدٍ) وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُصَامُ شَرْعًا تَطَوُّعًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ، أَوْ لِوُجُوبِهِ كَرَمَضَانَ، فَيَلْزَمُهُ صَوْمُ صَبِيحَتِهَا فَقَطْ إنْ لَمْ يَقُلْ أَبَدًا وَإِلَّا لَزِمَهُ مُمَاثَلَةٌ أَبَدًا أَيْضًا وَلَزِمَهُ بِقُدُومِهِ لَيْلًا؛ لِأَنَّهُ زَمَنُ تَبْيِيتِ نِيَّةِ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ.
وَإِلَّا فَلَا.
وَصِيَامُ الْجُمُعَةِ إنْ نَسِيَ الْيَوْمَ عَلَى الْمُخْتَارِ
ــ
[منح الجليل]
وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ لَيْلَةِ غَيْرِ عِيدٍ فَقَالَ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ لَيْلَةَ غَيْرِ عِيدٍ بِأَنْ قَدِمَ نَهَارًا أَوْ قَدِمَ لَيْلَةَ عِيدٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ رَمَضَانَ (فَلَا) يَلْزَمُ النَّاذِرَ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ أَبَدًا إنْ قَدِمَ لَيْلَةَ عِيدٍ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ صَوْمَهُ، وَإِنْ قَدِمَ لَيْلَةَ حَيْضٍ أَوْ رَمَضَانَ، فَإِنْ قَالَ أَبَدًا لَزِمَهُ مُمَاثَلَةً. وَكَذَا إنْ قَدِمَ نَهَارًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ صَوْمِهِ لِمَانِعِ عَدَمِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي قُدُومِهِ نَهَارًا وَلِمَانِعِ الْحَيْضِ وَرَمَضَانَ فِي قُدُومِهِ لَيْلَةَ أَحَدِهِمَا فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ مَتَى قَدِمَ لَيْلَةً يُصَامُ يَوْمُهَا تَطَوُّعًا لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمِهَا فَقَطْ إنْ لَمْ يَقُلْ أَبَدًا وَإِلَّا صَامَهُ وَمُمَاثِلَهُ أَبَدًا، وَمَتَى قَدِمَ نَهَارًا غَيْرَ عِيدٍ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَلَزِمَهُ مُمَاثِلُهُ إنْ قَالَ أَبَدًا، وَمَحَلُّ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِيَوْمِ الْقُدُومِ مُطْلَقَ الزَّمَنِ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ هَلْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمِهِ احْتِيَاطًا أَفَادَهُ عبق.
الْبُنَانِيُّ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَلَيْلَةِ الْحَيْضِ أَصْلُهُ لعج مُسْتَظْهِرًا عَلَيْهِ بِظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْ سَنَدٍ، مَعَ إنَّك إذَا تَأَمَّلْته وَجَدْته لَا يُفِيدُهُ، وَلَمْ أَجِدْ نِصَابًا يُسَاعِدُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِيدِ وَغَيْرِهِ فِي لُزُومِ صَوْمِ مُمَاثِلِهِ مِنْ الْأُسْبُوعِ إنْ قَالَ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الِاسْمِ كَالْخَمِيسِ لَا فِي الصِّفَةِ كَكَوْنِهِ عِيدًا وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ فِي الصِّفَةِ لَسَقَطَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْخَرَشِيُّ، فَسَوَّى بَيْنَ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَغَيْرِهِ كَالْحَيْضِ فِي عَدَمِ لُزُومِ الْمُمَاثِلِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَ) وَجَبَ (صِيَامُ الْجُمُعَةِ) أَيْ: الْأُسْبُوعِ بِتَمَامِهِ (إنْ) نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَ (نَسِيَ الْيَوْمَ) الْمُعَيَّنَ الَّذِي نَذَرَ صَوْمَهُ كَصَلَاةِ مَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ خَمْسًا (عَلَى الْمُخْتَارِ) لِلَّخْمِيِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لِسَحْنُونٍ. وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ فَثَلَاثَةٌ التَّخْيِيرُ وَجَمِيعُهَا وَآخِرُهَا ضَيْح، نُقِلَتْ كُلُّهَا عَنْ سَحْنُونٍ وَآخِرُ أَقْوَالِهِ أَنْ يَصُومَهَا جَمِيعَهَا وَاسْتَظْهَرَ لِلِاحْتِيَاطِ، وَفِي الْمَوَّاقِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَنَسِيَهُ أَنَّهُ يَصُومُ الْجُمُعَةَ كُلَّهَا وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ قَوْلٌ لِسَحْنُونٍ لَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ.
وَرَابِعُ النَّحْرِ لِنَاذِرِهِ، وَإِنْ تَعْيِينًا لَا سَابِقَيْهِ، إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ
ــ
[منح الجليل]
(وَ) وَجَبَ أَنْ يُصَامَ (رَابِعُ) يَوْمِ (النَّحْرِ لِنَاذِرِ) صَوْمِ (هـ) بِدُونِ تَعْيِينٍ كَنَذْرِ صَوْمِ كُلِّ خَمِيسٍ أَوْ شَهْرِ الْحِجَّةِ بَلْ (وَإِنْ) نَذَرَ صَوْمَهُ (تَعْيِينًا) أَيْ مُعَيَّنًا لَهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ رَابِعِ النَّحْرِ فِي التَّوْضِيحِ اُنْظُرْ لِمَ لَزِمَ بِالنَّذْرِ وَصَوْمُهُ مَكْرُوهٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ جِهَةٌ تُضْعِفُ كَوْنَهُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الْمَنْهِيِّ عَنْ صِيَامِهَا، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُنْحَرُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا يَرْمِي فِيهِ الْمُتَعَجِّلُ، وَجِهَةٌ تُقَوِّي كَوْنَهُ مِنْهَا وَهِيَ أَنَّهُ يَوْمُ نَحْرٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَيَرْمِي غَيْرُ الْمُتَعَجِّلِ فِيهِ وَشُمُولُهُ اسْمَ التَّشْرِيقِ فَشَمِلَهُ النَّهْيُ، فَغَلَبَتْ الْجِهَةُ الْأُولَى لِمَا اقْتَضَاهُ النَّذْرُ مِنْ الْوُجُوبِ احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. وَلَمَّا لَمْ يُعَارِضْ الْكَرَاهَةَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِنَا لَا يُصَامُ تَطَوُّعًا إعْمَالًا لِلْجِهَتَيْنِ، وَلَا يُقَالُ اعْتِبَارًا لِجِهَتَيْنِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ حَدِيثُ زَمْعَةَ دَلِيلُ صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ فِي الْمُوَطَّإِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه مَا نَصُّهُ «الْقَضَاءُ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ» :
مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْكَ قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ ثُمَّ «قَالَ صلى الله عليه وسلم: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَتْ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عز وجل» .
(لَا) يَجِبُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ صَوْمِ (سَابِقَيْهِ) أَيْ: الرَّابِعِ وَهُمَا ثَانِي يَوْمِ الْعِيدِ وَثَالِثُهُ لِحُرْمَتِهِ، وَالنَّذْرُ إنَّمَا يَجِبُ بِهِ الْمَنْدُوبُ (إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ) أَوْ قَارِنٍ أَوْ مَنْ لَزِمَهُ هَدْيٌ لِنَقْصٍ فِي حَجٍّ وَعَجْزٍ عَنْ الدَّمِ وَلَزِمَهُ صِيَامُ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَلَمْ يَصُمْهَا فَيَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةَ عَقِبَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَكَذَا مَنْ فَاتَهُ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مِنْهَا قَبْلَ عَرَفَةَ فَيَصُومُهُ فِي أَيَّامِ
لَا تَتَابُعُ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَيَّامٍ.
وَإِنْ نَوَى بِرَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ غَيْرَهُ، أَوْ قَضَاءَ الْخَارِجِ أَوْ نَوَاهُ، وَنَذْرًا لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
ــ
[منح الجليل]
التَّشْرِيقِ، وَمِثْلُ الْهَدْيِ الْفِدْيَةُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهَا. وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِيهَا أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ أَيَّامَ مِنًى. وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُبْهَمَةٍ أَوْ شَهْرٍ كَذَلِكَ أَوْ أَيَّامٍ كَذَلِكَ فَ (لَا) يَجِبُ عَلَيْهِ (تَتَابُعُ) صَوْمِ (سَنَةٍ أَوْ) تَتَابُعُ صَوْمِ (شَهْرٍ وَ) تَتَابُعُ صَوْمِ (أَيَّامٍ) إنْ لَمْ يَنْوِ التَّتَابُعَ فَإِنْ نَوَاهُ لَزِمَهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ تت. طفي هَذَا صَوَابٌ وَنِسْبَتُهُ لَهَا صَحِيحَةٌ، فَقَوْلُ عج وَمَنْ تَبِعَهُ لَا يَلْزَمُ التَّتَابُعُ وَلَوْ نَوَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَوْ نَذَرَ سَنَةً مُبْهَمَةً فَفِي وُجُوبِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا غَيْرِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُتَابَعَتَهَا فَكَمُعَيَّنَةٍ قَوْلَا الْمَشْهُورِ واللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ انْتَهَى؛ لِأَنَّ مُرَادَ ابْنِ عَرَفَةَ هَلْ بِنِيَّةِ تَتَابُعِهَا تَصِيرُ كَمُعَيَّنَةٍ فِي عَدَمِ قَضَاءِ مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ أَمَّا التَّتَابُعُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ. قُلْت كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ التَّتَابُعِ وَلَا عَدَمُهُ، لَكِنْ يُؤَيِّدُ تت أَنَّ التَّتَابُعَ مَنْدُوبٌ وَأَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ الْمَنْدُوبَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَإِنْ) سَافَرَ فِي رَمَضَانَ سَفَرًا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِيهِ فَصَامَهُ وَ (نَوَى بِ) صِيَامِ (رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ) يُبَاحُ الْفِطْرُ فِيهِ صَوْمًا (غَيْرَهُ) أَيْ: أَدَاء رَمَضَانَ بِأَنْ نَوَاهُ تَطَوُّعًا أَوْ وَفَاءً نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ) نَوَى الْمُسَافِرُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ (قَضَاءَ) رَمَضَانَ (الْخَارِجِ) وَقْتُهُ لَمْ يُجْزِهِ أَيْضًا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ لِلْخَارِجِ إطْعَامٌ لِلتَّفْرِيطِ حَيْثُ فَرَّطَ، وَلَا كَفَّارَةَ كُبْرَى لِرَمَضَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرَ قَصْرٍ (أَوْ نَوَاهُ) أَيْ: رَمَضَانَ عَامَهُ (وَنَذْرًا) أَوْ وَتَطَوُّعًا أَوْ وَكَفَّارَةً أَوْ وَقَضَاءَ الْخَارِجِ أَيْ شَرِكَهُمَا فِي نِيَّتِهِ.
(لَمْ يُجْزِهِ) صَوْمُهُ (عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ: رَمَضَانَ الْحَاضِرِ لِعَدَمِ نِيَّتِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. وَلِعَدَمِ صِحَّةِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَا غَيْرِهِ لِتَعَيُّنٍ لِزَمَنٍ لِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ فَلَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ وَقَوْلِي أَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ إلَخْ احْتِرَازًا إذَا نَوَى الْحَاضِرُ بِرَمَضَانَ قَضَاءَ.
وَلَيْسَ لِمَرْأَةٍ يَحْتَاجُ لَهَا زَوْجٌ تَطَوُّعٌ بِلَا إذْنٍ.
ــ
[منح الجليل]
رَمَضَانَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَهُ، فَيَجْزِيهِ عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ عَلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَصَوَّبَهُ فِي النُّكَتِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ لَمْ يُجْزِ عَنْ غَيْرِهِ، وَكَانَتْ نِيَّتُهُ فِيهِ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ وَحُمِلَتْ عَلَى أَنَّهَا لَهُ فَلَمْ يُرَاعَ رَفْعُهَا، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِأَنَّ الصُّورَةَ إذَا نَوَى بِحِجَّةِ النَّفْلِ فَإِنَّ نِيَّتَهُ تُعْرَفُ لِلْفَرْضِ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ.
وَلَا يَجْرِي هَذَا التَّوْجِيهُ فِي نِيَّةِ الْمُسَافِرِ بِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ قَضَاءَ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الشَّارِعُ الْفِطْرَ فِيهِ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْحَاضِرِ أَيْضًا لِرَفْعِهِ النِّيَّةَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ فَاخْتُلِفَ هَلْ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ كُبْرَى إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ أَوْ تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ أَوْ لَا قَالَهُ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّهُ صَامَهُ وَصَوَّبَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَهُ عبق. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ يَجْزِيهِ عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِذَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ خَصَّ الْمُصَنِّفُ السَّفَرَ؛ لِأَنَّ الْحَضَرَ أَحْرَى، وَقَدْ جَرَى ز عَلَى الصَّوَابِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَيْسَ لِمَرْأَةٍ) أَيْ: زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ (يَحْتَاجُ لَ) وَطْءُ (هَا زَوْجٌ) لَهَا أَوْ سَيِّدٌ (تَطَوُّعٌ) بِالصَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا بِأَنْ لَمْ تَسْتَأْذِنْهُ أَوْ اسْتَأْذَنَتْهُ فَمَنَعَ أَوْ سَكَتَ وَمِثْلُهُ مَا أَوْجَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا بِنَذْرٍ أَوْ حِنْثٍ فِي يَمِينٍ أَوْ فِعْلِ مَا يَتَرَفَّهُ بِهِ أَوْ يُزِيلُ أَذًى فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قَتْلِ صَيْدٍ فِي إحْرَامٍ أَوْ حَرَمٍ الشَّارِحُ لَمْ يُقَيِّدْ التَّطَوُّعَ بِالصَّوْمِ فَشَمِلَ نَافِلَةَ الصَّلَاةِ. وَمِثْلُ التَّطَوُّعِ الْفَرِيضَةُ الْمُتَّسَعُ وَقْتُهَا فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِهَا فَلَهُ قَطْعُهَا بِجِمَاعِهَا وَنَظَرَ فِيهِ الْبَاجِيَّ بِإِرَادَتِهَا بَرَاءَةَ ذِمَّتِهَا بِمَا زَمَنُهُ يَسِيرٌ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ يَحْتَاجُ لَهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَهَا بِالْأَكْلِ. وَلَوْ طَالَبَهَا فَقَالَتْ صَائِمَةٌ تَطَوُّعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ إفْطَارَهَا، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ نَاجِي وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ التَّحْلِيلَ فِي تَطَوُّعِ الْحَجِّ، وَمَفْهُومُ يَحْتَاجُ أَنَّهَا لَوْ ظَنَّتْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لَهَا فَلَهَا التَّطَوُّعُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ جَهِلَتْ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْرَبُ الْجَوَازُ،؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَمَفْهُومُ تَطَوُّعٌ أَنَّهَا لَا تَسْتَأْذِنُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ زَوْجًا وَلَا سَيِّدًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ جَبْرُهَا عَلَى تَأْخِيرِهِ لِشَعْبَانَ.