الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ) الذَّكَاةُ
قَطْعٌ مُمَيَّزٌ يُنَاكِحُ تَمَامَ الْحُلْقُومِ
ــ
[منح الجليل]
[بَابٌ الذَّكَاة]
ِ) لُغَةً التَّتْمِيمُ يُقَالُ ذَكَّيْت الذَّبِيحَةَ أَتْمَمْت ذَبْحَهَا وَالنَّارَ أَتْمَمْت إيقَادَهَا وَإِنْسَانٌ ذَكِيٌّ تَامُّ الْفَهْمِ. وَشَرْعًا السَّبَبُ لِإِبَاحَةِ أَكْلِ لَحْمِ حَيَوَانٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَأَقْسَامُهَا: أَرْبَعَةٌ ذَبْحٌ وَنَحْرٌ وَعَقْرٌ وَمَا يَمُوتُ بِهِ نَحْرُ الْجَرَادِ فَالذَّبْحُ.
(قَطْعُ) جِنْسٍ خَرَجَ عَنْهُ الْخَنْقُ وَالنَّهْشُ وَإِضَافَتُهُ لِشَخْصٍ (مُمَيِّزٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ: مُدْرِكٍ بِحَيْثُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ، فَصْلٌ مُخْرِجٌ قَطْعَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِصِغَرٍ أَوْ عَتَهٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ نَحْوِهَا (يُنَاكِحُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الْكَافِ أَيْ: يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ وَطْءُ الْأُنْثَى الْمُتَدَيِّنَةِ بِدِينِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ، فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ قَطْعَ مُمَيِّزٍ مَجُوسِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ فَالْمُفَاعَلَةُ عَلَى غَيْرِ بَابِهَا، وَالنِّكَاحُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ فَشَمِلَ قَطْعَ مُمَيِّزٍ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ حُرًّا كَانَ أَوْ رِقًّا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَمَفْعُولُ قَطْعُ قَوْلُهُ (تَمَامَ) أَيْ: جَمِيعَ (الْحُلْقُومِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، أَيْ: الْقَصَبَةِ الْبَارِزَةِ أَمَامَ الرَّقَبَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا النَّفَسُ، فَصْلٌ ثَالِثٌ مُخْرِجٌ قَطْعَ مُمَيِّزٍ يَجُوزُ وَطْءُ أُنْثَاهُ مَا فَوْقَ الْحُلْقُومِ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي وَصَلَ الْحُلْقُومَ بِالرَّأْسِ وَقَطْعُهُ بَعْضَ الْحُلْقُومِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْحَازَ إلَى الرَّأْسِ دَائِرَةً مِنْ الْحُلْقُومِ وَلَوْ رَقِيقَةً. فَإِنْ انْحَازَ كُلُّهُ إلَى الْبَدَنِ فَلَا يُؤْكَلُ وَهُوَ مُغَلْصَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يُؤْكَلُ. ابْنُ نَاجِي وَبِهِ الْفَتْوَى عِنْدَنَا بِتُونُسَ مُنْذُ مِائَةِ عَامٍ مَعَ الْبَيَانِ عِنْدَ الْبَيْعِ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ يَأْكُلُهَا الْفَقِيرُ دُونَ الْغَنِيِّ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ
وَالْوَدَجَيْنِ مِنْ الْمُقَدَّمِ بِلَا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمَامِ،
ــ
[منح الجليل]
وَ) قَطْعُ مُمَيِّزٍ تُوطَأُ أُنْثَاهُ جَمِيعَ (الْوَدَجَيْنِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ أَيْ: الْعِرْقَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ يَتَّصِلُ بِهِمَا أَكْثَرُ عُرُوقِ الْبَدَنِ وَيَتَّصِلَانِ بِالدِّمَاغِ، فَصْلٌ رَابِعٌ مُخْرِجٌ قَطْعَ أَحَدِهِمَا أَوْ بَعْضَهُمَا. وَفُهِمَ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ قَطْعُ غَيْرِهَا كَالْمَرِيءِ بِهَمْزِ آخِرِهِ كَأَمِيرٍ أَوْ بِشَدِّ الْيَاءِ وَهُوَ عِرْقٌ أَحْمَرُ بَيْنَ الْحُلْقُومِ وَالرَّقَبَةِ مُتَّصِلٌ بِالْفَمِ وَرَأْسِ الْمَعِدَةِ يَجْرِي مِنْهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، وَيُسَمَّى الْبُلْعُومَ أَيْضًا. هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَصِلَةُ قَطْعُ (مِنْ الْمُقَدَّمِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُشَدَّدَةً فَصْلٌ خَامِسٌ مُخْرِجٌ قَطْعَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَفَا أَوْ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْ الْعُنُقِ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلنُّخَاعِ وَهُوَ مَقْتَلٌ قَبْلَ الذَّبْحِ سَوَاءٌ فَعَلَهُ عَمْدًا أَوْ غَلَبَةً فِي ضَوْءٍ أَوْ ظَلَامٍ، وَمُخْرِجٌ أَيْضًا قَطْعَهُمَا مِنْ جِهَةِ الرَّقَبَةِ إلَى خَارِجٍ. سَحْنُونٌ لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَلَمْ تُسَاعِدْهُ السِّكِّينُ فِي مَرِّهَا عَلَى الْوَدَجَيْنِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ حَادَّةٍ فَأَدْخَلَهَا بَيْنَ الرَّقَبَةِ وَالْوَدَجَيْنِ وَجَعَلَ حَدَّهَا إلَيْهِمَا وَقَطَعَ الْوَدَجَيْنِ بِهَا مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ، فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ زَادَ الشَّاذِلِيُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ السِّكِّينَ قَبْلَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ بَيْنَ الرَّقَبَةِ وَالْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَقَطَعَهَا بِهَا مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ فَلَا تُؤْكَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِمُخَالَفَةِ كَيْفِيَّةِ الذَّبْحِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ الشَّارِعِ، قَالَ نَاظِمُ مُقَدَّمَةِ ابْنِ رُشْدٍ:
وَالْقَطْعُ مِنْ فَوْقِ الْعُرُوقِ بَتُّهُ
…
وَإِنْ يَكُنْ مِنْ تَحْتِهَا فَمَيْتُهُ
قَالَ شَارِحُهَا أَيْ: صِفَةُ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوْقِ الْعُرُوقِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ تَحْتِهَا بِأَنْ أَدْخَلَ السِّكِّينَ مِنْ تَحْتِ الْعُرُوقِ وَقَطَعَهَا فَهِيَ مَيْتَةٌ فَلَا تُؤْكَلُ. اهـ. وَبِهِ بَطَلَ قَوْلُ عج قَوْلُهُ مِنْ الْمُقَدَّمِ وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ قَطْعُهَا وَفَوْقَ الرَّقَبَةِ بِإِدْخَالِ السِّكِّينِ بَيْنَهُمَا وَالْقَطْعُ بِهَا إلَى خَارِجٍ فَتُؤْكَلُ لِعَدَمِ قَطْعِ النُّخَاعِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَفَادَهُ عب.
وَصِلَةُ قَطْعُ أَيْضًا (بِلَا رَفْعٍ) لِلسِّكِّينِ عَنْ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ (قَبْلَ التَّمَامِ) لِقَطْعِهَا، فَصْلٌ سَادِسٌ مُخْرِجٌ قَطْعَ مُمَيِّزٍ تُوطَأُ أُنْثَاهُ جَمِيعَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ مِنْ الْمُقَدَّمِ مَعَ الرَّفْعِ قَبْلَ التَّمَامِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ رَفَعَ قَبْلَ إنْفَاذِ الْمَقْتَلِ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَتْ لَعَاشَتْ ثُمَّ ذَبَحَ فَإِنَّهَا
وَفِي النَّحْرِ طَعْنٌ بِلَبَّةٍ،
ــ
[منح الجليل]
تُؤْكَلُ سَوَاءٌ عَادَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ رَفَعَ اضْطِرَارًا أَوْ اخْتِيَارًا عَادَ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ ذَكَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. وَإِنْ كَانَتْ لَوْ تُرِكَتْ لَا تَعِيشُ لِإِنْفَاذِ مَقْتَلِهَا فَإِنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ أُكِلَتْ سَوَاءٌ رَفَعَ اضْطِرَارًا أَوْ اخْتِيَارًا، وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْفُوذَ الْمَقْتَلِ لَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهِ فَهُوَ فِي مَنْفُوذِهِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ أَوْ بِهَا مَعَ الْبُعْدِ، وَإِنْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ فَلَا تُؤْكَلُ رَفَعَ اضْطِرَارًا أَوْ اخْتِيَارًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقُرْبَ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ، كَالْقُرْبِ فِيمَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ سِرَاجٍ وَنَصُّهُ: وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ رَجَعَ فِي فَوْرِ الذَّبْحِ وَأَجْهَزَ صَحَّتْ الذَّكَاةُ كَمَنْ سَلَّمَ سَاهِيًا وَرَجَعَ بِالْقُرْبِ وَأَصْلَحَ، فَالْأَقْسَامُ ثَمَانِيَةٌ تُؤْكَلُ فِي سِتَّةٍ مِنْهَا دُونَ اثْنَيْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الرَّاجِحِ هُوَ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ إنْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ أَوْ قُرْبٍ، وَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ.
وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّابِحِ الِاتِّحَادُ فَيَجُوزُ وَضْعُ شَخْصَيْنِ آلَتَيْنِ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَذَبْحُهُمَا مَعًا بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَذَا وَضْعُ شَخْصٍ آلَةً عَلَى وَدَجٍ وَآخَرَ آلَةً عَلَى الْوَدَجِ الْآخَرِ وَقَطْعُهُمَا مَعًا الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومَ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّفْعِ اخْتِيَارًا مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ تَكْرَارِهِ وَإِلَّا فَلَا تُؤْكَلُ لِتَلَاعُبِهِ، وَمِثْلُ الرَّفْعِ إبْقَاءُ السِّكِّينِ فِي الْمَحَلِّ بِلَا قَطْعٍ بِهَا وَيَجْرِي تَفْصِيلُ الرَّفْعِ فِي النَّحْرِ وَالْعَقْرِ أَيْضًا، وَقَدْ يُشِيرُ لَهُ فِي الْعَقْرِ بِقَوْلِهِ بِلَا ظُهُورِ تَرْكٍ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ سِرَاجٍ، فَلِذَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تُؤْكَلُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَطّ، وَقِيلَ تُكْرَهُ، وَقِيلَ إنْ رَفَعَ مُعْتَقِدَ التَّمَامِ فَلَا تُؤْكَلُ وَإِنْ رَفَعَ مُخْتَبِرًا فَتُؤْكَلُ خَامِسُهَا عَكْسُهُ. (وَ) الذَّكَاةُ (فِي النَّحْرِ طَعْنٌ) مِنْ مُمَيِّزٍ تُوطَأُ أُنْثَاهُ (بِلَبَّةٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: تَرْقُوَةٍ ابْنِ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ تَصِلُ الْآلَةُ لِلْقَلْبِ مِنْهُ فَيَمُوتُ بِسُرْعَةٍ وَلَوْ لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا مِنْ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ. ابْنُ غَازِيٍّ اُخْتُلِفَ هَلْ يَقْتَصِرُ فِي النَّحْرِ عَلَى اللَّبَّةِ دُونَ مَا عَدَاهَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَمْ لَا، وَيَصِحُّ النَّحْرُ فِيمَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْمَذْبَحِ وَالْأَوَّلُ هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ الْبَاجِيَّ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّانِي مَذْهَبُ ابْنُ لُبَابَةَ وَاللَّخْمِيِّ
وَشَهَرَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءَ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ، وَالْوَدَجَيْنِ
ــ
[منح الجليل]
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْمَذْبَحِ مَذْبَحٌ وَمَنْحَرٌ فَإِنْ ذَبَحَ فِيهِ جَائِزٌ، وَإِنْ نَحَرَ فِيهِ فَجَائِزٌ فَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ النَّحْرَ لَا يَخْتَصُّ بِاللَّبَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْوَاقِعِ فِي مُهْوَاةٍ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَنْحَرَهُ إلَّا فِي مَحَلِّ ذَبْحِهِ نَحَرَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَذْبَحَهُ إلَّا فِي مَوْضِعِ النَّحْرِ ذَبَحَهُ فِيهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاللَّبَّةُ مَحَلُّ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. اللَّخْمِيُّ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي النَّحْرِ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ. ثُمَّ أَشَارَ بَعْدُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ جَمِيعًا، وَظَاهِرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّمَا أَرَادَ اللَّخْمِيُّ التَّفْصِيلَ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْمَذْبَحِ كَفَى قَطْعُ وَدَجٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّبَّةِ قَطَعَهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُهُمَا. (وَشُهِرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا تَشْهِيرًا لَا يُسَاوِي تَشْهِيرَ اشْتِرَاطِ قَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ (أَيْضًا) أَيْ: كَمَا شُهِرَ قَوْلُنَا تَمَامُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ (الِاكْتِفَاءُ) فِي الذَّبْحِ (بِ) قَطْعِ (نِصْفِ الْحُلْقُومِ وَ) جَمِيعِ (الْوَدَجَيْنِ) فَالْوَدَجَيْنِ عَطْفٌ عَلَى نِصْفٍ لَا عَلَى الْحُلْقُومِ، وَالْمُرَادُ الِاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ مَعَ قَطْعِ جَمِيعِ الْوَدَجَيْنِ. ابْنُ حَبِيبٍ إنْ قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ وَنِصْفَ الْحُلْقُومِ أُكِلَتْ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ أَقَلَّ فَلَا تُؤْكَلُ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّجَاجَةِ أَوْ الْعُصْفُورِ إذَا أَجْهَزَ عَلَى وَدَجَيْهِ وَنِصْفِ حَلْقِهِ أَوْ ثُلُثَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَحِلُّ حَتَّى يُجْهِزَ عَلَى جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ مُتَّفِقَانِ عَلَى اغْتِفَارِ بَقَاءِ النِّصْفِ وَسَحْنُونٌ لَمْ يُغْتَفَرْ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ وَإِلَّا كَانَ الْمَعْنَى وَنِصْفِ الْوَدَجَيْنِ، وَهَذَا إنْ كَانَ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُشْهَرْ كَتَشْهِيرِ قَطْعِ نِصْفِ الْحُلْقُومِ وَجَمِيعِ الْوَدَجَيْنِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ مَا صَدَّرَ بِهِ بِقَوْلِهِ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ فَلَوْ قَطَعَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْحُلْقُومِ مَعَ قَطْعِ جَمِيعِ الْوَدَجَيْنِ لَمْ يَكْفِ عَلَى هَذَا أَيْضًا، وَقَوْلُهُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ أَيْ: أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ التَّمَامَ فَمَا زَادَ عَلَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
النِّصْفِ وَلَمْ يَبْلُغْ التَّمَامَ لَا يَكْفِي عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلِانْحِطَاطِ تَشْهِيرِ الثَّانِي عَنْ تَشْهِيرِ الْأَوَّلِ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ أَرَ مَنْ شَهَرَ هَذَا أَيْ: غَيْرَ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ اغْتِفَارُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْهُ» لَمْ يَقُلْ خِلَافٌ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ لَا يَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ الَّذِي يَغْتَفِرُ بَقَاءُ نِصْفِ الْحُلْقُومِ مِنْ الطَّيْرِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ فِي غَيْرِ الطَّيْرِ لِمَا عُلِمَ عَادَةً مِنْ صُعُوبَةِ اسْتِئْصَالِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ مِنْ الطَّيْرِ وَسُهُولَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَفَادَ عب.
الْبُنَانِيُّ تَبِعَ ابْنَ غَازِيٍّ فِي جَعْلِ الْكَلَامِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَتَبِعَهُ فِي هَذَا أَيْضًا طفي وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الْحَطَّابَ اعْتَرَضَ عَزْوَهُ لِلْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ فِيمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرِّسَالَةِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ اهـ.
وَنَصُّ التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صُورَةَ نِصْفِ الْحُلْقُومِ وَصُورَةَ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَصُورَةَ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا، قَالَ وَمُقْتَضَى الرِّسَالَةِ عَدَمُ الْأَكْلِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ وَالذَّكَاةُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، قِيلَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ اهـ فَكَلَامُهُ لَا يُفِيدُ التَّشْهِيرَ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَمَنْ تَبِعَهُ نَعَمْ التَّشْهِيرُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، وَنَصُّهُ إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ فَقَطْ فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثِ صُوَرٍ، إمَّا أَنْ يَقْطَعَهَا الذَّابِحُ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا أَوْ لَا يَقْطَعُ مِنْهَا شَيْئًا. فَإِنْ قَطَعَ جَمِيعَهَا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ قَطَعَ أَقَلَّهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ
وَإِنْ قَطَعَ نِصْفَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا فَهَلْ تُؤْكَلُ أَمْ لَا قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ قَطْعَ الْكُلِّ لَا يُشْتَرَطُ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ قَطْعُ النِّصْفِ فَأَكْثَرَ، وَمِثْلُهُ لِصَاحِبِ الْمُعِينِ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، وَنَصُّهُ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ الْحُلْقُومِ وَبَعْضَ الْوَدَجَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَلَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُؤْكَلُ. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ التَّشْهِيرَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ فِي نِصْفِ الْحُلْقُومِ فَقَطْ، وَفِي نِصْفِ كُلِّ وَدَجٍ وَفِي نِصْفِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَأَمَّا قَطْعُ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَلَا يَشْمَلُهَا كَلَامُهُ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ تَقْرِيرَ الشَّارِحِ
وَإِنْ سَامِرِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا تَنَصَّرَ.
وَذَبَحَ لِنَفْسِهِ مُسْتَحِلَّهُ
ــ
[منح الجليل]
هُوَ الصَّوَابُ فِي جَعْلِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فِي الْحَطّ، فَقَوْلُهُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ مَسْأَلَةٌ يَعْنِي مَعَ تَمَامِ الْوَدَجَيْنِ. وَقَوْلُهُ وَالْوَدَجَيْنِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى أَيْ نِصْفُ الْوَدَجَيْنِ يَعْنِي مَعَ تَمَامِ الْحُلْقُومِ، وَجَعَلَ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ هَذِهِ مُحْتَمِلَةٌ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقْطَعَ نِصْفَ كُلِّ وَدَجٍ وَفِيهَا قَوْلَانِ الْإِجْزَاءُ لِابْنِ مُحْرِزٍ وَعَدَمُهُ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ. وَالثَّانِي أَنْ يَقْطَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَفِيهَا رِوَايَتَانِ، قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلتَّوْضِيحِ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْأَكْلِ لِعَدَمِ إنْهَارِ الدَّمِ إلَّا أَنَّ الصُّورَةَ الْأَخِيرَةَ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّشْهِيرَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَعَيَّنَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَيَصِحُّ ذَبْحُ وَنَحْرُ مُمَيِّزٍ تُوطَأُ أُنْثَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَامِرِيًّا وَلَا مَجُوسِيًّا تَنَصَّرَ. بَلْ (وَإِنْ) كَانَ يَهُودِيًّا (سَامِرِيًّا) وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ بَنِي يَعْقُوبَ عليه السلام أَنْكَرُوا نُبُوَّةَ مَا عَدَا مُوسَى وَهَارُونَ وَيُوشَعَ بْنَ نُونٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ بِيَدِهِمْ تَوْرَاةً فِيهَا أُمُورٌ بَدَّلَهَا أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَلَا يَرَوْنَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، حُرْمَةً كَالْيَهُودِ، وَيُحَرِّمُونَ الْخُرُوجَ مِنْ جِبَالِ نَابُلُسَ، وَيُنْكِرُونَ الْمِيعَادَ الْجُسْمَانِيَّ قَالَهُ تت، وَمُبَالَغَتُهُ عَلَى السَّامِرِيِّ فَقَطْ تُفِيدُ أَنَّ الصَّابِئِيَّ لَا تَصِحُّ تَذْكِيَتُهُ حَتَّى يَتَنَصَّرَ.
فَإِنْ قُلْت السَّامِرِيُّ أَخَذَ بَعْضَ الْيَهُودِيَّةِ وَالصَّابِئِيُّ بِبَعْضِ النَّصْرَانِيَّةِ فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. قُلْت هُوَ أَنَّ مُخَالَفَةَ الصَّابِئِي لِلنَّصْرَانِيَّةِ أَشَدُّ مِنْ مُخَالَفَةِ السَّامِرِيِّ لِلْيَهُودِيَّةِ، وَذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فَلِذَا اشْتَرَطَ فِي الصَّابِئِي تَنَصُّرَهُ.
(أَوْ) كَانَ (مَجُوسِيًّا) وَهُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ النِّيرَانَ، وَقَالُوا إنَّ لِلْعَالَمِ إلَهَيْنِ نُورًا وَظُلْمَةً فَالنُّورُ إلَهُ الْخَيْرِ، وَالظُّلْمَةُ إلَهُ الشَّرِّ وَاعْتَقَدُوا تَأْثِيرَ النُّجُومِ وَأَنَّهَا فَعَّالَةٌ (تَنَصَّرَ) بِفَتَحَاتِ. مُثَقَّلًا أَيْ: انْتَقَلَ الْمَجُوسِيُّ إلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ يَعْنِي أَوْ تَهَوَّدَ فَيَصِحُّ ذَبْحُهُ وَنَحْرُهُ لِصَيْرُورَتِهِ. كِتَابِيًّا تُوطَأُ أُنْثَاهُ.
وَعَطَفَ عَلَى يُنَاكِحُ فَقَالَ (وَذَبْحُ) الْكِتَابِيُّ أَصَالَةً أَوْ انْتِقَالًا وَلَوْ رَقِيقًا (لِنَفْسِهِ) شَرْطٌ أَوَّلُ، اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ ذَبْحِهِ لِمُسْلِمٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ سَيَأْتِيَانِ فِي قَوْلِهِ وَفِي ذَبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلَانِ وَمَفْعُولُ ذَبَحَ قَوْلُهُ (مُسْتَحَلَّةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ:
وَإِنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ، وَإِنْ لَمْ يَغِبْ لَا صَبِيٌّ ارْتَدَّ.
وَذِبْحٍ لِصَنَمٍ.
ــ
[منح الجليل]
الَّذِي يَعْتَقِدُ حِلَّهُ لَهُ شَرْطٌ ثَانٍ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ ذَبْحِهِ مَا يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ عَلَيْهِ كَذِي الظُّفُرِ، وَبَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَذْبَحَهُ لِمَعْبُودٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَذِبْحٍ لِصَنَمٍ فَيَصِحُّ ذَبْحُهُ وَنَحْوُهُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الْمَيْتَةِ.
بَلْ (وَإِنْ أَكَلَ) أَيْ اسْتَحَلَّ الْكِتَابِيُّ فِي اعْتِقَادِهِ أَنْ يَأْكُلَ (الْمَيْتَةَ) بِلَا ذَبْحٍ وَلَا نَحْرٍ فَيَصِحُّ ذَبْحُهُ وَنَحْرُهُ (إنْ لَمْ يَغِبْ) عَلَى مَذْبُوحِهِ أَوْ مَنْحُورِهِ بِأَنْ ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ عَارِفٍ كَيْفِيَّةَ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ ثِقَةٍ لَا يُتَّهَمُ بِمُوَافَقَتِهِ عَلَى خِلَافِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الْبَاجِيَّ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَاجِيَّ فِي تَعْلِيلِ حُرْمَةِ مَا حَرُمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ. وَإِذَا اسْتَحَلَّ الْمَيْتَةَ فَكَيْفَ يَنْوِي الذَّكَاةَ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَاهَا فَكَيْفَ يَصْدُقُ اهـ. وَمِثْلُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ إنْ عُرِفَ أَكْلُ الْكِتَابِيِّ الْمَيْتَةَ فَلَا يُؤْكَلُ مَا غَابَ عَلَيْهِ.
قُلْت كَذَا نَقَلُوهُ وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ أَكْلِهِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ نِيَّةِ الذَّكَاةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَ الْمَشْهُورِ الْوُقُوفُ مَعَ النَّصِّ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا ذَبَائِحَهُمْ وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ مِنْ قَصْدِ الذَّكَاةِ وَعَدَمِهِ وَمَفْهُومُ إنْ لَمْ يَغِبْ أَنَّ مَا غَابَ عَلَيْهِ لَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ قَتْلِهِ بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ الشَّرْعِيَّيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَذَكَرَ بَعْضَ مَفْهُومِ يُنَاكِحُ فَقَالَ (لَا) يَصِحُّ ذَبْحُ وَلَا نَحْرُ شَخْصٍ (صَبِيٍّ) مُمَيِّزٍ (ارْتَدَّ) عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ لَهُ بِوِلَادَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِنُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ طَائِعًا لِاعْتِبَارِ رِدَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَوْلَى الْبَالِغُ الْمُرْتَدُّ.
(وَ) لَا يَجُوزُ أَكْلُ لَحْمِ (ذِبْحٍ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: مَذْبُوحٍ (لِ) مَعْبُودٍ غَيْرِ اللَّهِ تبارك وتعالى كَ (صَنَمٍ) أَيْ: حَجَرٍ مُصَوَّرٍ بِصُورَةِ آدَمِيٍّ أَوْ مَلَكٍ أَوْ صَلِيبٍ أَوْ الْمَسِيحُ، وَاللَّامُ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَيْ لَا يُؤْكَلُ مَا ذَبَحَهُ كِتَابِيٌّ لِصَنَمٍ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ غَيْرِهِ فِي زَعْمِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ قَالَ بِاسْمِ الصَّنَمِ مَثَلًا بَدَلَ بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَيْضًا فَيُؤْكَلُ تَغْلِيبًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَبْعُدُ قَصْدُهُ اخْتِصَاصُهُ بِالصَّنَمِ مَعَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عِنْدَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ ذَبَحَ لِصَنَمٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ دُونَ غَيْرِهِ فِي زَعْمِهِ، وَلَامُ التَّعْلِيلِ لَا تُفِيدُ الِاسْتِحْقَاقَ وَلِذَا كَانَتْ لَامُ لِصَلِيبٍ الْآتِيَةُ تَعْلِيلَةً قَالَهُ عب الرَّمَاصِيِّ ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَذْكُرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي الْمُدَوَّنَةِ أَكْلُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسِيحِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيمَا ذَكَرُوا عَلَيْهِ اسْمَ الْمَسِيحِ الْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ لِابْنِ حَارِثٍ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَقَوْلُهُ قَائِلًا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا ذَبَائِحَهُمْ وَعَلِمَ مَا يَفْعَلُونَ اهـ. وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يُكْرَهُ وَذُبِحَ لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى وَلَيْسَ تَحْرِيمُ الْمَذْبُوحِ لِلصَّنَمِ لِكَوْنِهِ ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُهُ بَلْ لِكَوْنِهِ لَمْ تُقْصَدْ ذَكَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلِيبِ قَالَهُ التُّونُسِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ لَهُمْ دِينٌ شَرَعَ. وَقَالَ قَوْمٌ نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ حِلُّ ذِبْحِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - الْمُرَادُ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَأُهِلَّ مَعْنَاهُ صِيحَ وَمِنْهُ اسْتِهْلَالُ الْمَوْلُودِ، وَجَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ بِالصِّيَاحِ بِاسْمِ الْمَقْصُودِ بِالذَّبِيحَةِ وَغَلَبَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ حَتَّى عُبِّرَ بِهِ عَنْ النِّيَّةِ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ التَّحْلِيلِ، ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ غَيْرِ اللَّهِ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ عِنْدَ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِيهَا الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَذِبْحٍ لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ فَقَطْ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مُحَرَّمٌ اهـ.
الْبُنَانِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّنَمِ كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَيْثُ يَشْمَلُ الصَّلِيبَ وَالْمَسِيحَ وَغَيْرَهُمَا، وَأَنَّ هَذَا شَرْطٌ ثَالِثٌ فِي أَكْلِ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ كَمَا فِي تت وز وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الذَّبَائِحِ، وَنَصُّهُ كَرِهَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لِكَنَائِسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ مُضَاهِيًا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] وَلَمْ يُحَرِّمْهُ إذَا لَمْ يَرَ الْآيَةَ مُتَنَاوَلَةً لَهُ
أَوْ غَيْرُ حِلٍّ لَهُ إنْ ثَبَتَ بِشَرْعِنَا،
ــ
[منح الجليل]
وَإِنَّمَا رَآهَا مُضَاهِيَةً لَهُ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا فِيمَا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ مِمَّا لَا يَأْكُلُونَهُ. قَالَ وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا، وَقَالَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَشْهَبَ وَسَأَلَتْهُ عَمَّا ذُبِحَ لِلْكَنَائِسِ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ.
ابْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي الْمُدَوَّنَةِ أَكْلَ مَا ذَبَحُوهُ لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ مَا ذَبَحُوهُ لِكَنَائِسِهِمْ لَمَّا كَانُوا يَأْكُلُونَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا لَنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] فِيمَا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ مِمَّا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَيْهَا وَلَا يَأْكُلُونَهُ فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْنَا بِدَلِيلِ الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا اهـ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ ذِبْحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إنْ قَصَدُوا بِهِ التَّقَرُّبَ لِآلِهَتِهِمْ فَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهُ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ وَلَمْ يَقْصِدُوا بِذَكَاتِهِ إبَاحَتَهُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنْ الْمَكْرُوهِ فِي ذِبْحٍ لِصَلِيبٍ إلَخْ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَسَمَّوْا عَلَيْهِ اسْمَ آلِهَتِهِمْ فَهَذَا يُؤْكَلُ بِكُرْهٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ. وَفِي ابْنِ نَاجِي عَلَى الرِّسَالَةِ مَا نَصُّهُ. وَأَمَّا مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. ابْنُ هَارُونَ وَكَذَا عِنْدِي مَا ذُبِحَ لِلْمَسِيحِ بِخِلَافِ مَا سَمَّوْا عَلَيْهِ الْمَسِيحَ يَعْنِي فَلَا يَحْرُمُ اهـ. وَقَدْ غَابَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ طفي فَاعْتَرَضَ عَلَى تت وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا هُنَا عَلَى ذِبْحِ الْمَجُوسِيِّ وَمَا يَأْتِي عَلَى ذِبْحِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الصَّنَمَ لِلْمَجُوسِ وَالصَّلِيبَ لِلنَّصَارَى، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّ الْحَمْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَبْحَ الْمَجُوسِيِّ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ يُنَاكِحُ وَلِأَنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُفِيدِ لِلشَّرْطِ الثَّالِثِ فِي أَكْلِ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ بِاسْمِ الصَّنَمِ إلَخْ غَيْرُ صَوَابٍ وَكَانَ حَقُّهُ لَوْ قَالَ بِأَنْ قَصَدَ بِهِ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ ذِكْرِ الِاسْمِ عَلَيْهِ فَلَا يُحَرِّمُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا يَأْتِي ذَكَرَ مَعَهُ اسْمَ اللَّهِ أَمْ لَا.
وَلَمَّا كَانَ فِي مَفْهُومِ مُسْتَحِلِّهِ تَفْصِيلٌ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) مَا ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ الْكِتَابِيُّ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ (غَيْرِ حِلٍّ لَهُ) أَيْ الْيَهُودِيِّ فِي زَعْمِهِ (إنْ ثَبَتَ) تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ الْمَنْسُوخُ (بِشَرْعِنَا)
وَإِلَّا كُرِهَ كَجِزَارَتِهِ، وَبَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ لِعَبْدِهِ، وَشِرَاءِ ذِبْحِهِ،
ــ
[منح الجليل]
وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] الْأَنْعَامُ، فَيَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ نَأْكُلَ مَا ذَبَحَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ شَرْعُنَا أَخْبَرَ عَنْ شَرْعِهِمْ بِأَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَهِيَ الْإِبِلُ، وَحُمُرُ الْوَحْشِ وَالنَّعَامُ وَالْإِوَزُّ لَا الدَّجَاجُ وَكُلُّ مَا لَيْسَ مَشْقُوقَ الظِّلْفِ وَلَا مُنْفَرِجَ الْقَوَائِمِ، بِخِلَافِ مَشْقُوقِهَا كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] أَيْ: حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ فِي شَرِيعَةِ نَبِيِّهِمْ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِنَا أَيْ: وَلَمْ يُخْبِرْ شَرْعُنَا بِأَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا هُمْ الَّذِينَ أَخْبَرُوا أَنَّ شَرْعَهُمْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ كَالطَّرِيقَةِ وَهِيَ فَاسِدَةُ الرِّئَةِ أَيْ: مُلْتَصِقَتُهَا بِظَهْرِ الْحَيَوَانِ (كُرِهَ) لَنَا أَكْلُهُ وَشِرَاؤُهُ فَإِخْبَارُ شَرْعِنَا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي حَقِّنَا فِي حُرْمَةِ مُذَكَّاةٍ عَلَيْنَا. وَلَيْسَ الدَّجَاجُ مِنْ ذِي الظُّفُرِ؛ لِأَنَّهُ مَشْقُوقُ الْأَصَابِعِ فَيُبَاحُ لَنَا أَكْلُهُ بِذَبْحِ الْيَهُودِيِّ.
وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَجِزَارَتِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْكَافِرَ جَزَّارًا أَيْ: ذَبَّاحًا لِلْمُسْلِمِينَ مَا يَسْتَحِلُّهُ يَبِيعُهُ لِعَدَمِ نُصْحِهِ لَهُمْ، وَالْجَزَّارُ الذَّابِحُ وَاللَّحَّامُ بَائِعُ اللَّحْمِ وَالْقَصَّابُ كَاسِرُ الْعَظْمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ هُنَا مَا يَعُمُّ الْجَمِيعَ، وَإِمَّا مَا بِضَمِّ الْجِيمِ فَأَطْرَافُ الْحَيَوَانِ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَرَأْسُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ جِزَارَتُهُ فِي الْأَسْوَاقِ أَوْ الْبُيُوتِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ اسْتِنَابَتِهِ فِي الذِّبْحِ، وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَالشِّرَاءُ مِنْهُ وَكَوْنُهُ صَيْرَفِيًّا لِذَلِكَ.
(وَ) كُرِهَ لِمُسْلِمٍ (بَيْعٌ) لِلْكَافِرِ شَيْئًا (وَإِجَارَةٌ) لِلْكَافِرِ شَيْئًا (لِعَبْدِهِ) أَيْ الْكَافِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ دِينُهُ (وَ) كُرِهَ لِمُسْلِمٍ (شِرَاءُ ذِبْحِهِ) أَيْ الْكَافِرِ لِنَفْسِهِ مُسْتَحِلُّهُ لَا أَكْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] الْمَائِدَةُ وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَفْسِيرِ الطَّعَامِ بِالذَّبِيحَةِ سَوَاءٌ كَانَ يُبَاحُ بِشَرْعِهِ، أَمْ يَحْرُمُ إنْ كَانَ بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ كَالطَّرِيقَةِ وَأَمَّا مَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِشَرْعِنَا كَذِي الظُّفُرِ لِلْيَهُودِيِّ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَشِرَاؤُهُ وَيُفْسَخُ
وَتَسَلُّفِ ثَمَنِ خَمْرٍ، وَبَيْعٍ بِهِ، لِأَخْذِهِ قَضَاءً، وَشَحْمِ يَهُودِيٍّ،
ــ
[منح الجليل]
(وَ) كُرِهَ لِمُسْلِمٍ (تَسَلُّفُ ثَمَنِ خَمْرٍ) مِنْ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ بَاعَهَا الذِّمِّيُّ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ لَكِنْ ثَمَنُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَإِنْ قَبَضَهُ أَيْ قَبْلَ إسْلَامِهِ كَانَ لَهُ وَلِسَحْنُونٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ مُطْلَقًا وَمَفْهُومُ مِنْ كَافِرٍ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ فَبَاعَهَا فَيَحْرُمُ تَسَلُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا لِيَمْلِكَهَا إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ ثَمَنِهَا وَإِرَاقَتُهَا.
(وَ) كُرِهَ لِمُسْلِمٍ (بَيْعٌ) لِكَافِرٍ شَيْئًا (بِهِ) أَيْ: ثَمَنِ الْخَمْرِ (لَا) يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ (أَخْذُهُ) أَيْ: ثَمَنُ الْخَمْرِ مِنْ كَافِرٍ (قَضَاءً) عَنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِلْمُسْلِمِ أَوْ عَنْ جِزْيَةٍ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَشَارَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَيُكْرَهُ قَبُولُ هِبَةٍ وَالصَّدَقَةُ بِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَالِ الْمُكْتَسَبِ مِنْ حَرَامٍ كَرِبًا وَمُعَامَلَةٍ فَاسِدَةٍ إذَا مَاتَ مُكْتَسِبُهُ عَنْهُ فَهَلْ يَحِلُّ لِلْوَارِثِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَمْ لَا، وَأَمَّا عَيْنُ الْحَرَامِ الْمَعْلُومِ مُسْتَحَقَّةٌ كَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَسَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ، وَوَارِثُهُ إنْ عَلِمَ كَهُوَ وَقَوْلُهُمْ الْحَرَامُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتَيْنِ لَيْسَ مَذْهَبَنَا.
(وَ) كُرِهَ لِمُسْلِمٍ أَكْلُ (شَحْمِ يَهُودِيٍّ) مِنْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] . فَإِنْ عَزَلَهُ كُرِهَ لَنَا أَكْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَتَبَعَّضُ وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا مَعَ ثُبُوتِ تَحْرِيمِهِ بِكِتَابِنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُذَكًّى وَالْمُذَكَّى حَلَالٌ لَهُمْ فَقَدْ ذَبَحَ مُسْتَحِلَّهُ، لَكِنْ لِحُرْمَةِ شَحْمِهِ عَلَيْهِ كُرِهَ لَنَا أَكْلُهُ وَهُوَ الشَّحْمُ الْخَالِصُ كَالثَّرَبِ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثِ وَالرَّاءِ شَحْمٌ رَقِيقٌ يَغْشَى الْكَرِشَ، وَالْأَمْعَاءَ وَالْقِطْنَةَ بِكَسْرِ الطَّاءِ كَمَعِدَةٍ الَّتِي مَعَ الْكَرِشِ وَهِيَ ذَاتُ الْأَطْبَاقِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ رُمَّانَةً لَا مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ أَوْ لَحْمٍ وَلَا الْحَوَايَا وَهِيَ الْأَمْعَاءُ وَالْمَبَاعِرُ بَنَاتُ اللِّينِ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَتَبَعَّضُ هَكَذَا بِالْإِثْبَاتِ فِيمَا رَأَيْته مِنْ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ لَا تَتَبَعَّضُ بِالنَّفْيِ، وَلِمَا ذَكَرَ فِي الْبَيَانِ فِي شُحُومِ الْيَهُودِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْإِجَازَةَ وَالْكَرَاهَةَ وَالْمَنْعَ وَأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى قَوْلَيْنِ: الْمَنْعُ وَالْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ قَبِيلِ الْإِجَازَةِ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، هَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ ذَبَائِحُهُمْ أَوْ مَا يَأْكُلُونَ فَمَنْ ذَهَبَ
وَذَبْحٍ لِصَلِيبٍ، أَوْ عِيسَى وَقَبُولِ مُتَصَدِّقٍ بِهِ لِذَلِكَ،
ــ
[منح الجليل]
إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَبَائِحُهُمْ أَجَازَ أَكْلَ شُحُومِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَمُحَالٌ أَنْ تَقَعَ الذَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ الشَّاةِ مَثَلًا دُونَ بَعْضٍ. وَمَنْ قَالَ الْمُرَادُ مَا يَأْكُلُونَ لَمْ يُجِزْ أَكْلَ، شُحُومِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ فَلَيْسَتْ مِمَّا يَأْكُلُونَ.
قَوْلُهُ وَالْقَطِنَةُ بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ: وَبِالنُّونِ بَعْدَهَا كَمَا، فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ وَالْمَبَاعِرُ بَنَاتُ اللَّبْنِ. هَكَذَا فِي نُسَخِ تت وز مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَاللَّبْنُ بِسُكُونِ الْبَاءِ بِمَعْنَى الْأَكْلِ وَبَنَاتِ اللَّبْنِ الْإِمْعَاءُ الَّتِي يَسْتَقِرُّ فِيهَا الْأَكْلُ، وَهِيَ الْمَبَاعِرُ جَمْعُ مَبْعَرٍ مَوْضِعِ الْبَعْرِ، وَهُوَ رَجِيعُ ذَاتِ الْخُفِّ وَالظِّلْفِ، فَإِنْ ضَبَطْنَا بَنَاتِ اللَّبَنِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهِيَ الْأَمْعَاءُ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا اللَّبَنُ تَعَيَّنَ تَقْدِيرُ الْعَاطِفِ.
(وَ) كُرِهَ (ذِبْحٌ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: مَذْبُوحٌ (لِصَلِيبٍ) أَيْ لِلتَّقَرُّبِ لَهُ (أَوْ) لِأَجْلِ التَّقَرُّبِ إلَى (عِيسَى) عليه الصلاة والسلام فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ فِيهِمَا فَلَا يُنَافِي ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِذَا كُرِهَ أَكْلُهَا بِخِلَافِ لَامِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الصَّنَمِ الْمُفِيدَةِ لِلِاخْتِصَاصِ، فَإِنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِذَا مُنِعَ أَكْلُهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ قَصَدَ بِهَا الِاسْتِحْقَاقَ فَكَالذَّبْحِ لِصَنَمٍ فِي مَنْعِ الْأَكْلِ كَعَكْسِهِ، وَمِثْلُ مَا ذُبِحَ لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى مَا ذَبَحُوهُ لِكَنَائِسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَمَنْ مَضَى مِنْ أَحْبَارِهِمْ وَلِجِبْرِيلَ عليه السلام، وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ فِي الْجَمِيعِ قَصْدُهُمْ بِهِ تَعْظِيمَ شِرْكِهِمْ مَعَ قَصْدِ الذَّكَاةِ. ابْنُ سِرَاجٍ وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا يَفْعَلُهُ الْمَحْمُومُ مِنْ طَعَامٍ وَيَضَعُهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَيُسَمِّيهِ ضِيَافَةَ الْجَانِّ قَالَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ لِأَجْلِ التَّقَرُّبِ لَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الْمُرَادُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلِيبِ أَوْ عِيسَى كَمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ.
(وَ) كُرِهَ لَنَا (قَبُولُ مُتَصَدَّقٍ بِهِ) مِنْ الْكَافِرِ (لِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الصَّلِيبِ أَوْ عِيسَى وَكَذَا لِأَمْوَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ تَعْظِيمٌ لِشِرْكِهِمْ. تت وَكَذَا قَبُولُ مَا يُهْدُونَهُ فِي أَعْيَادِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ رُقَاقٍ وَبَيْضٍ وَكَرِهَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " عَنْهُ جُبْنَ الْمَجُوسِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَنَافِحِ الْمَيْتَةِ اهـ. أَيْ: فَإِنْ تَحَقَّقَ وَضْعَهُمْ أَنَافِحَهَا فِيهِ حَرُمَ قَطْعًا وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ وَضْعِهَا فِيهِ أُبِيحَ قَطْعًا، وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ لِمُجَرَّدِ الْإِشَاعَةِ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ
وَذَكَاةِ خُنْثَى، وَخَصِيٍّ، وَفَاسِقٍ.
ــ
[منح الجليل]
صَنَائِعَ الْكُفَّارِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ كَنَسْجِهِمْ كَمَا اخْتَارَهُ الْبِسَاطُ وَجَمَاعَةٌ وَاخْتَارَ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافَهُ. وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ أَنَّ جُبْنَ الْمَجُوسِ حَرَامٌ لِعَدَمِ تَوَقِّيهِمْ النَّجَاسَةَ قَطْعًا وَجُبْنُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ وَمِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " عَنْهُ الْبُنَانِيُّ أَنَافِحُ جَمْعُ إنْفَحَةٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْحَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ الرَّاضِعِ أَصْفَرُ فَيُعْصَرُ فِي صُوفِهِ فَيُغَلِّظُ اللَّبَنَ لِلْجُبْنِ،
(وَ) كُرِهَ (ذَكَاةُ) أَيْ: ذَبْحُ أَوْ نَحْرُ شَخْصٍ (خُنْثَى) مُشْكِلٍ (وَخَصِيٍّ) وَأَوْلَى مَجْبُوبٍ (وَفَاسِقٍ) لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِضَعْفِ الْأَوَّلَيْنِ وَنَقْصِ دِينِ الثَّالِثِ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ لِنُفُورِ النَّفْسِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْأَوَّلَيْنِ بِالضَّعَفَةِ فَنُقِضَ بِالْمَرْأَةِ وَالثَّالِثُ بِالْكَافِرِ قَالَهُ تت، قَدْ يُقَالُ الْمَرْأَةُ أَقْوَى مِنْ الْخَصِيِّ لِبَقَائِهَا عَلَى خِلْقَتِهَا، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ مُذَكَّاهَا الْأَغْلَفُ وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْأَخْرَسُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ بِأَنَّ لِلْكَافِرِ دِينًا يُقَرُّ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ، بِخِلَافِ الْفَاسِقِ كَمَا عَلَّلُوا بِهِ جَوَازَ الْخِطْبَةِ عَلَى الْفَاسِقِ دُونَ الْكَافِرِ سَالِمٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ مُذَكَّى الْكَافِرِ لِنَفْسِهِ لَا يُكْرَهُ لَنَا أَكْلُهُ، وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ كَوْنُهُ جَزَّارًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ لَا تَذْكِيَتُهُ لِنَفْسِهِ مُسْتَحِلَّةً. وَشَمِلَ الْفَاسِقُ تَارِكَ الصَّلَاةِ وَأَهْلَ الْبِدَعِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِسْلَامِهِمْ، وَلَا تُكْرَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيٍّ أَجَابَ لِلْإِسْلَامِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَلَا مِنْ امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَلَوْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ. وَاَلَّذِي حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ سِتَّةٌ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُمْ وَسِتَّةٌ تُكْرَهُ وَسِتَّةٌ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ، فَالسِّتَّةُ الَّذِينَ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُمْ الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ حَالَ جُنُونِهِ، وَالسَّكْرَانُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجُوسِيُّ وَالْمُرْتَدُّ وَالزِّنْدِيقُ. وَالسِّتَّةُ الَّذِينَ تُكْرَهُ ذَكَاتُهُمْ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَالْخَصِيُّ وَالْأَغْلَفُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِمْ تَارِكُ الصَّلَاةِ وَالسَّكْرَانُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَالْبِدْعِيُّ الْمُخْتَلَفُ فِي كُفْرِهِ، وَالْعَرَبِيُّ النَّصْرَانِيُّ، وَالنَّصْرَانِيُّ يَذْبَحُ لِلْمُسْلِمِ بِإِذْنِهِ وَالْأَعْجَمِيُّ يُجِيبُ لِلْإِسْلَامِ قَبْلَ بُلُوغِهِ اهـ. وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَفِي ذَبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلَانِ. .
وَجَرْحُ مُسْلِمٍ
ــ
[منح الجليل]
ذَكَاةُ مَجُوسِيٍّ وَمُغْمًى وَطَافِحٍ
…
وَطِفْلٍ وَمُرْتَدٍّ وَمَنْ قَدْ تَزَنْدَقَا
حَرَامٌ وَزَادَ أُنْثَى وَخُنْثَى وَأَغْلَفَا
…
خَصِيًّا وَطِفْلًا عَاقِلًا وَفُوَيْسِقًا
وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَتَنَازَعُوا بِنَشْوَانَ
…
أَوْ مَنْ كُفْرُهُ مَا تَحَقَّقَا
وَفِي كَافِرٍ ذَكَّى بِإِذْنٍ لِمُسْلِمٍ
…
وَفِي عَرَبِيٍّ بِالنَّصَارَى تَعَلَّقَا
(وَفِي) صِحَّةِ كَرَاهَةِ أَوْ إبَاحَةِ (ذَبْحِ) وَنَحَرَ شَخْصٍ (كِتَابِيٍّ) يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ (لِ) شَخْصٍ (مُسْلِمٍ) مَا مَلَكَهُ الْمُسْلِمُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَالْبَاقِي لِلْكِتَابِيِّ، وَوَكَّلَهُ عَلَى ذَبْحِهِ أَوْ نَحْرِهِ وَعَدَمِهَا مَعَ الْحُرْمَةِ (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا، وَمَفْهُومُ لِمُسْلِمٍ أَنَّ ذَبْحَهُ لِكَافِرٍ لَيْسَ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ ذَبَحَ مَا لَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَاتَّفَقَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَبْحِهِ وَحُرْمَتِهِ، إنْ ذَبَحَ مَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَاتُّفِقَ عَلَى صِحَّةِ ذَبْحِهِ وَإِبَاحَتِهِ، وَإِنْ ذَبَحَ مَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ اُعْتُبِرَ الذَّابِحُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ فِي اسْتِبَاحَةِ مَا ذَبَحَهُ لِمُسْلِمٍ وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ وَالتَّوْضِيحُ، فَفِي جَوَازِ أَكْلِهَا وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ. وَابْنُ عَرَفَةَ وَفِي حِلِّ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ لِمُسْلِمٍ مَلَكَهُ بِإِذْنِهِ وَحُرْمَتِهَا ثَالِثُهَا تُكْرَهُ اهـ.
(وَ) الذَّكَاةُ فِي الْعَقْرِ (جَرْحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ إدْمَاءِ جِنْسٍ وَإِضَافَتُهُ لِشَخْصٍ (مُسْلِمٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَالِغٍ أَوْ صَبِيٍّ حُرٍّ أَوْ رِقٍّ، فَصْلٌ مُخْرِجٌ جَرْحَ الْكَافِرِ وَلَوْ فِي إذْنٍ سَوَاءٌ شَقَّ الْجِلْدَ أَمْ لَا وَخَرَجَ عَنْهُ شَقُّ الْجِلْدِ بِالْآلَةِ بِدُونِ إدْمَاءٍ فِي وَحْشِيٍّ صَحِيحٍ فَلَا يَكْفِي، وَيَكْفِي فِي مَرِيضٍ فَفِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ، وَالْمُرَادُ مُسْلِمٌ حَالَ الْإِرْسَالِ فَلَا يُؤْكَلُ بِجَرْحِ كَافِرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَافْتَرَقَ صَيْدُ الْكِتَابِيِّ مِنْ ذَبْحِهِ وَنَحْرِهِ؛ لِأَنَّ فِي الصَّيْدِ نَوْعُ تَعَبُّدٍ وَوُقُوفًا مَعَ الْإِسْنَادِ إلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ وَلَا يُعَارِضُهُ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لِتَخْصِيصِهَا بِالْآيَةِ الْأُخْرَى جَمْعًا بَيْنَ
مُمَيِّزٍ وَحْشِيًّا، وَإِنْ تَأَنَّسَ عَجَزَ عَنْهُ إلَّا بِعُسْرٍ، لَا نَعَمٍ شَرَدَ، أَوْ تَرَدَّى بِكُوَّةٍ
ــ
[منح الجليل]
الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِجُرْحِ الْكَافِرِ مَا مَاتَ بِجُرْحِهِ أَوْ نَفَذَ مَقْتَلُهُ بِهِ فَإِنْ خَرَجَ صَيْدًا وَلَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهُ فَيُؤْكَلُ بِذَبْحِهِ كَمَا فِي تت، وَبِذَبْحِ مُسْلِمٍ أَوْلَى. الْبَدْرُ وَتَوَهَّمَ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ عَدَمَ أَكْلِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَاسِدٌ.
قَالَ بَعْضٌ: وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ صَيْدِ مَنْ تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ (مُمَيِّزٍ) لَا صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا سَكْرَانَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَادَّعَى الصَّيْدَ حَالَ الْإِفَاقَةِ وَمَفْعُولُ جَرْحِ الْمُضَافِ لِفَاعِلِهِ قَوْلُهُ حَيَوَانًا (وَحْشِيًّا) إنْ لَمْ يَتَأَنَّسْ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (تَأَنَّسَ) ثُمَّ تَوَحَّشَ وَ (عَجَزَ عَنْهُ) وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي حَالٍ (إلَّا بِعُسْرٍ) أَيْ: مَعَهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا يُؤْكَلُ بِعَقْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَفِيهَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " مَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ حَتَّى صَارَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفِرَّ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَلَا يُؤْكَلُ. ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ أَسِيرًا كَالشَّاةِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِذَبْحٍ، وَيَضْمَنُ الرَّامِي الثَّانِي الَّذِي قَتَلَهُ لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا (لَا) جُرْحَ (نَعَمٍ) أَيْ: حَيَوَانٍ إنْسِيٍّ وَلَوْ غَيْرَ نَعَمٍ كَإِوَزٍّ وَدَجَاجٍ وَحَمَامِ بَيْتٍ (شَرَدَ) وَتَوَحَّشَ فَلَا يُؤْكَلُ بِعَقْرِهِ مُنْظَرًا لِأَصْلِهِ كَمَا نُظِرَ لِأَصْلِ الْوَحْشِيِّ الَّذِي تَأَنَّسَ ثُمَّ تَوَحَّشَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلَّا بِعُسْرٍ. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْوَحْشِيِّ وَالْإِنْسِيِّ الْأَصْلِيَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ فَالْوَحْشِيُّ دَائِمًا وَالْمُتَأَنِّسُ مِنْهُ تَوَحَّشَ يُؤْكَلَانِ بِالْجَرْحِ، وَالْمُتَأَنَّسُ مِنْهُ الْمُسْتَمِرُّ عَلَى تَأَنُّسِهِ كَالنَّعَامَةِ فِي الْقَرْيَةِ لَا يُؤْكَلُ بِالْجَرْحِ. النَّوْعُ الثَّانِي الْإِنْسِيُّ دَائِمًا وَالْمُتَوَحِّشُ مِنْهُ ثُمَّ تَأَنَّسَ وَالْمُتَوَحِّشُ مِنْهُ الْمُسْتَمِرُّ عَلَى وَحْشِيَّتِهِ لَا يُؤْكَلُ وَاحِدٌ مِنْهَا بِالْجَرْحِ.
(أَوْ) حَيَوَانٍ نَعَمٍ أَوْ وَحْشٍ (تَرَدَّى) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ: سَقَطَ (بِكُوَّةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا مُثَقَّلًا أَيْ طَاقَةٍ فِي نَحْوِ حَائِطٍ وَلَا مَعْنَى لَهَا هُنَا؛ لِأَنَّ التَّرَدِّي السُّقُوطُ مِنْ عَالٍ إلَى سَافِلٍ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَوْ تَرَدَّى بِكَهُوَّةٍ أَيْ: فِي هُوَّةٍ فَالْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ وَالْهُوَّةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْهُوَّةُ الْوَهْدَةُ الْعَمِيقَةُ وَجَمْعُهَا هُوًى بِالضَّمِّ
بِسِلَاحٍ مُحَدَّدٍ،
ــ
[منح الجليل]
قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَبُو زَيْدٍ الْمَكُودِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ:
وَأَنْتِ يَا نَفْسُ شُغِلْت بِالْهَوَى
…
حَتَّى وَقَعْت فِي قُعُورٍ لِلْهُوَى
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِكَحُفْرَةٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَصْبَغُ مَا اضْطَرَّهُ الْجَارِحُ لِحُفْرَةٍ لَا خُرُوجَ لَهُ مِنْهَا أَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ فَكَنَعَمٍ. ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا عَجَزَ عَنْهُ فِي مُهْوَاةٍ جَازَ فِيهِ مَا أَمْكَنَ مِنْ ذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِطَعْنِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِمَا.
وَفِي التَّوْضِيحِ إذَا شَرَدَ الْإِنْسِيُّ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَقَرَةٍ فَلَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ اتِّفَاقًا وَكَذَا الْبَقَرَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ، قَالَ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْوَحْشِ تَرْجِعُ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَأُلْزِمَ اللَّخْمِيُّ وَالتُّونُسِيُّ ابْنَ حَبِيبٍ أَنْ يَقُولَ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ إذَا شَرَدَتْ أَنْ تُؤْكَلَ بِالْعَقْرِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الشَّاةِ وَغَيْرِهَا إذَا وَقَعَتْ فِي مُهْوَاةٍ أَنَّهَا تُطْعَنُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَيَكُونُ ذَلِكَ ذَكَاةً لَهَا، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْعَجْزُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الذَّكَاةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ، وَفَرَّقَ صَاحِبُ الْمُعَلِّمِ وَابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي مُهْوَاةٍ يَتَحَقَّقُ تَلَفُهُ لَوْ تُرِكَ فَلَعَلَّ ابْنَ حَبِيبٍ أَبَاحَ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلْمَالِ اهـ فَابْنُ حَبِيبٍ فَصَّلَ فِي النَّعَمِ الشَّارِدِ وَأَطْلَقَ فِي الْمُتَرَدِّي.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجَرْحِ (بِسِلَاحٍ مُحَدَّدٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّالِ الْأُولَى مُشَدَّدَةً أَيْ: شَيْءٌ لَهُ حَدٌّ وَلَوْ كَحَجَرٍ حَادٍّ أَوْ لَهُ حَدٌّ وَعَرْضٌ وَعُلِمَ إصَابَتُهُ الصَّيْدَ بِحَدِّهِ لَا بِعَرْضِهِ فَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهِ هُنَا خُصُوصَ الْحَدِيدِ لِنَدْبِهِ كَمَا يَأْتِي، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُحَدَّدِ كَالْعِصِيِّ وَالْبُنْدُقِ وَالشَّرَكِ وَالشَّبَّةِ إذَا قَتَلَ الْحَيَوَانَ أَوْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ، فَإِنْ عَطَّلَهُ وَلَمْ يُنْفِذْ مَقْتَلَهُ ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ بِتَسْمِيَةٍ وَنِيَّةٍ الْقَرَافِيِّ وَالْحَطّ ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا حُرْمَةُ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ وَكُلِّ مَا شَأْنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ كَاصْطِيَادِ مَأْكُولٍ لَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ وَيُمْكِنُ رُجُوعُ قَوْلِهِ بِسِلَاحٍ مُحَدَّدٍ لِأَنْوَاعِ الذَّكَاةِ الثَّلَاثَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ كَالْعِصِيِّ وَالْبُنْدُقِ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرَحُ وَإِنَّمَا يَرُضُّ وَيَكْسِرُ وَالْمُرَادُ الْبُنْدُقُ الْمُسْتَعْمَلُ مِنْ الطِّينِ الْمُحَرَّقِ كَمَا فِي الْمَشَارِقِ زَادَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَبِغَيْرِ طَبْخٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَأَمَّا الصَّيْدُ بِالْبُنْدُقِ وَمِنْ الرَّصَاصِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ
وَحَيَوَانٍ عُلِّمَ بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ
ــ
[منح الجليل]
مِنْ الْفَاسِيِّينَ لِحُدُوثِ الرَّمْيِ بِهِ بِحُدُوثِ الْبَارُودِ وَاسْتَخْرَجَهُ حَكِيمٌ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْكِيمْيَاءَ فَفَرْقَعَ لَهُ فَأَعَادَهُ فَأَعْجَبَهُ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ هَذَا الْبَارُودَ فِي وَسَطِ الْمِائَةِ الثَّامِنَةِ وَأَفْتَى فِيهِ بِجَوَازِ الْأَكْلِ. أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ وَابْنُ غَازِيٍّ وَعَلِيُّ بْنُ هَارُونَ وَالْمَنْجُورُ وَالْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَاسِيُّ وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الشُّيُوخِ عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ لِإِنْهَارِهِ وَإِجْهَازِهِ بِسُرْعَةٍ اللَّذَيْنِ شُرِعَتْ الذَّكَاةُ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ بَلْ الْإِنْهَارُ بِهِ أَبْلَغُ وَأَسْهَلُ مِنْ كُلِّ آلَةٍ يَقَعُ الْجُرْحُ بِهَا.
وَكَوْنُ الْجُرْحِ الْمُرَادُ بِهِ الشَّقُّ كَمَا قِيلَ وَصَفَهُ طَرْدِيٌّ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِهِ إذْ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْجَرْحِ سَوَاءٌ كَانَ شَقًّا أَوْ خَرْقًا كَمَا فِي مُحَدَّدِ الْمِعْرَاضِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْبُنْدُقَةِ الطِّينِيَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُودِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ وُجُودُ الْخَرْقِ وَالنُّفُوذِ فِي الرَّصَاصِ تَحْقِيقًا وَعَدَمُ ذَلِكَ فِي الْبُنْدُقَةِ الطِّينِيَّةِ، وَإِنَّمَا شَأْنُهَا الرَّضُّ وَالدَّمْغُ وَالْكَسْرُ وَمَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ لَا يُسْتَعْمَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَقْذِ الْمُحَرَّمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ اهـ، مُخْتَصَرًا مِنْ خَطِّ عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِيِّ فِي جَوَابٍ لَهُ طَوِيلٍ.
(أَوْ) بِ (حَيَوَانٍ عُلِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا وَلَوْ مِنْ نَوْعِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّعَلُّمَ كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَنَسْرٍ وَأَوْلَى مَا يَقْبَلُهُ مِنْ كَلْبٍ وَبَازٍ وَسِنَّوْرٍ وَابْن عِرْسٍ وَذِئْبٍ، وَلَوْ كَانَ طَبْعُ الْمُعَلَّمِ بِالْفِعْلِ الْغَدْرُ كَدُبٍّ فَإِنَّهُ لَا يَمْسِكُ إلَّا لِنَفْسِهِ، قَالَ فِيهَا وَالْمُعَلَّمُ هُوَ الَّذِي إذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ، أَيْ: إلَّا الْبَازَ فَإِنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ، وَعِصْيَانُ الْمُعَلَّمِ مَرَّةً لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا كَمَا لَا يَكُونُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ مُعَلَّمًا بِطَاعَتِهِ مَرَّةً بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ (بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ) مَعَ نِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ تَعَبُّدًا فَلَوْ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ صَيْدًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ انْبَعَثَ قَبْلَ رُؤْيَةِ رَبِّهِ الصَّيْدَ وَلَوْ أَشْلَاهُ عَلَيْهِ أَثْنَاءَهُ وَهُوَ بِقُرْبِهِ، أَوْ رَآهُ وَلَمْ يُرْسِلْهُ، أَوْ أَرْسَلَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ لَا يُؤْكَلُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَذَا إلَّا بِزَكَاةٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ، وَلَوْ كَانَ لَا يَذْهَبُ إلَّا بِأَمْرِهِ فَالْمُرَادُ بِالْيَدِ حَقِيقَتُهَا، وَمِثْلُهَا إرْسَالُهُ مِنْ حِزَامِهِ أَوْ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ إلَّا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَالْمِلْكَ وَيَدُ خَادِمِهِ كَيَدِهِ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الَّذِي رَجَعَ لَهُ، وَقَالَ قَبْلَهُ يُؤْكَلُ إذَا أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ يَدِهِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُمَا فِيهَا وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَاللَّخْمِيِّ مَا أَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ لِقُوَّتِهِ.
بِلَا ظُهُورِ تَرْكٍ.
. وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ، أَوْ أَكَلَ، أَوْ لَمْ يُرَ بِغَارٍ، أَوْ غَيْضَةٍ، أَوْ لَمْ يَظُنُّ نَوْعَهُ مِنْ الْمُبَاحِ، أَوْ ظَهَرَ خِلَافُهُ لَا إنْ ظَنَّهُ حَرَامًا،
ــ
[منح الجليل]
بِ) شَرْطِ (لَا) أَيْ: عَدَمِ (ظُهُورِ تَرْكٍ) مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُعَلَّمِ لِلصَّيْدِ قَبْلَ قَتْلِهِ أَيْ: يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ أَكْلِ مَصِيدِهِ إذَا قَتَلَهُ أَوْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ انْبِعَاثُهُ إلَيْهِ مِنْ حِينِ إرْسَالِهِ إلَيْهِ إلَى حِينِ أَخْذِهِ، وَأَمَّا السَّهْمُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي رَمْيِ حَصَى الْجِمَارِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إصَابَتُهَا غَيْرَهَا إنْ ذَهَبَتْ إلَيْهَا بِقُوَّةِ الرَّمْيِ وَلَيْسَ اشْتِغَالُهُ بِإِفْرَادِ. مَا أَرْسَلَ عَلَيْهِ تَرْكًا فَيُؤْكَلُ مَا صَادَهُ مِمَّا أَرْسَلَ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ) وَنَوَى الصَّائِدُ الْجَمِيعَ فَلَوْ صَادَ شَيْئًا لَمْ يَنْوِهِ الصَّائِدُ فَلَا يُؤْكَلُ وَلَوْ فِي مَسْأَلَةِ الْغَارِ وَالْغَيْضَةِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ. وَأَشَارَ بِوَ لَوْ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ، قَالَ عج: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا يَأْكُلْ شَيْئًا. وَقَالَ جَدُّ عج: يَأْكُلُ الْجَمِيعَ فِي هَذَا أَيْضًا وَأَدْخَلَهَا فِي تَصْوِيرِ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ نَوَى وَاحِدًا مُعَيَّنًا فَلَا يَأْكُلْ غَيْرَهُ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَيَأْكُلُ الْأَوَّلَ فَقَطْ لِصُوَرٍ أَرْبَعٍ، فَإِنْ شَكَّ فِي الْأَوَّلِ فَلَا يَأْكُلْ شَيْئًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ (أَوْ أَكَلَ) الْجَارِحُ بَعْضَ الصَّيْدِ وَلَوْ أَكْثَرَهُ (أَوْ لَمْ يُرَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ أَيْ: لَمْ يُعْلَمْ الْمَصِيدُ حَالَ كَوْنِهِ (بِغَارٍ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ: بَيْتٍ فِي الْجَبَلِ (أَوْ غَيْضَةٍ) بِإِعْجَامِ الْغَيْنِ وَالضَّادِ أَيْ: شَجَرٍ مُلْتَفٌّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَيُسَمَّى أَجَمَةً أَيْضًا وَأَوْلَى إنْ عَلِمَ وَلَمْ يُبْصِرْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا مَنْفَذٌ آخَرُ، وَإِلَّا فَلَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ أَخْذِهِ غَيْرَ مَا نَوَاهُ. (أَوْ لَمْ يَظُنَّ) الْمُرْسِلُ (نَوْعَهُ) أَيْ: الْمَصِيدِ أَظَبْيٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ (مِنْ الْمُبَاحِ) فَهُوَ صِلَةُ مَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ فَاعِلِ يَظُنُّ وَيَحْتَمِلُ مِنْ مَفْعُولِهِ (أَوْ) أَرْسَلَهُ عَلَى مُعَيَّنٍ ظَنَّهُ ظَبْيًا ثُمَّ (ظَهَرَ خِلَافُهُ) وَأَنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ مُبَاحٌ فَيُؤْكَلُ (لَا) يُؤْكَلُ (إنْ ظَنَّهُ) أَيْ: الْمُرْسِلُ الْوَحْشِيَّ حَالَ إرْسَالِهِ أَوْ رَمْيِهِ عَلَيْهِ (حَرَامًا) كَخِنْزِيرٍ، فَإِذَا هُوَ حَلَالٌ مَيِّتٌ أَوْ مَنْفُوذُ الْمَقْتَلِ وَأَوْلَى إنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَكَذَا إنْ شَكَّ فِيهِ أَوْ تَوَهَّمَ لِعَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ جَزْمِهَا أَحْمَدُ لَوْ قَالَ لَا إنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ إبَاحَتَهُ لَشَمِلَ مُتَيَقِّنَ الْحُرْمَةِ وَظَانَّهَا وَشَاكَّهَا
أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مُرْسَلٍ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ فِي شَرِكَةِ غَيْرٍ كَمَاءٍ،
ــ
[منح الجليل]
وَمُتَوَهِّمَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَطْلَقَ الظَّنَّ عَلَى مُطْلَقِ التَّرَدُّدِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ أَنَاطُوا الْإِبَاحَةَ بِتَحَقُّقِهَا وَالْحُرْمَةَ بِعَدَمِهِ فَإِنْ أَدْرَكَ مَا ظَنَّهُ حَرَامًا حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ وَذَكَّاهُ بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُبَاحٌ فَيُؤْكَلُ، فَإِنْ اعْتَقَدَ حُرْمَتَهُ وَأَنَّهَا تَعْمَلُ فِيهِ ثُمَّ ظَهَرَتْ إبَاحَتُهُ فَلَا يُؤْكَلُ وَالْمَكْرُوهُ إنْ رَمَاهُ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ نَوَى تَذْكِيَتَهُ فَيُؤْكَلُ، وَإِنْ نَوَى تَذْكِيَتَهُ لِجِلْدِهِ فَقَطْ فَيُؤْكَلُ لَحْمُهُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَتَبَعَّضُ وَلَا يُؤْكَلُ عَلَى أَنَّهَا تَتَبَعَّضُ، وَإِنْ نَوَاهَا لِلَحْمِهِ طَهُرَ جِلْدُهُ عَلَيْهِمَا لِتَبَعِيَّتِهِ لِلَّحْمِ.
(أَوْ أَخَذَ) الْجَارِحُ أَوْ أَصَابَ السَّهْمُ حَيَوَانًا وَحْشِيًّا (غَيْرَ مُرْسَلٍ) بِفَتْحِ السِّينِ أَوْ مَرْمِيٍّ (عَلَيْهِ) تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا إلَّا أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَيَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَأْتِي بِهِ مَعَهُ مِمَّا لَمْ يَرَهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَيُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُعَيَّنِ الَّذِي نَوَاهُ فَلَا يُعَارِضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِيَ أَوْ قَصَدَ مَا وَجَدَ، فَالْمَسَائِلُ ثَلَاثَةٌ الْأُولَى أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِحُ مَا لَمْ يُرْسَلْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْصِدْ فَلَا يُؤْكَلُ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَقْصِدَ مَا يَجِدُهُ وَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَلَا يُؤْكَلُ. الثَّالِثَةُ أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَمَا مَعَهُ إنْ كَانَ فَيُؤْكَلُ، وَظَاهِرُهَا وَلَوْ أَتَى بِمَا مَعَهُ دُونَ مَا عَيَّنَهُ وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ وَهَذِهِ غَيْرُ قَوْلِهِ وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ نِيَّةُ الْجَمِيعِ مَعَ رُؤْيَتِهِ.
(أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ) الْمُذَكَّى صَائِدًا أَوْ ذَابِحًا أَوْ نَاحِرًا السَّبَبُ (الْمُبِيحُ) لِأَكْلِ مُذَكَّاهُ (فِي) أَيْ: بِسَبَبِ (شَرِكَةِ) سَبَبٍ (غَيْرِ) أَيْ: لِلْمُبِيحِ فِي قَتْلِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْفَاذُ مَقْتَلِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُذْكَرُ أَوْ غَيْرُهَا فَلَا يُؤْكَلُ مُذَكَّاهُ لَدَوْرَانِ أَمْرِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْقَاعِدَةُ تَغْلِيبُ جَانِبِ الْحُرْمَةِ (كَ) إجْمَاعِ ذَكَاةٍ مَعَ غَمْرِ مَاءٍ فِي صَيْدٍ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَتْ بَهِيمَةٌ فِي مَاءٍ وَرَفَعَتْ رَأْسَهَا مِنْهُ وَذُبِحَتْ أَوْ نُحِرَتْ ثُمَّ مَاتَتْ فِي الْمَاءِ أُكِلَتْ قَالَهُ تت وَالشَّارِحُ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا إنْ ذُبِحَتْ أَوْ نُحِرَتْ وَرَأْسُهَا فِي الْمَاءِ أُكِلَتْ لِحُصُولِ ذَبْحِهَا أَوْ نَحْرِهَا مَعَ تَحَقُّقِ حَيَاتِهَا لَكِنْ يُكْرَهُ هَذِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ تَعِيشُ، فِي الْمَاءِ أَمْ لَا
أَوْ ضُرِبَ بِمَسْمُومٍ، أَوْ كَلْبِ مَجُوسِيٍّ، أَوْ بِنَهْشِهِ مَا قَدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْهُ،
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) شَرِكَةٍ ثُمَّ أَسْهَمَ بِسَبَبِ (ضَرْبٍ بِ) سَهْمٍ (مَسْمُومٍ) وَلَمْ يُنْفِذْ السَّهْمُ مَقْتَلَهُ وَلَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ بَعْدَ إصَابَتِهِ حَتَّى مَاتَ فَلَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ مِنْ السَّهْمِ فَإِنْ أَنْفَذَ السَّهْمُ مَقْتَلَهُ أُكِلَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ مَخَافَةَ أَذَى السُّمِّ، وَإِنْ أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ وَلَمْ يُنْفِذْ السَّهْمُ مَقْتَلَهُ أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ ذُكِّيَ وَحَيَاتُهُ مُحَقَّقَةٌ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. الْحَطّ وَانْظُرْ ذَبْحَ الدِّيَكَةِ عِنْدَ خَنْقِهَا بِالْعَجِينِ أَيْ: بَلْعِهَا الْعَجِينَ هَلْ هُوَ مِنْ هَذَا اهـ عب حَيْثُ تَحَقَّقَ أَنَّ الْعَجِينَ لَمْ يُنْفِذْ مَقْتَلَهَا فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ لِقَوْلِهِ وَأُكِلَ الْمُذَكَّى وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ.
(أَوْ) شَرِكَةِ (كَلْبِ مَجُوسِيٍّ) أَيْ: أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ سَوَاءٌ كَانَ مِلْكَهُ أَوْ مِلْكَ مُسْلِمٍ كَلْبًا أَرْسَلَهُ مُسْلِمٌ سَوَاءٌ كَانَ مِلْكَهُ أَوْ مِلْكَ مَجُوسِيٍّ فِي قَتْلٍ أَوْ إنْفَاذِ مَقْتَلِ صَيْدٍ فَلَا يُؤْكَلُ وَمِثْلُ الْمَجُوسِيِّ الْكِتَابِيُّ فَالْمُعْتَبَرُ فِي عَدَمِ الْأَكْلِ مُشَارَكَةُ مَا أَرْسَلَهُ كَافِرٌ سَوَاءٌ كَانَ كَلْبًا أَوْ سَهْمًا مِلْكًا لَهُ أَوْ لِمُسْلِمٍ مَجُوسِيًّا كَانَ أَوْ كِتَابِيًّا، وَشَمِلَ قَوْلُهُ كَلْبَ مَجُوسِيٍّ اشْتِرَاكَهُ مَعَ كَلْبِ مُسْلِمٍ فِي قَتْلٍ أَوْ إنْفَاذِ مَقْتَلِ الصَّيْدِ وَإِمْسَاكَهُ أَحَدَهُمَا وَقَتْلَهُ الْآخَرَ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ كَلْبَ الْمُسْلِمِ، وَمِثْلُ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ كَلْبُ مُسْلِمٍ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ غَيْرُ مُرْسَلٍ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ وَإِنْ أُرْسِلَ أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ كَلْبًا أَوْ سَهْمًا وَاحِدًا كَانَ مَمْسُوكًا لَهُمَا وَنَوَى الْمُسْلِمُ وَسَمَّى وَقَتَلَ الصَّيْدَ أَوْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ فَلَا يُؤْكَلُ لِشَرِكَةِ الْمَجُوسِيِّ فِي الِاصْطِيَادِ. ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَا سَهْمَاهُمَا إلَّا أَنْ يُوقِنَ أَنَّ سَهْمَ الْمُسْلِمِ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ دُونَ سَهْمِ الْكَافِرِ بِأَنْ يُوجَدَ سَهْمُ الْمُسْلِمِ فِي مَقْتَلِهِ وَسَهْمُ الْمَجُوسِيِّ فِي بَعْضِ أَطْرَافِهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَخَذَاهُ حَيًّا قُضِيَ لِلْمُسْلِمِ بِذَبْحِهِ أَوْ نَحْرِهِ وَأَخْذِ نِصْفِهِ، فَإِنْ قَالَ الْمَجُوسِيُّ: هُوَ لَا يَأْكُلُ ذَبِيحَةَ الْمُسْلِمِ أَوْ مَنْحُورَهُ بِيعَ وَقُسِمَ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا ثَمَنَ لَهُ فِيهِ مُكِّنَ الْمُسْلِمُ مِنْ. ذَبْحِهِ أَوْ نَحْرِهِ إنْ شَاءَ لِخَبَرِ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» .
(أَوْ) لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ وَهُوَ الذَّكَاةُ (بِ) سَبَبِ (نَهْشِهِ) أَيْ: الْجَارِحِ (مَا) أَيْ: صَيْدًا حَالَ ذَبْحِهِ أَوْ نَحْرِهِ (قَدْرَ) الصَّائِدِ (عَلَى خَلَاصِهِ) أَيْ الصَّيْدِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْجَارِحِ
أَوْ أَغْرَى فِي الْوَسَطِ أَوْ تَرَاخَى فِي اتِّبَاعِهِ، إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ، أَوْ حَمَلَ الْآلَةَ مَعَ غَيْرٍ أَوْ بِخُرْجٍ، أَوْ بَاتَ
ــ
[منح الجليل]
وَتَرَكَ الْجَارِحَ يَنْهَشُهُ وَهُوَ يَذْبَحُهُ أَوْ يَنْحَرُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ وَهُوَ مُحَقَّقُ الْحَيَاةِ غَيْرُ مَنْفُوذِ الْمَقْتَلِ فَلَا يُؤْكَلُ فِيهَا وَلَوْ قَدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْهَا فَذَكَّاهُ وَهُوَ فِي أَفْوَاهِهَا تَنْهَشُهُ فَلَا يُؤْكَلُ، إذْ لَعَلَّهُ مِنْ نَهْشِهَا مَاتَ إلَّا أَنْ يُوقِنَ أَنَّهُ ذَكَّاهُ وَهُوَ مُجْتَمِعُ الْحَيَاةِ قَبْلَ أَنْ تُنْفِذَ هِيَ مَقَاتِلَهُ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.
(أَوْ أَغْرَى) أَيْ: حَضَّ وَقَوَّى الصَّائِدُ الْجَارِحَ بَعْدَ انْبِعَاثِهِ لِلصَّيْدِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ (فِي الْوَسَطِ) أَيْ: أَثْنَاءِ ذَهَابِهِ لِلصَّيْدِ وَلَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ فَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ عُطِفَ عَلَى ظَنَّهُ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ أَمْثِلَةِ الشَّرِكَةِ (أَوْ تَرَاخِي) الصَّائِدِ (فِي اتِّبَاعِهِ) أَيْ الْجَارِحِ أَوْ السَّهْمِ بَعْدَ إرْسَالِهِ أَوْ رَمْيِهِ ثُمَّ وُجِدَ الصَّيْدُ مَيِّتًا فَلَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ جَدَّ لَأَدْرَكَهُ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ وَذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ بِسُرْعَةٍ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ) الصَّائِدُ حِينَ الْإِرْسَالِ أَوْ الرَّمْيِ (أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ) أَيْ الصَّائِدُ الصَّيْدَ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ وَلَوْ جَدَّ فِي اتِّبَاعِهِ فَيُؤْكَلُ، وَكَذَا لَوْ تَحَقَّقَ لُحُوقُهُ وَتَرَاخَى فِي اتِّبَاعِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ تَبِعَهُ لَا يَلْحَقُهُ فَالْعِبْرَةُ فِي الْأَكْلِ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ لَحَاقِهِ.
(أَوْ حَمَلَ) الصَّائِدُ (الْآلَةَ) لِلذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ (مَعَ) شَخْصٍ (غَيْرِ) وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْبِقُ ذَلِكَ الْغَيْرَ إلَى الصَّيْدِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى حَمْلِهِ بِنَفْسِهِ وَسَبَقَ الصَّائِدَ إلَى الصَّيْدِ، وَوَجَدَهُ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْآلَةُ مَعَهُ لَذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ بِهَا وَمَاتَ الصَّيْدُ حَتْفَ أَنْفِهِ قَبْلَ إتْيَانِ مَنْ مَعَهُ الْآلَةُ فَلَا يُؤْكَلُ.
(أَوْ) وَضَعَهَا (بِخُرْجٍ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يَسْتَدْعِي طُولًا فِي إخْرَاجِهَا مِنْهُ وَمَاتَ الصَّيْدُ وَلَوْ كَانَتْ الْآلَةُ فِي يَدِهِ أَوْ حِزَامِهِ لَأَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ ذَكَاتَهُ وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ فَيُؤْكَلُ فِيهِمَا (أَوْ بَاتَ) الصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مِنْ الْغَدِ مَيِّتًا هَذَا ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ لَيْلَةً أَوْ بَعْضَهَا وَلَوْ وَجَدَ السَّهْمَ فِي مَقْتَلِهِ وَقَدْ أَنْفَذَهُ وَلَوْ جَدَّ فِي اتِّبَاعِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ إنْفَاذَ السَّهْمِ مَقْتَلَهُ قَبْلَ خَفَائِهِ عَلَيْهِ فَيُؤْكَلُ اهـ
أَوْ صَدَمَ، أَوْ عَضَّ بِلَا جَرْحٍ أَوْ قَصَدَ مَا وَجَدَ، أَوْ أَرْسَلَ ثَانِيًا بَعْدَ مَسْكِ أَوَّلَ، وَقَتَلَ،
ــ
[منح الجليل]
الْبُنَانِيُّ عَلَّلُوا عَدَمَ أَكْلِهِ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ السَّهْمِ أَوْ الْجَارِحِ فَالْأَحْسَنُ تَقْدِيمُهُ وَجَعْلُهُ مِنْ أَفْرَادٍ أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ وَجَدَ السَّهْمَ فِي مَقْتَلِهِ إلَخْ كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَفْظُهَا عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فَإِنْ بَاتَ فَلَا يَأْكُلُهُ وَإِنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ جَارِحُهُ أَوْ سَهْمُهُ وَهُوَ فِيهِ اهـ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَمَّا السَّهْمُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ وَإِنْ بَاتَ قَالَ أَصْبَغُ. قَالَ وَقَدْ أَمِنَ عَلَيْهِ مِمَّا يَخَافُ الْفُقَهَاءُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ مِنْ غَيْرِ السَّهْمِ وَلَمْ نَجِدْ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، هَذَا عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " ذِكْرًا وَلَا رَوَاهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ تَشُكَّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَهَّمَ فِيهَا ابْنُ الْمَوَّازِ وَبِهِ أَقُولُ. ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الصَّوَابُ. ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا فَالْأَوْلَى الْإِشَارَةُ لِهَذَا الْقَوْلِ لِقُوَّتِهِ.
(أَوْ صَدَمَ) أَيْ: لَطَمَ الْجَارِحُ الصَّيْدَ بِلَا جُرْحٍ فَلَا يُؤْكَلُ (أَوْ عَضَّ) الْجَارِحُ الصَّيْدَ (بِلَا جُرْحٍ) أَيْ: إدْمَاءٍ فَلَا يُؤْكَلُ وَلَوْ كَدَمَهُ أَوْ نَيَّبَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مَرِيضًا وَشَقَّ جِلْدَهُ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ دَمٌ فَيَكْفِي وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ مَرِيضًا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى بِلَا جُرْحِهِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ جُرْحُ الْمَصِيدِ بِهِ وَلَا جُرْحُ الصَّيْدِ مِنْ جَرْيِهِ مَثَلًا. وَالْكَدْمُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْعَضُّ بِسُهُولَةٍ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ.
(أَوْ) أَرْسَلَ الصَّائِدُ الْجَارِحَ عَلَى غَيْرِ مَرْأًى وَلَا بِمَكَانٍ مَحْصُورٍ وَ (قَصَدَ) الصَّائِدُ (مَا) أَيْ: الصَّيْدَ الَّذِي (وَجَدَهُ) الْجَارِحُ فَلَا يُؤْكَلُ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ (أَوْ) أَرْسَلَ جَارِحًا أَوَّلَ فَمَسَكَ الصَّيْدَ ثُمَّ (أَرْسَلَ) جَارِحًا (ثَانِيًا بَعْدَ مَسْكِ أَوَّلَ، وَقَتَلَ) الثَّانِي الصَّيْدَ وَحْدَهُ أَوْ قَتَلَاهُ جَمِيعًا فَلَا يُؤْكَلُ لِصَيْرُورَةِ الصَّيْدِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِلَا عُسْرٍ بِمَسْكِهِ الْأَوَّلِ، وَمَفْهُومُ بَعْدَ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ ثَانِيًا قَبْلَ مَسْكِ أَوَّلَ وَقَتَلَهُ الثَّانِي، أَوْ الْأَوَّلُ أَوْ قَتَلَاهُ جَمِيعًا يُؤْكَلُ فِي الثَّلَاثِ صُوَرٍ. وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا مَا لَوْ أَرْسَلَ ثَانِيًا قَبْلَ مَسْكِ أَوَّلَ فَمَسْكُهُ الْأَوَّلُ قَبْلَ وُصُولِ الثَّانِي ثُمَّ قَتَلَهُ الثَّانِي فَيُؤْكَلُ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ عَنْ الْجَوَاهِرِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الْإِرْسَالِ وَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ قَالَهُ عج، وَمَفْهُومُ مَسْكٍ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ ثَانِيًا بَعْدَ قَتْلِ أَوَّلَ يُؤْكَلُ
أَوْ اضْطَرَبَ فَأَرْسَلَ وَلَمْ يُرَ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرِبَ، وَغَيْرَهُ: فَتَأْوِيلَانِ.
ــ
[منح الجليل]
أَوْ اضْطَرَبَ) الْجَارِحُ عَلَى صَيْدٍ رَآهُ (فَأَرْسَلَ) الصَّائِدُ الْجَارِحَ عَلَى مَا اضْطَرَبَ هُوَ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَرَ) الصَّائِدُ الصَّيْدَ الَّذِي اضْطَرَبَ الْجَارِحُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمَكَانُ مَحْصُورًا كَغَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ فَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَهُ أَوْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ الْجَارِحُ، قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا أُحِبُّ أَكْلَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ صَيْدًا أَوْ يَضْطَرِبُ عَلَى صَيْدٍ، وَيَأْخُذُ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ مَا اضْطَرَبَ عَلَيْهِ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِ لَهُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) الصَّائِدُ (الْمُضْطَرَبَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ: عَلَيْهِ فَحَذَفَ الْجَارَ، وَأَوْصَلَ الْمَفْعُولَ فَاسْتَتَرَ الضَّمِيرُ عَلَى مَا فِيهِ فَلَيْسَ فِيهِ حَذْفُ نَائِبِ الْفَاعِلِ الْعُمْدَةِ (وَغَيْرَهُ) أَيْ: الْمُضْطَرَبَ عَلَيْهِ (فَ) فِي الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ (تَأْوِيلَانِ) أَحَدُهُمَا يُؤْكَلُ فَتُزَادُ هَذِهِ عَلَى قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ إلَّا فِي غَارٍ وَغَيْضَةٍ بِأَنْ يُقَالَ وَإِلَّا فِيمَا اضْطَرَبَ عَلَيْهِ الْحَيَوَانُ الْمُعَلَّمُ وَنَوَى الصَّائِدُ الْمُضْطَرَبَ عَلَيْهِ وَغَيْرَهُ فَيُؤْكَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُحَقِّقِ.
وَالثَّانِي لَا يُؤْكَلُ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ لَيْسَ كَالْمُحَقَّقِ قَالَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ لَا أُحِبُّ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَكَلَامُ الْعُتْبِيَّةِ هَذَا الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ حَمَلَهُ عَلَى نِيَّةِ الْمُضْطَرَبِ عَلَيْهِ فَقَطْ، قَالَ: فَإِنْ نَوَاهُ وَغَيْرَهُ أَكَلَ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ نَوَى جَمَاعَةً وَمَا وَرَاءَهَا مِمَّا لَمْ يَرَهُ أَكَلَ الْجَمِيعَ. ابْنُ عَرَفَةَ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى خِلَافِهَا وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ لَيْسَا عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّمَا هُمَا عَلَى قَوْلِ الْعُتْبِيَّةِ لَا أُحِبُّ أَكْلَهُ هَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَكُونُ خِلَافًا لَهَا أَوْ مُقَيَّدٌ، فَيَكُونُ وِفَاقًا وَقَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ إلَخْ غَيْرُ صَوَابٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ لَيْسَ لِلتَّأْوِيلَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْخِلَافِ الَّذِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ أَوَّلًا إذَا اضْطَرَبَ فَأَرْسَلَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: جَوَازُ الْأَكْلِ وَعَدَمُهُ وَهُمَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه ". وَالثَّانِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَوْ رَأَى الْجَارِحَ يَضْطَرِبُ وَلَمْ يَرَ الصَّائِدُ شَيْئًا فَأَرْسَلَهُ عَلَيْهِ فَأَجَازَهُ
وَوَجَبَ نِيَّتُهَا، وَتَسْمِيَةٌ إنْ ذَكَرَ.
ــ
[منح الجليل]
مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَرَّةً وَكَرِهَهُ أُخْرَى، وَقَالَ: لَعَلَّهُ غَيْرُ الَّذِي اضْطَرَبَ عَلَيْهِ الْجَارِحُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّاهِرِ وَقَدْ بَنَى مَالِكٌ " رضي الله عنه " أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ جَائِزَةٌ أَوْ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَى أَصْلٍ ثَانٍ هَلْ يُحْكَمُ بِالْغَالِبِ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ إذْ الْغَالِبُ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ مَا اضْطَرَبَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُبَاحُ إلَّا مَعَ الْيَقِينِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَيْنِ وَالتَّأْوِيلَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَأَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. وَنَحْوُهُ لِلرَّمَاصِيِّ.
(وَوَجَبَ) شَرْطًا فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ بِأَقْسَامِهَا الْأَرْبَعَةِ (نِيَّتُهَا) أَيْ: الذَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ كَوْنَهَا سَبَبًا لِحِلِّ أَكْلِ لَحْمِ الْحَيَوَانِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وُجُوبًا مُطْلَقًا فَلَوْ تُرِكَتْ عَمْدًا تَهَاوُنًا أَمْ لَا أَوْ جَهْلًا بِالْحُكْمِ أَوْ نِسْيَانًا أَوْ تَأْوِيلًا أَوْ رَمَى سَهْمًا أَوْ أَرْسَلَ جَارِحًا غَيْرَ قَاصِدٍ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا أَوْ ضَرَبَ حَيَوَانًا إنْسِيًّا بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ فَذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ فَلَا يُؤْكَلُ.
(وَ) وَجَبَ شَرْطًا فِيهَا (تَسْمِيَةٌ) لِلَّهِ سبحانه وتعالى بِأَيِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْحُسْنَى عِنْدَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَالْإِرْسَالِ فِي الْعَقْرِ وَفِعْلِ مَا يَمُوتُ بِهِ نَحْوُ الْجَرَادِ لَا خُصُوصُ بِسْمِ اللَّهِ. ابْنُ حَبِيبٍ إنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ أَجْزَأَ وَلَكِنْ مَا مَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ أَحْسَنُ وَهُوَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. اهـ. وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَلَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتُكْرَهُ. الْبَاجِيَّ لَوْ سَمَّى عِنْدَ الرَّمْيِ، وَقَدَرَ عَلَيْهِ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ سَمَّى لِذَكَاتِهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَقَالَ فِي الْبَيَانِ لَيْسَتْ التَّسْمِيَةُ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] مَعْنَاهُ لَا تَأْكُلُوا الْمَيْتَةَ الَّتِي لَمْ يُقْصَدْ إلَى ذَكَاتِهَا؛ لِأَنَّهَا فِسْقٌ، وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] كُلُوا مِمَّا قَصَدْتُمْ إلَى ذَكَاتِهِ فَكَنَّى عز وجل عَنْ التَّذْكِيَةِ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا كَنَّى عَنْ رَمْيِ الْجِمَارِ بِذِكْرِهِ تَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] . وَمَحِلُّ وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ (إنْ ذَكَرَ) أَيْ تَذَكَّرَ التَّسْمِيَةَ وَقَدَرَ عَلَيْهَا فَلَا تَجِبُ عَلَى
وَنَحْرُ إبِلٍ، وَذَبْحُ غَيْرِهِ، إنْ قَدَرَ، وَجَازَ لِلضَّرُورَةِ، إلَّا الْبَقَرَ فَيُنْدَبُ الذَّبْحُ.
ــ
[منح الجليل]
نَاسٍ وَلَا مَكْرُوهٍ عَلَى تَرْكِهَا وَلَا أَخْرَسَ أَوْ عَاجِزٍ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ. فَلَوْ قَالَ كَتَسْمِيَةٍ إنْ ذَكَرَ يَجْرِي عَلَى قَاعِدَتِهِ الْأَغْلَبِيَّةِ، وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهِمَا إذَا كَانَ الْمُذَكِّي مُسْلِمًا وَإِلَّا لَمْ يُشْتَرَطْ.
وَقَالَ بَعْضٌ النِّيَّةُ قِسْمَانِ نِيَّةُ قُرْبَةٍ وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ، وَنِيَّةُ فِعْلٍ وَتَمْيِيزٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِسْلَامُ وَمَعْنَاهَا أَنْ يَنْوِيَ بِالْقَطْعِ أَوْ الطَّعْنِ أَوْ الْإِرْسَالِ التَّذْكِيَةَ لَا الْقَتْلَ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الشَّرْطُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ وَوَجَبَ نِيَّتُهَا أَيْ: مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ أَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي التَّسْمِيَةِ فَصَحِيحٌ لِقَوْلِ الزَّوَاوِيِّ لَا تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْكِتَابِيِّ بِإِجْمَاعٍ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ خِلَافًا وَنَسَبَ الْكَرَاهَةَ لِمَالِكٍ " رضي الله عنه "، أَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي، النِّيَّةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْكِتَابِيِّ أَيْضًا بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَهِيَ مُتَأَتِّيَةٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ نِيَّةُ الْفِعْلِ لَا نِيَّةُ التَّقَرُّبِ وَقَدْ رَجَعَ ز آخِرًا إلَى هَذَا.
(وَ) وَجَبَ شَرْطًا (نَحْرُ إبِلٍ) وَقِيلَ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهُ لَا يُمْكِنُ لِالْتِصَاقِ رَأْسِهِ بِبَدَنِهِ قَالَهُ الْبَاجِيَّ وَزَرَافَةُ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ (وَ) وَجَبَ شَرْطًا (ذَبْحُ غَيْرِهَا) أَيْ الْإِبِلِ مِنْ غَنَمٍ وَطَيْرٍ وَلَوْ نَعَامَةً؛ لِأَنَّهَا لَا لَبَّةَ لَهَا، وَمَحَلُّ وُجُوبِ نَحْرِ الْإِبِلِ وَذَبْحِ غَيْرِهَا (إنْ قَدَرَ) الْمُذَكِّي عَلَى نَحْرِ الْإِبِلِ وَذَبْحِ غَيْرِهَا فَلَوْ ذَبَحَ الْإِبِلَ أَوْ نَحَرَ الْغَنَمَ اخْتِيَارًا وَلَوْ سَاهِيًا لَا تُؤْكَلُ (وَجَازَا) أَيْ: الذَّبْحُ فِيمَا يُنْحَرُ وَالنَّحْرُ فِيمَا يُذْبَحُ (لِلضَّرُورَةِ) كَوُقُوعٍ فِي مُهْوَاةٍ وَعَدَمِ آلَةِ ذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ أَوْ جَهْلِ صِفَةٍ لَا نِسْيَانِهَا أَوْ جَهْلِ حُكْمِهِ اهـ عب.
الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَهْلِ الصِّفَةِ وَنِسْيَانِهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ هُوَ عَكْسُ الْأَمْرَيْنِ نِسْيَانًا أَيْ: مَعَ عِلْمِهِ الصِّفَةَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ نَصَّ مَالِكٍ " رضي الله عنه " عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ بِالْعَكْسِ نَاسِيًا لَا يُعْذَرُ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَقِيلَ: إنَّ عَدَمَ مَا يُنْحَرُ بِهِ ضَرُورَةٌ تُبِيحُ ذَبْحَهُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْجَهْلَ بِذَلِكَ ضَرُورَةٌ. وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَذَبَحَ غَيْرَهَا فَقَالَ (إلَّا الْبَقَرَ فَيُنْدَبُ) فِيهِ (الذَّبْحُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى
كَالْحَدِيدِ، وَإِحْدَادُهُ.
وَقِيَامُ إبِلٍ، وَضَجْعُ ذِبْحٍ عَلَى أَيْسَرَ وَتَوَجُّهُهُ، وَإِيضَاحُ الْمَحَلِّ وَفَرْيُ وَدَجَيْ صَيْدٍ أُنْفِذَ مَقْتَلُهُ.
وَفِي جَوَازِ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ
ــ
[منح الجليل]
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] مَعَ دَلِيلٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْبَقَرَ تُذْبَحُ وَتُنْحَرُ، وَفِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ النَّبِيَّ «نَحَرَ عَنْ أَزْوَاجِهِ الْبَقَرَ» . وَرُوِيَ «ذَبَحَ عَنْ أَزْوَاجِهِ الْبَقَرَ» وَمِنْهُ الْجَامُوسُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ، حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ مَا يُشْبِهُ الْبَقَرَ مِنْ حِمَارِ الْوَحْشِ، وَالتَّيْتَلِ وَنَحْوِهِمَا الْبَاجِيَّ الْخَيْلُ عَلَى جِلِّهَا كَالْبَقَرِ الطُّرْطُوشِيُّ، وَكَذَا الْبِغَالُ وَالْحُمُرُ الْإِنْسِيَّةُ عَلَى كَرَاهَتِهَا.
وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ فَقَالَ (كَالْحَدِيدِ) فَيُنْدَبُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ حَتَّى الْعَقْرِ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ (وَإِحْدَادُهُ) أَيْ: سَنَّهُ لِخَبَرِ «وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ» لِسُرْعَةِ قَطْعِهِ فَيَكُونُ أَسْهَلَ عَلَى الْمُذَكَّى، فَتَخْرُجُ رُوحُهُ بِسُرْعَةٍ فَيَرْتَاحُ.
(وَقِيَامُ إبِلٍ) مَقْرُونَةِ الْيَدَيْنِ بِعِقَالٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا كَذَلِكَ عَقَلَ يَدَهَا الْيُسْرَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْهَدْيِ.
(وَ) نُدِبَ (ضَجْعٌ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ إرْقَادُ ذِبْحٍ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: مَذْبُوحٍ مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَطَيْرٍ (عَلَى) شِقِّهِ (الْأَيْسَرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لِلذَّابِحِ، وَكَرِهَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " ذَبْحَهَا عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْمَنِ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُضْجِعُهَا الْأَعْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ فَإِنْ كَانَ أَضْبَطَ جَازَ الْوَجْهَانِ وَذَبْحُهُ بِيُمْنَاهُ أَوْلَى (وَ) نُدِبَ (تَوَجُّهُهُ) أَيْ: مَا يُذْبَحُ أَوْ يُنْحَرُ لِلْقِبْلَةِ (وَ) نُدِبَ (إيضَاحُ) أَيْ: إظْهَارُ (الْمَحَلِّ) لِلذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ مِنْ الصُّوفِ وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ الْجِلْدَةُ. ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا تَجْعَلْ رِجْلَك عَلَى عُنُقِهَا وَالنَّهْيُ مِنْ السُّنَّةِ، وَاعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ نِسْبَتَهُ لَهَا بِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا»
(وَ) نُدِبَ (فَرْيُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ: قَطْعُ (وَدَجَيْ صَيْدٍ أُنْفِذَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ (مَقْتَلُهُ) وَأُدْرِكَ حَيًّا لِإِرَاحَتِهِ فَإِنْ تُرِكَ حَتَّى مَاتَ أُكِلَ وَيَلْزَمُ مِنْ فَرْيِ الْوَدَجَيْنِ فَرْيُ الْحُلْقُومِ لِبُرُوزِهِ عَنْهُمَا.
(وَفِي جَوَازِ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ) أَيْ: الظُّفُرِ كَمَا فِي بَعْضِ
وَالسِّنِّ، أَوْ إنْ انْفَصَلَا، أَوْ بِالْعَظْمِ، وَمَنْعِهِمَا، خِلَافٌ.
وَحَرُمَ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ، لَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ،
ــ
[منح الجليل]
النُّسَخِ (وَالسِّنِّ) مُتَّصِلَيْنِ أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ (أَوْ) جَوَازُهُ بِهِمَا (إنْ انْفَصِلَا) أَيْ: الْعَظْمُ وَالسِّنُّ فَإِنْ اتَّصَلَا فَلَا يَجُوزُ بِهِمَا (أَوْ) جَوَازُهُ (بِالْعَظْمِ) أَيْ الظُّفُرِ اتَّصَلَ أَوْ انْفَصَلَ لَا بِالسِّنِّ اتَّصَلَ أَوْ انْفَصَلَ، أَيْ: يُكْرَهُ بِهِ عَلَى الْمَنْقُولِ (أَوْ مُنِعَ) الذَّبْحُ بِ (هِمَا) أَيْ: الْعَظْمِ وَالسِّنِّ اتَّصَلَا أَوْ انْفَصَلَا فَلَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ بِأَحَدِهِمَا، وَفِي الْمَوَّاقِ مَا يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ (خِلَافٌ) مَحَلُّهُ إذَا وُجِدَتْ آلَةٌ مَعَهُمَا غَيْرُ الْحَدِيدِ، فَإِنْ وُجِدَ الْحَدِيدُ تَعَيَّنَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ آلَةٌ غَيْرُهُمَا تَعَيَّنَ الذَّبْحُ بِأَحَدِهِمَا، وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاؤُهُمَا، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْعَظْمِ لِانْفِرَادِهِ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي الْمُصَنِّفِ وَإِنْ خَالَفَ الْوَاجِبَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَ حَيْثُ وُجِدَتْ الذَّكَاةُ الشَّرْعِيَّةُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَعْنَى أَسَاءَ فَوَّتَ نَفْسَهُ ثَوَابَ مَا طَلَبَ وَلَوْ نَدْبًا اهـ عب.
الْبُنَانِيُّ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اخْتَارَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْأَوَّلَ وَابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ وَشَهَرَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ الثَّالِثَ وَصَحَّحَ الْبَاجِيَّ الرَّابِعَ، وَقَوْلُهُ مَحَلُّهُ حَيْثُ وُجِدَتْ آلَةٌ إلَخْ لَمْ أَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ لِغَيْرِهِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ الْحَدِيدُ. وَفِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَجُوزُ بِكُلِّ جَارِحٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مَا نَصُّهُ وَفِي الْبَيَانِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، الْجَوَازُ بِغَيْرِ الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يَجِدْهُ، وَنَصَّ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ ذَبَحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ وَهِيَ مَعَهُ عَلَى إسَاءَتِهِ اهـ. فَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ سِوَاهُمَا مَعَ غَيْرِهِمَا عِنْدَ فَقْدِ الْحَدِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَحَرُمَ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ (اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ لَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ) بِأَنْ اصْطَادَهُ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ أَوْ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ أَوْ حَبَسَهُ بِقَفَصٍ وَلَوْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَدُرَّةِ وَقُمْرِيٍّ، وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ اصْطِيَادِهِ بِنِيَّةِ ذَكَاتِهِ، وَأُلْحِقَ بِهَا نِيَّةُ قِنْيَتِهِ لِمَنْفَعَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَتَعْلِيمِهِ الذَّهَابَ لِبَلَدٍ بِكِتَابٍ مُعَلَّقٍ بِجَنَاحِهِ أَوْ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يَقَعُ فِي الْبَيْتِ مِنْ مَفْسَدَةٍ، وَقَالَ لَا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ بَدَلَ لَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ لَأَفَادَ ذَلِكَ، وَانْظُرْ هَلْ يُمْنَعُ شِرَاءُ دُرَّةٍ أَوْ قُمْرِيٍّ مُعَلَّمَيْنِ لِيَحْبِسَهُمَا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالِاصْطِيَادِ لِذَلِكَ أَمْ لَا، وَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ عِتْقُهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ السَّائِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بِالْقُرْآنِ
إلَّا بِكَخِنْزِيرٍ، فَيَجُوزُ
ــ
[منح الجليل]
وَالْإِجْمَاعِ، وَانْظُرْ فِي الْغُرَابِ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ حَقٌّ وَيَتَمَعَّشُ بِهِ صَاحِبُهُ وَالظَّاهِرُ مَنْعُ حَبْسِهِ لِذَلِكَ لِإِمْكَانِ التَّمَعُّشِ بِغَيْرِهِ قَالَهُ عب.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ أَوْ حَبَسَهُ بِقَفَصٍ إلَخْ، حَاصِلُ مَا فِي الْحَطّ أَنَّ هَذَا لَا نَصَّ فِيهِ وَأَنَّ أَبَا مَهْدِيٍّ قَالَ: إنَّ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يُفِيدُ جَوَازَهُ وَهُوَ إذَا حَلَّ رَجُلٌ قَفَصَ طَائِرٍ ضَمِنَ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَخَذَ جَوَازَهُ مِنْ حَدِيثِ «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» . ابْنُ نَاجِي قُلْت لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ كَلَعِبِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُلُوصِهِ مِنْهُ بِقُرْبٍ وَهَذَا يَبْقَى سِنِينَ مُتَطَاوِلَةً فَهُوَ تَعْذِيبٌ فَاسْتَحْسَنَهُ، وَذَكَرَ أَنَّ الشُّيُوخَ قَيَّدُوا الْحَدِيثَ بِعَدَمِ التَّعْذِيبِ اهـ. وَحُكْمُ شِرَائِهِ لِذَلِكَ كَحُكْمِ اصْطِيَادِهِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالتَّنْظِيرُ فِيهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَأَمَّا حَبْسُهُ لِتَعْلِيمِهِ مَنْفَعَةً شَرْعِيَّةً كَالْبَازِ لِلِاصْطِيَادِ بِهِ فَجَائِزٌ، أَمَّا لِتَعْلِيمِهِ تَبْلِيغَ الْكِتَابِ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فَيَحْتَاجُ جَوَازُهُ إلَى نَصٍّ عَلَى تَسْلِيمِ إمْكَانِهِ، وَقَوْلُهُ يَحْرُمُ عِتْقُهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ السَّائِبَةِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقُرْآنِ وَقَعَ فِي النَّعَمِ.
وَأَمَّا فِي الصَّيْدِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَصٍّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ وَمَا صَادَهُ مُحْرِمٌ أَوْ صَيْدٌ لَهُ مَيْتَةٌ عب تَتِمَّةٌ يَحْرُمُ الِاصْطِيَادُ إنْ ضَيَّعَ صَلَاةً وَقْتِيَّةً وَيَجِبُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ إلَّا بِثَمَنِهِ، وَيُكْرَهُ لِلَّهْوِ وَمِنْ خُنْثَى وَخَصِيٍّ وَفَاسِقٍ، وَيُنْدَبُ لِتَوْسِعَةٍ مُعْتَادَةٍ عَلَى عِيَالٍ وَسَدِّ خَلَّةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ وَكَفِّ وَجْهٍ وَصَدَقَةٍ، وَيُبَاحُ لِتَوْسِعَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ أَوْ لِشَهْوَةٍ مُبَاحَةٍ كَأَكْلِ تُفَّاحٍ وَنِكَاحِ مُنَعَّمَةٍ بِتَزَوُّجٍ أَوْ شِرَاءٍ وَقَصْدُ اكْتِسَابٍ وَتَمَعُّشٍ بِهِ اخْتِيَارًا أَوْ انْتِفَاعٍ بِثَمَنِهِ فَتَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ جَائِزٌ إجْمَاعًا.
(إلَّا) الِاصْطِيَادَ الْمُتَعَلِّقَ (بِكَخِنْزِيرٍ) مِنْ كُلِّ مُحَرَّمٍ (فَيَجُوزُ) اصْطِيَادُهُ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَبَثِ وَأَمَّا بِنِيَّةِ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْفَوَاسِقَ الَّتِي أَذِنَ الشَّارِعُ فِي قَتْلِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اصْطِيَادِهِ بِنِيَّةِ ذَكَاتِهِ لِمُضْطَرٍّ، فَإِنَّهُ تُسْتَحَبُّ ذَكَاتُهُ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَّارِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الرُّخْصَةُ تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَيْتَةً لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَتَذْكِيَةُ الْمَيْتَةِ لَغْوٌ. اهـ. لَا يُقَالُ نُدِبَ تَذْكِيَتُهُ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
فَإِنَّ الذَّبْحَ يُزِيلُ فَضَلَاتٍ مُؤْذِيَةٍ. فَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ إنْ تَحَقَّقَ ضَرَرُ فَضَلَاتِهِ أَوْ ظُنَّ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ وَوَجَبَ إنْ خَافَ هَلَاكًا لَكَانَ وَجِيهًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَرُدُّ هَذَا أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا إيرَادُ حِلِّ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، الثَّانِي أَنَّ مَلْحَظَ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَيْتَةً كَمَا قَالَ فَلِمَ الرُّخْصَةُ وَنَازَعَ فِي نَدْبِ الذَّبْحِ مَعَ أَنَّ الرُّخْصَةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَيْتَةً. وَذَكَرَ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْخِنْزِيرَ يَفْتَقِرُ لِلذَّكَاةِ وَذَكَاتُهُ عَقْرُهُ وَيَنْوِي بِهِ الذَّكَاةَ. الْفَاكِهَانِيُّ يُنْدَبُ لَهُ تَذْكِيَتُهُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا اهـ.
قَوْلُهُ ذَكَاتُهُ عَقْرُهُ أَيْ: عِنْدَ نُدُودِهِ وَالْعَجْزِ عَنْهُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَذَكَاتُهُ ذَبْحُهُ وَالْقِرْدُ يَجُوزُ اصْطِيَادُهُ بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهِ قَالَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ أَدْخَلَتْ الْكَافُ الْفَوَاسِقَ أَيْ: الْمُتَقَدِّمَةَ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْفَأْرَةَ وَالْحَيَّةَ إلَخْ، فَتَثْقُلُ لِإِذَايَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا يُمْنَعُ أَكْلُهَا، وَاحْتِيجَ لِإِدْخَالِهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا لَا تُصْطَادُ إلَّا بِنِيَّةِ ذَكَاتِهَا مِنْ قَوْلِهِ وَحَرُمَ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ إلَخْ.
وَلَوْ قَالَ إلَّا الْفَوَاسِقَ وَحَذَفَ الْخِنْزِيرَ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَأْكُولِ بِخِلَافِ الْفَوَاسِقِ، وَقَوْلُهُ تُسْتَحَبُّ ذَكَاتُهُ قَالَهُ الْوَقَّارُ إلَخْ. هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمِعْيَارِ بِأَنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ الْوَقَّارُ وُجُوبُ ذَكَاتِهِ لَا نَدْبُهَا وَنَصُّ مُخْتَصَرِ الْوَقَّارِ: وَإِذَا أَصَابَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً أَوْ خِنْزِيرًا أَكَلَ مَا أَحَبَّ، فَإِنْ أَحَبَّ الْخِنْزِيرَ فَلَا يَأْكُلْهُ إلَّا ذَكِيًّا اهـ. فَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَلَا يَأْكُلْهُ إلَّا ذَكِيًّا تَحَتُّمُ ذَكَاتِهِ، لَكِنْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ بِالِاسْتِحْبَابِ. وَاعْتُرِضَ أَيْضًا عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ فِي اسْتِشْكَالِهِ ذَكَاتَهُ بِأَنَّ الْخِنْزِيرَ حَالَ الضَّرُورَةِ مُبَاحٌ فَيُقَالُ حِينَئِذٍ هُوَ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ مُبَاحٌ وَكُلُّ حَيَوَانٍ كَذَلِكَ تَجِبُ ذَكَاتُهُ الْآيَةُ عَلَى الْمَيْتَةِ يُفِيدُ أَنَّ الرُّخْصَةَ تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَيْتَةً عَكْسُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَقَوْلُهُ أَحَدُهُمَا إيرَادُ الْمَيْتَةِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هَذَا لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ الْمَيْتَةِ لَا تُمْكِنُ. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْخِنْزِيرِ الْحَيِّ الَّذِي تُمْكِنُ ذَكَاتُهُ، وَقَوْلُهُ الثَّانِي مَلْحَظُ ابْنِ عَرَفَةَ إلَخْ لَا يَنْزِلُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَلَا يُلَائِمُهُ
كَذَكَاةِ مَا لَا يُؤْكَلُ إنْ أَيِسَ مِنْهُ.
وَكُرِهَ ذَبْحٌ بِدَوْرِ حُفْرَةٍ، وَسَلْخٌ أَوْ قَطْعٌ قَبْلَ الْمَوْتِ، كَقَوْلِ مُضَحٍّ، اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك،
ــ
[منح الجليل]
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (كَذَكَاةِ مَا لَا يُؤْكَلُ) مِنْ الْحَيَوَانِ كَخَيْلٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ فَتَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ بَلْ تُسْتَحَبُّ إرَاحَةً لَهُ، وَاسْتَعْمَلَهَا بِمَعْنَى الْفَرْيِ لَا بِمَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ (إنْ أُيِسَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (مِنْ) اسْتِمْرَارِ الْحَيَاةِ (لَهُ) حَقِيقَةً لِمَرَضٍ أَوْ عَمًى أَوْ حَكٍّ كَتَعَبِهِ بِمَضْيَعَةٍ لَا عَلَفَ فِيهَا وَلَا يُرْجَى أَخْذُ أَحَدٍ لَهُ، وَكَذَا بَعِيرٌ عَجَزَ فِي السَّفَرِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِلَحْمِهِ يَنْحَرُهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى مَنْ يَأْكُلُهُ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَة أَيْ: فَلَا يَنْحَرْهُ إذَا خَافَ عَلَى مَنْ يَأْكُلُهُ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ بَعْدَ نَحْرِهِ تَقْدِيمًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْآدَمِيِّ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ يُعْقَرُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إبَاحَةُ أَكْلِهِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يُتْرَكُ حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ إنْ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا قَدْ صَحَّتْ عِنْدَ الَّذِي قَامَ بِهَا فَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ لِلَّذِي قَامَ بِهَا مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا.
(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (ذَبْحٌ) لِحَيَوَانَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (بِدَوْرِ حُفْرَةٍ) لِعَدَمِ اسْتِقْبَالِ بَعْضِهَا وَلِنَظَرِ بَعْضِهَا بَعْضًا، وَلَهَا الْهَامُّ فَهُوَ تَعْذِيبٌ لَهَا فِيهَا بَلَغَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْجَزَّارِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْحُفْرَةِ يَدُورُونَ بِهَا فَيَذْبَحُونَ حَوْلَهَا فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِتَوْجِيهِهَا إلَى الْقِبْلَةِ.
(وَ) كُرِهَ (سَلْخٌ) لِجِلْدِ الْحَيَوَانِ عَنْ لَحْمِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ (أَوْ قَطْعٌ) لِشَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ حَرْقٌ لِشَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ ذَبْحِهِ أَوْ نَحْرِهِ وَ (قَبْلَ الْمَوْتِ) لِخَبَرِ النَّهْيِ عَنْهُ وَأَنْ تُتْرَكَ حَتَّى تَبْرُدَ أَيْ: تَمُوتَ إلَّا السَّمَكَ فَيَجُوزُ إلْقَاؤُهُ فِي النَّارِ قَبْلَ مَوْتِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي الشَّيْخِ سَالِمٍ تُكْرَهُ عَرْقَبَةُ الْبَقَرِ ثُمَّ تُذْبَحُ وَإِلْقَاءُ الْحُوتِ فِي النَّارِ حَيًّا.
وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَقَوْلِ) شَخْصٍ (مُضَحٍّ) عِنْدَ تَذْكِيَةِ أُضْحِيَّتِهِ (اللَّهُمَّ) أَيْ: يَا اللَّهَ هَذَا (مِنْ) فَضْلِ (كَ) وَنِعْمَتِك لَا مِنْ حَوْلِي وَقُوَّتِي (وَإِلَيْك) التَّقَرُّبُ بِهِ لَا إلَى غَيْرِك مِمَّنْ سِوَاك وَلَا رِيَاءَ وَلَا سُمْعَةَ إذَا قَالَهُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ فَلَا
وَتَعَمُّدُ إبَانَةِ رَأْسٍ. وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ. إنْ قَصَدَهُ أَوَّلًا.
ــ
[منح الجليل]
يُكْرَهُ وَيُؤْجَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ مَا وَرَدَ عَنْ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " رضي الله عنه " قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا وَجْهَ لِإِبْقَاءِ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَجَعْلِهِ مُخَالِفًا.
(وَ) كُرِهَ (تَعَمُّدُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً (إبَانَةِ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ أَيْ: فَصْلِ (رَأْسٍ) عَنْ بَدَنٍ حَالَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ تَعَمُّدِهَا مَكْرُوهٌ، وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِيهَا فَلَوْ قَالَ وَإِبَانَةُ رَأْسٍ عَمْدًا لَسَلِمَ مِنْ هَذَا وَوَفَّقَهَا وَالْكَرَاهَةُ وَالْأَكْلُ عَلَى هَذَا سَوَاءٌ قَصَدَهَا مِنْ أَوَّلِ التَّذْكِيَةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ (وَتُؤُوِّلَتْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَالْهَمْزِ أَيْ: حُمِلَتْ الْمُدَوَّنَةُ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا تُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْأَكْلِ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ (عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ) لِلْحَيَوَانِ الَّذِي أُبِينَتْ رَأْسُهُ مِنْ جَسَدِهِ حَالَ ذَبْحِهِ (إنْ قَصَدَهُ) أَيْ: الذَّابِحُ الْإِبَانَةَ وَذَكَرَ ضَمِيرَهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفَصْلِ وَصِلَةُ قَصَدَهُ قَوْلُهُ (أَوَّلًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ مُشَدَّدًا مُنَوَّنًا أَيْ: ابْتِدَاءً وَإِبَانَةً بِالْفِعْلِ، فَإِنْ قَصَدَ ابْتِدَاءَ ذَبْحِهِ، وَلَمَّا أَتَمَّهُ قَصَدَ الْإِبَانَةَ وَأَبَانَهُ فَتَوَكَّلَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ.
وَقَوْلُهُ أَيْضًا يُفِيدُ أَنَّهَا تُؤُوِّلَتْ عَلَى الْأَوَّلِ، قَالَ الْبَدْرُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَدَ وتت مَا يَرُدُّ هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ تَأْوِيلَانِ لِرُجْحَانِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُ، وَمَفْهُومُ تَعَمَّدَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فِيهَا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَنْ ذَبَحَ فَتَرَامَتْ يَدُهُ إلَى أَنْ أَبَانَ الرَّأْسَ أُكِلَتْ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ تَعَمَّدَ هَذَا وَبَدَأَ فِي قَطْعِهِ بِالْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومِ أُكِلَتْ لِنَخْعِهِ إيَّاهَا بَعْدَ تَمَامِ الذَّبْحِ وَأَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ فَتَرَامَتْ يَدُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ رَأْسِهَا ابْتِدَاءً، وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ قَطْعَ رَأْسِهَا ابْتِدَاءً وَلَمْ يُرِدْ إنْ تَعَمَّدَ التَّرَامِيَ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ. ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا نَخَعَهَا فِي ذَبْحِهِ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ جَهْلٍ وَلَا
فَصْلٌ مِنْ وَدُونَ نِصْفٍ أُبِينَ مَيْتَةٌ، إلَّا الرَّأْسَ.
ــ
[منح الجليل]
نِسْيَانٍ فَلَا تُؤْكَلُ، قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ تَعَمَّدَ هَذَا إلَخْ فِي الْأُمَّهَاتِ سَأَلَ سَحْنُونٌ ابْنَ الْقَاسِمِ عَمَّا إذَا تَعَمَّدَ قَطْعَ رَأْسِهَا ابْتِدَاءً وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ فَهَلْ تُؤْكَلُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَمْ لَا فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَيْئًا ثُمَّ قَالَ مِنْ رَأْيِهِ وَأَرَى إنْ أَضْجَعَهَا وَسَمَّى اللَّهَ وَأَجْهَزَ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ أَنْ تُؤْكَلَ وَهُوَ كَرَجُلٍ ذَبَحَ فَقَطَعَ رَأْسَهَا قَبْلَ أَنْ تَزْهَقَ نَفْسُهَا.
وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ هُوَ وِفَاقٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَمْ لَا، فَبَعْضُهُمْ حَمَلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْخِلَافِ، إذْ مَفْهُومُ قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " إنْ تَعَمَّدَ قَطْعَ رَأْسِهَا لَا تُؤْكَلُ كَقَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهَا تُؤْكَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْوِفَاقِ، وَرَدَّ قَوْلَ مَالِكٍ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَجَعَلَ مَفْهُومَ قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مُعَطَّلًا. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ الْوِفَاقُ بِوَجْهٍ آخَرَ قَالَ لَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَرَادَ إنْ تَعَمَّدَ قَطْعَ رَأْسِهَا بَعْدَ الذَّكَاةِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ ابْتِدَاءً اهـ كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَحَصَّلَ فِي الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَكْلُهَا سَوَاءٌ تَعَمَّدَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً أَوْ تَرَامَتْ يَدُهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَأَحَدُ التَّأْوِيلَاتِ لِقَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " وَمُقَابِلُهُ لَا تُؤْكَلُ فِيهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ تَرَامِي يَدِهِ فَتُؤْكَلُ وَتَعَمُّدِهِ ابْتِدَاءً فَلَا تُؤْكَلُ، وَهَذَا قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَأَحَدُ التَّأْوِيلَاتِ لِقَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ.
(وَدُونَ نِصْفٍ) كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ جَنَاحٍ (أُبِينَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: فُصِلَ مِنْ صَيْدٍ بِجَارِحٍ أَوْ سَهْمٍ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْدٍ يَسِيرِ لَحْمٍ وَلَا يَعُودُ لِهَيْئَتِهِ وَلَمْ يَنْفُذْ بِهِ مَقْتَلُهُ، فَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَعُودُ لِهَيْئَتِهِ أَكَلَ الصَّيْدَ كُلَّهُ بِإِدْمَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ بِهِ مَقْتَلُهُ، وَخَبَرُ دُونَ نِصْفِ (مَيْتَةٍ) فَلَا يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ بِذَكَاةٍ إنْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ وَبِدُونِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ، فَإِنْ نَفَذَ بِهِ مَقْتَلٌ أُكِلَ الْجَمِيعُ فَلَوْ قَطَعَ الْجَارِحُ أَوْ السَّهْمُ الصَّيْدَ نِصْفَيْنِ أُكِلَا لِإِنْفَاذِ مَقْتَلِهِ بِقَطْعِ نُخَاعِهِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ دُونِ النِّصْفِ فَقَالَ (إلَّا الرَّأْسَ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ نِصْفَ الرَّأْسِ
وَمَلَكَ الصَّيْدَ الْمُبَادِرُ.
وَإِنْ تَنَازَعَ قَادِرُونَ فَبَيْنَهُمْ.
وَإِنْ نَدَّ وَلَوْ مِنْ مُشْتَرٍ فَلِلثَّانِي، لَا إنْ تَأَنَّسَ وَلَمْ يَتَوَحَّشْ.
وَاشْتَرَكَ طَارِدٌ مَعَ ذِي
ــ
[منح الجليل]
كَذَلِكَ فَيُؤْكَلُ الْجَمِيعُ لِنُفُوذِ الْمَقْتَلِ بِقَطْعِ النُّخَاعِ وَالْوَدَجَيْنِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَدُونَ وَصْفِ أُبِينَ مَيْتَةٌ سَوَاءٌ كَانَ الْحَيَوَانُ يَعِيشُ بَعْدَ الْمُبَانِ أَمْ لَا بَلَغَ جَوْفَهُ أَمْ لَا وَاعْتَمَدَهُ فِي تَوْضِيحِهِ.
(وَمَلَكَ الصَّيْدَ) الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِ مِلْكُ الشَّخْصِ (الْمُبَادِرِ) وَبِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ رَآهُ غَيْرُهُ قَبْلَهُ وَقَالَ هُوَ لِي وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ فَعَلَ بِهِ مَا صَارَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ فِي يَدِهِ كَكَسْرِ رِجْلِهِ أَوْ قَفْلِ مَطْمُورَةٍ أَوْ سَدِّ حَجَرِهِ عَلَيْهِ وَذَهَبَ لِيَأْتِيَ بِمَا يَحْفِرُ بِهِ، فَجَاءَ آخَرُ وَفَتَحَهُ وَأَخَذَهُ فَهُوَ لِمَنْ سَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْوَاقِعُ فِي حِبَالَةٍ بِغَيْرِ طَرْدِ أَحَدٍ وَفِي قُفَّةٍ مُرْخَاةٍ فِي بَحْرٍ أَوْ شَبَكَةٍ.
(وَإِنْ تَنَازَعَ) أَيْ: تَدَافَعَ عَلَى الصَّيْدِ أَشْخَاصٌ (قَادِرُونَ) عَلَيْهِ (فَ) هُوَ مُشْتَرَكٌ (بَيْنَهُمْ) بِالسَّوِيَّةِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ سَدًّا لَبَابِ الْفِتْنَةِ وَالْقِتَالِ قَالَهُ سَحْنُونٌ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّنَازُعَ بِالْقَوْلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ نَدَّ إلَخْ فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِتَدَافُعٍ، وَقَوْلُهُ وَمَلَكَ الصَّيْدَ الْمُبَادِرُ فِي سَبْقِ بَعْضِهِمْ لِحِيَازَتِهِ.
(وَإِنْ) اصْطَادَ شَخْصٌ صَيْدًا وَأَرْسَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَصَادَهُ آخَرُ فَهُوَ لِلثَّانِي اتِّفَاقًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ (نَدَّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُشَدَّدَةً أَيْ: هَرَبَ الصَّيْدُ مِنْ صَائِدٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
بَلْ (وَلَوْ مِنْ) شَخْصٍ (مُشْتَرٍ) الصَّيْدَ مِنْ صَائِدِهِ وَغَيْرِهِ فَاصْطَادَهُ آخَرُ (فَ) الصَّيْدُ (لِلْ) صَائِدِ (الثَّانِي) إنْ لَمْ يَتَأَنَّسْ عِنْدَ الْأَوَّلِ (لَا) يَكُونُ الصَّيْدُ لِلثَّانِي (إنْ) كَانَ (تَأَنَّسَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا عِنْدَ الْأَوَّلِ ثُمَّ نَدَّ مِنْهُ (وَلَمْ يَتَوَحَّشْ) الصَّيْدُ بَعْدَ نُدُودِهِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَةُ تَحْصِيلِهِ. وَقِيلَ: إنْ تَأَنَّسَ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَلَهُ مُطْلَقًا. وَأَشَارَ بِوَ لَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْكَاتِبِ إنَّهُ لِلْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ فَلِلثَّانِي أَيْ: دُونَ مَا عَلَيْهِ مِنْ حُلِيٍّ كَقُرْطٍ وَقِلَادَةٍ فَيَرُدُّهُ لِرَبِّهِ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ.
(وَاشْتَرَكَ) فِي الصَّيْدِ شَخْصٌ (طَارِدٌ) الصَّيْدَ (مَعَ) شَخْصٍ (ذِي) أَيْ: صَاحِبِ
حِبَالَةٍ قَصَدَهَا، وَلَوْلَاهُمَا لَمْ يَقَعْ بِحَسَبِ فِعْلِهِمَا.
وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَأَيِسَ مِنْهُ فَلِرَبِّهَا، وَعَلَى تَحْقِيقٍ بِغَيْرِهَا فَلَهُ كَالدَّارِ، إلَّا أَنْ لَا يَطْرُدَهُ لَهَا فَلِرَبِّهَا.
ــ
[منح الجليل]
حِبَالَةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ شَبَكَةٍ أَوْ فَخٍّ أَوْ شَرَكٍ أَوْ حُفْرَةٍ فِي الْأَرْضِ لِلصَّيْدِ (قَصَدَهَا) أَيْ: الطَّارِدُ الْحِبَالَةَ بِطَرْدِهِ الصَّيْدَ إلَيْهَا لِإِيقَاعِهِ فِيهَا (وَلَوْلَاهُمَا) أَيْ: الطَّارِدُ وَالْحِبَالَةُ مَوْجُودَانِ مَعًا (لَمْ يَقَعْ) الصَّيْدُ فِي الْحِبَالَةِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ (بِحَسَبِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ أَيْ: قَدْرِ أُجْرَةِ (فِعْلِهِمَا) أَيْ: نَصْبِ الْحِبَالَةِ وَطَرْدِ الطَّارِدِ الَّتِي يَقُولُهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَةُ الطَّارِدِ دِرْهَمَيْنِ، وَأُجْرَةُ الْحِبَالَةِ دِرْهَمًا فَلِلطَّارِدِ الثُّلُثَانِ وَلِذِي الْحِبَالَةِ الثُّلُثُ أَوْ فِعْلُ أَحَدِهِمَا يُسَاوِي دِرْهَمًا وَالْآخَرُ ثَلَاثَةً فَلِلْأَوَّلِ الرُّبْعُ.
(وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) الطَّارِدُ إيقَاعَهُ فِي الْحِبَالَةِ أَوْ قَصَدَهُ (وَأَيِسَ) الطَّارِدُ (مِنْهُ) أَيْ الصَّيْدِ بِأَنْ أَعْيَاهُ وَانْقَطَعَ عَنْهُ وَهَرَبَ حَيْثُ شَاءَ فَوَقَعَ فِي الْحِبَالَةِ (فَلِرَبِّهَا) أَيْ: الْحِبَالَةِ الصَّيْدُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلطَّارِدِ وَيَبْعُدُ مَعَ الْيَأْسِ قَصْدُ الْحِبَالَةِ (وَ) إنْ كَانَ الطَّارِدُ (عَلَى تَحْقِيقٍ) مِنْ إمْسَاكِ الصَّيْدِ (بِغَيْرِهَا) أَيْ: الْحِبَالَةِ (فَلَهُ) أَيْ: الطَّارِدِ الصَّيْدُ خَاصَّةً دُونَ ذِي الْحِبَالَةِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا إنْ قَصَدَ إرَاحَةَ نَفْسِهِ بِإِيقَاعِهِ فِيهَا.
وَشَبَّهَ فِي اخْتِصَاصِ الطَّارِدِ فَقَالَ (كَالدَّارِ) لِإِنْسَانٍ طَرَدَ الْآخَرُ صَيْدًا إلَيْهَا فَدَخَلَهَا فَهُوَ لِطَارِدِهِ وَلَوْ قَصَدَهَا، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَهُ أَخْذٌ بِدُونِهَا أَمْ لَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَبِّهَا فِيمَا خَفَّفَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ التَّعَبِ خِلَافًا لِابْنِ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لِلصَّيْدِ وَلَمْ يَقْصِدْ بَانِيهَا تَحْصِيلَهُ بِهَا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ لَا يَطْرُدَهُ) أَيْ: الطَّارِدُ الصَّيْدَ (لَهَا) أَيْ: الدَّارِ (فَلِرَبِّهَا) أَيْ الدَّارِ الصَّيْدُ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ الطَّارِدُ اتَّخَذَ بِغَيْرِهَا فَهُوَ لَهُ كَمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَعَلَى تَحْقِيقٍ بِغَيْرِهَا بِالْأَوْلَى إذَا كَانَتْ الدَّارُ مَسْكُونَةً، فَإِنْ كَانَتْ خَالِيَةً أَوْ خَرَابًا فَلَمَّا فَرَّخَ فِيهَا أَوْ وَجَدَ بِهَا مِنْ الصَّيْدِ فَلِوَاجِدِهِ، وَكَذَا مَا يُوجَدُ بِالْبَسَاتِينِ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ذَلِكَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الرَّجُلِ يَجِدُ النَّحْلَ فِي شَجَرَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْزِعَ عَسَلَهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لِأَحَدٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ عَسَلًا جج نَصَبَهُ غَيْرُهُ فِي مَفَازَةٍ أَوْ عُمْرَانٍ
وَضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَتْ ذَكَاتُهُ، وَتَرَكَ
ــ
[منح الجليل]
وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ وَالْخَرَابِ لَا يَسْتَحِقُّ مَا فِيهَا مِنْ الصَّيْدِ، وَالْمُرَادُ بِرَبِّ الدَّارِ مَالِكُ ذَاتِهَا وَلَوْ حُكْمًا كَالْوَاقِفِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ فِي الْبُيُوتِ الْمُرْصَدَةِ عَلَى عَمَلٍ فَمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ لِلْوَاقِفِ أَوْ النَّاظِرِ وَصَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ لَا لِمَنْ أَرْصَدَ عَلَيْهِ الْبَيْتَ قَالَهُ عج وَأَوْلَى غَيْرُ الْمُرْصَدَةِ مِنْ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُطْلَقِ مَصَالِحِ الْوَقْفِ اهـ عب. الْبُنَانَةُ قَوْلُهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ بَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا وَجَرَّ السَّيْلُ الْحَرْثَ إلَيْهَا أَنَّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ دُونَ الْمُكْتَرِي، وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَوَّاقِ وَهَلْ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَقَطْ إلَخْ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّارِ الْمَسْكُونَةِ وَالْخَرَابِ. ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَطْرُدَهُ لَهَا فَلِرَبِّهَا سَقَطَ لَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَهُوَ إفْسَادٌ وَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إذْ قَالَ فِيهَا وَمَنْ طَرَدَ صَيْدًا حَتَّى دَخَلَ دَارَ قَوْمٍ فَإِنْ اضْطَرَّهُ هُوَ أَوْ جَارِحُهُ إلَيْهَا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضْطَرَّهُ وَكَانُوا قَدْ بَعُدُوا عَنْهَا فَهُوَ لِرَبِّ الدَّارِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ إلَّا أَنْ لَا يَضْطَرَّهُ كَلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الطَّرْدَ يُوهِمُ الِاخْتِصَاصَ بِمَا كَانَ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الِاضْطِرَارِ بِدَلِيلِ نِسْبَتِهِ فِيهَا إلَى الْجَارِحِ.
(وَضَمِنَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُخَفَّفًا أَيْ: غَرِمَ قِيمَةَ الصَّيْدِ مَجْرُوحًا عَلَى الْمَنْصُوصِ شَخْصٌ (مَارٌّ) بِهِ غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ (أَمْكَنَتْهُ) أَيْ: الْمَارَّ (ذَكَاتُهُ) أَيْ الصَّيْدِ بِوُجُودِ آلَتِهَا وَعِلْمِهِ بِصِفَتِهَا وَهُوَ مِمَّنْ تَصِحُّ ذَكَاتُهُ (وَتَرَكَ) الْمَارُّ ذَكَاتَهُ وَمَاتَ الصَّيْدُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ رَبُّهُ لِتَفْوِيتِهِ عَلَى رَبِّهِ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَارُّ صَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يُؤْكَلُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَكَلَهُ رَبُّهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُذَكًّى، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَكْلِهِ مَيْتَةً لَا قِيمَةَ لَهَا بِخِلَافِ أَكْلِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَالُهُ الْمَغْصُوبُ ضِيَافَةً فَلَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ لِأَكْلِهِ مُتَمَوَّلًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْغَصْبِ قَالَهُ عج بَحْثًا. وَبَحَثَ بَعْضُ شُيُوخِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَارَّ لَا يَضْمَنُ الصَّيْدَ إذَا أَكَلَهُ رَبُّهُ أَخْذًا مِمَّا فِي الْغَصْبِ، قَالَ وَلَا يُقَالُ لَمْ يَأْكُلْ حَلَالًا هُنَا بِخِلَافِ مَا فِي الْغَصْبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ حَلَالٌ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ، وَالْمُرَادُ إمْكَانُهَا شَرْعًا وَعَادَةً، فَاحْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ مُرُورِ مَنْ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ كَمَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَمُسْتَحِلِّ بَيِّنَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، بَلْ لَوْ ذَكَّاهُ لَضَمِنَهُ
كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ بِيَدِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَلِلثَّانِي عَنْ مُرُورِ مَنْ لَا آلَةَ مَعَهُ وَالْمَارُّ الْكِتَابِيُّ كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ ذَبْحٌ لَا عَقْرٌ وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي ذَبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لِحِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ اهـ عبق. قَوْلُهُ وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَالْمُسْلِمِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ ذَكَاتِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ حِفْظُ مَالِ الْغَيْرِ إلَّا حِينَئِذٍ أَفَادَهُ ابْنُ الْأَمِيرِ مُرَادُ عب أَنَّ الْخِلَافَ مَحَلُّهُ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ أَمَّا إنْ وُجِدَ هُوَ فَقَطْ فَالصِّحَّةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا نَظَرًا لِوَاجِبِ حِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ وَلَا يَجْتَمِعُ وُجُوبٌ وَفَسَادٌ نَظِيرُ خِلَافِ السِّنِّ وَالظُّفْرِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ فَسَقَطَ مَا نُوقِشَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ يَكُونُ الْكِتَابِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِمِلْكِ الْمُسْلِمِ كَالْمَجُوسِيِّ فَلَا حِفْظَ بِتَذْكِيَتِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهَا. اهـ. بِتَصَرُّفٍ وَكَلَامُهُ هُنَا فِي الصَّيْدِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْمَارُّ عَلَى غَيْرِهِ وَخَافَ مَوْتَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ أَمَانَةُ رِعَايَةٍ فَسَيَقُولُ، وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ أَيْ: أَوْ ذَبَحَ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَانَتُهُ بِوَدِيعَةٍ ضَمِنَهُ بِذَبْحِهِ إلَّا لِقَرِينَةٍ عَلَى صِدْقِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِيهِ أَمَانَةٌ ضَمِنَهُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ خَافَ مَوْتَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ أَفَادَهُ عب.
الْبُنَانِيُّ ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ مَرَّ إنْسَانٌ بِصَيْدٍ وَأَمْكَنَتْهُ الذَّكَاةُ وَتَرَكَهَا فَالْمَنْصُوصُ لَا يُؤْكَلُ وَفِي ضَمَانِ الْمَارِّ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ كَالْفِعْلِ أَوْ لَا ضَيْح أَيْ الْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْمَوَّازِ، وَأَجْرَى ابْنُ مُحْرِزٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَضْمِينِهِ قَوْلَيْنِ مِنْ الْخِلَافِ فِي التَّرْكِ هَلْ هُوَ كَالْفِعْلِ أَوْ لَا أَيْ: هَلْ تَرْكُهُ كَفِعْلِ التَّفْوِيتِ أَمْ لَا، قِيلَ وَعَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ فَيَأْكُلُهُ رَبُّهُ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ نَفْيَ الضَّمَانِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ جَهِلَ وَظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُذَكِّيَهُ كَانَ أَبْيَنَ فِي نَفْيِ ضَمَانِهِ، وَلَوْ مَرَّ بِشَاةٍ وَخَشِيَ مَوْتَهَا وَلَمْ يَذْبَحْهَا وَمَاتَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ رَبُّهَا فِي خَوْفِهِ مَوْتَهَا وَيُضَمِّنُهُ وَلَيْسَتْ كَالصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِذَبْحِهِ اهـ.
وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ (كَتَرْكِ تَخْلِيصِ) شَيْءٍ (مُسْتَهْلَكٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ: مُعَرَّضٍ لِلْهَلَاكِ (مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) لِغَيْرِ تَارِكِ التَّخْلِيصِ، وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهِ (بِيَدِهِ) أَيْ: قُدْرَتُهُ وَلَوْ بِلِسَانِهِ أَوْ جَاهِهِ أَوْ مَالِهِ فَيَضْمَنُ فِي النَّفْسِ الْعَاقِلَةِ الْحُرَّةِ دِيَةَ خَطَأٍ وَلَوْ تَرَكَ التَّخْلِيصَ عَمْدًا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَفِي الْإِرْشَادِ مَا يَحْتَمِلُ ضَمَانَ دِيَةِ عَمْدٍ فِي التَّرْكِ عَمْدًا وَإِلَّا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
فِدْيَةُ خَطَأٍ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَالْمَالِ فِي مَالِهِ، وَإِذَا خَلَّصَ بِمَالٍ ضَمِنَهُ رَبُّ الْمَتَاعِ، وَإِذَا عُدِمَ اُتُّبِعَ بِهِ أَحْمَدُ قَوْلُهُ بِيَدِهِ صِلَةُ تَرَكَ وَبَاؤُهُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ مَحْذُوفُ حَالٍ مِنْ تَرَكَ وَعَلَى كُلٍّ فَفِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ: بِإِمْسَاكِ يَدِهِ عَنْ التَّخْلِيصِ فَيَصِحُّ عَطْفُ أَوْ بِإِمْسَاكِ وَثِيقَةٍ عَلَى بِيَدِهِ، وَأَمَّا جَعْلُهُ صِلَةَ تَخْلِيصٍ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ وَقَدَّمْت نَحْوَهُ فِي الْحِلِّ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي بِيَدِهِ لَا يَصِحُّ عَطْفُ بِإِمْسَاكٍ عَلَيْهِ، إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ التَّخْلِيصُ بِإِمْسَاكِ وَثِيقَةٍ وَالتَّخْلِيصُ إنَّمَا هُوَ بِعَدَمِ إمْسَاكِهَا. وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ قَتْلَ زَوْجَةٍ قَبْلَ بِنَاءِ زَوْجِهَا بِهَا فَيَضْمَنُ لَهُ جَمِيعَ صَدَاقِهَا لِتَكَمُّلِهِ عَلَيْهِ بِمَوْتِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَفَادَهُ عب.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ فِي النَّفْسِ الْعَاقِلَةِ دِيَةَ خَطَأٍ أَيْ: فِي مَالِهِ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ تَرَكَهُ خَطَأً وَلَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ. الْأَبِيُّ مَا زَالَ الشُّيُوخُ يُنْكِرُونَ حِكَايَتَهُ عَنْهُ وَيَقُولُونَ إنَّهُ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا تُدْخِلُ شَيْئًا، وَلِأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهَا بِالتَّرْكِ وَهَذَا بِالْفِعْلِ، وَلِأَنَّ جَزْمَهُ بِالضَّمَانِ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الَّذِي يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ قَتْلَهَا كَقَتْلِ شَهِيدِ الْحَقِّ، وَنَصُّهُ وَلَوْ قَطَعَهَا أَيْ: الْوَثِيقَةَ فَالضَّمَانُ أَبْيَنُ. ابْنُ بَشِيرٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَتْلُ شَاهِدَيْهَا أَضْعَفُ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ عَلَى سَبَبِ الشَّهَادَةِ لَا عَلَيْهَا. قُلْت وَقَتْلُ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فِي النِّكَاحِ اهـ.
وَفِي التَّوْضِيحِ النَّصُّ فِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا كَرَاهَةً فِي زَوْجِهَا لَا يَسْقُطُ صَدَاقُهَا، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ إذَا قَتَلَ أَمَتَهُ الْمُتَزَوِّجَةَ. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ عَدَمَ الضَّمَانِ، عَلَى أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا نِصْفَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّفْوِيتُ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ اهـ. الْأَمِيرُ قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ لَهُ جَمِيعَ صَدَاقِهَا هَذَا إنْ قُلْنَا: إنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا فَإِنْ قُلْنَا: تَمْلِكُ بِهِ النِّصْفَ ضَمِنَهُ فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا: تَمْلِكُ الْكُلَّ فَكَالْمَدْخُولِ بِهَا لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَوَّتَ الْبُضْعَ وَلَيْسَ مُتَمَوَّلًا عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي لَهُ فِي قَتْلِ شَاهِدَيْ الْحَقِّ مَا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَقْصِدُ بِقَتْلِهَا إتْلَافَ الصَّدَاقِ. وَقَوْلُ بْن فَلَا يَضْمَنُ إلَّا نِصْفَ الصَّدَاقِ إلَخْ فِيهِ أَنَّ الْإِرْثَ لَا يُنْظَرُ لَهُ هُنَا، وَإِلَّا فَقَدْ يَزِيدُ مَا يَرِثُهُ مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى جَمِيعِ الصَّدَاقِ، وَقَدْ يَكُونُ هُنَاكَ
أَوْ شَهَادَتِهِ أَوْ بِإِمْسَاكِ وَثِيقَةٍ أَوْ تَقْطِيعِهَا وَفِي قَتْلِ شَاهِدَيْ حَقٍّ تَرَدُّدٌ،
ــ
[منح الجليل]
دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِلتَّرِكَةِ أَوْ يَكُونُ الزَّوْجُ أَوْ هِيَ رَقِيقًا فَلَا إرْثَ أَصْلًا أَوْ لَهَا وَلَدٌ فَلَا يَرِثُ الزَّوْجُ إلَّا الرُّبْعَ اهـ.
(أَوْ بِ) تَرْكِ (شَهَادَتِهِ) بَعْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ أَوْ عِلْمِهِ تَرْكَهَا يُؤَدِّي لِضَيَاعِ الْحَقِّ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْ: بِأَنْ رَأَى فَاسِقَيْنِ يَشْهَدَانِ بِقَتْلٍ أَوْ دَيْنٍ زُورًا فَتَرَكَ التَّجْرِيحَ (أَوْ بِإِمْسَاكِ وَثِيقَةٍ) بِعَفْوٍ عَنْ دَمٍ أَوْ بِدَمٍ أَوْ بِمَالٍ، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ شَاهِدُهَا لَا يَشْهَدُ إلَّا بِهَا وَبِمَا أَذَا نَسِيَ الشَّاهِدُ مَا شَهِدَ بِهِ، وَكَانَ قَدْ يَتَذَكَّرُهُ بِرُؤْيَتِهَا وَكَانَ لَا يَشْهَدُ بِمَا فِيهَا إلَّا عَلَى خَطِّ شَاهِدِهَا (أَوْ تَقْطِيعِهَا) أَيْ: الْوَثِيقَةِ فَضَاعَ الْحَقُّ فَيَضْمَنُهُ وَثَمَنَ الْوَثِيقَةِ وَهَذَا حَيْثُ لَا سِجِلَّ لَهَا وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا مَا يَغْرَمُهُ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْهُ.
طفي تَقْطِيعُ الْوَثِيقَةِ وَقَتْلُ شَاهِدَيْ حَقٍّ لَيْسَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا هَلْ التَّرْكُ فِعْلٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ أَوْ لَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُمَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يُخَلِّلُ بِهِمَا الْمَسَائِلَ الْجَارِيَةَ عَلَى الْقَانُونِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ وَيَضْمَنُ ثَمَنَ الْوَرَقَةِ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهَا إلَّا أَخْذَ الْحَقِّ بِهَا وَقَدْ غَرِمَهُ اهـ. ابْنُ الْأَمِيرِ قَوْلُهُ وَثَمَنُ الْوَثِيقَةِ أَيْ إنْ كَانَ لِلْكَاغَدِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ قِيمَةٌ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَهُ.
(وَفِي) ضَمَانِ مَالٍ فَوَّتَهُ بِسَبَبِ (قَتْلِ شَاهِدَيْ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُثَنَّى شَاهِدٍ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ لِ (حَقٍّ) وَلَوْ خَطَأً وَعَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْصِدُ بِقَتْلِهِمَا إبْطَالَ الْحَقِّ بَلْ لِلْعَدَاوَةِ فَهُوَ إنَّمَا تَعَدَّى عَلَى السَّبَبِ لَا عَلَى الشَّهَادَةِ (تَرَدُّدٌ) فِي الْحُكْمِ لِلْمُتَأَخِّرِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ فَمَحَلَّةُ حَيْثُ لَا يَقْصِدُ بِقَتْلِهِمَا إبْطَالَ الْحَقِّ وَإِلَّا ضَمِنَهُ اتِّفَاقًا. ابْنُ وَهْبٍ يَنْبَغِي أَنَّ الرَّاجِحَ ضَمَانُ الْمَالِ وَلَوْ قَتَلَهُمَا خَطَأً؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ، وَمِثْلُ قَتْلِهِمَا قَتْلُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ وَقَتْلُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ كَانَ الْحَقُّ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى شَاهِدَيْنِ، وَيَعْلَمُ كَوْنَ الْمَقْتُولِينَ شَاهِدَيْ حَقٍّ بِإِقْرَارِ الْقَاتِلِ بِهِ وَبِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِأَنَّهُمَا شَاهِدَا حَقٍّ حَيْثُ لَمْ يَشْهَدْ الِاثْنَانِ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ
وَتَرْكِ مُوَاسَاةٍ وَجَبَتْ بِخَيْطٍ لِجَائِفَةٍ، وَفَضْلٍ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لِمُضْطَرٍّ،
ــ
[منح الجليل]
وَمِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ حَلِّ قَيْدِ عَبْدٍ أَوْ فَتْحٍ عَلَى غَيْرِ عَاقِلٍ أَوْ أَخْفَى غَرِيمًا مِنْ غَرِيمِهِ أَوْ لَوْ أَطْلَقَ السَّجَّانُ أَوْ الْعُونُ الْغَرِيمَ فَيَضْمَنُ مَا عَلَيْهِ قَالَهُ الْمَشَذَّالِيُّ، وَأَخَذَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْهَا ضَمَانَ مَنْ سَقَى دَابَّةَ رَجُلٍ وَاقِفَةً عَلَى بِئْرٍ فَذَهَبَتْ. الْمَشَذَّالِيُّ وَهُوَ بَيِّنٌ إنْ كَانَتْ لَوْ لَمْ تَشْرَبْ لَمْ تَذْهَبْ وَلَمْ يُخْشَ مَوْتُهَا مِنْ الْعَطَشِ وَإِنْ خُشِيَ مَوْتُهَا مِنْ الْعَطَشِ فَفِي ضَمَانِهِ نَظَرٌ.
(وَ) ضَمِنَ بِسَبَبِ (تَرْكِ مُوَاسَاةٍ وَجَبَتْ) عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ (بِخَيْطٍ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ حَالًا وَمَآلًا أَوْ احْتَاجَ لَهُ لِثَوْبٍ أَوْ جَائِفَةِ دَابَّةٍ لَا يَمُوتُ هُوَ بِمَوْتِهَا (لِجَائِفَةٍ) أَيْ: لِخِيَاطَةِ جُرْحٍ، وَأَصْلُ الْجَوْفِ مِنْ آدَمِيٍّ أَجْنَبِيٍّ إنْ خَاطَهُ بِهِ سَلِمَ فَلَمْ يَدْفَعْهُ لَهُ وَمَاتَ فَإِنْ احْتَاجَ لَهُ رَبُّهُ لِخِيَاطَةِ جَائِفَةِ نَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ الَّتِي يَمُوتُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ وَمِثْلُ الْخَيْطِ الْإِبْرَةُ وَكُلُّ جُرْحٍ يُخْشَى مِنْهُ الْمَوْتُ كَالْجَائِفَةِ (وَفَضْلٍ) أَيْ: فَاضِلٍ عَمَّا يَمْلِكُ الصِّحَّةَ لَا عَنْ عَادَتِهِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْ (طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لِ) شَخْصٍ (مُضْطَرٍّ) خِيفَ مَوْتُهُ بِالْجُوعِ أَوْ الْعَطَشِ فَتَرَكَ دَفْعَهُ لَهُ وَمَاتَ فَيَضْمَنُ دِيَةَ خَطَأٍ إنْ تَأَوَّلَ فِي مَنْعِهِ، وَإِلَّا اقْتَصَّ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِ كَخَنْقٍ وَمَنْعِ طَعَامٍ فَلَا يُخَالِفُ مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا حَمَلَ الضَّمَانَ هُنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْآدَمِيِّ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْقِصَاصَ وَافَقَ الْآتِي، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بِالتَّقْيِيدِ الْمُتَقَدِّمِ حَسَنٌ وَالْمُرَادُ الْفَضْلُ عَمَّا يَضْطَرُّ إلَيْهِ رَبُّهُ حَالًا وَمَآلًا إلَى مَحَلٍّ يُوجَدُ فِيهِ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ
وَكَمَا يُعْتَبَرُ الْفَضْلُ مِنْ نَفْسٍ يُعْتَبَرُ الْفَضْلُ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ وَمِثْلُ فَضْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَضْلُ لِبَاسٍ وَرُكُوبٍ. وَسُئِلَ النَّاصِرُ عَمَّنْ طَلُقَتْ وَمَعَهَا رَضِيعٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ وَشَهْرٌ وَفَرَضَ أَبُوهُ لِرَضَاعِهِ فَرْضًا فَفَطَمَتْهُ نَحْوَ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَشْعُرْ أَبُوهُ بِهِ فَضَعُفَ الْوَلَدُ مِنْ يَوْمِ فِطَامِهِ وَمَاتَ بَعْدَ نَحْوَ عِشْرِينَ يَوْمًا فَهَلْ عَلَى أُمِّهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إنْ كَانَ فِي الْوَلَدِ قُوَّةٌ عَلَى الْفِطَامِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّنِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُخَافُ مَوْتُهُ مِنْهُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَعَلَيْهَا الدِّيَةُ.
وَعُمُدٍ وَخَشَبٍ فَيَقَعُ الْجِدَارُ، وَلَهُ الثَّمَنُ إنْ وُجِدَ.
وَأُكِلَ الْمُذَكَّى، وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ بِتَحَرُّكٍ قَوِيٍّ مُطْلَقًا،
ــ
[منح الجليل]
وَ) ضَمِنَ بِتَرْكِ مُوَاسَاةٍ وَجَبَتْ بِدَفْعِ (عُمُدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ وَجَمْعُ عَمُودٍ (وَخَشَبٍ) وَجِبْسٍ وَنَحْوِهِ لِإِسْنَادِ كَجِدَارٍ مَائِلٍ (فَيَقَعَ) بِالنَّصْبِ لِعَطْفِهِ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ وَهُوَ تَرْكِ وَفَاعِلُ يَقَعَ (الْجِدَارُ) فَيَضْمَنُ بَيْنَ قِيمَتِهِ مَائِلًا وَقِيمَتِهِ مَهْدُومًا وَمَا أَتْلَفَهُ الْجِدَارُ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ لِلْمُصَنِّفِ فِي ضَمَانِ الْمَالِكِ وَهِيَ مَيْلُ الْجِدَارِ وَإِنْذَارُ صَاحِبِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَإِمْكَانُ تَدَارُكِهِ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ هُنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ إنْذَارَ رَبِّ الْجِدَارِ لِرَبِّ الْعُمُدِ كَافٍ فِي ضَمَانِهِ (وَ) لَكِنْ (لَهُ) أَيْ الْمُوَاسِي بِخَيْطٍ أَوْ فَضْلِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ عُمُدٍ أَوْ خَشَبٍ (الثَّمَنُ) أَيْ: الْقِيمَةُ لِمَا وَاسَى بِهِ وَقْتَ الْمُوَاسَاةِ (إنْ وُجِدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَعَ الْمُضْطَرِّ حَالَ اضْطِرَارِهِ وَإِلَّا فَلَا يَتْبَعُهُ بِهِ وَلَوْ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ أَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهَا وَأَرَادَ بِالثَّمَنِ مَا يَشْمَلُ أُجْرَةَ الْعُمُدِ وَالْخَشَبِ.
(وَأُكِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: جَازَ أَكْلُ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ (الْمُذَكَّى) بِفَتْحِ الْكَافِ ذَكَاةً شَرْعِيَّةً بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا مَرْجُوَّ طُولِ الْحَيَاةِ أَوْ مَشْكُوكَهَا. بَلْ (وَإِنْ أُيِسَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (مِنْ) اسْتِمْرَارِ (حَيَاتِهِ) بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُذَكَّ لَمَاتَ بِسَبَبِ: ضَرْبِهِ أَوْ تَرَدِّيه مِنْ شَاهِقٍ وَلَمْ يَنْفُذْ مِنْهُ مَقْتَلُهُ أَوْ شِدَّةِ مَرَضِهِ أَوْ أَكْلِهِ عُشْبًا فَانْتَفَخَ وَصِلَةُ أُكِلَ (بِتَحَرُّكٍ) كَذَا فِي نُسَخٍ بِالْبَاءِ وَفِي أُخْرَى بِاللَّامِ، وَفِي نُسْخَةِ تت بِخَطِّهِ بِالْكَافِ وَهِيَ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198] أَيْ: لِهِدَايَتِهِ إيَّاكُمْ أَيْ: لِلتَّمْثِيلِ لِمُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ، أَيْ: إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى حَيَاتِهِ كَتَحْرِيكٍ (قَوِيٍّ) كَخَبْطٍ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِشِدَّةٍ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ أَيْ: سَوَاءٌ سَالَ مَعَهُ دَمٌ أَمْ لَا كَانَ التَّحَرُّكُ حَالَ ذَبْحِهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ مُتَّصِلًا بِهِ صَحِيحًا كَانَ الْحَيَوَانُ أَوْ مَرِيضًا، وَأَمَّا التَّحَرُّكُ غَيْرُ الْقَوِيِّ كَحَرَكَةِ الِارْتِعَاشِ وَمَدِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، أَوْ قَبْضِهَا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَيُعْتَبَرُ قَبْضٌ مَعَ مَدٍّ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّحَرُّكِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ لِلشَّارِحِ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي نَظْمِهِ
وَسَيْلِ دَمٍ، إنْ صَحَّتْ إلَّا الْمَوْقُوذَةَ، وَمَا مَعَهَا لِمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ:
ــ
[منح الجليل]
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْحَرَكَةَ لَا تُرَاعَى إلَّا إنْ وُجِدَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا تُرَاعَى وَإِنْ وُجِدَتْ مَعَهُ. وَعَطَفَ عَلَى تَحَرَّكَ بِوَاوٍ بِمَعْنَى مَعَ فَقَالَ (وَسَيْلِ دَمٍ) بِلَا شَخْبٍ وَلَا حَرَكَةٍ إنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ كَمَخْنُوقَةٍ لَا تَعِيشُ، وَلَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهَا فَتُؤْكَلُ، لِقَوْلِهِ آنِفًا وَإِنْ آيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ، وَقَوْلُهُ الْآتِي أَوْ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إنْ لَمْ يَنْخَعْهَا، وَهَذَا (إنْ صَحَّتْ) الْبَهِيمَةُ الْمُذَكَّاةُ أَيْ: لَمْ يُضْنِهَا الْمَرَضُ فَإِنْ كَانَتْ مَرِيضَةً فَسَيْلُ دَمِهَا وَحْدَهُ لَغْوٌ، وَكَذَا مَعَ حَرَكَةٍ ضَعِيفَةٍ وَأَمَّا شَخْبُهُ مِنْ مَرِيضَةٍ فَدَلِيلُ الْحَيَاةِ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَخْنُوقَةَ الَّتِي لَا تَعِيشُ مَرِيضَةٌ، وَإِنَّمَا وَجْهُ ذَلِكَ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَصُّهَا وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ شَاةٍ وُضِعَتْ لِلذَّبْحِ فَذُبِحَتْ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهَا شَيْءٌ هَلْ تُؤْكَلُ قَالَا نَعَمْ إذَا كَانَتْ حِينَ تُذْبَحُ حَيَّةً، فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ ثَقِيلَ الْيَدِ عِنْدَ الذَّبْحِ فَلَا تَتَحَرَّكُ ذَبِيحَتُهُ وَآخَرُ يَذْبَحُ فَتَقُومُ الذَّبِيحَةُ تَمْشِي.
ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا إذَا سَالَ دَمُهَا أَوْ اسْتَفَاضَ نَفْسُهَا فِي حَلْقِهَا اسْتِفَاضَةً لَا يَشُكُّ مَعَهَا فِي حَيَاتِهَا، وَهَذَا فِي الصَّحِيحَةِ بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يُضْنِهَا الْمَرَضُ، لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَذَا مَا فِي التَّوْضِيحِ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَةَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَيْئُوسٍ مِنْهَا فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ تُؤْكَلُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ وَإِذَا كَانَتْ مَيْئُوسًا مِنْهَا فَفِيهَا خِلَافٌ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِيهَا فَإِنْ تَحَرَّكَتْ وَسَالَ دَمُهَا أُكِلَتْ وَإِنْ كَانَ السَّيَلَانُ فَقَطْ فَلَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ يَسِيلُ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَيْئُوسِ مِنْ حَيَاتِهِ فَقَالَ (إلَّا) الْبَهِيمَةَ (الْمَوْقُوذَةَ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْمَضْرُوبَةِ بِنَحْوِ حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ (وَمَا) أَيْ: الَّذِي ذُكِرَ (مَعَهَا) فِي آيَةِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهَا كَالْمُنْخَنِقَةِ بِنَحْوِ حَبْلٍ وَمُتَأَخِّرًا عَنْهَا كَالْمُتَرَدِّيَةِ أَيْ السَّاقِطَةِ مِنْ نَحْوِ شَاهِقِ جَبَلٍ أَوْ فِي بِئْرٍ أَوْ حُفْرَةٍ النَّطِيحَةُ أَيْ: الَّتِي نَطَحَتْهَا بَهِيمَةٌ أُخْرَى، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ بَعْضَهَا (الْمَنْفُوذَةَ) جِنْسُ (الْمَقَاتِلِ) فَلَا تُؤْكَلُ بِالذَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ حُكْمًا وَالذَّكَاةُ لَا تُبِيحُ الْمَيْتَةَ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَنْفُوذَةِ مَقْتَلٍ أُكِلَتْ بِالذَّكَاةِ وَإِنْ أُيِسَ مِنْهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي
بِقَطْعِ نُخَاعٍ، وَنَثْرِ دِمَاغٍ، وَحَشْوَةٍ، وَفَرْيِ وَدَجٍ، وَثَقْبِ مُصْرَانٍ،
ــ
[منح الجليل]
قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] يَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ، وَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ مَنْفُوذِ الْمَقْتَلِ مِنْهَا، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالِانْقِطَاعُ وَيُحْمَلُ عَلَى تَذْكِيَةِ غَيْرِهَا إنْ نَفَذَ مَقْتَلُهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى مُوَافِقٌ لِلْفِقْهِ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَنْفُوذَةٍ إلَخْ أَيْ اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ مَرْجُوَّةَ الْحَيَاةِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ إنْ كَانَتْ مَيْئُوسًا مِنْهَا أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا الذَّكَاةُ ثَالِثُهَا تَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهَا دُونَ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ، وَعُلِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: الْمَيْتَةُ، مَفْهُومُ الْمُذَكَّى مُذَكًّى غَيْرُ مَيْئُوسٍ مِنْ حَيَاتِهِ، مُذَكًّى مَيْئُوسٌ مِنْ حَيَاتِهِ عِلْمًا مِنْ الْمُبَالَغَةِ، مَوْقُوذَةٌ وَمَا مَعَهَا مَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ، وَغَيْرَ مَنْفُوذَتِهَا.
وَبَيَّنَ الْمَقَاتِلَ بِقَوْلِهِ (بِقَطْعِ نُخَاعٍ) مُثَلَّثِ النُّونِ أَيْ: مُخٍّ أَبْيَضَ كَخَيْطِ النَّوَاةِ سَالِكٌ فِي فَقَارٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعِ فِقْرَةِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرُ مَتَى انْقَطَعَ أُيِسَ مِنْ الْحَيَاةِ وَالرِّوَايَاتُ إنَّ كَسْرَ الصُّلْبِ دُونَ قَطْعِ نُخَاعٍ لَيْسَ مَقْتَلًا. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مَقْتَلٌ (وَنَثْرِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ: خُرُوجِ (دِمَاغٍ) أَيْ: مُخٍّ حَوَتْهُ الْجُمْجُمَةُ فَشَدْخُ الرَّأْسِ دُونَ نَثْرِ دِمَاغٍ لَيْسَ مَقْتَلًا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَلَا خَرْقُ خَرِيطَةٍ أَيْ: جِلْدَةٍ سَاتِرَةٍ لِلدِّمَاغِ وَلَا رَضُّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَكَسْرُ عَظْمِ الصَّدْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ بَاقِي الْمَتَالِفِ (أَوْ) نَثْرِ (حَشْوَةٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: مَا حَوَاهُ الْبَطْنُ مِنْ كَبِدٍ وَطِحَالٍ وَرِئَةٍ وَأَمْعَاءٍ وَكُلًى وَقَلْبٍ وَمَصَارِينَ أَيْ: زَوَالِهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا إلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ يَعِيشُ مَعَهُ الْحَيَوَانُ.
(وَفَرْيِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ: قَطْعِ (وَدَجٍ) أَيْ إبَانَةِ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ (وَثَقْبِ) أَيْ: خَرْقِ (مُصْرَانٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعِ مَصِيرٍ كَرَغِيفٍ وَرُغْفَانٍ وَجَمْعُ الْجَمْعِ مَصَارِينُ أَيْ: تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا أَوْ وَهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَطْعِ نُخَاعٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا قَدْ
وَفِي شَقِّ الْوَدَجِ: قَوْلَانِ.
ــ
[منح الجليل]
يَخْفَى اهـ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ أَوْ شَكًّا أَوْ وَهْمًا فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ اهـ الْأَمِيرُ قَوْلُهُ أَوْ وَهُمَا لَا يَسْلَمُ وِفَاقًا لَبَن نَعَمْ رُبَّمَا يُقَالُ فِي الشَّكِّ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَكًّا فِي الْمَانِعِ سَرَى لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمُبِيحِ فَتَدَبَّرْ وَأَحْرَى قَطْعُهُ وَأَطْلَقَ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ فَشَمِلَ خَرْقَهُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَمْنَعُ اسْتِحَالَةَ الطَّعَامِ فَيَتَعَذَّرُ الْخُلْفُ فَيَحْصُلُ الْمَوْتُ. وَالثَّانِي يَمْنَعُ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَخْرَجِ فَيَجْتَمِعُ مَا يَعْفِنُ أَوْ مُزَاحِمُ الْأَمْعَاءِ.
وَخَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ بِالْأَوَّلِ قَائِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ مَعَهُ إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَأَمَّا ثَقْبُهُ مِنْ أَسْفَلِهِ حَيْثُ الرَّجِيعُ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا كَثِيرًا مِنْ الْحَيَوَانِ وَمِنْ بَنِي آدَمَ يَخْرِقُ مَصِيرَهُ فِي مَجْرَى الرَّجِيعِ، وَيَعِيشُ، مَعَهُ زَمَانًا يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيُقْبِلُ وَيُدْبِرُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ، وَاحْتَرَزَ بِثَقْبِهِ عَنْ شَقِّهِ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ وَبِمُصْرَانٍ عَنْ ثَقْبِ الْكَرِشِ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ فَتُؤْكَلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رِزْقٍ شَيْخُ ابْنِ رُشْدٍ فِي كَرِشِ بَهِيمَةٍ صَحِيحَةٍ وُجِدَ بَعْدَ ذَبْحِهَا مَثْقُوبًا خِلَافًا لِحُكْمِ ابْنِ مَكِّيٍّ الْقَاضِي شَيْخِ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا بِفَتْوَى ابْنِ حَمْدِينَ بِطَرْحِهَا بِالْوَادِي وَغَلَبَتْ الْعَامَّةُ أَعْوَانَ الْقَاضِي لِعَظَمَةِ قَدْرِ ابْنِ رِزْقٍ عِنْدَهُمْ فَأَخَذُوهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَأَكَلُوهَا وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَيُؤَيِّدُهُ نَقْلُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مِنْ كَاسِبِي الْبَقَرِ بِأَفْرِيقِيَّةَ أَنَّهُمْ يَثْقُبُونَ كَرِشَ الثَّوْرِ لِبَعْضِ الْأَدْوَاءِ فَيَزُولُ عَنْهُ بِهِ اهـ. وَحَمْدِينُ بِنُونٍ بِخَطِّ تت اهـ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ مِنْ أَعْلَاهُ ابْنُ لُبٍّ الْمَصِيرُ الْأَعْلَى هُوَ الْمَرِيءُ الَّذِي تَحْتَ الْحُلْقُومِ الْمُنْتَهِي إلَى رَأْسِ الْمَعِدَةِ النَّافِذِ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ. ابْنُ سِرَاجٍ هُوَ الْمَعِدَةُ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا.
(وَفِي شَقِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (الْوَدَجِ) بِلَا قَطْعِ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ (قَوْلَانِ) عب لَكِنْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي شَقِّ الْوَدَجَيْنِ، وَأَمَّا الْوَاحِدُ فَغَيْرُ مَقْتَلٍ. الْبُنَانِيُّ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الْخِلَافُ فِي الْوَاحِدِ أَيْضًا بِدَلِيلِ قَوْلِ ابْنِ لُبٍّ الْخِلَافُ فِي شَقِّ الْوَدَجِ، وَالْمَصِيرُ خِلَافٌ فِي حَالٍ قَالَ وَلَمْ يَعُدُّوا جُرْحَ الْقَلْبِ مَعَهَا، وَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِيهِ كَلَامٌ، وَانْفَصَلَ الْبَحْثُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مَقْتَلٌ، وَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَعْنَى فِي فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَقَطْعِ الْحُلْقُومِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَحَلَّهَا أَيْضًا الْمَنْحَرُ وَمَا كَانَ الْمَنْحَرُ مَقْتَلًا إلَّا
وَفِيهَا أَكْلُ مَا دَقَّ عُنُقُهُ، أَوْ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إنْ لَمْ يَنْخَعْهَا.
وَذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ
ــ
[منح الجليل]
لِوُصُولِ آلَةِ النَّحْرِ مِنْهُ إلَى الْقَلْبِ فَذَلِكَ وَالذَّبْحُ سَوَاءٌ، وَاكْتَفَوْا بِالْعِبَارَةِ بِالْمَذْبَحِ عَنْ ذِكْرِ الْمَنْحَرِ وَهُمَا سَوَاءٌ وَالْكُلْيَتَانِ وَالرِّئَةُ فِي مَعْنَى الْقَلْبِ لِلِاتِّصَالِ بِهِ فِي الْجَوْفِ.
(وَفِيهَا) أَيْ: الْمُدَوَّنَةِ (أَكْلُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (مَا) أَيْ: حَيَوَانٍ يَرَى (دُقَّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْقَافِ أَيْ: كُسِرَ (عُنُقُهُ) بِتَرَدِّيه مِنْ شَاهِقٍ أَوْ ضَرْبِهِ بِنَحْوِ حَجَرٍ وَلَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهُ وَهَذَا شَاهِدٌ لِقَوْلِهِ وَأُكِلَ الْمُذَكَّى وَإِنْ أُيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ (أَوْ مَا) أَيْ: حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ (عُلِمَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (أَنَّهُ لَا يَعِيشُ) بِسَبَبِ مَا أَصَابَهُ مِنْ خَنْقٍ أَوْ وَقَذَ أَوْ تَرَدَّى أَوْ نُطِحَ أَوْ أَكَلَ سَبُعٌ بَعْضَهُ (إنْ لَمْ يَنْخَعْهَا) أَيْ: يَقْطَعْ نُخَاعَهَا قَبْلَ تَذْكِيَتِهَا، وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ.
(وَذَكَاةُ الْجَنِينِ) الَّذِي وَجَدَهُ مَيِّتًا فِي بَطْنِ حَيَوَانٍ مُبَاحٍ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ حَاصِلَةٌ (بِذَكَاةِ أُمِّهِ) أَيْ: الْجَنِينِ فَتُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ مُذَكًّى لِخَبَرِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» ، رُوِيَ بِرَفْعِ ذَكَاةٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ النَّوَوِيُّ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ الْمَعْرُوفَةُ تت مِنْ حُصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلُ خَبَرٌ، وَالثَّانِي مُبْتَدَأٌ أَيْ: ذَكَاةُ أُمِّ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ مَا تَحْصُلُ الْفَائِدَةُ بِهِ وَهِيَ هُنَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ عَلَى حَدِّ: بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا.
وَلِأَنَّ الْمَجْهُولَ هُنَا ذَكَاةُ الْجَنِينِ وَأَمَّا ذَكَاةُ أُمِّهِ فَمُشَاهَدَةٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْخَبَرَ هُوَ الْمَجْهُولُ، وَرُوِيَ بِنَصْبِ الثَّانِيَةِ وَالتَّقْدِيرُ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلِ ذَكَاةِ أُمِّهِ، وَرُجِّحَتْ الْأُولَى بِإِنْكَارِ الثَّانِيَةِ، وَبِأَنَّ فِيهَا حَذْفَ الْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ وَهُمَا أَنْ وَالْفِعْلُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَبِأَنَّ فِيهَا إضْمَارًا كَثِيرًا وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهَا فَلَا شَاهِدَ فِيهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ نَصَّهَا بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ ذَكَاتُهُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ} [الأعراف: 155] ، وَهُوَ أَوْلَى لِقِلَّةِ الْإِضْمَارِ وَجَمْعِهِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى بِذِكْرِ الْبَاءِ، وَعَبَّرَ بِذَكَاةٍ لِيَشْمَلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَطْنِ مَا يُنْحَرُ كَشَاةٍ فِي بَطْنِ نَاقَةٍ وَعَكْسِهِ كَبَعِيرٍ فِي بَطْنِ شَاةٍ، وَلَا يَشْمَلُ مُبَاحًا فِي بَطْنِ مُحَرَّمٍ كَشَاةٍ فِي بَطْنِ خِنْزِيرَةٍ وَلَا عَكْسُهُ كَخِنْزِيرٍ فِي بَطْنِ بَقَرَةٍ فَلَا يُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ احْتِيَاطًا
إنْ تَمَّ بِشَعْرٍ.
وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ذُكِّيَ؛ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ فَيَفُوتَ.
ــ
[منح الجليل]
وَشَرْطُ كَوْنِ ذَكَاةِ أُمِّ الْجَنِينِ ذَكَاةً لَهُ (إنْ تَمَّ خَلْقُهُ) أَيْ: الْجَنِينِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَلَوْ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ مَثَلًا قَالَهُ الْبَاجِيَّ (بِشَعْرٍ) أَيْ: مَعَ نَبَاتِ شَعْرِ جَسَدِهِ وَلَوْ بَعْضَهُ لَا شَعْرِ عَيْنَيْهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ حَاجِبَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا لِعَارِضٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهِ لِوَقْتِ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ وَإِلَّا فَلَا يُؤْكَلُ، وَمِنْ عَلَامَاتِ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهِ غَالِبًا تَمَامُ خَلْقِهِ وَنَبَاتُ شَعْرِهِ، فَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ بِنَحْوِ ضَرْبٍ قَبْلَ تَذْكِيَتِهَا فَلَا يُؤْكَلُ وَلَوْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ وَإِنْ شَكَّ فِي حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ حِينَ تَذْكِيَتِهَا أُكِلَ، وَذَكَرَ الْحَطّ فِي الْمَشِيمَةِ أَيْ وِعَاءِ الْوَلَدِ أَكْلِهَا وَعَدَمِهِ وَتَبَعِيَّتِهَا لِلْجَنِينِ. الصَّائِغُ أُنْثَى الْخَصِيِّ تُؤْكَلُ، إذْ لَوْلَا حَيَاتُهَا لَنَتُنَتْ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ اسْتِثْقَالَ أَكْلِ عَشَرَةٍ دُونَ تَحْرِيمِ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْعَسِيبِ وَالْغُدَّةِ وَالطِّحَالِ وَالْعُرُوقِ وَالْمَرَارَةِ وَالْكُلْيَتَانِ وَالْحَشَا وَالْمَثَانَةِ وَأُذُنَيْ الْقَلْبِ.
(وَإِنْ خَرَجَ) الْجَنِينُ الَّذِي تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ بَعْدَ ذَكَاتِهَا حَالَ كَوْنِهِ (حَيًّا) تَحْقِيقًا أَوْ شَكًّا أَوْ وَهُمَا (ذُكِّيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ: ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ الْجَنِينُ نَدَبًا فِي الثَّالِثِ وَوُجُوبًا فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَمَا لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ وَيَنْبُتْ شَعْرُهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ خَرَجَ حَيًّا وَذُكِّيَ (إلَّا أَنْ يُبَادَرَ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ الْخَارِجَ حَيًّا تَامَّ الْحَلْقِ نَابِتَ الشَّعْرِ، وَكَسْرِهَا أَيْ يُسَارِعُ صَاحِبُهُ إلَى تَذْكِيَتِهِ (فَيَفُوتُ) أَيْ: يَمُوتُ قَبْلَهَا بِلَا تَفْرِيطٍ، فَيُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ. ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ الْحَدِيثِ وَذَلِكَ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا أَوْ بِهِ رَمَقٌ مِنْ الْحَيَاةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنَّهُ يُذْبَحُ إنْ خَرَجَ يَتَحَرَّكُ، فَإِنْ سَبَقَهُمْ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُذْبَحَ أُكِلَ، وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِمَوْتِهَا أَوْ أَبْطَأَ مَوْتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ وَفِيهِ رُوحٌ تُرْجَى حَيَاتُهُ أَوْ يُشَكُّ فِيهَا فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ رَمَقٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْبَابُ أَنْ يُذَكَّى عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا تُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ إنْ خَرَجَ مَيِّتًا، وَأَمَّا إنْ بَقَرَ عَلَيْهِ فَأُخْرِجَ يَتَحَرَّكُ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي الْمَبْسُوطَةِ. اهـ. فَتَبَيَّنَ مِنْهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَإِلَى الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ذُكِّيَ أَيْ: وُجُوبًا فِي الْمَرْجُوِّ
وَذُكِّيَ الْمُزْلَقُ إنْ حَيِيَ مِثْلُهُ.
وَافْتَقَرَ نَحْوُ الْجَرَادِ لَهَا بِمَا يَمُوتُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ كَقَطْعِ جَنَاحٍ.
ــ
[منح الجليل]
وَالْمَشْكُوكِ وَاسْتِحْبَابًا فِي الْمَيْئُوسِ مِنْهُ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ خَاصٌّ بِالْمَيْئُوسِ مِنْهُ أَيْ: إلَّا أَنْ يُبَادِرَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يُذَكَّى فَيَفُوتَ اسْتِحْبَابُ ذَكَاتِهِ وَيُؤْكَلَ بِدُونِهَا، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.
(وَذُكِّيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْجَنِينُ (الْمُزْلَقُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَفَتْحِ اللَّامِ آخِرُهُ قَافٌ أَيْ الَّذِي أَلْقَتْهُ أُمُّهُ فِي حَيَاتِهَا قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ حَمْلِهِ لِعَارِضٍ كَعَطَشٍ مِنْ ثَمَّ كَثْرَةُ شُرْبٍ (إنْ حَيِيَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ الْأُولَى أَيْ عَاشَ (مِثْلُهُ) أَيْ: الْمُزْلَقُ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا لَا شَكًّا أَوْ وَهْمًا وَتَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ، وَاحْتَرَزَ بِحَيٍّ مِثْلُهُ مِمَّا لَا يَحْيَا مِثْلُهُ فَلَا يُؤْكَلُ وَلَوْ ذُكِّيَ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ مِنْ الْإِزْلَاقِ. ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ الْمُزْلَقُ الَّذِي لَمْ تَتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ كَمَرِيضٍ أُيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ لِتَقَدُّمِ تَقَرُّرِ حَيَاتِهِ دُونَ الْمُزْلَقِ.
(وَافْتَقَرَ) عَلَى الْمَشْهُورِ (نَحْوُ الْجَرَادِ) مِنْ كُلِّ بَرِّيٍّ مُبَاحٍ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً (لَهَا) أَيْ: الذَّكَاةِ بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ (بِمَا) أَيْ: فِعْلٍ (يَمُوتُ) نَحْوُ الْجَرَادِ (بِهِ) أَيْ: الْفِعْلِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِمَا عَاجِلًا اتِّفَاقًا كَقَطْعِ رَأْسٍ وَإِلْقَاءٍ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ حَارٍّ بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ) أَيْ: الْفِعْلُ الْمَوْتَ بِحَسَبِ شَأْنِهِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْمَوْتِ بِهِ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ تَرَاخَى الْمَوْتُ وَبَعُدَ عَنْهُ فَهُوَ كَالْعَدَمِ وَيُذَكَّى مَرَّةً أُخْرَى (كَقَطْعِ جَنَاحٍ) أَوْ رِجْلٍ أَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ بَارِدٍ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قُطِعَ مِنْهُ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْمَوْتِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذَا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقُ اهـ الْأَمِيرُ قَوْلُهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قُطِعَ مِنْهُ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ ذَكَاتُهُ وَتَقَدَّمَ لِلسَّيِّدِ تَخْصِيصُ. قَوْلِهِ وَدُونَ نِصْفٍ إلَخْ بِمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً،. اهـ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.