الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ) فَرْضُ الْحَجِّ، وَسُنَّتْ الْعُمْرَةُ مَرَّةً، وَفِي فَوْرِيَّتِهِ
ــ
[منح الجليل]
[بَابٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةُ]
بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَوْ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (الْحَجُّ) أَيْ: الْعِبَادَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى إحْرَامٍ وَحُضُورٍ بِعَرَفَةَ جُزْءًا مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ وَسَعْيٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَيْنًا (وَسُنَّتْ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ النُّونِ مُشَدَّدَةً وَسُكُونِ التَّاءِ مَفْتُوحَةً أَوْ رَفْعِهَا مَرْبُوطَةً (الْعُمْرَةُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، أَيْ: الْعِبَادَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى إحْرَامٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ فَقَطْ عَيْنًا. فِي النَّوَادِرِ مَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ كَالْوِتْرِ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا.
(مَرَّةً) مَنْصُوبٌ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِلْعُمْرَةِ، وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ مَصْدَرَانِ يَنْحَلَّانِ إلَى أَنْ وَالْفِعْلِ أَيْ: أَنْ يَحُجَّ مَرَّةً وَيَعْتَمِرَ مَرَّةً وَلَيْسَا مَنْصُوبَيْنِ بِفَرْضٍ وَسُنَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْفَرْضَ وَالسُّنَّةَ وَقَعَا مِنْ الشَّارِعِ مَرَّةً وَلَيْسَ بِمُرَادٍ أَوْ تَمْيِيزٍ مُحَوَّلٍ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ أَوْ مَرْفُوعِ خَبَرٍ عَنْ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ عَلَى الضَّبْطِ. الثَّانِي مَصْدَرَانِ مُبْتَدَآنِ مُؤَوَّلَانِ بِاسْمِ مَفْعُولٍ، أَيْ: الْمَفْرُوضُ مِنْ الْحَجِّ مَرَّةً وَالْمَسْنُونُ مِنْ الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا مِنْهُمَا مَنْدُوبٌ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ إقَامَةَ الْمَوْسِمِ لِيَقَعَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْحَجِّ وَسُنَّةُ كِفَايَةٍ فِي الْعُمْرَةِ.
(وَفِي فَوْرِيَّتِهِ) يَاؤُهُ لِلْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ: كَوْنُ الْحَجِّ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ فِي أَوَّلِ عَامٍ مِنْ أَعْوَامِ الْقُدْرَةِ. فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ أَثِمَ وَلَوْ لَمْ يَخَفْ الْفَوَاتَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالْعِرَاقِيُّونَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَشَهَّرَهُ صَاحِبَا الذَّخِيرَةِ وَالْعُمْدَةِ
وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ: خِلَافٌ.
وَصِحَّتُهُمَا بِالْإِسْلَامِ فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ
ــ
[منح الجليل]
وَابْنُ بَزِيزَةَ. وَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدُ فَهُوَ أَدَاءٌ وَحَكَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَضَاءٌ. ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى فَوْرِهِ فِي كَوْنِهِ بَعْدَ أَوَّلِ عَامٍ مُسْتَطِيعُهُ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً قَوْلَا ابْنِ الْقَصَّارِ وَغَيْرِهِ.
(وَتَرَاخِيهِ) أَيْ: كَوْنُ الْحَجِّ وَاجِبًا عَلَى التَّرَاخِي (لِ) عَامِ (خَوْفِ الْفَوَاتِ) أَيْ: تَعَذُّرِ الْحَجِّ بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ فَيَتَّفِقُ عَلَى فَوْرِيَّتِهِ وَيَخْتَلِفُ خَوْفَ الْفَوَاتِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ قُوَّةً وَضَعْفًا وَشُبُوبِيَّةً وَكُهُولِيَّةً، وَكَثْرَةَ مَرَضٍ وَقِلَّتَهُ، وَأَمْنَ طَرِيقٍ وَخَوْفَهُ، وَوُجُودَ مَالٍ وَعَدَمَهُ، وَقُرْبَ بَلَدٍ وَبُعْدَهُ. وَلَمْ يُرْوَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْ مَسَائِلَ وَلَيْسَ أَخْذُهُ مِنْهَا بِالْقَوِيِّ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ. وَرَأَى الْبَاجِيَّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالتِّلْمِسَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَغَارِبَةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ.
(خِلَافٌ) فِي التَّشْهِيرِ الْحَطّ سَوَّى الْمُصَنِّفِ هُنَا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَفِي التَّوْضِيحِ الظَّاهِرُ قَوْلُ مَنْ شَهَرَ الْفَوْرِيَّةَ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَيْلٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ضَعَّفَ حُجَّةَ التَّرَاخِي. وَلِأَنَّ الْفَوْرَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ وَالتَّرَاخِي لَمْ يُرْوَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْ مَسَائِلَ وَلَيْسَ أَخْذُهُ مِنْهَا بِقَوِيٍّ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِ أَرْجَحُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَكْثَرَ الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَوْرِ، فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَعَلَى التَّرَاخِي إنْ أَخَّرَهُ فَاخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ خَوْفِ الْفَوَاتِ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ لَا يَأْثَمُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَأْثَمُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا جَوَّزَ لَهُ التَّأْخِيرَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. وَعَلَى هَذَا ابْنُ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَكَلَامُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ يُفِيدُ دُخُولَ الْخِلَافِ بِالْفَوْرِيَّةِ وَالتَّرَاخِي فِي الْعُمْرَةِ.
(وَصِحَّتُهُمَا) أَيْ: الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَشْرُوطَةٌ (بِالْإِسْلَامِ) فَقَطْ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ صَبِيًّا مُرْتَدًّا (فَيُحْرِمُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ نَدْبًا (وَلِيٌّ) أَيْ: أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ مُقَدِّمُ قَاضٍ أَوْ عَاصِبٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ كَافِلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَظَرٌ فِي مَالِهِ نَقَلَهُ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَقَرَّهُ
عَنْ رَضِيعٍ، وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ، وَمُطْبَقٍ لَا مُغْمًى
ــ
[منح الجليل]
عَنْ) شَخْصٍ (رَضِيعٍ) بِأَنْ يَنْوِيَ إدْخَالَهُ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْوَلِيَّ يُحْرِمُ بِأَحَدِهِمَا نِيَابَةً عَنْهُ. وَمِثْلُ الرَّضِيعِ الْمَفْطُومُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَخَصَّ الرَّضِيعَ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ عَنْهُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُمَيِّزِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي صِحَّتِهِ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِلَّخْمِيِّ مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يُحَجُّ بِابْنِ أَرْبَعٍ لَا رَضِيعٍ.
(وَجُرِّدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ: الرَّضِيعُ الذَّكَرُ مِنْ الْمُحِيطِ بِبَدَنِهِ وَسَاتِرِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَالْأُنْثَى مِنْ سَاتِرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ وَتَنَازَعَ يُحْرِمُ وَجُرِّدَ (قُرْبَ الْحَرَمِ) أَيْ: مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِخَوْفِ الْمَشَقَّةِ وَحُصُولِ الضَّرَرِ بِتَجْرِيدِهِ وَالْإِحْرَامُ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ تَحَقَّقَ الْوَلِيُّ أَوْ ظَنَّ تَضَرُّرَهُ بِتَجْرِيدِهِ قُرْبَ مَكَّةَ أَحْرَمَ عَنْهُ بِلَا تَجْرِيدٍ وَافْتَدَى عَنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى صِحَّتِهِ أَيْ: إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ يُحْرِمُ عَنْهُمَا، أَيْ: الرَّضِيعِ وَالْمَفْطُومِ وَلِيُّهُمَا بِتَجْرِيدِهِمَا نَاوِيهِ. وَلَا يُلَبِّي عَنْهُمَا وَيُجَرِّدُ الْمُنَاهِزُ مِنْ مِيقَاتِهِ وَمَنْ لَا يَنْتَهِي كَابْنِ ثَمَانِ سِنِينَ قُرْبَ الْحَرَمِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَ عَلَيْهِ مِثْلَ الْقِلَادَةِ وَالسِّوَارَيْنِ، وَفِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ بِأَصَاغِرِ الذُّكُورِ وَفِي أَرْجُلِهِمْ الْخَلَاخِلُ وَعَلَيْهِمْ الْأَسْوِرَةُ.
(وَ) يُحْرِمُ وَلِيٌّ أَيْضًا عَنْ مَجْنُونٍ (مُطْبَقٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: مُتَّصِلٌ جُنُونُهُ لَا يُفِيقُ فِي وَقْتٍ مَا وَلَا يُمَيِّزُ السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا الطُّولَ مِنْ الْعَرْضِ، وَمَنْ لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَإِنْ مَيَّزَ الْإِنْسَانَ مِنْ الْفَرَسِ أَيْ يَنْوِي وَلِيُّ مَالِهِ أَوْ كَافِلُهُ إدْخَالَهُ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ نَدْبًا بَعْدَ تَجْرِيدِهِ قُرْبَ مَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا بِأَنْ كَانَ مُتَقَطِّعَ الْجُنُونِ يُجَنُّ فِي وَقْتٍ وَيُفِيقُ فِي غَيْرِهِ اُنْتُظِرَتْ إفَاقَتُهُ لِيُحْرِمَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ حِيَالَ جُنُونِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا خِيفَ فَوَاتُهُ الْحَجَّ.
(لَا) يُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ شَخْصٍ (مُغْمًى) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ أَيْ: مَسْتُورٍ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ وَلَوْ خِيفَ فَوَاتُهُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِفَاقَةِ قَرِيبًا. وَإِذَا أَفَاقَ فِي زَمَنٍ يُدْرِكُ الْوُقُوفَ فِيهِ أَحْرَمَ لِنَفْسِهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ لِعُذْرِهِ بِإِغْمَائِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي الْمَجْنُونِ قَوْلَانِ
وَالْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ، وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَا قَضَاءَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَأَمَرَهُ مَقْدُورَهُ وَإِلَّا نَابَ عَنْهُ؛
ــ
[منح الجليل]
لَهَا وَلِتَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ. وَقَوْلُ الْبَاجِيَّ عَدَمُ الْعَقْلِ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ خِلَافَ النَّصِّ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَرْجُوٍّ صِحَّتُهُ.
(وَ) يُحْرِمُ الشَّخْصُ الصَّغِيرُ (الْمُمَيِّزُ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مُثَقَّلَةً الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ الْجَوَابَ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ إنْ لَمْ يُقَارِبْ الْبُلُوغَ كَابْنِ ثَمَانٍ، فَإِنْ قَارَبَهُ فَمِنْ الْمِيقَاتِ قَالَهُ فِيهَا فَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ يُحْرِمْ بِإِذْنِهِ بِأَنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَلَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (تَحْلِيلُهُ) أَيْ: الْمُمَيِّزِ مِنْ إحْرَامِهِ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ بِأَنْ يَنْوِيَ إخْرَاجَهُ مِمَّا أَحْرَمَ بِهِ، وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ أَوْ يُقَصِّرَ شَعْرَهُ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَتْ فِي إبْقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ فَقَطْ أَبْقَاهُ عَلَيْهِ وُجُوبًا فِيهِمَا، وَإِنْ اسْتَوَتْ مَصْلَحَتُهُمَا خُيِّرَ الْوَلِيُّ فَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ لَا لِلتَّخْيِيرِ (وَ) إنْ حَلَّلَهُ وَلِيُّهُ فَ (لَا قَضَاءَ) عَلَيْهِ إذَا بَلَغَ وَمِثْلُهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ وَالتَّحْلِيلِ وَعَدَمِ الْقَضَاءِ السَّفِيهُ أَيْ: الْبَالِغُ الَّذِي لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ.
(بِخِلَافِ الْعَبْدِ) أَيْ: الرَّقِيقِ الْبَالِغِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَحَلَّلَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ أَوْ عَتَقَ، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ لِوُجُوبِهِ فَوْرًا اتِّفَاقًا فَإِنْ قَدَّمَهَا عَلَى الْقَضَاءِ صَحَّتْ. وَمِثْلُ الْعَبْدِ الزَّوْجَةُ فِي تَطَوُّعِهَا بِدُونِ إذْنِ زَوْجِهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ لِحَقِّ نَفْسِهِمَا وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ لِحَقِّ غَيْرِهِمَا. وَإِنْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي الْقَضَاءِ ثُمَّ أَرَادَ مَنْعَهُ مِنْهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَفِي الشَّامِلِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لَهُ مَنْعُهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي الِاعْتِكَافِ.
(وَأَمَرَهُ) أَيْ: الْوَلِيُّ الْمُمَيِّزُ الَّذِي أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي إبْقَائِهِ مُحْرِمًا (مَقْدُورَهُ) أَيْ: مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ وَأَقْوَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيُلَقِّنُهُ التَّلْبِيَةَ إنْ قَبِلَهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْدُورُهُ وَكَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ مُطْبَقًا (نَابَ) الْوَلِيُّ فِيهِ (عَنْهُ) أَيْ:
إنْ قَبِلَهَا: كَطَوَافٍ، لَا: كَتَلْبِيَةٍ، وَرُكُوعٍ، وَأَحْضَرَهُمْ الْمَوَاقِفَ وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ؛ إنْ خِيفَ ضَيْعَةً، وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ: كَجَزَاءِ صَيْدٍ، وَفِدْيَةٍ
ــ
[منح الجليل]
الْمَحْجُورِ (إنْ قَبِلَهَا) أَيْ: الشَّيْءُ الْمَطْلُوبُ النِّيَابَةِ وَهُوَ الْفِعْلُ.
(كَطَوَافٍ) وَسَعْيٍ وَرَمْيٍ وَفِي جَعْلِهِ نَائِبًا فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ نَظَرٌ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ النِّيَابَةِ فِعْلُ النَّائِبِ دُونَ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ يَفْعَلُهُمَا الْوَلِيُّ حَامِلًا لِلْمَحْجُورِ وَيَقِفُ بِهِ بِعَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَحَقُّهُ التَّمْثِيلُ بِالرَّمْيِ وَالذَّبْحِ (لَا) أَنْ يَقْبَلَهُمَا (كَتَلْبِيَةٍ وَرُكُوعٍ) أَيْ: صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ فَيَسْقُطَ. وَضَابِطُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ الْمُمَيِّزَ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا يَفْعَلُهُ، وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا فَعَلَهُ بِهِ وَلِيُّهُ كَطَوَافٍ وَسَعْيٍ، وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ. فَإِنْ قَبِلَ النِّيَابَةَ كَالرَّمْيِ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ، وَإِلَّا سَقَطَ كَالتَّلْبِيَةِ وَالرُّكُوعِ.
(وَأَحْضَرَهُمْ) أَيْ الْوَلِيُّ الرَّضِيعَ وَالْمُطْبَقَ وَالْمُمَيِّزَ (الْمَوَاقِفَ) جَمْعُ مَوْقِفٍ أَيْ: مَحَلَّ الْوُقُوفِ وَهِيَ عَرَفَةُ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَمِنًى عَقِبَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ وُجُوبًا فِي عَرَفَةَ وَنَدْبًا فِي الْبَاقِي (وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ) الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ صَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فِي السَّفَرِ لِحَمْلِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَلُبْسِهِ كَائِنَةً (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْجُورِ فِي مَالِهِ (إنْ خِيفَ) عَلَيْهِ (ضَيْعَةٌ) أَيْ: هَلَاكٌ أَوْ شِدَّةُ ضَرَرٍ بِتَرْكِهِ فِي الْبَلَدِ، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَافِلٌ سِوَى مَنْ سَافَرَ بِهِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ حِينَئِذٍ مِنْ مَصَالِحِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ ضَيْعَةً بِتَرْكِهِ فِي الْبَلَدِ لِوُجُودِ كَافِلٍ سِوَى مَنْ سَافَرَ بِهِ (فَوَلِيُّهُ) أَيْ: الْمَحْجُورِ الَّذِي سَافَرَ بِهِ، هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَيًّا كَانَ أَوْ وَصِيَّهُ أَوْ حَاكِمًا أَوْ مُقَدِّمَهُ أَوْ حَاضِنًا مِنْ أُمٍّ أَوْ جَدٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا.
وَشَبَّهَ فِي الْوُجُوبِ عَلَى الْوَلِيِّ فَقَالَ (كَجَزَاءِ صَيْدٍ) قَتَلَهُ الْمَحْجُورُ مُحْرِمًا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَهُوَ عَلَى الْوَلِيِّ مُطْلَقًا فَالتَّشْبِيهُ لَيْسَ تَامًّا، وَأَمَّا جَزَاءُ مَا قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ لَا فَفِيهِ تَفْصِيلُ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ (وَ) كَ (فِدْيَةٍ) تَسَبَّبَتْ عَنْ تَطَيُّبِ الْمَحْجُورِ أَوْ لُبْسِهِ أَوْ
بِلَا ضَرُورَةٍ.
وَشَرْطُ وُجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ وَقْتَ إحْرَامِهِ
ــ
[منح الجليل]
نَحْوِهِمَا فَيَغْرَمُهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ مُطْلَقًا خَافَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ ضَيْعَةً أَوْ لَا عَلَى الْأَشْهَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلتُّونُسِيِّ عَنْ ثَالِثِ حَجِّهَا. وَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ الْأَشْهَرُ وَبِهِ قَرَّرَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَقْفَهْسِيِّ وَالْبِسَاطِيِّ، وَجَعَلَ الشَّارِحُ فِي كَبِيرِهِ وَوَسَطِهِ التَّشْبِيهَ تَامًّا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ قَائِلًا؛ لِأَنَّ مَا يُتَخَوَّفُ أَنْ يَطْرَأَ فِي إحْجَاجِهِ إيَّاهُ مِنْ الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ وَإِحْجَاجُهُ طَاعَةٌ وَأَجْرٌ لِمَنْ أَحَجَّهُ لَا يُتْرَكُ لِأَمْرٍ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ.
وَتَأَوَّلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَحَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْحَطّ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ (بِلَا ضَرُورَةٍ) ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا عَلَى الْوَلِيِّ لِضَرُورَةٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُ تت إنْ كَانَتْ لِضَرُورَةٍ فَفِي مَالِ الصَّبِيِّ عَلَى الْمَشْهُورِ تَبِعَ فِيهِ الشَّارِحَ وَالْبِسَاطِيَّ، وَنَسَبَهُ الشَّارِحُ لِلْجَوَاهِرِ وَرَدَّهُ الْحَطّ بِأَنَّ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّهُ لِضَرُورَةٍ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا قَالَ مَا نَصُّهُ وَلَوْ طَيَّبَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْوَلِيِّ إلَّا إذَا قَصَدَ الْمُدَاوَاةَ فَيَكُونُ كَاسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ اهـ. فَلَمْ يَجْعَلْهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ كَاسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْأَشْهَرَ فِي اسْتِعْمَالِهِ كَوْنُهُ عَلَى الْوَلِيِّ فَكَذَلِكَ إذَا طَيَّبَهُ الْوَلِيُّ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ.
(وَشَرْطُ وُجُوبِهِ) أَيْ: الْحَجِّ (كَوُقُوعِهِ) أَيْ: الْحَجِّ (فَرْضًا حُرِّيَّةٌ) أَيْ: كَوْنُ الْحَاجِّ حُرًّا فَلَا يَجِبُ وَلَا يَقَعُ فَرْضًا مِنْ رَقِيقٍ وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ كَمُكَاتَبٍ (وَتَكْلِيفٌ) أَيْ: كَوْنُهُ مُكَلَّفًا أَيْ: مُلْزَمًا بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ لِكَوْنِهِ بَالِغًا عَاقِلًا فَلَا يَجِبُ وَلَا يَقَعُ فَرْضًا مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مِنْ مَجْنُونٍ، وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهِ دُونَ وُقُوعِهِ فَرْضًا الِاسْتِطَاعَةُ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُسْتَطِيعٍ، وَإِنْ تَكَلَّفَهُ وَقَعَ فَرْضًا وَتَنَازَعَ حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ (وَقْتَ إحْرَامِهِ) أَيْ الْحَجِّ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا مُكَلَّفًا وَقْتَ إحْرَامِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا
بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ، وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ: بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ، وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ؛ إلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ مَا
ــ
[منح الجليل]
يَقَعُ مِنْهُ فَرْضًا وَلَوْ صَارَ حُرًّا مُكَلَّفًا فِي أَثْنَاءِ حَجِّهِ فَلَا يَنْقَلِبُ فَرْضًا وَلَا يَرْتَفِضُ وَلَا يَرْتَدِفُ عَلَيْهِ إحْرَامٌ آخَرُ فَيُتِمُّهُ نَفْلًا وُجُوبًا، وَيَحُجُّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ.
وَقَوْلُهُ (بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ) شَرْطٌ فِي وُقُوعِهِ فَرْضًا فَقَطْ وَمَنْطُوقُهُ صَادِقٌ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ وَالْإِطْلَاقِ، وَيَنْصَرِفُ لِلْفَرْضِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ النَّفَلَ فَلَا يَقَعُ فَرْضًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فَيَنْعَقِدُ نَفْلًا وَعَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَحَجُّ الْفَرْضِ فِي عَامٍ آخَرَ.
(وَوَجَبَ) الْحَجُّ (بِاسْتِطَاعَةٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَى حُرٍّ مُكَلَّفٍ غَيْرِ مُسْتَطِيعٍ، وَلَكِنْ إنْ تَكَلَّفَهُ وَهُوَ صَرُورَةٌ وَقَعَ فَرْضًا فَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي وُقُوعِهِ فَرْضًا فَلِذَا لَمْ يَقُلْ وَاسْتِطَاعَةٌ لِإِيهَامِهِ شَرْطِيَّتَهَا فِيهِ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَصُوَرُ الِاسْتِطَاعَةِ بِقَوْلِهِ (بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ) لِأَمَاكِنِ الْمَنَاسِكِ مِنْ مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ إمْكَانًا عَادِيًا لَا خَارِقًا لِلْعَادَةِ كَخُطْوَةٍ وَطَيَرَانٍ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا وَقَعَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ إنْ وَقَعَ أَجْزَأَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَتَكَلُّفِ غَيْرِ مُسْتَطِيعِهِ.
(بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ) أَيْ: خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، فَلَيْسَ الشَّيْخُ كَالشَّابِّ، وَلَا الْمَرِيضُ كَالصَّحِيحِ وَلَا الْفَقِيرُ كَالْغَنِيِّ، وَلَا الْحَضَرِيُّ كَالْبَدْوِيِّ، فَفِي الْحَطّ التَّشْنِيعُ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ السُّقُوطَ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ (وَ) بِ (أَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ) مِنْ هَلَاكٍ وَشَدِيدِ أَذًى وَقَتْلٍ وَأَسْرٍ وَسِبَاعٍ (وَمَالٍ) مِنْ مُحَارِبٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَغَاصِبٍ، وَأَخْذِ ظَالِمٍ يَنْكُثُ أَوْ كَثِيرًا، لَا مِنْ سَارِقٍ يَنْدَفِعُ بِالْحِرَاسَةِ وَهَذَا مِنْ عَطْفِ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ وَأَمْنٍ عَلَى مَالٍ فَقَالَ (إلَّا لِأَخْذِ) شَخْصٍ (ظَالِمٍ مَا) أَيْ مَالًا
قَلَّ لَا يَنْكُثُ عَلَى الْأَظْهَرِ،
ــ
[منح الجليل]
قَلَّ) بِالنِّسْبَةِ لِمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُجْحِفُ بِهِ وَلَوْ كَثُرَ فِي نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ قَلَّ فِي نَفْسِهِ وَأَنَّ أَخْذَ الْكَثِيرِ مُسْقِطٌ وَلَوْ لَمْ يُجْحِفْ كَمَا لِلَّخْمِيِّ. ابْنِ عَرَفَةَ وَيَسْقُطُ بِطَلَبِ نَفْسٍ أَوْ بِمُجْحِفٍ أَوْ بِمَا لَا حَدَّ لَهُ وَبِمَا لَا يُجْحِفُ قَوْلَا الْمُتَأَخِّرِينَ. اللَّخْمِيُّ لَا يَسْقُطُ بِغُرْمِ الْيَسِيرِ قَالَ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي وَلَا بِكَثِيرٍ لَا يُجْحِفُ (لَا يَنْكُثُ) أَيْ لَا يَعُودُ الظَّالِمُ لِلْأَخْذِ وَعَلِمَ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ كَعِشَارٍ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْكُثُ أَوْ جَهِلَ سَقَطَ وُجُوبُ الْحَجِّ. بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ زَرُّوقٌ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ قَالَهُ الْحَطّ وَنَحْوِهِ لِلشَّيْخِ سَالِمٍ.
وَمَا فِي عج مِنْ أَنَّ جَهْلَ الْحَالِ كَعِلْمِ عَدَمِ نَكْثِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ نَقْلِيٍّ غَيْرِ ظَاهِرٍ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ يَنْكُثُ أَوْ لَا؟ فَيَسْقُطُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ لَا كَذَا الْبَعْضُ. الْحَطّ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْكُثُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا كَانَ يَأْخُذُ مَا قَلَّ وَلَا يَنْكُثُ فَلَا يَسْقُطُ وُجُوبُ الْحَجِّ (عَلَى الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ وَلَيْسَ لِابْنِ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اسْتِظْهَارٌ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَالْمَوَّاقُ وَالْحَطّ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبُرْزُلِيُّ مَا يَشْهَدُ لِلْمُصَنِّفِ وَذَكَرَهُ حُلُولُو بِوَجْهٍ أَتَمَّ مِنْهُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ ظَالِمٍ مِنْ أَخْذِ الدَّالِّ عَلَى الطَّرِيقِ أُجْرَةً مِنْ الْمُسَافِرِينَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَفْصِيلُ الظَّالِمِ وَتُوَزَّعُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمُسَافِرِينَ لَا عَلَى حَسَبِ أَمْتِعَتِهِمْ؛ إذْ مَنْ مَعَهُ دَوَابُّ كَالْمُجَرَّدِ مِنْهَا فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ وَالظَّاهِرُ عَدَدُ رُءُوسِ التَّابِعِينَ وَالْمَتْبُوعِينَ وَإِنْ جَرَى عُرْفٌ بِشَيْءٍ عَمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ، وَاحْتُرِزَ أَيْضًا عَمَّا يَأْخُذُهُ الْجُنْدُ وَنَحْوُهُمْ عَلَى حِفْظِ الْمَارَّةِ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ أَوْ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَيَلْزَمُ الْحَجُّ حِينَئِذٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ لَا يُجْحِفَ وَإِلَّا سَقَطَ الْحَجُّ، وَإِنْ يَمْشُوا هُمْ أَوْ خَدَمُهُمْ مَعَ الْمَارَّةِ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِمْ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَخْذٌ عَلَى الْجَاهِ وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ الْحَجُّ بِذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مُرَتَّبٌ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمْ فِي مُقَابَلَةِ حِفْظِ الْمَارِّينَ وَإِلَّا كَانُوا كَالظَّالِمِ، وَإِنْ أَخَذُوا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فَيُوَزِّعُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَقَدْرِ الْأَمْتِعَةِ وَالدَّوَابِّ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ الِانْتِفَاعَ بِالْحِفْظِ مِنْ سَارِقٍ وَنَحْوِهِ وَالدَّالِ عَلَى الطَّرِيقِ
وَلَوْ بِلَا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ لِذِي صَنْعَةٍ تَقُومُ بِهِ، وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ: كَأَعْمَى بِقَائِدٍ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا، وَإِنْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِنَا،
ــ
[منح الجليل]
يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسَافِرُونَ فَقَطْ، فَلِذَا كَانَتْ أُجْرَتُهُ عَلَى عَدَدِهِمْ دُونَ أَمْتِعَتِهِمْ إنْ كَانَ لِمَنْ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ بَلْ:
(وَلَوْ بِلَا زَادٍ) يَأْكُلُهُ فِي سَفَرٍ (وَرَاحِلَةٍ) يَرْكَبُهَا فِيهِ (لِذِي) أَيْ: صَاحِبِ (صَنْعَةٍ) كَحِلَاقَةٍ وَخِيَاطَةٍ وَنِجَارَةٍ (تَقُومُ) الصَّنْعَةُ (بِهِ) أَيْ: الْمُسَافِرِ فِي سَفَرِهِ، أَيْ: تَكْفِيهِ فِيهِ لِزَادِهِ وَلَا تَزْرِي بِهِ وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ كَسَادِهَا (وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ) هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَهُوَ نَشْرٌ مُرَتَّبٌ لِلَفِّ السَّابِقِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُعِدْ الْمَشْيَ وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي وَالْبَاجِيِّ اعْتِيَادَهُ.
وَشَبَّهَ فِي الْوُجُوبِ فَقَالَ (كَ) شَخْصٍ (أَعْمَى) قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ (بِقَائِدٍ) وَلَوْ بِأُجْرَةٍ لَا تُجْحِفُ بِهِ بِمِلْكِهَا وَلَهُ مَالٌ يُوَصِّلُهُ لَهُ اللَّخْمِيُّ أَوْ يَتَكَفَّفُ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْأَشَلَّ وَالْأَعْرَجَ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَالْأَقْطَعَ وَالْأَصَمَّ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوُصُولُ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا انْفِرَادًا أَوْ اجْتِمَاعًا (اُعْتُبِرَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ فِي السُّقُوطِ (الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا) أَيْ: الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَأَيُّهُمَا عَجَزَ عَنْهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَأَحْرَى عَجْزُهُ مِنْهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِرُكُوبِ الْقَتَبِ وَالزَّامِلَةِ اشْتِرَاطٌ فِي حَقِّهِ وُجُودَ الْمَحْمَلِ، فَإِنْ كَانَتْ تَلْحَقُهُ بِرُكُوبِهِ أَيْضًا اُعْتُبِرَ وُجُودُهَا أَرْقَى مِنْهُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ. وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ اشْتِرَاطَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ابْنُ عَرَفَةَ وَلِذَا لَمْ يَحُجَّ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا لِتَعَذُّرِ الْمَاءِ غَالِبًا فِي بَعْضِ الْمَنَاهِلِ وَحِكَايَةُ الشَّامِلِ قَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ بِقِيلَ تَقْتَضِي ضَعْفَهُ، وَكَلَامُ جَمْعٍ يَقْتَضِي اعْتِمَادَهُ وَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وُجُودُهُ فِي الْمَنَاهِلِ الْمُعْتَادِ وُجُودُهُ فِيهَا غَالِبًا لَا فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ وَيَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ الَّذِي يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ، بِإِنْفَاقِ مَالٍ غَيْرِ ثَمَنِ وَلَدِ زِنَا بَلْ (وَإِنْ) كَانَ إمْكَانُ الْوُصُولِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ (بِ) إنْفَاقِ (ثَمَنِ) رَقِيقِ (وَلَدٍ) لِأَمَتِهِ حَمَلَتْ بِهِ مِنْ (زِنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا شَبَهَ فِيهِ وَإِثْمُ الزِّنَا عَلَى فَاعِلَيْهِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ
أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ، أَوْ بِافْتِقَارِهِ، أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ، لِلصَّدَقَةِ؛ إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا، لَا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ
ــ
[منح الجليل]
لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ كَوْنَهُ نَاشِئًا عَنْ الزِّنَا مَانِعٌ مِنْ الْحَجِّ بِثَمَنِهِ وَلِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ مَنْ يَمْلِكُ غَيْرَهُ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ، لَوْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ خُشُونَةَ هَذَا اللَّفْظِ فِي مِثْلِ الْحَجِّ لَكَانَ أَحْسَنَ.
(أَوْ) بِإِنْفَاقِ ثَمَنِ (مَا) أَيِّ شَيْءٍ (يُبَاعُ عَلَى الْمُفَلَّسِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ مُثَقَّلَةً أَيْ: الْمَدِينُ الَّذِي حُكِمَ بِخَلْعِ مَالِهِ وَقِسْمَتِهِ عَلَى غُرَمَائِهِ بِحَسَبِ دُيُونِهِمْ لِتَوْفِيَةِ بَعْضِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ (أَوْ بِ) إنْفَاقِ مَا يُؤَدِّي إلَى (افْتِقَارِهِ) أَيْ: صَيْرُورَتِهِ فَقِيرًا (أَوْ) إلَى (تَرْكِ وَلَدِهِ) الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ وَالِدُهُ كَذَلِكَ (لِلصَّدَقَةِ) عَلَيْهِ مِنْ النَّاسِ بِنَاءً عَلَى فَوْرِيَّةِ الْحَجِّ.
(إنْ لَمْ يَخْشَ) مُرِيدُ الْحَجِّ بِالْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ صَيْرُورَتَهُ فَقِيرًا أَوْ تَرْكَ مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ لِلصَّدَقَةِ (هَلَاكًا) لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ وَلَا أَذًى شَدِيدًا. تت وَأَحْمَدُ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ مَعَهُ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ يَحُجَّ بِهِ وَيَتْرُكُهَا بِلَا نَفَقَةٍ فَتُطَلِّقُ نَفْسَهَا لِعَدَمِ النَّفَقَةِ إنْ شَاءَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَيْ: إلَّا أَنْ يَخْشَى الزِّنَا وَلَوْ بِغَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ مَضَرَّةُ طَلَاقِهَا تَزِيدُ عَلَى مَضَرَّةِ تَرْكِ الْحَجِّ تت وَفُهِمَ مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ الْعَزَبَ الَّذِي مَعَهُ مَالٌ يَحُجُّ أَوْ يَتَزَوَّجُ بِهِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ بِهِ مَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ. ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ تَزَوَّجَ أَثِمَ وَلَا يَفْسَخُ وَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى فَوْرِيَّتِهِ (لَا) يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَهُ (بِدَيْنٍ) وَلَوْ مِنْ وَلَدِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوَفِّيهِ بِهِ، وَحَجُّهُ حِينَئِذٍ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِبُعْدِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْحَجُّ عَلَيْهِ بِهِ.
(أَوْ) أَيْ وَلَا يَجِبُ بِقَبُولِ (عَطِيَّةٍ) أَيْ: هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ بِغَيْرِ سُؤَالٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ أَيْ إنْ أَعْطَى لِلْحَجِّ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ فَلَا يُعْطِي فَإِنْ أَعْطَى مُطْلَقًا وَقَبِلَ وَجَبَ حَجُّهُ بِهَا فَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا أَوْ أُعْطِيهَا لِلْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مُعْطِيهُ وَلَدَهُ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ. تت وَالْحَطَّابُ عَنْ سَنَدٍ زَادَ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْقُرْطُبِيِّ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ هِبَةِ ابْنِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ حُرْمَةُ أُبُوَّتِهِ. وَيَلْزَمُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّ ابْنَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ سَنَدٌ
أَوْ سُوَالٍ مُطْلَقًا، وَاعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ، إنْ خَشِيَ ضَيَاعًا، وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ،
ــ
[منح الجليل]
أَظْهَرُ وَلِابْنِ رُشْدٍ مَا يُوَافِقُهُ اهـ. كَلَامُ الْحَطَّابِ وَأَمَّا وَالِدُهُ فَلَا اهـ.
عب الْبُنَانِيُّ الصَّوَابُ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ أَنْ يُقَالَ إذَا أَعْطَى مَالًا عَلَى جِهَةِ الْهِبَةِ أَوْ لِصَدَقَةٍ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وَالْحَجُّ بِهِ لِسُقُوطِ الْحَجِّ عَنْهُ اهـ، فَالْمَدَارُ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ قَبِلَهَا لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ (وَ) أَيْ: وَلَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَهُ بِ (سُؤَالٍ) مِنْ النَّاسِ فِي السَّفَرِ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ اعْتِيَادِهِ فِي الْحَضَرِ وَعَدَمِ الْإِعْطَاءِ فِي السَّفَرِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ اعْتَادَهُ فِي الْحَضَرِ وَعَلِمَ إعْطَاءَهُ فِي السَّفَرِ مَا يَكْفِيهِ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَب وُجُوبُهُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَيْثُ كَانَتْ لَهُ رَاحِلَةٌ أَوْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ، وَقُدْرَةُ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ عَلَى سُؤَالٍ كِفَايَتُهُ بِالسَّفَرِ اسْتِطَاعَةً.
وَأَمَّا غَيْرُ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ وَغَيْرُ قَادِرٍ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ بِالسَّفَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَفِي إبَاحَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ. الْبُنَانِيُّ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِلَفْظِ غَيْرِ قَادِرٍ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظِ غَيْرِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَا يَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ قَادِرٌ عَلَى سُؤَالٍ كِفَايَتُهُ بِالسَّفَرِ. ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا وَفِي إبَاحَتِهِ لَهُ وَكَرَاهَتُهُ رِوَايَتَا ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ.
(وَاعْتُبِرَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ فِي الِاسْتِطَاعَةِ زِيَادَةً عَلَى مَا يُوَصِّلُهُ لِمَكَّةَ (مَا) أَيْ: مَالٌ (يُرَدُّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَيْ: يُرْجَعُ (بِهِ) إلَى أَقْرَبِ مَكَان يُمْكِنُهُ التَّمَعُّشُ فِيهِ بِمَا لَا يَزْرِي بِهِ مِنْ الْحِرَفِ (إنْ خَشِيَ ضَيَاعًا) بِبَقَائِهِ بِمَكَّةَ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّمَعُّشُ بِهَا بِمَا لَا يَزْرِي بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَا يُوَصِّلُهُ إلَيْهَا.
(وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ) فِي وُجُوبِ السَّفَرِ فِيهِ لِمَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ كَأَهْلِ الْجُزُرِ وَجَوَازُهُ لِمَنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ) أَيْ: يَفُوقَ وَيَزِيدَ (عَطَبُهُ) أَيْ: الْبَحْرِ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهُ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا كَغَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِ التَّلْقِينِ: وَالْبَحْرُ
أَوْ يُضَيِّعُ رُكْنَ صَلَاةٍ لِكَمَيْدٍ.
وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ وَسُنَّةِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ، وَرُكُوبِ بَحْرٍ، إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِمَكَانٍ،
ــ
[منح الجليل]
كَالْبَرِّ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالْبَحْرُ الْآمِنُ مَعَ أَدَاءِ فَرْضِ الصَّلَاةِ كَالْبَرِّ وَإِلَّا سَقَطَ اهـ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ كَرَاهَتُهُ لِغَيْرِ أَهْلِ الْجُزُرِ.
(أَوْ) إلَّا أَنْ (يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ) كَسُجُودٍ وَقِيَامٍ (لِكَمَيْدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ دَوْخَةٍ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الزَّحْمَةَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا السُّجُودَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ آخَرَ؛ وَمِثْلُ الْإِخْلَالِ بِرُكْنِهَا الْإِخْلَالُ بِشَرْطِهَا كَنَجَاسَةٍ وَاسْتِبْرَاءٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَقِبْلَةٍ أَوْ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، وَفِيهِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَا يَرْكَبُهُ أَيَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي؟ وَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِهِ مَعَ الصَّلَاةِ جَالِسًا وَالسُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ مُسْقِطًا أَوَّلًا سَمَاعَ أَشْهَبَ وَتَخْرِيجَ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ بِصِحَّةِ جُمُعَةِ مَنْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَإِبَاحَةِ سَفَرِ تَجْرٍ يَنْقُلُ لِلتَّيَمُّمِ اهـ.
وَيَقْضِي الْعَالِمُ بِالْمَيْدِ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي غَيْبَةِ عَقْلِهِ كَالسَّكْرَانِ بِجَامِعِ إدْخَالِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَقْضِيهِ غَيْرُهُ لِعُذْرِهِ. ابْنُ الْمُعَلِّي وَاللَّخْمِيُّ إنْ عَلِمَ حُصُولَ الْمَيْدِ حَرُمَ عَلَيْهِ رُكُوبُهُ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَهُ جَازَ، وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ، وَيُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ.
(وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ) فِي وُجُوبِ الْحَجِّ وَسُنَّةِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَشُرُوطُهُ: الصِّحَّةُ وَالْوُقُوعُ فَرْضًا وَكَوْنُهُ فَوْرًا أَوْ مُتَرَاخِيًا وَغَيْرُهَا (إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ) فَيُكْرَهُ لَهَا وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ مُتَجَالَّةً وَالظَّاهِرُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النِّسَاءِ فَنِسَاءُ الْحَاضِرَةِ لَسْنَ كَنِسَاءِ الْبَادِيَةِ وَلَا يُكْرَهُ الْقَرِيبُ كَمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا مِمَّا لَيْسَ عَلَى مَسَافَةِ قَصْرِ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ مَشْيِهَا مِنْ بُعْدٍ كَالرَّجُلِ أَوْ عَوْرَةٍ. ثَالِثًا إنْ كَانَتْ غَيْرَ جَسِيمَةٍ أَوْ رَائِعَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَرَدَّ ابْنُ مُحْرِزٍ الْأَوَّلَيْنِ لِلثَّالِثِ.
(وَ) إلَّا فِي (رُكُوبِ بَحْرٍ) فَيُكْرَهُ لَهَا (إلَّا أَنْ تُخَصَّ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ أَيْ: الْمَرْأَةِ عَنْ الرِّجَالِ (بِمَكَانٍ) مِنْ السَّفِينَةِ أَوْ تَتَّسِعَ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِطُ بِالرِّجَالِ عِنْدَ نَوْمِهَا وَقَضَاءِ حَاجَتِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ الْمَرْأَةِ فِيهِ أَيْ الْبَحْرِ كَالرَّجُلِ وَسُقُوطُهُ عَنْهَا بِهِ قَوْلَا اللَّخْمِيِّ وَسَمَاعُ
وَزِيَادَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لَهَا.
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَتِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ. ابْنُ رُشْدٍ قِيلَ يَسْقُطُ بِهِ عَنْ الرَّجُلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَ) إلَّا فِي (زِيَادَةِ مَحْرَمٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ.
(أَوْ زَوْجٍ لَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ» ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» ، وَرُوِيَ نِصْفُ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَلَيْلَةٍ وَبَرِيدًا. وَرُوِيَ «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» فَرَدُّوا رِوَايَاتِ التَّحْدِيدِ إلَى رِوَايَةِ الْإِطْلَاقِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِقَيْدٍ وَاحِدٍ لَا بِأَزْيَدَ مِنْ قَيْدٍ فَتَسْقُطُ الْقُيُودُ لِتَعَارُضِهَا وَيُعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ.
وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ رِوَايَاتِ التَّحْدِيدِ إنَّمَا وَرَدَتْ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَسْئِلَةِ السَّائِلِينَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ «سُئِلَ صلى الله عليه وسلم هَلْ تُسَافِرُ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؟ فَقَالَ: لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ» . وَكَذَا بَاقِي رِوَايَاتِ التَّقْيِيدِ فَلَا مَفْهُومَ لَهَا، وَالْمُرَادُ مَا يُسَمَّى سَفَرٌ لُغَةً لِحُرْمَةِ اخْتِلَائِهَا بِأَجْنَبِيٍّ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ زِيَادَةَ الْمَحْرَمِ أَوْ الزَّوْجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ اعْتِبَارُهُ فِي اسْتِطَاعَةِ الرَّجُلِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ زِيَادَتَهُ عَنْ وَاحِدٍ وَتَعَدُّدَهُ. الْحَطَّابُ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ بَلْ تَمْيِيزُهُ وَكِفَايَتُهُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَشَمِلَ الْمَحْرَمُ رَبِيبُهَا.
وَكَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَفَرَهَا مَعَهُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَلِخَوْفِ ضَيْعَتِهَا مَعَهُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَدَاوَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ لَا تَخْرُجُ مَعَ خَتْنِهَا دُونَ جَمَاعَةِ النَّاسِ. ابْنُ رُشْدٍ كَسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرَاهَةَ سَفَرِهَا مَعَ رَبِيبِهَا أَوْ حَمْوِهَا لِحَدَاثَةِ حُرْمَتِهِمَا. الْبَاجِيَّ كَرَاهَتُهُ مَعَ رَبِيبِهَا لِعَدَاوَتِهَا الرَّبِيبَ وَقِلَّةِ شَفَقَتِهِ وَسَائِرِ مَحَارِمِ الصِّهْرِ وَالرَّضَاعِ، وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ كَالْمَرْأَةِ، وَإِنْ امْتَنَعَ الزَّوْجُ أَوْ الْمَحْرَمُ مِنْ السَّفَرِ مَعَهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ لَزِمَتْهَا إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا وَحَرُمَ عَلَيْهَا السَّفَرُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ حِينَئِذٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ بِكُلِّ وَجْهٍ أَوْ طَلَبِ أُجْرَةٍ زَائِدَةٍ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهَا خَرَجَتْ مَعَ الرُّفْقَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَفَرِهَا مَعَ عَبْدِهَا فَرَجَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ سَفَرَهَا مَعَهُ مُطْلَقًا وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ الْفُرَاتِ مَنْعَهُ مُطْلَقًا، وَعَزَا ابْنُ الْقَطَّانِ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَصَّارِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى سَفَرَهَا مَعَ الْوَفْدِ فَقَطْ.
كَرُفْقَةٍ أَمِنَتْ بِفَرْضٍ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ، أَوْ بِالْمَجْمُوعِ: تَرَدُّدٌ.
وَصَحَّ بِالْحَرَامِ وَعَصَى.
ــ
[منح الجليل]
وَشَبَّهَ فِي الْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تُخَصَّ بِمَكَانٍ أَيْ: فَيَجِبُ عَلَيْهَا فَقَالَ (كَ) سَفَرِهَا مَعَ (رُفْقَةٍ أُمِنَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزِ أَيْ مَأْمُونَةٍ (بِ) سَفَرٍ (فَرْضٍ) لِحَجَّةِ إسْلَامٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ انْتِقَالٍ مِنْ أَرْضِ كُفْرٍ أَسْلَمَتْ بِهَا لِأَرْضِ إسْلَامٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَحْرَمٌ أَوْ امْتَنَعَا مِنْ السَّفَرِ مَعَهَا، أَوْ عَجْزًا هَذَا مُفَادُ النَّقْلِ لَا مَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْ مُسَاوَاةِ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مَأْمُونَةً فِي نَفْسِهَا.
(وَفِي الِاكْتِفَاءِ) فِي الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ (بِنِسَاءٍ) فَقَطْ (أَوْ رِجَالٍ) فَقَطْ فَالْمَجْمُوعُ أَحْرَى (أَوْ) الْعِبْرَةُ (بِالْمَجْمُوعِ) مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَكْفِي (تَرَدُّدٌ) حَقُّهُ تَأْوِيلَانِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ قِيلَ الْمُرَادُ بِمَجْمُوعِهِمَا، وَقِيلَ أَرَادَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَكْثَرُ مَا نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا اشْتِرَاطُ النِّسَاءِ قَالَهُ عِيَاضٌ، وَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا تَأْوِيلَاتٌ ثَلَاثَةٌ وَلَوْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ مُوَافَقَتَهُ لَقَالَ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ النِّسَاءِ تَأْوِيلَاتُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمَعْرُوفُ شَرْطُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِصُحْبَةِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ. الْمُوَطَّإِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ كَالْمَحْرَمِ اللَّخْمِيِّ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ دُونَهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رضي الله عنه تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ لَا بَأْسَ بِهِمْ.
وَرَوَى ابْنُ رُشْدٍ جَمَاعَةُ النَّاسِ كَالْمَحْرَمِ وَفِيهَا مَنْ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ تَخْرُجُ مَعَ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ. الْبَاجِيَّ لَا يُعْتَبَرُ فِي كَبِيرِ الْقَوَافِلِ وَعَامِرِ الطَّرِيقِ الْمَأْمُونَةِ الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِلْفَرْضِ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا وَلَا بُدَّ فِي التَّطَوُّعِ مِنْ إذْنِهِ وَالْمَحْرَمُ.
(وَصَحَّ) الْحَجُّ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا (بِ) إنْفَاقِ الْمَالِ (الْحَرَامِ) فَيَسْقُطُ بِهِ طَلَبُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ (وَعَصَى) أَيْ: أَثِمَ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ الْحَرَامِ الْحَطَّابُ وَلَا ثَوَابَ فِيهِ وَغَيْرُ مَقْبُولٍ. الْمِسْنَاوِيُّ هَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ السَّيِّئَةَ لَا تُحْبِطُ ثَوَابَ الْحَسَنَةِ فَيُثَابُ عَلَى حَجِّهِ وَيَأْثَمُ بِإِنْفَاقِهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَنْ قَاتَلَ الْكُفَّارَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ فَلَهُ أَجْرُ الْجِهَادِ وَعَلَيْهِ إثْمُ غَصْبِ الْفَرَسِ.
وَفُضِّلَ حَجٌّ عَلَى غَزْوٍ، إلَّا لِخَوْفٍ.
وَرُكُوبٌ،
ــ
[منح الجليل]
(وَفُضِّلَ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مُشَدَّدَةً (حَجٌّ) وَلَوْ نَفْلًا (عَلَى غَزْوٍ) نَفْلٍ أَوْ فَرْضِ كِفَايَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (إلَّا لِخَوْفٍ) مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيُفَضَّلُ الْغَزْوُ عَلَى الْحَجِّ النَّفْلِ أَوْ الْفَرْضِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ فَإِنْ كَثُرَ الْخَوْفُ أَوْ اشْتَدَّ أَوْ فَجَأَ الْعَدُوُّ أَوْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ قُدِّمَ الْغَزْوُ عَلَى الْحَجِّ وَلَوْ عَلَى فَوْرِيَّتِهِ أَوْ مَعَ خَوْفِ فَوَاتِهِ وَعَلَى صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ فِي غَيْرِ مَجَاعَةٍ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ إنْ سَاوَتْهُ قَدْرًا وَإِلَّا فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، أَفَادَ عب. الْبُنَانِيُّ يَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ صُوَرٍ: حَجُّ التَّطَوُّعِ مَعَ الْغَزْوِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَحَجُّ الْفَرْضِ مَعَ الْغَزْوِ كَذَلِكَ وَحَجُّ التَّطَوُّعِ مَعَ الْغَزْوِ فِي سَنَةِ خَوْفٍ، وَحَجُّ الْفَرْضِ مَعَ الْغَزْوِ كَذَلِكَ، فَفِي الْأُولَى يُقَدَّمُ الْحَجُّ نَدْبًا عَلَى الْغَزْوِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُقَدَّمُ الْحَجُّ نَدْبًا عَلَى التَّرَاخِي وَوُجُوبًا عَلَى الْفَوْرِ، وَفِي الثَّالِثَةِ يُقَدَّمُ الْغَزْوُ نَدْبًا، وَفِي الرَّابِعَةِ عَلَى التَّرَاخِي يُقَدَّمُ الْغَزْوُ وَعَلَى الْفَوْرِ يُنْظَرُ إلَى كَثْرَةِ الْخَوْفِ وَقِلَّتِهِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي الرَّابِعَةِ اسْتَظْهَرَهُ الْحَطّ قَائِلًا لَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَجِبْ الْغَزْوُ عَلَى الْأَعْيَانِ لِفَجْءِ الْعَدُوِّ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. .
(وَ) فُضِّلَ (رُكُوبٌ) عَلَى مَشْيٍ فِي سَفَرِ الْحَجِّ وَفِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ إلَى مِنًى، وَفِي التَّوَجُّهِ مِنْهَا إلَى عَرَفَةَ، وَفِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَفِي الرَّدِّ مِنْهَا إلَى مُزْدَلِفَةَ وَفِي الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَفِي الدَّفْعِ مِنْهُ إلَى مِنًى وَفِي رَمْيِ الْعَقَبَةِ حِينَ وُصُولِ مِنًى، وَفِي الذَّهَابِ لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَفِي الرُّجُوعِ إلَى مِنًى لِلْمَبِيتِ بِهَا وَفِي الذَّهَابِ مِنْهَا إلَى الْمُحَصَّبِ. وَأَمَّا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَالْمَشْيُ فِيهِمَا وَاجِبٌ وَرَمْيُ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ فَيُنْدَبُ فِيهِ الْمَشْيُ وَفُضِّلَ الرُّكُوبُ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم وَلِمُضَاعَفَةِ النَّفَقَةِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلشُّكْرِ وَأَعْوَنُ عَلَى الْمَنَاسِكِ لَا يُقَالُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «إنَّ لِلرَّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا رَاحِلَتُهُ سَبْعِينَ حَسَنَةً، وَلِلْمَاشِي بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ» .
وَحَدِيثُ «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَافِحُ الرَّاكِبَ وَتَعْتَنِقُ الْمَاشِيَ» يُفِيدَانِ أَفْضَلِيَّةَ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ
وَمُقَتَّبٌ.
وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ: كَصَدَقَةٍ، وَدُعَاءٍ،
ــ
[منح الجليل]
هَذِهِ مَزِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ (وَ) فَضْلُ الرُّكُوبِ (مُقَتَّبٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ مِنْ أَقَتَبَ أَوْ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا مِنْ قَتَبَ كَذَلِكَ أَيْ عَلَى رَحْلٍ صَغِيرٍ قَدْرَ السَّنَامِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «فَقَدْ حَجَّ عَلَى قَتَبٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، أَيْ: كِسَاءٌ مِنْ شَعْرٍ وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا لَا رِيَاءَ فِيهِ وَلَا سُمْعَةَ» .
(وَ) فُضِّلَ (تَطَوُّعُ) بِضَمِّ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً (وَلِيِّهِ) أَيْ: عَاصِبِ الْمَيِّتِ كَابْنِهِ وَأَبِيهِ وَكَذَا سَائِرُ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ (عَنْهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ وَكَذَا عَنْ الْحَيِّ (بِغَيْرِهِ) أَيْ: الْحَجِّ وَمَثَّلَ لِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ (كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ) وَهَدْيٍ وَعِتْقٍ لِقَبُولِ هَذِهِ النِّيَابَةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِهَا لِلْمَيِّتِ فَالْمُرَادُ غَيْرُ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ لَا مَا لَا يَقْبَلُهَا كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَيُكْرَهُ تَطَوُّعٌ عَنْهُ بِالْحَجِّ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَطَّابُ هُنَا الْخِلَافَ فِي جَوَازِ إهْدَاءِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَشَيْءٍ مِنْ الْقُرَبِ قَالَ، وَجُلُّهُمْ أَجَابَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا شَيْءٌ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ
وَإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ،.
ــ
[منح الجليل]
فَانْظُرْهُ. وَلَمَّا أَفْهَمَ قَوْلُهُ " وَتَطَوُّعِ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ " صِحَّةَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ وَكَانَتْ أَقْسَامُهُ أَرْبَعَةً: إجَارَةُ ضَمَانٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِذِمَّةِ الْأَجِيرِ، وَضَمَانٌ مُتَعَلِّقٌ بِعَيِّنَةٍ، وَبَلَاغٌ، وَجَعَالَةٌ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا. أَمَّا أَنْ تُعَيَّنَ السَّنَةُ أَمْ لَا شَرَعَ فِيهَا مُشِيرًا إلَى الضَّمَانِ بِقِسْمَيْهِ فَقَالَ:
(وَ) فُضِّلَتْ (إجَارَةُ ضَمَانٍ) عَلَى الْحَجِّ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ وَسَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الْأَجِيرِ نَحْوُ ذَلِكَ كَذَا دِينَارًا عَلَى أَنْ تَحُجَّ أَنْتَ عَنْ فُلَانٍ، أَوْ بِذِمَّتِهِ نَحْوُ ذَلِكَ كَذَا عَلَى الْحَجِّ عَنْ فُلَانٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِك، وَسَوَاءٌ عَيَّنَ لِعَامٍ فِيهِمَا أَوْ أَطْلَقَهُ (عَلَى بَلَاغٍ) وَسَيُعَرِّفُهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بِيَدٍ أَوْ عَوْدًا بِالْعُرْفِ، وَسَيَعْطِفُ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى بَلَاغٍ قَوْلَهُ الْآتِيَ وَعَلَى الْجَعَالَةِ أَيْ: الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطِ التَّتْمِيمِ، وَالْمُرَادُ بِأَفْضَلِيَّةِ الضَّمَانِ بِهِ بِقِسْمَيْهِ عَلَى الْبَلَاغِ أَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْمَالِ لِوُجُوبِ مُحَاسَبَةِ الْأَجِيرِ فِيهِ إنْ مَاتَ أَوْ صُدَّ قَبْلَ التَّمَامِ، وَعَلَى الْجَعَالَةِ أَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْحَجِّ لِلُزُومِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ فِي الْجَعَالَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا؛ إذْ لَا ثَوَابَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِكَرَاهَتِهَا كُلِّهَا.
وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ عَاشِرٍ الْأَفْضَلِيَّةَ بِأَنَّ الْمُوصِيَ إنْ عَيَّنَ شَيْئًا مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَجَبَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا مِنْهَا وَجَبَ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَتَعَيَّنَتْ فِي الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَفْضَلِيَّةِ مَحَلٌّ. الْبُنَانِيُّ مَحَلُّهَا عِنْدَ تَعْيِينِ الْمُوصِي نَفْسَهُ أَوْ جَعْلِهِ الْخِيَارَ لِلْوَصِيِّ أَوْ عِنْدَ اسْتِئْجَارِ حَيٍّ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَالنِّيَابَةُ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ بِذَاتِهِ إجَارَةٌ إنْ كَانَتْ عَلَى مُطْلَقِ عَمَلٍ، وَجُعْلٌ إنْ كَانَتْ عَلَى تَمَامِهِ وَبَلَاغٌ إنْ كَانَتْ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ وَمَا الْإِجَارَةُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْ فُلَانٍ لَهُ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ، وَالْبَلَاغُ خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ تَحُجُّ بِهَا عَنْهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْنَا مَا نَقَصَ عَنْ الْبَلَاغِ أَوْ يَحُجُّ بِهَا عَنْهُ وَالنَّاسُ يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَأْخُذُونَ إنْ أَخَذُوا عَلَى الْبَلَاغِ فَبَلَاغٌ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَنَّهُمْ ضَمِنُوا الْحَجَّ فَقَدْ ضَمِنُوهُ.
قُلْت يُرِيدُ بِالضَّمَانِ لُزُومَهُ الْحَجَّ بِذَلِكَ الْعِوَضِ دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَلَا رَدٍّ مِنْهُ. مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُنْفِقُ فِي الْبَلَاغِ مَا يُصْلِحُهُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ كَعْكٍ وَزَيْتٍ وَخَلٍّ وَلَحْمٍ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَشَبَهِ ذَلِكَ، وَالْوِطَاءُ وَاللِّحَافُ وَالثِّيَابُ، وَيَرِدُ فَضْلُ ذَلِكَ وَالثِّيَابُ وَإِنَّا لَنَكْرَهُهُ،
فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ.
وَتَعَيَّنَتْ فِي الْإِطْلَاقِ: كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ، وَلَهُ بِالْحِسَابِ
ــ
[منح الجليل]
وَهَذِهِ وَالْإِجَارَةُ فِي الْكَرَاهَةِ سَوَاءٌ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُؤَاجِرَ بِمُسَمًّى؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ كَانَ ضَامِنًا لِذَلِكَ. مُحَمَّدٌ يُرِيدُ ضَامِنًا لِلْمَالِ يُحَاسَبُ بِمَا صَارَ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَا بَقِيَ وَهَذَا أَحْوَطُ مِنْ الْبَلَاغِ، وَلَا يُؤَاجِرُ مِنْ مَالِهِ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجًّا مَضْمُونًا.
(فَ) الْإِجَارَةُ عَلَى الْحَجِّ بِمَالٍ مَعْلُومٍ (الْمَضْمُونَةُ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَةُ بِضَمَانِ الْأَجِيرِ (كَ) الْإِجَارَةِ الْمَضْمُونَةِ عَلَى (غَيْرِهِ) أَيْ: الْحَجِّ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ وَكَوْنِ فَضْلِ الْمَالِ الْمُسْتَأْجَرِ بِهِ عَنْ الْحَجِّ لِلْأَجِيرِ وَنَقْصُهُ عَنْهُ عَلَيْهِ وَالصِّفَةُ وَهُوَ الْعَقْدُ عَلَى الْحَجِّ بِمَالٍ مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ الْأَجِيرُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ وَفِي عَدَمِ جَوَازِ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمُعَيَّنٍ وَتَأَخَّرَ شُرُوعُهُ فِيهِ، وَجَوَازُ تَقْدِيمِهِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ قَالَهُ سَنَدٌ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ فِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذِّمَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ أَوْ الشُّرُوعِ إلَّا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ فَيَكْفِي تَعْجِيلُ الْيَسِيرِ، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوعِ أَوْ تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ.
(وَتَعَيَّنَتْ) إجَارَةُ الضَّمَانِ عَلَى الْوَصِيِّ (فِي) صُوَرٍ (الْإِطْلَاقِ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمُوصِي بِأَنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي وَسَكَتَ وَمَفْهُومُ فِي الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ إنْ قَيَّدَ بِشَيْءٍ تَعَيَّنَ وَلَوْ الْبَلَاغَ وَإِنْ قَيَّدَ بِالضَّمَانِ وَلَمْ يُعَيِّنْ هَلْ فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْعَيْنِ؟ فَالْأَحْوَطُ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ وَشَبَّهَ فِي التَّعَيُّنِ فَقَالَ (كَمِيقَاتِ) بَلَدِ (الْمَيِّتِ) الْمُوصِي فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ إحْرَامُهُ مِنْهُ فِي إطْلَاقِ الْمُوصِي وَعَدَمِ تَعْيِينِهِ مِيقَاتًا، وَسَوَاءٌ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِبَلَدِ الْمُوصِي أَوْ بِغَيْرِهَا هَذَا هُوَ الْمُرْتَضَيْ كَمَا فِي تت وَالْمَوَّاقِ وَالشَّيْخِ سَالِمٍ.
وَقَالَ الْحَطّ يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمَيِّتِ إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ وَإِلَّا فَيُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ، وَمَفْهُومُ الْمَيِّتِ أَنَّ مِيقَاتَ بَلَدِ الْمُسْتَأْجِرِ الْحَيِّ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يُنْدَبُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ قَالَهُ الْحَطَّابُ قَالَهُ عب. الْبُنَانِيُّ الَّذِي قَالَهُ الْحَطّ مِنْ اعْتِبَارِ بَلَدِ الْعَقْدِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ فَهُوَ أَقْوَى، وَمَا نَسَبَهُ لِلْحَطَّابِ آخِرًا لَيْسَ فِيهِ.
(وَلَهُ) أَيْ: أَجِيرِ الضَّمَانِ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ الْعَقْدُ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِهِ (بِالْحِسَابِ) بِاعْتِبَارِ
إنْ مَاتَ وَلَوْ بِمَكَّةَ، أَوْ صُدَّ وَالْبَقَاءُ لِقَابِلٍ،
ــ
[منح الجليل]
مَا سَارَ وَمَا بَقِيَ طُولًا وَقِصَرًا وَسُهُولَةً وَصُعُوبَةً وَأَمْنًا وَخَوْفًا (إنْ مَاتَ) أَجِيرُ الضَّمَانِ قَبْلَ الْإِتْمَامِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ لَا بِمُجَرَّدِ الطُّولِ وَالْقَصْرِ فَقَدْ يُسَاوِي رُبْعَ الْمَسَافَةِ نِصْفَ الْأُجْرَةِ لِصُعُوبَتِهِ وَعَكْسُهُ لِسُهُولَتِهِ، فَيُقَالُ بِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ فِي زَمَنِ الْإِجَارَةِ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِئْجَارِ؟ فَإِنْ قِيلَ: بِعَشْرَةٍ قِيلَ: وَبِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ فِي زَمَنِهَا مِنْ مَوْضِعِ مَوْتِ الْأَجِيرِ؟ فَإِنْ قِيلَ: بِثَمَانِيَةٍ وَنِسْبَةُ الثَّمَانِيَةِ لِلْعَشْرَةِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ عُلِمَ أَنَّ الْأَجِيرَ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأُجْرَةِ خُمُسَهَا فَيُرَدُّ مِنْ تَرِكَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا إنْ كَانَ قَبَضَهَا بَقِيَتْ عِنْدَهُ أَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا دُفِعَ لِوَارِثِهِ خُمُسُهَا.
وَأَمَّا إنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَامِ فَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، فَإِنْ أَبَى أَخَذَ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أُجْرَةَ حِجَّةٍ بَالِغَةٍ مَا بَلَغَتْ قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَسَنَدٌ، وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَرَضًا أَوْ جَارِيَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حِجَّةٌ عَنْ فُلَانٍ فَمَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَجُّ فَفِي مَالِهِ حِجَّةٌ لَازِمَةٌ تَبْلُغُ مَا بَلَغَتْ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا بِمَنْزِلَةِ سِلْعَةٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَلِأَجِيرِ الضَّمَانِ الْمَيِّتِ قَبْلَ التَّمَامِ بِالْحِسَابِ إنْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ مَكَّةَ اتِّفَاقًا.
بَلْ (وَلَوْ) مَاتَ (بِمَكَّةَ) وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ إنْ مَاتَ بِمَكَّةَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَضَعَّفَ، وَأَجِيرُ الْبَلَاغِ إنْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَامِ فَلَهُ مَا أَنْفَقَهُ، وَأَجِيرُ الْجَعَالَةِ إنْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَامِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَعَطَفَ عَلَى مَاتَ فَقَالَ (أَوْ صُدَّ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ: مُنِعَ الْأَجِيرُ مِنْ التَّمَامِ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ وَمِثْلُهُ خَطَؤُهُ فِي عَدَدِ الْأَيَّامِ فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَلَهُ بِالْحِسَابِ وَيَتَحَلَّلُ.
(وَ) لَهُ أَيْ: الْأَجِيرِ عَلَى الْحَجِّ فِي عَامٍ مُعَيَّنٍ وَصَدَفِيَّةٍ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ فِتْنَةٍ أَوْ أَخْطَأَ فِي الْعَدَدِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ (الْبَقَاءُ) عَلَى عَقَدَ الْإِجَارَةِ (لِ) عَامٍ (قَابِلٍ) يَحُجُّ فِيهِ عَنْ الْمَيِّتِ إنْ تَحَلَّلَ مِمَّا فَاتَهُ أَوْ يُتِمُّ فِيهِ إنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ وَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى بَقَائِهِ جَازَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ طَلَبَ فَسْخَهُ لِخِفَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ عَنْ الْإِجَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، فَلَمْ تَنْفَسِخْ بِفَوَاتِ الْعَامِ الْمُعَيَّنِ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ الْحِسَابُ وَلَا يَجُوزُ
وَاسْتُؤْجِرَ مِنْ الِانْتِهَاءِ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطٌ: كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ.
وَصَحَّ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَامَ، وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَعَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ،.
ــ
[منح الجليل]
الْبَقَاءُ لِقَابِلٍ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ لِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِفَوَاتِ الْعَامِ الْمُعَيَّنِ، فَصَارَ بَاقِي الْأُجْرَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ يُؤْخَذُ عَنْهُ مَنَافِعُ مُؤَخَّرَةٌ. وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْجَوَازَ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ.
(وَ) إنْ مَاتَ الْأَجِيرُ أَوْ صُدَّ وَلَمْ يَبْقَ لِقَابِلٍ (اُسْتُؤْجِرَ) أَجِيرٌ عَلَى الْحَجِّ (مِنْ) مَوْضِعِ (الِانْتِهَاءِ) مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي مَاتَ أَوْ صُدَّ فِي إجَارَةِ الضَّمَانِ وَالْبَلَاغِ وَقَصَرَهُ عَلَى الضَّمَانِ، وَإِنْ اقْتَضَاهُ سِيَاقُهُ قُصُورٌ، وَيَبْتَدِئُ الْأَجِيرُ الثَّانِي الْحَجَّ مِنْ حَيْثُ اُسْتُؤْجِرَ وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مِثْلُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي عَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ مِنْ الِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ مَنْ يَبْتَدِئُ الْحَجَّ مِنْ الِانْتِهَاءِ فِي الْمَسَافَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ اسْتِئْجَارُ مَنْ يَبْتَدِيهِ مِنْ أَوَّلِهَا، وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ أَوْ صُدَّ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِي الْعَامِ الْمُعَيَّنِ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ وَرُدَّتْ حِصَّتُهُ، وَلَا يَسْتَأْجِرُ ثَانٍ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ فِي عَامِهِ فَمَحَلُّ الِاسْتِئْجَارِ حَيْثُ أَمْكَنَ فِعْلَ الْحَجِّ وَلَوْ فِي ثَانِي عَامٍ.
(وَلَا يَجُوزُ) فِي الضَّمَانِ (اشْتِرَاطٌ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ) أَيْ: الْأَجِيرِ لِلْغَرَرِ؛ إذْ تَصِيرُ الْأُجْرَةُ فِي نَظِيرِ الْحَجِّ وَالْهَدْيُ وَالْمَجْهُولُ قِيمَتُهُ، فَإِنْ ضَبَطَ صِنْفَهُ وَسِنَّهُ وَوَصْفَهُ جَازَ عَلَى حَدِّ اجْتِمَاعِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ.
(وَصَحَّ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ (إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مُشَدَّدَةً (الْعَامَ) الَّذِي يَحُجُّ فِيهِ الْأَجِيرُ، وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ لَا يَصِحُّ لِلْجَهْلِ (وَ) حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ (تَعَيَّنَ) عَلَى الْأَجِيرِ الْعَامُ (الْأَوَّلُ) لِلْحَجِّ فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ فِيهِ عَمْدًا أَثِمَ وَلَزِمَهُ فِيمَا يَلِيهِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ، وَنَقَلَهُ الْمُوضِحُ وَالْحَطَّابُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَيُّنَ الْحُكْمِيَّ لَيْسَ كَالشَّرْطِيِّ إذْ فِيهِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالتَّأْخِيرِ لِقَوْلِهِ وَفُسِخَتْ إنْ عَيَّنَ الْعَامَ وَعُدِمَ.
(وَ) فُضِّلَ عَامٌ مُعَيَّنٌ (عَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ) عَنْ التَّعْيِينِ أَيْ: أَنَّهُ أَحْوَطُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الْأَجِيرِ وَنَفْدِ الْمَالِ مِنْ يَدِهِ وَلَا تَرِكَةَ لَهُ، بِهَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَقَرَّرَهُ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ وَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ أَيْ: عَلَى أَنْ يَحُجَّ الْأَجِيرُ فِي أَيِّ عَامٍ شَاءَ، وَارْتَضَاهُ الْحَطَّابُ، وَنَقَلَ عَلَيْهِ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ
وَعَلَى الْجِعَالَةِ، وَحَجَّ عَلَى مَا فُهِمَ، وَجَنَى إنْ وَفَّى دَيْنَهُ وَمَشَى.
ــ
[منح الجليل]
وَاسْتَبْعَدَ الْبِسَاطِيُّ تَقْرِيرَ الشَّارِحِ قَائِلًا كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ وَصَحَّ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَامَ. وَعِنْدِي أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى إذَا قَالَ: حُجَّ عَنِّي وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَامٍ وَلَمْ يُطْلِقْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَوَّلِ عَامٍ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ بِالْإِطْلَاقِ كَحُجَّ عَنِّي مَتَى شِئْت.
(وَ) فُضِّلَتْ الْإِجَارَةُ بِأَنْوَاعِهَا (عَلَى الْجَعَالَةِ) أَيْ أَنَّهَا أَحْوَطُ لَا أَنَّ ثَوَابَهَا أَكْثَرُ؛ إذْ لَا ثَوَابَ فِيهَا كُلِّهَا. الْبُنَانِيُّ لَا وَجْهَ لِهَذَا الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ أَحْوَطُ فَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْجَعَالَةِ. الدُّسُوقِيُّ قَدْ يُقَالُ الْجَعَالَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَحْوَطَ مِنْ جِهَةٍ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُدْفَعُ لِلْأَجِيرِ إلَّا بَعْدَ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْرِي فِيهَا هَلْ يُوفِي الْأَجِيرَ أَمْ لَا؟ لِكَوْنِ عَقْدِهَا لَيْسَ لَازِمًا وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ فَهُوَ أَحْوَطُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.
(وَحَجَّ) الْأَجِيرُ ضَمَانًا أَوْ بَلَاغًا (عَلَى مَا فُهِمَ) بِضَمِّ الْفَاءِ مِنْ حَالِ الْمُوصِي بِنَصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ مِنْ رُكُوبِ مَحْمَلٍ أَوْ مِحَفَّةٍ أَوْ قَتَبٍ عَلَى جَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِ وُجُوبًا. وَالْعِبْرَةُ يُفْهَمُ غَيْرُ الْأَجِيرِ لِاتِّهَامِهِ بِتَوْفِيرِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ شَيْءٌ مِنْ وَصِيَّةِ الْمُوصِي فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْكَبَ مَا كَانَ يَرْكَبُ الْمُوصِي مِنْ جَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(وَجَنَى) أَيْ: تَعَدَّى الْأَجِيرُ (إنْ وَفَّى) بِشَدِّ الْفَاءِ أَيْ: قَضَى (دَيْنَهُ) بِالْأُجْرَةِ (وَمَشَى) فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْحَجِّ فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ نَزَعَ الْمَالَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ وَأُلْزِمَ بِأَنْ يَحُجَّ بِهِ عَلَى مَا فُهِمَ، أَوْ يَسْتَأْجِرَ بِهِ غَيْرَهُ، وَتَصَدُّقُهُ أَوْ تَزَوُّجُهُ بِهَا كَوَفَاءِ دَيْنِهِ الْبُنَانِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوَفَاءِ وَالْمَشْيِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاءِ وَقَبْلَ الْمَشْيِ، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَهُمَا، فَقَالَ الْحَطّ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ ضَمَانًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا هِيَ خِيَانَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَلَاغًا فَالظَّاهِرُ إعْطَاؤُهُ قَدْرَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَأُجْرَةِ رُكُوبِهِ وَأَخَذَ الزَّائِدَ إنْ كَانَ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا
وَقَالَ عبق يَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا مُطْلَقًا لِانْفِسَاخِهَا بِفَوَاتِ الْعَامِ الْمُعَيَّنِ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَرْجِعْ فِي عَامٍ آخَرَ لِلْحَجِّ عَلَى مَا فُهِمَ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْبِيرُ بِالْجِنَايَةِ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَمُشْكِلٌ عَلَى اسْتِظْهَارِ الْحَطّ كَمَا قَالَ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ خِيَانَةً بِالْخَاءِ
يَقُولُ حُجَّ عَنِّي وَأَدْفَعُ لَك مِائَةَ دِينَارٍ مَثَلًا تُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى نَفْسِك كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعُرْفِ وَالْبَلَاغُ: إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا بِالْعُرْفِ، وَفِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبُهُمَا،
ــ
[منح الجليل]
الْمُعْجَمَةِ. وَأَمَّا إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوَفَاءِ وَقَبْلَ الْمَشْيِ فَلَا إشْكَالَ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الْمُعَيَّنِ مُطْلَقًا وَغَيْرُهُ إنْ لَمْ يَرُدَّ الْحَجَّ عَلَى مَا فُهِمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَالْبَلَاغُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا إجَارَةٌ عَلَى الْحَجِّ أُجْرَتُهَا (إعْطَاءُ مَا) أَيْ: مَالٍ (يُنْفِقُهُ) الْأَجِيرُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرٍ لِلْحَجِّ (بَدْءًا) أَيْ: ذَهَابًا مِنْ الْبَلَدِ إلَى مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ (وَعَوْدًا) أَيْ: رُجُوعًا مِنْهَا لِلْبَلَدِ إنْفَاقًا (بِالْعُرْفِ) أَيْ: الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ فِيمَا يُصْلِحُهُ مِنْ كَعْكٍ وَزَيْتٍ وَلَحْمٍ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَوِطَاءٍ وَلِحَافٍ وَخِفَافٍ وَثِيَابٍ وَشَبَهِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُرَاعِي الْعُرْفَ فِيمَا يُنْفِقُهُ ابْتِدَاءً.
وَقَالَ الْحَطّ قَوْلُهُ بِالْعُرْفِ أَيْ: بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا أَوَّلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ النَّفَقَةَ بِأَنْ يَقُولَ حُجَّ عَنِّي وَأَدْفَعُ لَك مِائَةَ دِينَارٍ مَثَلًا تُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى نَفْسِك كُلَّ يَوْمٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعُرْفِ وَدَلَّ قَوْلُهُ إعْطَاءٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ النَّفَقَةِ أَوْ بَعْضَهَا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ يَدْفَعَ لَهُ عِوَضَ مَا أَنْفَقَهُ فَلَيْسَ بَلَاغًا جَائِزًا وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ بِشَرْطٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ قَالَهُ سَنَدٌ. وَيَرُدُّ مَا مَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ وَالثِّيَابِ الَّتِي اشْتَرَاهَا وَنَحْوِهَا.
(وَفِي هَدْيٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى بَدْءٍ أَوْ عَوْدٍ قَالَهُ الْفِيشِيُّ وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ تت، عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ مُتَعَلِّقٍ بِنَفَقَةٍ أَيْ عَلَى نَفْسِهِ.
فَإِنْ قُلْت هَذَانِ التَّقْرِيرَانِ يُفِيدَانِ إعْطَاءَ مَا يُنْفِقُهُ فِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ مِنْ مُسَمَّى الْبَلَاغِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْت بَلْ هُوَ مِنْهُ قَالَهُ الْحَطّ وَأَمَّا جَعْلُهُ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرٍ مُتَعَلِّقٍ بِجَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرَيْنِ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ مَا أَعْطَاهُ لَهُ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَفِي هَدْيٍ فَفِي غَايَةِ التَّكْلِيفِ بِلَا ضَرُورَةٍ.
(وَ) فِي (فِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ) الْأَجِيرُ (مُوجِبَهُمَا) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ: سَبَبِ وُجُوبِ الْهَدْيِ وَالْفِدْيَةِ بِأَنَّ فِعْلَهُ اخْتِيَارُ الْغَيْرِ وَعُذِرَ بِأَنَّ فِعْلَهُ لِعُذْرٍ كَإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ مَرَضٍ
وَرُجِعَ عَلَيْهِ بِالسَّرَفِ، وَاسْتَمَرَّ إنْ فَرَغَ أَوْ أَحْرَمَ، وَمَرِضَ وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ، وَإِلَّا فَنَفَقَتُهُ عَلَى آجِرِهِ، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ، فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ وَلَوْ قُسِمَ،
ــ
[منح الجليل]
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ التَّعَمُّدِ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ قَالَهُ سَنَدٌ (وَرُجِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَجِيرِ (بِ) عِوَضِ (السَّرَفِ) الزَّائِدِ عَلَى الْعُرْفِ فِيمَا أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي دُفِعَ لَهُ، وَهُوَ مَا لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَائِقًا بِحَالِ الْمُوصِي، وَأَوْلَى مِنْ السَّرَفِ فِي الْإِنْفَاقِ شِرَاؤُهُ هَدِيَّةً لِأَهْلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ.
(وَاسْتَمَرَّ) أَجِيرُ الْبَلَاغِ وُجُوبًا عَلَى عَمَلِهِ إلَى تَمَامِ الْحَجِّ (إنْ فَرَغَ) الْمَالُ الَّذِي أَخَذَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ فِي عَامٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَرْجِعُ بِمَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْوَصِيِّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِتَفْرِيطِهِ بِالْعُدُولِ عَنْ إجَارَةِ الضَّمَانِ لَا عَلَى الْمُوصِي، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ فَفِي بَاقِي ثُلُثِهِ (أَوْ أَحْرَمَ وَمَرِضَ) أَجِيرُ الْبَلَاغِ أَوْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ أَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِهَا لِخَطَإِ عَدَدٍ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَيَسْتَمِرُّ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَامَ فِي الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ عَيَّنَ انْفَسَخَتْ فِيهَا وَسَقَطَتْ أُجْرَتُهُ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ لِقَوْلِهِ وَفُسِخَتْ إنْ عَيَّنَ الْعَامَ وَعُدِمَ. وَمَفْهُومُ أَحْرَمَ وَمَرِضَ أَنَّهُ إنْ مَرِضَ قَبْلَ إحْرَامِهِ حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ يَرْجِعُ وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي إقَامَتِهِ مَرِيضًا وَرُجُوعِهِ لَا فِي ذَهَابِهِ إلَى مَكَّةَ وَرُجُوعِهِ مِنْهَا إلَى مَحَلِّ الْمَرَضِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
(وَإِنْ ضَاعَتْ) النَّفَقَةُ مِنْ أَجِيرِ الْبَلَاغِ وَعَلِمَ بِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ وَأَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ (رَجَعَ) أَجِيرُ الْبَلَاغِ لِلْبَلَدِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ مِنْهُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ مَوْضِعٍ عِلْمِهِ الضَّيَاعَ إلَى عَوْدِهِ إلَيْهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى مُسْتَأْجَرِهِ مِنْ مَوْضِعِ الضَّيَاعِ إلَى بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَهُ فِيهِ إنْ لَمْ يُوصِ الْمَيِّتَ بِالْبَلَاغِ وَإِلَّا اسْتَمَرَّ وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ ضَاعَتْ بَعْدَ إحْرَامِهِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْهُ إلَّا بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّجُوعُ (فَ) يَسْتَمِرُّ إلَى تَمَامِ الْحَجِّ وَ (نَفَقَتُهُ عَلَى آجِرِهِ) بِمَدِّ الْهَمْزِ أَيْ: مُسْتَأْجِرِهِ لَا عَلَى الْمُوصِي.
(إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ فَفِي) بَقِيَّةِ (ثُلُثِهِ) أَيْ الْمُوصِي لَمْ يُقَسِّمْ مَتْرُوكَهُ بَلْ (وَلَوْ قُسِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَا تَرَكَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ ثُلُثِهِ شَيْءٌ فَعَلَى عَاقِدِ إجَارَةِ
وَأَجْزَأَ إنْ قُدِّمَ عَلَى عَامِ الشَّرْطِ أَوْ تَرَكَ الزِّيَارَةَ، وَرَجَعَ بِقِسْطِهَا.
أَوْ خَالَفَ إفْرَادًا
ــ
[منح الجليل]
الْبَلَاغِ لِتَفْرِيطِهِ بِالْعُدُولِ عَنْ الضَّمَانِ وَصِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَقُلْ حَالَ الْعَقْدِ هَذَا جَمِيعُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ لَيْسَ لَك يَا أَجِيرُ غَيْرَهُ، فَهَذِهِ إجَارَةٌ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ قَالَ لَهُ إنْ فَضُلَ شَيْءٌ تَرُدُّهُ وَإِنْ نَقَصَ شَيْءٌ فَلَا تَرْجِعْ بِهِ فَإِنْ قَلَّ الْمَالَ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فَلَا يَرْجِعُ الْأَجِيرُ بِالزَّائِدِ، وَإِنْ شَكَّ فَغَرَرٌ يَسِيرٌ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ وَإِنْ ضَاعَتْ النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَجِيرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ. (وَأَجْزَأَ) حَجُّ الْأَجِيرِ (إنْ قُدِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الْحَجُّ (عَلَى عَدَمِ الشَّرْطِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُوصِي أَوْ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَدَيْنٍ قُدِّمَ قَضَاؤُهُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ فَيُجْبَرُ رَبُّهُ عَلَى قَبُولِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِ الْعَامِ إلَّا التَّوْسِعَةُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ فِعْلِ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ فَتَأْخِيرُهُ حَقٌّ لَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّقْدِيمِ عَلَى عَامِ الشَّرْطِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَأَجْزَأَ، وَمَفْهُومُ قُدِّمَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ إنْ أَخَّرَ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي. وَفُسِخَتْ إنْ عَيَّنَ الْعَامَ وَعُدِمَ وَظَاهِرُهُ الْإِجْزَاءُ وَلَوْ كَانَ فِي عَامِ الشَّرْطِ غَرَضٌ كَكَوْنِ وَقْفَتِهِ بِالْجُمُعَةِ وَمَعْنَى الْإِجْزَاءِ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْأَجِيرِ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ عَنْهُ.
(أَوْ) إنْ (تَرَكَ) الْأَجِيرُ (الزِّيَارَةَ) لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُشْتَرَطَةِ أَوْ الْمُعْتَادَةِ فَيَجْزِي حَجُّهُ وَمِثْلُهَا الْعُمْرَةُ (وَرَجَعَ) عَلَى الْأَجِيرِ (بِقِسْطِهَا) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ: مُقَابِلِهَا مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ. وَقِيلَ يُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ لَهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا مُخْتَارًا أُمِرَ بِالرُّجُوعِ لَهَا وَنَصُّ مَنَاسِكِ الْمُصَنِّفِ. وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ وَاشْتُرِطَتْ عَلَيْهِ الزِّيَارَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَرُدُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَسَافَةِ الزِّيَارَةِ. وَقِيلَ يَرْجِعُ حَتَّى يَزُورَ اهـ طفي يُفْهَمُ مِنْ فَرْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا مِنْ غَيْرِ تَعَذُّرٍ يُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ بِلَا خِلَافٍ وَبِهَذَا تُعُقِّبَ الْبِسَاطِيُّ الْمُصَنِّفَ.
(أَوْ) إنْ (خَالَفَ) الْأَجِيرُ فِي حَجِّهِ (إفْرَادًا) اشْتَرَطَهُ عَلَيْهِ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ
لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ، وَإِلَّا فَلَا كَتَمَتُّعٍ بِقِرَانٍ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ هُمَا بِإِفْرَادٍ أَوْ مِيقَاتًا شُرِطَ، وَفُسِخَتْ إنْ عُيِّنَ الْعَامُ، أَوْ عُدِمَ:
ــ
[منح الجليل]
لِغَيْرِهِ) أَيْ الْإِفْرَادِ مِنْ قِرَانٍ أَوْ تَمَتُّعٍ فَيُجْزِي فِيهِمَا (إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) أَيْ الْإِفْرَادَ (الْمَيِّتُ) حَالَ إيصَائِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ اشْتَرَطَهُ الْمَيِّتُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَعَيَّنَ حَالَ الْإِطْلَاقِ (فَلَا) يَجْزِيهِ غَيْرَ الْإِفْرَادِ عَنْهُ وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ إنْ خَالَفَ إلَى قِرَانٍ مُطْلَقًا أَوْ تَمَتُّعٍ، وَالْعَامُ مُعَيَّنٌ وَإِلَّا فَلَا تَنْفَسِخُ وَيَحُجُّ مُفْرِدًا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَيِّتَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ، وَقَدْ تَعَلَّقَ غَرَضُهُ بِالْإِفْرَادِ وَغَيْرُهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ مُشْتَمِلَانِ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِيُشْبِهَ بِهِ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِقَوْلِهِ (كَ) مُخَالَفَةِ (تَمَتُّعٍ) مُشْتَرَطٍ وَإِبْدَالُهُ (بِقِرَانٍ أَوْ عَكْسِهِ) أَيْ: إبْدَالِهِ قِرَانًا مَشْرُوطًا بِتَمَتُّعٍ.
(أَوْ) أَحَدِ (هِمَا) أَيْ: التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ الْمَشْرُوطِ فَخَالَفَهُ وَإِبْدَالُهُ (بِإِفْرَادٍ) فَلَا يَجْزِيهِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ كَوْنِ الشَّرْطِ مِنْ الْمُوصِي أَوْ الْوَصِيِّ. فَإِنْ قِيلَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَلِمَ لَمْ يَجُزْ عَنْ أَحَدِهِمَا قُلْت الْأُجْرَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَتِهِ وَلَوْ فُضُولًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْعُمْرَةِ فَحَجَّ لَمْ يُجْزِهِ أَفَادَهُ سَنَدٌ.
(أَوْ) خَالَفَ الْأَجِيرُ (مِيقَاتًا شُرِطَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ فَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجْزِيهِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ مِيقَاتَ بَلَدِ الْمَيِّتِ وَلَوْ حُكْمًا كَتَعْيِينِ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمَيِّتِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَذَا الْإِحْرَامُ بَعْدَ الْمِيقَاتِ الْمُشْتَرَطِ، وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ أَجْزَأَ قَالَهُ سَنَدٌ لِمُرُورِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَكَأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ عَيَّنَ الْعَامَ أَمْ لَا.
(وَ) حَيْثُ لَمْ يَجُزْ مَا خَالَفَ إلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ (فُسِخَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ: الْإِجَارَةُ فِيهَا وَهُوَ الْأَصْلُ فِيمَا يَجْزِي بَلَاغًا أَوْ ضَمَانًا (إنْ عُيِّنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (الْعَامُ) الَّذِي يَحُجُّ فِيهِ الْأَجِيرُ وَرُدَّ الْمَالُ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ رَجَعَ وَأَحْرَمَ مِنْهُ (أَوْ عُدِمَ)
كَغَيْرِهِ، وَقَرَنَ.
أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ.
ــ
[منح الجليل]
بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْحَجُّ بِأَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ فَاتَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ بِأَوْ عُطِفَ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: إنْ حَصَلَتْ الْمُخَالَفَةُ فَالْكَلَامُ مَسْأَلَتَانِ وَفِي نُسْخَةٍ وَعُدِمَ بِالْوَاوِ فَهُوَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَغُرِّمَ بَالِغَيْنِ وَالرَّاءِ أَيْ: غَرِمَ الْأَجِيرُ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ الْمُرَادُ بِفَسْخِ الْمُعَيَّنِ بِالْفَوَاتِ وَنَحْوِهِ أَنَّ مَنْ أَرَادَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْبَقَاءِ لِقَابِلٍ جَازَ هَذَا مُخْتَارُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِ.
وَبِهَذَا يُوَافِقُ مَا هُنَا إطْلَاقُهُ السَّابِقُ فِي قَوْلِهِ وَلَهُ الْبَقَاءُ الْقَابِلُ أَيْ: فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ بِرِضَاهُمَا فِي الْمُعَيَّنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا تَعَيُّنُ الْفَسْخِ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ الَّذِي قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ سَابِقًا وَقَدْ حَمَلَ الْحَطّ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَمَا هُنَا عَلَى تَحَتُّمِ الْفَسْخِ فَعَارَضَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ عَلِمْت دَفْعَهَا قَالَهُ طفي. (ز) بِأَنْ فَاتَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ هَذَا لِابْنِ رُشْدٍ لِتَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْفَوَاتِ بِمَرَضٍ أَوْ خَطَإِ هِلَالٍ وَالْإِفْسَادِ بِوَطْءِ وَحَصْرِ الْعَدُوِّ وَجَعْلِهِ حُكْمَهَا وَاحِدًا وَهُوَ الْفَسْخُ فِي الْمُعَيَّنِ وَالْقَضَاءُ فِي غَيْرِهِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَكَذَا تَرْكُ الْحَجِّ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ إذْ قُصَارَاهُ أَنَّهُ كَإِفْسَادِهِ بِوَطْءٍ قَالَهُ طفي خِلَافُ مَا فِي الْحَطّ عَنْ سَنَدٍ مِنْ خِيَارِ الْوَارِثِ فِي الْفَسْخِ وَالْبَقَاءِ لِقَابِلٍ إنْ تَرَكَهُ اخْتِيَارًا، أَوْ أَفْسَدَهُ بِوَطْءٍ وَعَلَى نُسْخَةِ الْوَاوِ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ وَعَدَمَ الْحَجِّ حَقِيقَةٌ بِتَرْكِهِ أَوْ فَوَاتِهِ لِصَدٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ خَطَإٍ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ أَفْسَدَهُ بِوَطْءٍ أَوْ خَالَفَ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَشَبَّهَ فِي الْفَسْخِ فَقَالَ (كَ) عَدَمِ الْإِفْرَادِ أَوْ التَّمَتُّعِ الْمَشْرُوطِ فِي (غَيْرِهِ) أَيْ: الْعَامِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الْعَامُ الْمُبْهَمُ (وَقَرَنَ) الْأَجِيرُ بَدَلَ الْإِفْرَادِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ الْمَيِّتُ أَوْ بَدَلَ التَّمَتُّعِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ الْمَيِّتُ أَوْ الْوَصِيُّ فَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ وَمِثْلُهَا مُخَالَفَتُهُ إلَى الْإِفْرَادِ، وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْقِرَانَ أَوْ التَّمَتُّعَ فَلَوْ زَادَ أَوْ أَفْرَدَ لَشَمِلَ هَذَا.
(أَوْ) أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ (صَرَفَهُ) أَيْ: الْأَجِيرُ الْإِحْرَامَ (لِنَفْسِهِ) أَيْ: الْأَجِيرِ فَلَا يُجْزِي عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا عَنْ الْأَجِيرِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَتُفْسَخُ وَيَرُدُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ خِلَافَ شَرْطِهِ. وَلِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَنْتَقِلُ لِغَيْرِ مَنْ وَقَعَ لَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ عَدَاءَهُ خَفِيٌّ
وَأَعَادَ؛ إنْ تَمَتَّعَ.
وَهَلْ تَنْفَسِخُ إنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْمُعَيَّنِ، أَوْ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لِلْمِيقَاتِ، فَيُحْرِمُ عَنْ الْمَيِّتِ فَيُجْزِيهِ؟ تَأْوِيلَانِ.
ــ
[منح الجليل]
كَعَدَاءِ مَنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادَ أَوْ التَّمَتُّعَ فَقَرَنَ.
(وَ) إنْ اُشْتُرِطَ عَلَى الْأَجِيرِ قِرَانٌ مُطْلَقًا أَوْ إفْرَادٌ مِنْ الْمَيِّتِ فَخَالَفَ بِتَمَتُّعٍ (أَعَادَ) الْأَجِيرُ الْحَجَّ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا، أَوْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ (إنْ تَمَتَّعَ) الْأَجِيرُ بَدَلًا عَنْ الْقِرَانِ أَوْ الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّ عَدَاءَهُ ظَاهِرٌ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْقِرَانِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ خَالَفَ الْمِيقَاتَ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا تُفْسَخُ إجَارَتُهُ وَتَجِبُ إعَادَةٌ مِنْ الْمِيقَاتِ الْمُشْتَرَطِ.
(وَهَلْ تُفْسَخُ) الْإِجَارَةُ (إنْ اعْتَمَرَ) أَجِيرُ الْحَجِّ (عَنْ نَفْسِهِ) مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ (فِي) الْعَامِ (الْمُعَيَّنِ) سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِمَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَا عَلِمَ أَنَّ سَفَرَهُ لَيْسَ لِلْمَيِّتِ (أَوْ) تُفْسَخُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ) الْأَجِيرُ (لِلْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ) مِنْهُ بِالْحَجِّ (عَنْ الْمَيِّتِ فَيُجْزِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ حِينَئِذٍ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) مَحَلُّهُمَا فِي اعْتِمَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي عَامٍ مُعَيَّنٌ لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ الرُّجُوعُ لِبَلَدِهِ وَالْعَوْدُ مِنْهُ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحَجَّ فِي عَامِهِ، وَيُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ لِلْمِيقَاتِ فَقَطْ.
وَأَمَّا اعْتِمَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي عَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنٍ وَيُمْكِنُهُ فِيهِ الرُّجُوعُ لِبَلَدِهِ وَعَوْدُهُ مِنْهُ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فِيهِ فَفِيهِمَا تَأْوِيلَانِ آخَرَانِ غَيْرُ تَأْوِيلَيْ الْمُصَنِّفِ وَهُمَا هَلْ بُدٌّ أَنْ يَرْجِعَ لِبَلَدِهِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ لَهُ فُسِخَتْ أَوْ يَجْزِيهِ رُجُوعُهُ لِلْمِيقَاتِ وَالْإِحْرَامُ مِنْهُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ فِي تَأْوِيلَيْ الْمُصَنِّفِ، فَإِنْ كَانَ اعْتِمَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَدَمُهُ فِي مَالِهِ لِتَعَمُّدِهِ سَبَبَهُ قَالَهُ سَنَدٌ. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي نَقْصِ التَّمَتُّعِ.
وَعَنْ التُّونُسِيِّ لَوْ قِيلَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَ مَا بَعْدَ وَسَكَتَ عَمَّنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْقِرَانَ وَنَوَى الْعُمْرَةَ الَّتِي فِيهِ لِنَفْسِهِ وَالْحَجُّ لِلْمَيِّتِ وَالْمَنْصُوصُ فِيهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ.
وَمُنِعَ اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ، وَإِلَّا كُرِهَ:
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُمْكِنُ مِنْ الْإِعَادَةِ أَوْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ؟ الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ الْجَارِي عَلَى عِلَّةِ خَفَاءِ الْعَدَاءِ الْفَسْخُ مُطْلَقًا وَفِي كَلَامِ سَنَدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ عب. الْبُنَانِيُّ التَّأْوِيلَانِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ هُمَا الْمَنْصُوصَانِ وَالتَّأْوِيلَانِ فِي الْمُعَيَّنِ مُخْرِجَانِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَمَا فِي الْحَطّ وَالْمَوَّاقِ، فَمَنْ قَالَ يَرْجِعُ لِبَلَدِهِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قَالَ بِالْفَسْخِ فِي الْمُعَيَّنِ وَمَنْ قَالَ يَرْجِعُ لِلْمِيقَاتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قَالَ بِعَدَمِ الْفَسْخِ فِي الْمُعَيَّنِ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ.
(وَمُنِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (اسْتِنَابَةُ) شَخْصٍ (صَحِيحٍ) أَوْ مَرْجُوِّ الصِّحَّةِ مُسْتَطِيعٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ أَيْ تَوْكِيلُهُ غَيْرَهُ (فِي) فِعْلِ حَجٍّ (فَرْضٍ) كَحَجَّةِ إسْلَامٍ وَلَوْ عَلَى تَرَاخِيهَا لِخَوْفِ الْفَوَاتِ أَوْ حَجَّةٍ مَنْذُورَةٍ مُكْتَفِيًا بِفِعْلِ وَكِيلِهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فَسَدَتْ وَفُسِخَتْ، وَإِنْ أَتَمَّ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا الْمُسَمَّى (وَإِلَّا) بِأَنْ اسْتَنَابَ صَحِيحٌ فِي نَفْلٍ أَوْ عَاجِزٌ غَيْرُ مَرْجُوٍّ أَوْ فِي عُمْرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ صَحِيحًا أَوْ عَاجِزًا اعْتَمَرَ أَمْ لَا (كُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: التَّوْكِيلُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ صَحَّتْ. سَنَدٌ اتَّفَقَ أَرْبَابُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ لَا تَجُوزُ اسْتِنَابَتُهُ فِي فَرْضِ الْحَجِّ وَالْمَذْهَبُ كَرَاهَتُهَا فِي التَّطَوُّعِ، وَإِنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ اهـ.
وَتَبِعَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ والتِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالتَّادَلِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَطْلَقَ غَيْرُ سَنَدٍ مَنَعَ النِّيَابَةَ فِي الْحَجِّ وَنَحْوِهِ قَوْلُ التَّوْضِيحِ فَائِدَةٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ بِإِجْمَاعٍ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهَا مَا يَقْبَلُهَا إجْمَاعًا كَالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَرَدِّ الدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ، وَاخْتُلِفَ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النِّيَابَةَ. وَفِي الْجَلَّابِ يُكْرَهُ اسْتِئْجَارُ الْمَرِيضِ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَإِنْ فَعَلَ مَضَى فَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ اسْتِنَابَةِ الصَّحِيحِ فِي الْفَرْضِ وَكَرَاهَتِهَا فِي النَّفْلِ قَوْلُ سَنَدٍ، وَكَرَاهَتُهَا عَنْ الْمَرِيضِ كَلَامُ الْجَلَّابِ وَالْمُعْتَمَدُ مَنْعُ النِّيَابَةِ عَنْ الْحَيِّ مُطْلَقًا قَالَهُ الرَّمَاصِيُّ وَلَا فَرْقَ فِي النِّيَابَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ تَطَوُّعًا قَالَهُ الرَّمَاصِيُّ.
وَأَمَّا قَوْلُ شَارِحِ الْعُمْدَةِ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ إنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَحَسَنَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَمَعْرُوفٍ، وَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه كَرَاهَتُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْمَلِ الدُّنْيَا
كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِجَارَةِ نَفْسِهِ،.
ــ
[منح الجليل]
بِالدِّينِ وَعَمَلِ الْآخِرَةِ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُوصِي لَا عَنْ الْحَيِّ، فَلَا يُخَالِفُ مِمَّا قَبْلَهُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ. وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا اسْتِنَابَةَ الْعَاجِزَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَثَالِثُهَا تَجُوزُ لِلْوَلَدِ، فَحَمَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَ الْجَوَازِ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ وَشَهَرَهُ، وَخَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَرْجُوِّ صِحَّتِهِ وَلِأَشْهَبَ إنْ أَجَّرَ صَحِيحٌ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ لَزِمَ لِلْخِلَافَةِ وَالْمَغْصُوبُ مَنْ لَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ الْبَاجِيَّ كَالزَّمِنِ وَالْهَرَمِ فِي إجَازَتِهِ عَنْهُ ثَالِثُهَا لِابْنِهِ.
وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَبَدْءِ) شَخْصٍ صَرُورَةً (مُسْتَطِيعٍ) الْحَجَّ (بِهِ) أَيْ الْحَجِّ (عَنْ غَيْرِهِ) فَيُكْرَهُ بِنَاءً عَلَى التَّرَاخِي وَلَمْ يُخَفْ فَوَاتُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُحْرِمٌ وَمَفْهُومُ بَدْءٍ إنْ حَجَّ الْمُسْتَطِيعُ الَّذِي حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَنْ غَيْرِهِ لَا يُكْرَهُ إنْ كَانَ بِلَا أُجْرَةٍ أَفَادَهُ عب الْبُنَانِيُّ غَيْرَ صَوَابٍ، وَلِذَا قَالَ طفي قَوْلُهُ كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ إلَخْ لَا يَأْتِي عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَنْعِ النِّيَابَةِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا لَا عَنْ الصَّحِيحِ وَلَا عَنْ الْمَرِيضِ وَلَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا فِيهِ، وَإِلَّا كُرِهَتْ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ، فَهُوَ إشَارَةٌ لِقَوْلِهَا، وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ أَنْفَذَ ذَلِكَ وَيَحُجُّ عَنْهُ مَنْ قَدْ حَجَّ أَحَبُّ إلَيَّ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ.
(وَإِجَارَةِ نَفْسِهِ) فِي عَمَلِ اللَّهِ تَعَالَى حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ كَانَ صَرُورَةً مُسْتَطِيعًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي، وَإِلَّا حَرُمَ عَلَى الضَّرُورَةِ الْمُسْتَطِيعِ لِقَوْلِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنْ يُؤَاجِرَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ اللَّبِنِ وَقَطْعِ الْحَطَبِ وَسَوْقِ الْإِبِلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لِلَّهِ بِأُجْرَةٍ وَالْقَوْلُ الشَّاذُّ جَوَازُهَا. وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْآذَانِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ فِيهِمَا اتِّفَاقًا، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كُرِهَ الْعَقْدُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ حَرُمَ عَلَى الْأَجِيرِ أَيْضًا؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مُحَرَّمًا مِنْ جَانِبٍ مَكْرُوهًا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ أَفَادَ عب. الْبُنَانِيُّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحُ، وَنَصُّهُ إذَا أَجَزْنَا الْوَصِيَّةَ وَأَنْفَذْنَاهَا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَهَلْ يَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ أَوْ يُكْرَهُ فِيهِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ كَرَاهَتُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ الْعِبَادَةِ لَيْسَ مِنْ شِيَمِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَنَحْوِهِ لِابْنِ شَاسٍ.
وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ.
وَحَجَّ عَنْهُ حِجَجٌ إنْ وَسِعَ.
وَقَالَ: يَحُجّ بِهِ لَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَمِيرَاثٌ: كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ،
ــ
[منح الجليل]
وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ) أَيْ: الْحَجِّ الْمَكْرُوهِ لَا الْمَمْنُوعِ؛ لِأَنَّهُ يَفْسَخُ وَصِلَةُ نَفَذَتْ (مِنْ الثُّلُثِ) صَرُورَةً كَانَ الْمُوصِي أَوْ غَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ فَلَا يَلْزَمُ، وَإِنْ كَانَ صَرُورَةً عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي التَّوْضِيحِ الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ لَا فِي اللُّزُومِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ. ابْنُ عَرَفَةَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا أَعْرِفُهُ، وَمَحَلُّ نُفُوذِهَا مِنْهُ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا وَصِيَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ وَلَمْ يَسَعْ الثُّلُثُ إلَّا إحْدَاهُمَا فَتَقَدَّمَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ التَّطَوُّعُ هَذَا مَذْهَبُهَا. وَلَوْ أَوْصَى بِمَالٍ وَحَجَّ صَرُورَةً وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا تَحَاصَّا هَذَا مَذْهَبُهَا أَيْضًا، وَصَحَّحَ ابْنُ رُشْدٍ تَقْدِيمَ وَصِيَّةِ الْمَالِ فِي هَذِهِ أَيْضًا، وَاقْتَصَرَ تت عَلَيْهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ تَقْدِيمُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْفَرْعَيْنِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ مُقْتَصِرًا عَلَى مَذْهَبِهَا فِيهِمَا قَالَهُ عبق. الْبُنَانِيُّ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَإِنْ كَانَ لَا يُجِيزُ النِّيَابَةَ فِيهِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ.
(وَ) إنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْحَجِّ (حُجَّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا (عَنْهُ) أَيْ الْمُوصِي (حِجَجٌ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ جَمْعُ حِجَّةٍ وَلَوْ مِنْ مَكَّةَ وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ الْمَوَّازِ جَعْلَهُ فِي حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَحَلُّ الْأَوَّلِ (إنْ وَسِعَ) الثُّلُثُ حِجَجًا بِأَنْ كَثُرَ جِدًّا عَمَّا يَحُجُّ بِهِ حَجَّةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاتِّسَاعِهِ إمْكَانَ الْحَجِّ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِصَرْفِهِ فِي حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرَ لَفْظِهِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الزَّائِدُ يُورَثُ وَلَا يُحَجُّ بِهِ أَفَادَهُ ابْنُ عَاشِرٍ.
(وَقَالَ) الْمُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ (يَحُجُّ بِهِ) أَيْ: الثُّلُثِ وَلَوْ كَثُرَ جِدًّا كَثَلَاثَةِ آلَافِ دِينَارٍ كَانَ الْمُوصِي صَرُورَةً أَمْ لَا (لَا) يُحَجُّ عَنْهُ حِجَجٌ إنْ وَسِعَ وَقَالَ يَحُجُّ (مِنْهُ) فَحَجَّةٌ وَاحِدَةٌ لِإِفَادَةٍ مِنْ التَّبْعِيضِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسَعْ الثُّلُثُ حِجَجًا أَوْ وَسِعَ وَقَالَ يَحُجُّ مِنْهُ (فَ) الزَّائِدُ عَلَى حَجَّةٍ (مِيرَاثٌ) وَشَبَّهَ فِي إرْثِ الزَّائِدِ فَقَالَ (كَوُجُودِهِ) أَيْ: الْأَجِيرِ (بِأَقَلَّ) مِمَّا سَمَّى الْمُوصِي مِنْ مَالٍ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَالزَّائِدُ عَمَّا أَخَذَهُ الْأَجِيرُ مِيرَاثٌ. الْبُنَانِيُّ هَذَا فِي غَيْرِ الْوَاسِعِ وَهُوَ مَا يُشَبِّهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ حَجَّةً وَاحِدَةً قَالَهُ ابْنُ عَاشِرٍ، وَهُوَ دَاخِلٌ
أَوْ تَطَوَّعَ غَيْرٌ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَيُحَجُّ عَنِّي بِكَذَا فَحِجَجٌ؟ تَأْوِيلَانِ،
ــ
[منح الجليل]
تَحْتَ وَإِلَّا لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ لِلتَّأْوِيلَيْنِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِالثُّلُثِ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وتت (أَوْ تَطَوَّعَ غَيْرٌ) بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ بِلَا أُجْرَةٍ فَيُوَرَّثُ مَا أَوْصَى بِهِ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ ثُلُثًا أَوْ قَدْرًا مُعَيَّنًا.
(وَهَلْ) يَرْجِعُ الزَّائِدُ عَنْ حِجَّةٍ مِيرَاثًا إذَا وُجِدَ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّاهُ وَشَأْنُهُ الصَّرْفُ فِي حَجَّةٍ وَجَمِيعُهُ إذَا تَطَوَّعَ بِهِ أَحَدٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَيَّدَ بِحَجَّةٍ بِأَنْ قَالَ: يُحَجُّ بِهِ عَنِّي حَجَّةً، أَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ: يُحَجُّ بِهِ أَوْ حُجُّوا بِهِ عَنِّي، أَوْ يَرْجِعُ مِيرَاثًا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ) يُطْلِقَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِحَجَّةٍ وَ (يَقُولُ يُحَجُّ) أَوْ حُجُّوا (عَنِّي بِكَذَا) أَيْ: بِمِائَةٍ مَثَلًا (فَ) يُحَجُّ عَنْهُ (حِجَجٌ) حَتَّى يَنْفُذَ فَلَا يَرْجِعَ الزَّائِدُ عَنْ حَجَّةٍ فِي وُجُودِهِ بِأَقَلَّ وَإِلَّا الْجَمِيعُ فِي تَطَوُّعِ أَحَدٍ بِهِ مِيرَاثًا فِي الْجَوَابِ.
(تَأْوِيلَانِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فِي الْحَطّ وَالْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَيُفِيدُهُ كَلَامُهُ فِي مَنَاسِكِهِ وَنَصُّهُ وَإِنْ سَمَّى قَدْرًا حَجَّ بِهِ عَنْهُ، فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِدُونِهِ كَانَ الْفَاضِلُ مِيرَاثًا إلَّا أَنْ يَفْهَمَ إعْطَاءَ الْجَمِيعِ، هَذَا إنْ سَمَّى حَجَّةً وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَحُجُّ بِهِ حِجَجٌ، وَاخْتَلَفَ هَلْ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ أَوْ خِلَافٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ خِلَافٌ. اهـ. فَقَوْلُهُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِدُونِهِ صَادِقٌ بِالْمُتَطَوِّعِ بِهِ دُونَ مَالٍ وَبِالْحَاجِّ بِأَقَلَّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ عَيَّنَ عَدَدًا لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ مُعَيَّنٌ أَوْ غَيْرُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَيَكُونُ مَا فَضَلَ عَنْ حَجَّةٍ مِيرَاثًا. وَالثَّانِي لِلشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدٍ يَكُونُ لَلْأَجِيرَانِ عَيْنُهُ أَوْ قَالَ يَحُجُّ عَنْهُ بِهِ رَجُلٌ، وَإِنْ قَالَ حُجُّوا عَنِّي بِهِ أَوْ يَحُجُّ عَنِّي بِهِ فَفِي حَجَّاتٍ وَالْأَحْسَنُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ. ثَالِثُهَا لِأَشْهَبَ يَكُونُ لِلْأَجِيرِ إنْ عَيَّنَهُ وَإِلَّا فَفِي حَجَّاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ إذَا سُمِّيَ مَا يُعْطَى فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ إذَا قَالَ يَحُجُّ عَنِّي بِهَذِهِ الْأَرْبَعِينَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ رَجُلٌ وَأَمَّا إنْ قَالَ حُجُّوا عَنِّي
وَدُفِعَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَتِهِ لِمُعَيَّنٍ لَا يَرِثُ فُهِمَ إعْطَاؤُهُ لَهُ.
ــ
[منح الجليل]
بِهَا أَوْ يَحُجُّ عَنِّي بِهَا فَلْتَنْفُذْ كُلُّهَا فِي حَجَّةٍ أَوْ حَجَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، وَلَوْ جُعِلَتْ فِي حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ أَحْسَنُ هَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ خِلَافٌ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ.
وَمَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي غَيْرِ الْوَاسِعِ سَوَاءٌ كَانَ عَدَدًا مُعَيَّنًا كَأَرْبَعِينَ أَوْ جُزْءًا شَائِعًا كَثُلُثٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاسِعِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَجُلٍ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِثُلُثِهِ فَوَجَدَ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الثُّلُثَ.
قَالَ فِي الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الثُّلُثُ وَاسِعًا حَمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَلَوْ كَانَ ثُلُثُهُ بِشَبَهِ أَنْ يَحُجَّ بِهِ حَجَّةً وَاحِدَةً رَجَعَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا اهـ، فَفُهِمَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِ الْمَالِ وَاسِعًا أَوَّلًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَدَدِ وَالْجُزْءِ، وَفُهِمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَغَيْرِهِ.
(وَدُفِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَالُ (الْمُسَمَّى) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مُشَدَّدَةً جَمِيعُهُ عَدَدًا كَانَ كَأَرْبَعِينَ أَوْ جُزْءًا كَسُدُسِ مَالِي إنْ كَانَ قَدْرَ أُجْرَةِ الْحَجِّ بَلْ (وَإِنْ زَادَ) الْمُسَمَّى (عَلَى أُجْرَةِ) مِثْلِ (هـ) أَيْ: الْمُعَيَّنِ وَصِلَةُ دُفِعَ (لِ) شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُثَنَّاةِ بِالذَّاتِ أَوْ بِالْوَصْفِ سَوَاءٌ قَالَ فِي حَجَّةٍ أَوْ أَطْلَقَ، وَنَعْتُ مُعَيَّنٍ بِضَمٍّ (لَا يَرِثُ) الْمُعَيَّنُ الْمُوصِي بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَالْخَالِ، أَوْ عَاصِبًا مَحْجُوبًا كَأَخٍ مَعَ ابْنٍ، وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ فَقَطْ.
وَأَمَّا قَدْرُ الْأُجْرَةِ فَيُدْفَعُ لَهُ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْوَاوَ الدَّاخِلَةَ عَلَى أَنْ لَكَانَ أَحْسَنَ، أَوْ تُجْعَلُ لِلْحَالِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرُهُ وَقْتُ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ فِي بَابِهَا. أَوْ الْوَارِثُ يَصِيرُ غَيْرَ وَارِثٍ، وَعَكْسُهُ الْمُعْتَبَرُ مَالُهُ. وَمَفْهُومُ لَا يَرِثُ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَدْفَعُ لَهُ الْمُسَمَّى الزَّائِدَ عَلَى أُجْرَتِهِ وَنَعَتَ مُعَيَّنٍ بِجُمْلَةِ (فُهِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (إعْطَاؤُهُ) أَيْ الزَّائِدَ عَلَى أُجْرَتِهِ (لَهُ) أَيْ: الْمُعَيَّنِ فَلَوْ لَمْ يُفْهَمْ إعْطَاؤُهُ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أُجْرَةُ مِثْلِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْحَجِّ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَيَرْجِعُ الْمُسَمَّى مِيرَاثًا قَالَهُ عب. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ
وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ وَلَمْ يُسَمِّ: زِيدَ، إنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُلُثَهَا ثُمَّ تُرُبِّصَ، ثُمَّ أُوجِرَ لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ، غَيْرُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ،
ــ
[منح الجليل]
لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَمَا إذَا عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ، وَلَمْ يُسَمِّ. وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ زِيدَ إنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُلُثُهَا إلَخْ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَكُونُ الْجَمِيعُ لِلْمُوصَى لَهُ أَيْ: فُهِمَ إعْطَاؤُهُ أَوَّلًا إلَّا أَنْ يَرْضَى بِدُونِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْوَصِيَّةِ.
(وَإِنْ عَيَّنَ) الْمُوصِي شَخْصًا لِلْحَجِّ عَنْهُ وَارِثًا فَلَا يُزَادُ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ شَيْئًا وَإِنْ عَيَّنَ شَخْصًا (غَيْرَ وَارِثٍ) فَإِنْ سَمَّى لَهُ شَيْئًا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ (وَ) إنْ (لَمْ يُسَمِّ) قَدْرًا يُدْفَعُ لَهُ فِي حَجَّةٍ عَنْهُ فَإِنْ رَضِيَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا فَوَاضِحٌ وَ (زِيدَ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ: غَيْرُ الْوَارِثِ (إنْ لَمْ يَرْضَ) غَيْرُ الْوَارِثِ (بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ) وَنَائِبُ زِيدَ (ثُلُثُهَا) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فَإِنْ رَضِيَ فَوَاضِحٌ.
(ثُمَّ) إنْ لَمْ يَرْضَ أَيْضًا لَهَا مَزِيدًا عَلَيْهَا ثُلُثُهَا (تُرُبِّصَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَالرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُثَقَّلَةً، أَيْ انْتَظَرَ سَنَةً أَوْ بِالِاجْتِهَادِ قَوْلَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوصَى بِهِ صَرُورَةً أَمْ لَا (ثُمَّ) إنْ اسْتَمَرَّ مُمْتَنِعًا (أُوجِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْجِيمِ (لِ) لِشَخْصِ الْمُوصِي بِالْحَجِّ عَنْهُ (الصَّرُورَةِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ؛ لِأَنَّهُمَا صَرَّا دَرَاهِمَهُمَا لِلْحَجِّ وَالزَّوَاجِ غَالِبًا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ غَيْرُ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ غَيْرِ الصَّرُورَةِ فَلَا يَسْتَأْجِرُ لَهُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيُورَثُ الْمَالُ كُلُّهُ قَالَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ رَدَّ الْمُعَيَّنِ كَرَدِّ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَصْلِهَا.
وَنَائِبُ فَاعِلِ أُوجِرَ (غَيْرُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ) وَهَذَا شَرْطٌ فِي كُلِّ أَجِيرٍ لِلْحَجِّ عَنْ صَرُورَةٍ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ فَيُؤَاجِرُ لَهُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ غَيْرَ الصَّرُورَةِ إذَا عَيَّنَ قَدْرًا وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْوَصِيُّ لَهُ فَتَبْطُلُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ قَدْرًا أُوجِرَ لَهُ بَعْدَ زِيَادَةِ الثُّلُثِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ اسْتِئْجَارِهِمَا لَهُ لِعَدَمِ وُجُوبِ
وَإِنْ امْرَأَةً.
وَلَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ دَفَعَ لَهُمَا مُجْتَهِدًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَا سَمَّى مِنْ مَكَانِهِ حُجَّ مِنْ الْمُمْكِنِ وَلَوْ سَمَّى،
ــ
[منح الجليل]
الْحَجِّ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ إيجَارُهُمَا؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ فِي حَقِّهِ وَهُمَا مُخَاطَبَانِ بِهِ نَعَمْ يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُمَا، وَتَمْيِيزُ الصَّبِيِّ قَالَهُ زَرُّوقٌ.
الْحَطّ لَعَلَّ شَرْطَ التَّمْيِيزِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إنْ كَانَ الْحُرُّ الْبَالِغُ رَجُلًا عَنْ مِثْلِهِ أَوْ عَنْ امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَةً عَنْ مِثْلِهَا بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (امْرَأَةً) عَنْ رَجُلٍ لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ وَإِنْ خَالَفَتْهُ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ مَنْ يَحُجُّ عَنْ صَرُورَةٍ وَدَفْعِ الْمَالِ لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ رَقِيقًا أَوْ صَبِيًّا (لَمْ يَضْمَنْ) الْأَوْلَى لَا يَضْمَنُ (وَصِيٌّ دَفَعَ) الْمَالَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوصِي لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ (لَهُمَا) أَيْ: الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ سَوَاءٌ حَجَّا بِهِ أَمْ لَا حَالَ كَوْنِ الْوَصِيِّ (مُجْتَهِدًا) أَوْ ظَانًّا أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ لِبَيَاضِهِ وَفَصَاحَتِهِ مَثَلًا وَأَنَّ الصَّبِيَّ بَالِغٌ لِطُولِهِ وَغِلَظِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِالِاجْتِهَادِ إنْ اسْتَأْجَرَهُمَا عَنْ صَرُورَةٍ لَمْ يَأْذَنْ فِي اسْتِئْجَارِهِمَا عَنْهُ، أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ مُنِعَ مِنْ اسْتِئْجَارِهِمَا عَنْهُ وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ إنْ غُرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَصَارَتْ جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ سَمَّى الْمُوصِي مِقْدَارًا فَلَا يُزَادُ الْأَجِيرُ عَلَيْهِ وَيَحُجُّ عَنْهُ بِهِ مِنْ مَكَانِ إيصَائِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) أَجِيرٌ يَحُجُّ عَنْهُ (بِمَا سَمَّى) الْمُوصِي لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ (مِنْ مَكَانِهِ) أَيْ: مَحَلِّ مَوْتِهِ (حُجَّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا عَنْهُ (مِنْ) الْمَكَانِ (الْمُمْكِنِ) الْحَجُّ مِنْهُ عَنْهُ بِمَا سَمَّاهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَكَانًا بَلْ (وَلَوْ سَمَّى) مَكَانًا لِلْحَجِّ مِنْهُ عَنْهُ بِهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَالَ حُجُّوا
إلَّا أَنْ يَمْنَعَ فَمِيرَاثٌ، وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ.
لَا الْإِشْهَادُ، إلَّا أَنْ يُعْرَفَ،
ــ
[منح الجليل]
عَنِّي مِنْ بَلَدِ كَذَا وَبِهِ مَاتَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَعَلَيْهِ فَتَسْمِيَتُهُ غَيْرُ مَا مَاتَ بِهِ لَغْوٌ وَرَدَّ بِوَلَوْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ وَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ قَوْلُ أَشْهَبَ. وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَلَا يُورَثُ فِي كُلِّ حَالٍ.
(إلَّا أَنْ يَمْنَعَ) الْمُوصِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي سَمَّاهُ بِنَصٍّ كَلَا تَحُجُّوا عَنِّي إلَّا مِنْ مَكَانِ كَذَا أَوْ بِقَرِينَةٍ (فَ) الْمُسَمَّى (مِيرَاثٌ) وَلَا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ الْمُمْكِنِ.
(وَلَزِمَهُ) أَيْ: أَجِيرُ الْحَجِّ (الْحَجُّ بِنَفْسِهِ) إنْ نَصَّ الْمُوصِي عَلَى تَعْيِينِهِ كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِلْحَجِّ بِنَفْسِك أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَعْيِينِهِ كَكَوْنِهِ مِمَّنْ يَرْغَبُ فِيهِ لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهِ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ. وَكَذَا إنْ لَمْ يَنُصَّ وَلَمْ يَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى تَعْيِينِهِ عَلَى مَا شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقِيلَ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ.
وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ تَمْكِينُ الْأَجِيرِ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَقِيَامُ وَارِثِهِ مَقَامَهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّمَامِ وَعَدَمُهُمَا بِخِلَافِ أَجِيرِ غَيْرِ الْحَجِّ فِي هَذَا الْأَخِيرِ، وَيُصَلِّي النَّائِبُ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نِيَابَةً حَقِيقِيَّةً فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ كَفَتْهُ النِّيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ. سَنَدٌ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عَنْ الْغَيْرِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَانْعِقَادِهِ بِهَا عَنْ النَّفْسِ.
(لَا) يَلْزَمُ الْأَجِيرُ عَلَى الْحَجِّ (الْإِشْهَادُ) عِنْدَ إحْرَامِهِ عَلَى أَنَّهُ أَحْرَمَ عَنْ فُلَانٍ إذَا كَانَ قَبَضَ الْأُجْرَةَ مُطْلَقًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ أَحْرَمَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَظَاهِرُ سَنَدٍ تَصْدِيقُهُ بِلَا يَمِينٍ فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ إشْهَادِهِ حَالَ إحْرَامِهِ أَنَّهُ عَنْ فُلَانٍ وَلَا تَكْفِيهِ يَمِينُهُ عَلَى هَذَا. وَهَذَا فِي إجَارَةِ الضَّمَانِ، وَأَمَّا الْبَلَاغُ فَيَفْسُدُ بِشَرْطِ تَأْخِيرِ الْأُجْرَةِ.
(إلَّا أَنْ يُعْرَفَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ الْإِشْهَادُ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يُشْتَرَطُ فَيَلْزَمُ وَلَا يُصَدَّقُ بِدُونِهِ وَلَوْ أَمِينًا وَحَلَفَ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَوْ قَبَضَهَا. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْأَجِيرَ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ
وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيمَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجَّةٍ، وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ عَنْهُ،
ــ
[منح الجليل]
بِنَفْسِهِ بَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْمَضْمُونَةِ بِذَاتِهِ وَأَنَّ الْمَضْمُونَةَ بِذِمَّتِهِ إذَا مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ فَلَهُ وَإِنْ نَقَصَتْ فَعَلَيْهِ فَقَالَ (وَقَامَ وَارِثُهُ) أَيْ: الْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (مَقَامَهُ) أَيْ: الْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فِي تَتْمِيمِ الْحَجِّ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يُتَمِّمْهُ.
(فِي) قَوْلِ الْمُوصِي ادْفَعُوا كَذَا دِينَارًا لِ (مَنْ يَأْخُذُ فِي حِجَّةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَسُمِعَ فَتْحُهَا أَيْضًا فَرَضِيَ إنْسَانٌ يَأْخُذُهُ فِيهَا وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَوْفًى مِنْهُ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ وَالْإِجَارَةُ إنَّمَا تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْمُسْتَوْفِي مِنْهُ الْمُعَيَّنُ وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فَيَحُجُّ بِنَفْسِهِ أَوْ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَحُجُّ وَلَهَ الْفَضْلُ، وَعَلَيْهِ النَّقْصُ وَيَسْتَأْنِفُ الْقَائِمُ الْإِحْرَامَ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَا يُكَمِّلُ عَلَى مَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُشْتَرِطِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ أَوْ مِنْ مِيقَاتِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَمِنْ مَوْضِعٍ يُدْرِكُ مِنْهُ.
(وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ) أَيْ الْمُسْتَنِيبِ الَّذِي (حُجَّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا (عَنْهُ) حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَلَا نَفْلُهُ أَيْضًا فَمَفْهُومُ فَرْضٍ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ. فَلَوْ قَالَ: وَلَا يُكْتَبُ لِمَنْ حُجَّ عَنْهُ غَيْرَ أَجْرِ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ لَشَمِلَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَصَحَّتْ النِّيَابَةُ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِغَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِشَائِبَةِ الْمَالِ كَنِيَابَةِ إمَامِ الصَّلَاةِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ فَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْإِمَامِ بِفِعْلِ النَّائِبِ، وَصَحَّتْ لِلْمَالِ وَمُلَازَمَةُ الْمَحَلِّ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَيَكْتُبُ نَافِلَةً لِلْأَجِيرِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْحَطّ. هُنَا عَنْ سَنَدٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَالْمَوَّاقِ عَنْ الْقَرَافِيِّ.
وَقَالَ الْحَطّ عِنْدَ قَوْلِهِ كَتَمَتُّعٍ بِقِرَانٍ تَنْبِيهٌ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى شَيْءٍ فَخَالَفَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ نَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ لَا يُثَابُ الْإِنْسَانُ إلَّا عَلَى مَا نَوَى لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . وَأُجِيبُ بِاسْتِثْنَاءِ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. الْمِسْنَاوِيُّ الْحَقُّ أَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ هُنَا مَوْجُودَةٌ وَالْخَلَلُ إنَّمَا هُوَ فِي مُتَعَلِّقِهَا وَهُوَ كَوْنُهُ عَنْ فُلَانٍ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ كَقَوْلِهِمْ فِي إخْرَاجِ بَعْضِ الْمُسْتَبَاحِ.
وَلَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ.
وَرُكْنُهُمَا
ــ
[منح الجليل]
(وَلَهُ) أَيْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ (أَجْرُ النَّفَقَةِ) الَّتِي أَنْفَقَهَا الْأَجِيرُ فِي الْحَجِّ عَنْهُ (وَ) لَهُ أَجْرُ حَمْلِهِ عَلَى (الدُّعَاءِ) وَلَوْ لِنَفْسِ الْأَجِيرِ بِدُنْيَوِيٍّ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ حَمْلِهِ عَلَى الْخُضُوعِ وَالتَّضَرُّعِ لِلَّهِ تَعَالَى لِخَبَرِ «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ» وَمُتَعَلَّقِهِ، وَهُوَ مَطْلُوبُ الْأَجِيرِ لَهُ. ابْنُ فَرْحُونٍ ثَوَابُ الْحَجِّ لِلْحَاجِّ وَإِنَّمَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ بَرَكَةُ الدُّعَاءِ وَثَوَابُ الْمُسَاعِدَةِ.
(وَرُكْنُهُمَا) أَيْ: الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْمُشْتَرِكُ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةٌ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَفِي هَذَا خِلَافٌ مَشْهُورُهُ رُكْنِيَّتُهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَإِنَّهُ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَلِلْحَجِّ. رُكْنٌ رَابِعٌ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَزَادَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَمْيُ الْعَقَبَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْأَوَّلَ مَنْدُوبٌ وَالثَّانِي وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ.
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا بِرُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ. وَاخْتُلِفَ فِي اثْنَيْنِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ وَهُمَا النُّزُولُ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْحَلْقُ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ يَنْجَبِرَانِ بِالدَّمِ فَهَذِهِ تِسْعٌ بَعْضُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ خَارِجُهُ فَيَنْبَغِي نِيَّةُ الرُّكْنِيَّةِ بِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلْيُكْثِرْ الثَّوَابَ أَشَارَ لَهُ الشَّبِيبِيُّ.
وَأَفْعَالُ الْخَيْرِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَرْكَانٌ وَوَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فَرَائِضُ وَسُنَنٌ وَفَضَائِلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فُرُوضٌ وَوَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ.
فَالْأَوَّلُ: مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ دَمٌ وَلَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَقِسْمٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ بِعُمْرَةٍ وَالْقَضَاءِ فِي قَابِلٍ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. وَقِسْمُ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِفِعْلِهِ وَلَوْ وَصَلَ إلَى أَقْصَى الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ لِفِعْلِهِ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ.
وَالثَّانِي: مَا يُطْلَبُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ هَدْيٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالتَّلْبِيَةِ وَجَزَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالتَّأْثِيمِ بِتَرْكِهِ عَمْدًا وَكَذَا ابْنُ فَرْحُونٍ وَتَرَدَّدَ الطُّرْطُوشِيُّ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
الْإِحْرَامُ، وَوَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّالٌ لِآخِرِ الْحِجَّةِ وَكُرِهَ قَبْلَهُ كَمَكَانِهِ وَفِي رَابِغَ تَرَدُّدٌ.
وَصَحَّ.
ــ
[منح الجليل]
مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ قَالَ بِتَأْثِيمِهِ، وَمَنْ قَالَ بِسُنِّيَّتِهِ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا دَمَ وَلَا إثْمَ فِي تَرْكِهِ كَغُسْلِ الْإِحْرَامِ وَرُكُوعِهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ. (الْإِحْرَامُ) أَيْ: الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ فِي حُرْمَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (وَوَقْتُهُ) أَيْ: الْإِحْرَامِ بِالنِّسْبَةِ لِإِنْشَائِهِ (لِلْحَجِّ شَوَّالٌ) وَيَمْتَدُّ لِقُرْبِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلتَّحَلُّلِ مِنْهُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ (لِآخِرِ) شَهْرِ (الْحِجَّةِ) وَالْأَفْضَلُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْ أَوَّلِ الْحِجَّةِ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهَا. وَقَالَ فِي غَيْرِهَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ (وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ. (قَبْلَهُ) أَيْ: شَوَّالٍ صَادِقٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى شَوَّالٍ.
وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَ) الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ وُصُولِ (مَكَانِهِ) أَيْ: الْإِحْرَامِ الْآتِي بَيَانُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةِ وَنَحْوِهِمَا فَيُكْرَهُ (وَ) فِي كَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (فِي رَابِغٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَرْيَةٌ بِسَاحِلِ الْقُلْزُم؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْجُحْفَةِ الَّتِي هِيَ الْمِيقَاتُ لِأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَنَحْوِهِمْ قَالَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ، وَعَدَمُ كَرَاهَتِهِ فِيهَا لِمُحَاذَاتِهَا الْجُحْفَةَ قَالَهُ الْمَنُوفِيُّ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ. .
(وَصَحَّ) الْإِحْرَامُ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ وَقِيلَ مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ وَفِي رَابِغٍ وَذَكَرَ هَذَا.
وَإِنْ عُلِمَ مِنْ الْكَرَاهَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ حَمْلِهَا عَلَى الْمَنْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ إحْرَامٌ وَتَحَلُّلٌ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَنَّ الْحَجَّ لَا يُمْكِنُ فَرَاغُهُ قَبْلَ وَقْتِهِ؛ إذْ مِنْ أَرْكَانِهِ وُقُوفُ عَرَفَةَ لَيْلَةَ الْعِيدِ الْأَكْبَرِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا فَيُمْكِنُ فَرَاغُهَا قَبْلَهُ وَبَحَثَ فِيهِ بِاقْتِضَائِهِ صِحَّةَ الصَّلَاةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ وَفَعَلَ بَاقِيَهَا بِوَقْتِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَفَرَّقَ عَبْدُ الْحَقِّ بِمُبَايِنَةِ الْحَجِّ الصَّلَاةَ فِي أُمُورٍ شَتَّى وَرَدَّ بِأَنَّهُ وَإِنْ بَايَنَهَا بِجَامِعِهَا فِي
لِلْعُمْرَةِ أَبَدًا إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ فَلِتَحَلُّلِهِ.
وَكُرِهَ بَعْدَهُمَا وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ.
ــ
[منح الجليل]
الْإِحْرَامِ وَالتَّحَلُّلِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ. وَفَرَّقَ سَالِمٌ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] يُفِيدُ أَنَّ سَائِرَ الْأَهِلَّةِ مِيقَاتٌ لِلْحَجِّ فَيُقَيَّدُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] بَيَانُ الْوَقْتِ الْكَامِلِ الَّذِي لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، فَالْإِحْرَامُ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا شَرْطُ صِحَّةِ وَبِالْحَجِّ فِي وَقْتِهِ شَرْطُ كَمَالِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَرَوَى اللَّخْمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَدَمَ انْعِقَادِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] لِوُجُوبِ انْحِصَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ فَيَجِبُ حَصْرُ الْحَجِّ فِي الْأَشْهُرِ، فَالْإِحْرَامُ بِأَقْبَلِهَا كَالْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَا يَنْعَقِدُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَحْصُورَ فِي الْأَشْهُرِ الْمَعْلُومَاتِ الْحَجُّ الْكَامِلُ الَّذِي لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِي آيَةِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] الْحَجُّ، الْحَجُّ الشَّامِلُ لِلْكَامِلِ وَالْمَكْرُوهُ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ.
(وَ) وَقْتُهُ بِالنِّسْبَةِ (لِلْعُمْرَةِ أَبَدًا) أَيْ فِي أَيْ: وَقْتِ مِنْ السَّنَةِ (إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ) مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا فَيُمْنَعُ إحْرَامُهُ بِهَا وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَيَسْتَمِرُّ الْمَنْعُ (لِتَحَلُّلِهِ) مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَيْ فَرَاغِهِ مِنْ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، وَرَمْيِ الرَّابِعِ لِغَيْرِ مُتَعَجِّلٍ وَمَضَى قَدْرِهِ لِمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، وَهُوَ قَدْرُ زَمَنِهِ عَقِبَ زَوَالِ الرَّابِعِ.
(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: الْإِحْرَامُ بِهَا (بَعْدَهُمَا) أَيْ: تَحَلُّلَيْ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ وَهُوَ رَمْيُ الْعَقَبَةِ وَالْأَكْبَرِ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ إنْ كَانَ سَعَى عَقِبَ قُدُومِهِ وَإِلَّا فَهُوَ فَرَاغُ السَّعْيِ (وَقَبْلَ غُرُوبِ) الْيَوْمِ (الرَّابِعِ) فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا حِينَئِذٍ صَحَّ إحْرَامُهُ لَكِنْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَإِنْ فَعَلَ قَبْلَهُ شَيْئًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَوْ تَحَلَّلَ مِنْهَا قَبْلَهُ وَوَطِئَ فَقَدْ أَفْسَدَهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَقَضَاؤُهَا عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَيَسْتَمِرُّ خَارِجُ الْحَرَمِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ لِلرَّابِعِ وَلَا يَدْخُلُهُ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ بِسَبَبِهَا عَمَلٌ لَهَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا مِنْهَا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ.
الْحَطّ وَالظَّاهِرُ عَلَى بَحْثِهِ أَنَّ دُخُولَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَغْوٌ فَيَرْجِعُ لِلْحِلِّ لِيَدْخُلَ مِنْهُ بَعْدَهُ وَلَمْ
وَمَكَانُهُ لَهُ لِلْمُقِيمِ بِمَكَّةَ.
وَنُدِبَ الْمَسْجِدُ: كَخُرُوجِ ذِي التَّفَثِ لِمِيقَاتِهِ.
وَلَهَا وَلِلْقِرَانِ: الْحِلُّ،
ــ
[منح الجليل]
أَرَهُ مَنْصُوصًا، وَاعْتَرَضَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ إحْرَامِهِ بِهَا بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ رَمْيِ الرَّابِعِ لِغَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ أَوْ قَدْرَ رَمْيِهِ عَقِبَ زَوَالِهِ لِلْمُتَعَجِّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّ قَوْلَهُ يَحُجُّ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أَرَادَ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَلَغَا عُمْرَةً عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ.
(وَمَكَانُهُ) أَيْ: الْإِحْرَامِ (لَهُ) أَيْ: لِلْحَجِّ غَيْرِ قِرَانٍ (لِلْمُقِيمِ بِمَكَّةَ) سَوَاءٌ كَانَتْ إقَامَتُهُ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَإِنْ كَانَتْ قَاصِرَةً فِي الصَّلَاةِ عَلَى الَّتِي تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ وَخَبَرُ مَكَانَةِ مَكَّةَ أَيْ: الْأَوْلَى لِلْمُتَوَطِّنِ وَالْمُقِيمِ غَيْرِ ذِي النَّفَسِ لَا الْمُتَعَيِّنِ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ خَارِجَهَا فَقَدْ خَالَفَ الْأَوْلَى وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ لَا لِإِحْرَامِهِ خَارِجَ مَكَّةَ فَلَيْسَتْ مِيقَاتًا لِلْمُقِيمِ بِهَا بِدَلِيلِ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَالْقِرَانُ مِنْ الْحِلِّ، وَلَوْ كَانَتْ مِيقَاتًا لَهُ لَأَحْرَمَ بِهِمَا مِنْهَا لِاسْتِوَاءِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي الْمِيقَاتِ وَمِثْلُ أَهْلِ مَكَّةَ أَهْلُ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقِيمَ مَعَهُمْ مِثْلُهُمْ.
(وَنُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِمَّنْ بِمَكَّةَ (بِالْمَسْجِدِ) الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْكَعْبَةِ أَيْ: فِيهِ كَمَا فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ بِبَابِهِ لَوَضَعَهُ لِلصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ لَا لِلْإِحْرَامِ وَيُحْرِمُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَيُلَبِّي وَهُوَ فِيهِ، وَلَا يُؤْمَرُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْبَيْتِ وَلَا إلَى مَا تَحْتَ الْمِيزَابِ وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ فَقَالَ (كَخُرُوجِ) الْغَرِيبِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ (ذِي) أَيْ: صَاحِبِ (النَّفَسِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ: الزَّمَنِ الَّذِي يَسَعُ سَفَرَهُ إلَى مِيقَاتِهِ وَالْإِحْرَامَ مِنْهُ وَالْعَوْدَ بِمَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَصِلَةُ خُرُوجٍ (لِمِيقَاتِهِ) لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْهُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ.
(وَ) مَكَانُهُ (لَهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ لِلْمُقِيمِ بِمَكَّةَ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا (وَ) مَكَانُهُ لِمَنْ ذُكِرَ (لِلْقِرَانِ) أَيْ: الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا (الْحِلُّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ الْأَرْضُ الَّتِي يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِهَا لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلَا
وَالْجِعْرَانَةُ أَوْلَى، ثُمَّ التَّنْعِيمِ،.
وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَهُ، وَأَهْدَى إنْ حَلَقَ.
ــ
[منح الجليل]
يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِأَحَدِهِمَا فِي الْحَرَمِ وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ إنْ وَقَعَ وَلَا دَمَ فِيهِ (وَالْجِعْرَانَةُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ كَسْرِهَا وَشَدِّ الرَّاءِ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ مِنْهَا (أَوْلَى) مِنْ الْإِحْرَامِ بِهَا مِنْ بَاقِي الْحِلِّ لِاعْتِمَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ حِينَ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَثُمِائَةِ نَبِيٍّ.
(ثُمَّ) يَلِي الْجِعْرَانَةَ فِي نَدْبِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْهَا (التَّنْعِيمُ) وَيُسَمَّى مَسَاجِدَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِاعْتِمَارِهَا مِنْهُ مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا النَّوَادِرَ وَاَلَّذِي فِي مَنَاسِكِهِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا فِي الشَّارِحِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا الْقِرَانُ فَإِفْرَادُ الْحِلِّ كُلُّهَا لَهُ سَوَاءٌ.
(وَإِنْ) أَحْرَمَ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ بِعُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ فِيهَا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَوَجَبَ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ خُرُوجِهِ لِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَإِنْ (لَمْ يَخْرُجْ) لَهُ وَطَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ فَهُمَا فَاسِدَانِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لَهُ (وَأَعَادَ) وُجُوبًا (طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَهُ) أَيْ: الْخُرُوجِ لِلْحِلِّ وَالْقَارِنُ مِنْ الْحَرَمِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ عَقِبَ إحْرَامِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ أَيْضًا.
وَلَكِنْ لَا يُعِيدُ طَوَافًا وَلَا سَعْيًا؛ إذْ لَا يُخَاطِبُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِمِنًى لِانْدِرَاجِ طَوَافِ عُمْرَتِهِ وَسَعْيِهَا فِي طَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ رَجَعَ وَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَسَعَى أَجْزَأَهُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَهُ الْحَطّ.
فَإِنْ قُلْت لِمَ أَمَرَ الْقَارِنَ مِنْ الْحَرَمِ بِخُرُوجِهِ لِلْحِلِّ وَلَمْ يَكْتَفِ بِخُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ. قُلْت لِيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِلْعُمْرَةِ وَخُرُوجُهُ لِعَرَفَةَ خَاصٌّ بِالْحَجِّ وَأَجْزَأَ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِانْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ.
(وَأَهْدَى) أَيْ افْتَدَى بِشَاةٍ فَأَعْلَى أَوْ إطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وُجُوبًا (إنْ حَلَقَ) رَأْسَهُ عَقِبَ سَعْيِ عُمْرَتِهِ مُتَحَلِّلًا مِنْهَا بِهِ لِحَلْقِهِ قَبْلَ
وَإِلَّا فَلَهُمَا: ذُو الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةُ وَيَلَمْلَمُ وَقَرْنٌ وَذَاتُ عِرْقٍ، وَمَسْكَنٌ دُونَهَا،
ــ
[منح الجليل]
طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِهَا لِفَسَادِهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ لِلْحِلِّ وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ وَمَا فِي حُكْمِهَا (فَ) مَكَانُ الْإِحْرَامِ (لَهُمَا) أَيْ: الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (ذُو الْحُلَيْفَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَبِهَا مَسْجِدٌ يُسَمَّى مَسْجِدَ الشَّجَرَةِ وَبِئْرٍ تُسَمِّيهِ الْعَوَامُّ بِئْرَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ بِهَا وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَا يُرْمَى بِهِ حَجَرٌ وَلَا غَيْرُهُ كَفِعْلِ الْجَاهِلِينَ وَهَذَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ.
(وَالْجُحْفَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَلَدٌ أَجْحَفَهَا السَّيْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَمَانِ مَرَاحِلَ لِأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْمَغْرِبِ وَالرُّومِ وَالسُّودَانِ (وَيَلَمْلَمُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الْأُولَى وَيُقَالُ فِيهَا أَلَمْلَمُ بِالْهَمْزِ بَدَلُ الْمُثَنَّاةِ وَيَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ بَدَلُ اللَّامَيْنِ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ (وَقَرْنٌ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَيُقَالُ لَهَا قَرْنُ الْمَنَازِلِ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ لِأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ، قَالُوا وَهِيَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ لِمَكَّةَ وَأَصْلُ الْقَرْنِ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَفِي الْإِكْمَالِ أَصْلُ الْقَرْنِ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ الْمُسْتَطِيلُ الْمُنْقَطِعُ عَنْ الْجَبَلِ الْكَبِيرِ.
(وَذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ آخِرُهُ قَافٌ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ يُقَالُ: إنَّهَا تَحَوَّلَتْ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَيَتَحَرَّى الْقَرْيَةَ الْقَدِيمَةَ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ عَلَامَاتِهَا الْمَقَابِرُ الْقَدِيمَةُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ وَالْمَشْرِقِ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ.
(وَ) مَكَانُهُ لَهُمَا (مَسْكَنٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مُنَوَّنًا أَيْ: مَحَلٌّ مَسْكُونٌ (دُونَهَا) أَيْ: الْمَوَاقِيتُ السَّابِقَةُ لِجِهَةِ مَكَّةَ لَا لِجِهَةِ الْقُطْرِ الْمُقَابِلِ لَهَا أَيْ: أَقْرَبُ مِنْهَا لِمَكَّةَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَهُمَا كَقُدَيْدٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَعُسْفَانُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَمَرُّ الظَّهْرَانِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ، أَيْ: مِنْ مَسْكَنِهِ بَيْنَ الْمِيقَاتِ
وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا، أَوْ مَرَّ وَلَوْ بِبَحْرٍ،
ــ
[منح الجليل]
وَمَكَّةَ كَأَهْلِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ فَمِيقَاتُهُ الَّذِي يُحْرِمُ فِيهِ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَوْ الْعُمْرَةِ بَلَدُهُ الَّذِي هُوَ سَاكِنُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْأَبْعَدِ لِمَكَّةَ مِنْ دَارِهِ أَوْ الْمَسْجِدِ وَتَأْخِيرِ إحْرَامِهِ عَنْ بَلَدِهِ كَتَأْخِيرِهِ عَنْ الْمِيقَاتِ فِي إيجَابِ الْهَدْيِ أَيْ كَانَ مَسْكَنُهُ فِي الْحِلِّ، وَإِنْ كَانَ بِالْحَرَمِ وَأَرَادَ الْقِرَانَ أَوْ الْعُمْرَةَ فَلَا يُحْرِمُ مِنْهُ بَلْ مِنْ الْحِلِّ. فَإِنْ سَافَرَ حَتَّى تَعَدَّى الْمِيقَاتُ ثُمَّ رَجَعَ نَاوِيًا الْإِحْرَامَ فَكَمِصْرِيٍّ مَرَّ بِالْحُلَيْفَةِ نَاوِيًا الْإِحْرَامَ فَالْمَنْدُوبُ إحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى مَسْكَنِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَدُونَ مَنْصُوبٌ صِلَةُ مَحْذُوفٍ نَعْتِ مَسْكَنٍ.
(وَ) مَكَانُهُ لَهُمَا أَيْضًا (حَيْثُ) أَيْ: مَكَانُ (حَاذَى) أَيْ: قَابَلَ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا (وَاحِدٌ) مِنْ الْمَوَاقِيتِ السَّابِقَةِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَتَى مِنْ خَارِجِ الْمَوَاقِيتِ مُرِيدًا مَكَّةَ وَلَمْ يَأْتِ عَلَى نَفْسِ الْمِيقَاتِ وَوَصَلَ إلَى مَكَان مُحَاذٍ لَهُ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ السَّيْرُ إلَى نَفْسِ الْمِيقَاتِ لِلْإِحْرَامِ مِنْهُ، وَرُبَّمَا تَكُونُ الْمَسَافَةُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيقَاتِ كَالْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَتَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ وَأَخْرَجَ حَيْثُ عَنْ نَصْبِ الظَّرْفِيَّةِ إلَى رَفْعِ الْخَبَرِيَّةِ عَلَى تَصَرُّفِهَا وَهُوَ نَادِرٌ.
وَعَطَفَ عَلَى جُمْلَةِ حَاذَى فَقَالَ (أَوْ مَرَّ) مُرِيدُ الْإِحْرَامِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَإِنْ تَعَدَّاهُ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مِيقَاتُهُ أَمَامَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَتَى مِنْ خَارِجِ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ السَّابِقَةِ وَمَرَّ بِهِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ كَمِصْرِيٍّ مَرَّ بِيَلَمْلَمَ أَوْ قَرْنٍ أَوْ ذَاتِ عِرْقٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، هَذَا إذَا حَاذَاهُ بِبَرٍّ بَلْ (وَلَوْ) حَاذَاهُ (بِبَحْرٍ) مِلْحٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ لِجُدَّةِ فِي سَفِينَةٍ فَيُحْرِمُ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه مَنْ أَتَى بَحْرًا إلَى جُدَّةَ فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى الْجُحْفَةَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَشَبَهِهَا اهـ.
وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ وَأَبْقَوْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ عُمُومِهِ بَحْرِ عَيْذَابٍ وَهُوَ بَحْرُ الْقُصَيْرِ وَبَحْرُ الْقَلْزَمِ وَهُوَ بَحْرُ السُّوَيْسِ. وَنَقَلَهُ سَنَدٌ وَقَيَّدَهُ بِالْمُسَافِرِ فِي بَحْرِ الْقَلْزَمِ، قَالَ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي عَلَى سَاحِلِ
إلَّا كَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِالْحُلَيْفَةِ
ــ
[منح الجليل]
الْجُحْفَةِ ثُمَّ يَتْرُكُهَا خَلْفَهُ وَيَتَجَاوَزُهَا إلَى جُدَّةَ وَلَمْ يَكُنْ السَّفَرُ فِي عَيْذَابٍ مَعْرُوفًا فِي زَمَنِ الْإِمَامِ وَمَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَرْضَ مَجُوسٍ. وَأَمَّا الْيَوْمُ فَمَنْ سَافَرَ فِيهِ فَلَا يُحْرِمُ حَتَّى يَخْرُجَ لِلْبَرِّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ مِيقَاتِ أَهْلِ الشَّامِ أَوْ الْيَمَنِ فَلَا يُحْرِمُ حَتَّى يَصِلَ مِيقَاتُهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِتَأْخِيرِهِ لِلْبَرِّ؛ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْمِيقَاتِ تَغْرِيرًا وَارْتِكَابَ خَطَرٍ؛ إذْ رُبَّمَا رَدَّتْهُ الرِّبْحُ فَيَبْقَى مُحْرِمًا عُمْرَهُ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْحَرَجِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَمِثْلُ هَذَا لَوْ وَجَبَ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّأْخِيرِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِهِ وَلَا دَلِيلَ.
وَأَمَّا مَنْ سَافَرَ فِي بَحْرِ الْقَلْزَمِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى جُدَّةَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ إلَى الْبَرِّ وَالْإِحْرَامِ مِنْ نَفْسِ الْجُحْفَةِ لَكِنْ لِمَضَرَّةِ النُّزُولِ بِمُفَارَقَةِ الرَّحْلِ وَالْخَطَرِ بِخَوْفِ رَدِّ الرِّيحِ إنْ أَحْرَمَ فِي السَّفِينَةِ يُبَاحُ لَهُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِجُدَّةِ وَعَلَيْهِ الدَّمُ نَظِيرَ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ مَعَ الدَّمِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ فِي بَحْرِ عَيْذَابٍ لَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ لِلْبَرِّ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْمِيقَاتِ فَيُؤَخِّرُهُ إلَى جُدَّةَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا.
وَأَمَّا مَنْ فِي بَحْرِ الْقَلْزَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِمُحَاذَاةِ الْمِيقَاتِ لِإِمْكَانِ نُزُولِهِ بِالْبَرِّ لَكِنْ لِلْمَشَقَّةِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ، وَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَأْخِيرِهِ إلَى جُدَّةَ وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ. الْحَطّ قَبْلَ تَقْيِيدِ سَنَدٍ هَذَا الْقَرَافِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَخَلِيلٌ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَأَفْتَى بِهِ وَالِدُهُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى خِلَافِهِ وَرَدَّهُ بِوَلَوْ بِبَحْرٍ وَرَدَّ بِهِ أَيْضًا رِوَايَةَ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يُحْرِمُ الْمُسَافِرُ فِي السُّفُنِ فَالْمُبَالَغَةُ فِي حَاذَى فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهَا عَلَى أَوْ مَرَّ وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَرَّ فَقَالَ (إلَّا كَمِصْرِيٍّ) الْكَافُ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلِ مَدْخَلٍ لِلشَّامِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَالرُّومِيِّ وَالسُّودَانِيِّ وَسَائِرِ مَنْ شَارَكَهُمْ فِي مِيقَاتِهِمْ وَمَنْ مَسْكَنُهُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ وَأَتَى مِنْ وَرَاءِ الْمِيقَاتِ مُرِيدًا الْإِحْرَامَ وَالْمُرُورَ عَلَى مَسْكَنِهِ (يَمُرُّ) نَحْوُ الْمِصْرِيِّ (بِالْحُلَيْفَةِ) وَمَنْ مَسْكَنُهُ بَعْدَ الْمِيقَاتِ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ يَمُرُّ بِهِ مُرِيدًا الْمُرُورَ بِالْجُحْفَةِ أَوْ مُحَاذَاتَهَا أَوْ مَسْكَنِهِ أَوْ مُحَاذَاتَهُ.
فَهُوَ أَوْلَى وَإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ: كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ.
وَإِزَالَةِ شَعَثِهِ، وَتَرْكِ اللَّفْظِ بِهِ، وَالْمَارُّ بِهِ إنْ لَمْ يَرِدْ مَكَّةَ،
ــ
[منح الجليل]
فَهُوَ) أَيْ إحْرَامُهُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ وَالْمِيقَاتِ (أَوْلَى) مِنْ إحْرَامِهِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَالْمَسْكَنِ وَلَا وَاجِبَ؛ لِأَنَّ مِيقَاتَهُ أَمَامَهُ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ إحْرَامِهِ مِنْ الْحُلَيْفَةِ أَوْ الْمِيقَاتِ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ أَوْ إحْرَامُهُ مِنْ غَيْرِ مِيقَاتٍ، هَذَا إذَا كَانَ وَقْتُ مُرُورِهِ عَلَى الْحُلَيْفَةِ أَوْ الْمِيقَاتُ لَيْسَ مُتَلَبِّسًا بِنَحْوِ حَيْضٍ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ حِينَ مُرُورِهِ بِالْحُلَيْفَةِ أَوْ الْمِيقَاتِ مُتَلَبِّسًا (بِحَيْضٍ) أَوْ نِفَاسٍ (رُجِيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (رَفْعُهُ) أَيْ الطُّهْرُ مِنْهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ أَوْ فِيهَا بِحَيْثُ يُحْرِمُ بِهَا عَقِبَ صَلَاةٍ فَتَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحُلَيْفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقِبَ صَلَاةٍ، أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِهِ إلَى الْجُحْفَةِ. وَإِنْ كَانَ عَقِبَ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ التَّلَبُّسَ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَيَّامًا أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ أَجْرِ الْإِحْرَامِ عَقِبَ صَلَاةٍ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ نَحْوُ الْمِصْرِيِّ الْمُرُورَ بِالْجُحْفَةِ وَمُحَاذَاتَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إحْرَامُهُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ.
وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ فَقَالَ (كَإِحْرَامِهِ) أَيْ: الشَّخْصِ الْبَالِغِ (أَوَّلَهُ) أَيْ الْمِيقَاتِ مِنْ جِهَةِ الْأَقْطَارِ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَرَةٌ إلَى الطَّاعَةِ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَالْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ مِنْ مَسْجِدِهَا أَوْ فِنَائِهِ لَا مِنْ أَوَّلِهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(وَإِزَالَةِ شَعَثِهِ) أَيْ: مُرِيدِ الْإِحْرَامِ بِتَقْلِيمِ أَظْفَارِهِ وَقَصِّ شَارِبِهِ وَحَلْقِ عَانَتِهِ وَنَتْفِ إبْطِهِ وَإِزَالَةِ شَعْرِ بَدَنِهِ إلَّا شَعْرَ رَأْسِهِ فَالْمَنْدُوبُ إبْقَاؤُهُ وَتَلْبِيدُهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ لِيَلْتَصِقَ عَلَى رَأْسِهِ وَلَا تَتَرَبَّى فِيهِ الدَّوَابُّ، وَاكْتِحَالُهُ وَادِّهَانُهُ بِغَيْرِ مُطَيِّبٍ.
(وَتَرْكِ اللَّفْظِ) أَيْ التَّلَفُّظِ حَالَ الْإِحْرَامِ (بِهِ) أَيْ: اللَّفْظِ الدَّالِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي حُرُمَاتِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَعَنْ مَالِكٍ: رضي الله عنه كَرَاهَتُهُ. وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ نَدْبُهُ بِأَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ أَوْ أَحْرَمْت بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه إنْ لَمْ يَلْفِظْ بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ (وَ) الشَّخْصُ (الْمَارُّ بِهِ) أَيْ: الْمِيقَاتِ (إنْ لَمْ يُرِدْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ يَقْصِدْ (مَكَّةَ) بِأَنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ دُونَهَا أَوْ فِي جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ لَوْ أَرَادَهَا.
أَوْ كَعَبْدٍ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلَا دَم، وَإِنْ أَحْرَمَ إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعُ فَتَأْوِيلَانِ، وَمُرِيدُهَا إنْ تَرَدَّدَ أَوْ عَادَلَهَا لِأَمْرٍ،
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) أَرَادَهَا وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْحَجِّ (كَعَبْدٍ) وَصَبِيٍّ أَوْ يُخَاطَبُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لِكُفْرِهِ (فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ) مِنْ الْمِيقَاتِ (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ إنْ اسْتَمَرَّ كَذَلِكَ بَلْ (وَإِنْ) بَدَا لَهُ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ بِلَا إحْرَامٍ دُخُولُهَا أَوْ إذَا الْوَلِيُّ أَوْ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ أَوْ الصَّبِيِّ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونَ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَ (أَحْرَمَ) بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ فَلَا دَمَ لِمُجَاوَزَتِهِ بِوَجْهٍ جَائِزٍ.
(إلَّا الصَّرُورَةَ) الَّذِي لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ (الْمُسْتَطِيعُ) لَهُ الَّذِي مَرَّ عَلَى الْمِيقَاتِ غَيْرُ مُرِيدِ مَكَّةَ وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ وَبَدَا لَهُ بَعْدَهُ دُخُولُهَا فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ (فَ) فِي لُزُومِهِ الدَّمَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَمَنْ مَرَّ بِهِ مُرِيدُهَا وَعَدَمُهُ نَظَرًا لِحَالِ مُرُورِهِ (تَأْوِيلَانِ) أَيْ: فَهْمَانِ لِشَارِحَيْهَا الْأَوَّلُ لِابْنِ شَبْلُونٍ وَالثَّانِي لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ.
(وَمُرِيدُهَا) أَيْ: مَكَّةَ (إنْ تَرَدَّدَ) لَهَا مِنْ مَكَان قَرِيبٍ دُونَ الْمَوَاقِيتِ أَيْ أَتَاهَا مِنْهُ ثُمَّ عَادَ مِنْهَا إلَيْهِ ثُمَّ عَادَ مِنْهُ إلَيْهَا، وَهَكَذَا فِي أَيَّامٍ مُتَقَارِبَةٍ مُتَسَبِّبًا بِفَاكِهَةٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ حَشِيشٍ أَوْ فَحْمٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَأَمَّا الْمَارُّ عَلَى الْمِيقَاتِ مُرِيدًا مَكَّةَ فَيَجِبُ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُتَرَدِّدًا أَوْ غَيْرُهُ كَمَا تُقَيِّدُهُ الْمُدَوَّنَةُ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَارَّ بِهِ الْمُتَرَدِّدَ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَفَادَهُ الرَّمَاصِيُّ. اللَّخْمِيُّ وَيُنْدَبُ لِلْمُتَرَدِّدِ لَهَا مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ الْإِحْرَامُ أَوَّلَ مَرَّةٍ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُوضِحُ وَالْحَطّ.
(أَوْ عَادَ) أَيْ: رَجَعَ مُرِيدُهَا (لَهَا) أَيْ: مَكَّةَ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ كَمَسَافَةِ قَصْرٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُقِيمًا بِهَا وَخَرَجَ مِنْهَا لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ لَهَا وَعَادَ لَهَا (لِأَمْرٍ) عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ، فَإِنْ عَادَ لَهَا اخْتِيَارًا لِغَيْرِ عَائِقٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الدَّمُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَنَقَلَهُ الْحَطّ أَوْ خَرَجَ مِنْهَا مُرِيدًا الْعَوْدَ إلَيْهَا وَرَجَعَ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ لَمْ يَقُمْ فِيهِ كَثِيرًا وَلَوْ لِغَيْرِ عَائِقٍ كَفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - حَيْثُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى قَدِيدٍ فَبَلَغَتْهُ فِتْنَةُ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ.
فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا وَجَبَ الْإِحْرَامُ، وَأَسَاءَ تَارِكُهُ، وَلَا دَمَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا،
ــ
[منح الجليل]
فَكَذَلِكَ) أَيْ الْمَارُّ الَّذِي لَمْ يُرِدْهَا فِي عَدَمِ لُزُومِ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِ الدَّمِ. سَنَدٌ وَأُلْحِقَ بِهَذَا مَنْ خَافَ مِنْ سُلْطَانِهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَظْهَرَ أَوْ خَافَ مِنْ جَوْرِ يَلْحَقُهُ بِوَجْهٍ فَيَجُوزُ لَهُ دُخُولُهَا بِلَا إحْرَامٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ عُذْرِ التَّكْرَارِ فَكَيْفَ بِعُذْرِ الْمَخَافَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَلْحَقَ بِهِ أَيْضًا دُخُولُهَا لِقِتَالٍ جَائِزٍ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدُهَا مُتَرَدِّدًا مِنْ قَرِيبٍ وَلَمْ يَعُدْ لَهَا لِأَمْرٍ بَلْ عَادَ لَهَا لِنُسُكٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ لِسُكْنَاهَا وَلَمْ يَعُدْ لَهَا مِنْ قَرِيبٍ بَلْ مِنْ بَعِيدٍ زَائِدٍ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَوَاءٌ خَرَجَ مِنْهَا بِنِيَّةِ الْعَوْدِ أَمْ لَا (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الْإِحْرَامُ) لِدُخُولِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ دُخُولَهَا حَلَالًا مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم (وَأَسَاءَ) أَيْ: أَثِمَ (تَارِكُهُ) وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى تَأَكُّدٍ كَقَوْلِهِمْ وَجَبَ الْوِتْرُ وَجَبَ الْأَذَانُ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا.
(وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ صَرُورَةً أَمْ لَا (إنْ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا) وَلَا دُخُولَ مَكَّةَ فَقَصْدُ دُخُولِهَا كَقَصْدِ النُّسُكِ. الْبُنَانِيُّ فَتَحَصَّلَ أَنَّ مُرِيدَ مَكَّةَ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ إنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا أَوْ رَجَعَ لَهَا الْفِتْنَةُ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمَارَّ بِالْمِيقَاتِ إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ أَوْ كَانَ كَعَبْدٍ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَإِنْ أَرَادَهَا وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي الدَّمِ إنْ لَمْ يُحْرِمْ. ابْنُ عَرَفَةَ تَعَدِّيهِ حَلَالٌ لِغَيْرِ دُخُولٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ عَفْوٌ ثُمَّ قَالَ: وَلِأَحَدِهِمَا مَمْنُوعٌ ثُمَّ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ فِي الدَّمِ.
طفي لَكِنَّ التَّفْصِيلَ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا فِي مُتَعَدِّي الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ حَلَالًا غَيْرَ مُتَعَدٍّ الْمِيقَاتَ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَصَدَ النُّسُكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَدَّاهُ الِاخْتِصَارُ إلَى عَدَمِ تَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَعَلَى مَا قَرَّرَهُ الْحَطّ، يَبْقَى عَلَى الْمُصَنِّفِ حُكْمُ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ حَلَالًا هَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ أَمْ لَا؟ فَالْأَوْلَى التَّعْمِيمُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِحْرَامُ أَمَّا وُجُوبُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ الْمِيقَاتِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ
وَإِلَّا رَجَعَ، وَإِنْ شَارَفَهَا وَلَا دَمَ وَإِنْ عَلِمَ، مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتًا، فَالدَّمُ: كَرَاجِعٍ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَلَوْ أَفْسَدَ، لَا فَاتَ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ.
، وَإِنْ خَالَفَهَا
ــ
[منح الجليل]
تَعَدِّيهِ حَلَالًا لِدُخُولِ مَكَّةَ مَمْنُوعٌ فَصَرَّحَ بِالْمَنْعِ اهـ.
(وَإِلَّا) أَيْ: بِأَنْ قَصَدَ مُرِيدُ مَكَّةَ نُسُكًا حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَلَمْ يَتَرَدَّدْ، وَتَعَدَّى الْمِيقَاتَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ عَالِمًا وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ (رَجَعَ) وُجُوبًا لِلْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ إنْ لَمْ يُشَارِفْ مَكَّةَ بَلْ (وَإِنْ شَارَفَهَا) أَيْ قَارَبَ مَكَّةَ بَلْ يَرْجِعُ وَإِنْ دَخَلَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَبِهِ أَفْتَى النَّاصِرُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ الْمُصَنِّفُ قَالَهُ الْحَطّ (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ إنْ رَجَعَ قَبْلَ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ صَارَ كَأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْهُ ابْتِدَاءً وَظَاهِرُهُ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْبُعْدِ لِلْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ جَهِلَ أَنَّ مُجَاوَزَتَهُ حَلَالًا مَمْنُوعَةٌ.
بَلْ (وَإِنْ عَلِمَ) ذَلِكَ وَأَخْرَجَ مِنْ قَوْلِهِ رَجَعَ فَقَالَ (مَا لَمْ يَخَفْ) قَاصِدُ النُّسُكِ بِرُجُوعِهِ (فَوْتًا) لِحَجَّةٍ أَوْ رُفْقَةٍ وَلَا مَرَضًا شَاقًّا فَإِنْ خَافَ شَيْئًا مِنْهَا (فَالدَّمُ) وَجَبَ عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُ الرُّجُوعِ وَيُحْرِمُ مِنْ مَكَانِهِ وَيَتَمَادَى؛ لِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ تُبَاحُ بِالْعُذْرِ وَيَلْزَمُ الدَّمُ، وَهَذَا إنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، فَإِنْ فَاتَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ الْآتِي لَا فَاتَ.
وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَقَالَ (كَرَاجِعٍ) لِلْمِيقَاتِ الَّذِي تَعَدَّاهُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ (بَعْدَ إحْرَامِهِ) فِي مَحَلٍّ بَعْدَهُ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَالدَّمُ تَخْلُدُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُهُ عِنْدَ رُجُوعِهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ إنْ لَمْ يُفْسِدْ إحْرَامَهُ بَلْ (وَلَوْ أَفْسَدَ) إحْرَامَهُ بِجِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ فَيَتَمَادَى عَلَيْهِ كَالصَّحِيحِ إلَى تَمَامِهِ وَيَقْضِيهِ، وَعَلَيْهِ هَدْيَانِ هَدْيٌ لِتَعَدِّي الْمِيقَاتِ وَهَدْيٌ لِلْإِفْسَادِ (لَا) يَتَخَلَّلُهُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ إنْ (فَاتَ) الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ فَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ بِتَحَلُّلِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَفُتْهُ.
(وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (بِالنِّيَّةِ) لِلدُّخُولِ فِي عِبَادَةِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَالْحُصْرُ مُنَصَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ الْآتِي مَعَ قَوْلِ إلَخْ إنْ وَافَقَهَا لَفْظُهُ بَلْ.
(وَإِنْ خَالَفَهَا) أَيْ: النِّيَّةَ
لَفْظُهُ، وَلَا دَمَ وَإِنْ بِجِمَاعٍ مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ
ــ
[منح الجليل]
لَفْظُهُ) عَمْدًا بِأَنْ نَوَى الْحَجَّ وَقَالَ نَوَيْت الْعُمْرَةَ أَوْ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الصَّلَاةِ بِعَدَمِ ارْتِفَاضِهِ (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْمُخَالَفَةِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ رضي الله عنه الْمَرْجُوعُ عَنْهُ، وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الْأَوَّلُ أَقْيَسُ، وَعَلَى الثَّانِي هَلْ الدَّمُ إنْ أَوْجَبَهُ لَفْظُهُ بِأَنْ قَالَ نَوَيْت الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ وَنَوَى الْحَجَّ فَقَطْ أَوْ مُطْلَقًا احْتِمَالَانِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَى أَوَّلِهِمَا يَدُلُّ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ.
(وَإِنْ) كَانَتْ (بِجِمَاعٍ) أَيْ: مَعَهُ فَيَنْعَقِدُ فَاسِدًا فَيُتِمُّهُ وَيَقْضِيهِ وَيَهْدِي. الْحَطّ عَنْ طُرَرِ التَّلْقِينُ شَرْطُ صِحَّةِ انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ أَنْ لَا يَنْوِيَ عِنْدَ الدُّخُولِ فِيهِ وَطْئًا وَلَا إنْزَالًا فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ مَعَ إحْرَامِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ شَيْءٌ وَلَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِحْرَامِ بِهِمَا شَيْءٌ اهـ.
قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَحْرَمَ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَحْرُمَ عَلَيْهِ وَطْءٌ وَلَا إنْزَالٌ فَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ مُنَاقِضٌ لِمُقْتَضَى عَقْدِهِ، أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ حَالَ كَوْنِ النِّيَّةِ (مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا) أَيْ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ (بِهِ) أَيْ: الْمَنْوِيِّ مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْأَشْعَارِ وَالتَّوَجُّهِ. وَاحْتُرِزَ عَنْ غَيْرِ الْمُتَعَلِّقِينَ كَالتَّكْبِيرِ وَالْأَكْلِ، وَتَبِعَ فِي هَذَا قَوْلَ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُهُ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَاَلَّذِي فِي التَّلْقِينِ وَالْمُعَلَّمِ وَالْقَبَسِ أَنَّ النِّيَّةَ كَافِيَةٌ فِي انْعِقَادِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهَا مَنْ قَالَ أَنَا مُحْرِمٌ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ يَوْمَ يُكَلِّمْهُ مُحْرِمٌ. الْحَطّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ إحْرَامٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ رضي الله عنهما لَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يُنْشِئَ إحْرَامًا وَاسْتَشْكَلَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ سَحْنُونٍ وَخَلِيلٍ وَهُوَ حَقِيقٌ بِالْإِشْكَالِ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ مَعَ ابْتِدَاءِ تَوَجُّهِ الْمَاشِي أَوْ اسْتِوَاءِ الرَّاكِبِ عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَشَرَطَ ابْنُ حَبِيبٍ تَلْبِيَتَهُ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَفِيهِ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ مَعَهَا قَوْلَا إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالْأَكْثَرُ عَنْهُ، وَفِيهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ طُرُقٌ. الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَسَنَدٌ يَنْعَقِدُ بِهَا. لِلَّخْمِيِّ
بَيَّنَ، أَوْ أَبْهَمَ، وَصَرَفَهُ لِحَجٍّ وَالْقِيَاسُ لِقِرَانٍ.
وَإِنْ نَسِيَ فَقِرَانٌ، وَنَوَى الْحَجَّ
ــ
[منح الجليل]
كَالْيَمِينِ بِهَا. ابْنُ بَشِيرٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَفْضٍ أَوْ إفْسَادٍ إلَّا بِتَحَلُّلٍ خَاصٍّ وَيَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ سَوَاءٌ (بَيَّنَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ هُمَا مَعًا (أَوْ أَبْهَمَ) بِأَنْ نَوَى الدُّخُولَ فِي عِبَادَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يُلَاحِظْ كَوْنَهَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَيَنْعَقِدُ مُطْلَقًا وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا حَتَّى يُعَيَّنَ أَحَدُهُمَا أَوْ هُمَا.
(وَصَرَفَهُ) أَيْ: الشَّخْصُ الْإِحْرَامَ الْمُبْهَمَ (لِحَجٍّ) وُجُوبًا إنْ كَانَ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ لَا وَنَدْبًا إنْ كَانَ قَبْلَهُ وَالْإِحْرَامُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ فِي الثَّلَاثِ صُوَرٍ عَقِبَ الْإِفَاضَةِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ نُدِبَ صَرْفُهُ لِعُمْرَةٍ وَكُرِهَ لِحَجٍّ، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ وَوَجَبَ صَرْفُهُ لَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ يُصْرَفُ لِطَوَافِ الْقُدُومِ وَهُوَ وَاجِبٌ، فَلَا يَكْفِي عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ أَفَادَهُ سَنَدٌ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وُجُوبًا إنْ وَقَعَ الصَّرْفُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ هَذَا الْفَرْعُ الَّذِي وَقَعَ الصَّرْفُ فِيهِ لِحَجٍّ بَعْدَ الطَّوَافِ إنَّمَا نَقَاؤُهُ عِنْدَ سَنَدٍ وَالْقَرَافِيِّ وَهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ وُجُوبَ صَرْفِهِ لِحَجٍّ، وَإِنَّمَا قَالَا: الصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ حَجًّا وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَكَذَا التَّعْلِيلُ الْآتِي لَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ فِي الثَّلَاثِ صُوَرٍ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ مَا صَرَفَهُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَقَدْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ وَيَسْعَى عَقِبَهُ وَمَا صَرَفَهُ بَعْدَهُ فَقَدْ قَالَ سَنَدٌ يُؤَخِّرُ سَعْيَهُ لِلْإِفَاضَةِ أَيْ:؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْقُدُومَ. وَبَحَثَ فِيهِ الْحَطّ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ. وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي وَقَعَ إلَخْ لَا يُخْفِي مَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ مِنْ الْخَلَلِ وَالِانْحِلَالِ. وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ فَالصَّوَابُ أَنْ يَجْعَلَ حَجًّا وَيَكُونَ هَذَا طَوَافَ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا فِي الْحَجِّ، وَطَوَافُ الْعُمْرَةِ رُكْنٌ وَقَدْ وَقَعَ قَبْلَ تَعْيِينِهَا اهـ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ كَلَامُ سَنَدٍ وَقَدْ نَقَلَهُ الْحَطّ.
(وَالْقِيَاسُ) صَرَفَهُ (لِقِرَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النُّسُكَيْنِ.
(وَإِنْ) أَحْرَمَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ وَ (نَسِيَ) مَا أَحْرَمَ بِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَهُوَ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ قِرَانٌ (فَقِرَانٌ) أَيْ: يَعْمَلُ عَمَلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَجْمَعَ وَيُهْدِي لَهُ لَا أَنَّهُ يَنْوِي الْقِرَانَ وَإِلَّا نَافَى قَوْلَهُ (وَنَوَى) وَقْتَ عَمَلِهِ (الْحَجَّ) وُجُوبًا
وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ: كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ.
وَلَغَا عَمْرَةً عَلَيْهِ: كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ،
ــ
[منح الجليل]
لِيَتِمَّ عَمَلُ الْقِرَانِ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَقَدْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ، وَهَذَا إذَا شَكَّ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ الْإِرْدَافُ بِأَنْ وَقَعَ قَبْلَ الطَّوَافِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ فَلَا يَنْوِي الْحَجَّ؛ إذْ لَا يَصِحُّ إرْدَافُهُ عَلَى الْعُمْرَةِ حِينَئِذٍ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَذَا إنْ كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ السَّعْيِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُهْدِيَ احْتِيَاطًا لِخَوْفِ تَأْخِيرِ الْحَلَّاقِ قَالَهُ سَنَدٌ اهـ عب.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وُجُوبًا فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَجِّ أَحْدَثَ نِيَّتَهُ صَرُورَةً كَانَ أَوْ لَا، وَإِنْ تَرَكَ نِيَّتَهُ بَرِئَ مِنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ وَلَيْسَ مُحَقِّقًا عِنْدَهُ إلَّا عُمْرَةً (وَ) إذَا نَوَى الْحَجَّ (بَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ) لَا مِنْ الْعُمْرَةِ فَيَأْتِي بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ إحْرَامَهُ أَوَّلًا كَانَ بِحَجٍّ، وَمُفَادُ النَّقْلِ أَنَّ عَمَلَ الْقِرَانِ لَازِمٌ لَهُ سَوَاءٌ نَوَى الْحَجَّ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الْحَجِّ إنَّمَا تَكُونُ إذَا نَوَاهُ.
ثُمَّ شَبَّهَ فِي نِيَّةِ الْحَجِّ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ فَقَطْ فَقَالَ (كَشَكِّهِ) أَيْ: الْمُحْرِمِ فِي كَوْنِهِ (أَفْرَدَ) أَيْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ (أَوْ تَمَتَّعَ) أَيْ: أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّكَّ حَصَلَ عَقِبَ إحْرَامِهِ، وَالتَّمَتُّعُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِفَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ أَيْ أَشْهُرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْآنَ فَقَوْلُهُ أَوْ تَمَتَّعَ فِيهِ مَجَازٌ الْأَوَّلُ أَيْ فَصْلُ مَا يَصِيرُ بِهِ مُتَمَتِّعًا فَيَنْوِي الْحَجَّ لِيَرْتَدِفَ عَلَى الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا أَوَّلًا، وَيَبْرَأُ مِنْهُ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةَ الْحَجِّ بَرِئَ مِنْ الْعُمْرَةِ فَقَطْ
(وَلَغَا) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: لَا تَنْعَقِدُ (عُمْرَةً) أُرْدِفَتْ (عَلَيْهِ) أَيْ: الْحَجِّ لِضَعْفِهَا وَقُوَّتِهِ. وَشَبَّهَ فِي اللَّغْوِ فَقَالَ (كَ) الْإِحْرَامِ (الثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الثَّانِي مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا حَصَلَ بِالْأَوَّلِ. وَأَمَّا إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَيَصِحُّ لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِهَا وَلِأَنَّهُ
وَرَفْضُهُ.
وَفِي كَإِحْرَامِ زَيْدٍ: تَرَدُّدٌ.
وَنُدِبَ: إفْرَادٌ، ثُمَّ قِرَانٌ: بِأَنْ يُحْرِمَ
ــ
[منح الجليل]
يَحْصُلُ بِهَا، وَمَعْنَى اللَّغْوِ فِي الثَّلَاثَةِ عَدَمُ الِانْعِقَادِ وَحُكْمُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ الْكَرَاهَةُ.
(وَ) لَغَا (رَفْضُهُ) أَيْ: الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ فِي الْأَثْنَاءِ فَيَجِبُ إتْمَامُهُ بِنِيَّةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ كَالطَّوَافِ، وَلَا يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَلَا شَيْءٌ عَبْدُ الْحَقِّ، فَإِذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُخَاطِبُ بِهَا فَفَعَلَهَا لَمْ يَحْصُلْ لِرَفْضِهِ حُكْمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ وَنَوَى رَفْضَهَا وَفِعْلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ رَافِضٌ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ. .
(وَفِي) جَوَازِ إحْرَامِ شَخْصٍ (كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) وَعَدَمِهِ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ نَقَلَ سَنَدٌ وَالْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ جَوَازَهُ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه الْمَنْعَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ «إهْلَالِ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى رضي الله عنهما حِينَ قُدُومِهِمَا مِنْ الْيَمَنِ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَقَرَّهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا بِصَرْفِ إحْرَامِهِ لِحَجٍّ لِسَوْقِهِ هَدْيًا وَأَبَا مُوسَى بِصَرْفِهِ لِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا» وَعَلَى الْجَوَازِ فَيَتَّبِعُ زَيْدًا فِي الْإِفْرَادِ أَوْ الْقِرَانِ أَوْ الْعُمْرَةِ فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُحْرِمْ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ الْمُطْلَقُ فَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ زَيْدٌ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَوْ وَجَدَهُ مُطْلَقًا فِي إحْرَامِهِ وَجَرَى التَّرَدُّدُ هُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ إحْرَامِ الْمَأْمُومِ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ إمَامِهِ لِشِدَّةِ ارْتِبَاطِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ إمَامِهِ.
(وَنُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (إفْرَادٌ) أَيْ فَضْلٌ عَلَى قِرَانٍ وَتَمَتُّعٍ؛ لِأَنَّهُ هَدْيٌ فِيهِ وَفِيهِمَا هَدْيٌ وَهُوَ لَا يَطْلُبُ إلَّا لِلنَّقْصِ، وَلَا تُرَدُّ الصَّلَاةُ الْمُرَقَّعَةُ لِامْتِيَازِهَا بِالسُّجُودِ الْمُرْغِمِ لِلشَّيْطَانِ وَلِأَنَّ السَّهْوَ لَا اخْتِيَارَ لِلْمُصَلِّي فِيهِ بِخِلَافِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَفْضَلِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الِاعْتِمَارَ بَعْدَهُ. الْبُنَانِيُّ نَقَلَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ عَنْ مَالِكٍ وَمُحَمَّدٍ رضي الله عنهما تَقْيِيدُ أَفْضَلِيَّتِهِ بِنِيَّةِ الِاعْتِمَارِ بَعْدَهُ، وَقَوْلُ عب وَلَا تُرَدُّ الصَّلَاةُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا عَلَى مَا لَا سَهْوَ فِيهَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا تُرَدُّ أَصْلًا.
(ثُمَّ) يَلِي الْإِفْرَادَ فِي الْفَضْلِ (قِرَانٌ) لِمُشَابِهَتِهِ الْإِفْرَادَ فِي الْعَمَلِ مُصَوَّرٌ (بِأَنْ يُحْرِمَ)
بِهِمَا وَقَدَّمَهَا، أَوْ يُرْدِفُهُ بِطَوَافِهَا، إنْ صَحَّتْ وَكَمَّلَهُ، وَلَا يَسْعَى وَتَنْدَرِجُ.
وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لَا بَعْدَهُ.
وَصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ.
وَحَرُمَ الْحَلْقُ وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ وَلَوْ فَعَلَهُ.
ــ
[منح الجليل]
بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (بِهِمَا) أَيْ: الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ يَقْصِدَهُمَا أَوْ بِنِيَّتَيْنِ (وَقَدَّمَ) نِيَّتَ (هَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ وُجُوبًا لِيُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا (أَوْ) يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا وَ (يُرْدِفُهُ) أَيْ: الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا أَوْ (بِطَوَافِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ أَرْدَفَهُ قَبْلَ طَوَافِهَا فَلَا يَطُوفُ وَلَا يَسْعَى حَتَّى يَعُودَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيَصِحُّ إرْدَافُهُ عَلَيْهَا (إنْ صَحَّتْ) الْعُمْرَةُ، فَإِنْ فَسَدَتْ فَلَا يَصِحُّ إرْدَافُهُ عَلَيْهَا، وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ فَلَا يُتِمُّهُ وَلَا يَقْضِيهِ وَهُوَ عَلَى عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ فَيُتِمُّهَا وَيَقْضِيهَا. فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ إتْمَامِهَا وَقَبْلَ قَضَائِهَا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ بِهِ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بَعْدَ تَمَامِ الْحَجِّ (وَ) إنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بِطَوَافِهَا (كَمَّلَهُ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا نَفْلًا وُجُوبًا وَصَلَّى رَكْعَتَيْهِ.
(وَلَا يَسْعَى) عَقِبَهُ وَانْدَرَجَتْ عُمْرَتُهُ فِي الْحَجِّ فَيَسْعَى عَقِبَ الْإِفَاضَةِ وَكَذَا إرْدَافُهُ عَقِبَ طَوَافِهَا وَقَبْلَ رَكْعَتَيْهِ أَوْ فِيهِمَا (وَتَنْدَرِجُ) الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ فَيُسْتَغْنَى بِالْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ عَقِبَهُ عَنْ طَوَافِهَا وَسَعْيِهَا وَحَلْقِهِ عَنْ حَلْقِهَا فَلَا يَبْقَى لَهَا فِعْلٌ ظَاهِرٌ يَخُصُّهَا.
(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ إرْدَافُهُ عَلَيْهَا عَقِبَ طَوَافِهَا وَ (قَبْلَ الرُّكُوعِ) أَيْ: صَلَاةِ رَكْعَتَيْهِ وَيَصِحُّ إرْدَافُهُ عَلَيْهَا وَيَصِير قَارِنًا فَيُصَلِّيهِمَا وَتَنْدَرِجُ (لَا) يَصِحُّ إرْدَافُهُ عَلَيْهَا (بَعْدَهُ) أَيْ: الرُّكُوعِ وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَصِيرُ قَارِنًا وَمَفْهُومُ بَعْدِهِ صِحَّتُهُ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
(وَصَحَّ) إحْرَامُ الْحَجِّ (بَعْدَ) تَمَامِ (سَعْيٍ) لِلْعُمْرَةِ قَبْلَ حَلْقِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ أَتَمَّهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَإِنْ كَانَ أَتَمَّهُ فِيهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ صَحَّ بَعْدَ جَوَازِهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ كَذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِهِ تَأْخِيرَ حَلْقِهَا أَوْ سُقُوطَهُ.
(وَحَرُمَ) عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعْيِهَا (الْحَلْقُ) لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ مِنْ حَجِّهِ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
(وَأَهْدَى) وُجُوبًا (لِتَأْخِيرِهِ) أَيْ: الْحَلْقِ وُجُوبًا بِسَبَبِ إحْرَامِ الْحَجِّ (وَلَوْ فَعَلَهُ) أَيْ:
ثُمَّ تَمَتَّعَ بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا وَإِنْ بِقِرَانٍ.
وَشَرْطُ دَمِهِمَا: عَدَمُ إقَامَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ فِعْلِهِمَا وَإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا
ــ
[منح الجليل]
الْحَلْقَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْحَجِّ مُبَالَغَةً فِي وُجُوبِ الْهَدْيِ وَتَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ أَيْضًا لِحَلْقِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ يُونُسَ لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِسُقُوطِ سُجُودِ مَنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ بِلَا تَشَهُّدٍ بِرُجُوعِهِ وَتَشَهُّدِهِ بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ قَائِمًا قَبْلَ سَلَامِهِ، وَيَسْجُدُ بَعْدَهُ، وَعَلَى سُقُوطِ دَمِ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ وَالْإِحْرَامِ مِنْهُ.
(ثُمَّ) يَلِي الْقِرَانَ فِي الْفَضْلِ (تَمَتُّعٌ) فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعَلَى الْإِحْرَامِ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَأَوْجُهُهُ خَمْسَةٌ، وَلَا فَضْلَ فِي الْأَخِيرَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا رَاجِعَانِ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلَا يَنْبَغِي عَدَّهُمَا مُسْتَقِلَّيْنِ مُصَوَّرٌ (بِأَنْ) يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَيُتِمَّهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ (يَحُجُّ بَعْدَهَا) فِي عَامِهِ بِإِفْرَادٍ بَلْ (وَإِنْ بِقِرَانٍ) فَيَصِيرُ مُتَمَتِّعًا قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ هَدْيَانِ وَاحِدٌ لِتَمَتُّعِهِ وَهَدْيٌ لِقِرَانِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً وَلَوْ كَرَّرَهَا فِي أَشْهُرِهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهَدْيٌ وَاحِدٌ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ، وَسُمِّيَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِهِ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ بَعْدَ تَمَامِ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِهِمَا.
(وَشَرْطُ) وُجُوبِ (دَمِهِمَا) أَيْ: الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ (عَدَمُ إقَامَةٍ بِمَكَّةَ) وَمَا فِي حُكْمِهَا مِمَّا لَا يَقْصِرُ الْمُسَافِرُ حَتَّى يُجَاوِزُهُ (أَوْ ذِي طُوًى) مُثَلَّثُ الطَّاءِ مَوْضِعٌ بَيْنَ الطَّرِيقِ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا إلَى مَقْبَرَةِ مَكَّةَ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُعَلَّاةِ وَالطَّرِيقِ الْآخَرِ الَّذِي إلَى جِهَةِ الزَّاهِرِ، وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ مَكَّةَ بَيْنَ الْحَجُونَيْنِ. وَأَمَّا طُوَى الَّذِي فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَيَضُمُّهَا فَقَطْ فِي الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ مُنَوَّنًا وَغَيْرَ مُنَوَّنٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ وَصِلَةُ إقَامَةِ (وَقْتَ فِعْلِهِمَا) أَيْ: الْإِحْرَامِ بِالْقِرَانِ وَالْعُمْرَةِ، فَلَوْ قَدِمَ آفَاقِيٌّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَارِنًا وَنِيَّتُهُ السُّكْنَى بِمَكَّةَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ أَوْ الْقِرَانِ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَالْمُقِيمُ بِمَكَّةَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ بِهَا أَصْلِيَّةً بَلْ (وَإِنْ) كَانَتْ إقَامَتُهُ بِهَا (بِانْقِطَاعٍ) عَنْ وَطَنِهِ (بِهَا) أَيْ: مَكَّةَ أَيْ: رَفَضَ وَطَنَهُ وَسُكْنَاهَا بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ وَهُوَ مُرَادُ التَّوْضِيحِ بِقَوْلِهِ الْمُجَاوِرُ بِهَا الْمُنْقَطِعُ كَأَهْلِهَا لَا الْمُجَاوِرُ بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ.
أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، لَا انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا، أَوْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ.
وَنُدِبَ لِذِي أَهْلَيْنِ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبَرُ، تَأْوِيلَانِ.
وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَلِلتَّمَتُّعِ عَدَمُ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ أَوْ مِثْلِهَا
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) تَوَطُّنُهَا وَ (خَرَجَ) مِنْهَا (لِ) قَضَاءِ (حَاجَةٍ) كَغَزْوٍ وَرِبَاطٍ وَتِجَارَةٍ نَاوِيًا الرُّجُوعَ طَالَتْ إقَامَتُهُ أَوْ قَصُرَتْ ثُمَّ رَجَعَ لَهَا بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَارِنًا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (لَا) يَسْقُطُ الدَّمُ عَنْ مُتَوَطِّنِهَا إنْ رَفَضَ سُكْنَاهَا وَ (انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا) أَيْ: مَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَارِنًا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (أَوْ قَدَّمَ) أَيْ: الْمُنْقَطِعُ بِغَيْرِهَا (بِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ أَوْ أَشْهُرُ الْحَجِّ حَالَ كَوْنِهِ (يَنْوِي الْإِقَامَةَ) بِمَكَّةَ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَنْوِهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ فَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا غَيْرُ رَافِضٍ سُكْنَاهَا ثُمَّ رَجَعَ لَهَا نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ.
(وَنُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ دَمُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ (لِذِي) أَيْ: صَاحِبِ (أَهْلَيْنِ) أَهْلٍ بِمَكَّةَ وَأَهْلٍ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ فِي حُكْمِهَا (وَهَلْ) يُنْدَبُ دَمُ التَّمَتُّعِ لِذِي أَهْلَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ) ذُو الْأَهْلَيْنِ (بِأَحَدِهِمَا) أَيْ: الْأَهْلَيْنِ (أَكْثَرَ) مِنْ إقَامَتِهِ بِالْآخَرِ (فَيُعْتَبَرُ) مَا أَقَامَ بِهِ أَكْثَرَ وَيُلْغَى مَا أَقَامَ بِهِ أَقَلَّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ بِغَيْرِ مَكَّةَ أَكْثَرَ، وَلَا يَجِبُ إنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ بِهَا أَكْثَرَ (تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِلتُّونُسِيِّ وَالثَّانِي لِلَّخْمِيِّ.
(وَ) شَرَطَ دَمَ التَّمَتُّعِ (حَجَّ مِنْ) أَيْ: فِي (عَامِهِ) الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ وَالْقِرَانُ حَجٌّ بِإِحْرَامِهِ وَلَوْ فِي عَامٍ آخَرَ، فَمَنْ قَرَنَ وَفَاتَهُ الْحَجُّ وَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى أَتَمَّهُ فِيمَا يَلِيهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ تَحَلَّلَ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. الْخَرَشِيُّ أَيْ: وَشَرْطُ دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَوْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ أَوْ فَاتَ الْمُتَمَتِّعُ الْحَجَّ أَوْ الْقَارِنَ وَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ فَلَا دَمَ، وَلَوْ بَقِيَ الْقَارِنُ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ.
(وَ) شَرَطَ (لِ) دَمِ (التَّمَتُّعِ عَدَمَ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ أَوْ مِثْلِهِ) فِي الْبُعْدِ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ
وَلَوْ بِالْحِجَازِ لَا أَقَلَّ، وَفِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ، وَفِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ وَاحِدٍ: تَرَدُّدٌ، وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامٍ الْحَجِّ،
ــ
[منح الجليل]
مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، فَإِنْ عَادَ لَهُ بَعْدَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِثْلَهُ بِغَيْرِ الْحِجَازِ بَلْ (وَلَوْ) كَانَ مِثْلَ بَلَدِهِ الَّذِي رَجَعَ لَهُ (بِالْحِجَازِ) وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُشْتَرَطُ الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهِ أَوْ الْخُرُوجُ مِنْ الْحِجَازِ، فَالْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ لِمِثْلِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا الرُّجُوعُ لِبَلَدِهِ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَسَقَطَ الدَّمُ اتِّفَاقًا (لَا) يَسْقُطُ الدَّمُ (بِ) عَوْدِهِ إلَى (أَقَلَّ) مِنْ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ أَوْ مِثْلَهُ ثُمَّ عَادَ لَهُ فَعَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّ عَوْدَهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ لِلْحَجِّ الْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ هَذَا الشَّرْطَ، وَقَيَّدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَنْ كَانَ أَفْقَهَ إذَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَعَادَ يُدْرِكُ الْحَجَّ فِي عَامِهِ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا كَإِفْرِيقِيَّةَ كَفَى عِنْدِي رُجُوعُهُ إلَى مِصْرَ.
(وَ) شَرْطُهُ لِلتَّمَتُّعِ (فِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ شَرْطًا مِنْ السَّعْيِ لَا حَلَقَهَا (فِي وَقْتِهِ) أَيْ: الْحَجِّ وَيَدْخُلُ بِظُهُورِ هِلَالِ شَوَّالٍ، فَإِنْ أَتَمَّ سَعْيَهَا فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ عَقِبَ غُرُوبِ شَمْسِهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُتْعَةُ إحْرَامُ مَنْ أَتَمَّ رُكْنَ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِهِ، رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَلَوْ بِآخِرِ شَوْطٍ بِحَجٍّ مِنْ عَامِهِ لَا حَلَقَهَا فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَهُ لَزِمَهُ، وَتَأْخِيرُ حَلْقِهَا وَلَا مُتْعَةَ فَإِنْ حَلَقَ افْتَدَى فِي سُقُوطِ دَمِ التَّأْخِيرِ مَا مَرَّ.
(وَفِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا) أَيْ: الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (عَنْ) شَخْصٍ (وَاحِدٍ) فَلَوْ كَانَ الْحَجُّ عَنْ شَخْصٍ وَالْعُمْرَةُ عَنْ آخَرَ فَلَا دَمَ وَعَدَمُهُ (تَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فَنَقَلَ الشَّيْخُ وَالصَّقَلِّيُّ وَاللَّخْمِيُّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَشْهَرُ اشْتِرَاطٌ وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يَعْزُهُمَا، وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِهِ.
(وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ) وُجُوبًا مُوسَعًا قَابِلًا لِلسُّقُوطِ (بِإِحْرَامِ الْحَجِّ) وَيَتَحَتَّمُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَسَيَقُولُ وَإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ فَمَفْهُومُ
وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ.
ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا سَبْعًا
ــ
[منح الجليل]
إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ رَمْيِهَا فَلَا يَلْزَمُ هَدْيٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَا مِنْ ثُلُثِهِ، وَمِثْلُ فَوَاتِ وَقْتِهِ أَوْ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَمَا هُنَا بَيَانٌ لِابْتِدَاءِ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَمَا يَأْتِي بَيَانٌ لِتَقَرُّرِهِ وَتَخَلُّدِهِ فِي الذِّمَّةِ.
(وَأَجْزَأَ) دَمُ التَّمَتُّعِ أَيْ: تَقْلِيدُهُ وَإِشْعَارُهُ (قَبْلَهُ) أَيْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَلَوْ عِنْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَلَوْ سَاقَهُ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَمَا يَأْتِي فَلَيْسَ مُرَادُهُ نَحْرَهُ أَوْ ذَبْحَهُ لِعَدَمِ إجْزَائِهِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ. الْبُنَانِيُّ أَطْبَقَ مَنْ يَعْتَدُّ بِهِ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ نَحْرَ الْهَدْيِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مُجْزِئٌ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِقَوْلِ الْآبِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَحَادِيثِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ عَلَى قَوْلِ الرَّاوِي، فَأَمَرَنَا إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ مَا نَصَّهُ عِيَاضٌ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُجِيزُ هَدْيَ التَّمَتُّعِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَنَا، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ جَارٍ عَلَى تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَعَلَى تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ، وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُصُولِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ لِقَوْلِهِ إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ. الْمَازِرِيُّ مَذْهَبُنَا أَنَّ هَدْيَ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وَفِي وَقْتِ جَوَازِ نَحْرِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فَالصَّحِيحُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَحْرُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَالثَّالِثُ إنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إبْقَاءُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَسُقُوطُ تَعَقُّبِ شُرَّاحِهِ وَتَأْوِيلُهُمْ لَهُ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَطَفَ عَلَى الْإِحْرَامِ فَقَالَ (ثُمَّ الطَّوَافُ) بِالْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ (لَهُمَا) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ذَكَرَهُ لِطُولِ الْفَصْلِ حَالَ كَوْنِهِ أَشْوَاطًا (سَبْعًا) سَوَاءٌ كَانَ رُكْنًا لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ أَوْ وَاجِبًا لَهُ أَوْ مَنْدُوبًا فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ دَمٌ، وَإِنْ زَادَ عَلَى السَّبْعِ أَلْغَى الزَّائِدَ الْبَاجِيَّ مَنْ سَهَا فِي طَوَافِهِ فَبَلَغَ ثَمَانِيَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ لِلْأُسْبُوعِ الْكَامِلِ، وَيُلْغِي مَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ. التَّادَلِيُّ وَهَكَذَا حُكْمُ الْعَامِدِ وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ
بِالطُّهْرَيْنِ، وَالسَّتْرُ، وَبَطَلَ بِحَدَثٍ: بِنَاءٌ، وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ
ــ
[منح الجليل]
رُكْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَاجِبٌ، فَإِنْ ابْتَدَأَهُ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ مَثَلًا أَلْغَى مَا قَبْلَ رُكْنِ الْحَجَرِ وَأَتَمَّ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ إلَيْهِ وَسَعَى عَقِبَهُ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَوْ بَدَأَ فِي طَوَافِهِ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِ فَلْيَلْغُ ذَلِكَ وَيَتِمُّ إلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ إنْ طَالَ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِلَّا بَنَى هَذَا كُلَّهُ فِي النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ، وَأَمَّا إنْ بَدَأَ مِنْهُ عَامِدًا وَأَتَمَّ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي إلَّا إنْ رَجَعَ بِالْقُرْبِ جِدًّا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا لَمْ يَتَدَارَكْ حَتَّى رَجَعَ لِبَلَدِهِ أَجْزَأَهُ وَيَبْعَثُ بِهَدْيٍ، وَكَذَلِكَ إنْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ فَلْيُلْغِ مَا مَشَى مِنْ بَابِ الْبَيْتِ إلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ قَبْلُ، فَلَوْ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ قَالَ هَذَا يَسِيرٌ يُجْزِئُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
سَنَدٌ وَالْبُدَاءَةُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ سُنَّةٌ فَلَوْ بَدَأَ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ تَمَادَى إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] ، وَهَذَا قَدْ طَافَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مُتَلَبِّسًا (بِالطُّهْرَيْنِ) مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَحُكْمُ الْخَبَثِ، فَإِنْ شَكَّ فِي أَثْنَائِهِ ثُمَّ بَانَ طُهْرُهُ فَلَا يُعِيدُهُ وَالْأَحْسَنُ بِالطَّهَارَتَيْنِ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ الطُّهْرَيْنِ فِي الطُّهْرِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالطُّهْرِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، فَتَصِيرُ الطَّهَارَةُ مِنْ حُكْمِ الْخَبَثِ مَسْكُوتًا عَنْهَا وَغَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ الطَّهَارَتَيْنِ فِي الْحَدِيثَةِ كُبْرَى وَصُغْرَى وَالْخَبَثِيَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الطَّهَارَةُ مَائِيَّةً أَوْ صَعِيدِيَّةً.
(وَالسَّتْرُ) لِلْعَوْرَةِ فَلَا يَصِحُّ مَعَ كَشْفِهَا (وَبَطَلَ بِحَدَثٍ بِنَاءٌ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْأَشْوَاطِ يَعْنِي أَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ فَلَا يَبْنِي وَسَوَاءٌ أَحْدَثَ غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا وَيَسْتَأْنِفُ الْفَرْضَ. وَالْوَاجِبُ بَعْدَ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا وَالنَّفَلُ إنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ وَإِلَّا فَلَا يُطْلَبُ بِإِعَادَتِهِ، وَكَذَا إنْ ابْتَدَأَهُ مُحْدِثًا عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا (وَ) بِ (جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ: الطَّائِفِ مَاشِيًا إلَى أَمَامِهِ فَإِنْ رَجَعَ الْقَهْقَرَى لَمْ يَصِحَّ وَحِكْمَةُ التَّيَاسُرِ
وَخُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ وَسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ،
ــ
[منح الجليل]
صَيْرُورَةُ قَلْبِ الطَّائِفِ جِهَةَ الْبَيْتِ فَيَسْتَحْضِرُ عَظَمَتَهُ. وَلِأَنَّ بَابَ الْبَيْتِ هُوَ وَجْهُهُ فَيُقْبِلُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَقَلْبِهِ فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ لَأَعْرَضَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَلَا يَلِيقُ بِالْأَدَبِ الْإِعْرَاضُ عَنْ وُجُوهِ الْأَمَاثِلِ، فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ أَوْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ.
(وَ) بِ (خُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ بِنَاءٌ لَطِيفٌ مُلْصَقٌ بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ مُرْتَفِعٌ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، نَقَصَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ عَرْضِ الْكَعْبَةِ لِضِيقِ الْمَالِ الْحَلَالِ فَهُوَ مِنْ الْبَيْتِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الطَّوَافِ خُرُوجُ جَمِيعِ الْبَدَنِ عَنْهُ.
وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا ذَكَرَهُ عَلَى كَلَامِ سَنَدٍ وَابْنِ شَاسٍ وَمَنْ تَبِعَهُمَا كَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ جُزَيٍّ وَابْنِ جَمَاعَةَ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ هَارُونَ وَابْنِ رَاشِدٍ وَسَلَّمَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
الْحَطّ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ كَوْنَ الشَّاذَرْوَانِ مِنْ الْبَيْتِ مِنْهُمْ ابْنُ رُشْدٍ بِالتَّصْغِيرِ فِي رِحْلَتِهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ عِيَاضٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَثُرَ الِاضْطِرَابُ فِي الشَّاذَرْوَانِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي طَوَافِهِ ابْتِدَاءً، فَإِنْ طَافَ وَبَعْضُ بَدَنِهِ فِي هَوَائِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ بِالرُّجُوعِ لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) خُرُوجُ كُلِّ الْيَدَيْنِ عَنْ (سِتَّةِ أَذْرُعٍ) بِإِثْبَاتِ التَّاءِ وَحَذْفِهَا؛ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْيَدِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (مِنْ الْحِجْرِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ سُمِّيَ حِجْرًا لِاسْتِدَارَتِهِ كَحِجْرِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ بِنَاءٌ قَصِيرٌ يَصِلُ إلَى صَدْرِ الْإِنْسَانِ عَلَى صُورَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ مُقَابِلٌ لِلرُّكْنَيْنِ الْوَالِيَيْنِ لَبَابِ الْكَعْبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ نَحْوَ ذِرَاعَيْنِ، جَعَلَهُ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه الصلاة والسلام عَرِيشًا مِنْ أَرَاكٍ تَقْتَحِمُهُ الْغَنَمُ، وَكَانَ زَرِيبَةً لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ عليه الصلاة والسلام. ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا أَدْخَلَتْ فِيهِ أَذْرُعًا مِنْ الْكَعْبَةِ لِضِيقِ الْمَالِ الْحَلَالِ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْدِيدِ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ اللَّخْمِيُّ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهَا لَا يَعْتَدُّ بِمَا طَافَ دَاخِلَ الْحِجْرِ
وَنَصَبَ الْمُقَبِّلِ قَامَتَهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وِلَاءً.
وَابْتَدَأَ إنْ قَطَعَ لِجِنَازَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ
ــ
[منح الجليل]
أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ جَمِيعِهِ لِشُمُولِهِ السِّتَّةَ أَذْرُعٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ طَافَ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» .
(وَنَصَبَ) أَيْ أَقَامَ وَعَدَلَ الشَّخْصُ (الْمُقَبِّلُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُثَقَّلَةً الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ شَوْطٍ (قَامَتَهُ) قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ لِيَخْرُجَ جَمِيعُ بَدَنِهِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ إلَّا بِانْحِنَائِهِ عَلَيْهِ وَصَيْرُورَةِ أَغْلَبِ بَدَنِهِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ فَلَوْ طَافَ قَبْلَ نَصْبِ قَامَتِهِ لَزِمَ طَوَافُهُ وَأَغْلَبُ بَدَنِهِ فِي الشَّاذَرْوَانِ، وَكَذَا اسْتِلَامُ الْيَمَانِيِّ ابْنُ الْمُعَلَّى فِي مَنْسَكِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَرْجِعُونَ بِلَا حَجٍّ بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ بِهَذَا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الطَّوَافِ (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) فَلَا يَصِحُّ خَارِجَهُ وَلَا عَلَى سَطْحِهِ وَيُنْدَبُ الْقُرْبُ مِنْ الْبَيْتِ.
(وَ) كَوْنُهُ (وِلَاءً) بِكَسْرِ الْوَاوِ مَعَ الْمَدِّ أَيْ مُتَوَالِيًا بِلَا فَصْلٍ كَثِيرٍ بَيْنَ أَجْزَائِهِ بِلَا عُذْرٍ، وَيُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ وَلَوْ اخْتِيَارًا وَالْكَثِيرُ لِعُذْرٍ بِشَرْطِ بَقَاءِ طَهَارَتِهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ، وَإِنْ نَقَضَ وُضُوءُهُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ تَوَضَّأَ وَأَعَادَهُ فَإِنْ صَلَّاهُمَا وَلَمْ يُعِدْهُ وَسَعَى أَعَادَ الطَّوَافَ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَالسَّعْيَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَإِنْ تَبَاعَدَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهِمَا بِمَوْضِعِهِ وَيَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَلَمْ تُجْزِهِ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ.
(وَابْتَدَأَ) الطَّوَافَ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا (إنْ قَطَعَ) هـ (لِ) صَلَاتِهِ عَلَى (جِنَازَةٍ) وَلَوْ خَفَّفَهَا؛ لِأَنَّهَا فِعْلٌ آخَرُ وَقَطْعُهُ لَهَا مَمْنُوعٌ مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ وَيُخْشَ تَغَيُّرُهَا بِتَأْخِيرِهَا إلَى تَمَامِ الطَّوَافِ فَيَجِبُ قَطْعُهُ لَهَا وَيَبْنِي كَالْفَرِيضَةِ (أَوْ) خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ (نَفَقَةٍ) نَسِيَهَا خَارِجَهُ وَيُمْنَعُ قَطْعُهُ لَهَا ابْتِدَاءً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ قَطَعَ لَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَبْنِي الْمُصَنِّفُ. لَوْ قِيلَ بِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلنَّفَقَةِ كَانَ أَظْهَرَ لِإِجَازَتِهِمْ قَطْعَ الصَّلَاةِ لِمَنْ أَخَذَ مَالَهُ ذُو الْبَالِ وَهِيَ أَشَدُّ حُرْمَةً، وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مُنِعَ الْكَلَامُ فِيهَا إلَّا الْيَسِيرَ لِإِصْلَاحِهَا فَاضْطَرَّ لِقَطْعِ الْكَلَامِ جَائِزٌ فِي الطَّوَافِ فَيُوَكِّلُ مَنْ يَأْتِي لَهُ بِنَفَقَتِهِ وَلَا يَقْطَعُهُ.
أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ وَإِنْ فَرَغَ سَعْيُهُ.
وَقَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ وَنُدِبَ كَمَالُ الشَّوْطِ.
ــ
[منح الجليل]
أَوْ نَسِيَ) الطَّائِفُ (بَعْضَهُ) أَيْ: الطَّوَافِ وَلَوْ بَعْضَ شَوْطٍ أَوْ تَرَكَهُ جَهْلًا فَيَبْتَدِئُهُ (إنْ) كَانَ (فَرَغَ سَعْيُهُ) وَطَالَ الزَّمَنُ بِالْعُرْفِ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِلَّا بَنَى سَنَدٌ إنْ قِيلَ كَيْفَ يَبْنِي بَعْدَ فَرَاغِ سَعْيِهِ وَهَذَا تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ يَمْنَعُ مِثْلُهُ الْبِنَاءَ فِي الصَّلَاةِ. قُلْت لَمَّا كَانَ السَّعْيُ مُرْتَبِطًا بِالطَّوَافِ حَتَّى لَا يَصِحَّ دُونَهُ جَرَى مَعَهُ مَجْرَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَمَنْ تَرَكَ سُجُودَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الْبَقَرَةَ وَتَذَكَّرَ سُجُودَ الْأُولَى قَبْلَ عَقْدِ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ وَلَا تُعَدُّ قِرَاءَةُ الْبَقَرَةِ طُولًا. وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ " إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ " أَنَّهُ طَوَافُ قُدُومٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ إفَاضَةٍ يَسْعَى عَقِبَهُ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ إفَاضَةً لَا سَعْيَ بَعْدَهُ اُعْتُبِرَ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ مِنْ فَرَاغِ الطَّوَافِ بِالْعُرْفِ، فَإِنْ قَرُبَ بَنَى وَإِنْ بَعُدَ ابْتَدَأَ.
(وَقَطَعَهُ) أَيْ: الطَّائِفُ طَوَافَهُ وُجُوبًا (لِ) إقَامَةِ الصَّلَاةِ (الْفَرِيضَةِ) لِرَاتِبِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَزِمَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا أَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا بِبَيْتِهِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ جَمَاعَةٍ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً بِهِ وَأُقِيمَتْ لِلرَّاتِبِ فَهَلْ يَقْطَعُهُ وَيَخْرُجُ؛ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ طَعْنًا عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ ؛ لِأَنَّ تَلَبُّسَهُ بِالطَّوَافِ يَدْفَعُ الطَّعْنَ وَمِثْلُ الْإِقَامَةِ فَرِيضَةٌ حَاضِرَةٌ تَذَكَّرَهَا وَخَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا وَلَوْ الِاخْتِيَارِيَّ إنْ أَتَمَّ الطَّوَافَ الْفَرْضَ اسْتَظْهَرَهُ الْحَطّ، قَالَ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا إشْكَالَ فِي قَطْعِهِ لَهَا وَمَفْهُومُ لِلْفَرِيضَةِ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ رُكْنًا كَانَ وَاجِبًا لِغَيْرِهَا كَرَكْعَتَيْ فَجْرٍ وَضُحًى، فَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَلَهُ قَطْعُهُ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تُقَامُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُ. الْحَطّ وَيَبْنِي وَالظَّاهِرُ قَطْعُ الطَّوَافِ غَيْرِ الْوَاجِبِ لِلْوِتْرِ إذَا خُشِيَ خُرُوجُ وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَإِيقَاعُهُ فِي الضَّرُورِيِّ.
(وَنُدِبَ) لَهُ (كَمَالُ الشَّوْطِ) الَّذِي أُقِيمَتْ الْفَرِيضَةُ فِيهِ قَبْلَ قَطْعِهِ لَهَا وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِيَبْنِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّوْطِ الَّذِي يَلِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُكَمِّلْهُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَبْنِي مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَالْمُسْتَحَبُّ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ الشَّوْطِ. الْحَطّ الظَّاهِرُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى الْوِفَاقِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ
وَبَنَى: إنْ رَعَفَ.
أَوْ عَلِمَ بِنَجَسٍ، وَأَعَادَ رَكْعَتَيْهِ بِالْقُرْبِ،
ــ
[منح الجليل]
(وَبَنَى) الطَّائِفُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَوَافِهِ (إنْ رَعَفَ) حَقُّهُ أَنْ يُقَالَ كَأَنْ رَعَفَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ إذَا قَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ يَبْنِي قَبْلَ تَنَقُّلِهِ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، فَإِنْ تَنَفَّلَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ ابْتَدَأَهُ، وَكَذَا إنْ جَلَسَ بَعْدَ صَلَاتِهِ طَوِيلًا لِذِكْرٍ أَوْ حَدِيثٍ لِتَرْكِ الْمُوَالَاةِ. وَلَوْ قَالَ كَأَنْ رَعَفَ لَمْ يَكُنْ تَشْبِيهًا فِي نَدْبِ كَمَالِ الشَّوْطِ لِخُرُوجِ الرَّاعِفِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ هُنَا أَنْ لَا يُجَاوِزَ مَكَانًا مُمْكِنًا قَرُبَ، وَأَنْ لَا يَبْعُدَ جِدًّا، وَأَنْ لَا يَطَأَ نَجَسًا لَا الِاسْتِقْبَالُ وَعَدَمُ الْكَلَامِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِمَا فِي الطَّوَافِ.
(أَوْ عَلِمَ) الطَّائِفُ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهِ (بِنَجَسٍ) فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَيَطْرَحُهَا أَوْ يَغْسِلُهَا وَيَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَوَافِهِ إنْ لَمْ يَطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَ لِعَدَمِ مُوَالَاتِهِ. وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَا يَبْنِي وَيَبْتَدِئُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ، وَلَمْ يَحْكِ مُقَابِلَهُ وَجَوَابُ الْحَطّ بِأَنَّهُ تَبِعَ اسْتِظْهَارَ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ لَا يُعَادِلُ ذَلِكَ قَالَهُ عب. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ،
أَحَدُهَا: لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ كَرَاهَةُ الطَّوَافِ بِالثَّوْبِ النَّجَسِ. ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَيْهِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا.
الثَّانِي: لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الطَّوَافِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: لِأَشْهَبَ إنْ عَلِمَ بِهِ أَثْنَاءَهُ ابْتَدَأَهُ وَبَعْدَ كَمَالِهِ أَعَادَهُ وَأَعَادَ السَّعْيَ إنْ قَرُبَ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِهِ التُّونُسِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَبْنِيَ إنْ عَلِمَ أَثْنَاءَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - هُوَ وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ.
(وَ) إنْ لَمْ يَعْلَمْ النَّجَسَ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ طَوَافِهِ فَلَا يُعِيدُهُ وَ (أَعَادَ) نَدْبًا (رَكْعَتَيْهِ) أَيْ الطَّوَافَ (بِالْقُرْبِ) بِالْعُرْفِ، فَإِنْ طَالَ فَلَا يُعِيدُهُمَا وَانْتِقَاضُ وُضُوئِهِ كَالطُّولِ (وَ)
وَعَلَى الْأَقَلِّ إنْ شَكَّ.
وَجَازَ بِسَقَائِفَ لِزَحْمَةٍ، وَإِلَّا أَعَادَ، وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ، وَلَا دَمَ
ــ
[منح الجليل]
يَبْنِي (عَلَى الْأَقَلِّ إنْ شَكَّ) فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا وَإِلَّا فَيَبْنِي عَلَى الْأَكْثَرِ وَيَعْمَلُ بِأَخْبَارِ غَيْرِهِ وَلَوْ وَاحِدًا لَيْسَ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ، نَقَلَهُ الْحَطّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَلَوْ وَاحِدًا لَيْسَ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ قَدْ طَافَ مَعَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَخْفِيفَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لِلشَّاكِّ قَبُولُ خَبَرِ رَجُلَيْنِ طَافَا مَعَهُ الشَّيْخُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَبُولُ خَبَرِ رَجُلٍ مَعَهُ الْبَاجِيَّ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ الْقِيَاسُ إلْغَاءُ قَوْلِ غَيْرِهِ وَبِنَاؤُهُ عَلَى يَقِينِهِ كَالصَّلَاةِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ اهـ.
وَنَقَلَهُ الْحَطّ قَالَ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ سَوَاءٌ شَكَّ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ، بَلْ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي إكْمَالِ طَوَافِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ.
(وَجَازَ) الطَّوَافُ (بِسَقَائِفَ لِزَحْمَةٍ) وَمِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ بِالْأَوْلَى قَدْ يُقَالُ يُتَوَهَّمُ مِنْ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى السَّقَائِفِ جَوَازُهُ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ بِلَا زَحْمَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ جَمَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ ذَهَبْت أَثْنَاءَهُ كَمَّلَهُ بِمَكَانِهِ الْمُعْتَادِ، وَلَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ فِي بَقِيَّةِ أَشْوَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِضَرُورَةٍ وَقَدْ زَالَتْ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الطَّوَافُ بِالسَّقَائِفِ لِزَحْمَةٍ بِأَنْ طَافَ بِهَا الْحَرُّ أَوْ بَرْدٌ أَوْ مَطَرٌ (أَعَادَ) طَوَافَهُ وُجُوبًا مَا دَامَ بِمَكَّةَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَ) إنْ خَرَجَ مِنْهَا (لَمْ يَرْجِعْ لَهُ) أَيْ: الطَّوَافِ مِمَّا شَقَّ عَلَيْهِ رُجُوعُهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بَلَدَهُ أَوْ غَيْرَهُ.
(وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالسَّقَائِفِ وَاجِبًا كَانَ أَوْ غَيْرُهُ إلَّا لِزَحْمَةٍ، فَإِنْ طَافَ بِهَا لِغَيْرِهَا أَعَادَ الْوَاجِبَ لَا غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ بِسَقَائِفَ أَيْ: الَّتِي كَانَتْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الَّتِي فِي زَمَنِنَا فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا مَزِيدَةٌ فِيهِ فَالطَّوَافُ فِيهَا طَوَافٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ لِزَحْمَةٍ. سَحْنُونٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَهِيَ
وَوَجَبَ كَالسَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ وَلَمْ يُرَاهِقْ وَلَمْ يُرْدِفْ بِحَرَمٍ، وَإِلَّا سَعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، وَإِلَّا فَدَمٌ
ــ
[منح الجليل]
الزِّحَامُ إلَى السَّقَائِفِ اهـ. الْحَطّ لَمْ نَسْمَعْ قَطُّ أَنَّ الزِّحَامَ انْتَهَى إلَيْهَا بَلْ لَا يُجَاوِزُ النَّاسُ مَحَلَّ الطَّوَافِ الْمُعْتَادِ وَعَلَى نِهَايَتِهِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ عَمُودًا مِنْ النُّحَاسِ وَعَمُودَانِ مِنْ الرُّخَامِ، فَمَا وَرَاءَ هَذِهِ الْعَوَامِيدِ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّهِ الْمُعْتَادِ.
(وَوَجَبَ) الطَّوَافُ عَلَى مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا وَلَيْسَ حَائِضًا وَلَا نُفَسَاءَ وَلَا مَجْنُونًا وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ وَلَا نَاسِيًا وَيُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ. وَشَبَّهَ فِي الْوُجُوبِ فَقَالَ (كَ) تَقْدِيمِ (السَّعْيِ) الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ (قَبْلَ) وُقُوفِ (عَرَفَةَ) فَالتَّشْبِيهُ لَيْسَ تَامًّا إذْ طَوَافُ الْمَقْدُومِ وَاجِبٌ وَالسَّعْيُ رُكْنٌ، فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فِي نَفْسِهِ وَوُجُوبَ تَقْدِيمِهِ عَلَى عَرَفَةَ (إنْ أَحْرَمَ) بِالْحَجِّ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْعُمْرَةِ (مِنْ الْحِلِّ) وَلَوْ آفَاقِيًّا اتَّسَعَ نَفْسُهُ خَرَجَ لِمِيقَاتِهِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَرَمِ لِإِقَامَتِهِ بِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ.
(وَ) إنْ (لَمْ يُرَاهِقْ) بِكَسْرِ الْهَاءِ أَوْ فَتْحِهَا أَيْ: لَمْ يُقَارِبْ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِحَيْثُ يَخْشَى فَوَاتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إنْ طَافَ لِلْقُدُومِ، فَإِنْ رَاهَقَ وَخَشِيَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ (وَ) إنْ (لَمْ يُرْدِفْ) الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا (بِحَرَمٍ) وَأَغْنَى عَنْ هَذَا قَوْلُهُ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ فَإِنْ وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَجَبَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَالسَّعْيُ عَقِبَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ هَذِهِ الشُّرُوطُ بِأَنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ رَاهَقَ أَوْ أَرْدَفَهُ بِحَرَمٍ فَلَا قُدُومَ عَلَيْهِ وَ (سَعَى) السَّعْيَ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ (بَعْدَ) طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ) وَلَا دَمَ لَتَرْكِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ النَّاسِي وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الَّذِينَ اسْتَمَرَّ عُذْرُهُمْ إلَى عَرَفَةَ وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُمْ فِي الْمُرَاهِقِ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَسَعْ مِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ عَقِبَ الْإِفَاضَةِ بِأَنْ طَافَ الْمُرْدِفُ بِحَرَمٍ أَوْ الْمُحْرِمِ مِنْهُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا بِنَذْرِهِ وَسَعَى عَقِبَهُ (فَ) عَلَيْهِ (دَمٌ)
إنْ قَدَّمَ وَلَمْ يُعِدْ.
بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ السَّعْيُ سَبْعًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، مِنْهُ الْبَدْءُ مَرَّةً وَالْعَوْدُ أُخْرَى.
وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ،
ــ
[منح الجليل]
لِمُخَالَفَتِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِ سَعْيِهِ عَقِبَ إفَاضَتِهِ (إنْ) كَانَ (قَدَّمَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا سَعْيَهُ عَقِبَ الطَّوَافِ الَّذِي طَافَهُ قَبْلَ عَرَفَةَ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا (وَ) إنْ (لَمْ يُعِدْ) السَّعْيَ عَقِبَ إفَاضَتِهِ حَتَّى رَجَعَ لِبَلَدِهِ، وَأَمَّا الْمُرَاهِقُ إذَا تَكَلَّفَ طَوَافَ الْقُدُومِ وَسَعَى عَقِبَهُ وَلَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِإِتْيَانِهِ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ قَالَهُ الشَّارِحُ وتت، وَاسْتَظْهَرَهُ الْحَطّ. وَقَالَ ابْنُ عَاشِرٍ إنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ اللَّفْظِ.
(ثُمَّ السَّعْيُ) أَيْ: لَهُمَا وَحَذَفَهُ اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِهِ عَقِبَ الطَّوَافِ أَشْوَاطًا (سَبْعًا) لِلْحَجِّ وَكَذَا لِلْعُمْرَةِ (بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْهُ) أَيْ الصَّفَا (الْبَدْءُ) حَالَ كَوْنِهِ مَعْدُودًا (مَرَّةً) فَإِنْ بَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ فَلَا يَحْتَسِبُ بِهِ وَإِلَّا بَطَلَ سَعْيُهُ.
(وَالْعَوْدُ) مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا يُعَدُّ مَرَّةً (أُخْرَى) وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ أَلِفَ الصَّفَا لِلتَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّهَا ثَالِثُهُ كَأَلِفِ فَتًى وَعَصًا، أَلِفُ التَّأْنِيثِ لَا تَكُونُ إلَّا رَابِعَةً فَصَاعِدًا وَمِنْ شُرُوطِ السَّعْيِ مُوَالَاتُهُ فِي نَفْسِهِ وَيُغْتَفَرُ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ كَصَلَاتِهِ أَثْنَائِهِ عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ اشْتِرَائِهِ شَيْئًا أَوْ جُلُوسِهِ مَعَ أَحَدٍ أَوْ وُقُوفِهِ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ مِنْ غَيْرِ طُولٍ فَيَبْنِي، وَلَا يَنْبَغِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ كَثُرَ التَّفْرِيقُ لَمْ يَبْنِ وَابْتَدَأَهُ، فَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِيهِ فَلَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَسْجِدِ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ. وَأَمَّا الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ فَفِي الْحَطّ أَنَّ اتِّصَالَهُ بِالطَّوَافِ شَرْطٌ، وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ سُنَّةٌ.
(وَصِحَّتُهُ) أَيْ السَّعْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَشْرُوطَةٌ (بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ) عَلَيْهِ فَإِنْ سَعَى بِلَا تَقَدُّمِ طَوَافٍ فَهُوَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا كَالْإِفَاضَةِ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ، أَوْ وَاجِبًا كَالْقُدُومِ أَوْ نَفْلًا كَمَا عَدَاهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا صَحَّ السَّعْيُ بَعْدَ صِحَّةٍ تَامَّةٍ لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا لِشَيْءٍ إنْ نَوَى وُجُوبَ الْقُدُومِ أَوْ سُنِّيَّتَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا، وَأَنَّهُ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ عِنْدَ فِعْلِهِ شَيْئًا وَهُوَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ أَوْ سُنِّيَّتَهُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا إنْ
وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ، وَإِلَّا فَدَمٌ، وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ حِرْمًا،
ــ
[منح الجليل]
نَوَى سُنِّيَّتَهُ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ وَتَرْكَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَهُوَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الطَّوَافُ الَّذِي سَعَى بَعْدَهُ نَفْلًا أَعَادَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَسَعَى بَعْدَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ أَوْ قُرْبَهَا، فَإِنْ تَبَاعَدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
فَقَوْلُهُ (وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ) أَيْ: الطَّوَافِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ السَّعْيِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِتَمَامِهِ وَعَدَمِ إعَادَتِهِ وَعَدَمِ تَرَتُّبِ دَمٍ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَرْضِيَّتَهُ بِأَنْ طَافَ قَبْلَهُ طَوَافًا نَفْلًا أَوْ طَوَافَ قُدُومٍ نَاوِيًا نَفْلِيَّتَهُ لِجَهْلِهِ وُجُوبَهُ (فَ) عَلَيْهِ (دَمٌ) إنْ تَبَاعَدَ عَنْ مَكَّةَ وَإِلَّا أَعَادَهُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ وَسَعَى بَعْدَهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فَفِي قَوْلِهِ وَالْإِقْدَامُ مُسَامَحَةٌ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قُرْبَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِيَّةِ هُنَا الْوُجُوبُ بِدَلِيلِ انْجِبَارِهِ بِالدَّمِ. وَلِأَنَّ الْفَرْضَ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ إنَّمَا هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ عَرَفَةَ كَمَا يَأْتِي.
الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ وَاجِبًا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي شَرْطِ وُجُوبِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَهَا. وَقَالَ الشَّارِحُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الطَّوَافِ وَاجِبًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ إذْ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَلَزِمَ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ صِحَّةِ السَّعْيِ وَأَنْ يَرْجِعَ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ دُونَ جَبْرِهِ بِالدَّمِ (وَرَجَعَ) الْمُعْتَمِرُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ.
(إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ) اعْتَمَرَهَا لِفِعْلِهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ تَرَكَ بَعْضَهُ حَالَ كَوْنِهِ (حِرْمًا) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ: مُحْرِمًا مُتَجَرِّدًا مِنْ الْمُحِيطِ، كَتَجَرُّدِهِ عِنْدَ أَوَّلِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ أَرْكَانِهَا إلَّا الْإِحْرَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي ارْتِكَابِ شَيْءٍ مَمْنُوعٍ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ فَيُتِمُّهَا فَاسِدَةً ثُمَّ يَقْضِيهَا مِنْ الْمِيقَات الَّذِي كَانَ أَحْرَمَ مِنْهُ أَوَّلًا وَيُهْدِي، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ الْجَزَاءَ قَالَهُ فِيهَا، وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ لِلُبْسِهِ وَطِيبِهِ وَاتَّحَدَتْ إنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ فَإِذَا وَصَلَ مَكَّةَ طَافَ
وَافْتَدَى لِحَلْقِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِحَجٍّ، فَقَارِنٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ سَعَى بَعْدَهُ، وَاقْتَصَرَ، وَالْإِفَاضَةُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ، وَلَا دَمَ حِلًّا
ــ
[منح الجليل]
وَسَعَى وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَأَنَّهُ لَا يَقْضِي النُّسُكَ فِي الْعَمْدِ (وَافْتَدَى) وُجُوبًا (لِحَلْقِهِ) إنْ كَانَ قَدْ تَحَلَّلَ بِهِ أَوَّلًا، وَلَا بُدَّ مِنْ حَلْقِهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا.
(وَإِنْ) كَانَ (أَحْرَمَ) مَنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَتِهِ (بَعْدَ سَعْيِهِ) بَعْدَ الطَّوَافِ الْفَاسِدِ (بِحَجٍّ فَ) هُوَ (قَارِنٌ) ؛ لِأَنَّ طَوَافَهُ الْفَاسِدَ وَسَعْيَهُ عَقِبَهُ كَالْعَدَمِ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ غَيْرُ إحْرَامِهَا وَالْإِرْدَافُ عَلَيْهِ صَحِيحٌ لِصِحَّةِ الْعُمْرَةِ فِي نَفْسِهَا بِاعْتِبَارِ إحْرَامِهَا وَمَفْهُومُ بِحَجٍّ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لَكَانَ إحْرَامُهُ بِهَا لَاغِيًا لِقَوْلِهِ كَالثَّانِي فِي عُمْرَتَيْنِ.
وَشَبَّهَ فِي الرُّجُوعِ فَقَطْ فَقَالَ (كَطَوَافِ الْقُدُومِ) الْفَاسِدِ فَيَرْجِعُ لَهُ (إنْ) كَانَ (سَعَى بَعْدَهُ) أَيْ: الْقُدُومِ (وَاقْتَصَرَ) عَلَى سَعْيِهِ عَقِبَ الْقُدُومِ وَلَمْ يُعِدْهُ عَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنْ أَعَادَهُ فَلَا يَرْجِعُ فَالرُّجُوعُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلسَّعْيِ لَا لِلْقُدُومِ، فَإِذَا وَصَلَ مَكَّةَ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى فَيُتِمُّ تَحَلُّلَهُ مِنْ الْحَجِّ وَيَنْوِي بِطَوَافِهِ الْإِفَاضَةَ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ فَاتَ مَحَلُّهُ بِوُقُوفِ عَرَفَةَ وَلَزِمَهُ إعَادَةُ السَّعْيِ يُعِدْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، فَلَمَّا لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ طَوَافِهَا
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ صَارَ كَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ فَيُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَيَسْعَى عَقِبَهُ (وَ) كَطَوَافِ (الْإِفَاضَةِ) الْفَاسِدِ أَوْ الْمَنْسِيِّ كُلِّهِ أَوْ بَعْضَهُ فَيَرْجِعُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ) بِطَوَافٍ صَحِيحٍ فَيُجْزِئُهُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الْفَاسِدِ، وَلَا يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ تَطَوُّعَ الْحَجِّ يَجْزِي عَنْ وَاجِبِ جِنْسِهِ كَطَوَافٍ عَنْ مِثْلِهِ (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ إذَا تَطَوَّعَ بَعْدَهُ نَاسِيًا لِقَوْلِ الْجُزُولِيِّ لَا خِلَافَ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْإِفَاضَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَفَرْضُهَا فِي رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ، فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَمَرَ بِإِعَادَةِ الْإِفَاضَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ وَيَرْجِعُ لِلْقُدُومِ الَّذِي سَعَى بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ وَلِلْإِفَاضَةِ حَالَ كَوْنِهِ (حِلًّا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ: حَلَالًا مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَحَلَّلَ
إلَّا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ، وَكُرِهَ الطِّيبُ وَاعْتَمَرَ، وَالْأَكْثَرُ إنْ وَطِئَ،.
ــ
[منح الجليل]
التَّحَلُّلَ الْأَصْغَرَ بِرَمْيِ الْعَقَبَةِ أَوْ مَضَى وَقْتُهَا (إلَّا مِنْ) لَذَّةِ (نِسَاءٍ وَ) تَعَرُّضِ (صَيْدٍ) فَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحِلَّانِ إلَّا بِالتَّحَلُّلِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ.
(وَكُرِهَ الطِّيبُ وَ) إذَا رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِمَكَّةَ فَيَكْمُلُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُجَدِّدُ إحْرَامًا لِبَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَلَا يُلَبِّي فِي طَرِيقِهِ لِفَوَاتِ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ فَاَلَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ يُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَيَسْعَى عَقِبَهُ. وَاَلَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ إفَاضَتِهِ يَطُوفُ لِلْإِفَاضَةِ فَقَطْ وَلَا يَحْلِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَهُ لِحَلْقِهِ بِمِنًى وَإِنْ تَبَيَّنَ فَسَادَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الْإِفَاضَةِ وَرَجَعَ لَهُ وَكَمَّلَ حَجَّهُ (اعْتَمَرَ) بَعْدَ إكْمَالِهِ أَيْ: خَرَجَ إلَى الْحِلِّ وَأَتَى مِنْهُ بِعُمْرَةٍ سَوَاءٌ وَطِئَ أَمْ لَا، وَهَذَا ظَاهِرُ ابْنِ الْحَاجِبِ زَادَ وَيُهْدِي.
(وَالْأَكْثَرُ) قَالُوا يَعْتَمِرُ (إنْ) كَانَ (وَطِئَ) لِيَأْتِيَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ لَا خَلَلَ فِيهِمَا وَيُهْدِي وَلَا يُحْرِمُ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ الْحَجِّ، لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ فَلِتَحَلُّلِهِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَطَأْ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَقَلَّ قَالُوا يَأْتِي بِعُمْرَةٍ إنْ لَمْ يَطَأْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْمُنَاسِبُ وَاعْتَمَرَ إنْ وَطِئَ وَالْأَكْثَرُ لَا يَعْتَمِرُ. الرَّمَاصِيُّ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَاعْتَمَرَ إنْ وَطِئَ لَكَانَ أَسْعَدَ بِقَوْلِهَا حَتَّى رَجَعَ وَأَصَابَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ إلَى أَنْ قَالَتْ وَالْعُمْرَةُ مَعَ الْهَدْيِ تُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَجُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ وَيُحْذَفُ قَوْلُهُ وَالْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُمْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا وَجُلُّ النَّاسِ. وَفَسَّرَهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَطَاءٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ خَارِجُ الْمَذْهَبِ بَلْ ذِكْرُهُمْ يُوهِمُ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ إثْبَاتُ الْعُمْرَةِ مَعَ الْوَطْءِ وَبَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْهَدْيُ إنْ أَصَابَ النِّسَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نَصِّهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِوَطْئِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ مَعَ الْعُمْرَةِ. فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ إلَى الْمُحْرِمِ فَالْأَقْيَسُ قَوْلُ أَشْهَبَ عَلَيْهِ هَدْيَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُدًى وَاحِدٌ اُنْظُرْ الْحَطّ.
وَلِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ سَاعَةً لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَلَوْ مَرَّ إنْ نَوَاهُ،
ــ
[منح الجليل]
وَ) الرُّكْنُ (لِلْحَجِّ) وَحْدَهُ (حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ) أَيْ الْكَوْنُ فِيهَا مُطْمَئِنًّا سَوَاءٌ وَقَفَ أَوْ جَلَسَ أَوْ اضْطَجَعَ أَوْ رَكِبَ عَلِمَ أَنَّهَا عَرَفَةُ أَمْ لَا، وَلِذَا عَدَلَ عَنْ وُقُوفِ الْمَشْهُورِ إلَى حُضُورٍ وَإِضَافَةِ حُضُورٍ إلَى جُزْءٍ بِمَعْنَى فِي فَلَا يُقَالُ مَعْنَى الْحُضُورِ الْمُشَاهَدُ فَتَصْدُقُ الْعِبَارَةُ بِمَنْ شَاهَدَهَا وَهُوَ خَارِجٌ عَنْهَا. وَلَيْسَ بِمُرَادٍ وَإِضَافَةُ جُزْءِ عَرَفَةَ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ: فِي جُزْءٍ مَنْسُوبٍ لِعَرَفَةَ نِسْبَةَ الْجُزْءِ لِكُلِّهِ لَا بِمَعْنَى مِنْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ عَنْ الْمُضَافِ كَيَدِ زَيْدٍ لِخَبَرِ «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» «وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ عَرَفَةَ» . وَالْأَفْضَلُ الْوُقُوفُ فِي مَوْقِفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمَطْرُوحَةِ قُرْبَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ فِي وَسَطِ عَرَفَةَ.
وَوَقْتُ الْحُضُورِ قَوْلُهُ (سَاعَةً) أَيْ: جُزْءٌ مِنْ الزَّمَانِ (مِنْ) سَاعَاتِ (لَيْلَةِ) يَوْمِ (النَّحْرِ) أَيْ: عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ وَتَدْخُلُ بِغُرُوبِ التَّاسِعِ وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ، وَأَمَّا الْوُقُوفُ نَهَارًا مِنْ زَوَالِ تَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ فَوَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ يَدْخُلُ وَقْتُ الْوُقُوفِ الرُّكْنَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَمَانَ الْوُقُوفِ مُوسِعٌ وَآخِرُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْدَئِهِ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ الْغُرُوبِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ الزَّوَالِ، وَوَافَقَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ الْجُمْهُورَ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَيَكْفِي الْحُضُورُ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ إذَا اسْتَقَرَّ وَاطْمَأَنَّ بَلْ (وَلَوْ مَرَّ) الْحَاجُّ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ (إنْ نَوَاهُ) أَيْ: الْمَارُّ الْوُقُوفَ بِهَا بِمُرُورِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ بِهِ فَلَا يَحْصُلُ الرُّكْنُ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ سُنَّةِ الْحُجَّاجِ، بِخِلَافِ الْمُطْمَئِنِّ فَيَنْسَحِبُ إحْرَامُهُ عَلَى حُضُورِهِ مُطْمَئِنًّا كَانْسِحَابِهِ عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْحَجِّ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعْرِفَةُ أَنَّ مَا مَرَّ بِهِ عَرَفَةُ وَسَيُفِيدُ هَذَا بِقَوْلِهِ لَا الْجَاهِلُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعَرَفَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَا يَكْفِيهِ، وَعَلَى الْمَارِّ النَّاوِي الْعَارِفِ هَدْيٌ فَالطُّمَأْنِينَةُ وَاجِبَةٌ.
أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ أَخْطَأَ الْجَمُّ بِعَاشِرٍ
ــ
[منح الجليل]
وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الْمُرُورِ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَفِي الْمَارِّ قَوْلَانِ وَاعْتَرَضَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ جَعَلَ سَنَدٌ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا وَنَصُّهُ وَمَنْ مَرَّ بِعَرَفَةَ وَعَرَفَهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجْزِيهِ وَالْأَشْهَرُ الْإِجْزَاءُ اهـ. وَبَحَثَ فِيهِ الْحَطّ بِأَنَّ سَنَدًا لَمْ يُصَرِّحْ بِتَشْهِيرِ الْإِجْزَاءِ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْإِجْزَاءَ وَهُوَ بَيِّنٌ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي جَاهِلِهَا رِوَايَتَيْنِ وَفِي الْعَارِفِ بِهَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ، وَنَصُّهُ وَفِي إجْزَاءِ مُرُورِ مَنْ مَرَّ بِعَرَفَةَ عَارِفًا بِهَا مُطْلَقًا أَوْ إنْ نَوَى بِهِ الْوُقُوفَ، ثَالِثُهَا وَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنْ نَوَى وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَرَابِعُهَا الْوُقُوفُ. ثُمَّ قَالَ وَفِي إجْزَاءِ مَنْ مَرَّ بِهَا جَاهِلًا رِوَايَةُ ابْنِ الْمُنْذِرِ. وَدَلِيلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَيَكْفِي حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَاضِرُ سَالِمًا مِنْ الْإِغْمَاءِ قَبْلَ الزَّوَالِ (أَوْ) كَانَ مُتَلَبِّسًا (بِإِغْمَاءِ) أَيْ: اسْتِتَارُ عَقْلٍ بِشِدَّةِ مَرَضٍ (قَبْلَ الزَّوَالِ) مِنْ تَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَوْلَى بَعْدَهُ وَاسْتَمَرَّ مُغْمًى عَلَيْهِ حَتَّى طَلَعَ فَجْرُ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَخَرَجَ وَقْتُ الْوُقُوفِ فَيَكْفِيهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يُبْطِلُ الْإِحْرَامَ وَهُوَ مُنْسَحِبٌ عَلَى حُضُورِهِ إذَا وَقَفَ بِهِ رُفَقَاؤُهُ جُزْءًا مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ.
وَمِثْلُ الْإِغْمَاءِ هُنَا الْجُنُونُ وَالنَّوْمُ وَالسُّكْرُ بِحَلَالٍ بِخِلَافِ السُّكْرِ بِحَرَامٍ فَيَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ كَجَهْلِ الْمَارِّ بَلْ أَوْلَى، وَأَشَارَ إلَى الْخِلَافِ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَبَالِغِ عَلَيْهِ بِوَلَوْ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي إجْزَاءِ مَنْ وَقَفَ بِهِ مُغْمًى عَلَيْهِ مُطْلَقًا. أَوْ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَوْ قَبْلَ وُقُوفِهِ، ثَالِثُهَا إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَهُمَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْوُقُوفُ بِتَاسِعٍ.
(أَوْ أَخْطَأَ الْجَمُّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَشَدِّ الْمِيمِ أَيْ: جَمِيعُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ لَا أَكْثَرُهُمْ وَإِنْ كَانَ هَذَا مَعْنَى الْجَمِّ لُغَةً فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفُوا (بِ) بِيَوْمِ (عَاشِرٍ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ وَأَنَّ اللَّيْلَةَ عَقِبَهُ لَيْلَةُ الْعَاشِرِ بِأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ فَأَكْمَلُوا عِدَّتَهُ، وَوَقَفُوا فِي تَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ فَتَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ الْعَاشِرُ فَيُجْزِيهِمْ
فَقَطْ
ــ
[منح الجليل]
إنْ كَانَ الْمُخْطِئُ الْجَمِيعَ (فَقَطْ) فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ فَلَا يَكْفِيهِمْ وَلَوْ كَانُوا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَكَانَ الْخَطَأُ بِعَاشِرٍ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ بِثَامِنٍ أَوْ حَادِي عَشَرٍ فَلَا يَكْفِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ الَّذِينَ وَقَفُوا بِالْعَاشِرِ فَعَلُوا مَا تَعَبَّدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إكْمَالِ الْعِدَّةِ إذَا غُيِّمَتْ بِخِلَافِهِ بِالثَّامِنِ، فَإِنَّهُ بِاجْتِهَادٍ أَوْ شَهَادَةٍ بَاطِلَةٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ أَخْطَأَ الْجَمُّ بِعَاشِرٍ الْإِجْزَاءَ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ لَهُمْ الْخَطَأُ قَبْلَ وُقُوفِهِمْ وَيُؤَمَّرُونَ بِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ أَمْ بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الرَّاجِحِ.
وَقَالَ سَنَدٌ مَحَلُّ الْإِجْزَاءِ إنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ الْخَطَأُ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَنَّهُ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْوُقُوفُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ وَقَفُوا فَلَا يَجْزِيهِمْ. الْحَطّ مَا قَالَهُ سَنَدٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ أَنَّهُمْ يَمْضُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ سَوَاءٌ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ الْعَاشِرُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ. طفي وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ سَنَدٍ وَجَدْتَهَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْجَوَاهِرِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا فِيمَنْ وَقَفَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّهُ الْعَاشِرُ.
وَكَلَامُ سَنَدٍ فِيمَنْ لَمْ يَذْهَبْ لِلْوُقُوفِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ الْعَاشِرُ وَأَصْلُهُ لِلَّقَانِيِّ فِي حَوَاشِي التَّوْضِيحِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَوْقَعَ الْوُقُوفَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا فِي ظَنِّهِ اجْتِهَادًا، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ الْوُقُوفَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمَشْرُوعِ قَصْدًا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي. اللَّقَانِيُّ وَهَذَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الطِّرَازِ. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا نَشَأَ الْخَطَأُ مِنْ غَيْمِ لَيْلَةِ ثَلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ غَلَطٌ فِي عَدَدِ الْأَيَّامِ، وَلَكِنْ مُقْتَضَى الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ اخْتِصَاصُهُ بِالْأَوَّلِ كَمَا قَرَّرْتُهُ أَوَّلًا وَإِنَّهُ لَا يَجْزِيهِمْ وُقُوفُهُمْ بِعَاشِرٍ فِي الْفَرْضِ الثَّانِي. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي إجْزَاءِ وُقُوفِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ الْعَاشِرِ غَلَطًا نَقَلَ الطُّرْطُوشِيُّ اخْتِلَافِي نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ ابْنُ الْكَاتِبِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَأَتْبَاعُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى الْإِجْزَاءِ وَوُقُوفُهُمْ الثَّامِنَ غَلَطًا لَغْوٌ.
وَعَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ إجْزَاؤُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَاخْتَارَهُ، وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ يُجْزِئُ الْعَاشِرُ لَا الثَّامِنُ الشَّيْخُ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ سَحْنُونٍ ابْنُ رُشْدٍ حَمَلَ بَعْضُهُمْ اخْتِلَافَهُ عَلَى
لَا الْجَاهِلُ: كَبَطْنِ عُرَنَةَ، وَأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا بِكُرْهٍ، وَصَلَّى وَلَوْ فَاتَ.
ــ
[منح الجليل]
الْعَاشِرِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الثَّامِنِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِيهِمَا. وَغَلَطُ الْمُنْفَرِدِ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا (لَا) يُجْزِئُ الْمُرُورُ بِعَرَفَةَ الْمَارُّ (الْجَاهِلُ) بِأَنَّ مَا مَرَّ عَلَيْهِ عَرَفَةَ لِتَقْصِيرِهِ. وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَقَالَ (كَ) وُقُوفٍ بِ (بَطْنِ عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالنُّونِ وَادٍ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى طَرَفِ الْحَرَمِ وَالْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى طَرَفِ عَرَفَةَ فَلَيْسَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا مِنْ عَرَفَةَ فَلَا يَجْزِي الْوُقُوفُ بِهِ (وَأَجْزَأَ) الْوُقُوفُ (بِمَسْجِدِهَا) أَيْ: عُرَنَةَ بِالنُّونِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَرَفَةَ بِالْفَاءِ وَنُسِبَ لِذَاتِ النُّونِ؛ لِأَنَّ حَائِطَ الْقِبْلِيِّ الَّذِي إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ عَلَى حَدِّ ذَاتِ النُّونِ لَوْ سَقَطَ لَسَقَطَ فِيهَا وَيُجْزِئُ الْوُقُوفُ بِهِ.
(بِكُرْهٍ) بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ: كَرَاهَةٍ لِارْتِبَاطِهِ بِذَاتِ النُّونِ. الْحَطّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ هَذَا مِمَّا حَكَاهُ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَعْرُجْ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصَّهُ أَبُو عُمَرَ. رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَرَفَةُ بِالْحِلِّ وَعُرَنَةُ بِالْحَرَمِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ هِيَ وَادِي عَرَفَةَ وَفِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِهَا مَعَ الدَّمِ وَعَدَمِ إجْزَائِهِ. ثَالِثُهَا يُكْرَهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي إجْزَائِهِ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ ثَالِثُهَا الْوُقُوفُ لِلَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ مَعَ مُحَمَّدٍ قَائِلًا حَائِطُهُ الْقِبْلِيُّ عَلَى حَدِّ عَرَفَةَ سُقُوطُهُ بِهَا وَأَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَفِيهَا كُرِهَ بِنَاؤُهُ وَقَالَ: إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ بَنِي هَاشِمٍ بِعَشْرِ سِنِينَ.
(وَصَلَّى) الْحَاجُّ الْعِشَاءَ أَوْ وَالْمَغْرِبَ إذَا خَشِيَ عَدَمَ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْأَخِيرَةِ عَقِبَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ لِعَرَفَةَ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ (وَلَوْ فَاتَ) هـ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ مَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهِ الْقَتْلَ يُقَدَّمُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتَارَ سَنَدٌ وَاللَّخْمِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَجَمْعُ تَقْدِيمِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَمَّا لَوْ أَمْكَنَهُ الذَّهَابُ لِعَرَفَةَ مَعَ صَلَاةِ رَكْعَةٍ مِنْ الْعِشَاءِ بِهَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ السَّيْرُ لِعَرَفَةَ وَالصَّلَاةُ بِهَا اتِّفَاقًا، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ لِإِخْرَاجِ تَذَكُّرِ فَائِتَةٍ لَا يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْوُقُوفُ اتِّفَاقًا. وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الْفَائِتَةِ وَقْتَ ذِكْرِهَا كَمَا فِي الْخَبَرِ لَضَعُفَ
وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ، وَلَا دَمَ وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيِّ. .
ــ
[منح الجليل]
أَمْرُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَاضِرِ وَقْتَهُ وَهُوَ الْوُقُوفُ.
وَالْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ جَارٍ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ وَالتَّرَاخِي. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَى التَّرَاخِي غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْفَوْرَ وَالتَّرَاخِيَ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ صَارَ إتْمَامُهُ فَرْضًا عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا. بَلْ لَوْ كَانَ تَطَوُّعًا وَجَبَ إتْمَامُهُ. فَإِنْ أَفْسَدَهُ وَجَبَ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ فَوْرًا اهـ. عب قَوْلُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعِشَاءِ إلَخْ صَحِيحٌ وَفِيهَا فَرَضَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَسْأَلَةَ وَالْخِلَافَ، وَلِذَا قَالَ الْحَطّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَوْ فَاتَتْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ اهـ.
وَلَا يُرَدُّ بِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ. مُحَمَّدٌ إنْ ذَكَرَ مَنْسِيَّةً إنْ صَلَّاهَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَقَفَ إنْ كَانَ قُرْبَ عَرَفَةَ وَإِلَّا صَلَّى. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ كَانَ آفَاقِيًّا وَقَفَ وَالْأَصْلِيُّ. الصَّائِغُ يُصَلِّي إيمَاءً كَالْمُسَايِفِ. وَرَدَّهُ ابْنُ بَشِيرٍ بِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ وَهُوَ قِيَاسٌ عَلَى الرُّخْصَةِ، ثُمَّ قَالَ وَفَرَضَهَا ابْنُ بَشِيرٍ فِي ذَاكِرِ عِشَاءٍ لَيْلَتَهُ اهـ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمِلٌ لِكَوْنِ الْمَنْسِيَّةِ فَاتَتْهُ أَوْ حَاضِرَةٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْأَوَّلَ قَالَهُ طفي.
(وَالسُّنَّةُ) لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ (غُسْلٌ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ (مُتَّصِلٌ) بِالْإِحْرَامِ قُيِّدَ فِي السُّنِّيَّةِ فَلَوْ اغْتَسَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَأَحْرَمَ آخِرَهُ لَمْ يَأْتِ بِالسُّنَّةِ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَكَذَا إنْ اغْتَسَلَ أَوَّلَهُ وَأَحْرَمَ عِنْدَ زَوَالِهِ وَيُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ كَإِصْلَاحِ الْجِهَازِ وَشَدِّ الرَّحْلِ (وَلَا دَمَ) فِي تَرْكِهِ وَلَوْ عَمْدًا. (وَنُدِبَ) الْغُسْلُ (بِالْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ سَاكِنِهَا صلى الله عليه وسلم (لِلْحُلَيْفِيِّ) أَيْ لِمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْحُلَيْفَةِ سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْهَا وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ مُتَّصِلٌ فَيَتَجَرَّدُ وَيَغْتَسِلُ بِالْمَدِينَةِ وَيَلْبَسُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَالنَّعْلَيْنِ بِهَا، وَإِذَا وَصَلَ الْحُلَيْفَةَ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَأَحْرَمَ إذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ.
وَلِدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكَّةَ بِطُوًى.
وَلِلْوُقُوفِ، وَلُبْسِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ يُونُسَ ابْنُ حَبِيبٍ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ يَخْرُجَ مَكَانَهُ فَيُحْرِمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَذَلِكَ أَفْضَلُ، وَبِهَا اغْتَسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَجَرَّدَ وَلَبِسَ ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ. قَالَ سَحْنُونٌ إذَا أَرَدْت الْخُرُوجَ مِنْ الْمَدِينَةِ خُرُوجَ الطَّلَاقِ فَأْتِ الْقَبْرَ كَمَا صَنَعْت أَوَّلَ دُخُولِك ثُمَّ اغْتَسِلْ وَالْبَسْ ثَوْبَيْ إحْرَامِك ثُمَّ ائْتِ مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَارْكَعْ بِهِ وَأُهِلّ، وَقَالَ سَنَدٌ مَنْ رَأَى أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَدِينَةِ فَضِيلَةٌ جَعَلَ التَّجَرُّدَ مِنْ الثِّيَابِ بِهَا فَضِيلَةً وَمَنْ رَآهُ رُخْصَةً جَعَلَ التَّجَرُّدَ مِنْهَا رُخْصَةً أَيْضًا.
(وَ) نُدِبَ الْغُسْلُ (لِدُخُولِ) شَخْصٍ (غَيْرِ حَائِضٍ) وَنُفَسَاءَ (مَكَّةَ) وَجَعَلَهُ تت سُنَّةً (بِطُوًى) مُثَلَّثُ الطَّاءِ وَالْأَوْلَى وَبِطُوًى؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ ثَانٍ، وَلَا يُنْدَبُ لِحَائِضٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلطَّوَافِ فَلَا يُنْدَبُ لِمَنْ لَا يَطُوفُ.
(وَ) نُدِبَ الْغُسْلُ (لِلْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ وَلَوْ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ، وَجَعَلَهُ تت سُنَّةً وَيُخَفِّفُ الدَّلْكَ فِي هَذَيْنِ الْغُسْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالدَّلْكُ جُزْءٌ مِنْ الْغُسْلِ عِنْدَنَا.
(وَ) السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ (لُبْسُ) بِضَمِّ اللَّامِ (إزَارٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ مِنْ فَوْقِ سُرَّتِهِ إلَى نِصْفِ سَاقَةِ وَيَقْلِبُ طَرَفَهُ الْأَعْلَى وَيَغْرِزُهُ فِي وَسَطِهِ مِنْ نَاحِيَةِ لَحْمِهِ بِأَنْ يَثْنِيَ طَرَفَ حَاشِيَتِهِ الْعُلْيَا عَلَى طَرَفِ الْإِزَارِ، وَيَغْرِزَ كُلَّ طَرَفٍ مِنْ طَرَفَيْهِ فِي جِهَةِ الطَّرَفِ الْآخَرِ أَوْ يَلُفَّ طَرَفَيْهِ فِي بَعْضِهِمَا وَيَغْرِزَهُمَا مِنْ جِهَةِ لَحْمِهِ، وَلَا يَرْبِطَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا يَحْتَزِمَ عَلَيْهِ. فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى (وَرِدَاءٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ مَمْدُودًا عَلَى كَتِفَيْهِ يَسْتُرُ بِهِ ظَهْرَهُ وَجَنْبَيْهِ وَصَدْرَهُ وَبَطْنَهُ. وَيَجُوزُ الِائْتِزَارُ وَالِارْتِدَاءُ بِمُلَفَّقٍ مِنْ شُقَّتَيْنِ مَخِيطٍ مِنْ وَسَطِهِ.
(وَنَعْلَيْنِ) وَهُمَا الْحَدْوَةُ وَالْمَدَاسُ وَأَمَّا الصِّرُّ مَوْجَةٌ وَالصُّرَارَةُ أَيْ النَّاسُومَةُ فَلَا تَجُوزَانِ إلَّا لِضَرُورَةٍ إذَا كَانَ سَيْرُهُمَا عَرِيضًا، فَإِنْ رَقِّ جَازَتَا وَمَعْنَى هَذِهِ السُّنَّةِ أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا التَّجَرُّدُ مِنْ الْمُحِيطِ فَوَاجِبٌ، فَإِنْ فَعَلَ غَيْرَهُمَا بِأَنْ الْتَحَفَ بِرِدَاءٍ أَوْ كِسَاءٍ أَجْزَأَ فِي التَّجَرُّدِ الْوَاجِبِ وَخَالَفَ السُّنَّةَ. عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَالتَّجَرُّدُ مِنْ الْمَخِيطِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَالْخِفَافِ لِلرِّجَالِ أَوْ مَالَهُ حَارِكٌ مِنْ النِّعَالِ يَسْتُرُ بَعْضَ الْقَدَمِ اهـ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ الْقَوَاعِدِ وَقَوْلُهُ مَالَهُ حَارِكٌ يَسْتُرُ بَعْضَ الْقَدَمِ فَلَا يُلْبَسُ مِنْ النِّعَالُ غَيْرُ مَا لَهُ شِرَاكَانِ يُرْبَطُ بِهِمَا عَلَى الْقَدَمِ لِتَأْتِيَ الْمَشْيَ خَاصَّةً، فَلَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ سِبَاطٍ وَلَا مِزْت وَلَا شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النِّعَالِ الصَّحْرَاوِيَّةِ؛ لِأَنَّ لَهَا فِي عَاقِبِهَا حَارِكًا وَلِاتِّسَاعِ شِرَاكِهَا فَتَسْتُرُ كَثِيرًا مِنْ الْقَدَمِ اِ هـ.
وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ عَقِبَهُ قَوْلُهُ مَا لَهُ حَارِكٌ مِنْ النِّعَالِ أَيْ: كَنِعَالِ التَّكْرُورِ الَّتِي لَهَا عَقِبٌ يَسْتُرُ بَعْضَ الْقَدَمِ، وَكَوْنُ هَذِهِ الْهَيْئَةِ سُنَّةً أَصْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَتَبِعَهُ الْحَطّ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَبَحَثَ فِيهِ طفي بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِمَنْ نَصَّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَأَنَّهُ مُعْتَمَدٌ. وَقَدْ جَعَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ مُسْتَحَبَّةً فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَحَبُّ ثَوْبَانِ يَرْتَدِي بِأَحَدِهِمَا وَيَأْتَزِرُ الْآخَرُ الْجَلَّابُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَّزِرَ وَيَرْتَدِيَ اهـ
وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُخَالِفُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْجَلَّابِ مِنْ الْجَوَازِ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْأَكْثَرِ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ نَحْوَهُ قَوْلُ الْبَيَانِ الِاخْتِيَارُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُحْرِمَ بِثَوْبَيْنِ يَأْتَزِرُ بِأَحَدِهِمَا وَيُضْطَبَعُ بِالْآخَرِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ التَّجَرُّدُ عَنْ الْمَخِيطِ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ نَحْوُهُ، وَلِذَا تَوَرَّكَ الْمَوَّاقُ عَلَى قَوْلِهِ وَلُبْسِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ بِقَوْلِهِ الَّذِي لِلْقَرَافِيِّ أَنَّ مِنْ السُّنَنِ التَّجَرُّدَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلُبْسِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ، بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ الِالْتِفَافُ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا الْخُصُوصِيَّةُ فِي اجْتِنَابِهِ الْمَخِيطَ اهـ. فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ نَسَبَ لِلْأَكْثَرِينَ خِلَافَ مَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ مُقَرِّرًا بِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَتَبِعَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَقَوْلُ الْحَطّ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ التَّجَرُّدُ مِنْ الْمَخِيطِ فِي سُنَنِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ اصْطِلَاحَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مُخْتَلَفٌ فَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَنْجَبِرُ بِالدَّمِ بِالْوَاجِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْهَا بِالسُّنَّةِ الَّتِي فِيهَا دَمٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الطُّرْطُوشِيُّ أَصْحَابُنَا يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ بِثَلَاثِ عِبَارَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَاجِبَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ السُّنَنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.
وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ، ثُمَّ إشْعَارُهُ.
ثُمَّ
ــ
[منح الجليل]
وَ) السُّنَّةُ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ (تَقْلِيدُ هَدْيٍ) مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ لَا غَنَمٍ سَاقَهُ تَطَوُّعًا أَوْ لِنَقْصٍ مِنْ نُسُكٍ مَاضٍ لَا لِهَذَا الْإِحْرَامِ بِقِرَانٍ أَوْ تَمَتُّعٍ فَلَا يُسَنُّ قَبْلَهُ غَايَتُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ إنْ وَقَعَ كَمَا قَالَ قَبْلُ، وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ. طفي لَا خَفَاءَ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ إفَادَةُ حُكْمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارُ بِالسُّنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بَيَانُ كَيْفَ يَفْعَلُ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْهُ تَرْتِيبُ الْأُمُورِ الْمَطْلُوبَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؟ فَمَعْنَى كَلَامِهِ كَمَا قَالَ الْحَطّ يُسَنُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَمَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يُقَلِّدَهُ بَعْدَ غَسْلِهِ وَتَجَرُّدِهِ ثُمَّ يُشْعِرَهُ، فَالسُّنَّةُ مُنْصَبَّةٌ عَلَى الْهَيْئَةِ وَتَبِعَهُ سَالِمٌ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ كَلَامُ تت، لَكِنْ يَحْتَاجُ لِنَصٍّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ.
وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقَلِّدْهُ ثُمَّ يُشْعِرْهُ ثُمَّ يُجَلِّلْهُ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ ثُمَّ يَدْخُلْ الْمَسْجِدَ فَيَرْكَعْ وَيُحْرِمْ كَمَا وَصَفْنَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقَلِّدَ وَيُشْعِرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ فَلَا يَفْعَلُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّدَ وَيُشْعِرَ إلَّا عِنْدَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ اهـ. فَلَمْ تَنُصَّ عَلَى السُّنَّةِ وَقَوْلُهَا يَنْبَغِي ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ وَابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ: فَأَنْتَ تَرَى كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ خِلَافَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَشُرَّاحِهِ، وَالْأَوْلَى النَّصُّ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ قَبْلَ الْإِشْعَارِ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُ تت إنْ كَانَ مَعَهُ لَتَطَوَّعَ إلَخْ نَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهَذَا فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ. وَأَمَّا هَدْيُ التَّمَتُّعِ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ اهـ. زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي مَعْنَاهُ هَدْيُ الْقِرَانِ اهـ. قُلْت تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُجْزِئُ تَقْلِيدُهُ وَإِشْعَارُهُ قَبْلَهُ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ هَذَا التَّرْتِيبُ فَالْإِجْزَاءُ فِي التَّقْدِيمِ لَا يُنَافِي نَدْبَ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، وَلَا كَوْنُهُ سُنَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ خِلَافًا لز وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْبُنَانِيُّ.
(ثُمَّ إشْعَارُهُ) أَيْ: الْهَدْيَ إنْ كَانَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ الَّتِي لَهَا سَنَامٌ وَالتَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ لَيْسَا مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ؛ إذْ لَا يُعَدُّ مِنْ سُنَنِهِ إلَّا مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا لِعُذْرٍ، وَهَكَذَا فَعَلَ فِي الْجَوَاهِرِ فَجَعَلَ السُّنَّةَ الثَّالِثَةَ لِلْإِحْرَامِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالتَّجْلِيلُ مُسْتَحَبٌّ.
(ثُمَّ)
رَكْعَتَانِ، وَالْفَرْضُ مُجْزٍ يُحْرِمُ الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَى.
وَالْمَاشِي إذَا مَشَى.
وَتَلْبِيَةٌ
ــ
[منح الجليل]
السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ لِلْإِحْرَامِ (رَكْعَتَانِ) إنْ كَانَ الْوَقْتُ يُتَنَفَّلُ فِيهِ وَإِلَّا أَخَّرَ إلَيْهِ إلَّا الْخَائِفُ وَالْمُرَاهِقُ فَيُحْرِمَانِ بِلَا رُكُوعٍ خِلَافًا لِلدَّاوُدِيِّ؛ إذْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ وَمُنِعَ نَفْلٌ إلَخْ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ يُفِيدُ مَنْعَهُمَا كَغَيْرِهِمَا.
(وَالْفَرْضُ) أَيْ: إحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (مُجْزِئٌ) عَنْ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ (يُحْرِمُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ يَنْوِي الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ (الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَى) مَرْكُوبَهُ قَائِمًا لَا قَبْلَ قِيَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ جَعْلُ فَاعِلِ اسْتَوَى ضَمِيرَ الرَّاكِبِ عَلَى دَابَّتِهِ وَهِيَ قَائِمَةٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَيْرِهَا لَا قَبْلَ قِيَامِهِمَا؛ إذْ لَا يُقَالُ اسْتَوَى عَلَيْهَا إلَّا إذَا قَامَتْ لِلسَّيْرِ، وَفِيهِ تَلْمِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف: 13] .
(وَالْمَاشِي) فِي الْحَجِّ يُحْرِمُ (إذَا مَشَى) أَيْ: شَرَعَ فِي الْمَشْيِ وَلَا يُؤَخِّرُ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْبَيْدَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِخَبَرِ الْمُوَطَّإِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ» وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ، وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ. فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَ) السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ (تَلْبِيَةٌ) أَيْ: مُقَارَنَتُهَا لِلْإِحْرَامِ وَاتِّصَالُهَا بِهِ فَإِنْ فَصَلَهَا فَاتَتْهُ السُّنَّةُ وَإِنْ طَالَ لَزِمَهُ دَمٌ وَسَيَقُولُ وَإِنْ تَرَكْت أَوَّلَهُ فَدَمٌ إنْ طَالَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُنَا مِنْ السُّنَّةِ، فَلَوْ قَالَ وَاتِّصَالُ تَلْبِيَةٍ بِإِحْرَامٍ وَإِلَّا فَدَمٌ إنْ طَالَ فَصْلُهَا مِنْهُ كَتَرْكِهَا لَكَانَ أَظْهَرَ وَاسْتَغْنَى عَمَّا يَأْتِي. طفي كَوْنُ التَّلْبِيَةِ سُنَّةً نَحْوُهُ لِعِيَاضٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَحَكَاهُ فِي إكْمَالِهِ فَقَالَ قَالَ شُيُوخُنَا التَّلْبِيَةُ عِنْدَنَا مَسْنُونَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ تَلْبِيَتُهُ سُنَّةٌ مِنْ ابْتِدَائِهِ.
وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ التَّلْبِيَةُ عِنْدَنَا سُنَّةٌ وَمِثْلُهُ لِلْقَلَشَانِيِّ، وَجَعَلَ الْحَطّ اتِّصَالُهَا بِالْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ هُوَ السُّنَّةُ. وَأَمَّا هِيَ نَفْسُهَا فَوَاجِبَةٌ وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ بِطَوِيلٍ ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا عَدُّهَا مِنْ السُّنَنِ فَفِيهِ تَجَوُّزٌ وَتَبِعَهُ عج، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَدَّاهُ لِذَلِكَ مَا سَبَقَ فِي التَّجَرُّدِ أَنَّ الدَّمَ يُنَافِي السُّنِّيَّةَ وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ،
وَجُدِّدَتْ لِغَيْرِ حَالٍّ، وَخَلْفَ صَلَاةٍ، وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ؟ خِلَافٌ: وَإِنْ تُرِكَتْ أَوَّلَهُ فَدَمٌ إنْ طَالَ.
وَتَوَسُّطٌ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ،
ــ
[منح الجليل]
فَإِنْ قُلْت فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيَّ قَوْلُ أَصْحَابِنَا سُنَّةٌ مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي تَرْكِهَا الدَّمَ. قُلْت الْبَاجِيَّ مِنْ اصْطِلَاحِهِ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ الدَّمُ وَاجِبٌ، وَاصْطِلَاحُ غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ. وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ قَالَ بِوُجُوبِهَا ابْنُ حَبِيبٍ، وَمَالَ إلَيْهِ الْبَاجِيَّ.
(وَجُدِّدَتْ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُثَقَّلَةً أَيْ التَّلْبِيَةُ (لِتَغَيُّرِ حَالٍ) كَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَنُزُولٍ وَرُكُوبٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَمُلَاقَاةِ رِفَاقٍ وَسَمَاعِ مُلَبٍّ اسْتِحْبَابًا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَعِنْدَ ابْنِ شَاسٍ سُنَّةٌ (وَخَلْفَ صَلَاةٍ) وَلَوْ نَافِلَةً.
(وَهَلْ) يَسْتَمِرُّ الْمُحْرِمُ بِحَجٍّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا يُلَبِّي (لِ) دُخُولِ (مَكَّةَ أَوْ) يَسْتَمِرُّ يُلَبِّي لِلشُّرُوعِ فِي (الطَّوَافِ) وَلِابْنِ الْحَاجِبِ لِرُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَقِيلَ: إلَى بُيُوتِ مَكَّةَ وَقِيلَ: إلَى الْحَرَمِ فِي التَّوْضِيحِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمَشْهُورَ يُلَبِّي إلَى رُؤْيَةِ الْبَيْتِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا الْخِلَافُ فِي أَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ (خِلَافٌ) الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الرِّسَالَةِ وَشَهَّرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَالثَّانِي مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. لِقَوْلِهَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ.
(وَإِنْ تُرِكَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: التَّلْبِيَةُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا (أَوَّلَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ (فَدَمٌ) وَاجِبٌ بِتَرْكِهَا (إنْ طَالَ) زَمَنُ تَرْكِهَا وَلَوْ رَجَعَ وَلَبَّى فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَفْهُومُ أَوَّلِهِ أَنَّهَا إنْ تُرِكَتْ أَثْنَاءَهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ وَالتُّونُسِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْقِينِ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ قَالُوا أَقَلُّهَا مَرَّةً، فَإِنْ قَالَهَا ثُمَّ تَرَكَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ الْحَطّ. وَشَهَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُوبَهُ، وَنَصُّهُ فَإِنْ لَبَّى حِينَ أَحْرَمَ وَتَرَكَ فَفِي الدَّمِ ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يُعَوِّضْهَا بِتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ لِلْمَشْهُورِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ وَاللَّخْمِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ ابْتَدَأَهَا وَلَمْ يَعُدَّهَا فَدَمٌ فِي أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(وَ) نُدِبَ (تَوَسُّطٌ فِي عُلُوٍّ) أَيْ: رَفْعِ (صَوْتِهِ) أَيْ: الْمُلَبِّي بِالتَّلْبِيَةِ فَلَا يُسِرُّهَا وَلَا
وَفِيهَا.
ــ
[منح الجليل]
يُبَالِغُ فِي رَفْعِهِ حَتَّى يَعْقِرَهُ (وَ) نُدِبَ تَوَسُّطٌ (فِيهَا) أَيْ التَّلْبِيَةِ فَلَا يُكْثِرُهَا جِدًّا حَتَّى يَمَلَّهَا وَلَا يُقَلِّلُهَا، وَجَعَلَهُمَا تت سُنَّتَيْنِ. طفي اُنْظُرْ مَنْ ذَكَرَ السُّنِّيَّةَ فِيهِمَا. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا إلَّا لِنِسَاءٍ وَلَا يُسْرِفُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ وَفِيهِمَا كَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يُلَبِّيَ مَنْ لَمْ يُرِدْ الْحَجَّ وَرَآهُ خَرْقًا لِمَنْ فَعَلَهُ اهـ. وَمَعْنَاهَا أَنْ يَقُولَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك إلَخْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْجَلَّابِ مَنْ نَادَى رَجُلًا فَأَجَابَهُ بِالتَّلْبِيَةِ سَبْعًا فَقَدْ أَسَاءَ، أَيْ: قَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ إلَخْ، هَذَا مُحَصِّلُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَلْبِيَتُهُ الضَّمِيرُ لِلْإِحْرَامِ وَإِضَافَتُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا تُذْكَرُ مَعَهُ وَلَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا بِسَبَبِهِ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ النُّسُكِ جَهْلٌ وَمَكْرُوهٌ. فِي الشِّفَاءِ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ نَادَى رَجُلًا بِاسْمِهِ فَأَجَابَهُ لَبَّيْكَ فَقَالَ إنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ سَفَهٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي يَعْنِي نَفْسَهُ وَشَرَحَ قَوْلَهُ إنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ وَالْجَاهِلُ يُزْجَرُ وَيُعَلَّمُ وَالسَّفِيهُ يُؤَدَّبُ وَلَوْ قَالَهَا عَلَى اعْتِقَادِ إنْزَالِهِ مَنْزِلَةَ رَبِّهِ كَفَرَ هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ اهـ.
أَمَّا مُجَرَّدُ قَوْلِ الرَّجُلِ لَبَّيْكَ لِمَنْ نَادَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بَلَى هُوَ حُسْنُ أَدَبٍ وَاسْتَعْمَلَتْهُ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَعَهُمْ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ بِقَوْلِهِ بَابُ مَنْ أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَقَوْلُ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِقْهَ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَرَاجِمِهِ: وَفِي الشِّفَاءِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مَا دَعَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَهْلِهِ إلَّا قَالَ صلى الله عليه وسلم لَبَّيْكَ» اهـ. السُّيُوطِيّ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِسَنَدٍ وَاهٍ، وَقَدْ اعْتَرَضَ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَهَا الْمُتَقَدِّمَ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا وَقَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ تُجِيبُ بِالتَّلْبِيَةِ؟ وَلَعَلَّهُ كَرِهَهُ إذَا كَانَ يُلَبِّي غَيْرَ مُجِيبٍ لِأَحَدٍ اهـ. لَكِنَّ اعْتِرَاضَهُ مُنْدَفَعٌ بِمَا حَمَلْنَاهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُرَادُهَا غَابَ عَنْهُ فَاعْتُرِضَ، وَأَجَابَ بِجَوَابٍ فِيهِ نَظَرٌ، فَلَوْلَا أَنَّ الْإِجَابَةَ بِلَبَّيْكَ فَقَطْ مُقَرَّرَةٌ عِنْدَهُمْ بِالْإِبَاحَةِ مَا اُعْتُرِضَ.
وَعَاوَدَهَا بَعْدَ سَعْيٍ وَإِنْ بِالْمَسْجِدِ لِرَوَاجِ مُصَلَّى عَرَفَةَ.
وَمُحْرِمُ مَكَّةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ، وَفَائِتِ الْحَجِّ لِلْحَرَمِ،
ــ
[منح الجليل]
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ عِنْدَ كَلَامِهِ عَلَى حَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَوْلُهُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْإِجَابَةَ بِلَبَّيْكَ خَاصَّةٌ بِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ جَوَابَ الرَّجُلِ لِمَنْ نَادَاهُ لَبَّيْكَ مِنْ السَّفَهِ وَأَنَّهُ جَهْلٌ بِالسُّنَّةِ، وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَفْعَلُوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبِكَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَهُمْ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَلَمْ يَقُمْ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ دَلِيلٌ. وَتَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ تَدُلُّ عَلَى نَفْيِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَقَدْ عَلِمْت سَابِقًا أَنَّ السَّفَهَ لَيْسَ فِي الْإِجَابَةِ بِلَبَّيْكَ فَقَطْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْهُ مَعَ أَصْحَابِهِ خِلَافُ مَا لِعِيَاضٍ، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -.
(وَعَاوَدَهَا) أَيْ: الْحَاجُّ التَّلْبِيَةَ وُجُوبًا قَالَهُ عج. عب وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي أَوَّلِهِ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ مُعَاوَدَتَهَا (بَعْدَ) فَرَاغِ (سَعْيٍ) كَتَجْدِيدِ إحْرَامٍ وَفِيهِ نَظَرٌ (وَإِنْ بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ مِنًى وَلَا يَزَالُ يُلَبِّي (لِرَوَاحِ مُصَلَّى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ: مَسْجِدِ (عَرَفَةَ) بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ رَوَاحٍ، فَإِنْ ذَهَبَ لَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ لَبَّى إلَيْهِ. قَالَ الْحَطّ فَإِنْ أَحْرَمَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَبَّى بِهَا ثُمَّ قَطَعَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ بِشَرْحِ الْجَلَّابِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ يُلَبِّي إلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي إلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا مُصَلَّى إبْرَاهِيمَ وَمَسْجِدِ عُرَنَةَ بِالنُّونِ وَمَسْجِدِ نَمِرَةَ، فَهِيَ أَسْمَاءٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَهُوَ الَّذِي عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى عَرَفَةَ. .
(وَمُحْرِمُ مَكَّةَ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ مُقِيمًا بِهَا وَلَا يَكُونُ إلَّا بِحَجٍّ مُفْرِدٍ (يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ أَيْ: يَبْتَدِئُهَا فِيهِ (وَ) يُلَبِّي (مُعْتَمِرُ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ (الْمِيقَاتِ) أَيْ: الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ (وَ) مُعْتَمِرُ (فَائِتِ الْحَجِّ) بِحَصْرِ عَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ وَلَمْ يَتَمَادَ عَلَيْهِ، وَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ يُلَبِّيَانِ (لِلْحَرَمِ) الْمُحَدَّدِ بِالْإِعْلَامِ الَّذِي يَحْرُمُ الصَّيْدُ فِيهِ، وَقَطْعُ النَّابِتِ فِيهِ بِنَفْسِهِ أَيْ: مَنْ اعْتَمَرَ لِفَوَاتِ حَجِّهِ، أَيْ: تَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ لَا أَنَّهُ يُنْشِئُ لَهَا إحْرَامًا. وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَفَاته الْحَجُّ قَبْلَ وُصُولِهِ
وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ لِلْبُيُوتِ.
وَلِلطَّوَافِ الْمَشْيُ، وَإِلَّا فَدَمٌ لِقَادِرٍ لَمْ يُعِدْهُ، وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ،
ــ
[منح الجليل]
الْحَرَمَ، وَقُلْنَا يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا وَصَلَ الْحَرَمَ قَالَهُ الرَّمَاصِيُّ.
(وَ) يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ (مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَ) مِنْ (التَّنْعِيمِ) لِدُخُولِهِ (لِلْبُيُوتِ) لِقَوْلِهَا يَقْطَعُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَكُلّ ذَلِكَ وَاسِعٌ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَغَيْرُهُ طفي. اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ أَوْ الْمَسْجِدِ.
(وَ) السُّنَنُ (لِلطَّوَافِ) كَانَ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا (الْمَشْيُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ هُوَ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ قَالَهُ عب. طفي كَوْنُهُ سُنَّةً نَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ إنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا كُرِهَ، وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَمُنَاقَشَةُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الدَّمَ لَا يَأْتِي فِي السُّنَّةِ، وَاسْتِظْهَارُهَا الْحَطّ مَدْفُوعَانِ بِتَخَالُفِ الِاصْطِلَاحِ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَمْشِ فِي الطَّوَافِ وَطَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا (فَدَمٌ) وَاجِبٌ (لِقَادِرٍ) عَلَى الْمَشْيِ فِيهِ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا وَ (لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ: الطَّوَافَ مَاشِيًا، فَإِنْ أَعَادَهُ مَاشِيًا قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ فَلَا دَمَ وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إعَادَتِهِ، وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ وَلَا يَكْفِيهِ الدَّمُ فَلَوْ قَالَ وَإِلَّا فَدَمٌ لِقَادِرٍ لَمْ يُعِدْهُ. وَرَجَعَ لِبَلَدِهِ لَكَانَ أَوْلَى. وَمَفْهُومُ لِقَادِرٍ أَنَّ الْعَاجِزَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا أَنْ يُطِيقَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ وَالسَّعْيُ كَالطَّوَافِ فِي الْمَشْيِ، وَإِنْ تَرَكَ الْقَادِرُ الْمَشْيَ فِيهِمَا مَعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيًا وَاحِدًا لِلتَّدَاخُلِ قَالَهُ الْحَطّ.
(وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ) أَسْوَدَ (بِفَمٍ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ؛ إذْ التَّقْبِيلُ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ (أَوَّلَهُ) بِشَدِّ الْوَاوِ أَيْ: الطَّوَافُ وَمِنْ سُنَنِهِ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ الطَّوَافِ الَّذِي شَرْطُ الطَّهَارَةِ، وَيُسَنُّ اسْتِلَامُ الْيَمَانِيِّ بِيَدِهِ أَوَّلَهُ وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ بِلَا تَقْبِيلٍ، وَيُنْدَبُ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَاسْتِلَامُ الْيَمَانِيِّ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَوْطٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْجَنَّةِ وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ الْكُفَّارِ لَا الْمُسْلِمِينَ، فَفِي الْبُدُورِ السَّافِرَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا سَوَّدَتْهُ
وَفِي الصَّوْتِ قَوْلَانِ، وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ، ثُمَّ عُودٌ وَوُضِعَا عَلَى فِيهِ ثُمَّ كَبَّرَ وَالدُّعَاءُ بِلَا حَدٍّ،
ــ
[منح الجليل]
خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا» . وَفِي الشَّيْخِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يُحْشَرُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ يَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ.
(وَفِي) كَرَاهَةِ (الصَّوْتِ) فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَإِبَاحَتِهِ (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا وَرَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْجَوَازَ وَكَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - السُّجُودَ عَلَيْهِ وَتَمْرِيغُ الْوَجْهِ عَلَيْهِ (وَلِلزَّحْمَةِ) عَلَى الْحَجَرِ (لَمْسٌ) لِلْحَجَرِ (بِيَدٍ) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ (ثُمَّ) إنْ عَجَزَ عَنْ مَسِّهِ بِهَا مَسَّهُ بِ (عُودٍ) حَيْثُ لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا (وَوُضِعَا) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: الْعُودِ وَالْيَدِ (عَلَى فِيهِ) مِنْ غَيْرِ تَقَبُّلٍ.
(ثُمَّ) إنْ تَعَذَّرَ الْمَسُّ (كَبَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا، أَيْ: قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ بِدُونِ إشَارَةٍ إلَيْهِ بِيَدِهِ وَلَا رَفْعٍ لَهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مَعَ تَقْبِيلِهِ بِفِيهِ وَوَضْعِ يَدِهِ أَوْ الْعُودِ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ صَرِيحُهَا أَنَّ التَّكْبِيرَ بَعْدَ التَّقْبِيلِ أَوْ الْوَضْعِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَظَاهِرُ ابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّهُ قَبَّلَهُ. وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ وَالْخُبْزِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ امْتِهَانَ الْخُبْزِ مَكْرُوهٌ وَلَوْ بِوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَيْهِ أَوْ وَضْعِهِ عَلَيْهَا اهـ عب. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ سُنِّيَّةَ التَّقْبِيلِ عَنْ تَقْيِيدِهَا بِالطَّوَافِ الْوَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَيَّدَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِالْوَاجِبِ.
وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الْخِلَافَ فِي هَذَا فَقَالَ وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ بِفِيهِ فِي ابْتِدَائِهِ وَفِي اخْتِصَاصِهِ بِوَاجِبِهِ، وَعُمُومُهُ فِي كُلِّ طَوَافٍ قَوْلُهَا لَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِلَامُهُ فِي ابْتِدَائِهِ إلَّا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَلَا يَدَعَ التَّكْبِيرَ كُلُّ مَا حَاذَاهُ فِي كُلِّ طَوَافٍ حَتَّى التَّطَوُّعَ وَقَوْلُ التَّلْقِينِ بَعْدَ ذِكْرِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فِي ابْتِدَائِهِ صِفَةُ كُلِّ الطَّوَافِ وَاحِدَةٌ، مَعَ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ مَنْ طَافَ تَطَوُّعًا ابْتَدَأَهُ بِالِاسْتِلَامِ. (وَ) ثَالِثُ السُّنَنِ لِلطَّوَافِ مُطْلَقًا (الدُّعَاءُ) فِيهِ (بِلَا حَدٍّ) أَيْ: يُكْرَهَ تَحْدِيدُهُ بِشَيْءٍ
وَرَمَلُ رَجُلٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَلَوْ مَرِيضًا، وَصَبِيًّا حُمِلَا، وَلِلزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ.
وَلِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَرُقِيُّهُ عَلَيْهِمَا: كَامْرَأَةٍ إنْ خَلَا وَإِسْرَاعٌ بَيْنَ الْأَخْضَرَيْنِ
ــ
[منح الجليل]
مُعَيَّنٍ فِي الدُّعَاءِ وَالْمَدْعُوِّ بِهِ (وَ) رَابِعُهَا وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَهُوَ لِلْحَجِّ طَوَافُ الْقُدُومِ وَلِلْعُمْرَةِ طَوَافُهَا (رَمَلُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ أَيْ: إسْرَاعُ (رَجُلٍ فِي) الْأَشْوَاطِ (الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَخِفَّةِ الْوَاوِ فَلَا رَمَلَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ تَرَكَهُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ كَتَارِكِ سُورَةٍ مِنْ الْأُولَيَيْنِ فَلَا يَقْرَأهَا فِي الْآخِرَيْنِ. وَيُسَنُّ الرَّمَلُ فِيهَا إنْ كَانَ كَبِيرًا صَحِيحًا بَلْ (وَلَوْ) كَانَ الطَّائِفُ (مَرِيضًا أَوْ صَبِيًّا حُمِلَا) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَرْمُلُ الْحَامِلُ وَتُحَرَّكُ الدَّابَّةُ كَمَا تُحَرَّكُ فِي بَطْنِ مُحَسَّرٍ وَفِي السَّعْيِ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ وَالرَّمَلُ أَنْ يَثِبَ فِي مَشْيِهِ وَثْبًا خَفِيفًا هَازًّا مَنْكِبَيْهِ.
(وَلِلزَّحْمَةِ) فِي الطَّوَافِ الْمَسْنُونِ فِيهِ الرَّمَلُ (الطَّاقَةُ) فَلَا يُكَلَّفُ فَوْقَهَا وَمَفْهُومُ رَجُلٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُسَنُّ رَمَلُهَا؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ.
(وَ) السُّنَّةُ (لِلسَّعْيِ) وَلَا يَكُونُ إلَّا رُكْنًا لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (تَقْبِيلُ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ وَالِالْتِزَامُ إذَا كَانَ مُتَوَضِّئًا؛ إذْ لَا يُقَبِّلُهُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ، وَيُجْزِئُ فِيهِ تَفْصِيلُ الزَّحْمَةِ مِنْ اللَّمْسِ بِيَدٍ ثُمَّ عُودٍ ثُمَّ التَّكْبِيرُ وَيَخْرُجُ لِلسَّعْيِ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ، وَالْمُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ الْمُسَمَّى بَابَ الصَّفَا لِقُرْبِهِ مِنْهُ بَعْدَ شُرْبِهِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ.
(وَ) السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ (رُقِيُّهُ) أَيْ: الرَّجُلِ (عَلَيْهِمَا) أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كُلَّمَا يَصِلُ إلَى أَحَدِهِمَا وَفِيهَا يُنْدَبُ أَنْ يَصْعَدَ أَعْلَاهُمَا بِحَيْثُ يَرَى الْكَعْبَةَ مِنْهُ. اهـ. وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ زَائِدٌ عَلَى السُّنَّةِ. وَشَبَّهَ فِي السُّنِّيَّةِ فَقَالَ (كَ) رُقِيِّ (مَرْأَةٍ) عَلَيْهِمَا فَيُسَنُّ (إنْ خَلَا) الْمَوْضِعُ مِنْ مُزَاحِمَةِ الرِّجَالِ وَإِلَّا وَقَفَتْ أَسْفَلَهُ. ابْنُ فَرْحُونٍ السُّنَّةُ الْقِيَامُ عَلَيْهِمَا إلَّا لِعُذْرٍ فَإِنْ جَلَسَ فِي الْأَعْلَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَلَوْ عَبَّرَ بِقَامَهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرُّقِيِّ الْقِيَامُ. وَقِيلَ الْقِيَامُ مَنْدُوبٌ زَائِدٌ عَلَى سُنَّةِ الرُّقِيِّ.
(وَ) السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ لِلرِّجَالِ فَقَطْ (إسْرَاعٌ بَيْنَ) الْعَمُودَيْنِ (الْأَخْضَرَيْنِ) أَوَّلُهُمَا فِي
فَوْقَ الرَّمَلِ، وَدُعَاءٌ وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَوُجُوبِهِمَا: تَرَدُّدٌ.
ــ
[منح الجليل]
رُكْنِ الْمَسْجِدِ تَحْتَ مَنَارَةٍ بَابِ عَلِيٍّ وَالثَّانِي بَعْدَهُ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ قُبَالَةَ رِبَاطِ الْعَبَّاسِ وَفِي مُقَابِلَتِهِمَا عَمُودَانِ أَخْضَرَانِ أَيْضًا عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ مِنْ الصَّفَا لِلْمَرْوَةِ وَالْإِسْرَاعُ فِي حَالِ الذَّهَابِ مِنْ الصَّفَا لِلْمَرْوَةِ لَا فِي الْعَوْدِ مِنْهَا إلَيْهِ، هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ وَالْمَوَّاقِ، وَلَا يُقَالُ سَبَبُهُ إسْرَاعُ هَاجَرَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي الْعَوْدِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ إسْرَاعَهَا كَانَ فِي حَالِ ذَهَابِهَا إلَى الْمَرْوَةِ فَقَطْ.
الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ الْحَطّ عَنْ سَنَدٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِسْرَاعِ يَكُونُ قَبْلَ الْعَمُودِ الْأَوَّلِ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ مَحَلِّهِ الْأَصْلِيِّ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ، وَقَوْلُهُ فِي حَالِ الذَّهَابِ لِلْمَرْوَةِ فَقَطْ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ وَعَزْوُهُ لِظَاهِرِ سَنَدٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنَّمَا فِيهِ كَمَا نَقَلَ الْحَطّ عَنْهُ أَنَّهُ صَدَّرَ بِالْبَدْءِ مِنْ الصَّفَا وَسَكَتَ عَنْ بَيَانِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَإِلَّا لَنُبِّهَ عَلَيْهِ. وَكَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُرْشِدِ بِهِمَا فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْبَدْءِ بِالصَّفَا مَا نَصُّهُ " ثُمَّ يَنْزِلُ مِنْ الْمَرْوَةِ وَيَفْعَلُ كَمَا وَصَفْنَا مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْخَبَبِ " وَيُفِيدُهُ نَقْلُ الْمَوَّاقِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ (فَوْقَ) أَيْ: أَشَدُّ مِنْ (الرَّمَلِ) .
(وَ) السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ (دُعَاءٌ) فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالرُّقِيِّ عَلَيْهِمَا. (وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ) الرُّكْنُ وَالْوَاجِبُ وَالنَّفَلُ (وَوُجُوبُهُمَا) فِيهَا وَوُجُوبُهُمَا فِي الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ وَنَدْبُهُمَا فِي الْمَنْدُوبِ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالثَّانِي اخْتَارَهُ الْبَاجِيَّ، وَقَالَ سَنَدٌ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَالثَّالِثُ لِلْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ، قَالَ الْحَطّ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَ فِيهَا فَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَكَانَ طَوَافُهُ وَاجِبًا رَجَعَ وَابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَرَكَعَ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ يُوَصِّلَانِ بِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ فَلْيَرْكَعْهُمَا وَيُهْدِي وَلَا يَرْجِعُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ فَلْيَرْكَعْهُمَا وَلَا يُهْدِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَقَوْلُهُ الْآتِي وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَقُّلِهِ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا وَلَعَلَّهُ لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهِمَا، وَيُكْرَهُ جَمْعُ أَسَابِيعَ وَإِنْ فَعَلَ صَلَّى لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَنُدِبَا كَالْإِحْرَامِ بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ، وَبِالْمَقَامِ، وَدُعَاءٌ بِالْمُلْتَزَمِ وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْيَمَانِيِّ بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَاقْتِصَارٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
ــ
[منح الجليل]
وَنُدِبَا) أَيْ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالصَّوَابُ وَنُدِبَتَا بِتَاءِ التَّأْنِيثِ لِإِسْنَادِ الْفِعْلِ لِضَمِيرٍ مُؤَنَّثٍ فَتَلْزَمُهُ التَّاءُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَتِرًا أَوْ بَارِزًا عَلَى الصَّوَابِ. نَعَمْ قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ يَجُوزُ تَرْكُ التَّاءِ فِي فِعْلِ الْمُؤَنَّثِ الْمَجَازِيِّ سَوَاءٌ كَانَ الْفَاعِلُ ظَاهِرًا أَوْ ضَمِيرًا فَيَخْرُجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَمَصَبُّ النَّدْبِ قَوْلُهُ بِالْكَافِرُونَ إلَخْ.
وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ فَقَالَ (كَ) رَكْعَتَيْ (الْإِحْرَامِ بِالْكَافِرُونَ) بِوَاوِ الْحِكَايَةِ (وَالْإِخْلَاصِ وَ) نَدْبِ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ (بِالْمَقَامِ) أَيْ: خَلْفَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم أَيْ: الْحَجَرِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ حِينَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَيُقَالُ مَنْ أَجَابَهُ حَجَّ بِعَدَدِ مَرَّاتِ إجَابَتِهِ. وَقِيلَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ حِينَ غَسَلَتْ لَهُ زَوْجَةُ ابْنِهِ إسْمَاعِيلَ عليه السلام رَأْسَهُ. وَقِيلَ الَّذِي عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ وَكَانَ ابْنُهُ إسْمَاعِيلُ عليه الصلاة والسلام يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ.
(وَ) نُدِبَ (دُعَاءٌ) بَعْدَ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ (بِالْمُلْتَزَمِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْحِجْرِ مِنْ حَائِطِ الْكَعْبَةِ. وَفِي الْمُوَطَّإِ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ مِنْ الْمَطَافِ. أَبُو عُمَرَ «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ بِالْمُلْتَزَمِ» . زَرُّوقٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي طَوَافِهِ بِمَا تَيَسَّرَ، وَكَذَا فِي الْمَقَامِ وَالْحَطِيمِ وَالْمُلْتَزَمِ وَعِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَفِي الْمُسْتَجَارِ أَيْ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْبَابِ الْمُغْلَقِ الَّذِي كَانَ فَتَحَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَفِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
(وَ) نُدِبَ (اسْتِلَامُ) أَيْ: تَقْبِيلُ (الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ بِكُلِّ شَوْطٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ (وَ) نُدِبَ لَمْسُ الرُّكْنِ (الْيَمَانِيِّ) بِآخِرِ كُلِّ شَوْطٍ (بَعْدَ) الشَّوْطِ (الْأَوَّلِ) بَعْدَ مُرُورِ الطَّائِفِ عَلَى الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ الْمُقَابِلَيْنِ الْحِجْرَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ (وَ) نُدِبَ (اقْتِصَارٌ) فِي صِيغَةِ التَّلْبِيَةِ (عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم) وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك وَكَرِهَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الزِّيَادَةَ
وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا.
وَالْبَيْتِ، وَمِنْ كَدَاءَ: لِمَدَنِيٍّ، وَالْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، وَخُرُوجُهُ
ــ
[منح الجليل]
عَلَيْهَا، وَمَعْنَى لَبَّيْكَ إجَابَةٌ بَعْدَ إجَابَةٍ وَالْإِجَابَةُ الْأُولَى إجَابَةُ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] أَيْ أَنْتَ رَبُّنَا، وَالثَّانِيَةُ لِتَأْذِينِ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَأَجَابُوهُ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، فَمَنْ أَجَابَهُ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ زَادَ فِي الْإِجَابَةِ زَادَ فِي الْحَجِّ فَالْمَعْنَى أَجَبْتُك فِي هَذَا الْإِحْرَامِ كَمَا أَجَبْتُك فِيمَا تَقَدَّمَ، وَأَوَّلُ مَنْ لَبَّى الْمَلَائِكَةُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَذَا أَوَّلُ مَنْ طَافَ وَفِي مَشْرُوعِيَّتِهَا تَنْبِيهٌ عَلَى إكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَنَّ وُفُودَهُمْ عَلَى بَيْتِهِ إنَّمَا كَانَ بِاسْتِدْعَاءٍ مِنْهُ سبحانه وتعالى.
(وَ) نُدِبَ (دُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا) أَيْ: ضُحًى، قَالَ زَرُّوقٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ أَرْبَعٌ: نُزُولُهُ بِذِي طُوًى وَهُوَ الْوَادِي الَّذِي تَحْتَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيُسَمَّى الزَّاهِرَ، وَاغْتِسَالٌ فِيهِ، وَنُزُولُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَمَبِيتُهُ بِالْوَادِي الْمَذْكُورِ فَيَأْتِي مَكَّةَ ضُحًى.
(وَ) نُدِبَ دُخُولُ (الْبَيْتِ) أَيْ: الْكَعْبَةِ لِزِيَارَتِهَا وَالتَّبَرُّكِ بِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَمَا فِي النَّقْلِ، وَلِذَا أَخَّرَهُ عَنْ الظَّرْفِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحَذْفِ مِنْ الثَّانِي لِدَلَّالِهِ الْأَوَّلِ، وَمُقْتَضَى كَوْنِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ أَنَّ مَنْ دَخَلَهَا أَتَى بِهَذَا الْمُسْتَحَبِّ.
(وَ) نُدِبَ دُخُولُ مَكَّةَ (مِنْ كَدَاءَ) بِفَتْحِ الْكَافِ مَمْدُودًا مُنَوَّنًا إنْ لَمْ يُؤَدِّ لِازْدِحَامٍ وَأَذِيَّةٍ وَإِلَّا تَعَيَّنَ تَرْكُ الدُّخُولِ مِنْهُ (لِمَدَنِيٍّ) أَيْ: آتٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا لِآتٍ مِنْ غَيْرِهَا وَإِنْ مَدَنِيًّا. الْفَاكِهَانِيُّ الْمَشْهُورُ نَدْبُهُ لِكُلِّ مُحْرِمٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَرِيقُهُ لِاسْتِقْبَالِ الدَّاخِلِ وَجْهَ الْكَعْبَةِ. وَلِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي دَعَا إبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام رَبَّهُ تَعَالَى فِيهِ بِأَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ فَقِيلَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، وَلِذَا قَالَ يَأْتُوك دُونَ يَأْتُونِي.
(وَ) نُدِبَ دُخُولُ (الْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) الْمُسَمَّى بَابَ السَّلَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِ الدَّاخِلِ.
(وَ) نُدِبَ (خُرُوجُهُ) أَيْ الْمَدَنِيِّ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى
مِنْ كُدَى.
وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ.
بِالْمَسْجِدِ وَرَمَلُ مُحْرِمٍ مِنْ كَالتَّنْعِيمِ أَوْ بِالْإِفَاضَةِ لِمُرَاهِقٍ؛ لَا تَطَوُّعٍ وَوَدَاعٍ.
وَكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ،
ــ
[منح الجليل]
أَيْضًا مِنْ مَكَّةَ لِلسَّفَرِ (مِنْ كُدَى) بِضَمِّ الْكَافِ مَقْصُورًا وَفِي فَتْحٍ وَمَدٍّ مَوْضِعُ الدُّخُولِ وَضَمٍّ وَقَصْرٍ مَوْضِعُ الْخُرُوجِ إشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إلَى أَنَّ الدَّاخِلَ يَفْتَحُ بَابَ الرَّجَاءِ، وَالْخَارِجُ يَضُمُّ عَلَى مَا حَصَلَ وَيَقْصُرُ أَمَلَهُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِغَيْرِهِ.
(وَ) نُدِبَ (رُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ) بَعْدَ فَرْضِ الْعَصْرِ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُخَالِفًا لِلْأَوْلَى مِنْ إقَامَتِهِ لِلْغُرُوبِ بِذِي طُوًى قَالَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ طَافَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصِلَةُ رُكُوعِهِ (بَعْدَ) صَلَاةِ (الْمَغْرِبِ) وَمَصَبُّ النَّدْبِ كَوْنُ رُكُوعِهِ (قَبْلَ تَنَفُّلِهِ) وَلِابْنِ رُشْدٍ الْأَظْهَرُ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِاتِّصَالِهِمَا حِينَئِذٍ بِالطَّوَافِ وَلَا يَفُوتَانِهِ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِخِفَّتِهِمَا.
(وَ) نُدِبَ لِمَنْ طَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ رُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ (بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) قَبْلَ تَنَفُّلِهِ وَتَأْخِيرُ دُخُولِ مَكَّةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَهُ طَافَ حِينَ دُخُولِهِ، وَأَخَّرَهُمَا لِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِمَا مُرَاعَاةً لِسُنِّيَّتِهِمَا. وَعُلِمَ مِمَّا هُنَا أَنَّ الطَّوَافَ وَلَوْ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا كَصَلَاةِ النَّفْلِ فِي كَرَاهَتِهِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَفَرْضِ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ وَتُصَلِّي الْمَغْرِبَ.
(وَ) نُدِبَ صَلَاةُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ (بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ.
(وَ) نُدِبَ (رَمَلُ) رَجُلٍ (مُحْرِمٍ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (مِنْ كَالتَّنْعِيمِ) وَالْجِعْرَانَةِ (أَوْ) رَمَلٍ (بِ) طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ لِمُرَاهِقٍ) وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَمْ يَطُفْ الْقُدُومَ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ فِعْلِهِ لِخَشْيَةِ فَوَاتِ وُقُوفِ عَرَفَةَ أَوْ لِنِسْيَانِهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُرَاهِقٍ وَطَافَ الْقُدُومَ وَرَمَلَ فِيهِ أَوْ تَرَكَهُ وَلَوْ عَمْدًا فَلَا يَرْمُلُ بِالْإِفَاضَةِ (لَا) يُنْدَبُ الرَّمَلُ فِي طَوَافِ (تَطَوُّعٍ وَ) لَا فِي طَوَافِ (وَدَاعٍ) وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ فِيهِمَا عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ.
(وَ) نُدِبَ لِكُلِّ مَنْ بِمَكَّةَ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا (كَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ) ابْنُ حَبِيبٍ
وَنَقْلُهُ.
وَلِلسَّعْيِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ، وَخُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِ السَّابِعِ
ــ
[منح الجليل]
يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ مَا أَقَامَ بِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَقَالَ وَهُوَ لِمَا شُرِبَ لَهُ فَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَعَامًا وَشَرَابًا.
(وَ) نُدِبَ (نَقْلُهُ) أَيْ: مَاءُ زَمْزَمَ مِنْ مَكَّةَ لِغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ وَخُصُوصِيَّتُهُ بَاقِيَةٌ فِيهِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْحَطّ. وَصَرَّحَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ بِاسْتِحْبَابِ نَقْلِهِ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهَا اُسْتُحِبَّ لِمَنْ حَجَّ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ إلَى بَلَدِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لِمَنْ اسْتَشْفَى اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُعَلَّى وَالتَّادَلِيُّ وَغَيْرُهُمَا. .
(وَ) نُدِبَ (لِلسَّعْيِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ) الْمُمْكِنَةِ فِيهِ فَلَا يُنْدَبُ فِيهِ اسْتِقْبَالٌ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فِيهِ وَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ ذَكَرَ خُبْثًا أَوْ أَصَابَهُ حَقْنٌ أَوْ جَنَابَةٌ نُدِبَ لَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيَبْنِيَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخِلًّا بِالْمُوَالَاةِ الْوَاجِبَةِ فِيهِ لِيَسَارَتِهِ وَتُتَصَوَّرُ الْجَنَابَةُ مَعَ صِحَّةِ النُّسُكِ وَالِاتِّصَالِ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِالِاحْتِلَامِ فِي نَوْمٍ خَفِيفٍ عَقِبَ سَلَامِهِ مِنْهُمَا.
(وَ) نُدِبَ لِلْإِمَامِ (خُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرٍ) الْيَوْمِ (السَّابِعِ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ذَكَرَ الْحَطّ أَنَّ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَدُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ مِنْ السُّنَنِ لَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، قَالَ وَهَلْ يَفْتَتِحُ أُولَاهُمَا بِالتَّكْبِيرِ أَوْ بِالتَّلْبِيَةِ؟ قَوْلَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُمَا إنْ كَانَ الْخَطِيبُ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الْقَوْلَ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ الْآنَ وَهِيَ شِعَارُ الْمُحْرِمِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ تَعَيَّنَ
بِمَكَّةَ وَاحِدَةٌ: يُخْبِرُ فِيهَا بِالْمَنَاسِكِ وَخُرُوجُهُ لِمِنًى قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ، وَبَيَاتُهُ بِهَا، وَسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ، وَنُزُولُهُ بِنَمِرَةَ، وَخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ،
ــ
[منح الجليل]
عَلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَنْدُوبِ التَّكْبِيرُ وَتَعَقَّبَهُ عج بِقَوْلِ سَنَدٍ النُّزُولُ بِنَمِرَةَ مُسْتَحَبٌّ، وَبِأَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي سُنِّيَّةَ الْأَوَّلِ وَنُدِبَ الثَّانِي (بِمَكَّةَ) أَيْ: فِي حَرَمِ مَكَّةَ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا.
(وَاحِدَةٌ) تَبِعَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَلِابْنِ حَبِيبٍ وَالْأَخَوَيْنِ خُطْبَتَانِ كَالْجُمُعَةِ وَنَسَبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ شَهَرَهُ قَالَهُ طفي (يُخْبِرُ) الْإِمَامُ النَّاسَ تَذْكِيرًا لِلْعَالِمِ وَتَعْلِيمًا لِلْجَاهِلِ (فِيهَا) أَيْ: الْخُطْبَةِ (بِالْمَنَاسِكِ) الَّتِي تُفْعَلُ فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَلَيْلَةِ التَّاسِعِ إلَى زَوَالِهِ.
(وَ) نُدِبَ (خُرُوجُهُ) أَيْ: الْحَاجِّ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ مَكَّةَ (لِمِنًى قَدْرَ مَا) أَيْ: زَمَانِ (يُدْرِكُ) الْحَاجُّ إذَا خَرَجَ فِيهِ (بِهَا) أَيْ: مِنًى (الظُّهْرَ) مَقْصُورَةٌ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فَالْقَوِيُّ يَخْرُجُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمَنْ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ ضَعْفٌ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ الظُّهْرَ بِمِنًى آخِرَ الْمُخْتَارِ إذَا خَرَجَ لَهَا بَعْدَهُ يَخْرُجُ قَبْلَهُ بِقَدْرِ مَا يُدْرِكُ الظُّهْرَ بِهَا فِي مُخْتَارِهَا؛ إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ، وَصَلَاتُهَا فِي غَيْرِ مِنًى بِدْعَةٌ وَلَوْ وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ إذْ الظُّهْرُ بِمِنًى أَفْضَلُ مِنْ الْجُمُعَةِ بِمَكَّةَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ لَهَا قَبْلَ الثَّامِنِ (وَ) نُدِبَ (بَيَاتُهُ بِهَا) أَيْ: مِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ.
(وَ) نُدِبَ (سَيْرُهُ) مِنْ مِنًى (لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ) لِلشَّمْسِ وَلَا يُجَاوِزُ بَطْنَ مُحَسِّرٍ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مِنًى (وَ) نُدِبَ (نُزُولُهُ بِنَمِرَةَ) وَادٍ بَيْنَ الْحَرَمِ وَعَرَفَةَ وَيُسَمَّى أَيْضًا عُرَنَةَ بِالنُّونِ وَضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ لِنُزُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ، وَيَضْرِبُ خَيْمَتَهُ بِهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ فَإِذَا زَالَتْ اغْتَسَلَ وَدَخَلَ عَرَفَةَ لِجَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ فِي مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ.
(وَ) نُدِبَ (خُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ) مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ بِجَامِعِ نَمِرَةَ وَقَالَ عِيَاضٌ فِي
ثُمَّ أُذِّنَ، وَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ إثْرَ الزَّوَالِ، وَدُعَاءٌ وَتَضَرُّعٌ لِلْغُرُوبِ، وَوُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ، وَرُكُوبُهُ بِهِ،
ــ
[منح الجليل]
الْإِكْمَالِ فِي خُطْبَةِ عَرَفَةَ هِيَ سُنَّةٌ فِي قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَيْسَ عَرَفَةُ بِمَوْضِعِ خُطْبَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُعَلَّمُ النَّاسُ فِيهِمَا الْمَنَاسِكَ مِنْ جَمْعِهِمْ الظُّهْرَيْنِ بِعَرَفَةَ وَوُقُوفِهِمْ بِهَا إلَى الْغُرُوبِ لِلتَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ، وَدَفْعِهِمْ مِنْهَا عَقِبَ الْغُرُوبِ بِدُونِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَنُزُولِهِمْ بِهَا، وَجَمْعِهِمْ الْعِشَاءَيْنِ بِهَا وَمَبِيتِهِمْ بِهَا وَصَلَاتِهِمْ الصُّبْحَ بِهَا بِغَلَسٍ، وَوُقُوفِهِمْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إلَى الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ وَدَفْعِهِمْ إلَى مِنًى قَبْلَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَإِسْرَاعِهِمْ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ وَرَمْيِهِمْ الْعَقَبَةَ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِمْ إلَى مِنًى، وَتَذْكِيَتِهِمْ هَدَايَاهُمْ وَحَلْقِهِمْ أَوْ تَقْصِيرِهِمْ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَالْمُبَادَرَةِ لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَرُجُوعِهِمْ لِمِنًى لِلْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ.
(ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ (أُذِّنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا وَأُقِيمَ لِلظُّهْرِ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فِيهَا، وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ إنْ شَاءَ فِي الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا اهـ. وَلَفْظُ الْأُمَّهَاتِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسُئِلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ الْمُؤَذِّنِ مَتَى يُؤَذِّنُ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ خُطْبَتِهِ، أَوْ وَهُوَ يَخْطُبُ قَالَ ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَمَا يَفْرُغُ مِنْ خُطْبَتِهِ.
(وَجَمَعَ) الْإِمَامُ إذَا نَزَلَ (بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ) جَمْعَ تَقْدِيمٍ بِأَذَانٍ ثَانٍ وَإِقَامَةٍ لِلْعَصْرِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ الْجَلَّابِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَقِيلَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ الْمَوَّازِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لِإِطْلَاقِهِ الْأَذَانَ (إثْرَ الزَّوَالِ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَذَّنَ إلَخْ يُفِيدُ تَأْخِيرَ الْأَذَانِ وَالْجَمْعَ عَنْ الْخُطْبَتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: إثْرَ النُّزُولِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَمَنْ فَاتَهُ جَمْعُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَهُمَا وَحْدَهُ، فَإِنْ تَرَكَهُ جُمْلَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَهُ فِي اللُّمَعِ. الْبَدْرُ هَذَا غَرِيبٌ أَنَّ الدَّمَ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ فَلَعَلَّهُ ضَعِيفٌ.
(وَ) نُدِبَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ (دُعَاءٌ وَتَضَرُّعٌ لِلْغُرُوبِ) بِعَرَفَةَ (وَ) نُدِبَ (وُقُوفٌ) هـ أَيْ: حُضُورُهُ فِي عَرَفَةَ (بِوُضُوءٍ) هَذَا مَصَبُّ النَّدْبِ (وَ) نُدِبَ (رُكُوبُهُ بِهِ) أَيْ: فِي
ثُمَّ قِيَامٌ إلَّا لِتَعَبٍ.
وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ، وَبَيَاتُهُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ، وَجَمَعَ وَقَصَرَ، إلَّا أَهْلَهَا: كَمِنًى وَعَرَفَةَ،
ــ
[منح الجليل]
حَالِ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ لِلتَّقَوِّي عَلَى الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالرَّسُولِ الْأَعْظَمِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا مُسْتَثْنَى مِنْ النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ ظُهُورِ الدَّوَابِّ مَسَاطِبَ كَمَا فِي الْخَبَرِ (ثُمَّ) يَلِي الرُّكُوبَ فِي النَّدْبِ (قِيَامٌ) لِلرِّجَالِ وَكُرِهَ لِلنِّسَاءِ (إلَّا لِتَعَبٍ) لِلدَّابَّةِ أَوْ رَاكِبِهَا أَوْ الْقَائِمِ أَوْ مُدِيمِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ النُّزُولُ وَالْجُلُوسُ وَنَقْضُ الْوُضُوءِ أَفْضَلَ.
(وَ) نُدِبَ (صَلَاتُهُ) أَيْ: الْحَاجِّ (بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ) مَجْمُوعَتَيْنِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ وَقَصْرُ الْعِشَاءِ وَتُسَمَّى مُزْدَلِفَةَ جَمْعًا بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ أَوْ آدَمَ وَحَوَّاءَ أَوْ الصَّلَاتَيْنِ بِهَا. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ سُنَّةٌ إنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ بِأَنْ لَمْ يَقِفْ أَصْلًا أَوْ وَقَفَ وَحْدَهُ فَلَا يَجْمَعُ لَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ مُخْتَارَهَا لَا يُقَالُ كَلَامُهُ لَا يُفِيدُ نَدْبَ جَمْعِهِمَا؛ إذْ هُوَ صَادِقٌ يَجْمَعُهُمَا وَعَدَمُهُ وَإِنَّمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَجَمْعٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عَدَمُ جَمْعِهِمَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَلَا يَكُونُ مَنْدُوبًا. (وَ) نُدِبَ (بَيَاتُهُ بِهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَالنُّزُولِ بِهَا بِقَدْرِ حَطِّ الرِّحَالِ سَوَاءٌ حُطَّتْ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِتَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَاجِبٌ (وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ) بِهَا بِلَا عُذْرٍ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ (فَالدَّمُ) وَاجِبٌ وَإِنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ الشَّمْسِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِمَا وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إنَاخَةِ الْبَعِيرِ (وَجَمَعَ) الْإِمَامُ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِمُزْدَلِفَةَ اسْتِنَانًا (وَقَصَرَ) الْإِمَامُ الْعِشَاءَ كَذَلِكَ وَهَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ آنِفًا وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ وَكُلُّ الْحُجَّاجِ يَجْمَعُونَ وَيَقْصِرُونَ بِمُزْدَلِفَةَ (إلَّا أَهْلَهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ فَيُتِمُّونَ الْعِشَاءَ وَيَجْمَعُونَهَا مَعَ الْمَغْرِبِ.
وَشَبَّهَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْأَهْلَ مِنْ الْقَصْرِ فَقَالَ (كَ) أَهْلِ (مِنًى وَ) أَهْلِ (عَرَفَةَ) وَأَهْلِ الْمُحَصَّبِ فَيُتِمُّونَ الرُّبَاعِيَّةَ فِي بِلَادِهِمْ وَفِي حَالِ رُجُوعِهِمْ إلَيْهَا إنْ كَانَ النُّسُكُ يُتَمُّ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يُتَمَّ بِهَا قَصَرَ حَالَ رُجُوعِهِ إلَيْهَا كَمَكِّيٍّ يَنْزِلُ الْمُحَصَّبِ قَبْلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ فَيَقْصِرُ فِيهِ وَهَذَا
وَإِنْ عَجَزَ فَبَعْدَ الشَّفَقِ، وَإِنْ نَفَرَ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِلَّا فَكُلٌّ لِوَقْتِهِ، وَإِنْ قُدِّمَتَا عَلَيْهِ أَعَادَهُمَا، وَارْتِحَالُهُ بَعْدَ الصُّبْحِ، مُغَلِّسًا،.
ــ
[منح الجليل]
مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي السَّفَرِ إلَّا كَمَكِّيٍّ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ وَرُجُوعِهِ. (وَإِنْ عَجَزَ) مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ عَنْ السَّيْرِ مَعَهُمْ لِضَعْفِهِ أَوْ ضَعْفِ دَابَّتِهِ (فَ) يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا (بَعْدَ) مَغِيبِ (الشَّفَقِ) الْأَحْمَرِ فِي مُزْدَلِفَةَ أَوْ قَبْلَهَا (إنْ) كَانَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَ (نَفَرَ) أَيْ: سَارَ مِنْهَا (مَعَ الْإِمَامِ) وَتَأَخَّرَ عَنْهُ لِعُذْرٍ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقِفْ وَيَنْفِرْ مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ وَقَفَ وَحْدَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ بِعَرَفَةَ (فَكُلٌّ) مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلِّيهِ (لِوَقْتِهِ) مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ وَمَفْهُومُ عَجَزَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ وَنَفَرَ مَعَهُ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ لِغَيْرِ عَجْزٍ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَكِنْ فِي مُزْدَلِفَةَ فَقَطْ أَفَادَهُ عبق الرَّمَاصِيُّ قَوْلُهُ إنْ نَفَرَ مَعَ الْإِمَامِ الصَّوَابُ إنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِي الْمَنَاسِكِ؛ إذْ هُوَ الْمُطَابِقُ لِلنَّقْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ وَقَفَ بَعْدَ الْإِمَامِ فَلَا يَجْمَعُ اهـ.
وَهَكَذَا النَّقْلُ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي النَّوَادِرِ وَابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِمَا، زَادَ الْبُنَانِيُّ وَمِثْلُهُ فِي الْخَرَشِيِّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَوَّاقِ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي تَقْرِيرِ (ز) (وَإِنْ قُدِّمَتَا) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الْعِشَاءَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ الشَّفَقِ أَوْ النُّزُولُ بِمُزْدَلِفَةَ لِمَنْ يَجْمَعُ بِهَا وَهُوَ مَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَسَارَ مَعَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ (أَعَادَهُمَا) أَيْ: الْعِشَاءَيْنِ نَدْبًا إنْ كَانَ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الشَّفَقِ قَبْلَ وُصُولِهِ مُزْدَلِفَةَ، وَإِنْ كَانَ قَدَّمَهُمَا عَلَى الشَّفَقِ أَعَادَ الْعِشَاءَ وُجُوبًا لِبُطْلَانِهَا لِصَلَاتِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَالْمَغْرِبِ نَدْبًا إنْ بَقِيَ وَقْتُهَا فِيهَا. قِيلَ لِلْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنْ أَدْرَكَ الْإِمَامُ الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَقَالَ هَذَا مِمَّا لَا أَظُنُّهُ يَكُونُ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا صَلَّى فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَلَا يُعِيدُ وَإِنَّمَا الْإِعَادَةُ عِنْدَهُ إذَا صَلَّى قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةُ أَمَامَك وَلَا يُمْكِنُ عَادَةً أَنْ يُقَدِّمَهَا قَبْلَ الشَّفَقِ وَيُصَلِّيهِمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ.
(وَ) نُدِبَ (ارْتِحَالُهُ) أَيْ: الْحَاجِّ مِنْ مُزْدَلِفَةَ (بَعْدَ) صَلَاةِ (الصُّبْحِ) أَوَّلَ وَقْتِهَا حَالَ كَوْنِهِ (مُغَلِّسًا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً أَيْ مُصَلِّيًا فِي وَقْتِ الْغَلَسِ أَيْ الظَّلَامِ.
وَوُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يُكَبِّرُ وَيَدْعُو لِلْإِسْفَارِ، وَاسْتِقْبَالُهُ بِهِ، وَلَا وُقُوفَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَ الصُّبْحِ، وَإِسْرَاعٌ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ.
وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ حِينَ وُصُولِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَ) نُدِبَ (وُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا شِينٌ سَاكِنَةٌ أَيْ: مَحَلِّ الْعَشَائِرِ وَمَعَالِمِ الدِّينِ وَالطَّاعَةِ (الْحَرَامِ) الَّذِي يَحْرُمُ الصَّيْدُ وَقَطْعُ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ وَهُوَ مَا بَيْنَ جَبَلِ الْمُزْدَلِفَةِ. وَقُزَحٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ آخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ اسْمُ جَبَلٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى مِنًى وَمَا أَحَاطَ بِهِ مِنْ الْفَضَاءِ وَالنَّدْبُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ،
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وُقُوفُ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَسُنَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْوُقُوفَ بِهِ سُنَّةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَرِيضَةٌ اهـ.
وَالسُّنِّيَّةُ هِيَ الَّتِي تُفْهَمُ مِنْ قَوَاعِدِ عِيَاضٍ، وَلِذَا جَعَلَ الْبِسَاطِيُّ الِاسْتِحْبَابَ مُتَعَلِّقًا بِالْقَيْدِ حَالَ كَوْنِهِ (يُكَبِّرُ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا وَيُهَلِّلُ (وَيَدْعُو) فِي حَالِ وُقُوفِهِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَصِلَةُ وُقُوفِهِ (لِلْإِسْفَارِ) أَيْ: الضَّوْءِ الْأَعْلَى بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ قَالَهُ أَحْمَدُ.
(وَ) نُدِبَ (اسْتِقْبَالُهُ) أَيْ الْوَاقِفِ بِالْمَشْعَرِ الْقِبْلَةَ (بِهِ) أَيْ عِنْدَ الْمَشْعَرِ جَاعِلًا لَهُ عَنْ يَسَارِهِ (وَلَا وُقُوفَ) مَشْرُوعٌ (بَعْدَهُ) أَيْ: الْإِسْفَارِ فَيَفُوتُ بِهِ وَصَرَّحَ بِهَذَا، وَإِنْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ لِلْإِسْفَارِ لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقِفُونَ بِهِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ (وَلَا) وُقُوفَ مَشْرُوعٌ (قَبْلَ) صَلَاةِ (الصُّبْحِ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ.
(وَ) نُدِبَ (إسْرَاعٌ) بِدَابَّتِهِ وَالْمَاشِي بِخُطْوَتِهِ ذَهَابًا لِعَرَفَةَ وَإِيَابًا لِمِنًى (بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَيْنِ مُشَدَّدَةً وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَادٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالطَّبَرِيُّ. وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مِنًى وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ مِنًى وَبَعْضَهُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَصَوَّبَهُ.
(وَ) نُدِبَ (رَمْيُهُ الْعَقَبَةَ حِينَ وُصُولِهِ) مِنًى قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ؛ لِأَنَّهَا تَحِيَّةُ الْحَرَمِ فَالنَّدْبُ
وَإِنْ رَاكِبًا، وَالْمَشْيُ فِي غَيْرِهَا، وَحَلَّ بِهَا غَيْرُ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ.
وَكُرِهَ الطِّيبُ، وَتَكْبِيرُهُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَتَتَابُعُهَا، وَلَقْطُهَا، وَذَبْحٌ قَبْلَ الزَّوَالِ،
ــ
[منح الجليل]
مُنَصَّبٌ عَلَى كَوْنِهِ حِينَهُ، وَإِنْ كَانَ رَمْيُهَا وَاجِبًا إنْ وَصَلَ مَاشِيًا بَلْ (وَإِنْ) وَصَلَ (رَاكِبًا) وَيَدْخُلُ وَقْتُ رَمْيِهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَمَنْ رُخِّصَ لَهُ فِي التَّقْدِيمِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَتَقَدَّمَ وَوَصَلَ مِنًى لَيْلًا فَلَا يَرْمِيهَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ. وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيُكْرَهُ بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِهَا. وَاعْتَرَضَ قَوْلُهُ وَإِنْ رَاكِبًا بِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ رُكُوبَهُ بِهِ حَالَ رَمْيِهَا مَرْجُوحٌ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهَا الشَّأْنُ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ضَحْوَةً رَاكِبًا وَإِنْ مَشَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَمْيُهَا عَلَى الْحَالِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ مَشْيٍ فَلَا يَشْتَغِلُ الرَّاكِبُ بِالنُّزُولِ قَبْلَ رَمْيِهَا وَلَا الْمَاشِي بِالرُّكُوبِ لِرَمْيِهَا.
(وَ) نُدِبَ (الْمَشْيُ فِي) حَالِ رَمْيِ (غَيْرِهَا) أَيْ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ فَيَصْدُقُ بِغَيْرِهَا وَبِهَا فِي غَيْرِهِ (وَحَلَّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ مُشَدَّدًا أَيْ: جَازَ (بِرَمْيِهَا) أَيْ: الْعَقَبَةَ أَوْ بِخُرُوجِ وَقْتِ أَدَائِهِ وَفَاعِلُ حَلَّ (غَيْرُ) قُرْبَانِ (نِسَاءٍ) بِجِمَاعٍ أَوْ مُقَدِّمَتِهِ أَوْ عَقْدُ نِكَاحٍ (وَ) غَيْرُ (صَيْدٍ) فَلَا يَحِلَّانِ بِهَا.
(وَكُرِهَ الطِّيبُ) أَيْ: اسْتِعْمَالُهُ لِمَنْ رَمَى الْعَقَبَةَ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، فَهَذَا هُوَ التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ. وَيَحِلُّ بِهِ لِلْمَرْأَةِ غَيْرُ رِجَالٍ وَصَيْدٍ وَيُكْرَهُ لَهَا الطِّيبُ.
(وَ) نُدِبَ (تَكْبِيرُهُ مَعَ) رَمْيِ (كُلِّ حَصَاةٍ) تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَافْهَمْ قَوْلَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقَدِّمُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ الرَّمْيِ وَيُفَوِّتُ الْمَنْدُوبُ بِمُفَارَقَةِ الْحَصَاةِ يَدَهُ قَبْلَ نُطْقِهِ بِهِ، وَلَوْ نَطَقَ بِهِ قَبْلَ وُصُولِهَا مَحَلَّهَا.
(وَ) نُدِبَ (تَتَابُعُهَا) أَيْ: تَوَالِي الْحَصَيَاتِ بِأَنْ يَرْمِيَ الثَّانِيَةَ عَقِبَ رَمْيِ الْأُولَى وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إلَّا بِمِقْدَارٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ كَوْنُهُمَا رَمْيَتَيْنِ (وَ) نُدِبَ (لَقْطُهَا) أَيْ: الْحَصَيَاتِ الَّتِي تُرْمَى فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَمَا بَعْدَهُ فَكَسْرُهَا خِلَافُ الْمَنْدُوبِ مِنْ مِنًى أَوْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَيُنْدَبُ لَقْطُهَا مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ.
(وَ) نُدِبَ (ذَبْحٌ) أَوْ نَحْرٌ لِهَدْيٍ بِمِنًى (قَبْلَ الزَّوَالِ) هَذَا مَصَبُّ النَّدْبِ وَيَصِحُّ بَعْدَ
وَطَلَبُ بَدَنَتِهِ لَهُ لِيَحْلِقَ، ثُمَّ حَلْقُهُ وَلَوْ بِنُورَةٍ، وَإِنْ عَمَّ رَأْسَهُ، وَالتَّقْصِيرُ مُجْزٍ
ــ
[منح الجليل]
الْفَجْرِ وَقَبْلَ الشَّمْسِ. سَنَدٌ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ لِتَعَلُّقِهَا بِالصَّلَاةِ وَلَا صَلَاةَ عِيدٍ عَلَى أَهْلِ مِنًى (وَطَلَبُ بَدَنَتِهِ) الضَّالَّةِ مِنْهُ (لَهُ) أَيْ: الزَّوَالِ أَيْ: قُرْبِهِ بِقَدْرِ حَلْقِهِ قَبْلَهُ (لِيَحْلِقَ) رَأْسَهُ قَبْلَهُ بَعْدَ نَحْرِهَا فَكِلَاهُمَا مَنْدُوبٌ قَبْلَهُ مَكْرُوهٌ بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَحُدَّهَا وَخَشِيَ الزَّوَالَ حَلَقَ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الْفَضِيلَتَانِ، وَالْأَصْلُ فِي تَقْدِيمِ النَّحْرِ عَلَى الْحَلْقِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَدَلَّ «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ الْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» ، عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْآيَةِ لِلتَّنْزِيهِ.
(ثُمَّ نَدَبَ حَلْقَهُ) يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّدْبَ مُنْصَبٌّ عَلَى تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُنَصَّبٌ عَلَى تَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ النَّحْرِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْإِفَاضَةِ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ وَاجِبًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَهْمِ الْمَكِّيِّ الْقَارِنُ لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَلْزَمُهُ هَذَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ أَخَّرَ السَّعْيَ إلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ بِرَأْسِهِ وَجَعٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْحَلْقِ يُهْدِي. قَالَ بَعْضٌ: فَإِنْ صَحَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَيَبْدَأُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ بِهَذَا وَالنَّدْبُ لِلْمَحْلُوقِ عَلَى الظَّاهِرِ.
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْحَلْقَ عَلَى مُطْلَقِ الْإِزَالَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَلَوْ بِنُورَةِ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ: شَيْءٍ مَخْلُوطٍ مِنْ جِيرٍ وَزِرْنِيخٍ يُزَالُ بِهِ الشَّعْرُ إذْ الْحَلْقُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمُوسَى وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يُجْزِئُ الْحَلْقُ بِهَا تَعَبُّدًا، وَضَمِيرُ حَلْقِهِ لِلذَّكَرِ وَمِثْلُهُ الْبِنْتُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ فَيَجُوزُ لَهَا الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ، وَذَكَرَ الْبَدْر أَنَّ حَلْقُهَا أَفْضَلُ. ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ حَلْقَ الصَّغِيرَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَقْصِيرِهَا وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ التَّخْيِيرَ. اللَّخْمِيُّ بِنْتُ تِسْعٍ كَكَبِيرَةٍ وَيَجُوزُ فِي الصَّغِيرَةِ الْأَمْرَانِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ مِثْلُ قَوْلِهِ كَتُرَابٍ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلَوْ نُقِلَ (إنْ عَمَّ) الْحَلْقُ الْمَذْكُورُ سَوَاءٌ كَانَ بِمُوسَى أَوْ نُورَةٍ (رَأْسَهُ) فَلَا يَكْفِي حَلْقُ بَعْضِهِ وَلَوْ أَكْثَرَهُ.
(وَالتَّقْصِيرُ مُجْزٍ) وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ تَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَنَوَى الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ
وَهُوَ سُنَّةُ الْمَرْأَةِ: تَأْخُذُ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ، وَالرَّجُلُ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ. .
ــ
[منح الجليل]
فَتَقْصِيرُهُ أَفْضَلُ لِبَقَاءِ شَعَثِهِ لِلْحَجِّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِشَعْرِهِ عَقْصٌ وَلَا ضَفْرٌ وَلَا تَلْبِيدٌ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ. وَلَزِمَهُ الْحَلْقُ كَمَا فِيهَا لِلسُّنَّةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ضَفَّرَ أَوْ عَقَصَ أَوْ لَبَّدَ فَعَلَيْهِ الْحِلَاقُ. وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ، وَمَنْ عَقَصَ أَوْ لَبَّدَ فَعَلَيْهِ الْحِلَاقُ. وَيُحَقِّقُ كَوْنَ الْحَلْقِ حِينَئِذٍ لِلسُّنَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ لَبَّدَتْ رَأْسَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا التَّقْصِيرُ. وَفِي الْمُنْتَقَى وَذَلِكَ أَيْ: تَعَيَّنَ حَلْقُ الْمُلَبِّدِ وَنَحْوِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا تَمَتَّعُوا بِهِ مِنْ مُبَاعَدَةِ الشَّعَثِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكَادُ مَعَ التَّلْبِيدِ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى التَّقْصِيرِ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ، ثُمَّ قَالَ وَالْمَرْأَةُ الْمُلَبِّدَةُ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا التَّقْصِيرُ انْتَهَى وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ إذْ لَوْ كَانَ لِامْتِنَاعِ التَّقْصِيرِ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ لَكَانَتْ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ التَّقْصِيرِ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهَا وَلَا يُمْكِنُ هَذَا مَعَ التَّلْبِيدِ.
(وَهُوَ) أَيْ: التَّقْصِيرُ (سُنَّةُ) أَيْ: طَرِيقَةُ (الْمَرْأَةِ) أَيْ: بِنْتِ تِسْعٍ فَأَعْلَى اللَّخْمِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُمَا حَلْقُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِرَأْسِهَا أَذًى (تَأْخُذُ) أَيْ: تَقُصُّ الْمَرْأَةُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهَا. ابْنُ فَرْحُونٍ لَا بُدَّ أَنْ تَعُمَّ الْمَرْأَةُ الشَّعْرَ كُلَّهُ طَوِيلَةً وَقَصِيرَةً بِالتَّقْصِيرِ نَقَلَهُ الْبَاجِيَّ (قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ) أَوْ أَزَيْدُ أَوْ أَنْقَصُ بِيَسِيرٍ فَلَيْسَتْ الْأُنْمُلَةُ تَحْدِيدًا لَا بُدَّ مِنْهُ (وَ) يَأْخُذُ (الرَّجُلُ) الْمُقَصِّرُ (مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ) نَدْبًا فَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَخْطَأَ كَمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ، أَيْ: خَالَفَ الْمَنْدُوبَ وَأَجْزَأَ كَمَا فِيهَا أَيْضًا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُهَا وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُنْمُلَةِ وَمَنْ يَحْلِقُ بَعْضَ رَأْسِهِ وَيُبْقِي بَعْضَهُ كَشُبَّانِ مِصْرَ وَنَحْوِهِمْ فَلَهُ حَلْقُ مَا يَحْلِقُهُ وَتَقْصِيرُ مَا يُبْقِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، هَذَا الَّذِي يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَعَلَّهُ إذَا كَانَ إبْقَاؤُهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ قَبِيحٍ وَالْأَوْجَبُ حَلْقُهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ النُّسُكِ.
(ثُمَّ يُفِيضُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَكَسْرِ الْفَاءِ آخِرَهُ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ: يَطُوفُ لِلْإِفَاضَةِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ وَيُنْدَبُ فِعْلُهُ فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ وَعَقِبَ حَلْقِهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ إلَّا قَدْرَ مَا يَقْضِي حَوَائِجَهُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَلَكِنْ يَطْلُبُ تَأْخِيرَهُ عَنْ الثَّلَاثَةِ
وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ حَلَقَ، وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَدَمٌ بِخِلَافِ الصَّيْدِ: كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ لِبَلَدِهِ، أَوْ الْإِضَافَةِ لِلْمُحْرِمِ،
ــ
[منح الجليل]
الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ قَدَّمَهُ فَسَيَأْتِي.
(وَحَلَّ بِهِ) أَيْ: طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (مَا بَقِيَ) أَيْ: النِّسَاءُ وَالصَّيْدُ وَالطِّيبُ (إنْ) كَانَ (حَلَقَ) أَوْ قَصَّرَ وَكَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ مَا بَقِيَ إلَّا بِسَعْيِهِ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِظُهُورِهِ وَذَكَرَ إنْ حَلَقَ مَعَ عِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ حَلَقَ ثُمَّ يَفِيضُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ التَّرْتِيبَ وَاجِبًا فَلَوْ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى تَوَقُّفِ الْحِلِّ عَلَى تَقَدُّمِ الْحَلْقِ لَشَمِلَ تَأَخُّرَهُ عَنْ الْإِفَاضَةِ.
(وَإِنْ) طَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَ (وَطِئَ قَبْلَهُ) أَيْ الْحَلْقِ (فَ) عَلَيْهِ (دَمٌ بِخِلَافِ الصَّيْدِ) فِي الْحِلِّ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَلَا دَمَ فِيهِ وَأَوْلَى الطِّيبِ وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ السَّعْيِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ اصْطَادَ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَكَذَا إنْ وَطِئَ وَاصْطَادَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ.
وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَقَالَ (كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ) عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا (لِبَلَدِهِ) وَلَوْ قَرُبَتْ وَلَوْ فَعَلَهُ بِذِي الْحِجَّةِ وَكَذَا تَأْخِيرُهُ طَوِيلًا بِأَنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى الثَّلَاثَةِ كَمَا تُفِيدُهُ الْمُدَوَّنَةُ قَالَهُ عج. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُدَوَّنَةُ تُفِيدُ خِلَافَهُ، وَنَصُّ التَّهْذِيبِ وَالْحِلَاقُ يَوْمَا النَّحْرِ بِمِنًى أَحَبُّ إلَيَّ وَأَفْضَلُ وَإِنْ حَلَقَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ فِي أَيَّامِ مِنًى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَأَهْدَى اهـ. التُّونُسِيُّ قَوْلُهُ إنْ أَخَّرَهُ حَتَّى بَلَغَ بَلَدَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ يُرِيدُ أَوْ طَالَ ذَلِكَ وَقِيلَ: إنْ خَرَجَتْ أَيَّامُ مِنًى وَلَمْ يَحْلِقْ فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَقِيلَ إنْ خَرَجَتْ مُقَابِلٌ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ بِأَنْ يَحْلِقَ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَالْخَرَشِيِّ لَأَفَادَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَتَقْيِيدُ التُّونُسِيِّ.
(أَوْ) تَأْخِيرُ طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ السَّعْيِ أَوْ السَّعْيِ وَحْدَهُ (لِلْمُحْرِمِ) فَيُفِيضُ فِي الْأُولَى وَيُفِيضُ وَيَسْعَى فِي الْآخِرَيْنِ وَيُهْدِي هَدْيًا وَاحِدًا فِي الْجَمِيعِ قَالَهُ سَنَدٌ فِي تَأْخِيرِهِمَا، فَأَحْرَى فِي تَأْخِيرِ أَحَدِهِمَا وَمَفْهُومُ لِلْمُحْرِمِ أَنَّهُ لَوْ أَفَاضَ قُبَيْلَ غُرُوبِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الْحِجَّةِ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
وَرَمْيُ كُلِّ حَصَاةٍ أَوْ الْجَمِيعِ لِلَّيْلِ، وَإِنْ لِصَغِيرٍ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ أَوْ عَاجِزٍ، وَيَسْتَنِيبُ فَيَتَحَرَّى وَقْتَ الرَّمْيِ؛ وَيُكَبِّرُ، وَأَعَادَ إنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ
ــ
[منح الجليل]
وَ) كَتَأْخِيرِ (رَمْيِ كُلِّ حَصَاةٍ) وَاحِدَةٍ مِنْ الْعَقَبَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَالْأَوْلَى حَذْفُ كُلٍّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الصُّورَةُ الْأُولَى عَيْنَ مَا بَعْدَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ كُلَّ بِمَعْنَى أَيِّ (أَوْ) تَأْخِيرُ جَمِيعِ حَصَيَاتِ جَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ جَمِيعِ حَصَيَاتِ الْجِمَارِ (الْجَمِيعِ) عَنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَهُوَ النَّهَارُ (لِلَّيْلِ) وَهُوَ وَقْتُ الْقَضَاءِ فَأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَيْضًا فَدَمٌ وَاحِدٌ لِتَأْخِيرِ حَصَاةٍ أَوْ أَكْثَرَ إنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِبَالِغٍ عَاقِلٍ قَادِرٍ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ التَّأْخِيرُ (لِ) رَمْيِ شَخْصٍ (صَغِيرٍ) يُحْسِنُ الرَّمْيَ وَلَمْ يَرْمِ أَوْ (لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ) أَوْ مَجْنُونٍ أَخَّرَ وَلِيُّهُمَا الرَّمْيَ عَنْهُمَا وَالدَّمُ عَلَى مَنْ أَحَجَّهُمْ، وَإِنْ رَمَى عَنْهُمَا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فَلَا دَمَ.
(أَوْ) تَأْخِيرُ رَمْيِ (عَاجِزٍ) بِنَفْسِهِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ لِإِغْمَاءٍ طَرَأَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْمِلُهُ وَالدَّمُ فِي مَالِهِ (وَيَسْتَنِيبُ) الْعَاجِزُ مَنْ يَرْمِيَ عَنْهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفَائِدَةُ الِاسْتِنَابَةِ عَدَمُ الْإِثْمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ الَّذِينَ رَمَى عَنْهُمْ وَلِيُّهُمْ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ أَنَّ الْعَاجِزَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِسَائِرِ الْمَنَاسِكِ وَالصَّغِيرُ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ لَمْ يُخَاطَبَا بِهَا وَالْمُخَاطَبُ بِهَا هُوَ الْوَلِيُّ وَقَدْ رَمَى فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ قَالَهُ الْبَاجِيَّ، وَإِنْ أَخَّرَ نَائِبُ الْعَاجِزِ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ لَزِمَهُ دَمَانِ وَاحِدٌ لِلنِّيَابَةِ وَوَاحِدٌ لِلتَّأْخِيرِ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ وَإِلَّا فَدَمُ التَّأْخِيرِ عَلَى النَّائِبِ.
(فَيَتَحَرَّى) الْعَاجِزُ (وَقْتَ الرَّمْيِ) عَنْهُ (وَيُكَبِّرُ) الْعَاجِزُ كُلَّ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا نَائِبُهُ تَكْبِيرَةً، وَيَتَحَرَّى أَيْضًا وَقْتَ وُقُوفِ نَائِبِهِ لِلدُّعَاءِ عَقِبَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَيَدْعُو قَالَهُ فِيهَا.
(وَأَعَادَ) الْعَاجِزُ الرَّمْيَ وُجُوبًا فِيمَا قَالَهُ الْحَطّ (إنْ) صَحَّ الْعَاجِزُ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ إغْمَائِهِ (قَبْلَ الْفَوَاتِ) لِوَقْتِ الرَّمْيِ (بِالْغُرُوبِ) مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِنْ أَعَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِلنِّيَابَةِ؛ لِأَنَّهَا جُزْءُ عِلَّةٍ وَالْآخَرُ عَدَمُ حُصُولِهِ مِنْ وَقْتِ أَدَائِهِ وَإِنْ صَحَّ
مِنْ الرَّابِعِ، وَقَضَاءُ كُلٍّ إلَيْهِ، وَاللَّيْلُ قَضَاءٌ، وَحُمِلَ مُطِيقٌ، وَرَمَى، وَلَا يَرْمِي فِي كَفِّ غَيْرِهِ وَتَقْدِيمِ الْحَلْقِ أَوْ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ
ــ
[منح الجليل]
لَيْلَةَ الثَّانِي أَوْ مَا بَعْدَهَا أَعَادَ وَعَلَيْهِ دَمُ التَّأْخِيرِ. (وَقَضَاءُ) رَمْيِ (كُلٍّ) مِنْ الْجَمَرَاتِ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ كُلِّ يَوْمٍ يَنْتَهِي (إلَيْهِ) أَيْ: غُرُوبِ الرَّابِعِ وَلَا قَضَاءَ لِرَمْيِ الرَّابِعِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الرَّمْيِ بِغُرُوبِهِ وَوَجَبَ الدَّمُ (وَاللَّيْلُ) عَقِبَ كُلِّ يَوْمٍ (قَضَاءٌ) لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِمَا قَبْلَهُ لَا يُقَالُ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَقَضَاءُ كُلٍّ إلَيْهِ لِدُخُولِ اللَّيْلِ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا كَانَ النَّهَارُ وَقْتًا لِأَدَاءِ الرَّمْيِ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى إلَّا فِي النَّهَارِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى فِي اللَّيْلِ أَوْ ذَكَرَهُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ اللَّيْلُ أَدَاءٌ، وَدَلَّ قَوْلُهُ وَاللَّيْلُ قَضَاءٌ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي يَلِيهِ قَضَاءٌ إلَى غُرُوبِ الرَّابِعِ.
(وَحُمِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَرِيضٌ عَاجِزٌ عَنْ الْمَشْيِ لِلْجَمْرَةِ (مُطِيقٌ) لِلرَّمْيِ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ آدَمِيٌّ (وَرَمَى) بِنَفْسِهِ وُجُوبًا (وَلَا يَرْمِ) الْحَصَاةَ (فِي كَفِّ غَيْرِهِ) لِيَرْمِيَهَا عَنْهُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ إنْ وَقَعَ (وَ) كَ (تَقْدِيمِ الْحَلْقِ) عَلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَفِيهِ فِدْيَةٌ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ لَا هَدْيٌ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لَهُ فَإِذَا رَمَى الْعَقَبَةَ أَمَرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ؛ لِأَنَّ حَلْقَهُ الْأَوَّلَ وَقَعَ قَبْلَ مَحِلِّهِ أَوْ تَقْدِيمِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ فَفِيهِ هَدْيٌ، فَلَوْ قَدَّمَهُمَا مَعًا عَلَى الرَّمْيِ فَفِيهِ فِدْيَةٌ وَهَدْيٌ وَلَا يُصَدَّقُ قَوْلُهُ أَوْ الْإِفَاضَةُ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَهُ كَعَدَمِهَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ وَقْتِهَا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَفِيضُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ الْإِفَاضَةُ عَلَى الرَّمْيِ وُجُوبُ الدَّمِ وَلَوْ أَعَادَهَا بَعْدَهُ. وَاسْتَظْهَرَهُ الْحَطّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الطِّرَازِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا. عج ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ بِإِعَادَتِهَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِجَعْلِهِ قَوْلَ أَصْبَغَ بِإِعَادَتِهَا مُقَابِلًا لَهُ وَفِي (ق) مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ إعَادَتُهَا بَعْدَهُ وَلَا دَمَ وَإِنَّهَا قَبْلَهُ كَعَدَمِهَا لِكَوْنِهَا قَبْلَ مَحَلِّهَا، وَفَهِمَ عج أَنَّ قَوْلَ الْحَطّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَعْنَاهُ فِي غَيْرِهَا فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى مَا فِي (ق) عَنْهَا مَعَ أَنَّ فِي الْحَطّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَا رَوَاهُ
لَا إنْ خَالَفَ فِي غَيْرٍ.
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ مَذْهَبُهَا اهـ عب الرَّمَاصِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَدَمُ إجْزَائِهَا قَبْلَهُ أَيْضًا.
وَتَوَرَّكَ الْمَوَّاقُ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ إذْ نَسَبَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ لَهَا. وَنَقَلَ عج كَلَامَهُ مُقَلِّدًا لَهُ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَمَا نَسَبَهُ لَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَاللَّفْظُ الَّذِي نَقَلَهُ لَيْسَ لَفْظَهَا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَسَبَ لَهَا عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ وَقَدْ قَالَتْ وَلَوْ وَطِئَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ وَبَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ هَدْيٌ وَحَجُّهُ تَامٌّ، وَقَدْ جَعَلَ الْحَطّ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ مُخَالِفًا لَهَا. اهـ. وَأَقَرَّهُ الْبُنَانِيُّ (لَا) يَلْزَمُهُ دَمٌ (إنْ خَالَفَ) التَّرْتِيبَ السَّابِقَ (فِي غَيْرِ) الصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَهُمَا تَقْدِيمُ الْحَلْقِ أَوْ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ كَحَلْقِهِ قَبْلَ النَّحْرِ وَنَحَرَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ وَإِفَاضَتُهُ قَبْلَ النَّحْرِ أَوْ الْحَلْقِ أَوْ قَبْلَهُمَا مَعًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ عَلَى الْأَصَحِّ لِخَبَرِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «جَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ آخَرُ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ إلَّا قَالَ صلى الله عليه وسلم افْعَلْ وَلَا حَرَجَ»
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم اذْبَحْ وَارْمِ أَيْ: اعْتَدَّ بِفِعْلِك، فَصِيغَةُ افْعَلْ هُنَا بِمَعْنَى اعْتَدَّ بِفِعْلِك؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ السَّائِلَ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدَّمَ ثَانِيَهُمَا عَلَى أَوَّلِهِمَا. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ عَلَى عَدَمِ الدَّمِ فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْخَبَرِ مَعَ أَنَّ مَا مَرَّ خَاصٌّ بِالْأُولَيَيْنِ مِنْ الْخَمْسِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ إلَخْ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، فَيَشْمَلُ غَيْرَ مَا يَشْمَلُهُ مِنْ السُّؤَالَيْنِ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا الدَّمُ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ الطَّبَرِيِّ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي حَمْلِهِ نَفْيَ الْحَرَجِ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ مَعَ لُزُومِ الدَّمِ فِيهِمَا وَعَلَى نَفْيِ الدَّمِ وَالْإِثْمِ فِيمَا عَدَاهُمَا، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا حَرَجَ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ وَالدَّمِ؛ إذْ الْحَرَجُ يَشْمَلُهُمَا، وَالتَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ عليه الصلاة والسلام فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَأَجَابَ الْأَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ الدَّمَ أَيْ الْفِدْيَةَ فِي الْأُولَى تُخَصِّصُ عُمُومَ الْخَبَرِ الْمَارِّ لِقَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ إلْقَاءُ التَّفَثِ عَنْ الْمُحْرِمِ.
وَعَادَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى فَوْقَ الْعَقَبَةِ ثَلَاثًا، وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَدَمٌ أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ، وَلَوْ بَاتَ
ــ
[منح الجليل]
وَأَجَابَ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَنْ الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - تَأَوَّلَا الْحَدِيثَ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ لِعُذْرِهِمْ بِجَهْلِهِمْ وَنِسْيَانِهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِ السَّائِلِ لَمْ أَشْعُرْ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ رَمَيْت وَحَلَقْت وَنَسِيت أَنْ أَنْحَرَ، وَأَمَّا الدَّمُ فَأَخَذَا وُجُوبَهُ مِمَّا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا فِي حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا اهـ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي السَّنَدِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - ضَعِيفٌ وَهُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ
قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ يَلْزَمُ مَنْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنْ يُوجِبَ الدَّمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَخُصُّهُ بِالْحَلْقِ أَوْ الْإِفَاضَةِ قَبْلَ الرَّمْيِ.
(وَعَادَ) الْحَاجُّ وُجُوبًا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ الْعِيدِ (لِلْمَبِيتِ بِمِنًى) أَيْ: فِيهَا فَلَا يَجِبُ الْعَوْدُ بِمِنًى فَوْرًا وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ نَهَارًا وَلَكِنَّ الْفَوْرَ أَفْضَلُ، وَلَا يَرْجِعُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ وَيَلْزَمُ مَسْجِدَ الْخَيْفِ بِمِنًى لِلصَّلَوَاتِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَوْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَالْأَفْضَلُ عَوْدُهُ إلَى مِنًى قَبْلَ صَلَاتِهَا (فَوْقَ الْعَقَبَةِ) بَيَانٌ لِمِنًى فَحَدُّهَا مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ الْعَقَبَةُ وَمِنْ جِهَةِ مُزْدَلِفَةَ وَادِي مُحَسِّرٍ، وَاحْتُرِزَ بِفَوْقِ الْعَقَبَةِ عَنْ أَسْفَلِهَا مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ فَلَيْسَ مِنْ مِنًى وَصِلَةُ الْمَبِيتِ قَوْلُهُ (ثَلَاثًا) مِنْ اللَّيَالِيِ إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ.
(وَإِنْ تَرَكَ) الْمَبِيتَ بِهَا وَبَاتَ أَسْفَلَ الْعَقَبَةِ جِهَةَ مَكَّةَ أَوْ بِوَادِي مُحَسِّرٍ جِهَةَ عَرَفَةَ أَوْ عَنْ يَمِينِ مِنًى أَوْ شِمَالِهَا (جُلَّ لَيْلَةٍ فَ) عَلَيْهِ (دَمٌ) وَأَوْلَى لَيْلَةً كَامِلَةً فَأَكْثَرَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفِهِ عَلَى مَتَاعِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ حَبَسَهُ مَرَضٌ فَبَاتَ بِمَكَّةَ أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيًا وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ.
(أَوْ) لِلْمَبِيتِ بِهَا (لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ) وَيَجْرِي فِيهِ قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَدَمٌ وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ إنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيتَ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ مَكَّةَ بَلْ (وَلَوْ بَاتَ) الْمُتَعَجِّلُ اللَّيْلَةَ
بِمَكَّةَ أَوْ مَكِّيًّا قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّانِي: فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ.
وَرُخِّصَ لِرَاعٍ بَعْدَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَيَأْتِيَ الثَّالِثَ فَيَرْمِيَ لِلْيَوْمَيْنِ.
ــ
[منح الجليل]
الثَّالِثَةَ (بِمَكَّةَ) وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ حَبِيبٍ مَنْ بَاتَ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ بِمَكَّةَ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ سُنَّةِ التَّعْجِيلِ وَلَزِمَهُ الرُّجُوعُ إلَى مِنًى لِرَمْيِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَهَدْيٍ لِمَبِيتِهِ بِمَكَّةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَعَجِّلُ آفَاقِيًّا (أَوْ مَكِّيًّا) وَهَذَا فِي غَيْرِ الْإِمَامِ وَأَمَّا هُوَ فَيُكْرَهُ لَهُ التَّعْجِيلُ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا أَرَى التَّعْجِيلَ لِأَهْلِ مَكَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عُذْرٌ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ مَرَضٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَدْ كَانَ قَالَ لِي قَبْلَ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ لَهُمْ وَهُمْ كَأَهْلِ الْآفَاقِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَدَلِيلُهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] .
وَشَرْطُ التَّعْجِيلِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مِنًى لِجِهَةِ مَكَّةَ أَوْ لِجِهَةِ عَرَفَةَ أَوْ لِجِهَةِ الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ (قَبْلَ الْغُرُوبِ) لِلشَّمْسِ (مِنْ) الْيَوْمِ (الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُوَ بِمِنًى فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّعْجِيلُ، وَلَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمْيُ الثَّالِثِ؛ إذْ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203] وَبَيَّنَ ثَمَرَةَ التَّعْجِيلِ بِقَوْلِهِ (فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ) الْيَوْمِ (الثَّالِثِ) مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَمَبِيتُ لَيْلَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاتَ بِغَيْرِ مِنًى لَيْلَةَ الْحَادِي عَشَرَ وَلَيْلَةَ الثَّانِي عَشَرَ كَمَا قَالَ.
(وَرُخِّصَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا جَوَازٌ (لِ) شَخْصٍ (رَاعٍ) لِلدَّوَابِّ (بَعْدَ) رَمْيِ جَمْرَةِ (الْعَقَبَةِ) يَوْمَ الْعِيدِ صِلَةُ يَنْصَرِفُ (أَنْ يَنْصَرِفَ) عَنْ مِنًى لِجِهَةِ رَعْيِهِ (وَ) لَا يَعُودُ لَهَا لِلْمَبِيتِ بِهَا وَلَا لِرَمْيِ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ لِمِنًى الْيَوْمَ (الثَّالِثَ) مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (فَيَرْمِي) فِيهِ (لِلْيَوْمَيْنِ) الْيَوْمِ الثَّانِي الَّذِي مَضَى وَهُوَ فِي رَعْيِهِ، وَالثَّالِثِ الَّذِي حَضَرَ فِيهِ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَقَامَ بِمِنًى لِمَبِيتِ لَيْلَةِ الثَّالِثِ وَرَمْيِهِ وَإِنْ شَاءَ تَعَجَّلَ قَبْلَ غُرُوبِ الثَّانِي، فَيَسْقُطُ عَنْهُ مَبِيتُ لَيْلَةِ الثَّالِثِ وَرَمْيُهُ، وَحَمَلْنَا الثَّالِثَ عَلَى ثَالِثِ النَّحْرِ وَهُوَ ثَانِي أَيَّامِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ الرُّخْصَةُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إتْيَانَ مِنًى إلَى ثَالِثِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
إلَيْهِ وَأَتَى فِيهِ رَمَى لِلْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ ثُمَّ رَمَى لَهُ وَلَزِمَهُ هَدْيٌ لِتَأْخِيرِ رَمْيِ الْيَوْمَيْنِ إلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَ رَاعِيَ إبِلٍ لِحَاجٍّ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ رَاعِيَ غَيْرِهَا وَوَقَعَ فِي نَصِّ عِبَارَةِ رُعَاةِ إبِلٍ حُجَّاجٍ، ثُمَّ كَلَامُهُ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَعَادَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى. إلَخْ وَمِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ، وَأَمَّا أَهْلُ السِّقَايَةِ فَيُرَخَّصُ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى فَقَطْ لَا فِي تَرْكِ رَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ فَيَبِيتُونَ بِمَكَّةَ لِنَزْعِ الْمَاءِ مِنْ زَمْزَمَ لِلْحُجَّاجِ وَيَأْتُونَ مِنًى نَهَارًا لِلرَّمْيِ وَيَعُودُونَ لِلْمَبِيتِ بِمَكَّةَ لِذَلِكَ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ فَلَيْسُوا كَالرُّعَاةِ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ يَوْمًا.
وَكَلَامُهُ فِي مَنَاسِكِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَلَكِنَّهُ مُعْتَرِضٌ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي حَقِّهِمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى فَقَطْ لِلسِّقَايَةِ لِنَزْعِهِمْ الْمَاءَ مِنْ زَمْزَمَ لَيْلًا وَتَفْرِيغُهُ فِي الْحِيَاضِ تَهْيِئَةً لِشُرْبِ الْحُجَّاجِ نَهَارًا وَيَجُوزُ لِلرُّعَاةِ إتْيَانُ مِنًى لَيْلًا وَيَرْمُونَ مَا فَاتَهُمْ رَمْيُهُ نَهَارًا قَالَهُ مُحَمَّدٌ. الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ وِفَاقٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَخَّصَ لَهُمْ فِي تَأْخِيرِهِ لِلْيَوْمِ الثَّانِي فَرَمْيُهُمْ لَيْلًا أَوْلَى اهـ عب. الرَّمَاصِيُّ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الرَّاعِيَ كَصَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِرُعَاةِ الْإِبِلِ فَقَالَ الْبَاجِيَّ لِلرُّعَاةِ عُذِرَ فِي الْكَوْنِ مَعَ الظُّهْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ وَالرَّعْيِ لَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الِانْصِرَافِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ} [النحل: 7] الْآيَةَ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ لَا سِيَّمَا الرُّخْصَةُ لَا تَتَعَدَّى مَحَلَّهَا وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهَا نِزَاعٌ وَاعْتَرَضَ طفي قَوْلَ الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ وِفَاقٌ وَنَقَلَ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيَّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ فَانْظُرْهُ.
وَتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ فِي الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ، وَتَرْكِ التَّحْصِيبِ لِغَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ، وَرَمْيِ كُلَّ يَوْمٍ الثَّلَاثَ؛ وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ
ــ
[منح الجليل]
وَ) رُخِّصَ نَدْبًا (تَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ) أَيْ النِّسَاءِ وَالْمَرْضَى وَالصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ بِالْبَيَاتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالسَّيْرِ مَعَ النَّاسِ غُدْوَةَ يَوْمِ الْعِيدِ إلَى مِنًى فَيُرَخِّصُ لَهُمْ بَعْدَ النُّزُولِ بِمُزْدَلِفَةَ وَجَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ بِهَا وَإِقَامَتِهِمْ بَعْضَ اللَّيْلِ (فِي الرَّدِّ) أَيْ: الرُّجُوعِ (لِلْمُزْدَلِفَةِ) اللَّامِ بِمَعْنَى مِنْ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ: إلَى مِنًى لَيْلًا وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَيُرَخَّصُ لَهُمْ فِي التَّأَخُّرِ بِمُزْدَلِفَةَ إنْ بَاتُوا بِهَا إلَى ذَهَابِ زَحْمَةِ النَّاسِ فَلَوْ قَالَ وَتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ أَوْ تَأْخِيرُهُمْ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لِمِنًى لَكَانَ أَحْسَنَ.
(وَ) رُخِّصَ (تَرْكُ التَّحْصِيبِ) أَيْ: النُّزُولِ بِالْمُحَصَّبِ حِينَ وُصُولِهِ حَالَ الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ عَشِيَّةَ ثَالِثِ أَيَّامِ الرَّمْيِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِهِ (لِ) حَاجٍّ (غَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ خِلَافُ الْأُولَى وَمَفْهُومُ لِغَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ عَدَمُ التَّرْخِيصِ فِي تَرْكِهِ لِلْمُقْتَدَى بِهِ مِنْ إمَامٍ وَعَالِمٍ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ (وَ) إذَا عَادَ الْحَاجُّ مِنْ مَكَّةَ عَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِمَبِيتِ مِنًى (رَمَى) وُجُوبًا كُلَّ (يَوْمٍ) بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ الْجِمَارَ (الثَّلَاثَ) كُلَّ وَاحِدَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُبْتَدِئًا بِالْأُولَى مِنْ جِهَةِ مُزْدَلِفَةَ وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ بِمِنًى وَيَتْبَعُهَا بِرَمْيِ الْوُسْطَى الَّتِي بِسُوقِ مِنًى.
(وَخَتَمَ) الرَّمْيَ (بِ) رَمْيِ جَمْرَةِ (الْعَقَبَةِ) وَهَذَا التَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرَّمْيِ كَمَا يَأْتِي وَصِلَةُ رَمَى (مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ) هَذَا وَقْتُ الْأَدَاءِ وَهُوَ قِسْمَانِ اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ فَالِاخْتِيَارِيُّ لِلِاصْفِرَارِ وَالضَّرُورِيُّ مِنْ مَبْدَأِ الِاصْفِرَارِ لِلْغُرُوبِ وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ الرَّمْيِ بِهِ
مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ.
وَصِحَّتُهُ بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ، وَرَمَى وَإِنْ بِمُتَنَجِّسٍ عَلَى الْجَمْرَةِ،
ــ
[منح الجليل]
لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا دَمَ فِيهِ أَفَادَهُ مِنْ الْحَطّ.
(وَصِحَّتُهُ) أَيْ: الرَّمْيِ مُطْلَقًا مَشْرُوطَةٌ (بِحَجَرِ) فَلَا يَصِحُّ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَعَادِنِ وَلَا بِطِينٍ وَلَا بِفُخَّارٍ وَلَا بِجِصٍّ وَجِبْسٍ وَقَدْرُ الْحَجَرِ (كَحَصَى الْخَذْفِ) بِخَاءٍ وَذَالٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ الرَّمْيُ بِالْحَصَى بِالْأَصَابِعِ وَذَلِكَ فَوْقَ الْفُسْتُقِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ وَلَا يَجْزِي الصَّغِيرُ كَالْقَمْحَةِ أَوْ الْحِمَّصَةِ، وَيُكْرَهُ الْكَبِيرُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ وَخَوْفَ إيذَائِهِ، وَيَجْزِي إنْ رَمَى وَشَمِلَ الْحَجَرُ الزَّلَطَ وَالرُّخَامَ. طفي هَكَذَا فِي الرِّسَالَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهَكَذَا فِي الصَّحِيحِ، وَتَرَكَ قَوْلَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مُدَوَّنَتِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ حَصَى الْجِمَارِ أَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ قَلِيلًا وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ، ثُمَّ قَالَ وَفِي الصَّحِيحِ كَحَصَى الْخَذْفِ. الْبَاجِيَّ لَعَلَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ وَلَوْ بَلَغَهُ مَا اسْتَحَبَّ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ.
(وَ) صِحَّتُهُ بِ (رَمْيٍ) لَا وَضْعٍ أَوْ طَرْحٍ فَلَا يُجْزِئُ قَالَهُ فِيهَا، وَالْمُرَادُ رَمْيُ كُلِّ حَصَاةٍ وَحْدَهَا فَإِنْ رَمَى السَّبْعَ رَمْيَةً وَاحِدَةً عَدَّهَا حَصَاةً وَاحِدَةً وَالظَّاهِرُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ بِيَدٍ لَا بِفَمٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ قَوْسٍ، وَمِنْ مُسْتَحَبَّاتِهِ كَوْنُهُ بِالْأَصَابِعِ لَا بِالْقَبْضَةِ، وَكَوْنُهُ بِالْيُمْنَى إلَّا الْأَعْسَرَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى.
فَإِنْ قُلْت شَرْطُ الرَّمْيِ فِي الرَّمْيِ شَرْطُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ. قُلْت الْمُرَادُ بِالرَّمْيِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ مُطْلَقُ الْإِيصَالِ، وَبِالرَّمْيِ الْمَشْرُوطِ الدَّفْعُ وَيَصِحُّ الرَّمْيُ بِحَجَرٍ طَاهِرٍ بَلْ (وَإِنْ بِ) حَجَرٍ (مُتَنَجِّسٍ) مَعَ الْكَرَاهَةِ وَتُنْدَبُ إعَادَتُهُ بِطَاهِرٍ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَصِلَةُ رَمْيٍ (عَلَى الْجَمْرَةِ) وَهُوَ مَوْضِعُ الْبِنَاءِ وَمَا حَوْلَهُ وَالْمَطْلُوبُ الرَّمْيُ عَلَى مَا حَوْلَهُ؛ إذْ الْبِنَاءُ مُجَرَّدُ عَلَامَةٍ عَلَى الْمَحَلِّ لِئَلَّا يَنْسَى.
قَالَ فِي مَنْسَكِهِ وَلَا تَرْمِ عَلَى الْبِنَاءِ بَلْ ارْمِ أَسْفَلَهُ بِمَوْضِعِ الْحَصَى، وَسَيَقُولُ وَفِي إجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ فَإِنْ رَمَى الْبِنَاءَ فَإِنْ نَزَلَ الْحَصَى أَسْفَلَهُ أَجْزَأَ وَإِنْ وَقَفَ فِي شَقِّ
وَإِنْ أَصَابَتْ غَيْرَهَا، وَإِنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ، لَا دُونَهَا وَإِنْ أَطَارَتْ غَيْرَهَا لَهَا، وَلَا طِينٍ وَمَعْدِنٍ، وَفِي إجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ، وَبِتَرَتُّبِهِنَّ.
ــ
[منح الجليل]
الْبِنَاءِ فَفِي إجْزَائِهِ تَرَدُّدٌ، وَلَا يُجْزِئُ مَا وَقَعَ عَلَى ظَهْرِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَطْعًا، وَعِبَارَةُ ابْنِ فَرْحُونٍ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَمْرَةِ الْبِنَاءُ الْقَائِمُ فَإِنَّهُ عَلَامَةُ مَوْضِعِهَا. وَقَالَ الْبَاجِيَّ وَغَيْرُهُ الْجَمْرَةُ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الرَّمْيِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُرْمَى فِيهَا وَهِيَ الْحِجَارَةُ وَتُجْزِئُ الْحَصَاةُ الْمَرْمِيَّةُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَخْصُوصِ إنْ لَمْ تُصِبْ غَيْرَهُ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ بَلْ (وَإِنْ أَصَابَتْ) الْحَصَاةُ (غَيْرَهَا) أَيْ: الْجَمْرَةَ ابْتِدَاءً ثُمَّ ذَهَبَتْ لَهَا (إنْ ذَهَبَتْ) لَهَا (بِقُوَّةِ) الرَّمْيِ (لَا) تُجْزِئُ إنْ وَقَعَتْ (دُونَهَا) أَيْ الْجَمْرَةِ وَلَمْ تَصِلْ لَهَا أَوْ وَصَلَتْ لَهَا لَا بِقُوَّةِ الرَّمْيِ بِأَنْ وَقَعَتْ عَلَى مَحَلٍّ عَالٍ ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ مِنْ عَلَيْهِ وَوَصَلَتْ الْجَمْرَةَ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ سَنَدٌ وَلَوْ تَدَحْرَجَتْ مِنْ مَكَان عَالٍ فَرَجَعَتْ إلَيْهَا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَمَفْهُومُ دُونَهَا مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ بِأَنْ رَمَاهَا فَتَجَاوَزَتْهَا وَوَقَعَتْ بِالْبُعْدِ عَنْهَا. قَالَ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا وَلَا تُجْزِئُ الْوَاقِعَةُ دُونَهَا إنْ لَمْ تَطِرْ حَصَاةٌ غَيْرُهَا لَهَا بَلْ (وَإِنْ أَطَارَتْ) الْحَصَاةُ الْوَاقِعَةُ دُونَهَا حَصَاةً (غَيْرَهَا) فَوَصَلَتْ الْحَصَاةَ الْمُطَارَ (لَهَا) أَيْ: الْجَمْرَةِ (وَلَا) يُجْزِئُ (طِينٌ) وَمِثْلُهُ طَفْلٌ أَوْ هُوَ مِنْهُ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مُحْتَرَزُ حَجَرٍ. (وَ) لَا يُجْزِئُ (مَعْدِنٌ) مُسْتَطْرَقٌ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَرَصَاصٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَقَزْدِيرٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَطْرَقٍ كَزِرْنِيخٍ وَزُمُرُّدٍ.
(وَفِي إجْزَاءِ مَا وَقَفَ) مِنْ الْحَصَيَاتِ (بِالْبِنَاءِ) الَّذِي بِالْجَمْرَةِ وَلَمْ يَنْزِلْ أَسْفَلَهَا مِمَّا يَلِي مَمَرَّ النَّاسِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَمِيلُ إلَيْهِ الْمَنُوفِيُّ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَفْسِيرِ الْجَمْرَةِ بِالْبِنَاءِ وَمَا تَحْتَهُ وَعَدَمُ إجْزَائِهِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ سَيِّدِي خَلِيلٌ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ الْجَمْرَةَ عِنْدَهُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْمُجْتَمَعِ فِيهِ الْحَصَى فَقَطْ (تَرَدُّدٌ) لِلشَّيْخَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمَيْنِ الْحَطّ الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ (وَ) صِحَّتُهُ فِيمَا بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ بِ (تَرَتُّبِهِنَّ) أَيْ:
وَأَعَادَ مَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ، وَمَا بَعْدَهَا فِي يَوْمِهَا فَقَطْ وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ.
فَإِنْ رَمَى بِخَمْسٍ خَمْسٍ؛ اعْتَدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ
ــ
[منح الجليل]
الْجَمَرَاتِ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى وَيُثَنِّي بِالْوُسْطَى وَيَخْتِمُ بِالْعَقَبَةِ، فَإِنْ نَكَسَ أَوْ تَرَكَ الْأُولَى أَوْ بَعْضَهَا أَوْ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ وَلَوْ سَاهِيًا فَلَا يُجْزِيهِ، فَإِنْ ذَكَرَ فِي يَوْمِهَا أَعَادَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (وَ) إنْ خَرَجَ يَوْمَهَا وَرَمَى لِلْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ (أَعَادَ مَا حَضَرَ) وَقْتُهُ نَدْبًا (بَعْدَ) رَمْيِ (الْمَنْسِيَّةِ) مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي مَضَى وُجُوبًا. (وَ) إعَادَةُ رَمْيِ (مَا بَعْدَهَا) أَيْ: الْمَنْسِيَّةِ وُجُوبًا أَيْضًا لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي رَمْيِ مَا هُوَ (فِي يَوْمِهَا) أَيْ: الْمَنْسِيَّةِ (فَقَطْ) لَا مَا بَعْدَهَا فِي يَوْمٍ آخَرَ فَلَا يُعِيدُهُ، فَإِذَا نَسِيَ فِي ثَانِي الْعِيدِ الْجَمْرَةَ الْأُولَى وَرَمَى فِيهِ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَرَمَى فِي ثَالِثِهِ جَمَرَاتِهِ كُلَّهَا أَوْ رَمَى فِي رَابِعِهِ جَمَرَاتِهِ كُلَّهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ غُرُوبِهِ جَمْرَةَ الثَّانِي الْأُولَى الَّتِي نَسِيَهَا فَيَرْمِيهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي يَوْمِهَا وُجُوبًا، وَيُعِيدُ رَمْيَ جَمَرَاتِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ نَدْبًا، وَلَا يُعِيدُ رَمْيَ جَمَرَاتٍ الثَّالِثِ لِخُرُوجِ وَقْتِ أَدَائِهِ.
(وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ) أَيْ: رَمْيِ الْجَمَرَاتِ فَإِذَا رَمَى الْأُولَى أَرْدَفَهَا بِالثَّانِيَةِ وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِقَدْرِ الدُّعَاءِ الْمَطْلُوبِ، وَإِذَا رَمَى الثَّانِيَةَ عَقَّبَهَا بِالثَّالِثَةِ إلَّا بِقَدْرِ ذَلِكَ وَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَتَتَابُعُهَا فَهُوَ فِي تَتَابُعِ حَصَيَاتِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَالَهُ أَحْمَدُ وعج أَوْ أَنَّ مَا هُنَا فِي تَتَابُعِ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَمَا مَرَّ فِي تَتَابُعِ حَصَيَاتِ كُلِّ جَمْرَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَنْسَبُ بِقَوْلِهِ وَلَفْظُهَا وَلِذَا ذَكَرَ الضَّمِيرَ هُنَا وَفَرَّعَ عَلَى أَنْ تَرْتِيبَ الْجَمَرَاتِ شَرْطُ صِحَّةٍ وَأَنَّ تَتَابُعَهَا وَتَتَابُعَ الْحَصَيَاتِ مَنْدُوبٌ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ رَمَى) الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي ثَانِي الْعِيدِ أَوْ مَا بَعْدَهُ كُلَّ جَمْرَةٍ (بِخَمْسٍ خَمْسٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ فِيهِمَا وَتَرَكَ مِنْ كُلِّ جَمْرَةٍ حَصَاتَيْنِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي يَوْمِهِ أَوْ مَا بَعْدَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ (اعْتَدَّ) أَيْ احْتَسَبَ وَاكْتَفَى (بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ) مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى وَكَمَّلَهَا بِحَصَاتَيْنِ، وَرَمَى الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بِسَبْعٍ سَبْعٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا بِنَاءً عَلَى نَدْبِ التَّتَابُعِ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ إنْ ذَكَرَ فِي يَوْمِهِ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إنْ ذَكَرَ فِي
وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ؛ اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنْ الْأُولَى وَأَجْزَأَ عَنْهُ
ــ
[منح الجليل]
وَقْتِ الْقَضَاءِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ، وَلَمْ يَعْتَدَّ بِخَمْسٍ مَا بَعْدَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَمِّلْ الْأُولَى فَلَمْ يَحْصُلْ التَّرْتِيبُ فَبَطَلَ رَمْيُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَلِكَوْنِ الْفَوْرِ مَنْدُوبًا بُنِيَ عَلَى خَمْسِ الْأُولَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَدْبِ تَتَابُعِهِ شَهَرَهُ الْبَاجِيَّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ رَاشِدٍ وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ، وَحَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَنَدٌ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ أَنَّهُ وَاجِبٌ شُرِطَ مَعَ الذِّكْرِ اتِّفَاقًا وَمَعَ النِّسْيَانِ فِيهِ قَوْلَانِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِخَمْسِ الْأُولَى أَيْضًا.
(وَإِنْ) رَمَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ ثُمَّ وَجَدَ حَصَاةً فِي جَيْبِهِ مَثَلًا وَ (لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ) تَرَكَ رَمْيَهَا تَحْقِيقًا أَوْ شَكًّا مِنْ أَيْ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ (اعْتَدَّ بِسِتٍّ) مِنْ الْحَصَيَاتِ (مِنْ) الْجَمْرَةِ (الْأُولَى) فَيَرْمِي عَلَيْهَا حَصَاةً وَيُعِيدُ رَمْيَ مَا بَعْدَهَا بِسَبْعٍ سَبْعٍ، فَإِنْ تَحَقَّقَ إتْمَامُ سَبْعِ الْأُولَى وَشَكَّ فِي الثَّانِيَةِ اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنْهَا وَرَمَاهَا بِحَصَاةٍ، وَرَمْي الثَّالِثَةَ بِسَبْعٍ وَإِنْ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ رَمَاهَا بِحَصَاةٍ فَقَطْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا عَلَى نَدْبِ التَّتَابُعِ أَيْضًا وَلَا يَعْتَدُّ بِشَيْءٍ عَلَى شَرْطِيَّتِهِ. وَإِنْ شَكَّ فِي رَمْيِ حَصَاةٍ وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ حَصَاةٌ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهَا، وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِشَيْءٍ وَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعٍ، لَكِنَّ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي فِي الْمَتْنِ.
وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَصَرَّحَ الْبَاجِيَّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَمَنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ حَصَاةٌ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَهَا، فَحَكَى فِيهِ الْأَبْهَرِيُّ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا فِيهَا. وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ حَصَاةً مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَرْمِي الْأُولَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ سَبْعٍ، وَفِي كِتَابِ الْأَبْهَرِيِّ وَمَنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ حَصَاةٌ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ هِيَ فَلْيَرْمِ بِهَا الْأُولَى ثُمَّ يَرْمِي الْبَاقِيَتَيْنِ بِسَبْعٍ سَبْعٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَسْتَأْنِفُ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيْنَا.
(وَأَجْزَأَ) الرَّمْيُ الْمُتَفَرِّقُ كَرَمْيِهِ (عَنْهُ) أَيْ: الرَّامِي سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ عَلَى
وَعَنْ صَبِيٍّ وَلَوْ حَصَاةً حَصَاةً، وَرَمْيُ الْعَقَبَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَإِلَّا إثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَوُقُوفِهِ إثْرَ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ إسْرَاعِ الْبَقَرَةِ، وَتَيَاسُرِهِ فِي الثَّانِيَةِ.
ــ
[منح الجليل]
جَمْرَةٍ وَسَبْعِ حَصَيَاتٍ أُخْرَى عَنْ صَبِيٍّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يَرْمِي عَنْهُ نِيَابَةً عَلَى تِلْكَ الْجَمْرَةِ، وَهَكَذَا الْجَمْرَةُ الثَّانِيَةُ وَالْجَمْرَةُ الثَّالِثَةُ، بَلْ وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ فِي حَصَيَاتِ كُلِّ جَمْرَةٍ بِأَنْ يَرْمِيَ حَصَاةً عَنْ نَفْسِهِ وَحَصَاةً عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَكْسُهُ إلَى تَمَامِ السَّبْعِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ فِي كُلِّ جَمْرَةٍ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْإِجْزَاءِ يُفِيدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْدُوبِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يُنَافِي نَدْبَ تَتَابُعِهَا.
وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ الْقَابِسِيِّ بَعِيدٌ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُعْتَدُّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ. ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ يَسِيرٌ وَنُدِبَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَمَصَبُّ النَّدْبِ كَوْنُ الرَّمْيِ طُلُوعَ الشَّمْسِ أَيْ بَعْدَهُ وَعِبَارَتُهَا ضَحْوَةً وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ لِلزَّوَالِ، وَيُكْرَهُ الرَّمْيُ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الشَّمْسِ وَإِنْ كَانَ أَدَاءً فِيهِمَا أَيْضًا. ابْنُ الْحَاجِبِ أَدَاءُ جَمْرَةِ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَأَفْضَلُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ رَمَاهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ بَعْدَ زَوَالِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الرَّمْيُ أَوَّلَ يَوْمٍ بِأَنْ كَانَ ثَانِيَهُ أَوْ ثَالِثَهُ أَوْ رَابِعَهُ نُدِبَ (إثْرَ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ: عَقِبَ (الزَّوَالِ قَبْلَ) صَلَاةِ (الظُّهْرِ وَنُدِبَ وُقُوفُهُ) أَيْ: مُكْثُ الرَّامِي وَلَوْ جَالِسًا (إثْرَ) رَمْيِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَمْرَتَيْنِ (الْأُولَيَيْنِ) لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِدُونِ رَفْعِ يَدَيْهِ (قَدْرَ إسْرَاعِ) قِرَاءَةِ سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) لَا إثْرَ الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إثْرَ الْأُولَيَيْنِ وَهَذَا كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِهِ وَتَتَابُعُهَا. (وَ) نُدِبَ (تَيَاسُرُهُ فِي) وُقُوفِهِ لِلدُّعَاءِ عَقِبَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ (الثَّانِيَةِ) ابْنُ الْمَوَّازِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى وَيَنْصَرِفُ مِنْهَا إلَى الشِّمَالِ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ فَيَقِفُ أَمَامَهَا مِمَّا يَلِي يَسَارَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ يَرْمِي الْوُسْطَى وَيَنْصَرِفُ عَنْهَا ذَاتَ الشِّمَالِ بِبَطْنِ الْمَسِيلِ يَقِفُ أَمَامَهَا مِمَّا يَلِي يَسَارَهَا وَمِثْلُهُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَسَنَدٍ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الِاتِّبَاعُ، فَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ
وَتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ لِيُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ.
ــ
[منح الجليل]
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى فَيَأْخُذُ بِذَاتِ الشِّمَالِ فَيَسْهُلُ» قَوْلُهُ فَيُسْهِلُ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ: يَأْتِي الْمَكَانَ السَّهْلَ، هَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثِ ابْنِ حَجَرٍ، أَيْ: يَمْشِي إلَى جِهَةِ شِمَالِهِ لِيَقِفَ دَاعِيًا فِي مَكَان لَا يُصِيبُهُ فِيهِ الرَّمْيُ. اهـ. وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فِي جِهَةِ يَسَارِهَا كَوْنُهَا فِي جِهَةِ يَمِينِهِ وَفِيهَا تَرْكُ الرَّفْعِ أَحَبُّ إلَيَّ. مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَلَا يَرْفَعُهُمَا فِي الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَضَعَّفَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَشَاعِرِ، هَذَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «ثُبُوتُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.» ابْنُ الْمُنْذِرِ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا أَنْكَرَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَيَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ فِي وُقُوفِهِ لِلدُّعَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ وُقُوفِهِ لِرَمْيِهِمَا وَهُوَ أَنْ يَقِفَ مِمَّا يَلِي الْمَسْجِدَ فِي رَمْيِ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَفِيهَا وَيَرْمِي الْجَمْرَتَيْنِ جَمِيعًا مِنْ فَوْقِهِمَا وَالْعَقَبَةَ مِنْ أَسْفَلِهَا.
(وَ) نُدِبَ (تَحْصِيبُ) الشَّخْصِ (الرَّاجِعِ) مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ أَيْ نُزُولُهُ بِالْمُحَصَّبِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَمُنْتَهَاهُ الْمَقْبَرَةُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ سُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ الْحَصْبَاءِ فِيهِ مِنْ السَّيْلِ وَيُسَمَّى الْأَبْطُحَ أَيْضًا لِانْبِطَاحِهِ (لِيُصَلِّيَ) الرَّاجِعُ (فِيهِ) أَيْ: الْمُحَصَّبِ (أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ) أَيْ: الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا لِغَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ، أَمَّا هُوَ فَلَا يُنْدَبُ تَحْصِيبُهُ وَلَوْ مُقْتَدًى بِهِ وَفِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَدَخَلَ مَكَّةَ لِصَلَاتِهَا. فِي الذَّخِيرَةِ التَّحْصِيبُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ وَفِي الْإِكْمَالِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النُّزُولَ بِهِ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَاعْتَرَضَهُ الْأَبِيُّ بِقَوْلِ مُسْلِمٍ كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ النُّسُكِ فَيُنَاقِضُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، فَلَعَلَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ أَيْ الْمُتَأَكِّدُ أَوْ الْوَاجِبُ حَتَّى يَلْزَمَ بِتَرْكِهِ دَمٌ.
(وَ) نُدِبَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ مَكِّيًّا أَوْ آفَاقِيًّا قَدِمَ بِنُسُكٍ أَوْ تِجَارَةٍ
وَطَوَافُ الْوَدَاعِ إنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ.
لَا كَالتَّنْعِيمِ، وَإِنْ صَغِيرًا، وَتَأَدَّى بِالْإِفَاضَةِ وَالْعُمْرَةِ.
وَلَا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى.
ــ
[منح الجليل]
طَوَافُ الْوَدَاعِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا (إنْ خَرَجَ) أَيْ: أَرَادَ الْخُرُوجَ (لِ) مِيقَاتٍ (كَالْجُحْفَةِ) أَرَادَ الْعَوْدَ أَمْ لَا إلَّا لِقَصْدِهِ التَّرَدُّدَ لَهَا بِنَحْوِ حَطَبٍ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ الْوَدَاعُ، وَلَوْ خَرَجَ لِمَكَانٍ بَعِيدٍ وَكَذَا الْمُتَعَجِّلُ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ نَحْوُهُ وَقَوْلُ الْخَرَشِيِّ، وَكَذَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُتَعَجِّلُ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِمَا، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ إذْ لَا تَعَلُّقَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ بِالْحَجِّ وَلَا هُوَ مِنْ مَنَاسِكِهِ حَتَّى يُفَرِّقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَعَجِّلِ وَغَيْرِهِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ. وَفِي التَّوْضِيحِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْآمِرِ بِهِ كَوْنُهُ مَعَ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، بَلْ يُؤْمَرُ بِهِ كُلُّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا مِنْ مَكَّةَ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَفِي الصَّحِيحِ «لَا يَنْفِرُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ» .
(لَا) يُنْدَبُ طَوَافُ الْوَدَاعِ لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِمَحَلٍّ قَرِيبٍ (كَالتَّنْعِيمِ) وَالْجِعْرَانَةِ مِمَّا دُونَ الْمِيقَاتِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْكَنُهُ أَوْ يُرِيدَ الْإِقَامَةَ بِهِ طَوِيلًا فَيُنْدَبُ لَهُ الْوَدَاعُ إنْ كَانَ بَالِغًا.
بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (صَغِيرًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً ابْنُ فَرْحُونٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا تَقْبِيلَ الْحَجَرِ عَقِبَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَهُوَ حَسَنٌ وَنَحْوُهُ لِسَنَدٍ. وَفِي الْوَاضِحَةِ يُنْدَبُ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ عَقِبَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَنَقَلَهُ الْحَطّ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ مَعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ مَكَّةَ إنْ قَصَدَ التَّرَدُّدَ لَهَا فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ قَصَدَ مَسْكَنَهُ أَوْ إقَامَةً طَوِيلَةً فَعَلَيْهِ الْوَدَاعُ مُطْلَقًا وَإِنْ خَرَجَ لِاقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ زِيَارَةِ أَهْلٍ نَظَرَ فَإِنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ وَدَّعَ، وَإِنْ خَرَجَ لِدُونِهَا كَالتَّنْعِيمِ فَلَا وَدَاعَ.
(وَتَأَدَّى) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ: حَصَلَ طَوَافُ الْوَدَاعِ (بِالْإِفَاضَةِ وَ) بِطَوَافِ (الْعُمْرَةِ) وَلَا يَكُونُ السَّعْيُ عَقِبَهُ طُولًا حَيْثُ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهُمَا إقَامَةٌ تُبْطِلُ حُكْمَ التَّوْدِيعِ وَيَحْصُلُ بِهِمَا ثَوَابُهُ إنْ نَوَاهُ بِهِمَا قِيَاسًا عَلَى تَأَدِّي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِالْفَرْضِ.
(وَلَا يَرْجِعُ) الْمُوَدِّعُ حَالَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (الْقَهْقَرَى) أَيْ: يُكْرَهُ أَوْ
وَتَبْطُلُ بِإِقَامَةِ بَعْضِ يَوْمٍ بِمَكَّةَ لَا بِشُغْلٍ خَفَّ، وَرَجَعَ لَهُ، إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ، وَحُبِسَ الْكَرِيُّ، وَالْوَلِيُّ: لِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، قَدْرَهُ،
ــ
[منح الجليل]
خِلَافُ الْأَوْلَى لِعَدَمِ وُرُودِهِ فَيُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَجْعَلُ ظَهْرَهُ لِلْبَيْتِ وَيَمْشِي مِشْيَةَ الْمُعْتَادِ وَالْأَدَبُ وَالْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ، وَكَذَا فِي خُرُوجِهِ مِنْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. .
(وَبَطَلَ) طَوَافُ الْوَدَاعِ بِمَعْنَى طَلَبِهِ بِغَيْرِهِ وَإِنْ صَحَّ فِي نَفْسِهِ وَثَبَتَ ثَوَابُهُ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى (بِإِقَامَةِ بَعْضِ يَوْمٍ) لَهُ بَالٌ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى سَاعَةٍ فَلَكِيَّةٍ (بِمَكَّةَ) فَإِنْ أَقَامَ خَارِجَهَا كَالْأَبْطَحِ وَذِي طُوًى فَلَا يَبْطُلُ (لَا) يَبْطُلُ إقَامَةٌ بِمَكَّةَ (لِشُغْلٍ خَفَّ وَ) إنْ تَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بَطَلَ حُكْمُهُ كَمَنْ أَتَى بِهِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْهِ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ بَطَلَ كَوْنُهُ وَدَاعًا بِالْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَخَرَجَ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه وَلَمْ يَبْعُدْ (رَجَعَ) نَدْبًا (لَهُ) أَيْ: طَوَافُ الْوَدَاعِ (إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ وَحُبِسَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: مُنِعَ مِنْ السَّفَرِ (الْكَرِيُّ) أَيْ: الشَّخْصُ الَّذِي أَكْرَى دَابَّتَهُ لِمَرْأَةٍ. (وَالْوَلِيُّ) أَيْ: زَوْجُ الْمَرْأَةِ أَوْ مُحْرِمُهَا (لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) حَصَلَ لِلْمَرْأَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا لِلْإِفَاضَةِ وَصِلَةُ حُبِسَ قَوْلُهُ (قَدْرَهُ) أَيْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْكَرِيُّ حَمْلَهَا أَمْ لَا حَمَلَتْ عِنْدَ الْكِرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ هَذَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ نَفَقَتِهِ وَلَا نَفَقَةَ دَابَّتِهِ ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ وَالْحَطّ. زَادَ وَيُنْدَبُ لَهَا فِي النِّفَاسِ إعَانَتُهُ بِالْعَلَفِ لَا فِي الْحَيْضِ فَإِنْ مَضَى قَدْرُ حَيْضِهَا وَالِاسْتِظْهَارُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ دَمُهَا فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَطُوفُ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى حَبْسِ كَرْيِهَا لَهَا مُعْتَادُ حَيْضِهَا وَالِاسْتِظْهَارِ، فَإِنْ زَادَ دَمُهَا فَظَاهِرُهَا تَطُوفُ كَمُسْتَحَاضَةٍ وَتَأَوَّلَهَا الشَّيْخُ بِمَنْعِهِ وَفَسْخِ كِرَائِهَا كَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ بِالِاحْتِيَاطِ طفي وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ بِالِاحْتِيَاطِ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ فِيمَا بَيْنَ عَادَتِهَا وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ فَظَهَرَ لِلْفَسْخِ وَعَدَمِ الطَّوَافِ وَجْهٌ وَهُوَ مُرَاعَاةُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِي الِاحْتِيَاطِ. ابْنُ شَاسٍ فَإِذَا زَادَ الدَّمُ مُدَّةَ الْحَبْسِ فَهَلْ تَطُوفُ أَوْ يُفْسَخُ الْكِرَاءُ قَوْلَانِ.
وَقُيِّدَ إنْ أَمِنَ، وَالرُّفْقَةُ فِي كَيَوْمَيْنِ.
ــ
[منح الجليل]
وَقُيِّدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ: حُبِسَ الْكَرِيُّ وَالْوَلِيُّ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسِ الْمَرْأَةِ قَدْرَهُ (إنْ أُمِنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الطَّرِيقُ حَالَ رُجُوعِهَا بَعْدَ طُهْرِهَا وَطَوَافِهَا لِلْإِفَاضَةِ، وَهَذَا الْقَيْدُ لِابْنِ اللَّبَّادِ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ التُّونُسِيِّ، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ فَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ اتِّفَاقًا قَالَهُ عِيَاضٌ، وَلَا يُحْبَسُ كَرِيٌّ وَلَا وَلِيٌّ لِأَجْلِ طَوَافِهَا وَتَمْكُثُ وَحْدَهَا بِمَكَّةَ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ إنْ أَمْكَنَهَا الْمُقَامُ بِهَا وَإِلَّا رَجَعَتْ لِبَلَدِهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَتَعُودُ فِي الْقَابِلِ.
سَنَدٌ أَمَّا أَهْلُ الْآفَاقِ الْبَعِيدَةِ الَّذِينَ لَا يَمُرُّونَ إلَّا حَمِيَّةً فَأَمْرٌ مَحْمُولٌ عَلَى زَمَانِ الْحَجِّ عَادَةً فَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا بَعْدَهُ وَهِيَ كَالْمُحْصَرَةِ بِالْعَدُوِّ وَلَا يَلْزَمُهَا جَمِيعُ الْأُجْرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْهَا فَسْخُ الْكِرَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ بِعَارِضِ مَا سَيَأْتِي أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى بِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا. وَالْقِيَاسُ أَنَّ لِلْكَرِيِّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ إنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَرْكَبُ مَكَانَهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُهَا، أَصْلًا وَإِلَّا اغْتَسَلَتْ وَطَافَتْ حَالَ انْقِطَاعِهِ وَلَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.
هَذَا تَقْرِيرُ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ خُصُوصًا عَلَى مَنْ بِلَادُهَا بَعِيدَةٌ وَمُقْتَضَى يُسْرِ الدِّينِ، أَمَّا تَقْلِيدُ مَا رَوَاهُ الْبَصْرِيُّونَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى وَرَجَعَ لِبَلَدِهِ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَإِنْ كَانَ خِلَافُ رِوَايَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ عَدَمَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا شَكَّ أَنَّ عُذْرَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَبْلَغُ مِنْ عُذْرِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي.
وَأَمَّا تَقْلِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْحَائِضَ تَطُوفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي الطَّوَافِ الطَّهَارَةَ مِنْ حَدَثٍ وَلَا مِنْ خَبَثٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رضي الله عنه وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ وَيَتِمُّ حَجُّهَا الصِّحَّةُ طَوَافُهَا، وَإِنْ أَثِمَتْ عِنْدَهُمَا أَوْ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَطْ بِدُخُولِهَا الْمَسْجِدَ حَائِضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَ) حُبِسَتْ (الرُّفْقَةُ) مَعَ كَرِيِّهَا وَوَلِيِّهَا إنْ كَانَ يَزُولُ عُذْرُهَا (فِي كَيَوْمَيْنِ) لَعَلَّهُ مَعَ الْأَمْنِ كَمَا سَبَقَ وَلَا تُحْبَسُ الرُّفْقَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى كَيَوْمَيْنِ وَيُحْبَسُ الْكَرِيُّ وَحْدَهُ، وَمُقْتَضِي مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْهُ إدْخَالٌ زَادَ عَلَيْهِمَا.
وَكُرِهَ رَمْيٌ بِمَرْمِيٍّ بِهِ: كَأَنْ يُقَالَ لِلْإِفَاضَةِ: طَوَافُ الزِّيَادَةِ، أَوْ زُرْنَا قَبْرَهُ صلى الله عليه وسلم.
وَرُقِيُّ الْبَيْتِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام بِنَعْلٍ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَالْحَجَرِ.
ــ
[منح الجليل]
(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (رَمْيٌ بِ) حَصَى (مَرْمِيٍّ بِهِ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فِي يَوْمِهِ أَوْ قَبْلَهُ فِي مِثْلِ مَا رَمَى فِيهِ أَوَّلًا كَحَجٍّ وَحَجَّ مُفْرِدًا فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَقَارِنًا فِي الْآخَرِ، ظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ فِي حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ. التُّونُسِيُّ وَيُعِيدُ نَدْبًا مَا لَمْ تَمْضِ أَيَّامُ الرَّمْيِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَخَفَّفَ مَالِكٌ رضي الله عنه الْحَصَاةَ الْوَاحِدَةَ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ فِي ثَانِي عَامٍ وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ كَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ سَقَطَتْ مِنِّي حَصَاةٌ فَلَمْ أَعْرِفْهَا فَرَمَيْت بِحَصَاةٍ مِنْ حَصَى الْجَمْرَةِ فَقَالَ لِي مَالِكٌ رضي الله عنه إنَّهُ لَمَكْرُوهٌ وَمَا أَرَى عَلَيْك شَيْئًا.
وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَأَنْ يُقَالَ لِلْإِفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ) فَتُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ وَهُوَ رُكْنٌ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَلَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَذِبٍ (أَوْ زُرْنَا قَبْرَهُ عليه الصلاة والسلام) وَكَذَا لَوْ سَقَطَ لَفْظُ قَبْرٍ قَالَهُ سَنَدٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ قَصَدْنَاهُ أَوْ حَجَجْنَا إلَى قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَعُلِّلَتْ الْكَرَاهَةُ بِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرْبِ فَلَا تَخْيِيرَ فِيهَا أَوْ؛ لِأَنَّ لِلزَّائِرِ فَضْلًا وَرَدَّ عِيَاضٌ الثَّانِيَ بِحَدِيثِ زِيَارَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِرَبِّهِمْ، وَبِحَدِيثِ «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» لَكِنْ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِجَوَازِ إطْلَاقِ لَفْظِ الزِّيَارَةِ مِنْ غَيْرِهِ.
(وَ) كُرِهَ (رُقِيُّ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَشَدِّ الْيَاءِ أَيْ: دُخُولِ (الْبَيْتِ) الْحَرَامِ لَا رُقِيُّ دَرَجَةٍ فَقَطْ، وَسُمِّيَ دُخُولُهُ رُقِّيَا لِارْتِفَاعِ بَابِهِ (أَوْ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى ظَهْرِهِ (أَوْ عَلَى مِنْبَرِهِ) أَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ الْمَوْجُودَ الْآنَ (بِنَعْلٍ) مُحَقَّقِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ وَمِثْلُهُ الْخُفُّ، وَيَحْرُمُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ عَلَى أَحَدِهِمَا لِعَظَمِ حُرْمَةِ الْقُرْآنِ. الْمَوَّاقُ وَيُكْرَهُ جَعْلُ نَعْلِهِ بِالْبَيْتِ إذَا دَخَلَهُ لِلدُّعَاءِ وَلْيَجْعَلْهُ فِي حُجْرَتِهِ (بِخِلَافِ الطَّوَافِ) بِالْبَيْتِ (وَ) دُخُولُ (الْحِجْرِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ بِنَعْلٍ مُحَقَّقِ الطَّهَارَةِ فَلَا يُكْرَهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَشْي بِهِ فِي السِّتَّةِ
وَإِنْ قَصَدَ بِطَوَافِهِ نَفْسَهُ مَعَ مَحْمُولِهِ، لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَجْزَأَ السَّعْيُ عَنْهُمَا: كَمَحْمُولَيْنِ فِيهِمَا.
ــ
[منح الجليل]
أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ الَّتِي مِنْ الْبَيْتِ لِعَدَمِ تَوَاتُرٍ عَلَى رَأْيٍ.
(وَإِنْ) طَافَ حَامِلُ شَخْصٍ طَوَافًا وَاحِدًا وَ (قَصَدَ بِطَوَافِهِ نَفْسَهُ مَعَ مَحْمُولِهِ) صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَرِيضٌ وَاحِدًا وَمُتَعَدِّدٌ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ وَالْحَامِلُ عَنْ نَفْسِهِ (لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ وَهِيَ لَا تَكُونُ عَنْ اثْنَيْنِ، كَذَا قَرَّرَهُ سَالِمٌ وَانْظُرْ إدْخَالَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نِيَّةَ الْمَرِيضِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْحَامِلِ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مَعَ مَحْمُولِهِ صِحَّتُهُ فِي هَذِهِ عَنْ الْحَامِلِ فَقَطْ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ عب.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبِعَ فِيهِ تَشْهِيرَ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ لَمْ أَرَ مَنْ شَهَّرَهُ. قَالَ الْحَطّ ظَاهِرُ الطِّرَازِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ عَنْهُمَا، وَنَسَبَ الْمَوَّاقُ وَالتَّوْضِيحُ الْإِجْزَاءَ عَنْ الصَّبِيِّ لِابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَوْلُهُ وَانْظُرْ إدْخَالَ إلَخْ تَبِعَ فِيهِ الْحَطّ وَنَصُّهُ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَحْمُولِ صَغِيرًا نَوَى الْحَامِلَ عَنْهُ وَعَنْ نَفْسِهِ أَوْ كَبِيرًا يَنْوِي هُوَ لِنَفْسِهِ، وَيَنْوِي الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ عب.
(وَأَجْزَأَ السَّعْيُ) الَّذِي نَوَى بِهِ الْحَامِلُ نَفْسَهُ مَعَ مَحْمُولِهِ (عَنْهُمَا) أَيْ الْحَامِلِ وَمَحْمُولِهِ لِحِفَّتِهِ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ طَهَارَةٌ وَشَبَّهَ فِي الْإِجْزَاءِ فَقَالَ (كَمَحْمُولَيْنِ) فَأَكْثَرَ لِشَخْصٍ طَافَ أَوْ سَعَى بِهِمَا وَنَوَى بِطَوَافِهِ أَوْ سَعْيِهِ عَنْهُمَا فَيُجْزِئُ (فِيهِمَا) أَيْ: الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ نِيَّتِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ مَحْمُولِهِ وَبَيْنَ نِيَّتِهِ عَنْ مَحْمُولَيْهِ أَنَّ الْمَحْمُولَيْنِ صَارَا بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَفُهِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِالطَّوَافِ الْمَحْمُولَ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْمُعْتَبَرُ طَهَارَةُ الْحَامِلِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ كَمَحْمُولَيْنِ إنْ كَانَ الْمَحْمُولُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَالْمُعْتَبَرُ طَهَارَةُ الْمَحْمُولِ لَا الْحَامِلِ