المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الصلح على غير المدعى] - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٦

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌[باب الصلح على غير المدعى]

بَابٌ)

ــ

[منح الجليل]

[بَابٌ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى]

بَابٌ) فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الصُّلْحِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يُنَاسِبُهَا

وَهُوَ لُغَةً قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَأَصْلُهُ الْكَمَالُ، يُقَالُ صَلَحَ الشَّيْءُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا إذَا كَمُلَ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ قَبْضُ شَيْءٍ عَنْ عِوَضٍ يَشْمَلُ مَحْضَ الْبَيْعِ. وَقَوْلُ عِيَاضٍ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَنْ دَعْوَى يَخْرُجُ عَنْهُ صُلْحُ الْإِقْرَارِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ الصُّلْحُ مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ وَإِبْرَاءٌ وَإِسْقَاطُ تَقْسِيمٍ لَهُ لَا تَعْرِيفٌ فَلَا يُتَوَهَّمُ نَقْضُهُ بِمَحْضِ الْبَيْعِ وَهِبَةِ كُلِّ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهِمَا تَحْتَ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ. الْحَطّ قَدْ يُقَالُ حَدُّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الصُّلْحَ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ. طفي قَدْ يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الِانْتِقَالُ، بَلْ هُوَ الْمُعَاوَضَةُ وَالِانْتِقَالُ مُفَرَّعٌ عَنْهَا مَعْلُولٌ لَهَا كَمَا أَنَّ الِانْتِقَالَ فِي الْبَيْعِ مُفَرَّعٌ عَنْهُ وَمَعْلُولٌ لَهُ، وَالصُّلْحُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَهِبَةٌ فَيُفَسَّرُ بِالْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَحَدُّ عِيَاضٍ هُوَ الصَّوَابُ وَيُجَابُ عَنْ خُرُوجِ صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الصُّلْحِ كَوْنُهُ عَنْ إنْكَارٍ فَهُوَ حَدٌّ لِلْغَالِبِ. الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ وَالِانْتِقَالِ بِعِوَضٍ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ.

(فَوَائِدُ) الْأُولَى: فِي الْمُقَدِّمَاتِ رُوِيَ «أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ تَقَاضَى مِنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - دَيْنًا لَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ حَتَّى كَشَفَ سَجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى كَعْبًا فَقَالَ يَا كَعْبُ فَقَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ فَقَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُمْ فَاقْضِهِ» .

الثَّانِيَةُ: فِي التَّوْضِيحِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» .

ص: 135

الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بَيْعٌ،

ــ

[منح الجليل]

الثَّالِثَةُ: ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ أَيْ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ مَصْلَحَتِهِ وَحُرْمَتُهُ وَكَرَاهَتُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ مَفْسَدَةً وَاجِبَةَ الدَّرْءِ أَوْ رَاجِحَتَهُ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ لِلَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ لَا بَأْسَ بِنَدْبِ الْقَاضِي الْخَصْمَيْنِ إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَاحْرِصْ عَلَى الصُّلْحِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَك فَصْلُ الْقَضَاءِ. وَقِيلَ فِي بَعْضِ الْمُذَاكَرَاتِ لَا بَأْسَ بِهِ بَعْدَ التَّبَيُّنِ إنْ كَانَ لِرِفْقٍ بِالضَّعِيفِ مِنْهُمَا، كَالنَّدْبِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُوهِمُ ثُبُوتَ الْحَقِّ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَوْ سُقُوطَهُ لَهُ، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ أَبَاهُ أَحَدُهُمَا فَلَا يُلِحُّ عَلَيْهِ إلْحَاحًا يُوهِمُ الْإِلْزَامَ.

الرَّابِعَةُ: ابْنُ عَرَفَةَ قَسَّمُوهُ إلَى صُلْحٍ عَلَى إقْرَارٍ وَصُلْحٍ عَلَى إنْكَارٍ، فَقَوْلُ عِيَاضٍ حُكْمُ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ لِتَكُونَ الْقِسْمَةُ حَقِيقِيَّةً بَيْنَ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ أَوْ الْمُسَاوِي لِنَقِيضِهِ اهـ. طفي الشَّيْءُ هُوَ الْإِقْرَارُ وَنَقِيضُهُ لَا إقْرَارُهُ وَمُسَاوِيهِ الْإِنْكَارُ وَالسُّكُوتُ، وَإِنْ شِئْت قُلْت الشَّيْءُ هُوَ الْإِنْكَارُ وَنَقِيضُهُ لَا إنْكَارَ وَمُسَاوِيهِ الْإِقْرَارُ وَالسُّكُوتُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَلَا إقْرَارَ وَلَا بَيْنَ الْإِنْكَارِ وَلَا إنْكَارَ فَافْهَمْ.

(الصُّلْحُ) أَيْ عَلَى إقْرَارٍ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ الصُّلْحَ عَلَى سُكُوتٍ وَالصُّلْحَ عَلَى إنْكَارٍ بَعْدَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ، وَبَيَّنَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فَقَالَ (عَلَى) أَخْذِ شَيْءٍ (غَيْرِ الْمُدَّعَى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةٍ وَالْعَيْنِ، وَصِلَتُهُ مَحْذُوفَةٌ أَيْ بِهِ (بَيْعٌ) لِذَاتِ الْمُدَّعَى بِهِ بِالْمَأْخُوذِ إنْ كَانَ ذَاتًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ وَانْتِفَاءُ مَوَانِعِهِ كَدَعْوَاهُ بِعَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عَقَارٍ، فَيُقِرُّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَالِحُهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بِهِمَا نَقْدًا أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مُخَالِفٍ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ، فَقَدْ بَاعَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى بِهِ بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهُ فَجَازَ لِوُجُودِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَأَنْ لَا يَبِيعَ الْمُصَالِحَ بِهِ أَوْ لَا يَلْبَسَهُ أَوْ لَا يَرْكَبَهُ أَوْ لَا يَطَأَ الْجَارِيَةَ أَوْ صَالَحَهُ بِمَجْهُولٍ أَوْ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ عَنْ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ مُؤَخَّرًا، وَعَكْسِهِ أَوْ عَنْ طَعَامِ مُعَاوَضَةٍ فَسَدَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ أَوْ وُجُودِ الْمَانِعِ.

ص: 136

أَوْ إجَارَةٌ، وَعَلَى بَعْضِهِ: هِبَةٌ

ــ

[منح الجليل]

وَذَكَرَ الْقِسْمَ الثَّانِي عَاطِفًا لَهُ بِأَوْ الَّتِي لِلتَّقْسِيمِ فَقَالَ (أَوْ إجَارَةً) لِلْمَأْخُوذِ صُلْحًا إنْ كَانَ مَنَافِعَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا جَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ لِعَدَمِ فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَغَايَتُهُ إجَارَةُ الْمَنْفَعَةِ بِمُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَا مَضْمُونَةٍ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، فَصُورَةُ الْإِجَارَةِ الْجَائِزَةِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ أَوْ طَعَامٍ كَذَلِكَ فَيُقِرُّ بِهِ ثُمَّ يُصَالِحُهُ بِمَنْفَعَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مَضْمُونٍ مِنْ عَقَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ أَوْ مَضْمُونٍ لَمْ يَسْتَوْفِهَا جَازَ الصُّلْحُ عَنْهَا بِنَقْدٍ مُعَجَّلٍ أَوْ حَيَوَانٍ كَذَلِكَ أَوْ طَعَامٍ كَذَلِكَ، وَهُوَ إجَارَةٌ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا بِمُؤَخَّرٍ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ.

(وَ) الصُّلْحُ (عَلَى بَعْضِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ وَتَرْكِ بَاقِيهِ (هِبَةٌ) لِلْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ قَبْلَ مَوْتِ وَاهِبِهِ وَجُنُونِهِ وَمَرَضِهِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِمَوْتِهِ وَقَبْلَ فَلَسِهِ. ابْنُ عَاشِرٍ تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي بَعْدَ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ لَدَدِهِ أَوْ إنْكَارِهِ أَوْ سُكُوتِهِ ادْفَعْ لِي خَمْسِينَ وَأُسْقِطَ لَك الْبَاقِي فَلَمْ يُجِبْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ، فَلَوْ رَضِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدُ لَزِمَ الصُّلْحُ وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَرْضَ حَتَّى مَاتَ الْمُدَّعِي.

الْبُنَانِيُّ قَسَّمَ الصُّلْحَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَهِبَةٌ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ بِهِ إنْ كَانَ ذَاتًا فَهُوَ بَيْعٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً فَهِيَ إجَارَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَهِيَ هِبَةٌ، وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَقْسَامُ فِي الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارٍ وَعَلَى إنْكَارٍ وَعَلَى سُكُوتٍ، أَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْإِنْكَارِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَّعَى بِهِ، وَأَمَّا السُّكُوتُ فَهُوَ رَاجِعٌ لِأَحَدِهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَالسُّكُوتُ أَوْ الْإِنْكَارُ فَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِانْفِرَادِهِمَا عَنْ صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ثُمَّ الْمُصَالَحُ بِهِ إنْ كَانَ مَنَافِعَ اُشْتُرِطَ كَوْنُ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا حَاضِرًا كَكِتَابٍ مَثَلًا يَدَّعِيهِ عَلَى زَيْدٍ وَهُوَ بِيَدِهِ فَيُصَالِحُهُ بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ،

ص: 137

وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ.

ــ

[منح الجليل]

فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَدَرَاهِمَ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا بِمَنَافِعَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَجَازَ) الصُّلْحُ (عَنْ دَيْنٍ بِمَا) أَيْ شَيْءٍ (يُبَاعُ) الدَّيْنُ (بِهِ) كَالصُّلْحِ عَنْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مُخَالِفٍ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ. وَمَفْهُومُ مَا يُبَاعُ بِهِ مَنْعُ الصُّلْحِ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يَمْنَعُ بَيْعَهُ بِهِ كَصُلْحِهِ عَنْ دَيْنٍ بِمَنْفَعَةٍ لِمَضْمُونٍ أَوْ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، أَوْ عَنْ طَعَامٍ بِطَعَامٍ مُخَالِفٍ لَهُ مُؤَجَّلٍ لِأَنَّهُ رِبَا نَسَاءٍ أَوْ عَنْ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَكْسِهِ لِأَنَّهُ صَرْفُ مُؤَخَّرٍ أَوْ عَنْ طَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ مُعَاوَضَةً قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ عَنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ أَثْوَابٍ مُؤَجَّلَةٍ بِسِتَّةِ دَنَانِيرَ، أَوْ أَثْوَابٍ حَالَّةٍ لِأَنَّهُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ، أَوْ عَنْ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لِشَهْرٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا لِحَطِّ الضَّمَانِ، وَأَزِيدُك وَيَرُدُّ الْمَمْنُوعَ إنْ لَمْ يَفُتْ وَقِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ إنْ فَاتَ وَيَرْجِعَانِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الصُّلْحِ وَإِلَّا لَزِمَ تَتْمِيمُ الْفَاسِدِ، وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ الْإِذْنَ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَإِنْ وَقَعَ بِمَكْرُوهٍ نَفَذَ وَلَوْ أَدْرَكَ بِحِدْثَانِ قَبْضِهِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ.

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُفْسَخُ بِحِدْثَانِهِ، وَيَنْفُذُ إنْ طَالَ كَصُلْحٍ عَنْ دَيْنٍ بِثَمَرَةِ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ مُزْهِيَةٍ، وَاشْتُرِطَ تَتَمُّرُهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي قَوْلِهِ فِي بَابِ السَّلَمِ، وَهَلْ الْمُزْهِي كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَأْوِيلَانِ، وَقَرَّرَ ق الْمَكْرُوهَ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ حَقِيقَةً لَا يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ مُطْلَقًا.

الْبُنَانِيُّ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْمَكْرُوهُ مَا ظَاهِرُهُ الْفَسَادُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ كَوْنَهُ فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَدَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى تَأْخِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِأَجَلٍ. الْخَرَشِيُّ الْمُرَادُ بِالْمَكْرُوهِ هُنَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَبِالْحَرَامِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْمَكْرُوهُ حَقِيقَةً جَائِزٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، وَكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ لَا تَتَأَتَّى هُنَا. طفي وَالْبَنَّانِيُّ الْمُنَاسِبُ فَجَازَ بَقَاءُ التَّفْرِيعِ بَدَلَ الْوَاوِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مَا يُتَّقَى فِي

ص: 138

وَعَنْ ذَهَبٍ بِوَرِقٍ، وَعَكْسَيْهِ، إنْ حَلَّا، وَعُجِّلَ كَمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ عَنْ مِائَتَيْهِمَا

ــ

[منح الجليل]

الصُّلْحِ مِنْ أَوْجُهِ الْفَسَادِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِ الْقَائِلِ:

جَهْلًا وَفَسْخًا وَنَسَا وَحُطَّ ضَعْ

وَالْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ صَالَحْت دَعْ

إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْجَهْلَ هُنَا، وَقَدْ قَدَّمَهُ قَبْلَ هَذِهِ. وَفِي التَّوْضِيحِ وَكَذَا تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ مَا يُصَالَحُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ، وَلِذَا اشْتَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي صُلْحِ الزَّوْجَةِ عَنْ إرْثِهَا مَعْرِفَتَهَا جَمِيعَ التَّرِكَةِ. اهـ. لَكِنَّ هَذَا إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ جَازَ عَلَى مَعْنَى التَّحَلُّلِ إذْ هُوَ غَايَةُ الْمَقْدُورِ نَقَلَهُ الْحَطّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ

. (وَ) جَازَ الصُّلْحُ (عَنْ ذَهَبٍ) فِي الذِّمَّةِ حَالٍّ (بِوَرِقٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ فِضَّةٍ حَالَّةٍ مُعَجَّلَةٍ (أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ الصُّلْحِ عَنْ وَرِقٍ فِي الذِّمَّةِ حَالٍّ بِذَهَبٍ حَالٍّ مُعَجَّلٍ (إنْ حَلَّا) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً، أَيْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ بِهِ وَهُوَ صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَشَرْطُهُ الْحُلُولُ (وَعُجِّلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْمُصَالَحُ بِهِ بِالْفِعْلِ، إذْ لَوْ أُخِّرَ لَكَانَ صَرْفًا مُؤَخَّرًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنْ أُجِّلَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا مُنِعَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ، وَمَثَّلَ لِلصُّلْحِ الْجَائِزِ فَقَالَ (كَ) صُلْحٍ بِ (مِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ) وَاحِدٍ حَالَّةٍ مُعَجَّلَةٍ بِالْفِعْلِ (عَنْ مِائَتَيْهِمَا) أَيْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مُثَنَّى مِائَةٍ سَقَطَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ، وَالْمِائَتَانِ حَالَّتَانِ. فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ لَك عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ حَالَّتَانِ فَصَالَحْته عَنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ جَازَ لِأَنَّك أَخَذْت الدَّنَانِيرَ قَضَاءً عَنْ دَنَانِيرِك وَأَخَذْت دِرْهَمًا مِنْ دَرَاهِمِك وَهَضَمْت بَاقِيَهَا، بِخِلَافِ التَّبَادُلِ بِهَا نَقْدًا. (تَنْبِيهٌ)

ذَكَرَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا لِخَفَائِهَا، وَذَكَرَهَا مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ لِلنَّصِّ عَلَى كُلِّ فَرْعٍ بِانْفِرَادِهِ قَالَ تت.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: طفي إنْ حَلَّا وَعُجِّلَ تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَثْنِيَةِ ضَمِيرِ حَلَّا وَإِفْرَادِ ضَمِيرِ عُجِّلَ

ص: 139

وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ

ــ

[منح الجليل]

مَعَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ الَّذِي دَعَاهُمَا لِتَثْنِيَةِ الْأَوَّلِ يَجْرِي فِي الثَّانِي قَالَهُ ابْنُ عَاشِرٍ الْبُنَانِيُّ أَمَّا تَعْجِيلَ الْمُصَالَحِ بِهِ فَطَاهِرٌ، وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِأَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ الْمُدَّعِي لِرَفْعِ نِزَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَائِزِ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِي: طفي قَوْلُ تت يُشْتَرَطُ الْحُلُولُ وَالتَّعْجِيلُ، أَمَّا الْحُلُولُ فَنَعَمْ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى ضَعْ وَتُعَجَّلْ، وَأَمَّا التَّعْجِيلُ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ وَحَطِيطَةٌ فَلَا تُهْمَةَ فِي التَّأْخِيرِ. أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَسَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ الدِّرْهَمَ نَقْدًا أَوْ أَخَّرَهُ بِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا أَوْ أَخَّرَهُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا مُبَايَعَةَ هُنَا، وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ وَحَطِيطَةٌ فَلَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ دِينَارٍ أَوْ الْمِائَةُ دِرْهَمٍ لَمْ تَحِلَّ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ ضَعْ وَتُعَجَّلْ عب قَوْلُ تت فَيَشْتَرِطُ الْحُلُولَ، وَالتَّعْجِيلُ خِلَافُ مَا لِابْنِ يُونُسَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ التَّعْجِيلَ إنْ كَانَ عَلَى إقْرَارٍ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ حَيْثُ صَالَحَ بِمُعَجَّلٍ مُطْلَقًا أَوْ بِمُؤَجَّلٍ، وَالصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى إنْكَارٍ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ، فَلَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَتَيْهِمَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِينَارٍ، فَإِنْ كَانَ نَقْدًا جَازَ لِأَنَّ الْمِائَةَ قَضَاءٌ عَنْ الْمِائَةِ وَالدِّينَارَ صَرْفٌ لِلْمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا امْتَنَعَ لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ.

الثَّالِثُ: طفي قَوْلُ تت وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا إلَخْ، دُخُولُهَا بِاعْتِبَارِ تَقْرِيرِهِمْ اشْتِرَاطَ الْحُلُولِ وَالتَّعْجِيلِ، وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَهُ.

الرَّابِعُ: عب قَوْلُهُ وَدِرْهَمٌ عَطْفٌ عَلَى مِائَةٍ وَلَا يُتَوَهَّمُ عَطْفُهُ عَلَى دِينَارٍ وَمَعَ قَوْلِهِ عَنْ مِائَتَيْهِمَا، وَلِكَوْنِ التَّمَثُّلِ لِلصُّلْحِ عَلَى الْبَعْضِ، وَتَبَرَّكَ بِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْضَحُ كَدِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ عَنْ مِائَتَيْهِمَا

(وَ) جَازَ الصُّلْحُ (عَلَى الِافْتِدَاءِ) بِمَالٍ (مِنْ) حَلِفِ (يَمِينٍ) طُلِبَتْ مِنْهُ لِرَدِّ دَعْوَى مُجَرَّدَةٍ أَوْ مَعَ شَاهِدٍ نَحْوُهُ قَوْلُ أَيْمَانِ الْمُدَوَّنَةِ وَنُذُورُهَا وَمَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ وَافْتَدَى مِنْهَا بِالْمَالِ

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

جَازَ، وَظَاهِرُهَا كَالْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ. ابْنُ نَاجِي وَهُوَ الْمَعْرُوفُ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ إنْ عَلِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَرَاءَتَهُ وَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ فَلْيَحْلِفْ وَلَا يُصَالِحْ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ صَالَحَ أَثِمَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، إذْلَالُ نَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ» ، وَإِضَاعَةُ الْمَالِ وَتَجْزِئَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَإِطْعَامُهُ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ تَرْكَ الْحَلِفِ عِزٌّ لَا إذْلَالٌ، وَلَيْسَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ إضَاعَةُ مَالٍ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلِأَنَّ الْإِضَاعَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا إتْلَافُهُ بِنَحْوِ حَرْقٍ وَإِغْرَاقٍ لَا تَرْكُهُ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ نَحْوِ قَاطِعِ طَرِيقٍ وَالْإِغْرَاءُ وَإِطْعَامُ مَا لَا يَحِلُّ لَيْسَ عَلَى الْمُصَالِحِ مِنْهَا شَيْءٌ، إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ.

أَبُو الْحَسَنِ لَا يُقَالُ أَطْعَمَهُ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ يَقُولُ دَفَعْت عَنْ نَفْسِي الظُّلْمَ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِنْهُمْ مَنْ افْتَدَى وَمِنْهُمْ مَنْ حَلَفَ. اهـ. وَجَعَلَ الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ تَقْيِيدًا وَجَزَمَ بِهِ فِي شَامِلِهِ. الْحَطّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرِ، وَلَمْ أَرَ شَيْئًا يُعَارِضُ هَذَا الْإِطْلَاقَ، بَلْ رَأَيْت مَا يُقَوِّيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرُّبُعِ عَلَى عَدَمِ يَمِينٍ مُسْتَحَقَّةٍ وَعَلَى يَمِينِهِ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الرُّبُعِ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ. وَفِي مَسَائِلِ الْبُرْزُلِيُّ مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَاحْتَفَّتْ بِهِ قَرَائِنُ يَحْصُلُ لَهُ بِهَا الْعِلْمُ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ، وَلَهُ تَرْكُ الْحَلِفِ الْحَالَةَ هَذِهِ وَلَيْسَ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَذَكَرَ نُصُوصًا أُخْرَى فَانْظُرْهُ.

ص: 141

أَوْ السُّكُوتِ

ــ

[منح الجليل]

أَوْ) الصُّلْحُ عَلَى مُقْتَضَى (السُّكُوتِ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ إجَابَةِ دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ حَبْسٍ وَتَعْزِيرٍ، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ كَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطُ صُلْحِ الْإِنْكَارِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه، وَوَجْهُ جَعْلِهِ مِثْلَهُمَا كَوْنُهُ مُحْتَمِلًا لَهُمَا، فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِدِينَارٍ فَسَكَتَ ثُمَّ صَالَحَهُ بِدَرَاهِمَ مُؤَخَّرَةٍ فَلَا يَحِلُّ بِالنَّظَرِ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَجُوزُ لِأَنَّ حُكْمَ سُكُوتِهِ حُكْمُ إنْكَارِهِ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَّ مِنْ قَرْضٍ فَسَكَتَ ثُمَّ صَالَحَهُ بِدَرَاهِمَ فَيَمْتَنِعُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ إقْرَارِهِ بَعْدُ، وَأَنَّهُ مِنْ بَيْعٍ أَفَادَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ كَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ. إلَخْ، ظَاهِرُ كَلَامِ " غ " أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ مُقَابِلٌ لِلرَّاجِحِ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ قَوْلُ عِيَاضٍ حُكْمُ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ عَلَى قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَعًا، وَكَذَا قَالَ تت فِي كَبِيرِهِ، وَنَصُّهُ وَأَمَّا حُكْمُ السُّكُوتِ فَكَمَا قَدَّمْنَا عَنْ عِيَاضٍ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ. الْفَاكِهَانِيُّ وَهُوَ

ص: 142

أَوْ الْإِنْكَارِ، إنْ جَازَ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ،

ــ

[منح الجليل]

الْمَشْهُورُ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ مُحْرِزٍ فِيهِ حُكْمَ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْإِقْرَارِ، وَاعْتَبَرَ فِيهِ شَرْطَ صُلْحِ الْإِنْكَارِ. اهـ. فَجَعَلَ كَلَامَ ابْنِ مُحْرِزٍ مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ. طفي وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ يُمْنَعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اُنْظُرْ طفي.

وَقَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَّ مِنْ قَرْضٍ فَسَكَتَ إلَى قَوْلِهِ فَيَمْتَنِعُ بِالنَّظَرِ إلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. . . إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا إذَا أَنْزَلْنَا السُّكُوتَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُوَافِقٌ لِلْمُدَّعِي، وَإِنْ نَزَّلْنَاهُ مَنْزِلَةَ الْإِنْكَارِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مُحْرِزٍ وَاعْتَبَرْنَا فِيهِ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ فَلَا دَعْوَى لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَالٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ مُنِعَ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهَذَا بَعْدَهُ، إذْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ بِشَيْءٍ فَالشَّرْطُ جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فَقَطْ اهـ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ فَلَا يُعْتَبَرُ.

وَاعْتَرَضَ " ح " عِبَارَةَ ابْنِ مُحْرِزٍ قَائِلًا إذَا اعْتَبَرَ فِيهِ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ فَقَدْ اعْتَبَرَ فِيهِ حُكْمَ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ حُكْمَ الْمُعَاوَضَةِ مُعْتَبَرٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، وَيَزِيدُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رضي الله عنه بِاعْتِبَارِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ قَوْلَ أَصْبَغَ لَا يَأْتِي فِيهِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ رضي الله عنه بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَاسْتَشْكَلَهُ " ح " قَائِلًا فِي اعْتِبَارِ جَوَازِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ بَحْثٌ، إذْ السَّاكِتُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ حَبْسٌ وَأَدَبٌ ثُمَّ حُكْمٌ بِلَا يَمِينٍ.

(أَوْ) الصُّلْحُ عَلَى (الْإِنْكَارِ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَجُوزُ فِي الظَّاهِرِ. وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَإِنْ كَانَ الصَّادِقُ الْمُنْكِرَ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ بَاقِي مَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُسَامِحْهُ الْمُدَّعِي. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السُّكُوتَ غَيْرُ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ أَوْ الْإِنْكَارِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ مِنْ يَمِينٍ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ عِنْدَ مَالِكٍ رضي الله عنه وَهُوَ الْمَذْهَبُ، أَشَارَ لِاثْنَيْنِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (إنْ جَازَ) الصُّلْحُ (عَلَى دَعْوَى كُلٍّ) مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِطْلَاقُ الدَّعْوَى عَلَى الْإِنْكَارِ أَوْ السُّكُوتِ مَجَازٌ، إذْ مَعْنَاهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا ادَّعَى

ص: 143

وَعَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ

ــ

[منح الجليل]

بِهِ عَلَيَّ فَهَذَانِ شَرْطَانِ، أَوْ مَحَلُّ كَلَامِهِ إنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خُصُوصَ مَا ادَّعَى بِهِ الْمُدَّعِي، وَأَجَابَ بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ فَالشَّرْطُ جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فَقَطْ.

(وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ جَوَازُهُ (عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ) الشَّرْعِيِّ أَيْ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ تُهْمَةُ فَسَادٍ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَأَصْبَغُ أَمْرًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَنْ لَا تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادِ مِثَالٍ مُسْتَوْفِي الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ حَالَّةٍ فَيُنْكِرُهَا أَوْ يَسْكُتُ فَيُصَالِحُهُ عَنْهَا بِثَمَانِيَةٍ مُعَجَّلَةٍ، أَوْ بِعَرْضٍ حَالٍّ.

وَمِثَالُ مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَاهُمَا وَيُمْتَنَعُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةً فَيُنْكِرُهَا أَوْ يَسْكُتُ فَيُصَالِحُهُ عَلَى تَأْخِيرِهِ بِهَا أَوْ بِخَمْسِينَ مِنْهَا شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَخَّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَطْ أَوْ أَخَّرَهُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ بَعْضَ حَقِّهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ افْتَدَى مِنْ الْيَمِينِ بِمَا الْتَزَمَ دَفْعَهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، فَالسَّلَفُ التَّأْخِيرُ، وَالْمَنْفَعَةُ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي بِتَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ حِفْظِ الْحَقِّ عَنْ السُّقُوطِ بِحَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَذَا مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَجَائِزٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ.

وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَاهُمَا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ فَيَعْتَرِفَ بِالطَّعَامِ وَيُنْكِرُ الدَّرَاهِمَ فَيُصَالِحُهُ بِطَعَامٍ مُؤَجَّلٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ، أَوْ يَعْتَرِفُ بِالدَّرَاهِمِ وَيُصَالِحُهُ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ، فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِهِ وَفَسْخِهِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ أَوْ صَرْفٍ مُؤَخَّرٍ.

ص: 144

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحْدَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَيُنْكِرُهَا ثُمَّ يُصَالِحُهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ صَرْفُ مُؤَخَّرٍ، وَيَجُوزُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا افْتَدَى مِنْ الْيَمِينِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَجَائِزٌ عِنْدَ أَصْبَغَ، إذْ لَمْ تَتَّفِقْ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ.

وَمِثَالُ الْمُمْتَنِعِ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَّ قَمْحٍ مِنْ قَرْضٍ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ سَلَّمَ وَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَهُ بِدَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا مُعَجَّلَةٍ فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمُمْتَنِعٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَيَجُوزُ عِنْدَ أَصْبَغَ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُ أَيْ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ لَا مَعْنَى لَهُ، إذْ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَإِنْ فَرَضْنَاهُ الْجَوَازَ صَارَ الْمَعْنَى إنْ جَازَ عَلَى ظَاهِرِ الْجَوَازِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَإِنْ فُرِضَ غَيْرُهُ فَلَا مَعْنَى لَهُ أَيْضًا إذْ لَا يَكُونُ الْجَوَازُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَنْعِ مَثَلًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ مَا يَطْرَأُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَاصَمَةِ وَمَجْلِسِ الْفَصْلِ.

وَقَوْلُهُ مِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَاهُمَا. . . إلَخْ طفي اُنْظُرْ ذِكْرَهُمْ فِي الْمِثْلِ الْإِقْرَارُ الْمُخْتَلِطُ بِالْإِنْكَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَأَحْرَى عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ، فَالصَّوَابُ الِاقْتِصَارُ فِي التَّمْثِيلِ عَلَى مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَهُوَ الْإِنْكَارُ الْمَحْضُ، إذْ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِ عِيَاضٍ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَا نَصُّهُ وَحُكْمُ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ عَلَى قَوْلَيْهِمَا جَمِيعًا، فَمَا وَقَعَ مِنْ صُلْحٍ حَرَامٌ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ السُّكُوتِ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَالْبَيْعِ وَكَذَا مَا وَقَعَ مِنْ صُلْحٍ حَرَامٍ فِي صُلْحِ الْإِقْرَارِ الْمُخْتَلِطِ بِالْإِنْكَارِ فَيُصَالِحُهُ عَمَّا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ الْإِقْرَارُ لَمْ يَجُزْ، كَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ وَدَرَاهِمَ فَاعْتَرَفَ بِالطَّعَامِ وَأَنْكَرَ الدَّرَاهِمَ فَصَالَحَهُ بِطَعَامٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ لِأَجَلٍ، أَوْ اعْتَرَفَ بِالدَّرَاهِمِ فَصَالَحَهُ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ دَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ لِأَجَلٍ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُصَالِحٌ بِحَرَامٍ، إذْ الْحَرَامُ فِيمَا حَصَلَ فِيهِ إقْرَارُهُمَا قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَهُوَ مِمَّا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ لِأَنَّ الْحَرَامَ وَقَعَ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ إذَا كَانَ

ص: 145

وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ، فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا

ــ

[منح الجليل]

تَوَقُّعُ الْفَسَادِ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ الْمَحْضِ. اهـ. فَالصُّلْحُ فِي الْإِنْكَارِ الْمُخْتَلِطِ بِالْإِقْرَارِ فِيمَا ذُكِرَ وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ الْإِقْرَارُ فَهُوَ كَالصُّلْحِ فِي الْإِقْرَارِ الْمَحْضِ اهـ.

الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ مِنْ صُوَرِ الْإِقْرَارِ الْمُخْتَلِطِ بِالْإِنْكَارِ مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَالْمِثَالِ الْأَخِيرِ عِنْدَ " ز "، فَلَا وَجْهَ لِقَصْرِ الْخِلَافِ عَلَى صُوَرِ الْإِنْكَارِ الْمَحْضِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ مَا زَعَمَهُ مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ الِاقْتِصَارُ فِي التَّمْثِيلِ عَلَى مَحَلِّ الْخِلَافِ لَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ شُرُوطَ الْجَوَازِ فَاقْتَضَى مَفْهُومُهَا صُوَرَ الْأَبَدِ مِنْ التَّمْثِيلِ لَهَا، مِنْهَا مَا هُوَ مَحَلُّ خِلَافٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ، وَلَا يُقَالُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمُخْتَلِطِ بِالْإِنْكَارِ كَالصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمَحْضِ فَلَا يَنْدَرِجُ هُنَا، لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ فِي هَذَا غَيْرَ الْمُدَّعِي بِهِ، وَأَمْكَنَ جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَذَلِكَ أَدْرَجُوهُ فِي صُلْحِ الْإِنْكَارِ وَجَعَلُوا فِيهِ شُرُوطَهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ الْمَحْضِ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ الْجَوَازُ عَلَى دَعْوَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَلَا يَحِلُّ) الْمَالُ الْمُصَالَحُ بِهِ (لِلظَّالِمِ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِهِ لِلْمَظْلُومِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ حَكَمَ لَهُ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، إذْ قَوْلُهُ لِلظَّالِمِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ فِيمَا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ بَاطِنَهُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الْقَضَاءِ لَا أَحَلَّ حَرَامًا. وَأَمَّا مَا ظَاهِرُهُ كَبَاطِنِهِ فَيُحِلُّ الْحَرَامَ كَمَا أَفْتَى بِهِ " صر " كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَرُفِعَ الْخِلَافُ.

وَفُرِّعَ عَلَى مُقَدَّرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ أَيْ فَيَلْزَمُ إلَّا لِعَارِضٍ وَبَيَّنَ الْعَارِضَ، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ فَقَالَ (فَلَوْ أَقَرَّ) الظَّالِمُ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَوْ مُدَّعِيًا بِمَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ (بَعْدَهُ) أَيْ الصُّلْحِ فَلِلْمَظْلُومِ نَقْضُهُ، لِأَنَّهُ كَالْمَغْلُوبِ عَلَيْهِ (أَوْ شَهِدَتْ) لِلْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ (بَيِّنَةٌ) عَدْلَانِ، فَإِنْ شَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَلَا يُقْضَى بِنَقْضِ الصُّلْحِ قَالَهُ الْأَخَوَانِ وَعَبْدُ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ، نَقَلَهُ الْقَلْشَانِيُّ وَابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ (لَمْ يَعْلَمْهَا) أَيْ الْمَظْلُومُ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ لَهُ حِينَ عَقَدَ الصُّلْحَ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ فَلَهُ نَقْضُهُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهَا.

ص: 146

أَوْ أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا

وَجَدَ وَثِيقَتَهُ بَعْدَهُ:

ــ

[منح الجليل]

(أَوْ) صَالَحَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ يَعْلَمُهَا غَائِبَةٌ بِبَعِيدٍ جِدًّا كَأَفْرِيقِيَّةِ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْأَنْدَلُسِ (وَأَشْهَدَ) الْمَظْلُومُ (وَأَعْلَنَ) أَيْ أَظْهَرَ الْإِشْهَادَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي غَيْبَةِ الظَّالِمِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَظْلُومَ (يَقُومُ بِ) شَهَادَةِ (هَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الظَّالِمِ إذَا حَضَرَتْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلِنْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا لَا إنْ عَلِمَهَا وَقْتَ الصُّلْحِ وَقَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لَا جِدًّا فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهَا وَلَوْ أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا.

(أَوْ) صَالَحَ عَلَى إنْكَارٍ لِعَدَمِ وَثِيقَتِهِ ثُمَّ (وَجَدَ) الْمَصَالِحُ (وَثِيقَتَهُ) أَيْ الْحَقَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ (بَعْدَهُ) أَيْ الصُّلْحِ وَقَدْ كَانَ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا إنْ وَجَدَهَا (فَلَهُ) أَيْ الْمَظْلُومِ (نَقْضُهُ) أَيْ الصُّلْحِ فِي الْأَرْبَعِ مَسَائِلَ اتِّفَاقًا، وَلَهُ إمْضَاؤُهُ فَإِنْ نَسِيَهَا حَالَ الصُّلْحِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ أَيْضًا وَالْقِيَامُ بِهَا بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهَا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَلَهُ نَقْضُهُ وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ الصُّلْحِ إبْرَاءٌ عَامٌّ وَعَلَيْهِ. " صر " وَشَيْخُهُ بُرْهَانُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ فَيُقَيِّدُ قَوْلَهُ الْآتِي إنْ أَبْرَأَ فُلَانًا مِمَّا لَهُ قَبْلَهُ بَرِئَ مُطْلَقًا إلَخْ، بِمَا إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ الْحَقِّ، وَأَمَّا إنْ أَبْرَأَهُ مَعَ الصُّلْحِ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ فَلَا يُبَرَّأُ، أَيْ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَلَى دَوَامِ صِفَةِ الصُّلْحِ لَا إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ، فَلَمَّا لَمْ يَتِمَّ جَعَلَ لَهُ الشَّارِعُ نَقْضَهُ وَلَمْ يَنْفَعْهُ إبْرَاؤُهُ، وَبِهَذَا سَقَطَ مَا يُقَالُ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِهِ صَحَّ وَلَزِمَ فَأَوْلَى مِنْ بَعْضِهِ أَفَادَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ فِي الْأَرْبَعِ مَسَائِلَ اتِّفَاقًا إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ الثَّانِيَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَلَفْظُ ضَيْح وَهُنَا ثَمَانِ مَسَائِلَ أَرْبَعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَأَرْبَعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَالْأُولَى إذَا صَالَحَ ثُمَّ أَقَرَّ، وَالثَّانِيَةُ إذَا أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ. وَالثَّالِثَةُ إذَا ذَكَرَ ضَيَاعَ صَكِّهِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَهُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ اُتُّفِقَ فِيهَا عَلَى الْقَبُولِ. وَالرَّابِعَةُ إذَا ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ فَقِيلَ لَهُ حَقُّك ثَابِتٌ فَائِتٌ بِهِ فَصَالَحَ ثُمَّ وَجَدَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ. وَأَمَّا الْأَرْبَعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا إذَا غَابَتْ بَيِّنَتُهُ وَأَشْهَدَ سِرًّا أَوْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِحَقِّهِ بَعْدَ الصُّلْحِ لَمْ يَعْلَمْهَا وَالْمَشْهُورُ فِيهِمَا الْقَبُولُ. وَالثَّانِيَةُ إذَا صَالَحَ وَهُوَ عَالِمٌ بِبَيِّنَتِهِ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ. وَالرَّابِعَةُ مَنْ يُقِرُّ سِرًّا وَيَجْحَدُ عَلَانِيَةً وَذُكِرَ الْخِلَافَ اهـ.

ص: 147

كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ، أَوْ يُقِرَّ سِرًّا فَقَطْ عَلَى الْأَحْسَنِ فِيهِمَا

ــ

[منح الجليل]

قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ الصُّلْحِ إبْرَاءٌ. إلَخْ ظَاهِرٌ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الصُّلْحِ الْإِبْرَاءُ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ فِي الصُّلْحِ عَدَمَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ بَيِّنَةً فَلَا قِيَامَ لَهُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَاشِرٍ، وَنَصُّهُ قَوْلُهُ فَلَهُ نَقْضُهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هَارُونَ فِي اخْتِصَارِ الْمُتَيْطِيِّ، فَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ فِي وَثِيقَةِ الصُّلْحِ أَنَّهُ مَتَى قَامَ عَلَيْهِ فِيمَا ادَّعَاهُ فَقِيَامُهُ بَاطِلٌ وَحُجَّتُهُ دَاحِضَةٌ، وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي تَشْهَدُ لَهُ زُورٌ الْمُسْتَرْعَاةُ وَغَيْرُهَا، وَأَسْقَطَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الِاسْتِرْعَاءَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ مَا تَكَرَّرَ فَلَا تُسْمَعُ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ هَذَا الْإِبْرَاءِ بَيِّنَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَارِفًا بِهَا حِينَ الصُّلْحِ أَمْ لَا، وَإِنْ سَقَطَ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْوَثِيقَةِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَعْرِفْهَا اهـ.

وَشَبَّهَ فِي النَّقْضِ فَقَالَ (كَ) صُلْحِ (مَنْ) أَيْ مَظْلُومٍ غَابَتْ بَيِّنَتُهُ وَبَعُدَتْ جِدًّا فَأَشْهَدَ سِرًّا أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُ لِغَيْبَتِهَا وَأَنَّهَا إنْ قَدِمَتْ قَامَ بِهَا (وَلَمْ يُعْلِنْ) الْإِشْهَادَ عِنْدَ حَاكِمٍ ثُمَّ قَدِمَتْ بَيِّنَتُهُ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَنَقْضُ الصُّلْحِ عَلَى الْمَشْهُورِ (أَوْ) صُلْحِ مَظْلُومٍ (يُقِرُّ) لَهُ ظَالِمُهُ بِحَقِّهِ عِنْدَهُ (سِرًّا) فِيمَا بَيْنَهُمَا حِينَ لَمْ يَحْضُرْهُمَا مَنْ يَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِ وَيَجْحَدُهُ عَلَانِيَةً حِينَ حُضُورِ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ طَلَبِهِ عَاجِلًا أَوْ حَسْبُهُ بَعْدَ إشْهَادِ الْمَظْلُومِ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِيَطْمَئِنَّ وَيَأْمَنَ مِنْ ذَلِكَ وَيُقِرَّ عَلَانِيَةً فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِبَاقِي حَقِّهِ، فَإِنْ أَقَرَّ الظَّالِمُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلِمَنْ صَالَحَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي اسْتَرْعَاهَا وَنَقْضُ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِبَاقِي حَقِّهِ (عَلَى الْأَحْسَنِ فِيهِمَا) أَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَ الْكَافِ. وَأَشَارَ بِالْأَحْسَنِ فِي الثَّانِيَةِ لِفَتْوَى بَعْضِ أَشْيَاخِ شَيْخِهِ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَمُقَابِلُهُ لِمُطَرِّفٍ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَى فَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهَا ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ وَاسْتَظْهَرَ فِيهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَ الْقِيَامِ عَكْسَ قَوْلِهِ عَلَى الْأَحْسَنِ، وَأَكْثَرُ النُّسَخِ لَيْسَ فِيهِ فِيهِمَا. فَإِنْ قُلْت لَعَلَّ عَلَى الْأَحْسَنِ خَاصٌّ بِالثَّانِيَةِ. قُلْت هُوَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِيمَنْ لَمْ يُعْلِنْ بِالْإِشْهَادِ، فَلَا يَكُونُ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُعْلِنِ وَغَيْرِهِ فَائِدَةٌ، وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي يَشْهَدُهَا سِرًّا عَلَى عَدَمِ الْتِزَامِ الصُّلْحِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ تُسَمَّى بَيِّنَةَ الِاسْتِرْعَاءِ، أَيْ إيدَاعَ الشَّهَادَةِ.

ص: 148

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ إنْ صَالَحَهُ عَلَى تَأْخِيرِهِ سَنَةً، وَأَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ وَإِنْ قَدِمَتْ قَامَ بِهَا فَقِيلَ لَهُ الْقِيَامُ بِهَا إنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُهُ فَيَجْحَدُهُ، وَقِيلَ لَا قِيَامَ لَهُ بِهَا. قَالَ مُطَرِّفٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمَطْلُوبَ بَعْدِ إنْكَاره، وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى تَأْخِيرِهِ سَنَةً بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى إنْكَارِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِيُقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ ثُمَّ صَالَحَهُ وَأَقَرَّ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَفِي لُزُومِ أَخْذِهِ بِإِقْرَارِهِ وَلَغْوِ صُلْحِهِ عَلَى تَأْخِيرِهِ وَلَغْوِ إقْرَارِهِ وَلُزُومِ صُلْحِهِ بِتَأْخِيرِهِ نَقَلَا الصِّقِلِّيِّ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَائِلًا، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ. قُلْت وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ وَالْمُوَثِّقِينَ وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَحْكِ عَنْ الْمَذْهَبِ غَيْرَهُ.

وَحَكَى الْمُتَيْطِيُّ ثَانِيًا لَهُ عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَنْفَعُ إشْهَادُ السِّرِّ إلَّا عَلَى مَنْ لَا يُنْتَصَفُ مِنْهُ كَالسُّلْطَانِ وَالرَّجُلِ الْقَاهِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِي فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ حَاصِلُ حَقِيقَةِ الِاسْتِرْعَاءِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي وَقْتِنَا إيدَاعًا هُوَ إشْهَادُ الطَّالِبِ أَنَّهُ طَلَبَ فُلَانًا، وَأَنَّهُ أَنْكَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ إنْكَارُهُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَأَنَّهُ مَهْمَا أَشْهَدَ بِتَأْخِيرِهِ إيَّاهُ بِحَقِّهِ أَوْ بِوَضِيعَةِ شَيْءٍ مِنْهُ أَوْ بِإِسْقَاطِ بَيِّنَةِ الِاسْتِرْعَاءِ فَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ لِيُقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ وَشَرْطُهُ تَقَدُّمُهُ عَلَى الصُّلْحِ، فَيَجِبُ تَعْيِينُ وَقْتِهِ بِيَوْمِهِ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ هُوَ مِنْ يَوْمِهِ خَوْفَ اتِّحَادِ يَوْمِهِمَا، فَإِنْ اتَّحَدَ دُونَ تَعْيِينِ جُزْءِ الْيَوْمِ لَمْ يُفِدْ اسْتِرْعَاؤُهُ.

الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ وَلَا يَنْفَعُ الِاسْتِرْعَاءُ إلَّا مَعَ ثُبُوتِ إنْكَارِ الْمَطْلُوبِ وَرُجُوعِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ إلَى الْإِقْرَارِ، فَإِنْ ثَبَتَ إنْكَارُهُ وَتَمَادَى عَلَيْهِ بَعْدَ صُلْحِهِ لَمْ يُفِدْ اسْتِرْعَاؤُهُ شَيْئًا، وَقَوْلُ الْعَوَامّ صُلْحُ الْمُنْكِرِ إثْبَاتٌ لِحَقِّ الطَّالِبِ جَهْلٌ، وَقَوْلُهُمْ فِي الصُّلْحِ تَسَاقَطَا الِاسْتِرْعَاءُ وَالِاسْتِرْعَاءُ فِي الِاسْتِرْعَاءِ، لِأَنَّهُ إذَا اسْتَرْعَى وَقَالَ فِي اسْتِرْعَائِهِ مَتَى أَشْهَدَ بِقَطْعِ اسْتِرْعَائِهِ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِتَحْصِيلِ إقْرَارِ خَصْمِهِ لَمْ يَضُرَّهُ إسْقَاطُهُ فِي الصُّلْحِ اسْتِرْعَاؤُهُ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي اسْتِرْعَائِهِ أَنَّهُ مَتَى أَسْقَطَ اسْتِرْعَاءَهُ فَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لَهُ كَإِنَّ إسْقَاطُهُ فِي صُلْحِهِ اسْتِرْعَاءَهُ مُسْقِطًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

ص: 149

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَإِذَا قُلْت إنَّهُ قَطَعَ الِاسْتِرْعَاءَ وَالِاسْتِرْعَاءَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ ثُمَّ اسْتَرْعَى وَقَالَ إنَّهُ مَتَى أَشْهَدَ بِقَطْعِ الِاسْتِرْعَاءِ فَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لَهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ لِتَحْصِيلِ إقْرَارِ خَصْمِهِ لَمْ يُفِدْهُ، إذْ لَا اسْتِرْعَاءَ، زَادَ الْمُتَيْطِيُّ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ فِيهِ تَنَازُعٌ وَالْأَحْسَنُ مَا قَدَّمْنَاهُ. قُلْت وَلِابْنِ رُشْدٍ كَلَامٌ فِي هَذَا مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ. اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَرْعٌ إذَا أَشْهَدَ فِي السِّرِّ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِأَجْلِ إنْكَارِهِ وَأَنَّهُ مَتَى وَجَدَ بَيِّنَةً قَامَ بِهَا فَالصُّلْحُ غَيْرُ لَازِمٍ إذَا ثَبَتَ إنْكَارُهُ وَثَبَتَ الْحَقُّ، وَغَايَةُ مَا عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا عُلِمَ بِبَيِّنَتِهِ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا يَنْفَعُهُ مَا أَشْهَدَ بِهِ فِي السِّرِّ. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ لَا يَنْفَعُ إشْهَادُ السِّرِّ إلَّا عَلَى مَنْ لَا يُنْتَصَفُ مِنْهُ كَالسُّلْطَانِ وَالرَّجُلِ الْقَاهِرِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِشْهَادُ السِّرِّ فِيهِ بَاطِلٌ.

(فَرْعٌ) : إنْ تَقَيَّدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُودِعْ شَهَادَتَهُ يَعْنِي اسْتِرْعَاءً. وَمَتَى قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ

ص: 150

لَا إنْ عَلِمَ بِبَيِّنَتِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ، فَقِيلَ لَهُ: حَقُّك ثَابِتٌ بِهِ فَائِتٌ بِهِ، فَصَالَحَ ثُمَّ وَجَدَهُ.

ــ

[منح الجليل]

بِذَلِكَ فَهِيَ كَاذِبَةٌ. قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَكَثِيرًا مَا يُكْتَبُ عِنْدَنَا بِقَفِصَةٍ، وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَسْقَطَ الِاسْتِرْعَاءَ سَقَطَ.

(فَرْعٌ) : لَوْ قَالَ فِي اسْتِرْعَائِهِ: وَمَتَى أَشْهَدْت عَلَى نَفْسِي أَنِّي قَطَعْت الِاسْتِرْعَاءَ وَالِاسْتِرْعَاءَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ إلَى أَقْصَى تَنَاهِيهِ فَإِنَّمَا أَفْعَلُهُ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ، وَأَنِّي غَيْرُ قَاطِعٍ لِشَيْءٍ مِنْهُ وَأَرْجِعُ فِي حَقِّي فَحَكَى صَاحِبُ الطُّرَرِ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّهُ مَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَنَّهُ إنْ قَالَ فِي اسْتِرْعَائِهِ مَتَى أَشْهَدْت بِقَطْعِ الِاسْتِرْعَاءِ فَإِنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ اسْتِجْلَابًا لِإِقْرَارِ خَصْمِي فَلَهُ الْقِيَامُ وَلَا يَضُرُّهُ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ إسْقَاطِ الْبَيِّنَاتِ الْمُسْتَرْعَاةِ. وَإِنْ قَالَ أَنَّهُ أُسْقِطُ الِاسْتِرْعَاءَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِاسْتِرْعَائِهِ. وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ وَفِيهِ تَنَازُعٌ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الطُّرَرِ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الصُّلْحِ بِإِنْكَارِهِ، وَالْمُكْرَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قِيلَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ اسْتِرْعَاؤُهُ مُطْلَقًا لَكَانَ وَجْهًا إذَا ثَبَتَ إنْكَارُهُ. اهـ. كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ

(لَا) يُنْقَضُ الصُّلْحُ (إنْ عَلِمَ) الْمَظْلُومُ الْمُصَالَحُ عَلَى إنْكَارٍ حِينَ الصُّلْحِ بِبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ لَهُ (وَلَمْ يُشْهِدْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الْمَظْلُومُ قَبْلَ صُلْحِهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا بَعْدَ الصُّلْحِ فَلَيْسَ لَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً غَيْبَةً بَعِيدَةً جِدًّا وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الصُّلْحِ لِقُوَّةِ أَمْرِ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ أَوْ هِبَةٌ، وَلِأَنَّهُ كَالتَّارِكِ لَهَا حِينَ الصُّلْحِ (أَوْ ادَّعَى) الطَّالِبُ (ضَيَاعَ الصَّكِّ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَشَدِّ الْكَافِ أَيْ الْوَثِيقَةِ الْمَكْتُوبِ حَقُّهُ فِيهَا (فَقِيلَ لَهُ) أَيْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلطَّالِبِ (حَقُّك ثَابِتٌ) إنْ أَتَيْت بِهِ (فَأْتِ) بِهَمْزٍ فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ الْإِتْيَانِ (بِهِ) أَيْ الصَّكِّ وَخُذْ حَقَّك (فَ) لَمْ يَأْتِ بِهِ وَ (صَالَحَ) الطَّالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (ثُمَّ وَجَدَهُ) أَيْ الطَّالِبُ الصَّكَّ فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهِ وَلَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الصَّكِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَقَوْلِهِ أَوْ وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ أَقَرَّ إقْرَارًا مُعَلَّقًا عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّكِّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ الطَّالِبُ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ، وَمَا سَبَقَ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى

ص: 151

وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرْضٍ وَوَرِقٍ وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مُورِثِهَا مِنْهُ فَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ،

ــ

[منح الجليل]

عَلَيْهِ فِيهِ الْحَقُّ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَشْهَدَ الطَّالِبُ أَنَّهُ يُصَالِحُهُ لِضَيَاعِ صَكِّهِ بِدُونِ الْتِزَامٍ، وَأَنَّهُ مَتَى وَجَدَهُ يَقُومُ بِهِ الْبُنَانِيُّ.

هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَنَصُّهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ غَرِيمَهُ فِي هَذِهِ مُعْتَرِفٌ، وَإِنَّمَا طَلَبَهُ بِإِحْضَارِ صَكِّهِ لِيَمْحُوَ مَا فِيهِ فَرَضِيَ الطَّالِبُ بِإِسْقَاطِهِ وَاسْتَعْجَلَ حَقَّهُ، وَالْأَوَّلُ أَنْكَرَ الْحَقَّ وَقَدْ أَشْهَدَ طَالِبُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِضَيَاعِ وَثِيقَتِهِ إلَخْ، فَقَوْلُ " ز " مُقِرٌّ لَا مُطْلَقًا، بَلْ بِشَرْطٍ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ مُقِرٌّ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) إنْ مَاتَ زَوْجٌ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ أَوْ أَبٍ وَتَرِكَتُهُ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَعَرْضٌ وَأَرَادَ ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ صُلْحَ زَوْجَتِهِ جَازَ الصُّلْحُ (عَنْ إرْثِ زَوْجَةِ) مَثَلًا (مِنْ عَرْضٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ (وَوَرِقٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ فِضَّةٍ وَسَوَاءٌ حَضَرَ الْعَرْضُ وَالْوَرِقُ أَوْ غَابَا (وَذَهَبٍ) لِزَوْجِهَا الْمَيِّتِ وَصْلَةُ الصُّلْحِ (بِذَهَبٍ مِنْ) ذَهَبِ (التَّرِكَةِ قَدَّرَ مُوَرِّثُهَا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ (مِنْهُ) أَيْ الذَّهَبِ كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ ثَمَانِينَ دِينَارًا مَعَ فَرْعٍ وَارِثٍ أَوْ أَرْبَعِينَ مَعَ عَدَمِهِ حَاضِرَةً كُلَّهَا، فَإِنْ غَابَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَخَذَتْ حَظَّهَا مِنْ الْحَاضِرِ فَقَطْ (فَأَقَلُّ) مِنْ مُوَرِّثِهَا كَخَمْسَةٍ مِنْ ثَمَانِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ حَضَرَ الْعَرْضُ وَالدَّرَاهِمُ أَمْ لَا، كَانَ حَظُّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرَ صَرْفِ دِينَارٍ أَمْ لَا، وَقِيمَةُ حَظِّهَا مِنْ الْعَرْضِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَخَذَتْ حَظَّهَا أَوْ بَعْضَهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَوَهَبَتْ حَظَّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْعَرْضِ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ، فَإِنْ حَازُوهُ قَبْلَ مَانِعِ هِبَتِهَا تَمَّتْ وَإِلَّا فَلَا.

(أَوْ أَكْثَرُ) مِنْ مُوَرِّثِهَا مِنْ الذَّهَبِ كَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ (إنْ) حَضَرَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا وَ (قَلَّتْ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ أَيْ نَقَصَتْ (الدَّرَاهِمُ) الَّتِي وَرِثَتْهَا عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ أَوْ قَلَّتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ عَنْهُ، أَوْ كَانَ مَا أَخَذَتْهُ زَائِدًا عَلَى حَظِّهَا دِينَارًا وَاحِدًا بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ لِأَخْذِ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَبَيْعِهَا

ص: 152

لَا مِنْ غَيْرِهَا مُطْلَقًا، إلَّا بِعَرْضٍ إنْ عَرَفَ جَمِيعَهَا وَحَضَرَ، وَأَقَرَّ الْمَدِينُ وَحَضَرَ

ــ

[منح الجليل]

لِبَاقِي الْوَرَثَةِ حَظَّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْعَرْضِ بِمَا زَادَ عَلَى حَظِّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِيهِ.

فَإِنْ قَلَّتْ إذَا كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ وَقَلَّتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ فَلِمَ جَازَ. قُلْت لِأَنَّهُ لَمَّا قَلَّ الْعَرْضُ صَارَ غَيْرَ مَنْظُورٍ إلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الصَّرْفُ. فَإِنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ وَقِيمَةُ الْعَرْضِ وَأَخَذَتْ عَنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ امْتَنَعَ لِاجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ، فَالشَّرْطُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَقَطْ.

(لَا) يَجُوزُ صُلْحُهَا بِشَيْءٍ (مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ التَّرِكَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً قَلَّ أَوْ كَثُرَ، حَضَرَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا أَمْ لَا لِأَنَّهُ بَيْعُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَعَرْضٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَهَذَا رِبَا فَضْلٍ وَفِيهِ رِبَا النَّسَاءِ إنْ غَابَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَلَوْ الْعَرْضَ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ النَّقْدِ إذَا صَاحَبَهُ (إلَّا) صُلْحُهَا (بِعَرْضٍ) مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ فَيَجُوزُ (إنْ عَرَفَا) أَيْ الْمُصْطَلَحَانِ (جَمِيعَهَا) أَيْ التَّرِكَةِ لِيَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مَعْلُومًا لَهُمَا.

(وَ) إنْ (حَضَرَ) جَمِيعُ التَّرِكَةِ حَقِيقَةً فَقَطْ فِي الْعَيْنِ أَوْ وَلَوْ حُكْمًا فِي غَيْرِهَا بِقُرْبِ غَيْبَتِهِ بِحَيْثُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ لِلسَّلَامَةِ مِنْ النَّقْدِ فِي الْغَائِبِ، بِشَرْطٍ (وَ) إنْ (أَقَرَّ الدَّيْنَ) بِمَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَلَوْ عَرْضًا (وَحَضَرَ) الْمَدِينُ وَقْتَ الصُّلْحِ، إذْ لَوْ غَابَ لَاحْتَمَلَ إنْكَارَهُ إذَا حَضَرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَلَوْ ثَبَتَ إقْرَارُهُ فِي غَيْبَتِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ لَهُ مِدْفَعًا فِيمَا يَثْبُتُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ

ص: 153

وَعَنْ دَرَاهِمَ وَعَرْضٍ تُرِكَا بِذَهَبٍ: كَبَيْعٍ وَصَرْفٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ، فَكَبَيْعِهِ

وَعَنْ الْعَمْدِ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ

ــ

[منح الجليل]

دَيْنًا يُبَاعُ وَهُوَ يُحَقِّقُ أَنَّهُ لَا مَدْفَعَ لَهُ فِيهِ، وَلِلِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِهِ فَقَدْ لَا تَرْتَضِي مُعَامَلَتَهُ وَكَانَ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَكَانَ الْعَرْضُ الْمُصَالَحُ بِهِ مُخَالِفًا لِلْعَرْضِ الَّذِي عَلَى الْمَدِينِ لِأَنَّهُ لَوْ وَافَقَهُ لَكَانَ سَلَفًا لَهَا بِمَنْفَعَةٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَا يُصَالِحُهَا بِهِ أَقَلُّ مِنْ حَقِّهَا.

(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ إنْ عَرَفَا جَمِيعَهَا شُرُوطٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ أَيْضًا، قَالَهُ الْبُنَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ

. (وَ) جَازَ الصُّلْحُ لِلزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا (عَنْ) حَظِّهَا مِنْ (دَرَاهِمَ) أَوْ مِنْ ذَهَبٍ (وَعَرْضٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ (تُرِكَا) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ تَرَكَهُمَا مَيِّتٌ لِوَرَثَتِهِ (بِذَهَبٍ) أَوْ فِضَّةٍ مِنْ مَالِ الْمُصَالِحِ حَالَ كَوْنِهِ (كَ) ااجْتِمَاعِ (بَيْعِ وَصَرْفِ) بِأَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا بِأَنْ يُصَالِحَهَا بِدِينَارٍ وَاحِدٍ أَوْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ، وَحَظُّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَقَلُّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ، أَوْ يَكُونُ الْعَرْضُ يَسِيرًا جِدًّا لَا يُعْتَبَرُ فِي اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ.

(وَإِنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ التَّرِكَةِ الْمُصَالَحِ عَنْ حَظِّ وَارِثٍ مِنْهَا (دَيْنٍ) لِلْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ عُرُوضٌ (فَ) الصُّلْحُ عَنْ حَظِّ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْهُ حُكْمُهُ (كَ) حُكْمِ (بَيْعِهِ) أَيْ الدَّيْنِ فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْمَدِينِ وَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ وَكَوْنُهُ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ، وَكَوْنُ الدَّيْنِ لَيْسَ طَعَامًا مِنْ سَلَمٍ. عب وَالْخَرَشِيُّ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ اسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ عَلَى الْفُرُوعِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا فَقَوْلُهُ وَعَنْ دَرَاهِمَ إلَخْ يُغْنِي عَنْهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ إلَخْ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ وَأَقَرَّ الْمَرِيضُ وَحَضَرَ

. (وَ) جَازَ الصُّلْحُ (عَنْ) جِنَايَةِ (الْعَمْدِ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهَا (بِمَا) أَيْ مَالٍ (قَلَّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا، أَيْ نَقَصَ عَنْ دِيَةِ الْجِنَايَةِ لَوْ كَانَتْ خَطَأً (وَ) بِمَا (كَثُرَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ زَادَ عَلَيْهَا مُعَيَّنًا قَدْرُهُ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ لَا دِيَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ مَجَّانًا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرَ الْمَالِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ انْعَقَدَ الصُّلْحُ وَلَزِمَ الْجَانِي دِيَةَ خَطَأٍ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَمَفْهُومُ الْعَمْدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْخَطَأِ بِأَقَلَّ مِنْ دِيَتِهِ لِأَقْرَبَ مِنْ أَجَلِهَا لِضَعْ وَتَعَجَّلْ وَلَا بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِمَنْفَعَةٍ، وَكَذَا الْعَمْدُ الَّذِي لَا

ص: 154

لَا غَرَرٍ كَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ؛

ــ

[منح الجليل]

قِصَاصَ فِيهِ وَلَهُ دِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ كَجَائِفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

. (لَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ بِذِي (غَرَرٍ كَ) الصُّلْحِ عَنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ بِ (رِطْلٍ مِنْ) لَحْمِ (شَاةٍ) حَيَّةٍ أَوْ قَبْلَ سَلْخِهَا لِجَهْلِ صِفَةِ لَحْمِهَا. تت أَطْلَقَ هُنَا وَقَيَّدَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِالْحَيَّةِ فَفِيهَا وَإِذَا ادَّعَيْت عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا فَصَالَحَك مِنْهُ بِعَشَرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ حَيَّةٍ لَمْ يَجُزْ. طفي أَبُو الْحَسَنِ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَفُهِمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ بِالرِّطْلِ مَنْعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى، وَجَوَازُهُ بِجَمِيعِ الشَّاةِ الْحَيَّةِ أَوْ الْمَذْبُوحَةِ قَبْلَ سَلْخِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْبَيْعِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حِينَئِذٍ جَمِيعُهَا الْحَاضِرُ الْمُشَاهَدُ لَا بَعْضُ لَحْمِهَا الْمُغَيَّبِ، فَإِنْ سُلِخَتْ جَازَ الصُّلْحُ بِرِطْلٍ مِنْ لَحْمِهَا إذْ لَا غَرَرَ فِيهِ، وَمِمَّا فِيهِ الْغَرَرُ ثَمَرَةٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، فَإِنْ وَقَعَ ارْتَفَعَ الْقِصَاصُ وَقَضَى بِدِيَةِ عَمْدٍ.

ابْنُ رَاشِدٍ لَوْ صَالَحَ الْجَانِي عَلَى ارْتِحَالِهِ مِنْ بَلَدِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقِصَاصِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُنْقَضُ الصُّلْحُ وَلِلْمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصُ. وَقَالَ أَصْبَغُ وَالْمُغِيرَةُ يَمْضِي وَيُحْكَمُ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ

ص: 155

وَلِذِي دَيْنٍ: مَنْعُهُ مِنْهُ

وَإِنْ رُدَّ مُقَوَّمٌ بِعَيْبٍ، أَوْ اُسْتُحِقَّ، رُجِعَ بِقِيمَتِهِ

ــ

[منح الجليل]

أَبَدًا عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ سَحْنُونٌ، وَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَرْتَحِلْ أَوْ ارْتَحَلَ ثُمَّ عَادَ وَكَانَ الدَّمُ ثَابِتًا فَلَهُمْ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ. أَوْ إنْ كَانَ لَمْ يَثْبُتْ فَهُمْ عَلَى حُجَّتِهِمْ.

(وَلِذِي) أَيْ صَاحِبِ (دَيْنٍ) مُحِيطٍ بِمَالٍ الْجَانِي عَمْدًا عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَالِحَ الْمُسْتَحِقَّ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (مَنْعُهُ) أَيْ الْجَانِي (مِنْهُ) أَيْ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ فِي نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ إذْ هُوَ إتْلَافٌ لِمَالِهِ فِيمَا لَمْ يُعَامِلْهُ عَلَيْهِ كَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ، وَلَيْسَ كَإِنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ عَامَلُوهُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَدَّمَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ وَأَعْضَائِهِ وَهُمْ مُؤَخَّرُونَ عَنْ الْقُوتِ الَّذِي يَحْفَظُ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ ظَلَمَ بِجِنَايَتِهِ فَلَا يَلْحَقُ ظُلْمُهُ غُرَمَاءَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَظْلِمْ فِي الْقُوتِ مَعَ اضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَمُعَامَلَتُهُمْ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ كَانَ غَيْرُ الدَّيْنِ غَيْرَ مُحِيطٍ بِمَالِ الْجَانِي فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ مِنْ الصُّلْحِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ بِمَا بَقِيَ وَلَوْ بِتَحْرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ التَّكَسُّبُ

(وَإِنْ) صَالَحَ بِمُقَوَّمٍ عَنْ جِنَايَةِ عَمْدٍ مُطْلَقًا أَوْ خَطَأٍ عَلَى إنْكَارِ وَ (رُدَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ شَيْءٌ (مُقَوَّمٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالْوَاوِ مُشَدَّدَةً كَعَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ مُصَالَحٍ بِهِ عَنْ جِنَايَةِ عَمْدٍ مُطْلَقًا أَوْ خَطَأٍ عَلَى إنْكَارِ وَصْلَةِ رَدٍّ (بِعَيْبٍ) ظَهَرَ فِيهِ بَعْدَ الصُّلْحِ (أَوْ اُسْتُحِقَّ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ذَلِكَ الْمُقَوَّمُ الْمُعَيَّنُ الْمُصَالَحُ بِهِ أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ (رَجَعَ) رَادُّهُ بِعَيْبٍ أَوْ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ بِالْفَتْحِ عَلَى دَافِعِهِ (بِقِيمَتِهِ) أَيْ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ أَوْ الْمُسْتَحَقِّ مُعْتَبَرَةٌ يَوْمَ عَقْدِ الصُّلْحِ، نَقَلَهُ الْحَطّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ سَلِيمًا صَحِيحًا لَا بِمَا صُولِحَ عَنْهُ، إذْ لَيْسَ لِجِنَايَةِ الْعَمْدِ دِيَةٌ وَلَا لِلْخِصَامِ فِي الْإِنْكَارِ قِيمَةٌ فَيَرْجِعُ بِهَا، وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ فَفِي غَيْرِ الدَّمِ يَرْجِعُ فِي الْمُقِرِّ بِهِ إنْ لَمْ يَفُتْ، وَيُعَوِّضُهُ إنْ فَاتَ. وَفِي الدَّمِ يَرْجِعُ لِلدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَوَّمُ الْمُصَالَحُ بِهِ الْمَرْدُودُ بِعَيْبٍ أَوْ الْمُسْتَحَقُّ مَوْصُوفًا رَجَعَ بِمِثْلِهِ مُطْلَقًا.

ص: 156

كَنِكَاحٍ، وَخُلْعٍ

وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ، أَوْ قَطَعُوا جَازَ صُلْحُ كُلٍّ؛ وَالْعَفْوُ عَنْهُ

ــ

[منح الجليل]

وَشَبَّهَ فِي الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْمُقَوَّمِ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ أَوْ الْمُسْتَحَقِّ فَقَالَ (كَنِكَاحٍ) بِصَدَاقٍ مُقَوَّمٍ مُعَيَّنٍ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَرَدَّتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ عَقْدِ النِّكَاحِ بِهِ سَلِيمًا صَحِيحًا (وَ) كَ (خُلْعٍ) بِمُقَوَّمٍ مُعَيَّنٍ رَدَّهُ الزَّوْجُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِعَيْبٍ ظَهَرَ فِيهِ أَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْخُلْعِ سَلِيمًا صَحِيحًا، وَكَذَا إنْ كَانَ الصَّدَاقُ أَوْ الْمُخَالَعُ بِهِ شِقْصًا أُخِذَ بِشُفْعَةٍ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ، وَكَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ السَّبْعَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِقَوْلِهِ وَفِي عَرْضٍ بِعَرْضٍ بِمَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ أَوْ قِيمَتِهِ إلَّا نِكَاحًا وَخُلْعًا وَصُلْحَ عَمْدٍ، أَيْ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ وَمُقَاطَعًا بِهِ عَنْ عَبْدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ عُمْرَى اهـ. وَالطَّارِئُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا إمَّا عَيْبٌ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ فَهِيَ إحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي سَبْعَةٍ نَظَمَهَا (غ) فِي بَيْتٍ وَهُوَ:

صُلْحَانِ عِتْقَانِ وَبُضْعَانِ مَعًا

عُمْرَى لِأَرْشِ عِوَضٍ بِهِ ارْجِعَا

(وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ) قَتِيلًا مَعْصُومًا عَمْدًا عُدْوَانًا مُكَافِئًا لَهُمْ بِتَمَالُؤٍ، أَوْ اسْتَوَتْ أَفْعَالُهُمْ أَوْ لَمْ تَتَمَيَّزْ (أَوْ قَطَعُوا) عُضْوَ مَعْصُومٍ كَذَلِكَ (جَازَ) لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ (صُلْحُ كُلٍّ) مِنْ الْجَمَاعَةِ الْقَاتِلِينَ أَوْ الْقَاطِعِينَ (وَ) جَازَ لَهُ (الْعَفْوُ عَنْهُ) أَيْ كُلٍّ، وَجَازَ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْ كُلٍّ وَتَرَكَهُ لِوُضُوحِهِ وَجَازَ لَهُ صُلْحُ بَعْضٍ وَالْعَفْوُ عَنْ بَعْضٍ وَالْقِصَاصُ مِنْ بَعْضٍ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ يَدَ رَجُلٍ أَوْ جَرَحُوهُ عَمْدًا فَلَهُ صُلْحُ أَحَدِهِمْ وَالْعَفْوُ عَمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَالْقِصَاصُ مِمَّنْ شَاءَ، وَكَذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ فِي النَّفْسِ.

وَأَمَّا عَكْسُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْجَانِي وَتَعَدُّدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ عَمْدًا وَثَبَتَ عَلَيْهِ فَصَالَحَ أَوْلِيَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الدِّيَةِ وَعَفَوَا عَنْ دَمِهِ وَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْآخَرِ بِالْقَوَدِ فَلَهُمْ الْقَوَدُ، فَإِنْ اسْتَقَادُوا بَطَلَ الصُّلْحُ، وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُمْ عَلَى حَيَاتِهِ وَقَتْلِهِ لِبَعْضِ الْمَقْتُولِينَ قُتِلَ لِجَمِيعِهِمْ.

ص: 157

وَإِنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ، ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ: فَلِلْوَلِيِّ لَا لَهُ رَدُّهُ، وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ كَأَخْذِهِمْ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ

ــ

[منح الجليل]

وَإِنْ) جَنَى شَخْصٌ عَمْدًا عُدْوَانًا بِقَطْعٍ أَوْ جَرْحٍ وَ (صَالَحَ) شَخْصٌ (مَقْطُوعٌ) عُضْوُهُ أَوْ مَجْرُوحٌ عَمْدًا عُدْوَانًا قَاطِعَهُ أَوْ جَارِحَهُ بِمَالٍ عَنْ الْقَطْعِ أَوْ الْجُرْحِ فَقَطْ (ثُمَّ نُزِيَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ سَالَ دَمُ الْمَقْطُوعِ (فَمَاتَ) الْمَقْطُوعُ (فَلِلْوَلِيِّ) أَيْ مُسْتَحِقِّ دَمِ الْمَقْطُوعِ أَوْ الْمَجْرُوحِ الَّذِي مَاتَ وَاحِدًا كَانَ أَوْ مُتَعَدِّدًا (لَا لَهُ) أَيْ الْقَاطِعِ (رَدُّهُ) أَيْ الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ لِلْقَاطِعِ أَوْ الْجَارِحِ (وَ) الْقِصَاصُ أَيْ (الْقَتْلُ) لِلْقَاطِعِ (بِقَسَامَةٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ، أَيْ خَمْسِينَ يَمِينًا يَحْلِفُهَا الْوَلِيُّ لَمَنْ قَطَعَهُ مَاتَ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا كَانَ عَنْ الْقَطْعِ وَقَدْ كَشَفَ الْغَيْبَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى نَفْسٍ كَامِلَةٍ وَأَقْسَمُوا لَتَأَخَّرَ الْمَوْتُ عَنْ الْقَطْعِ وَلَهُ إمْضَاءُ مُصْلَحِ الْمَقْطُوعِ بِمَا وَقَعَ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ إتْبَاعُ الْقَاطِعِ بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ فِيهَا مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْقَاطِعَ عَلَى مَالٍ ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْسِمُوا أَوْ يَقْتُلُوا وَيَرُدُّوا الْمَالَ وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُقْسِمُوا كَانَ لَهُمْ الْمَالُ الَّذِي أَخَذُوهُ فِي قَطْعِ الْيَدِ اهـ.

وَشَبَّهَ فِي تَخْيِيرِ الْوَلِيِّ فَقَالَ (كَ) صُلْحِ مَقْطُوعٍ يَدِهِ مَثَلًا خَطَأً أَوْ مَجْرُوحٍ بِمُوضِحَةٍ مَثَلًا خَطَأً ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ فَيُخَيَّرُ أَوْلِيَاؤُهُ بَيْنَ الْقَسَامَةِ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ قَطْعِهِ أَوْ جَرْحِهِ وَ (أَخْذِهِمْ) أَيْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْطُوعِ أَوْ الْمَجْرُوحِ (الدِّيَةَ) الْكَامِلَةَ لِلنَّفْسِ مِنْ عَاقِلَةِ الْجَانِي (فِي) جِنَايَةِ (الْخَطَإِ) وَيَرْجِعُ بِمَا صَالَحَ بِهِ وَعَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ مَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ عَاقِلَتِهِ وَبَيْنَ إمْضَاءِ الصُّلْحِ بِمَا وَقَعَ بِهِ وَأَعَادَ ضَمِيرَ الْجَمْعِ عَلَى الْوَلِيِّ الْمُفْرَدِ بِهِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِمُتَعَدِّدٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْجُرْحِ دُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَإِلَّا مُنِعَ فِي الْخَطَإِ وَكَذَا فِي عَمْدٍ فِيهِ قِصَاصٌ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطّ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ يَأْتِيَانِ فِي الْمَتْنِ.

وَأَمَّا مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ حَتَّى الْمَوْتَ امْتَنَعَ أَيْضًا، وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ لَا شَيْءَ فِيهِ مُقَدَّرًا لَمْ يُصَالَحْ عَلَيْهِ، إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ قَالَهُ عب الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَإِلَّا مُنِعَ

ص: 158

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

فِي الْخَطَإِ إلَخْ، أَيْ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ وَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إنْ بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ الصُّلْحَ فِي الْجِرَاحَاتِ عَلَى تَرَامِيهَا لِلْمَوْتِ فِي الْخَطَإِ، فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ كَالْمُوضِحَةِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي يَوْمَ الصُّلْحِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ، فَإِنْ بَرِئَ فَفِيهِ أَرْشُهُ، فَإِنْ مَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِقَسَامَةِ، وَفِيمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فِي مَنْعِهِ وَجَوَازِهِ نَقْلًا ابْنُ حَبِيبٍ مَعَ قَوْلِ صُلْحِهَا وَالْجَوَازُ فِيهِ أَظْهَرُ، وَمَا لَا قَوَدَ فِيهِ لَا يَجُوزُ عَلَى تَرَامِيهِ لِلْمَوْتِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَعَلَى الْجُرْحِ دُونَ تَرَامِيهِ لِلْمَوْتِ أَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى، قَالَ مَرَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ دُونَ الْمَوْتِ، وَمَرَّةً قَالَ عَلَيْهِ فَقَطْ. اهـ. وَقَدْ نَقَلَ " ح " كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ مَبْسُوطًا فَانْظُرْهُ.

ص: 159

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

فَقَوْلُ " ز " عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطّ غَيْرُ صَوَابٍ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ الْمَنْعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ،

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

بَلْ الْمُسْتَظْهَرُ الْجَوَازُ لَا الْمَنْعُ، وَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ هُوَ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ لَا " ح " فَانْظُرْهُ. وَنَصُّ " ح " قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ فَلِلْوَلِيِّ لَا لَهُ رَدُّهُ وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ كَأَخْذِهِمْ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ. قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْقَاطِعَ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ ثُمَّ نُزِيَ فِيهَا فَمَاتَ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا وَيَرُدُّوا الْمَالَ وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُقْسِمُوا كَانَ لَهُمْ الْمَالُ الَّذِي أَخَذُوا فِي قَطْعِ الْيَدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةً خَطَأً فَلَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَسْتَحِقُّوا الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَيَرْجِعُ الْجَانِي فَيَأْخُذُ مَالَهُ وَيَكُونُ فِي الْعَقْلِ كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَلَوْ قَالَ قَاطِعُ الْيَدِ لِلْأَوْلِيَاءِ حِينَ نَكَلُوا عَنْ الْقَسَامَةِ قَدْ عَادَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا فَاقْتُلُونِي وَرَدُّوا الْمَالَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَالَحَ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ وَشَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَطْعَ الْيَدِ وَلَا يُقْسِمُونَ فَذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا أَقْسَمُوا وَقَتَلُوهُ. اهـ. وَإِلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ قَاطِعُ الْيَدِ إلَخْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا لَهُ.

وَقَوْلُهُ فِيهَا نُزِيَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَيْ تَزَايَدَ وَتَرَامَى إلَى الْهَلَاكِ، وَأَصْلُهُ مِنْ زِيَادَةِ جَرَيَانِ الدَّمِ. ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ دُونَ مَا تَرَامَى إلَيْهِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ هَذَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ التَّمَسُّكُ بِالصُّلْحِ لَا فِي الْخَطَإِ وَلَا فِي الْعَمْدِ. وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ

ص: 161

وَإِنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ

ــ

[منح الجليل]

الْعَمْدِ فَيُخَيَّرُونَ فِيهِ وَالْخَطَإِ فَلَا يُخَيَّرُونَ، وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا التَّمَسُّكُ بِهِ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ، وَعَزَا الثَّالِثَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَ كَلَامَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ.

قُلْت وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ خِلَافُ مَا عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ، قَالَ وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ وَمَا تَرَامَى إلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ تَفْصِيلٌ. أَمَّا جُرْحُ الْخَطَإِ الَّذِي دُونَ الثُّلُثِ كَالْمُوضِحَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصُّلْحَ فِيهِ عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ. إنْ مَاتَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَهُوَ لَا يَدْرِي يَوْمَ صَالَحَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ وَاتَّبَعَ فِيهِ مُقْتَضَى حُكْمِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ، فَإِنْ بَرِئَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ. وَإِنْ مَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ وَإِنْ بَلَغَ الْجُرْحُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا. أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَظَاهِرُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَائِزٌ.

وَأَمَّا جُرْحُ الْعَمْدِ فَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ فَالصُّلْحُ فِيهِ عَلَى وَضْعِ الْمَوْتِ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي صُلْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ خِلَافُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْجَوَازُ فِيهِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا شَاءَ.

وَأَمَّا جُرْحُ الْعَمْدِ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهِ عَلَى الْمَوْتِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصَّ خِلَافٍ. وَأَمَّا الصُّلْحُ فِيهِ عَلَى الْجُرْحِ دُونَ الْمَوْتِ فَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا لَهُ دِيَةٌ مُسَمَّاةٌ كَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْجَائِفَةِ. قَالَ فِي مَوْضِعٍ الصُّلْحُ فِيهِ جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ بِمَا دُونَ النَّفْسِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهِ بِعَيْنِهِ لَا عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِنْ زِيَادَةٍ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيمَا لَا دِيَةَ لَهُ مُسَمَّاةً إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ، فَهَذَا تَحْصِيلُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

(وَإِنْ وَجَبَ) أَيْ ثَبَتَ (لِ) شَخْصٍ (مَرِيضٍ) ظَاهِرُهُ، بَلْ صَرِيحَةٌ تَقَدَّمَ مَرَضُهُ عَلَى جُرْحِهِ وَبِهِ قَرَّرَهُ الْحَطّ وَ " س " وعج وعب. طفي هَذَا لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرَضُ هُنَا مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا صَالَحَهُ بَعْدَ الْبُرْءِ ثُمَّ نُزِيَ جُرْحُهُ. اهـ. وَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا (عَلَى رَجُلٍ)

ص: 162

جُرِحَ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ بِأَرْشِهِ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ: جَازَ وَلَزِمَ. وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إنْ صَالَحَ عَلَيْهِ، لَا مَا يَئُولُ إلَيْهِ؟ تَأْوِيلَانِ.

ــ

[منح الجليل]

مَثَلًا (جَرَحَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (عَمْدًا) عُدْوَانًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْإِضَافَةِ (فَصَالَحَ) الرَّجُلُ الْمَرِيضَ عَلَى جُرْحِهِ (فِي) حَالِ (مَرَضِهِ) مِنْ الْجُرْحِ (بِ) مَالٍ قَدْرِ (أَرْشِهِ) أَيْ دِيَةِ الْجُرْحِ (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ الْأَرْشِ صَادِقٌ بِأَقَلَّ وَأَكْثَرَ مِنْهُ (ثُمَّ مَاتَ) الْمَرِيضُ (مِنْ مَرَضِهِ) مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ (جَازَ) صُلْحُهُ ابْتِدَاءً (وَلَزِمَ) صُلْحُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ نَقْضُهُ إذْ لِلْمَرِيضِ الْعَفْوُ عَنْ جَارِحِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا مَجَّانًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ.

(وَهَلْ) جَوَازُ صُلْحِهِ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ عَنْ خُصُوصِ الْجُرْحِ فَيَجُوزُ عَنْهُ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ أَيْضًا، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.

وَحَمَلَهَا عَلَيْهِ بَعْضُ شَارِحِيهَا كَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَطَّارِ (أَوْ) جَوَازُهُ (إنْ صَالَحَ عَلَيْهِ) أَيْ الْجُرْحِ (فَقَطْ لَا) إنْ صَالَحَ عَنْهُ (وَ) عَنْ (مَا) أَيْ الْمَوْتِ الَّذِي (يَئُولُ) الْجُرْحُ (إلَيْهِ) وَعَلَى هَذَا حَمَلَهَا أَكْثَرُ شَارِحِيهَا فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) وَنَصُّهَا وَإِذَا وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جِرَاحَةُ عَمْدٍ فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ مِنْ أَرْشِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ، إذْ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي مَرَضِهِ وَإِنْ لَمْ يَدَعْ مَالًا اهـ. عِيَاضٌ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا عَلَى الْمَوْتِ، وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى مَآلِ الْمَوْتِ وَنَقَلَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَوَّلَهَا عَلَى مَا تَأَوَّلَهَا عَلَيْهِ ابْنُ الْعَطَّارِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: الْحَطّ لَيْسَتْ هَذِهِ مُعَارَضَةٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى وَقَعَ الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ، ثُمَّ نُزِيَ وَمَاتَ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ عَنْ جُرْحِهِ عَمْدًا أَوْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا مِنْ الْجُرْحِ أَنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ لَازِمٌ، وَلَا يُقَالُ.

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

هَذَا صُلْحٌ وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ فَيُنْظَرُ فِيهِ هَلْ فِيهِ مُحَابَاةٌ أَمْ لَا.

الثَّانِي: عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ الْوَرَثَةَ، وَإِنْ نُزِيَ الْجُرْحُ فَمَاتَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَيُعْمَلُ فِيهَا بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ.

الثَّالِثُ: عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ لَزِمَ الصُّلْحُ فَلَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ ثُمَّ نُزِيَ فِيهِ وَمَاتَ أَنَّ الصُّلْحَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ إذْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامُ الْحَطّ. طفي هَذَا عَلَى تَقْرِيرِ أَنَّ الْمَرَضَ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ وَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا مِنْ الْجُرْحِ مُفَرِّقًا بِهِ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَخِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. وَلَمَّا ذَكَرَ عِيَاضٌ التَّأْوِيلَيْنِ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ قَبْلَ الْبُرْءِ، قَالَ وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَصَرَ أَصْحَابُنَا الْخِلَافَ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْجُرْحِ وَمَا تَرَامَى إلَيْهِ، وَهِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ الَّتِي فِيهَا التَّأْوِيلَانِ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ مِنْ الْجُرْحِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمَرَضَ هُنَا مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ.

الرَّابِعُ: عب مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ مَرَضِهِ بِمَعْنَى فِي، فَهِيَ ظَرْفِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ لِأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ مَرَضِهِ لَمْ يَأْتِ قَوْلُهُ، وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ " ق " مِنْ بِمَعْنَى بَاءِ السَّبَبِيَّةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ، فَلَا يَكْفِي فِي الْمُرَادِ، بَلْ يُوهِمُ خِلَافَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ يَكُونُ الْحُكْمُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِلَّا مَرَّ بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الْخَرَشِيُّ قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ مِنْ سَبَبِيَّةٍ أَيْ بِسَبَبِ مَرَضِهِ، أَيْ كَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ مَرَضَهُ لَا الْجُرْحَ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إجْمَالٌ وَالْإِجْمَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ مِنْ ظَرْفِيَّةً. وَقَالَ فِي كَبِيرِهِ وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ مِنْ مَرَضِهِ، أَيْ لَا بِسَبَبِ الْجُرْحِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ مَرَضِهِ إذَا شَكَّ فِيهِ. اهـ. وَالْخَرَشِيُّ تَبِعَ الْحَطّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْهُ. الْخَامِسُ:

عب وَإِنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ جُرْحٌ عَمْدًا طَرَأَ عَلَى مَرَضِهِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَأَمَّا طُرُوُّ الْمَرَضِ عَلَى جُرْحِ عَمْدٍ فَسَيَذْكُرُ فِيهِ خِلَافًا هَلْ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَارِحِ أَيْ بِقَسَامَةٍ أَوْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، أَيْ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ قَالَهُ عج، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا. " ق " عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْمَرَضِ عَنْ الْجُرْحِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ، وَأَنَّ مَا يَأْتِي لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ صُلْحٌ اهـ، وَيَحْتَاجُ لِنَقْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ.

السَّادِسُ: طفي ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقُلْنَا إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَرَضَ مِنْ الْجُرْحِ، وَإِنَّهُ مَاتَ مِنْهُ وَيَجُوزُ الصُّلْحُ وَيَلْزَمُ كَمَا هُوَ نَصُّهَا، وَنَصُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُشْكِلُ تَأْوِيلُ الْأَكْثَرِ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ يَلْزَمُ مَعَ أَنَّهُ آلَ الْأَمْرُ إلَى خِلَافِ مَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ، وَيُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَخْيِيرِ الْأَوْلِيَاءِ إذَا نُزِيَ الْجُرْحُ فَمَاتَ مِنْهُ، وَيُنَاقِضُ قَوْلُهَا وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَعَفَا عَنْهُ فَلِأَوْلِيَائِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ بِقَسَامَةٍ إنْ كَانَ عَفْوُهُ عَلَى الْيَدِ لَا عَلَى النَّفْسِ. اهـ. بَلْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ.

قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَوْ عَفَا عَنْ جُرْحِهِ الْعَمْدِ ثُمَّ نُزِيَ فِيهِ فَمَاتَ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا أَوْ يَقْتُلُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْفُ عَنْ النَّفْسِ. أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَفَوْت عَنْ الْجُرْحِ، وَعَمَّا تَرَامَى إلَيْهِ فَيَكُونُ عَفْوًا عَنْ النَّفْسِ. اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ جَامِعًا بَيْنَ الْعَفْوِ وَالصُّلْحِ، فَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ قَوْلَهُ وَقَالَ أَشْهَبُ. . إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ يُخَيَّرُونَ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُمْ خِيَرَةٌ إذَا قَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْخِلَافَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالتَّفْصِيلَ فِيهِ، وَأَنَّ جِرَاحَاتِ الْعَمْدِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصِ يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا عَمَّا تَرَامَتْ إلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ الْمَنْعِ، فَتَحْصُلُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَشْهَبَ عَلَى مَا لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَظَهَرَ لَك تَرْجِيحُ تَأْوِيلِ ابْنِ الْعَطَّارِ، وَهُوَ الَّذِي انْتَحَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَسْأَلَةُ بِقَوْلِهَا إذْ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي مَرَضِهِ، وَالْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرَ يَأْتِي عَلَى اللُّزُومِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِهَا كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

وَعِيَاضٌ رَجَعَ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَوَازِ وَلَمْ يَذْكُرْ اللُّزُومَ، قَالَ فِي تَنْبِيهَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي الَّذِي يُصَالِحُ جَارِحَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ فَمَاتَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ،

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَتَأَوَّلَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى الصُّلْحِ مِنْ الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا مَا تَئُولُ إلَيْهِ مِنْ النَّفْسِ، وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ مَعًا. اهـ. وَهَكَذَا نَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِ عِيَاضٍ وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ اللُّزُومِ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِهَا فِي اخْتِصَارِ أَبِي سَعِيدٍ، وَكُلُّ مَنْ نَقَلَهَا نَقَلَهَا بِهِ لَا يُقَالُ لَا إشْكَالَ وَلَا تَنَاقُضَ لِفَرْقِ أَبِي الْحَسَنِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّا نَقُولُ فَرْقُهُ صُورِيٌّ فَقَطْ، أَمَّا الْحُكْمُ فَسَوَاءٌ، إذْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِ الْمَوْتِ مِنْ الْجُرْحِ الْبُرْءُ أَوْ قَبْلَهُ، وَقَدْ قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ نَزْوِ الْجُرْحِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ، هَذَا مَا حَضَرَنَا مِنْ الْبَحْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَتَحْتَاجُ لِمَزِيدِ تَحْرِيرٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَبِكَلَامِ عِيَاضٍ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ مُطْلَقًا مُشَاحَةً، لِأَنَّ ابْنَ الْعَطَّارِ لَمْ يَتَأَوَّلهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ عَلَى الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ مَعًا، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ أَنَّهُ إذَا جَازَ عِنْدَهُ عَلَيْهِمَا فَجَوَازُهُ عِنْدَهُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ أَوْلَى وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، لَكِنْ يَتْبَعُ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمَشَايِخُ لَفْظَ الْكُتُبِ وَيَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا يَعْدُوهُ اهـ. الْبُنَانِيُّ قَدْ أَسْقَطَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي اخْتِصَارِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ لَفْظَ اللُّزُومِ، وَنَصَّهُ وَفِيهَا صُلْحُ الْمَرِيضِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجُرْحِ أَوْ الدِّيَةِ جَائِزٌ. عِيَاضٌ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا عَلَى مَآلِ الْمَوْتِ، وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى مَالِ الْمَوْتِ اهـ. السَّابِعُ:

فِي الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ بِشَيْءٍ عَنْ الْجُرْحِ، وَالْمَوْتِ إنْ كَانَ لَكِنْ يُصَالِحُهُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا، فَإِنْ عَاشَ أَخَذَ مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْقَتْلُ فِي الْعَمْدِ. الثَّامِنُ:

الَّذِي فِي الْحَطّ وعج وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إنْ صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ جَازَ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ الْوَرَثَةَ وَإِنْ نُزِيَ فَمَاتَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي الصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ الصُّلْحُ وَإِنْ نُزِيَ فَمَاتَ فَلَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ.

ص: 166

وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلِيَّيْنِ، فَلِلْآخِرِ الدُّخُولُ مَعَهُ، وَسَقَطَ الْقَتْلُ كَدَعْوَاك صُلْحَهُ

ــ

[منح الجليل]

وَإِنْ) قَتَلَ شَخْصٌ عَمْدًا عُدْوَانًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَ (صَالَحَ أَحَدُ) الـ (وَلِيَّيْنِ) لِلْمَقْتُولِ عَمَّا فِيهِ قِصَاصٌ، إمَّا عَنْ الدَّمِ كُلِّهِ بِدِيَتِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِمَّا عَنْ حِصَّتِهِ فَقَطْ بِقَدْرِ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَلِ) لِوَلِيِّ (الْآخَرِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ إذَا طَلَبَ مَا وَجَبَ لَهُ (الدُّخُولُ مَعَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ الْمُصَالِحِ فِيمَا صَالَحَ بِهِ جَبْرًا فَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا يَنُوبُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ قَلِيلًا (وَسَقَطَ الْقَتْلُ) عَنْ الْجَانِي بِصُلْحِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ الْقِصَاصُ، وَلَهُ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَهُ وَإِتْبَاعُ الْجَانِي بِنَصِيبِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ وَلَيْسَ لِلْمُصَالِحِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِيهِ وَلِلْآخَرِ الْعَفْوُ مَجَّانًا، وَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ مَجَّانًا فَلِلْآخَرِ الْعَفْوُ أَوْ إتْبَاعُ الْجَانِي بِنَصِيبِهِ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ لَا الْقَتْلِ لِسُقُوطِهِ بِعَفْوِ الْأَوَّلِ.

الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلِلْوَلِيِّ الْآخَرِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا صَالَحَ بِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْقَاتِلِ عَلَى حِسَابِ دِيَةِ الْعَمْدِ وَيَضُمَّهُ إلَى مَا صَالَحَ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَقْتَسِمَانِ الْجَمِيعَ، كَأَنَّهُ هُوَ الْمُصَالَحُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُصَالِحِ مَا صَالَحَ بِهِ وَيُتْبِعَ الْقَاتِلَ بِحِصَّتِهِ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّ مَنْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ اخْتَصَّ بِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ فِيهَا وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا لَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى عَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِيهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ صَالَحَ عَنْ حِصَّتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى عَرْضٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا بِحِسَابِ دِيَتِهِ اهـ. قَالَ فِي ضَيْح ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ عَفَا الْبَعْضُ عَلَى جَمِيعِ الدِّيَةِ فَلِلْبَاقِينَ نَصِيبُهُمْ عَلَى حِسَابِ دِيَةِ عَمْدٍ ثُمَّ يَضُمُّونَ كُلَّ مَا حَصَلَ لَهُمْ وَيَقْتَسِمُونَهُ، كَأَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى الصُّلْحِ اهـ. الْبُنَانِيُّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ سَقَطَ الْقَتْلُ عَلَى قَوْلِهِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ لِيُفِيدَ سُقُوطَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْآخَرُ مَعَ الْأَوَّلِ.

وَشَبَّهَ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ فَقَالَ (كَدَعْوَاك) أَيْ ادِّعَائِك يَا وَلِيَّ الدَّمِ (صُلْحَهُ) أَيْ قَاتِلِ

ص: 167

فَأَنْكَرَ

وَإِنْ صَالَحَ مُقِرٌّ بِخَطَأٍ بِمَالِهِ: لَزِمَهُ، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ مَا دَفَعَ؟ تَأْوِيلَانِ

ــ

[منح الجليل]

وَلِيِّك عَمْدًا عُدْوَانًا بِمَالٍ قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَأَنْكَرَ) الْقَاتِلُ الصُّلْحَ فَيَسْقُطُ الْقَتْلُ كَالْمَالِ إنْ حَلَفَ الْجَانِي، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ مُسْتَحِقُّ الدَّمِ وَاسْتَحَقَّهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ دَعْوَى الْوَلِيِّ تَضَمَّنَتْ أَمْرَيْنِ إقْرَارَهُ بِالْعَفْوِ وَاسْتِحْقَاقَهُ الْمَالَ، فَأَخَذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُعْطَى الْمَالَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ

. (وَإِنْ) أَقَرَّ مُكَلَّفٌ طَائِعٌ بِقَتْلِهِ نَفْسًا خَطَأً وَ (صَالَحَ) الشَّخْصُ (الْمُقِرُّ) عَلَى نَفْسِهِ (بِ) قَتْلٍ (خَطَأً) وَصِلَةُ صَالَحَ (بِمَالِهِ) أَيْ الْمُصَالِحُ الْمُقِرُّ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ الْمُصَالِحَ الصُّلْحُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ.

(وَهَلْ) يَلْزَمُهُ الصُّلْحُ (مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِالدَّفْعِ فَيَدْفَعُ الْمُصَالَحُ بِهِ مِنْ مَالِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الِاعْتِرَافَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (أَوْ) إنَّمَا يَلْزَمُهُ (مَا دَفَعَ) مِنْ الْمُصَالَحِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا قُسِّمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، وَيَلْزَمُهُ تَكْمِيلُ مَا عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَمَّا عَلَيْهِ لِأَنَّ لِدَفْعِهِ بِتَأْوِيلِ أَثَرٍ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ فِي الدَّفْعِ قَبْلَ الْعِلْمِ وَلِأَنَّهُ كَمُتَطَوِّعٍ، وَلِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَبَاقِيهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِقَسَامَةِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ بِنَاءً عَلَى حَمْلِ الْعَاقِلَةِ الِاعْتِرَافَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَالْمُنْبَنِي عَلَيْهِ مَشْهُورٌ وَلَا غَرَابَةَ فِي هَذَا فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ أَبِي عِمْرَانَ، وَالثَّانِي لِابْنِ مُحْرِزٍ فِي فَهْمِ قَوْلِهَا وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِقَتْلِ رَجُلٍ خَطَأً وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَصَالَحَ الْأَوْلِيَاءَ عَلَى مَالٍ قَبْلَ أَنْ تَلْزَمَ الدِّيَةُ الْعَاقِلَةَ بِقَسَامَةٍ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً، فَقِيلَ عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ، وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ فِي رِوَايَتَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَبُو الْحَسَنِ.

قَوْلُهُ جَائِزٌ أَيْ لَازِمٌ نَافِذٌ، وَانْظُرْ بِمَاذَا يُلْزِمُ أَبُو عِمْرَانَ بِالْعَقْدِ وَأَبُو إِسْحَاقَ بِالدَّفْعِ، وَبَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّقْيِيدُ بِظَنِّ اللُّزُومِ. الْحَطّ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأً عَلَى أَرْبَعِ رِوَايَاتٍ الْأُولَى أَنَّهُ إنْ اُتُّهِمَ بِإِرَادَةِ إغْنَاءِ وَارِثِ الْمَقْتُولِ كَأَخِيهِ وَصَدِيقِهِ فَلَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ

ص: 168

لَا إنْ ثَبَتَ، وَجَهِلَ لُزُومَهُ، وَحَلَفَ، وَرَدَّ، إنْ طُلِبَ بِهِ مُطْلَقًا، أَوْ طَلَبَهُ وَوُجِدَ

ــ

[منح الجليل]

مِنْ الْأَبَاعِدِ صُدِّقَ إنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا وَلَمْ يُتَّهَمْ بِارْتِشَائِهِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِقَسَامَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُقْسِمُوا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ. الثَّانِيَةُ أَنَّهَا عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ. الثَّالِثَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ. الرَّابِعَةُ: تُقْضَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فَمَا أَصَابَهُ غَرِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْعَاقِلَةَ فَلَا يَلْزَمُهَا حَكَاهَا ابْنُ الْجَلَّابِ، فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالْخَطَأِ لَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ وَتَلْزَمُ عَاقِلَتَهُ بِقَسَامَةٍ إذَا لَمْ يُتَّهَمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي دِيَاتِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا، وَذَكَرَ نَصَّهَا الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي تَأْوِيلِ الْمُدَوَّنَةِ فَتَأَوَّلَهَا أَبُو عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيمَا دَفَعَ وَفِيمَا لَمْ يَدْفَعْ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا دَفَعَ دُونَ مَا لَمْ يَدْفَعْ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ، وَأَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ مَا دَفَعَ تَأْوِيلَانِ. وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ عَلَى الْعَاقِلَةِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(لَا) يَلْزَمُ الْمَالُ الْمُصَالَحُ بِهِ الْمُصَالِحَ (إنْ)(ثَبَتَ) قَتْلُ الْخَطَإِ الْمُصَالَحُ عَنْهُ بِبَيِّنَةٍ (وَجَهِلَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، أَيْ اعْتَقَدَ الْقَاتِلُ الْمُصَالِحُ جَهْلًا مِنْهُ (لُزُومَهُ) أَيْ الْعَقْلِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَهُ لِجَهْلِهِ (وَحَلَفَ) الْقَاتِلُ الْمُصَالِحُ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَ لِظَنِّهِ لُزُومَهُ الدِّيَةُ الْعَوْفِيّ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ (وَرُدَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ صُلْحًا لِلْمُصَالِحِ مَا عَدَا مَا يَخُصُّهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فَلَا يُرَدُّ لَهُ لِتَطَوُّعِهِ بِتَعْجِيلِهِ وَلَا يُعْذَرُ فِيهِ بِجَهْلِهِ (إنْ طُلِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْقَاتِلُ أَيْ طَلَبَهُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ (بِهِ) أَيْ الصُّلْحِ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِوُجُودِ الْمُصَالَحِ بِهِ بِيَدِ الْأَوْلِيَاءِ فَتُرَدُّ عَيْنُهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَمِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ فَاتَ بِذَهَابِهَا لِأَنَّهُ كَالْمَغْلُوبِ عَلَى الصُّلْحِ (أَوْ طَلَبَهُ) أَيْ الْقَاتِلُ الصُّلْحَ (وَوُجِدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَا دَفَعَهُ الْقَاتِلُ لِلْأَوْلِيَاءِ صُلْحًا بِأَيْدِيهِمْ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَيُرَدُّ لَهُ وَمَا فَاتَ بِذَهَابِ عَيْنِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ كَمُثِيبٍ عَلَى صَدَقَةٍ ظَانًّا لُزُومَ الْإِثَابَةِ قَالَهُ تت، وَيُحْسَبُ لَهُ وَلِلْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا حُسِبَ لَهَا قَالَهُ الْهَارُونِيُّ.

ص: 169

وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلَدَيْنِ وَارِثَيْنِ، وَإِنْ عَنْ إنْكَارٍ، فَلِصَاحِبِهِ الدُّخُولُ: كَحَقٍّ لَهُمَا فِي كِتَابٍ، أَوْ مُطْلَقٍ؛

ــ

[منح الجليل]

وَقَالَ الْبَنَوْفَرِيُّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا حُسِبَ لَهَا، وَمُقْتَضَى نَقْلِ الشَّارِحِ وَ " ق " أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ وَلَا لِعَاقِلَتِهِ شَيْءٌ مِنْهُ، فَهِيَ ثَلَاثُ مَقَالَاتٍ أَظْهَرُهَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ الْأَخِيرَةُ قَالَهُ عج. عب قَدْ يُقَالُ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ مَا قَالَهُ الْبَنَوْفَرِيُّ

(وَإِنْ) مَاتَ مَنْ خَالَطَ آخَرَ فِي مَالٍ عَنْ وَلَدَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بِمَالٍ عَلَى خَلِيطِهِ فَأَقَرَّ بِهِ أَوْ أَنْكَرَهُ وَ (صَالَحَ أَحَدُ وَلَدَيْنِ) مَثَلًا (وَارِثَيْنِ) شَخْصًا كَانَ خَلِيطًا لِأَبِيهِمَا فِي الْمَالِ فَادَّعَيَا عَلَيْهِ بِمَالٍ لِأَبِيهِمَا فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ إقْرَارٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ، بَلْ (وَإِنْ) صَالَحَهُ (عَنْ إنْكَارٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ (فَلِصَاحِبِهِ) أَيْ أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ الْمُصَالِحِ وَهُوَ الْوَلَدُ الْآخَرُ مَثَلًا (الدُّخُولُ) مَعَ الْمُصَالِحِ فِيمَا صَالَحَ بِهِ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ وَلَهُ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَهُ وَمُطَالَبَةُ الْمُقِرِّ بِحِصَّتِهِ كُلِّهَا مِنْ الْمُقِرِّ بِهِ، وَلَهُ تَرْكُهَا، وَلَهُ الْمُصَالَحَةُ عَنْهَا، هَذَا فِي حَالَةِ الْإِقْرَارِ. وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْإِنْكَارِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا وَأَخَذَ حَظَّهُ أَوْ تَرَكَهُ أَوْ صَالَحَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْوَارِثُ أَخَذَ نَصِيبَهُ أَوْ تَرَكَهُ أَوْ صَالَحَ عَنْهُ، وَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَيَرْجِعُ الْمُصَالِحُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ إنْ دَخَلَ مَعَهُ أَخُوهُ.

تت لَا فَرْقَ فِي الْوَارِثَيْنِ بَيْنَ كَوْنِهِمَا وَلَدَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا، وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِمَا اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُدَوَّنَةَ فِي فَرْضِهَا فِي وَلَدَيْنِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلِيَّيْنِ، وَلِذَا قَالَ فَلِصَاحِبِهِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ وَهُوَ وَاضِحٌ.

وَشَبَّهَ فِي التَّخْيِيرِ فِي الدُّخُولِ فَقَالَ (كَ) دُخُولِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَا صَالَحَ بِهِ شَرِيكُهُ عَنْ، نَصِيبِهِ مِنْ (حَقٍّ لَهُمَا) مِنْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ مَكْتُوبٍ (فِي كِتَابٍ) وَاحِدٍ (أَوْ مُطْلَقٍ) عَنْ الْكِتَابَةِ، زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ ثَمَنِ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَبَاعَاهُ صَفْقَةً بِمَالٍ أَوْ بِعَرْضٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ أَقْرَضَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ

ص: 170

إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ،

ــ

[منح الجليل]

طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، أَوْ وَرَّثَا هَذَا الذَّكَرَ الْحَقَّ، فَإِنَّ مَا اقْتَضَاهُ مِنْهُ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْآخَرُ، وَكَذَا إنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ أَشْرَاكِهِ اهـ.

الشَّارِحُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ قَوْلِهِ مُطْلَقٌ بِمَا زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ فَلَا دُخُولَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِيمَا اقْتَضَى لِأَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ لَمْ يُجَامِعْ الْآخَرَ بِوَجْهٍ. ابْنُ يُونُسَ إذَا دَخَلَ شَرِيكُهُ مَعَهُ فِيمَا اقْتَضَاهُ كَانَ مَا بَقِيَ عَلَى الْغَرِيمِ بَيْنَهُمَا، اُنْظُرْ " ق " لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ الْآتِي وَيَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِلُزُومِ الصُّلْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الصُّلْحَ لَازِمٌ وَلَمَّا شَارَكَهُ رَبُّ الدَّيْنِ الْآخَرِ فِيمَا اقْتَضَى شَارَكَهُ هُوَ فِي حِصَّتِهِ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ، قُلْت الظَّاهِرُ الْوَسَطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ) الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ إلَّا الطَّعَامَ، فَفِي دُخُولِهِ مَعَهُ تَرَدُّدٌ وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، بَلْ مُرَادُهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ اسْتَثْنَى الطَّعَامَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي وَجْهِ اسْتِثْنَائِهِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ آخِرِ الْمَسْأَلَةِ، وَخَالَفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِجَلْبِ كَلَامِهَا وَكَلَامِهِمَا قَالَ فِيهَا وَإِذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ خَلْطَةٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ أَنَّ لِأَبِيهِ قَبْلَ خَلِيطِهِ مَالًا فَأَقَرَّ لَهُ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَنْ حَظِّهِ مِنْ ذَلِكَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضٍ جَازَ وَلِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا أَخَذَ، وَكُلٌّ ذَكَرَ حَقًّا لَهُمَا بِكِتَابٍ أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ، إلَّا أَنَّهُ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَبَاعَاهُ فِي صَفْقَةٍ بِمَالٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ بِمَالٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ أَقْرَضَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ وَرِثَا هَذَا لِذِكْرِ الْحَقِّ، فَإِنَّ مَا قَبَضَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْآخَرُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ أَشْرَاكِهِ إلَّا أَنْ يَشْخَصَ الْمُقْتَضَى بَعْدَ الْأَعْذَارِ إلَى أَشْرَاكِهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ أَوْ الْوَكَالَةِ لَهُ فَامْتَنَعُوا، فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَدْخُلُونَ فِيمَا اقْتَضَى لِأَنَّهُ لَوْ رَفَعَهُمْ إلَى الْإِمَامِ لَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ أَوْ التَّوْكِيلِ، فَإِنْ فَعَلُوا وَإِلَّا

ص: 171

إلَّا أَنْ يَشْخَصَ، وَيُعْذِرَ إلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْوَكَالَةِ

ــ

[منح الجليل]

خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ اقْتِضَاءِ حَقِّهِ ثُمَّ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ عَلَيْهِ مِنْهُمْ فِيمَا اقْتَضَى اهـ.

ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى الطَّعَامَ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشْخَصَ الْمُقْتَضَى بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى أَشْرَاكِهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ أَوْ الْوَكَالَةِ فَامْتَنَعُوا، فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَدْخُلُونَ فِيمَا اقْتَضَى. قَالَ فَإِذَا كَانَ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْذَنَ لِصَاحِبِهِ فِي الْخُرُوجِ لِاقْتِضَاءِ حَقِّهِ خَاصَّةً لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْخُرُوجِ مُقَاسَمَةٌ لَهُ فِي الطَّعَامِ وَالْمُقَاسَمَةُ فِيهِ كَبَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ فِي صَدْرِهَا غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ.

وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ يُحْتَمَلُ عِنْدِي اسْتِثْنَاؤُهُ الْإِدَامَ وَالطَّعَامَ إنَّمَا هُوَ لِمَا ذَكَرَ مِنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ أَوْ صُلْحِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الَّذِي لَهُمَا طَعَامًا أَوْ إدَامًا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا بَيْعُ نَصِيبِهِ أَوْ مُصَالَحَتُهُ مِنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، هَذَا هُوَ الَّذِي يُشْبِهُ أَنَّهُ أَرَادَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. طفي عِيَاضٌ فِي تَنْبِيهَاتِهِ إنَّمَا اسْتَثْنَى هُنَا الطَّعَامَ مِنْ بَيْعٍ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ لِاقْتِضَاءِ نَصِيبِهِ مُقَاسَمَةً وَالْمُقَاسَمَةُ فِيهِ كَبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُ، وَفِي قِسْمَةِ الْأَسْدِيَةِ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خِلَافٌ، هَذَا وَهُوَ أَصْلٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ هَلْ الْقِسْمَةُ بَيْعٌ أَوْ تَمْيِيزُ حَقٍّ، وَحَمَلَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَآلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ عَنْ غَرِيمِهِ وَمُصَالَحَتِهِ إيَّاهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِآخِرِ الْكِتَابِ، وَكَرَّرَهُ بِلَفْظِهِ فَقَالَ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ فَصَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ، فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُرَادُهُ وَأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ طفي فَصَدَقَ قَوْلُ مَنْ قَالَهُ إلَّا الطَّعَامَ، فَفِي وَجْهِ اسْتِثْنَائِهِ تَرَدُّدٌ وَأَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَأَبِي عِمْرَانَ أَوْ عَبْدِ الْحَقِّ وَالْأَلْيَقُ تَأْوِيلَانِ.

وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فَلِصَاحِبِهِ الدُّخُولُ مَعَهُ فَقَالَ (إلَّا أَنْ يَشْخَصَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ يَخْرُجَ بِشَخْصِهِ وَذَاتِهِ، أَيْ يُسَافِرَ لِلْمَدِينِ الْقَابِضِ مِنْهُ (وَيُعْذِرَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ يَقْطَعَ الْعُذْرَ الشَّاخِصَ (إلَيْهِ) أَيْ صَاحِبِهِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الدَّيْنِ بِأَنْ يَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ أَوْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً (فِي) طَلَبِ (الْخُرُوجِ) مَعَهُ إلَى الْمَدِينِ لِاقْتِضَاءِ دَيْنِهِمَا مِنْهُ (أَوْ الْوَكَالَةِ) أَيْ تَوْكِيلِ الْقَاعِدِ الْخَارِجَ أَوْ

ص: 172

فَيَمْتَنِعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ الْمُقْتَضِي، أَوْ يَكُونُ بِكِتَابَيْنِ

وَفِيمَا لَيْسَ لَهُمَا، وَكُتِبَ فِي كِتَابٍ: قَوْلَانِ

ــ

[منح الجليل]

غَيْرَهُ عَلَى اقْتِضَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ (فَيَمْتَنِعُ) الْقَاعِدُ مِنْ الْخُرْجِ وَالتَّوْكِيلِ فَلَا يَدْخُلُ الْقَاعِدُ فِيمَا قَبَضَهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَدِينِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِعَدَمِ دُخُولِهِ مَعَهُ فِيهِ وَإِتْبَاعِهِ ذِمَّةَ الْمَدِينِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمَدِينِ مَالٌ غَيْرُ مَا اقْتَضَاهُ الْخَارِجُ مِنْهُ، بَلْ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) عِنْدَ الْمَدِينِ مَالٌ (غَيْرُ) الْمَالِ (الْمُقْتَضَى) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَدِينِ.

تت فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ يَشْخَصُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا وَاقْتَضَى أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَدَخَلَ مَعَهُ الْآخَرُ إنْ شَاءَ، وَمِنْ قَوْلِهِ يُعْذِرُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لَهُ بِدُونِ إعْذَارٍ لَدَخَلَ مَعَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ عج الْمَدَارُ عَلَى الْأَعْذَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَرٌ.

طفي عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَصْلٌ فِي الْغَائِبِ وَسَكَتَ عَنْ الْحَاضِرِ وَهُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِعْذَارِ وَعَدَمِهِ.

(أَوْ) إلَّا أَنْ (يَكُونَ) الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ مَكْتُوبًا (بِكِتَابَيْنِ) نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِكِتَابٍ وَنَصِيبُ الْآخَرِ بِكِتَابٍ آخَرَ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِيمَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ مِنْ مَدِينِهِمَا لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْكِتَابِ كَالْقِسْمَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْحَقُّ إذَا كَانَ بِكِتَابَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا اقْتَضَى وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهِ شَرِيكُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَصْلُهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ بَاعَاهُ فِي صَفْقَةٍ

(وَ) لَوْ كَانَ لِشَخْصَيْنِ دَيْنَانِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَكَتَبَاهُمَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا وَاقْتَضَى أَحَدُهُمَا مِنْ مَدِينِهِمَا دَيْنَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَ (فِي) دُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيمَا اقْتَضَاهُ الْآخَرُ (مَا لَيْسَ) مُشْتَرَكًا (لَهُمَا) بِأَنْ جَمَعَا سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ (وَكُتِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ثَمَنُهُمَا (فِي كِتَابٍ) وَاحِدٍ لِأَنَّ جَمْعَهُمَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ صَيَّرَهُمَا كَمُشْتَرَكٍ فِيهِ وَعَدَمِهِ (قَوْلَانِ) الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ.

قَالَ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَصَرِيحُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ بِالْمُكَاتَبَةِ فِي الْمُفْتَرَقِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الِاقْتِضَاءِ. وَالثَّانِي لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُوجِبُهُ، وَلِكُلٍّ مَا قَبَضَهُ،

ص: 173

وَلَا رُجُوعَ، إنْ اخْتَارَ مَا عَلَى الْغَرِيمِ وَإِنْ هَلَكَ

وَإِنْ صَالَحَ عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ خَمْسِينِهِ، فَلِلْآخَرِ إسْلَامُهَا، أَوْ أَخْذُ خَمْسَةٍ

ــ

[منح الجليل]

وَرَدَّهُ ابْنُ يُونُسَ بِأَنَّ الْكِتَابَيْنِ يُفَرِّقَانِ مَا أَصْلُهُ الِاشْتِرَاكُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ الْكِتَابُ الْوَاحِدُ مَا أَصْلُهُ الِافْتِرَاقُ.

(تَنْكِيتٌ) لَمْ يَحْفَظْ بَعْضُ مَشَايِخِي قَوْلَ سَحْنُونٍ فَقَالَ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يُعَادِلَ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ بِبَحْثِ ابْنِ يُونُسَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَرَجَّحَ خِلَافَهُ وَهُوَ ظَاهِرُهَا قَالَهُ تت. " ح " ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا إذَا جَمَعَا سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَهُ لِأَنَّهُمَا كَالشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ سِلْعَةُ أَحَدِهِمَا وَهِيَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي نَقْضُ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهِمَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهُمَا فِي الِاقْتِضَاءِ حُكْمَ الشَّرِيكَيْنِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُوجِبُ الْكَتْبُ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا اقْتَضَى اهـ. قُلْت إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِأَنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، اهـ كَلَامُ " ح ". الْبُنَانِيُّ إنْ وُجِدَ شَرْطُ جَوَازِ جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا كَانَتْ مُفَرَّعَةً عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَقَطَ بَحْثُ " ح ".

(وَ) إنْ كَانَ دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ وَاقْتَضَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ مِنْ مَدِينِهِمَا وَسَلَّمَهُ لَهُ شَرِيكُهُ فَ (لَا رُجُوعَ) لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ عَلَى الْقَابِضِ بِنَصِيبِهِ مِمَّا قَبَضَهُ (إنْ) كَانَ (اخْتَارَ) غَيْرَ الْقَابِضِ أَنْ يَأْخُذَ (مَا) بَقِيَ (عَلَى الْغَرِيمِ) أَيْ مَدِينِهِمَا مِنْهُ وَرَضِيَ بِاخْتِصَاصِ الْقَابِضِ بِمَا قَبَضَهُ إنْ لَمْ يَهْلِكْ الْغَرِيمُ وَلَا مَالُهُ، بَلْ (وَإِنْ هَلَكَ) الْغَرِيمُ نَفْسُهُ أَوْ مَالُهُ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ إتْبَاعَ الْغَرِيمِ كَالْمُقَاسَمَةِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَهَا

(وَإِنْ كَانَ) لِشَرِيكَيْنِ مِائَةٌ عَلَى مَدِينٍ وَ (صَالَحَ) أَحَدُهُمَا (عَلَى عَشَرَةٍ) وَقَبَضَهَا بَدَلًا (مِنْ خَمْسِينِهِ فَلِ) شَرِيكِهِ ا (لِآخَرَ) الَّذِي لَمْ يُصَالِحْ (إسْلَامُهَا) أَيْ تَرْكُ الْعَشَرَةِ لِلْمُصَالِحِ وَإِتْبَاعُ الْمَدِينِ بِخَمْسِينَ (أَوْ أَخَذَ خَمْسَةً مِنْ شَرِيكِهِ) الْمُصَالِحِ (وَيَرْجِعُ) الْآخَرُ

ص: 174

مِنْ شَرِيكِهِ، وَيَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَيَأْخُذُ الْآخَرُ خَمْسَةً

وَإِنْ صَالَحَ بِمُؤَخَّرٍ عَنْ مُسْتَهْلَكٍ، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِدَرَاهِمَ؛ كَقِيمَتِهِ فَأَقَلَّ، أَوْ ذَهَبَ كَذَلِكَ، وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ:

ــ

[منح الجليل]

الَّذِي لَمْ يُصَالِحْ عَلَى الْمَدِينِ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ تَمَامِ الْخَمْسِينَ الَّتِي لَهُ (وَيَأْخُذُ الْآخَرُ) الْمُصَالِحُ مِنْ الْمَدِينِ (خَمْسَةً) بَدَلَ الْخَمْسَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْهُ شَرِيكُهُ لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْهُ، وَهَذَا فِي الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ. وَأَمَّا فِي الصُّلْحِ عَلَى إنْكَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ فَلِلْآخَرِ أَخْذُ خَمْسَةٍ مِنْ شَرِيكِهِ، وَيَرْجِعُ بِمِثْلِهَا عَلَى الْمَدِينِ وَلَا رُجُوعَ لِلْآخَرِ عَلَى الْغَرِيمِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ يَرْجِعُ بِنَصِيبِهِ مِنْهُ قَالَهُ عب. وَالْخَرَشِيُّ. الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُصَالِحْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُؤَدِّيَ أَوْ يُصَالِحَ، وَأَثْبَتَ نُونَ خَمْسِينَ مَعَ إضَافَتِهِ عَلَى لُغَةِ اسْتِعْمَالِهِ كَحَيِّزٍ.

(وَإِنْ) أَهْلَكَ شَخْصٌ مُقَوَّمًا وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ حَالَّةً فَ (صَالَحَ) عَنْهَا (بِ) مَالٍ (مُؤَخَّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (عَنْ) قِيمَةِ مُقَوَّمٍ (مُسْتَهْلَكٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ (لَمْ يَجُزْ) صُلْحُهُ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إنْ كَانَ الْمَفْسُوخُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَفْسُوخِ، أَوْ كَانَ الْمَفْسُوخُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَفْسُوخِ وَإِلَّا جَازَ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا) أَنْ يُصَالِحَهُ (بِدَرَاهِمَ) مُؤَخَّرَةٍ وَهِيَ (كَقِيمَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَهْلَكِ (فَأَقَلَّ) مِنْهَا فَيَجُوزُ إذْ هُوَ حِينَئِذٍ إنْظَارٌ بِهَا أَوْ مَعَ إسْقَاطِ بَعْضِهَا وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَحُسْنُ اقْتِضَاءٍ (أَوْ) بِ (ذَهَبٍ كَذَلِكَ) أَيْ قَدْرِ قِيمَتِهِ فَأَقَلَّ مُؤَخَّرٍ فَيَجُوزُ لِذَلِكَ، فَإِنْ صَالَحَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ ذَهَبٍ مُؤَخَّرٍ أَكْثَرَ مِنْهَا امْتَنَعَ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا.

وَأَشَارَ لِشَرْطِ الْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَ) الْحَالُّ (هُوَ) أَيْ الْمُسْتَهْلَكُ (مِنْ) جِنْسِ (مَا) أَيْ شَيْءٍ أَوْ الشَّيْءِ (يُبَاعُ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ (بِهِ) أَيْ الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ أَوْ الذَّهَبُ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُسْتَهْلَكُ يُبَاعُ بِالْوَرِقِ فَأَخَذَ ذَهَبًا مُؤَخَّرًا أَوْ عَكْسَهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَدَلَّ قَوْلُهُ كَقِيمَتِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَهْلَكَ مُقَوَّمٌ. طفي الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ

ص: 175

كَعَبْدٍ آبِقٍ

وَإِنْ صَالَحَ بِشِقْصٍ عَنْ مُوضِحَتَيْ

ــ

[منح الجليل]

فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْمُقَوَّمِ، وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ قَيْدَ كَوْنِهِ يُبَاعُ بِهِ بِالْبَلَدِ وَهُوَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَلِذَا تَارَةً تَكُونُ الْقِيمَةُ ذَهَبًا وَتَارَةً فِضَّةً.

وَشَبَّهَ بِمَا تَقَدَّمَ تَشْبِيهًا تَامًّا فَقَالَ (كَ) صُلْحِ غَاصِبٍ (عَبْدٍ) أَوْ أَمَةٍ (آبِقٍ) مِنْ عِنْدِ الْغَاصِبِ بِمُؤَخَّرٍ فَيَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنِ الْقِيمَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ بِمُجَرَّدِ غَصْبِهِ فِي دَيْنِ الْمُصَالِحِ بِهِ الْمُؤَخَّرِ إلَّا بِدَرَاهِمَ أَوْ ذَهَبٍ قَدْرِ قِيمَتِهِ فَأَقَلَّ، وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ. الْحَطّ لَيْسَ هَذَا مِثَالًا لِمَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا مُشَبَّهٌ بِهِ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ نَظَرًا إلَى الْقِيمَةِ، أَيْ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تُصَالِحَ مَنْ غَصَبَكَ عَبْدًا وَأَبَقَ مِنْهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ دَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ أَوْ الدَّرَاهِمُ كَقِيمَتِهِ فَأَقَلَّ. قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَإِنْ غَصَبَك عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَالِحَهُ عَلَى عَرْضٍ مُؤَجَّلٍ، وَأَمَّا عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ كَالْقِيمَةِ فَأَقَلَّ جَازَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الْآبِقِ، أَيْ لِأَنَّ الْغَاصِبَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ بِمُجَرَّدِ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ فَالْمُصَالَحُ عَنْهُ قِيمَتُهُ لَا نَفْسُهُ حَتَّى يَمْنَعَ بَيْعُهُ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْآبِقِ مَمْنُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

طفي هَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِمُوَافَقَتِهِ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ، إذْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا تَبِعَ فِيهَا الْمُصَنِّفُ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ شَاسٍ

(وَإِنْ) جَنَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِمُوضِحَةٍ عَمْدًا وَمُوضِحَةٍ خَطَأً مَثَلًا وَ (صَالَحَ) هـ (بِشِقْصٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ جُزْءٍ مِنْ عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ (عَنْ مُوضِحَتَيْ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ

ص: 176

عَمْدٍ وَخَطَأٍ، فَالشُّفْعَةُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَبِدِيَةِ الْمُوضِحَةِ، وَهَلْ كَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ؟ تَأْوِيلَانِ.

ــ

[منح الجليل]

وَالْفَوْقِيَّةِ مُثَنَّى مُوضِحَةٍ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ، أَيْ جُرْحٌ أَظْهَرَ الْعَظْمَ بِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ جِلْدٍ وَلَحْمٍ نَشَأَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ فِعْلٍ (عَمْدٍ وَ) الْأُخْرَى عَنْ فِعْلٍ (خَطَإٍ) وَأَرَادَ شَرِيكُ الْجَانِي أَخْذَ الشِّقْصِ الْمُصَالَحِ بِهِ بِالشُّفْعَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُوضِحَةَ الْعَمْدِ لَا دِيَةَ لَهَا إنَّمَا فِيهَا الْقِصَاصُ، أَوْ الْعَفْوُ كَسَائِرِ جِنَايَاتِ الْعَمْدِ، وَدِيَةُ مُوضِحَةِ الْخَطَإِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ النَّفْسِ.

(فَالشُّفْعَةُ) فِي الشِّقْصِ لِشَرِيكِ الْجَانِي (بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَبِدِيَةِ الْمُوضِحَةِ) الْخَطَإِ، أَيْ يَدْفَعُ الشَّفِيعُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفَ قِيمَةِ الشِّقْصِ فِي مُقَابَلَةِ نِصْفِ الشِّقْصِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَنْ مُوضِحَةِ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا مَالٌ مُقَدَّرٌ، وَيَدْفَعُ لَهُ أَيْضًا دِيَةَ مُوضِحَةِ الْخَطَإِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي مُقَابَلَةِ نِصْفِهِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَنْ مُوضِحَةِ الْخَطَإِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ قَاعِدَتَهُ إذَا أَخَذَ الشِّقْصَ فِي مُقَابَلَةِ مَعْلُومٍ كَدِيَةِ الْخَطَإِ، وَمَجْهُولٍ كَجُرْحِ الْعَمْدِ أَنْ يُوَزَّعَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ نِصْفٌ لِلْمَعْلُومِ وَنِصْفٌ لِلْمَجْهُولِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الصُّلْحِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى إنْكَارٍ فَالشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ جَمِيعِ الشِّقْصِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَهَلْ كَذَلِكَ) أَيْ الْمُصَالَحُ بِهِ عَنْ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ مُتَّفِقَيْنِ كَمُوضِحَتَيْنِ فِي قِسْمَةِ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا (إنْ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ) كَقَتْلِ نَفْسٍ خَطَأً وَقَطْعِ يَدٍ عَمْدًا أَوْ عَكْسِهِ صَالَحَ عَنْهُمَا بِشِقْصٍ مِنْ مُشْتَرَكٍ وَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ (أَوْ) إنْ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ يُقَسَّمُ الشِّقْصُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ دَيْنَيْهِمَا فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ ثُلُثَهُ الْمُصَالَحَ بِهِ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ، وَثُلُثَيْ قِيمَةِ الشِّقْصِ الْمُصَالَحَ بِهِمَا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ لِأَنَّ دِيَةَ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ خَطَأً خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَدِيَةَ النَّفْسِ لَوْ كَانَتْ خَطَأً أَلْفُ دِينَارٍ وَمَجْمُوعُهُمَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ نِسْبَةُ الْأَلْفِ لَهُ ثُلُثَانِ وَالْخَمْسُمِائَةِ ثُلُثٌ، وَعَلَى هَذَا قِسْ صُورَةَ الْأَصْلِ فَيَأْخُذُ بِدِيَةِ النَّفْسِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَبِثُلُثِ دِيَةِ الشِّقْصِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْقُرَوِيِّينَ (تَأْوِيلَانِ) وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 177

بَابٌ) شَرْطُ الْحَوَالَةِ: رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ

ــ

[منح الجليل]

بَابٌ) (فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْحَوَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا)(شَرْطُ) صِحَّةِ (الْحَوَالَةِ) عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ، لِأَنَّ الطَّالِبَ تَحَوَّلَ مِنْ طَلَبِ غَرِيمِهِ إلَى طَلَبِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْحَوَالَةُ طَرْحُ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّةٍ بِمِثْلِهِ فِي أُخْرَى وَلَا تَرِدُ الْمُقَاصَّةُ إذْ لَيْسَتْ طَرْحًا بِمِثْلِهِ فِي أُخْرَى لِامْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِذِمَّةِ مَنْ هُوَ لَهُ اهـ. الْحَطّ وَلَا يَشْمَلُ حَوَالَةَ مَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَهُ وَأَحَالَ بِهِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ إذْ لَا يُطْلَقُ لَفْظُ الدَّيْنِ عَلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ عُرْفًا، وَهِيَ حَوَالَةٌ كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَلَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي. طفي الطَّرْحُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْحَوَالَةِ لَا نَفْسِهَا وَقَدْ جَعَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ مِنْ أَحْكَامِهَا فَقَالَ أَمَّا حُكْمُهَا فَبَرَاءَةُ الْمُحِيلِ مِنْ دَيْنِ الْمُحَالِ وَتَحْوِيلُ الْحَقِّ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ. اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَيَتَحَوَّلُ إلَخْ اهـ.

الْبُنَانِيُّ الطَّرْحُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِعْلُ الْفَاعِلِ، أَيْ طَرْحُ الْمُحَالِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ فَهُوَ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَلَيْسَ هُوَ الْبَرَاءَةُ فِي كَلَامِ الْجَوَاهِرِ، بَلْ هِيَ مُفَرَّعَةٌ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ عِيَاضٌ الْأَكْثَرُ أَنَّهَا رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ الْبَاجِيَّ لَيْسَتْ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ، فَهِيَ مِنْ بَابِ النَّقْدِ. عِيَاضٌ فِي حَمْلِ الْحَوَالَةِ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ قَوْلًا الْأَكْثَرُ، وَبَعْضُهُمْ الْبَاجِيَّ هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ.

(رِضَا) الشَّخْصِ (الْمُحِيلِ وَ) رِضَا الشَّخْصِ (الْمُحَالِ) ابْنُ عَرَفَةَ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ أَنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِهَا، وَلَمْ يَعُدَّهَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْهَا وَهُوَ أَحْسَنُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا جُزْآنِ كُلَّمَا وُجِدَا وُجِدَتْ اهـ. الْحَطّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا جُزْآنِ،

ص: 178

فَقَطْ؛

ــ

[منح الجليل]

كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ تَعَلُّقِهَا عَلَيْهِمَا وَوُجُودِهَا عَلَيْهِمَا، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ رِضَا الْمُحَالِ، وَإِنَّمَا أَرْكَانُهَا الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْمُحَالُ بِهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ كُلَّمَا وُجِدَ أَوْ وُجِدَتْ مَمْنُوعٌ فَقَدْ يُوجَدَانِ وَلَا تُوجَدُ إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا.

وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَحَالَك عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُ دَيْنٌ فَلَيْسَتْ حَوَالَةً وَهِيَ حَمَالَةٌ اهـ.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ نَصَّ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ عَلَى أَنَّ حَدَّهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لَا جُزْآنِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِّ. طفي ابْنُ رَاشِدٍ اشْتَرَطُوا رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ هِيَ عِنْدَ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا مُبَايَعَةٌ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي حَدِّ ابْنِ عَرَفَةَ، وَحَيْثُ كَانَتْ مُبَايَعَةً فَالرِّضَا شَرْطٌ فِيهَا كَمَا فِيهِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ كُلَّمَا وُجِدَا وُجِدَتْ غَيْرُ مُسْلِمٍ كَتَخَلُّفِ الصِّيغَةِ كَالْبَيْعِ قَدْ يُوجِدُ الرِّضَا، وَتَتَخَلَّفُ صِيغَتُهُ وَإِنَّمَا أَرْكَانُهَا الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ بِهِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ رُكْنُهُ الْعَاقِدَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِمَا وَالصِّيغَةُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الرُّكْنَ لَا تُتَعَقَّلُ الْمَاهِيَّةُ بِدُونِهِ وَالْحَوَالَةُ لَا يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهَا عَلَى الرِّضَا.

وَأَمَّا رَدُّ " ح " عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ قَدْ يُوجَدَانِ وَلَا تُوجَدُ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا فَغَيْرُ وَارِدٍ، إذْ شَأْنُ الْمَاهِيَّةِ بُطْلَانُهَا عِنْدَ تَخَلُّفِ شَرْطِهَا وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَجْزَاؤُهَا وَمُرَادُهُمْ بِوُجُودِهَا عِنْدَ وُجُودِ أَجْزَائِهَا وُجُودُهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَخَلُّفِ الشَّرْطِ (فَقَطْ) أَيْ لَا رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ شَرْطًا عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَدَاوَةِ قَالَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه.

الْمَازِرِيُّ وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الْإِشْكَالُ إذَا اسْتَدَانَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ دَيْنًا ثُمَّ حَدَثَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ هَلْ يُمْنَعُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ مِنْ اقْتِضَائِهِ لِئَلَّا يُبَالِغَ فِيهِ وَيُؤْذِيَهُ فَيُؤْمَرُ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ أَوْ لَا يُمْنَعُ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ، تَرَدَّدَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي هَذَا وَإِشَارَتُهُ تَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْ اقْتِضَائِهِ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ لَوْ كَانَ الْمُحَالُ عَدُوًّا لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ اُشْتُرِطَ رِضَاهُ. وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا إذَا حَدَثَتْ الْعَدَاوَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ هَلْ يَجِبُ التَّوْكِيلُ أَوْ لَا كَمَا قَالُوا فِيمَنْ لَهُ دَيْنٌ

ص: 179

وَثُبُوتُ دَيْنٍ لَازِمٍ

ــ

[منح الجليل]

عَلَى شَخْصٍ وَتَجَدَّدَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُ كَمَا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلِلْمُوَثِّقِينَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَيْضًا الْقَوْلَانِ. وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه إجَازَةُ الْحَوَالَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيْنَ الشُّيُوخِ هَلْ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَيَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْبُيُوعِ أَوْ هِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ اهـ كَلَامُ التَّوْضِيحِ.

وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَلَا حُضُورُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ وَقَعَتْ فُسِخَتْ حَتَّى يَحْضُرَ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ لِلْغَائِبِ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةٌ. وَفِي الْمُشْتَمَلِ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا عَلَى حَاضِرٍ مُقِرٍّ. اهـ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اقْتَصَرَ الْوَقَارُ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَنَصُّهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ أَحَدٌ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَائِبٍ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فِي مَالِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ بِهِ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْحَاضِرِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ قَدْ فَاتَتْ، وَذِمَّةَ الْحَيِّ مَوْجُودَةٌ. اهـ. وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَالْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ دَارِهِ أَوْ عَبْدَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مُقِرٍّ حَاضِرٍ مَلِيءٍ وَتُحِيلُهُ عَلَيْهِ إنْ شَرَعْت فِي السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ. أَبُو الْحَسَنِ شَرَطَ هُنَا كَوْنَهُ حَاضِرًا مُقِرًّا وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. الشَّيْخُ فَحَيْثُ ذَكَرَهُ يُقَيِّدُ بِهِ مَا لَمْ تَذْكُرْهُ اهـ الْمَشَذَّالِيُّ قَوْلُهُ مُقِرٌّ حَاضِرٌ مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ تَجُزْ الْحَوَالَةُ فِي الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقُرْطُبِيِّ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى غَائِبٍ، فَإِنْ وَقَعَتْ فُسِخَتْ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ لِلْغَائِبِ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةٌ

(وَ) شَرْطُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ (ثُبُوتُ دَيْنٍ) لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لِلْمُحَالِ عَلَى الْمُحِيلِ وَإِلَّا فَهِيَ حَمَالَةٌ فِي الْأُولَى وَوَكَالَةٌ فِي الثَّانِيَةِ لَا حَوَالَةٌ وَلَوْ وَقَعَتْ بِلَفْظِهَا وَوُصِفَ دَيْنٌ بِ (لَازِمٍ) فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى دَيْنٍ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ تُدَايِنُهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، أَوْ رَقِيقٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ.

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِجَوَازِ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ إلَّا عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ الْأَسْفَلِ إذَا بُتَّ عِتْقُ الْأَعْلَى مَعَ أَنَّ مَا عَلَى الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ غَيْرُ لَازِمٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ بِتَعْجِيلِ الْعِتْقِ صَارَ دَيْنًا لَازِمًا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُحِيلِ، وَاغْتُفِرَ عَدَمُ لُزُومِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَسْفَلِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ، وَلِذَا امْتَنَعَ أَنْ يُحَالَ أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْأَسْفَلِ قَبْلَ أَنْ يُبَتَّ عِتْقُهُ، وَاحْتُرِزَ بِهِ أَيْضًا عَمَّنْ صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَأَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَيْهَا فَلَا تَصِحُّ لِعَدَمِ الْمُنَاجَزَةِ فِي الصَّرْفِ، وَهُوَ يُوجِبُ فَسْخَهُ، فَالدَّرَاهِمُ لَمْ تَلْزَمْ الْمُحَالَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ تَقَرُّرُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ قَبْلَ الْحَوَالَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَنْكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَيَتَحَوَّلُ إلَخْ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا كَمَا قَدَّرْتُهُ وَهِيَ تَقْتَضِي اللُّزُومَ هُنَا.

وَيُشْتَرَطُ فِي تَمَامِهَا كَوْنُ الدَّيْنِ اللَّازِمِ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ، فَمَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ بِمَالٍ وَأَحَالَ بِهِ ذَا دَيْنٍ عَلَيْهِ فَمَاتَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهَا رَجَعَ عَلَى الزَّوْجِ بِدَيْنِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَوْلُهُ دَيْنٌ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِمَا عَلَى دَيْنٍ لِلْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ أَفَادَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ ابْنُ عَاشِرٍ الْمُرَادُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ وُجُودُهُ لَا الثُّبُوتُ الْعُرْفِيُّ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَحِينَئِذٍ يَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ تَصْدِيقُ الْمُحَالِ بِثُبُوتِهِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ بِالثُّبُوتِ إلَى مَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ شَرْطِ الْحُضُورِ وَالْإِقْرَارِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَتَأَمَّلْ هَذَا الشَّرْطَ مَعَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ إلَخْ، وَقَدْ أَشَارَ فِي التَّوْضِيحِ إلَى هَذَا الْبَحْثِ عِنْدَ تَعْرِيفِ الْحَوَالَةِ.

وَأَجَابَ اللَّقَانِيُّ بِأَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ، وَلُزُومِهَا لَا فِي أَصْلِ كَوْنِهَا حَوَالَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَجَابَ " ز " بَعْدُ بِمَا هُوَ غَيْرُ مُقْنِعٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ شَرْطٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحَالُ بِعَدَمِ الدَّيْنِ وَيَرْضَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ لَازِمٌ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ شَاسٍ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ. وَقَدْ تُوُرِّكَ " ق عَلَيْهِ فِي اشْتِرَاطِهِ قَائِلًا إنَّمَا اشْتَرَطُوا هَذَا فِي الْحَمَالَةِ.

لَكِنْ فِي ضَيْح عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ حَوَالَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَهُوَ يُفِيدُ شَرْطَ اللُّزُومِ وَمَا فِي " ز " مِنْ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ دَيْنِ صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَلَا يُحَالُ بِهِ حَيْثُ

ص: 181

فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ: صَحَّ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يُفَلَّسَ أَوْ يَمُوتَ؟ تَأْوِيلَانِ.

ــ

[منح الجليل]

كَانَ لَهُمَا، وَلَا عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ عَلَيْهِمَا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِشَرْطِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ هُنَا، وَكَذَا مَنْ صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَأَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَيْهَا لَا دَيْنَ لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّرْفِ فَتَأَمَّلْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ الْمَنْفِيَّ إنَّمَا هُوَ لُزُومُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَإِنْ) أَحَالَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَ (أَعْلَمَهُ) أَيْ الْمُحِيلُ الْمُحَالَ (بِعَدَمِهِ) أَيْ الدَّيْنِ بِأَنْ قَالَهُ لَا دَيْنَ لِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلِمَ الْمُحَالُ عَدَمَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُحِيلِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ظَاهِرُهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُحِيلُ عِلْمَهُ وَرِضَاهُ بِهَا (وَشَرَطَ) الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحَالِ (الْبَرَاءَةَ) مِنْ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ مَعَ الْحَوَالَةِ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ وَرَضِيَ الْمُحَالُ بِشَرْطِهَا (صَحَّ) عَقْدُ الْحَوَالَةِ فَلَا يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ لِلْمُحَالِ تَرْكَ حَقِّهِ مَجَّانًا. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ.

فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الْحَوَالَةُ وَشَرْطُهَا ثُبُوتُ دَيْنٍ. قُلْت نَزَلَ عِلْمُهُ بِعَدَمِهِ وَرِضَاهُ مَنْزِلَةَ ثُبُوتِهِ، لَكِنْ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ فُلِّسَ اتِّفَاقًا، مَعَ أَنَّ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ (وَهَلْ) لَا يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ الَّذِي أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْبَرَاءَةَ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يُفَلَّسَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً الْمُحَالُ عَلَيْهِ (أَوْ يَمُوتُ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَلِلْمُحَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ لِشَبَهِ الْحَوَالَةِ حِينَئِذٍ بِالْحَمَالَةِ. فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ أَوْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَوْ فُلِّسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) وَجَمَعَ أَبُو عِمْرَانَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ جَوَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ وَالرِّوَايَةَ فِيمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: شَرَطَ الْبَرَاءَةَ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَحْرَى إنْ اشْتَرَطَ الْمُحَالُ الرُّجُوعَ فَهُوَ لَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا ثَلَاثُ مَسَائِلُ، اشْتِرَاطُ الْمُحِيلِ الْبَرَاءَةَ، وَاشْتِرَاطُ الْمُحَالِ الرُّجُوعَ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ أَحَدِهِمَا شَيْئًا مِنْهُمَا.

الثَّانِي: بَعْضُ مَشَايِخِي كَيْفَ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ حَيْثُ أَعْلَمَهُ بِأَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ، وَاشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ثُبُوتِ دَيْنٍ لَازِمٍ، وَهَلْ هَذَا إلَّا تَنَاقُضٌ. وَأَجَابَ بِعَدَمِ التَّنَاقُضِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَيْنٍ لَازِمٍ حَيْثُ لَمْ يُعْلِمْهُ بِعَدَمِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْبَرَاءَةَ، وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ الْإِعْلَامُ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ أَفَادَهُ تت. طفي قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ. . . إلَخْ، لَوْ قَالَ فَإِنْ عَلِمَ بِعَدَمِهِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُعْلِمَهُ الْمُحِيلُ، وَالْمَدَارُ عَلَى عِلْمِ الْمُحَالِ. وَجَعَلَ تت التَّأْوِيلَيْنِ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ تَبِعَ فِيهِ الشَّارِحَ وَالتَّوْضِيحَ، وَنَسَبُوا الْوِفَاقَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَظَرٌ، بَلْ الْوِفَاقُ بَيْنَ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَهُوَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ كَمَا فِي ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ لَا يَرْجِعُ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَرْجِعُ فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ مَعَ الْعِلْمِ وَشَرْطُهُ الْبَرَاءَةُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يُفَلَّسْ أَوْ يَمُتْ، وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهُمَا مُحَمَّدٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ.

وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ حَرِّقْ صَحِيفَتَك الَّتِي لَك عَلَى فُلَانٍ، وَاتَّبِعْنِي بِمَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ حَوَالَةٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَاتَّبَعَهُ حَتَّى فُلِّسَ الضَّامِنُ، أَوْ مَاتَ وَلَا وَفَاءَ لَهُ أَنَّ لِلطَّالِبِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْحَوَالَةِ مَا أُحِيلَ بِهِ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ. ابْنُ يُونُسَ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ.

أَبُو عِمْرَانَ جَوَابُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فَأَنْتَ تَرَى التَّوْفِيقَ، الْأَوَّلَ بَيْنَ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، بِخِلَافِ تَوْفِيقِ أَبِي عِمْرَانَ فَإِنَّهُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ سَابِقًا، فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ صَحَّ،

ص: 183

وَصِيغَتُهَا

ــ

[منح الجليل]

أَيْ صَحَّ عَقْدُهَا حَوَالَةً لَازِمَةً وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَا يَنْقَلِبُ حَمَالَةً، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ تَصِحَّ وَتَنْقَلِبُ حَمَالَةً، قَالَ فِيهَا وَإِنْ أَحَالَك عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُ دَيْنٌ فَلَيْسَتْ حَوَالَةً وَهِيَ حَمَالَةٌ. اهـ. وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ كَلَامُ بَعْضِ مَشَايِخِ تت، فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَيْنٍ لَازِمٍ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْهُ، أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ فِي كَوْنِهَا حَوَالَةً وَإِلَّا انْقَلَبَتْ حَمَالَةً، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ أَيْ صِحَّتِهَا حَوَالَةً وَلَا تَنْقَلِبُ حَمَالَةً فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ.

الْبُنَانِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَوَالَةَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، لَكِنْ إنْ رَضِيَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالتَّأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ إنْ شَرَطَ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ أَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ وَأَبْرَأَ الْغَرِيمَ، فَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّرْطَ جَائِزٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْحَمِيلُ أَوْ يُفَلَّسُ، ثُمَّ قَالَ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى التَّفْلِيسِ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَعْنَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُفَلَّسَ، وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُمَا قَدْ أَبْرَآ الْغَرِيمَ جَمِيعًا مِنْ الدَّيْنِ جُمْلَةً فَابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَهَذَا سَائِغٌ مُمْكِنٌ مُحْتَمَلٌ. اهـ. فَهِيَ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ، وَعَزَا ابْنُ يُونُسَ الثَّانِي لِمُحَمَّدٍ وَالثَّالِثَ لِأَبِي عِمْرَانَ.

وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَرْجِعُ فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ مَعَ الْعِلْمِ، وَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِمِثْلِ التَّأْوِيلِ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَهُ مُحَمَّدٌ، وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ عُلِمَ أَنَّ التَّوْفِيقَ الَّذِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَوْجُودٌ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ كَمَا وُجِدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ أَشْهَبَ خِلَافًا لطفي فِي إنْكَارِهِ وُجُودَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(وَ) شَرْطُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ (صِيغَتُهَا) أَيْ الْحَوَالَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَى تَرْكِ

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الْمُحَالِ دَيْنَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِمِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ الشَّارِحَانِ هَلْ لَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا تَكُونُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِلَفْظِهَا، أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ كَخُذْ مِنْهُ حَقَّك وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِك وَشَبَهُهُ وَعَلَى هَذَا أَدْرَجَ الشَّارِحُ، أَوْ يُشْتَرَطُ وَعَلَيْهِ مَشَى الْبِسَاطِيُّ، فَقَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَقْدُهَا بِلَفْظِهَا وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ إنَّمَا الْحَوَالَةُ أَنْ يَقُولَ أَحَلْتُك بِحَقِّك عَلَى فُلَانٍ وَأَبْرَأَ مِنْهُ بَعْدَمَا قَالَ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَجُلٍ، كَذَا وَأَمَرَ الْآخَرَ بِالدَّفْعِ لَيْسَ بِحَوَالَةٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ قَالَ خُذْ مِنْ هَذَا حَقَّك وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِك بِحَوَالَةٍ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اهـ تت.

طفي الشَّارِحُ وَالْبِسَاطِيُّ قَرَارُهُ عَلَى أَنَّ شَرْطَهَا كَوْنُهَا بِلَفْظِهَا، لَكِنْ لَمَّا أَتَى الشَّارِحُ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ دَلَّ عَلَى عَدَمِ شَرْطِ لَفْظِهَا فَصَحَّ نِسْبَتُهُ لَهُ، وَقَدْ قَالَ " ح " اُنْظُرْ هَلْ مُرَادُهُ بِصِيغَتِهَا أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِهَا، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ لَكِنَّهُ أَتَى بَعْدَهُ بِكَلَامِ الْبَيَانِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَوْ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَالِ دَيْنَهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ. قَالَ يَحْيَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ طَلَبَ رَجُلًا بِحَقٍّ فَذَهَبَ بِهِ إلَى غَرِيمِهِ، وَقَالَ لَهُ خُذْ حَقَّك مِنْ هَذَا وَأَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَتَقَاضَاهُ فَقَضَاهُ بَعْضَ حَقِّهِ أَوْ لَمْ يَقْضِهِ شَيْئًا مِنْهُ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ أَوْ بِجَمِيعِهِ، فَذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِوَجْهِ الْحَوَالَةِ اللَّازِمَةِ لِمَنْ احْتَالَ بِحَقِّهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَحْتَلْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَكْفِيَك التَّقَاضِي، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَوَالَةِ اللَّازِمُ أَنْ يَقُولَ أُحِيلُك عَلَى هَذَا بِحَقِّك وَأَبْرَأُ بِذَلِكَ مِمَّا تَطْلُبُنِي وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ.

ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ يُنْقَلُ بِهَا الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ مِنْ هَذَا حَقَّك وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَاسْتَظْهَرَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا كَوْنَهَا بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لِلْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَنَصَّهُ الشَّيْخُ وَلِلْبَرَاءَةِ بِالْحَوَالَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ وَأَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَأَنْ تَكُونَ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَأَنْ لَا يَغُرَّ بِهَا عَلَى مَنْ عَلِمَ عُدْمَهُ. اهـ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِهَا عِنْدَهُ فَكَأَنَّهَا حَمَالَةٌ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ. وَعِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ يَبْرَأُ بِلَفْظِهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَخُذْ حَقَّك مِنْ فُلَانٍ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ قَالَ خُذْ حَقَّك مِنْ هَذَا وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ فَلَيْسَ بِحَوَالَةٍ. اهـ. فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مَا نُقِلَ لَفْظُهُ أَوَّلًا فَقَطْ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يَنْتَقِلُ بِهَا الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ مِنْ هَذَا حَقَّك وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. اهـ. فَلَوْ وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبِسَاطِيُّ مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا، وَالْعَجَبُ مِنْ تت كَيْفَ سَلَّمَهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إذَا قَالَ لَهُ اتَّبِعْ فُلَانًا بِحَقِّك فَهِيَ حَوَالَةٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَمَنْ اُتُّبِعَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتَّبِعْ» ، قَالَ فَلَمَّا أُتِيَ بِلَفْظٍ يُشْبِهُ النَّصَّ كَانَ حَوَالَةً إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ.

ابْنُ رُشْدٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْبَيْنِ، وَإِنَّمَا الْبَيِّنُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَتْبَعْتُك عَلَى فُلَانٍ، وَأَمَّا إذَا قَالَ اتَّبِعْ فُلَانًا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا هَلْ الْأَمْرُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِيجَابِ أَمْ لَا، اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ رضي الله عنه. اهـ. وَالْقَوْلَانِ اللَّذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا هُمَا الرِّوَايَتَانِ فِي قَوْلِ الْبَائِعِ خُذْ هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا هَلْ هُوَ إيجَابٌ لِلْبَيْعِ كَقَوْلِهِ بِعْتُك أَمْ لَا، نَعَمْ فِي عِبَارَةِ أَبِي الْحَسَنِ مِنْ شُرُوطِ الْحَوَالَةِ كَوْنُهَا بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَأَطْلَقَ وَنَصُّهُ وَلِلْبَرَاءَةِ بِالْحَوَالَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ كَوْنُهَا بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ، وَكَوْنُهَا بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَكَوْنُهَا عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَأَنْ لَا يَغِرَّ بِالْإِحَالَةِ عَلَى مَنْ عَلِمَ عَدَمَهُ. ثُمَّ قَالَ الْحَطّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ إنْ أَتَى بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الْحَوَالَةَ وَالْوَكَالَةَ كَقَوْلِهِ خُذْ الَّذِي لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ

ص: 186

وَحُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ

ــ

[منح الجليل]

لِلْمُحَالِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ، وَيَقُولُ إنَّمَا طَلَبْت مِنْهُ ثِيَابَهُ عَنْك لَا عَلَى أَنَّهَا حَوَالَةٌ أَبْرَأْتُك مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) شَرْطُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ (حُلُولُ) الدَّيْنِ (الْمُحَالِ بِهِ) عَلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَدَّى إلَى تَعْمِيرِ ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ فَيَلْزَمُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَبَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِوَرِقٍ وَلَيْسَ يَدًا بِيَدٍ إنْ كَانَ الدَّيْنَانِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ حَالًّا وَيَقْبِضُهُ قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا مِثْلُ الصَّرْفِ فَيَجُوزُ. الْحَطّ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا كَوْنُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ حَالًّا وَوَقَعَ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يُوهِمُ خِلَافَهُ، وَنَصُّهُ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِثْلُ طَعَامَك مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَأَلَهُ أَنْ يُوفِيَك أَوْ أَحَالَك بِهِ وَلَمْ تَسْأَلْ أَنْتَ الْأَجْنَبِيَّ، فَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ، فَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حِينَ إقْرَائِهِ هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ مِنْ اشْتِرَاطِ حُلُولِ الْمُحَالِ بِهِ فَلَمْ يَحْضُرْهُ وَلَا غَيْرَهُ جَوَابٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ثُمَّ بَانَ لِي سِرُّهُ بِأَنَّ شَرْطَ الْحُلُولِ فِي الْحَوَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ، وَهَذِهِ مَجَازٌ لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ أَصْلِ دَيْنٍ فَهِيَ حَمَالَةٌ.

ص: 187

وَإِنْ كِتَابَةً

ــ

[منح الجليل]

وَيُشْتَرَطُ حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ دَيْنِ كِتَابَةٍ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (كِتَابَةً) أَيْ نُجُومَهَا أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ بِهَا عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَتَحِلُّ الْحَوَالَةُ بِهَا إنْ حَلَّتْ حَقِيقَةً بِانْقِضَاءِ شُهُورِهَا أَوْ حُكْمًا بِأَنْ نَجَزَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ الْحَطّ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ. ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ الْحَوَالَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ إحَالَةُ قَطْعٍ وَإِحَالَةُ إذْنٍ، فَأَمَّا إحَالَةُ الْقَطْعِ فَلَا تَجُوزُ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ، الْأَوَّلُ: كَوْنُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ قَدْ حَلَّ. الثَّانِي: كَوْنُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ مُسَاوِيًا لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ، الثَّالِثُ: كَوْنُ الدَّيْنَيْنِ لَيْسَا مَعًا وَلَا أَحَدُهُمَا طَعَامًا مِنْ سَلَمٍ.

وَأَمَّا إحَالَةُ الْإِذْنِ فَهِيَ كَالتَّوْكِيلِ عَلَى الْقَبْضِ وَالْإِقْطَاعِ، فَيَجُوزُ بِمَا حَلَّ بِهَا وَلَمْ يَحِلَّ وَلَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُحَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَالَهُ، وَيَجُوزُ لِلْمُحِيلِ عَزْلُ الْمُحَالِ فِي الْإِذْنِ عَنْ الْقَبْضِ وَلَا يَعْزِلُهُ فِي إحَالَةِ الْقَطْعِ. طفي اشْتِرَاطُ حُلُولِ الْمُحَالِ بِهِ حَيْثُ تَئُولُ إذَا لَمْ يُحِلْ لِمَمْنُوعٍ وَإِلَّا جَازَتْ. ابْنُ رُشْدٍ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِهَا كَوْنُ دَيْنِ الْمُحَالِ حَالًّا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَالًّا كَانَتْ بَيْعَ ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ فَدَخَلَهُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ إنْ كَانَ الدِّينَانِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حَالًّا وَيَقْبِضُ ذَلِكَ مَكَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا مِثْلُ الصَّرْفِ فَيَجُوزُ.

عِيَاضٌ شُرُوطُ الْحَوَالَةِ الَّتِي تَجُوزُ بِهَا وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهَا أَرْبَعَةٌ، أَوَّلُهَا: حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ فَلَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يُحِلْ وَصَارَتْ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَقِيقَةً، وَمُرَادُ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا أَنَّهَا مِنْ أَصْلِهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَهُوَ لَازِمٌ لَهَا إلَّا أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْمُحَالُ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مَحَلُّ الرُّخْصَةِ. عِيَاضٌ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتَّبِعْ» حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا مِنْ دَيْنٍ حَلَّ لِأَنَّ الْمَطْلَ وَالظُّلْمَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا حَلَّ. وَفِي التَّوْضِيحِ الْحَوَالَةُ رُخْصَةٌ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَوْرِدِهَا يَعْنِي بِهِ حُلُولَ الْمُحَالِ بِهِ اسْتِقْرَاءُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» . . . الْحَدِيثَ. فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ فَأَجْرِهَا عَلَى الْقَوَاعِدِ، فَإِنْ أَدَّتْ إلَى مَمْنُوعٍ مُنِعَتْ وَإِلَّا جَازَتْ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَأَطْلَقَ الْمَنْعَ مَنْ أَطْلَقَهُ

ص: 188

لَا عَلَيْهِ

ــ

[منح الجليل]

إذَا لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا ذِمَّةٌ بِذِمَّةٍ، وَتَعْجِيلُ الْحَقِّ يُخْرِجُهَا عَنْ أَصْلِهَا، وَعَلَى التَّعْجِيلِ يُحْمَلُ قَوْلُهَا فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِثْلَ طَعَامِك مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَأَلَهُ أَنْ يُوَفِّيَك أَوْ أَحَالَك بِهِ وَلَمْ تَسْأَلْ أَنْتَ الْأَجْنَبِيَّ ذَلِكَ جَازَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ، وَبِهِ تَعْلَمُ جَوَابَ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ أَهْلِ دَرْسٍ.

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَيْهِ حِينَ إقْرَائِهِ هَذَا الْمَحَلَّ أَنَّ كَلَامَهَا هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ مِنْ اشْتِرَاطِ حُلُولِ الْمُحَالِ بِهِ فَلَمْ يَحْضُرْهُ وَلَا غَيْرَهُ جَوَابٌ. وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ بِأَنَّ لِي سِرَّهُ بِأَنَّ شَرْطَ الْحُلُولِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ، وَهَذِهِ مَجَازٌ بِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ فَهِيَ حَمَالَةٌ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ بِاسْتِقْرَاضِهِ، إذْ الْقَرْضُ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ فَهُوَ دَيْنٌ حَقِيقَةً

(لَا) يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ حُلُولُ دَيْنِ الْمُحَالِ (عَلَيْهِ) كَانَ كِتَابَةً أَوْ غَيْرَهَا نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ كَوْنُ الْمُحَالِ هُوَ السَّيِّدُ بِأَنْ يُحِيلَهُ مُكَاتَبُهُ بِمَا حَلَّ حَلَّ عَلَيْهِ عَلَى كِتَابَةِ مُكَاتَبٍ لِلْمُكَاتِبِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحِيلَ السَّيِّدُ أَجْنَبِيًّا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مُكَاتَبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ التُّونُسِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَعَزَى ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ لِابْنِ الْقَاسِمِ اشْتِرَاطَ حُلُولِ الْكِتَابَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهَا السَّيِّدُ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمَا مَا حَكَيَاهُ مِنْ شَرْطِ حُلُولِهَا بِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْمُحَالَ عَلَيْهَا لَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا غَيْرُهُ حُلُولَهَا وَلَمْ يُعْرَفْ مَنْ قَالَ بِهِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ أَحَالَك مُكَاتَبُك بِالْكِتَابَةِ عَلَى مُكَاتَبٍ لَهُ وَلَهُ عَلَيْهِ مِقْدَارُ مَا عَلَى الْأَعْلَى فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُبَتَّ عِتْقُ الْأَعْلَى وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ كِتَابَةُ الْأَعْلَى جَازَتْ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ عَجَزَ الْأَسْفَلُ رَقَّ لَك وَلَا تَرْجِعُ عَلَى الْمُكَاتِبِ الْأَعْلَى بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْبَيْعِ وَقَدْ تَمَّتْ حُرِّيَّتُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمُحَالِ السَّيِّدَ لَا أَجْنَبِيًّا. التُّونُسِيُّ وَالْمُكَاتَبُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُحِيلَ سَيِّدَهُ بِمَا حَلَّ مِنْ كِتَابَتِهِ عَلَى مَا لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ كَانَ الْمُحَالُ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَجُزْ، وَهِيَ لَوْ حَلَّتْ لَمْ تَجُزْ لِلْحَوَالَةِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا أُجِيزَتْ فِي الْأَجْنَبِيِّ إذَا أُحِيلَ عَلَى مِثْلِ الدَّيْنِ، وَهَا هُنَا قَدْ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَتَصِيرُ الْحَوَالَةُ

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لِأَجْنَبِيٍّ فَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَلَا تَجُوزُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ فَتَصِيرُ الْحَوَالَةُ قَدْ خَالَفَتْ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنْهَا، وَهُوَ كَوْنُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُحَالِ بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الْكِتَابَةِ لِلْمُكَاتَبِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ كِتَابَتَهُ تَارَةً وَرَقَبَتَهُ أُخْرَى، قِيلَ أَصْلُ الْحَوَالَةِ رُخْصَةٌ لِأَنَّهَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ فَلَا يَتَعَدَّى بِهَا مَا خَفَّفَ مِنْهَا اهـ، كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَلَخَصَّهُ فِي الشَّامِلِ بِقَوْلِهِ وَحُلُولُ مُحَالٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَا مُحَالٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُحِيلَ سَيِّدَهُ لَا أَجْنَبِيًّا بِمَا حَلَّ مِنْ كِتَابَتِهِ عَلَى نُجُومِ مُكَاتَبِهِ، وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ. الْبُنَانِيُّ وَفِي التَّوْضِيحِ وَأَمَّا الْكِتَابَةُ الْمُحَالُ بِهَا فَاشْتَرَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ حُلُولَهَا، قَالَ وَإِلَّا فَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَعْتِقَ مَكَانَهُ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ لَيْسَ دَيْنًا ثَابِتًا، فَقَدْ اشْتَرَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحُلُولَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُحَالِ بِهِ الْحُلُولُ، وَرَأَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ دَيْنًا ثَابِتًا، وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُمَا، وَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّهُ إنَّمَا اخْتَلَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ إذَا سَكَتَا عَنْ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ، وَعَنْ شَرْطِ بَقَائِهِ مُكَاتَبًا فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ نَفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْأَدَاءِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ يُحْكَمُ بِتَعْجِيلِ الْعِتْقِ.

وَأَمَّا إنْ أَحَالَهُ بِشَرْطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ فَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي جَوَازِهَا بِشَرْطِ عَدَمِهِ فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي مَنْعهَا، ابْنُ عَرَفَةَ لَا تَجُوزُ حَمَالَةٌ بِكِتَابَةٍ وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ، وَفِي شَرْطِهَا بِحُلُولِهَا قَوْلًا ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فِيهَا وَصَوَّبَهُ سَحْنُونٌ وَالصَّقَلِّيُّ وَاللَّخْمِيُّ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ إنْ لَمْ تَحِلَّ الْكِتَابَةُ وَأَحَالَ عَلَيْهَا سَيِّدَهُ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ عِتْقِهِ أَوْ بِشَرْطِ عَدَمِهِ لَمْ يَخْتَلِفَا فِيهِمَا. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُفْسَخُ، يُرِيدُ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْأَدَاءِ وَغَيْرُهُ يَحْكُمُ بِتَعْجِيلِ الْعِتْقِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ اطَّلَعْت عَلَى تَمَامِ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَوَجَدْته نَصَّ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ فِي إحَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ.

وَأَمَّا إذَا أَحَالَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ عِتْقِ الْأَعْلَى حَلَّتْ كِتَابَتُهُ أَوْ لَا، وَنَصُّهُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَفِيهَا إنْ أَحَالَك مُكَاتَبُك بِكِتَابَتِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ بِقَدْرِهَا لَمْ تَجُزْ إلَّا

ص: 190

وَتَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ قَدْرًا وَصِفَةً، وَفِي تَحَوُّلِهِ عَلَى الْأَدْنَى: تَرَدُّدٌ

ــ

[منح الجليل]

بِبَتِّ عِتْقِ الْأَعْلَى، فَإِنْ عَجَزَ الْأَسْفَلُ رَقَّ لَك. الصِّقِلِّيُّ يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ كِتَابَةُ الْأَعْلَى لِشَرْطِهِ تَعْجِيلَ عِتْقِهِ. الْمَازِرِيُّ قَالُوا لَا مَعْنَى لِشَرْطِ تَعْجِيلِ عِتْقِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُهُ. الصِّقِلِّيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْقِيَاسُ أَنَّ لَفْظَ الْحَوَالَةِ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ لِلِاعْتِذَارِ عَنْ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ بِمَا تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا أَوْجَبَتْ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا عَلَى مُحَقَّقٍ ثُبُوتُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ عَجْزِ الْأَسْفَلِ فَلَا يَحْصُلُ نَفْسُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَضَعْفُ إيجَابِ هَذِهِ الْحَوَالَةِ الْبَرَاءَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْعِتْقِ فَافْتَقَرَ إلَى شَرْطِهَا بِالْعِتْقِ

(وَ) شَرْطُ الْحَوَالَةِ (تَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ) الْمُحَالِ بِهِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ (قَدْرًا) بِأَنْ يُحِيلَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَى مِثْلِهَا لَا عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا وَلَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَسَاوِي مَا عَلَى الْمُحِيلِ لِمَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ حَتَّى تَمْتَنِعَ الْإِحَالَةُ بِخَمْسَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ عَلَى الْمُحِيلِ عَلَى خَمْسَةٍ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، أَوْ بِخَمْسَةٍ عَلَى الْمُحِيلِ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَمَا تُوهَمُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَسَاوِي مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحَالِ بِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ.

(وَ) تُسَاوِيهِمَا (صِفَةً) بِأَنْ يَكُونَا مُحَمَّدِيَّيْنِ أَوْ يَزِيدِيَّيْنِ فَلَا يُحَالُ بِيَزِيدِيٍّ عَلَى مُحَمَّدِيٍّ وَلَا عَكْسُهُ زَادَ الشَّارِحُ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا كَذَهَبَيْنِ أَوْ فِضَّتَيْنِ فَلَا يُحَالُ بِذَهَبٍ عَلَى فِضَّةٍ وَلَا عَكْسُهُ الْبِسَاطِيُّ يُسْتَغْنَى عَنْ هَذَا بِتَسَاوِيهِمَا صِفَةً، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسَاوِي الصِّفَةِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ كَدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ مُحَمَّدِيَّتَيْنِ أَوْ يَزِيدِيَّتَيْنِ (وَفِي) جَوَازِ (تَحَوُّلِهِ) بِالْأَعْلَى صِفَةً (عَلَى الْأَدْنَى) صِفَةً بِالْأَكْثَرِ قَدْرًا عَلَى الْأَقَلِّ قَدْرًا وَمَنْعِهِ (تَرَدُّدٌ) وَعُلِّلَ الْجَوَازُ بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ، وَالْمَنْعُ بِتَأْدِيَتِهِ لِلتَّفَاضُلِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ.

الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ الْأَشْيَاخَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَرَدَّدُوا فِي جَوَازِ تَحَوُّلِهِ مِنْ الدَّيْنِ الْأَعْلَى إلَى أَدْنَى مِنْهُ يُرِيدُ أَوْ مِنْ الْكَثِيرِ إلَى أَقَلَّ مِنْهُ، وَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى الْجَوَازِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ التَّرَدُّدَ جَارٍ فِي التَّحَوُّلِ مِنْ الْكَثِيرِ إلَى الْقَلِيلِ، بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُقَدِّمَاتِ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ شَرَطَ فِيهَا تَمَاثُلَهُمَا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَلَا

ص: 191

وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ:

ــ

[منح الجليل]

أَدْنَى وَلَا أَفْضَلَ اهـ. قُلْت هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِجُمْلَةِ الْكَثِيرِ عَلَى الْقَلِيلِ كَأَحَلْتُكَ بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ عَلَى فُلَانٍ بِعَشَرَةٍ لِي عِنْدَهُ. أَمَّا إنْ قَالَ لَهُ أَسْقَطْت عَنْك تِسْعِينَ مِنْ الْمِائَةِ وَأَحَلْتُك بِالْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى عَشَرَةٍ لِي عَلَى فُلَانٍ فَالظَّاهِرُ فِيهِ التَّرَدُّدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ جَوَازِ التَّحَوُّلِ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى مُوَافِقٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ شَاسٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَقْوَى فِي الْمَعْرُوفِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا التَّحَوُّلُ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ فَيَجُوزُ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى مَوْضِعَ عَلَى عَنْ، فَهِيَ بِمَعْنَى عَلَى، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهَا بِمَعْنَاهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَخْذُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى، وَهَذِهِ لَا يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ اهـ.

ابْنُ عَرَفَةَ يُشْتَرَطُ تَمَاثُلُ صِنْفِ الدَّيْنَيْنِ، وَفِي شَرْطِ تَسَاوِيهِمَا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ مُطْلَقًا وَجَوَازِ كَوْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَقَلُّ أَوْ أَدْنَى. قَوْلُ الْمُقَدِّمَاتِ شَرْطُهَا تَمَاثُلُهُمَا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَلَا أَدْنَى وَلَا أَفْضَلَ وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ مَعَ الْمَازِرِيِّ وَالْمُتَيْطِيِّ، وَقَالَ شُرُوطُهَا سِتٌّ كَوْنُهَا عَلَى دَيْنٍ، وَاتِّحَادُ جِنْسِ الدَّيْنَيْنِ، وَاتِّحَادُ قَدْرِهِمَا وَصِفَتِهِمَا أَوْ كَوْنُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَقَلَّ أَوْ أَدْنَى اهـ.

(تَنْبِيهٌ) فِي التَّوْضِيحِ حَيْثُ حَكَمَ بِالْمَنْعِ فِي هَذَا الْفَصْلِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقَعْ التَّقَابُضُ فِي الْحَالِ فَإِنْ قَبَضَهُ فِيهِ جَازَ، فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَ الدَّيْنَانِ فِي الصِّنْفِ أَوْ الْجَوْدَةِ وَهُمَا طَعَامٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ وَإِنْ حَلَّا مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا فَتَجُوزُ إلَّا فِي الطَّعَامِ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبِضَهُ إلَّا صَاحِبُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ وَرِقًا فَلَا يُحِيلُهُ بِهِ، وَإِنْ حَلَّا إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ مَكَانَهُ قَبْلَ افْتِرَاقِ الثَّلَاثَةِ وَطُولَ الْمَجْلِسِ.

(وَ) شَرْطُهَا (أَنْ لَا يَكُونَا) أَيْ الدَّيْنَانِ الْمُحَالُ بِهِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ (طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ) فَلَا يَدْخُلُهَا بَيْعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَفْرَدَ طَعَامًا وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ مُثَنَّى لِكَوْنِهِ

ص: 192

لَا كَشْفُهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ

وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفْلَسَ أَوْ جَحَدَ،

ــ

[منح الجليل]

اسْمَ جِنْسٍ صَادِقًا عَلَى الْكَثِيرِ أَيْضًا، كَمَاءٍ وَثَنَّاهُ فِي السَّلَمِ نَظَرًا لِتَعَدُّدِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَشَمِلَ مَنْطُوقُهُ صُورَتَيْنِ كَوْنَهُمَا مِنْ قَرْضٍ، وَيَكْفِي فِي هَذِهِ حُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَوْنَ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرِ مِنْ قَرْضٍ، وَيَكْفِي فِي هَذِهِ حُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَوْنِ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرِ مِنْ قَرْضٍ، وَيَكْفِي فِي هَذِهِ حُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا ابْنُ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ فَاشْتَرَطَ حُلُولَهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ وَقَوْلُهُمْ أَصْوَبُ فَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ. ابْنُ عَاشِرٍ عِلَّةُ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي كَوْنِ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ فَمَا مَعْنَى جَوَازِهَا فِيهِمَا.

الْبُنَانِيُّ وَجْهُهُ أَنَّ قَضَاءَ الْقَرْضِ بِطَعَامِ الْبَيْعِ جَائِزٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَضَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ قُلْت هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُحَالُ بِهِ مِنْ قَرْضٍ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ لَا فِي عَكْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(لَا) يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ (كَشْفُهُ) أَيْ الْمُحَالِ (عَنْ) حَالِ (ذِمَّةِ) الشَّخْصِ (الْمُحَالِ عَلَيْهِ) مِنْ غِنًى وَفَقْرٍ وَاشْتِغَالٍ بِدَيْنٍ آخَرَ غَيْرِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ، فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ مَعَ عَدَمِ الْكَشْفِ عَنْهَا، فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إجَازَةُ الْحَوَالَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ، وَنَصُّهُ أَجَازَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْحَوَالَةَ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَدْرِي أَمُوسِرٌ هُوَ أَوْ مُعْسِرٌ الْمَازِرِيُّ شَرْطُ بَيْعِ الدَّيْنِ عِلْمُ حَالِ ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَإِلَّا كَانَ غَرَرًا بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ فَاغْتُفِرَ فِيهَا الْغُرُورُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ

(وَيَتَحَوَّلُ) بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْحَوَالَةِ (حَقُّ) الشَّخْصِ (الْمُحَالِ عَلَى) الشَّخْصِ (الْمُحَالِ عَلَيْهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُفْلِسًا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ قَدْ (أَفْلَسَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ حِينَ الْحَوَالَةِ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهُ وَأَوْلَى إنْ طَرَأَ فَلَهُ بَعْدَهَا إنْ اسْتَمَرَّ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ، بَلْ (أَوْ) أَيْ وَإِنْ (جَحَدَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ لَا قَبْلَهَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ بِهِ

ص: 193

إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُحِيلُ بِإِفْلَاسِهِ فَقَطْ

ــ

[منح الجليل]

لِعَدَمِ ثُبُوتِ دَيْنٍ عَلَيْهِ، وَالْأَوْلَى إبْدَالُ وَاوِ وَيَتَحَوَّلُ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُحِيلُ بِإِفْلَاسِهِ) أَيْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُحَالِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِيهَا وَإِذَا أَحَالَك غَرِيمُك عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَرَضِيت بِاتِّبَاعِهِ فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي غَيْبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ عُدْمِهِ.

أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُحَالُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ جَحَدَ أَوْ مَاتَ فَلَهُ شَرْطُهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُغِيرَةِ ابْنِ نَاجِي، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ لَمْ أَعْرِفْ فِيهِ خِلَافًا. وَفِي التَّوْضِيحِ مَسْأَلَةُ الْفَلَسِ صَحِيحَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَيَّدَهَا الْمُغِيرَةُ فَقَالَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُحَالُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَلَهُ شَرْطُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ حُدُوثُ فَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَغْوٌ لَا يُوجِبُ نَقْضَهَا، وَسَمِعَ سَحْنُونٌ الْمُغِيرَةَ إنْ شَرَطَ الْمُحَالُ إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ فَلَهُ شَرْطُهُ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيَّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ لَمْ أَعْرِفْ فِيهِ خِلَافًا. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُنَاقِضٌ لِعَقْدِ الْحَوَالَةِ، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ فِي الشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ لِلْعَقْدِ أَنَّهُ يُفْسِدُهُ، وَفِي بَعْضِهَا يَسْقُطُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا جَائِحَةَ.

ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحَالَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْمُحَالُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْحَوَالَةُ، فَإِنْ انْعَقَدَ فِي الْوَثِيقَةِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُحَالِ بِمُلَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَمَوْضِعِهِ مِنْ الْمَالِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِوَجْهٍ وَإِنْ كَانَ إفْلَاسُهُ بَعْدَ الْإِحَالَةِ فَلَا كَلَامَ لِلْمُحَالِ. الْحَطّ إذَا عَلِمَا جَمِيعًا بِفَلَسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فَأَحْرَى إذَا عَلِمَهُ الْمُحَالُ وَحْدَهُ، فَإِنْ جَهِلَا فَلَسَهُ جَمِيعًا فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْمُوَضِّحُ وَغَيْرُهُمَا، بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ.

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اعْتَرَضَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ فَلَسَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَيْبًا فَلَهُ الرُّجُوعُ، عَلِمَ الْمُحِيلُ بِهِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ مُطْلَقًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ

ص: 194

وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ، إنْ ظُنَّ بِهِ الْعِلْمَ

فَلَوْ أَحَالَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِالثَّمَنِ، ثُمَّ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتَحَقَّ وَلَمْ تَنْفَسِخْ، وَاخْتِيرَ خِلَافُهُ

ــ

[منح الجليل]

عَيْبٌ مَعَ عِلْمِ الْمُحِيلِ لِغُرُورِهِ، وَأَجَابَ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ مَعْرُوفٌ فَسَهُلَ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَغِرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ السَّابِقُ بِهَذَا

(وَ) إنْ ادَّعَى الْمُحَالُ عِلْمَ الْمُحِيلِ بِفَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَهُ الْمُحِيلُ (حَلَفَ) الْمُحِيلُ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الْعِلْمِ (إنْ ظُنَّ) بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ (بِهِ) أَيْ الْمُحِيلِ (الْعِلْمُ) أَيْ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ حَالَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ الْمُحَالُ بِهِ هَذَا هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ. وَالظَّاهِرُ مِثْلُهُ فِي دَعْوَى الْمُحِيلِ عِلْمَ الْمُحَالِ فَلَسَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ

وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَتَحَوَّلُ إلَخْ فَقَالَ (فَلَوْ أَحَالَ) شَخْصٌ (بَائِعٌ) شَيْئًا مَعْلُومًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ (عَلَى مُشْتَرٍ) ذَلِكَ الشَّيْءَ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ (ثُمَّ رُدَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ عَلَى بَائِعِهِ الْمُحِيلِ بِثَمَنِهِ (بِ) سَبَبِ (عَيْبٍ) قَدِيمٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ بِسَبَبِ فَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ بِسَبَبِ إقَالَةٍ (أَوْ اُسْتُحِقَّ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُحَالِ عَلَيْهِ قَبْلَ دَفْعِهِ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ (لَمْ تَنْفَسِخْ) الْحَوَالَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي دَفْعُ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ عَلَى بَائِعِهِ الْمُحِيلِ (وَاخْتِيرَ خِلَافُهُ) أَيْ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَهُوَ الِانْفِسَاخُ.

الْحَطّ وَتَنْفَسِخُ عِنْدَ أَشْهَبَ وَاخْتَارَهُ الْأَئِمَّةُ. ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ فَقَوْلُهُ وَاخْتِيرَ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَتِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ مَادَّةَ الِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيُّ وَصِيغَةَ الْفِعْلِ لِاخْتِيَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلَّخْمِيِّ اخْتِيَارٌ هُنَا، وَالْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَنْصُوصٌ وَالْمُخْتَارُ لِقَوْلِ أَشْهَبَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ.

(تَنْبِيهٌ) هَذَا الْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِظَنِّ الْبَائِعِ أَنَّهُ مَلَكَ مَا بَاعَهُ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ كَبَيْعِهِ سِلْعَةً لِرَجُلٍ ثُمَّ بَيْعِهَا لِآخَرَ وَإِحَالَتِهِ عَلَيْهِ بِثَمَنِهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ

ص: 195

وَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ، إنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ نَفْيُ الدَّيْنِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ، لَا فِي دَعْوَاهُ وَكَالَةً أَوْ سَلَفًا.

ــ

[منح الجليل]

قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَابْنِ سَلْمُونٍ، وَنَصُّهُ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ بَاعَ حِصَّةً مِنْ كَرْمٍ وَأَحَالَ عَلَيْهِ بِثَمَنِهَا فَأَثْبَتَ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْتَاعَ الْحِصَّةَ مِنْ الْمُحِيلِ قَبْلَ بَيْعِهَا لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ وَاسْتَحَقَّ الْحِصَّةَ وَفُسِخَ الْبَيْعُ فَقَالَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَتُنْتَقَضُ الْإِحَالَةُ وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ بِدَيْنِهِ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ قِبَلَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِسُقُوطِ الثَّمَنِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَارِجَةٌ عِنْدِي مِنْ الِاخْتِلَافِ لِكَوْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمُحِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ كُنْتُ سُئِلْتُ عَنْهَا مِنْ مُدَّةٍ فَأَجَبْت فِيهَا بِمِثْلٍ هَذَا الْجَوَابِ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ خَالَفَهُ فِي اللَّفْظِ

(وَ) إنْ ادَّعَى الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَادَّعَى الْمُحِيلُ أَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ فَلَسِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ فَ (الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ) بِيَمِينٍ (إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ الْمُحِيلُ الْمُحَالَ (نَفْيَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْفَاءِ، أَيْ عَدَمَ (الدَّيْنِ لِ) الْمُحِيلِ عِنْدَ (الْمُحَالِ عَلَيْهِ) فَإِنْ حَضَرَ وَذَكَرَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَحَدِهِمَا فَهَلْ يَكُونُ شَاهِدًا لَهُ أَمْ لَا، وَهَلْ يَجْرِي فِي الْمَلِيءِ وَالْمُعْسِرِ أَمْ لَا.

فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَهَا ثُبُوتُ دَيْنٍ لَازِمٍ، فَمُقْتَضَاهُ تَكْلِيفُ الْمُحِيلِ بِإِثْبَاتِهِ، فَجَوَابُهُ أَنَّ رِضَا الْمُحَالِ بِالْحَوَالَةِ ابْتِدَاءً تَصْدِيقٌ مِنْهُ بِثُبُوتِهِ فَصَارَ مُدَّعِيًا وَالْمُحِيلُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَبَضَ شَخْصٌ دَيْنَ آخَرَ مِنْ مَدِينِهِ وَادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّهُ وَكَّلَ الْقَابِضَ عَلَى قَبْضِهِ أَوْ أَنَّهُ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ وَادَّعَى الْقَابِضُ أَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَ (لَا) يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُحِيلِ (فِي دَعْوَاهُ) أَيْ الْمُحِيلِ (وَكَالَةً) أَيْ تَوْكِيلًا لِلْمُحَالِ عَلَى قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِنْكَارِهِ إحَالَتَهُ لَهُ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لِلْمُحَالِ (أَوْ) دَعْوَاهُ (سَلَفًا) أَيْ تَسْلِيفًا لِلْمُحَالِ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَعَ صُدُورِ لَفْظِ الْحَوَالَةِ مِنْ الْمُحِيلِ لِلْمُحَالِ فَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مِنْ دَيْنِهِ أَحَالَهُ بِهِ إنْ أَشْبَهَ كَوْنُ مِثْلِهِ يُدَايِنُ الْمُحِيلَ،

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَإِلَّا فَقَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ أَوْ سَلَّفَهُ، هَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْوَكَالَةِ وَتَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ فِي السَّلَفِ عَلَيْهَا.

وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَوْلَ فِي السَّلَفِ لِلْمُحِيلِ وَخَرَجَ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ فِي الْوَكَالَةِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْجَرْيُ عَلَيْهِ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، أَيْ فِي الْوَكَالَةِ وَالسَّلَفِ، قَالَ فِي ضَيْح أَرَادَ بِالْأَصَحِّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْوَكَالَةِ وَغَيْرِ الْأَصَحِّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي السَّلَفِ. اللَّخْمِيُّ الْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلٌ، وَخَرَجَ فِيهِ آخَرُ مِنْ الْأُخْرَى، وَبِتَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي السَّلَفِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ " ز " يَنْبَغِي لَهُ الْجَرْيُ عَلَيْهِ، أَيْ الْمَنْصُوصِ فِيهِ أَيْ السَّلَفِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ

ص: 197